
الجاسوسية: مهنة بلا تقاعد ونهاية لا ترحم
في عالم تتقاطع فيه المصالح والصراعات، تُعدّ الجاسوسية إحدى أقدم المهن التي عرفتها البشرية وأكثرها غموضًا. لكنها، وعلى خلاف المهن الأخرى، لا تتيح لصاحبها الاستمتاع بحياة ما بعد التقاعد. إذ يكاد التاريخ يجمع على حقيقة واحدة: لا نهاية سعيدة لجاسوس، سواء أكان بطلاً قوميًا أو خائنًا في نظر خصومه. فكل طريق في هذا المجال المظلم ينتهي بثلاث محطات لا رابعة لها: السجن، الإعدام، أو الاختفاء الأبدي.
لا ينجو أي جاسوس في نهاية المطاف من الحساب. هذه ليست مجرد مقولة درامية، بل واقع تؤكده عشرات القصص والحالات من مختلف الحقب الجغرافية والتاريخية. فمنذ فجر التجسس كأداة استراتيجية في الحروب والنزاعات، ارتبطت هذه 'المهنة' بمصير قاتم يسقط فيه صاحبه حالما تُكشف أوراقه.
ماتا هاري.. الأسطورة التي أُعدمت برصاصة واحدة
في الحرب العالمية الأولى، تحوّلت الراقصة الهولندية 'ماتا هاري' إلى رمز للجمال والدهاء، لكن خلف هذا البريق كانت تدور اتهامات بالتجسس لصالح ألمانيا. ألقي القبض عليها سنة 1917 وأُعدمت رمياً بالرصاص، رغم ما أثارته محاكمتها من جدل حول حقيقة التهم الموجهة إليها. ولغاية اليوم، لا يزال البعض يرى فيها ضحية صراع دول أكثر منها عميلة مزدوجة.
قضية روزنبرغ.. عندما تُصبح الأسرار النووية قاتلة
في قلب الحرب الباردة، كانت قضية الزوجين جوليوس وإيثل روزنبرغ من أبرز الملفات التي زلزلت الرأي العام الأمريكي. فقد أُعدما عام 1953 بعد إدانتهما بتسريب أسرار برنامج الأسلحة النووية الأمريكي إلى الاتحاد السوفيتي. رغم الجدل الأخلاقي والقانوني الذي صاحب المحاكمة، أصرّت الإدارة الأمريكية على أن التجسس 'جريمة تقتل مستقبل الأمة'.
إيلي كوهين.. الجاسوس الذي كاد يصبح وزيرًا
واحدة من أكثر القصص شهرة في التاريخ المعاصر هي قصة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي تمكّن من اختراق مستويات عليا في الحكم السوري تحت اسم مستعار، وكاد يُعيّن وزيراً في الحكومة قبل أن يُكشف أمره عام 1965. أُعدم شنقًا في دمشق، رغم الضغوط الدولية للإفراج عنه، ليُصبح اسمه رمزًا للعبة تجسس انتهت عند حبل المشنقة.
هواغ يوي.. إعدام علني في الصين
في 2024، نفذت الصين حكم الإعدام في هواغ يوي، المتهم بتسريب معلومات عسكرية سرية إلى جهات أجنبية. شكّلت العملية جزءًا من حملة دعائية موسعة لتعزيز الثقة في قدرة الحكومة على حماية أمن الدولة، ولإرسال رسالة واضحة: لا تسامح مع من يخون الوطن، مهما كان منصبه أو خلفيته.
آنا مونتيس.. 'ملكة كوبا' خلف القضبان
كانت آنا مونتيس، محللة استخباراتية رفيعة في وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، تنقل معلومات لصالح كوبا طوال عقد من الزمن. رغم تغلغلها العميق داخل المؤسسة الأمنية الأمريكية، سقطت سنة 2001 وحُكم عليها بالسجن لمدة 25 سنة. قصتها تُظهر أن حتى الجواسيس الأكثر براعة لا ينجون من العدالة.
أوليج بينكوفسكي وجوزيف ياكوبس.. من موسكو إلى لندن
بينكوفسكي، الجاسوس السوفييتي الذي سرّب معلومات حساسة حول أزمة صواريخ كوبا، أُعدم في موسكو سنة 1963. أما جوزيف ياكوبس، فكان آخر من أُعدم في برج لندن سنة 1941، بعد ثبوت تجسسه لصالح ألمانيا النازية. تم تنفيذ الحكم رمياً بالرصاص، ليكون شاهداً على أن 'التحصينات الديمقراطية' لا تقلّ حدة عن الأنظمة الشمولية حين يتعلق الأمر بأمن الدولة.
لماذا لا ينجو الجواسيس؟
لأن الجاسوس يُعد تهديداً وجودياً لأمن الدول.
لأنه غالبًا ما يُمثل خيانة عظمى، وعقوبتها القصوى في معظم دساتير العالم هي الإعدام.
لأن كشف الجواسيس يستلزم استعراض قوة ورسالة ردع، خصوصاً في الأنظمة التي تخشى تسرب الثقة بين صفوفها.
لأن أنظمة التجسس محكومة بمنطق 'الحذف عند الانتهاء من المهمة'، حتى من طرف الجهة التي جنّدته.
هذا، وقد يعترض البعض بأن بعض الجواسيس تصرّفوا بدافع إنساني أو سياسي. لكن الدول لا تعترف بالنيات، بل بالنتائج. وحتى في الديمقراطيات العريقة، لا يُسمح للتجسس أن يُبرر بأي غطاء أخلاقي. تمامًا كما قال أحد القضاة الفيدراليين في قضية روزنبرغ: 'الأمن الوطني ليس مجالًا للتفاوض'.
من ماتا هاري إلى كوهين، من بينكوفسكي إلى آنا مونتيس، ومن ياكوبس إلى يوي، يتضح أن 'لا أحد ينجو من الجاسوسية'. لا زمن يحمي، ولا مهارة، ولا دوافع. فهذه المهنة تبتلع أصحابها، وتلفظهم عند أول زلة أو وشاية أو تبدّل في التوازنات الدولية. إنها مهنة بلا تقاعد، بلا أوسمة، وبلا نهاية سعيدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أكادير 24
منذ ساعة واحدة
- أكادير 24
قرارات 'إفراغ' الأحياء الجامعية تضع مستقبل آلاف الطلبة على المحك
agadir24 – أكادير24 ذكرت مصادر متطابقة أن إدارات عدد من الأحياء الجامعية بمختلف المدن المغربية أقدمت على إصدار قرارات تقضي بإخلاء الطلبة من مرافق الإيواء والإطعام، في خطوة مفاجئة وصادمة بسبب عدم اجتياز الامتحانات النهائية، بما فيها اختبارات الدورة الاستدراكية ومناقشة بحوث التخرج. وأفادت ذات المصادر بأن هذا القرار، الذي جاء دون إشعار مسبق، أثار موجة من الغضب والاستياء في صفوف الطلبة، خصوصا المنحدرين من أقاليم وقرى نائية، الذين وجدوا أنفسهم مهددين بالانقطاع عن خدمات حيوية يحتاجونها في فترة تعد من أكثر المراحل حساسية في مسارهم الجامعي. وسجلت المصادر نفسها أن عددا من إدارات الأحياء الجامعية بررت قرارات الإفراغ بعوامل تتعلق بانتهاء الامتحانات العادية، أو بضرورة الشروع في عمليات الإصلاح الداخلي، وتنظيم المغادرة وإعادة التسجيل للموسم المقبل، غير أن هذه التبريرات لم تقنع الطلبة المتضررين الذين يعتبرون أن قرارات الإخلاء 'لا تراعي ظروفهم الأكاديمية والاجتماعية'. الطلبة المتأثرون بهذه القرارات ما زالوا ملتزمين بإجراء اختبارات الدورة الاستدراكية في شهر يوليوز، أو بمناقشة بحوث تخرجهم، سواء في سلك الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، إضافة إلى طلبة يجرون تدريبات ميدانية ترتبط بإنهاء الموسم الجامعي، مؤكدين أن غياب الإيواء والإطعام يضعهم في مأزق حقيقي قد يعرقل مسارهم الأكاديمي. ويطالب المتضررون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالتدخل العاجل لإلزام إدارات الأحياء الجامعية بتمديد فترة الاستفادة من الخدمات الأساسية إلى غاية انتهاء الدراسة الجامعية، بما في ذلك الامتحانات الاستدراكية ومناقشة المشاريع والبحوث. وفي سياق متصل، شدد الطلبة على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية تضمن حقهم في استكمال السنة الجامعية في ظروف لائقة، بدل إجبارهم على مغادرة الأحياء دون توفير بدائل عملية أو مراعاة للبعد الجغرافي والاجتماعي الذي يميز أغلب المستفيدين من هذه المؤسسات. ويخشى كثيرون من أن تؤدي هذه القرارات إلى تزايد نسب الإخفاق والتعثر الجامعي في صفوف الطلبة، في ظل غياب دعم حقيقي يراعي واقعهم الصعب، خصوصا وأنهم يوجدون حاليا في ذروة التحضير لاجتياز آخر اختباراتهم في الموسم الجامعي.


أكادير 24
منذ ساعة واحدة
- أكادير 24
توقيف مشتبه به في جريمة قتل بالحي الحسني: سائق أجرة رهن التحقيق واختفاء زوجته يثير الغموض
agadir24 – أكادير24 تمكنت عناصر الأمن بالمنطقة الأمنية الحي الحسني بالدار البيضاء من توقيف مشتبه به في جريمة قتل امرأة الأسبوع الماضي. جاء هذا التوقيف في وقت قياسي، في عملية حظيت بإشادة واسعة من سكان المنطقة. و تشير المعطيات الأولية إلى أن المشتبه به يعمل سائق سيارة أجرة. وقد جرى تعقبه وتوقيفه بفضل التحريات السريعة واليقظة التي باشرتها الأجهزة الأمنية فور علمها بالجريمة. هذا التدخل الفعال خلف ارتياحًا كبيرًا لدى الساكنة الذين أثنوا على سرعة ونجاعة العمل الأمني. هذا، و على الرغم من مرور أسبوع على الواقعة، لا تزال تفاصيل الجريمة غامضة. تتداول أنباء عن اختفاء زوجة المشتبه به، ما يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات التي قد تكشف عنها التحقيقات الجارية حاليًا تحت إشراف النيابة العامة المختصة. وتبقى جميع التفاصيل الكاملة لهذه القضية رهنًا بما ستسفر عنه نتائج البحث القضائي، في الوقت الذي يترقب فيه الرأي العام المحلي أي مستجدات حول هذه الجريمة التي أثارت العديد من التساؤلات.


أكادير 24
منذ ساعة واحدة
- أكادير 24
بيوكرى على صفيح ساخن.. انفجار قنينة غاز يرعب السكان في عاشوراء ويستدعي تدخل الشرطة العلمية
agadir24 – أكادير24 مصطفى رضى عاشت مدينة بيوكرى، ليلة أمس، على وقع حالة استنفار أمني كبير، عقب تسجيل انفجار قوي لقنينة غاز بحي درب حماد، تزامنا مع طقوس 'احتفالات عاشوراء' التي تحولت إلى مشاهد فوضى غير مسبوقة. وحسب شهود عيان، فقد تسببت الحادثة في حالة هلع وسط الساكنة، خاصة بعد سماع دوي الانفجار الذي هز أرجاء الحي، مخلفًا حالة من الفوضى والرعب، استدعت تدخل مختلف الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية بشكل عاجل. وقد شملت مظاهر هذه الليلة الصاخبة كذلك إشعال النيران في أحياء متفرقة، من بينها حي توامة، وسط غياب تام لأي وعي بخطورة هذه السلوكيات التي تحولت من طقس احتفالي إلى تهديد مباشر لأرواح المواطنين وممتلكاتهم. وعلمت الجريدة من مصادرها، أن شخصا جرى نقله على وجه السرعة إلى المستشفى، بعدما أصيب بصدمة حادة جراء الانفجار، فيما حلت الشرطة العلمية بعين المكان لرفع الأدلة وتحديد ملابسات الواقعة. وتواصل المصالح الأمنية تحقيقاتها من أجل تحديد هوية المتورطين، خاصة وأن الاستعمال المتهور لقنينات الغاز في مثل هذه الطقوس يمثل خرقا خطيرا للقانون وتعريضًا مباشرًا لحياة السكان للخطر. الحادثة تعيد إلى الأذهان واقعة سلا نهاية الأسبوع الماضي، والتي شهدت أحداثًا مشابهة تسببت في خسائر مادية، ما يطرح أكثر من سؤال حول دور الأسرة والمدرسة والمجتمع في تقويم سلوك النشء، ومواجهة مظاهر العنف والانفلات التي صارت ترتبط بمناسبات دينية وثقافية يفترض أن تكون مناسبة للتسامح والفرح. في ظل هذه الأحداث المتكررة، بات من الضروري فتح نقاش مجتمعي حقيقي حول سبل تأطير الشباب وتربية الناشئة على قيم المواطنة والاحترام، خصوصا في المناسبات التي تُستغل أحيانا لأغراض خارجة عن سياقها.