
المفتي السابق للقاعدة: هكذا خطط بن لادن لأحداث 11 سبتمبر
لم تكن حركة طالبان ولا قادة تنظيم القاعدة يعرفون أن أسامة بن لادن يخطط لتنفيذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، رغم حديثه المتكرر عن حدث سيجلب الولايات المتحدة إلى حرب تفككها في أفغانستان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
محلل إسرائيلي: حرب غزة صارت غاية في حد ذاتها وحماس ترص صفوفها
يرى المحلل الإسرائيلي آفي يسسخاروف أن الحرب في قطاع غزة تحوّلت إلى "غاية في حد ذاتها"، من دون أفق سياسي يُنهي الصراع، مشيرًا إلى أن الجهد العسكري الإسرائيلي بلغ منتهاه بعد قرابة عام و9 أشهر من العمليات المتكرّرة التي لم تفلح في تحقيق الهدف المعلن وهو إسقاط حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس). جاء ذلك في مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت تناول فيه الإعلانات المتتالية لجيش الاحتلال عن سقوط قتلى وجرحى من جنوده، وآخرها الإعلان عن مقتل الجندي الإسرائيلي الرقيب يانيف ميشالوفيتز وإصابة 8 آخرين الأربعاء بعملية نفذتها المقاومة الفلسطينية في الشجاعية شمالي مدينة غزة. ويشير الكاتب إلى أن الجيش الإسرائيلي سبق له تنفيذ عمليات عدة في المناطق ذاتها مثل حي الشجاعية وخان يونس التي قُتل فيها قبل أسبوع 7 جنود من وحدة الهندسة القتالية التابعة للفرقة 36، لافتًا إلى أن كل جولة عسكرية تُصاحَب بتصريحات رسمية تؤكد أن "هزيمة حماس وشيكة" أو أن الحركة ستنهار قريبًا. ومع ذلك، يرى يسسخاروف أن "حماس لا تزال واقفة على قدميها"، رغم الضربات المتواصلة التي تتعرّض لها بنيتها التحتية. ويضيف "قد لا تكون الحركة منظمة ومدرّبة كما كانت في السابق، لكنها ما زالت تملك القدر الكافي من القوة لمنع تغيير الواقع في غزة". ويتطرق المحلل السياسي إلى تصريح ضابط كبير في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي بأن الجيش "يواصل تفكيك حماس، ويقتل قادتها، ويمنع وصول المساعدات الإنسانية إليها". وبينما يشير إلى تباهيه بإنجاز وصفه "بالكبير"، وهو توزيع 150 مليون حصة غذائية على السكان الفلسطينيين، بهدف "خلق صدع بين حماس والسكان المحليين"، وفق تعبيره، فإنه يرى في ذلك الإنجاز نتيجة سلبية. ويتساءل عمّا إذا كانت إسرائيل بدأت تتحمل مسؤولية إدارة شؤون سكان غزة، وهو ما كانت تتجنّب فعله طوال سنوات مضت، قائلًا "ربما أراد الضابط الكبير أن يهنئ نفسه، لكنه في الحقيقة خرج يدين موقف الجيش الإسرائيلي". حماس تعيد بناء قوتها يقول يسسخاروف إن الجيش الإسرائيلي ألحق أضرارا حقيقية بحماس وببنيتها التحتية في المناطق التي ينشط فيها، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الحركة تعيد بناء قوتها في مناطق أخرى لا تطالها العمليات الإسرائيلية بشكل متواصل، وتنجح في تجنيد شباب جدد في صفوفها. ويلفت إلى أن الأمل الذي علّقته إسرائيل على ما يسمى " عربات جدعون" في إحداث تحول جوهري على الأرض لم يتحقق. ويضيف "حماس لم تنهر، والسكان المحليون في غزة ما زالوا غير مستعدين للخروج ضدها، رغم وجود أصوات معارضة محدودة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لدى بعض العشائر التي تتجرأ على تحدي الحركة". ويرى الكاتب أن حماس باتت تضع هدفًا واحدًا أمامها هو البقاء على حد زعمه، وأنها نجحت حتى الآن في تحقيق هذا الهدف. ويؤكد المحلل السياسي أن "الجهد العسكري في غزة وصل إلى نهايته"، معتبرًا أن هدم مزيد من الأحياء أو تدمير منازل إضافية، وقتل آلاف من عناصر حماس، لم يغير الواقع. ويضيف "قد يرغب كبار ضباط القيادة الجنوبية في الظهور بمظهر المنقذين لإسرائيل من حماس. لكن للأسف، بعد عام و9 أشهر نحاول فيها تكرار الشيء نفسه، حان الوقت لفهم أن هذه الحرب لن تنتهي أبدًا من دون نهاية سياسية". ويكشف الكاتب عن حصيلة ثقيلة للتكلفة البشرية للحرب، مشيرًا إلى مقتل 20 جنديا إسرائيليا في قطاع غزة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي وحده، بينما لم يُحرَّر أي من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس. ويرى أن التغيير الجذري في غزة يتطلب من إسرائيل المساعدة في "تشكيل حكومة بديلة لحماس"، قائلا إن "هذه هي الطريقة الحقيقية الوحيدة لإخراج حماس من غزة وتنفيذ ما تعهد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حين قال "لن تكون هناك حماس". ويخلص يسسخاروف إلى أن الحرب في غزة يجب أن تنتهي لأنها لم تحقق أي تغيير سياسي ملموس رغم طول أمدها، مؤكدًا أن "العمل العسكري ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق غاية سياسية". ويشدد على ضرورة تعاون إسرائيل مع من سماها الدول العربية المعتدلة، والولايات المتحدة، وحتى السلطة الفلسطينية، لتجنّب الغرق في ما وصفه بـ"مستنقع غزة". في نهاية مقاله، يوجه المحلل الإسرائيلي رسالته الأوضح: "من دون نهاية سياسية، لن تنتهي هذه الحرب أبدًا"، غير أنه ينسى أن أي حل سياسي لا يمكن فرضه على الشعب الفلسطيني من الخارج.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الانهيار الخطير للقوة البحرية الأميركية
مقدمة الترجمة في عام 2022، كتبت كوري شاك، الزميلة الأولى ومديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أميركان إنتربرايز"، مقالا في مجلة "فورين أفيرز" يحذر من انهيار القوة البحرية الأميركية اعتمادا على كتابين هما "حكم الأمواج" لبروس جونز، و"العصر الأزرق" لغريغ إيستربروك، وكلاهما يطرح حججا قوية مفادها أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، كما يحذران من أن المياه التجارية العالمية سوف تتحول مرة أخرى إلى ساحة للعنف. ترصد شاك ملامح الانحدار الخطير للبحرية الأميركية، وعلى رأسها تراجع عدد السفن التي تشغلها مقارنة بالصين، والحوادث الناجمة عن الإرهاق ونقص الصيانة والتدريب، فضلا عن التراجع الكبير في الميزانية المتصلة بتطوير قدرة أميركا البحرية، وهي ملامح لا تزال مستمرة وتتواتر إلى اليوم. وتتبّع شاك في نهجها التحليلي إطارا نقديا يستعرض أبرز ملاحظاتها على الكتابين الرئيسيين الذين تناقشهما في هذا التقرير، لكنها توضح بجانب هذا النقد، أهمية الكتابين في تسليط الضوء على الكثير من القضايا الحساسة التي تُعنى بمسألة تراجع قوة البحرية الأميركية. وقد قمنا خلال الترجمة برصد وإضافة التحديثات المهمة في هذا الصدد، ومع ذلك تبقى النتيجة النهائية التي خلصت إليها شاك، ومن ورائها جونز وإيستربروك قائمة إلى اليوم، وهي أن الولايات المتحدة تواجه تهديدا حقيقيا لهيمنتها البحرية. نص الترجمة في عام 1897، ضغط البرلمان البريطاني على جورج غوشن، اللورد الأول للأميرالية (الإدارة الحكومية المسؤولة عن قيادة البحرية الملكية البريطانية)*، بشأن التهديد المحتمل الذي يشكله التحالف البحري المتزايد بين القوى الأوروبية القارية. وعندما سُئل عما ستفعله المملكة المتحدة إذا واجهت العديد من السفن الأوروبية في البحر، أجاب غوشن: "ثق في العناية الإلهية وفي أميرال جيد" (الأميرال هو أعلى رتبة عسكرية في البحرية وغالبا ما يحوزها قائد الأسطول). وبعبارة أخرى، لم يكن لدى المملكة المتحدة إجابة جيدة على تحدٍ بهذا الحجم. واليوم يمكننا قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي تشكله الصين الصاعدة بسرعة. لسنوات عديدة، تشبثت الولايات المتحدة باعتقاد "شبه ديني" مفاده أن الصين ستصبح أكثر ديمقراطية وليبرالية سياسيا مع تزايد ازدهارها الاقتصادي. والآن بعد أن دحض النظام "السلطوي" في بكين هذه النظرية، يبدو أن الشعب الأميركي لا يستطيع أن يثق إلا في الأميرالات الصالحين في البحرية الأميركية للتعامل مع التهديد الوشيك المتمثل في الصين، حتى مع اعتماد الاقتصاد الأميركي بشكل متزايد على خصم واشنطن اللدود في بكين. ويرجع هذا إلى أن المنافسة بين بكين وواشنطن ستتحول بشكل متزايد إلى صراع على القوة البحرية، وهو ما يفشل العديد من المراقبين في تقديره بشكل ملائم. كثيرا ما يسخر المحللون البحريون قائلين إن الجيش الأميركي ينبغي له في حالة اندلاع حرب مع الصين؛ أن يضرب أولا ميناء لونغ بيتش في كاليفورنيا، لأن تعطيل التجارة البحرية الصينية إلى الولايات المتحدة من شأنه أن يلحق ببكين ضررا أكبر من مهاجمة بر الصين الرئيسي. والحقيقة هي أن سلاسل التوريد العابرة للحدود الوطنية متشابكة لدرجة أن التأخيرات الناجمة عن الوباء في الصين تسببت في اختناقات مرورية باهظة التكلفة لسفن الحاويات في لونغ بيتش (بولاية كاليفورنيا)، لدرجة أن إدارة بايدن فكرت في نشر الحرس الوطني للمساعدة في حل تلك الاختناقات. لقد أدت جائحة "كوفيد-19" إلى زيادة الوعي بهذه الروابط العالمية، وحفزت بعض الحكومات على النظر في "إعادة" توطين الإنتاج داخليا، خاصة في الصناعة الحيوية، لكن شبكات الاستثمار والاتصالات والإنتاج التي تربط الاقتصادات معًا تستمر في التوسع. وتعتبر التجارة البحرية والطاقة عنصرين حيويين لهذه الشبكات العالمية، إذ يتم نقل حوالي 90% من السلع المتداولة في العالم عن طريق البحر. ورغم أنه كثيرا ما تدور المناقشات الراهنة حول أساليب القوة والاستراتيجية في القرن 21 حول الحدود الجديدة للفضاء الإلكتروني والمنافسة في الفضاء الخارجي، تبقى الحقيقة أنه -في الأمد القريب على الأقل- ستتمحور غالبية الأحداث الجيوسياسية المفصلية حول ساحة أقدم وأكثر ألفة، وهي البحر. وفي هذا الصدد، صدر قبل أعوام قليلة كتابان يقيمان التحديات البحرية ويناقشان أهمية العلاقات بين القوى البحرية المعاصرة. إن كتابيّ "حكم الأمواج" لبروس جونز و"العصر الأزرق" لغريغ إيستربروك، يتناولان في المقام الأول الأمن الدولي، استنادا إلى فرضية الخبير الاستراتيجي البحري والمؤرخ ألفريد ثاير ماهان القائلة بأن "تاريخ القوة البحرية.. هو في معظمه تاريخ عسكري". ويطرح كلا الكتابين حججا قوية مفادها أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، وكلاهما يحمل في طياته نذرا بأن المياه التجارية العالمية ستتحول مرة أخرى إلى ساحة للعنف. ورغم أن هذا الطرح ربما يثير حفيظة بعض الخبراء، فإنه يقدم لأغلب القراء رؤى مفيدة حول الجوانب البحرية للاقتصاد العالمي، وصعود الصين، وقضية التغير المناخي. الأمواج الهائجة يتبنى جونز نهجًا صحفيًا، وهو يوظف الروايات حول لقاءاته ومحادثاته الخاصة كأساس لأفكاره وتفسيراته. ولتسليط الضوء على مركزية المحيطات في التجارة والاتصالات اليومية، يرسم الكاتب خريطة لشبكة ضخمة من أنابيب نقل الوقود وكبلات نقل البيانات تحت سطح البحر، ما يسلط الضوء على الاعتماد الاقتصادي العالمي على النقل البحري، ويؤكد بشكل قاطع أن المحيطات "تلعب دورا محوريا بشكل مدهش في مجال الطاقة، وفي الصراع العالمي بشأن تغير المناخ". يسعى جونز إلى إظهار أن "محيطات العالم تتحول بسرعة إلى أهم منطقة مواجهة بين الجهات الفاعلة العسكرية الكبرى في العالم"، ويرى أن أنماط التعاون التي سادت في القرن 20 آخذة في التآكل، مما يمهد الطريق لصراع واسع النطاق، وأن الصراعات الجيوسياسية تدور الآن في أعالي البحار. في ضوء هذه التوقعات القاتمة، يحذر جونز من تراجع الهيمنة البحرية الأميركية، لكن توصياته غير واقعية وتفتقر إلى الدقة التحليلية، فهو يدعو -على سبيل المثال- إلى إنشاء "تحالف من التحالفات" تعمل من خلاله الولايات المتحدة على تنسيق التعاون العالمي بين جميع الاقتصادات المستهلكة للطاقة. كما دعا واشنطن إلى "معالجة مسألة الفائزين والخاسرين من العولمة"، و"اعتماد الخطط اللازمة للحد من انبعاثات الكربون"، دون أن يقدم سوى القليل من التفاصيل حول كيفية متابعة هذه المقترحات. يدعو إيستربروك أيضا إلى الحفاظ على الهيمنة البحرية الأميركية، ولكنه يتخذ مساراً مختلفاً. ومن الواضح أن هذا الكتاب موجه بشكل رئيسي إلى أنصار اليسار السياسي، حيث يؤكد أن "كثيرًا من الناس لا يحبون المنظمات العسكرية". ويردف قائلا: "إن الأسباب التي تجعلنا نكرههم لا تحتاج إلى بيان، ويمكننا أن نحلم باليوم الذي لن تحتاج فيه أي دولة إلى جيش أو بحرية". ومن أجل جلب نوع من التوازن إلى حججه، يقدم إيستربروك "حجة ليبرالية لصالح البحرية الأميركية"، قائلا إن قوتها أدت إلى "انخفاض مذهل في معدلات الفقر في العالم النامي". ويرى إيستربروك أنه بالإضافة إلى الحفاظ على الهيمنة البحرية الأميركية، يمكن لواشنطن أن تسعى إلى تعزيز النطاق العالمي للبحرية الأميركية من خلال زيادة زيارات سفنها إلى الموانئ، وإنشاء المزيد من القواعد للدفاع عن الحلفاء، وفرض حرية الملاحة. ولكنه يضعف حجته من خلال ملاحظته أن الدَّين الوطني الأميركي أصبح بالفعل ضخما للغاية، بحيث لا يجعل مثل هذه الخطوات قابلة للتحقيق من الناحية المالية. وكشأن جونز، يقدم إيستربروك عددا من الوصفات السياسية للحل، ولكنه لا يبذل الكثير من الجهد لتقييم البدائل. بيد أن إيستربروك يبدو أكثر مثالية من جونز، حيث يقترح إنشاء "منظمة محيطات عالمية" من شأنها أن توفر "نظام حوكمة عالميا حقيقيا" لحماية حقوق العمال، وتقييد الأسلحة، وتنظيم مشاريع الطاقة البحرية، وفرض التجارة الحرة، وضمان المعايير البيئية في جميع أنحاء المياه الدولية. يقدم المؤلفان ادعاءات خاطئة تؤثر على مصداقية تحليلاتهما وأفكارهما التوجيهية. على سبيل المثال، يفسر جونز أزمة السويس عام 1956 على أنها "واحدة من اللحظات الأولى التي كان يمكن أن تتصاعد فيها الحرب الباردة إلى صراع فعلي"، في حين أن أزمة 1948-1949 بسبب الحصار السوفياتي لبرلين والحرب الكورية تتناسب مع هذا الوصف بشكل أوثق. من جانبه، يزعم إيستربروك خطأً أن "الولايات المتحدة لديها نفس العدد تقريباً من السفن البحرية الحديثة القابلة للنشر مثل كل الدول الأخرى مجتمعة"، في حين أن الصين وحدها لديها بحرية أكبر من الولايات المتحدة. كما يلقي إيستربروك باللوم في الاحتكاك بين الصين والولايات المتحدة على "تضخيم التهديدات من جانب المجمع الصناعي العسكري الأميركي والتهويل من جانب الصحفيين"، مما يعفي الصين من أي مسؤولية. وفيما يتعلق ببحر جنوب الصين، حيث انتهكت بكين بشكل روتيني السيادة الإقليمية للدول الأخرى وأنشأت جزرًا اصطناعية لإنشاء قواعد عسكرية، يخلص إيستربروك إلى أنه "حتى الآن، كانت هذه المياه سلمية وخالية من العنف في الغالب، وهو أمر لا تنال الصين أي تقدير عليه من قبل الغرب". غليان في المحيط ولكن رغم عيوبهما، يمثل كلا الكتابين محاولة رائعة لجذب القراء العاديين إلى مجالات متخصصة. إذ ولكي تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة تحديات العولمة، وصعود الصين، وتغير المناخ، فسيحتاج الأميركيون العاديون إلى تطوير فهم أفضل للقضايا البحرية ودور بلادهم كقوة بحرية. ومن أجل أن تحافظ الولايات المتحدة على النظام الدولي المتدهور الذي أشاد به جونز وإيستربروك، فستحتاج إلى استعادة قوتها البحرية العسكرية والمدنية التي سمحت لها بالضمور. لقد مكّن الترابط العالمي الذي أشاد به المؤلفان؛ من ظهور تكتلات لوجستية خاصة هائلة الحجم، أصبحت الآن ضخمة مقارنة بأسطول الولايات المتحدة البحري التجاري، الذي يعد ضروريا لقدرة الولايات المتحدة على التعبئة العسكرية في أوقات الحروب. في عام 1950، كان الأسطول البحري التجاري الأميركي يشكل 43% من الشحن العالمي، وبحلول عام 1994 انخفضت هذه النسبة إلى 4% فقط رغم صدور قانونٍ عام 1920 يشترط أن يتم بناء السفن المارة بين الموانئ الأميركية وتسجيلها في الولايات المتحدة وتشغيلها بواسطة طاقم أغلبه من المواطنين الأميركيين. ويحتل الأسطول التجاري الأميركي الحالي، الذي يتألف من 393 سفينة، المرتبة 27 على مستوى العالم. وعلى النقيض من ذلك، تمتلك الصين ثاني أكبر أسطول بحري تجاري في العالم، وهذا لا يشمل أسطول الصيد شبه العسكري "سيئ السمعة" الذي تستخدمه بكين لشن غارات على المياه المتنازع عليها (يشير كتاب حقائق السي آي أي أن الأسطول التجاري الأميركي يقبع في المركز السابع عالميا، بينما تحتل الصين المركز الثالث وفق تقديرات عام 2023). والمشكلة هنا أن افتقار الولايات المتحدة إلى أسطول تجاري ضخم يجعل البلاد تعتمد بشكل أكبر على قواتها البحرية، التي تقلص أسطولها أيضًا بشكل حاد. كانت البحرية الأميركية تمتلك سفنا في عام 1930 أكبر مما لديها اليوم، بينما حلت الصين محل الولايات المتحدة كأكبر قوة بحرية في العالم في عام 2020. ويظل الهدف الذي وضعته وزارة الدفاع الأميركية لزيادة حجم الأسطول من 306 إلى 355 سفينة عام 2034 حلما بعيد المدى، حيث لم يوفر الكونغرس التمويل اللازم له حتى الآن. في غضون ذلك، تفرض الاستراتيجية العسكرية الحالية للولايات المتحدة ضغوطا عملياتية شديدة على هذه القوة المحدودة بالفعل. وفي ضوء استعدادات واشنطن لصراع محتمل مع الصين، والتزامها بإرسال قوات إلى أوروبا في حالة وقوع هجوم على حليف في حلف الناتو، واستخدامها للزيارات الدبلوماسية للموانئ والتدريبات العسكرية كوسيلة لتعزيز العلاقات مع الشركاء الأميركيين، فإن الجيش الأميركي يعاني من ضغوط شديدة. وفي عدد من المناسبات، بدا أن الإدارات الأميركية تضيف إلى العبء المتراكم، كما في حالة الالتزام العلني للولايات المتحدة في عهد بايدن بالدفاع عن تايوان، على خلاف سياسة واشنطن المستمرة منذ عقود في "الغموض الاستراتيجي" حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستهب لمساعدة الجزيرة في حالة الغزو الصيني. هذه المسؤوليات الصعبة مجتمعة، من غير المرجح أن تستطيع القوات الأميركية التعامل معها في الوقت الراهن. ومما يزيد الضغط على الجيش الأميركي أن القادة المسؤولين عن صياغة خطط الحرب "يفرضون مطالب ضخمة على القوات تفوق بشكل واضح قدراتها، ما يخلق فجوة ضخمة بين "الطلب" و"العرض". وحتى أسطول مكون من 500 سفينة لن يكون قادرًا على تلبية هذه المتطلبات المستحيلة. هذا التناقض الهائل بين العرض والطلب على القوات البحرية الأميركية يؤثر سلبا على أفراد الخدمة: ففي كل عام، يتم تمديد فترات نشر ما يقرب من 20 سفينة، وتقوم حاملات الطائرات بانتظام بنشر قواتها بشكل متتالٍ دون توقف للصيانة. هذه الفجوة بين الالتزامات البحرية وقدرات الأسطول تؤدي إلى استنزاف البحرية الأميركية، كما يتضح من العدد المتزايد من الحوادث في البحر. (على سبيل المثال، فقدت حاملة الطائرات هاري ترومان طائرتين من طراز إف/أي-18 سوبر هورنيت"، واحدة بنيران صديقة، والأخرى بسبب انزلاقها أثناء مناورات الحافلة لتفادي رصاص الحوثيين في اليمن مؤخرا. وحتى بعيدا عن ساحات الاشتباك، تشير تقارير قيادة السلامة البحرية الأميركية إلى زيادة معدلات الحوادث البحرية الخطيرة بين وحدات الأسطول، (ارتفع عدد الحوادث البحرية من الفئة (أ) -وهي الحوادث التي تؤدي إلى الوفاة أو العجز الدائم للأفراد أو الأضرار بالممتلكات بقيمة أكثر من 2.5 مليون دولار- إلى أعلى رقم خلال عقد من الزمن)*. وبشكل عام، ارتفع معدل الحوادث البحرية خلال السنوات الثلاث الماضية بواقع 8 حوادث في عام 2022، ومثلها في عام 2023، و10 حوادث في عام 2024. وقبل ذلك في عام 2021، ألقى مكتب المحاسبة الحكومي -وهو هيئة رقابية فيدرالية- باللوم في هذه الإخفاقات؛ على نقص أعداد الطاقم والإرهاق ونقص التدريب. وفي عام 2018، وجد تقييم داخلي للبحرية أن 85% من الضباط الصغار كانوا يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتعامل مع السفن. وتتفاقم هذه التحديات التشغيلية بسبب التحديات الإدارية. وقد انتقد تقرير صادر عن الكونغرس عام 2022 الثقافة البحرية التي "تقدّر الأعمال الإدارية على التدريب على القتال، وقادة السفن الذين يطبقون معايير إدارية صارمة وينفرون من المخاطرة". وتؤكد انتقادات التقرير شكاوى العديد من الضباط البحريين من أن شخصا بمواصفات القائد البحري اللامع خلال الحرب العالمية الثانية تشيستر نيميتز، الذي حوكم عسكريا بسبب سلوكه المتهور في وقت مبكر من حياته المهنية ولكنه أصبح فيما بعد واحداً من أكثر الضباط شهرة في تاريخ البحرية، لن يتمكن أبدا من البقاء في ظل الثقافة البيروقراطية التي تحكم البحرية اليوم. في روايته لانحدار البحرية الملكية البريطانية، يميز المؤرخ أندرو جوردون بين نوعين من العسكريين: "صائدي الفئران" الذين يخرقون القواعد ويكسبون الحروب، و"المنظمين" الذين يتبعون القواعد ويعملون ضمن الإطار البيروقراطي ويتقدمون في الجيوش في زمن السلم فقط، لكي يخسروا الحروب بعد ذلك. ومن خلال إعطاء الأولوية للمهام الإدارية على المهارات الجوهرية اللازمة لكسب الحروب، تعمل الولايات المتحدة على إنشاء أسطول يتحكم فيه "المنظمون"، لكن كفاءته القتالية ربما تكون محل شك كبير. تغيير الموازين وغالبا ما تأتي المشكلة الثقافية المتمثلة في عدم الاهتمام بالكفاءة القتالية في البحرية الأميركية من القمة. على سبيل المثال، وجهت إدارة بايدن السابقة طاقتها نحو أولويات مثل جائحة كورونا العالمية، والركود الاقتصادي الساحق، وأزمة العدالة العرقية، وحالة الطوارئ المناخية. وفي عهده، أكدت حسابات وزارة الدفاع على وسائل التواصل الاجتماعي التزام الوزارة بتوسيع التنوع، وإنهاء التحرش الجنسي، ومعالجة قضايا المناخ. ورغم أهمية هذه القضايا، فإنها ليست الأسباب التي من أجلها وجد الجيش الأميركي. الأهم من ذلك أن البنتاغون لا يمتلك ميزانية كافية لمعالجة هذه القضايا دون استنزاف الأموال اللازمة للإنفاق على الأفراد والمعدات والعمليات (جدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب ألغى سياسات التنوع في الجيش بعد توليه السلطة مطلع العام الحالي)*. وفيما يبدو، فإن تبني البنتاغون لما يُسمى "الردع المتكامل" الذي يركز على الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية للدفاع يُعد مبررا لعدم استخدام القوة العسكرية لردع الخصوم. لفترة طويلة، أثارت مسألة نقص ميزانية القوات المسلحة الأميركية الكثير من التساؤلات تجاه التزام الإدارات الأميركية بالوفاء بالمتطلبات العسكرية. على سبيل المثال، في الميزانية التي اقترحها بايدن لعام 2022، كانت وزارة الدفاع هي الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي لم يتم زيادة تمويلها، في حين كان من المقرر زيادة ميزانيات الوكالات المحلية الأخرى بنسبة 16% في المتوسط. في غضون ذلك، رفضت إدارة بايدن تمويل برامج مثل مبادرة الردع في المحيط الهادئ، التي تطلبت استثمارًا في القوات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتي يعتبرها معظم الخبراء العسكريين حاسمة لردع الصين. وكان الإنفاق الإجمالي الذي خصصته إدارة بايدن للدفاع في ميزانيتها آنذاك غير كافٍ لدرجة أن الكونغرس أضاف في النهاية 24 مليار دولار إلى طلب الإدارة. (في الأعوام التالية، تفطنت الإدارة الأميركية إلى المخاطر الناجمة عن العجز في تمويل الجيش، وقامت بزيادة ميزانية الدفاع إلى 858 مليار دولار عام 2023 "وهي أكبر ميزانية دفاع في تاريخ الولايات المتحدة حتى ذلك الحين"، ثم إلى 886 مليارا عام 2024، و895 مليارا عام 2025، وهي الميزانية التي اعتمدتها إدارة بايدن قبل أسابيع على رحيلها عن المكتب البيضاوي. واليوم، تتعهد إدارة ترامب بزيادة 13% في الإنفاق العسكري خلال عام 2026، بما يعني ميزانية عسكرية تتجاوز تريليون دولار، مقابل خفض بقيمة 163 مليارا في مجالات التعليم والمساعدات الخارجية والطاقة وحماية البيئة. ومن المرجح أن يتوجه جزء من الإنفاق الدفاعي إلى خطط لبناء المزيد من السفن الحربية وفق تعهدات ترامب. ولكن حتى مع هذه الإضافة، فإن الأمر يتطلب الحفاظ على مستويات الإنفاق الدفاعية الضخمة، بل وزيادتها لفترة طويلة من أجل الوفاء بالمتطلبات الدفاعية المتزايدة للبلاد)*. لقد تسامحت الولايات المتحدة على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن مع الفجوة المتزايدة بين وسائلها العسكرية واستراتيجيتها المعلنة. وسوف يتطلب التعامل مع هذه المشكلة من واشنطن تضييق أهدافها، وزيادة إنفاقها بشكل مطرد، أو إيجاد طرق ثورية لتحسين الأداء العسكري. ويمكن للمساهمات من الحلفاء أن تعوض بعض أوجه القصور التمويلية الحالية، لكنها لن تغطيها بصورة كاملة على الإطلاق. التغييرات في البحر من المهم أن نتذكر في هذا المقام أن سبب الهيمنة البريطانية في أواخر القرن 19 يرجع جزئيا إلى أن المملكة المتحدة كانت تعتمد بشكل كبير على سيطرتها على البحر، في حين أدى ظهور السكك الحديدية كشكل من أشكال السفر البري الموثوق به؛ إلى كسر قدرة البريطانيين على التحكم في التجارة والاتصالات. واليوم تواجه الولايات المتحدة خطرا مماثلا من أن تؤدي الاختراقات التكنولوجية والعملياتية إلى تقويض هيمنتها العسكرية أو دفعها خارج إطار الزمن. ورغم كل التركيز على أهمية القوة البحرية، فإنه لا جونز ولا إيستربروك يوليان اهتماما كبيرا للحرب البحرية الحالية والطريقة التي تتغير بها. وينبغي أن يكون الابتكار هو النقطة القوية في الجيش الأميركي، ويجب على الإنفاق الدفاعي الأميركي أن يعكس هذه الأولوية. لقد أجرى الجيش الأميركي مجموعة من التجارب في العمليات التي أسفرت عن تعديلات مهمة، مثل عودة سلاح مشاة البحرية إلى العمليات البرمائية واستثماره في وحدات أصغر حجماً وأكثر قدرة على الحركة. وتعتبر هذه الأنواع من التطورات ضرورية لمنح الجيش الأميركي الميزة التي يحتاجها للدفاع عن المصالح الأميركية، ولكنها ليست كافية، والأخطر أنها لا تحدث بالسرعة الكافية. ورغم الاختلافات الكبيرة بينهما، يتفق ترامب وبايدن على أن الصين تشكل التهديد العسكري الأساسي للولايات المتحدة، وأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي المسرح المرجح لاندلاع الصراع، وهو مسرح بحري كما هو واضح. وبناء عليه، يتعين أن يعكس الإنفاق الدفاعي هذه الحقيقة، ليس فقط من خلال زيادة أرقام الإنفاق ككل، ولكن أيضا من خلال إعطاء الأولوية للبحرية الأميركية على حساب الجيش الأميركي والقوات الجوية. إن ضمان قوة البحرية أمر بالغ الأهمية، فبدون قوة بحرية قادرة وذات موارد جيدة، لن تتمكن الولايات المتحدة من الدفاع عن حلفائها في اليابان والفلبين، أو تأمين المسرح الأوسع في حال نشوب صراع. وفي هذا الصدد، فإن جونز وإيستربروك على حق تماما، فالسيطرة على البحر ستظل العامل الحاسم في القرن المقبل. تعد الولايات المتحدة قوة مهيمنة "شاذة" وغير تقليدية من حيث مشاركتها على مضض في النظام الدولي الذي خلقته بنفسها. على سبيل المثال، قادت واشنطن المفاوضات التي أدت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، حيث صاغت "دستوراً للمحيطات" بهدف وضع معايير للنشاط البحري الدولي، ولكن الولايات المتحدة نفسها لم تصادق على الاتفاقية أبدا. وقد أدت المخاوف المتنوعة، مثل قلق الكونغرس بشأن المصالح التجارية في مجال التعدين في قاع البحار العميقة، إلى شعور الرؤساء باليأس من التصديق على الاتفاقية، على الرغم من أن وزارتي الدفاع والخارجية دعتا إلى القيام بذلك. ومع هذا التردد الرسمي في الانضمام إلى المعاهدة، فإن الولايات المتحدة لا تلتزم بشروطها فحسب؛ وبل وتفرضها على الدول الأخرى. إن ما تصفه بعض الدول "باستثنائية" السلوك الأميركي، كما يتضح من رفض واشنطن الالتزام بالاتفاقية بينما تجني فوائدها، يغذي الانتقادات بأن الولايات المتحدة زعزعت استقرار النظام الدولي وأصبحت حليفاً غير موثوق به. وفي ظل هذه الأجواء فإن إحجام واشنطن عن تعزيز قوتها البحرية يرسل رسالة خاطئة إلى حلفائها وشركائها. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد الاستمرار في إرساء قواعد النظام الدولي وتطبيقها، فيتعين عليها أن تنتبه إلى بعض النصائح القديمة، وأولها: لا تدر ظهرك للمحيط أبدا.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مصطفى حافظ.. مأساة مدرسة في غزة حوَّلها الاحتلال من مركز إيواء لمحرقة
غزة- سمعت إسلام حجيلة -فجر اليوم الخميس- صوت القصف الذي وقع كزلزال هز أرجاء مدرسة مصطفى حافظ في قطاع غزة ، حيث تنزح، فهرعت على الفور إلى الخارج، وسط حالة من الفزع والرعب لم تعشها من قبل. وكان القصف استهدف المبنى المجاور الذي يضم عديدا من أقارب إسلام، التي رأت -بعد وقت قصير- كيف تشتعل النار في المبنى، وتلتهم ألسنة اللهب أجساد الأطفال والنساء. وأسفر القصف الإسرائيلي الذي استهدف المدرسة عن استشهاد 16 شخصا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، وبين الشهداء 13 شخصا من عائلة واحدة، إضافة إلى 3 أسرى سابقين، أبعدتهم إسرائيل قسرا من الضفة الغربية ، بينما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورا مروعة للمجزرة، بينها أب يحتضن طفله، وقد التهمتهما النيران. وتوقفت المدرسة عن استقبال الطلاب منذ الأشهر الأولى للحرب، بعدما تحوَّلت لمركز إيواء لعشرات الأسر، معظمها من حي الشجاعية شرق مدينة غزة. وتقول إسلام حجيلة -للجزيرة نت- وهي تحاول استرجاع التفاصيل وسط الصدمة، رأيت "أجسادا مقطعة، وجثثا محترقة في كل مكان"، وتضيف بعد أن أجهشت بالبكاء "كنا نائمين، وفجأة سمعنا انفجارا كبيرا، وتطايرت النوافذ والأبواب فوق رؤوسنا، وخرجنا نركض، فوجدنا أقاربنا ممزقين ومحترقين والنار تشتعل فيهم". وبحسب حجيلة، لم تكن هناك وسائل لإطفاء النيران، فسارع الناجون إلى جالونات الماء التي يستخدمونها للشرب والغسل، لكنهم فوجئوا بأنها مثقوبة ونفد محتواها بفعل شظايا الانفجار. ورغم ذلك، فإنهم حاولوا جاهدين إخماد النيران بأيديهم، وبما تبقى من الماء، لمحاولة إنقاذ الجرحى الذين كانت النار تلتهم أجسادهم. وتكمل وهي تعتصر حزنا: "استشهد أولاد عمي صقر وزوجته اكتمال الأربعة، وزوجة عمي الثانية ماتت، وأخي مصاب، وأبناء عمي محترقون، لم نستطع إنقاذ أحد من داخل المبنى، وأطفأنا النار بأيدينا". وسادت حالة من الفوضى والهلع، عقب القصف، حيث ركض النازحون محاولين إنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء. ومدرسة مصطفى حافظ ليست أول مركز إيواء يتم استهدافه خلال الحرب، إذ سبق أن تعرضت عشرات المدارس التي تؤوي نازحين في قطاع غزة للقصف، ووقوع مجازر مماثلة. وقال المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، اليوم الخميس، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خلال الـ48 ساعة الماضية 26 مجزرة دموية راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد، ومئات الجرحى. مشاهد مرعبة وفي القسم المجاور، كانت الطفلة حلا حجيلة (13 عاما) نائمة حين دوّى الانفجار، وبلهجة طفولية باكية، تروي ما حدث قائلة: "كنت نائمة، وفجأة كل شيء تحطم من حولي، طلعنا (خرجنا) لنجد القسم الثاني احترق بالكامل، وشفت (رأيت) طفلة صغيرة وهي تحترق، والنار تلتهم كامل جسدها". وتتوقف حلا هنيهة باكية بحرقة، ثم تتابع: "رأيت قدم رجل كبير مقطوعة ويحملها طفل صغير بيده، ورأيت شقيقين يحتضنان بعضهما بعضا، وقد التصقا بفعل الحرق، ولحمهما ذاب على بعض من النار". وتقول حلا إنها حملت شقيقها الصغير، وركضت باتجاه مدرسة أخرى تقيم فيها جدتها، خوفا من تكرار القصف. ونددت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالاستهداف الذي تعرضت له مدرسة مصطفى حافظ، معتبرة أنه استمرار في سياسة استهداف المنشآت التعليمية. وقال الناطق باسم الوزارة صادق الخضور "نعتبر استهداف المدارس -التي تعمل حاليا مراكز إيواء- جزءا من استهداف القطاع التعليمي بأكمله، حيث تضرر أكثر من 90% من مباني المدارس منذ بدء العدوان". وأضاف للجزيرة نت أن "هذه المؤسسات، وفق القانون الدولي الإنساني، يجب أن تكون محمية، ونأمل من المؤسسات الدولية والحقوقية والأممية أن تتحمل مسؤوليتها في حماية هذه المدارس والمنشآت". سياسة المجازر من جهته، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الدكتور رامي عبده، للجزيرة نت، إن "الجريمة المروعة" التي ارتكبتها إسرائيل بقصف النازحين داخل مدرسة مصطفى حافظ في مدينة غزة، تمثل "امتدادا لنمط متكرر من استهداف مراكز الإيواء منذ 21 شهرا". وأشار عبده -الذي فقد ابنة عمّه "ضحى" و3 من أطفالها في هذا القصف- إلى أن الاحتلال "أصدر أوامر تهجير لسكان شرق غزة، ثم استهدفهم عند لجوئهم غرب المدينة بقذائف حارقة ومدمّرة، حتى تفحَّمت أجسادهم". وأضاف "في هذه المدرسة كان مشهد الأب الذي يحتضن طفله في لحظاته الأخيرة، شهادة دامغة على فظاعة ما يتعرض له المدنيون في غزة، وخلال الأيام الثلاثة الماضية فقط، قُصفت 7 مدارس، بعضها مأهول بالنازحين وبعضها بعد إخلائه، مما يؤكد وجود نهج تدميري شامل يستهدف مقومات الحياة في القطاع". واعتبر عبده أن "المجزرة ليست معزولة، بل تأتي في سياق سياسة ممنهجة هدفها بثّ الرعب وتفريغ غزة من سكانها، وتكريس واقع الإبادة الجماعية". وأشار إلى أن "ارتفاع وتيرة المجازر تزامن مع الحديث عن تهدئة مرتقبة، في محاولة لاستخدام دماء المدنيين كورقة ابتزاز سياسي". وختم عبده بمطالبته بتحرك دولي عاجل، وقال إن "المطلوب من المجتمع الدولي ومؤسسات العدالة الدولية الخروج من دائرة الصمت، والعمل على وقف هذه الإبادة ومساءلة مرتكبيها، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب".