هل تنشئ إسرائيل إدارة مدنية في غزة؟
الفشل الإسرائيلي الأكبر هو في عدم وجود تصور لليوم التالي في غزة. فطالما لا تنجح إسرائيل في خلق بديل لحركة حماس وطالما هي ترفض فكرة عودة السلطة الوطنية، التي تمثل البديل الطبيعي والمنطقي والمقبول عربياً ودولياً ضمن إجراء إصلاحات معينة، فالاحتمالات القائمة إما عودة «حماس» وإما احتلال إسرائيلي مستمر في ظل معارضة دولية متزايدة قد تصل لفرض عقوبات على إسرائيل في ظل انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني بصورة فظة وصلت إلى القتل جوعاً كما حاصل في هذه الأيام. عدا طبعاً عن كل الجرائم التي ترتكب على مدار الساعة. وهذا الرفض الإسرائيلي لعودة السلطة مرده بالأساس إلى رفض فكرة توحيد الضفة وغزة تحت حكم واحد يؤدي في نهاية المطاف إلى قيام دولة وطنية مستقلة. فعودة السلطة ستمكن المجتمع الدولي من البحث في استئناف العملية السياسية لتطبيق حل الدولتين الذي تعارضه إسرائيل بشدة وتعمل على تدميره.
الآن، بدأت تطرح فكرة إنشاء إدارة مدنية في غزة تتولى الإشراف على جوانب الحياة المدنية للمواطنين في غزة لحين تولي سلطة أخرى مقبولة إسرائيلياً المسؤولية في القطاع. وما نشر في موقع «واللا» العبري، أول من أمس، على لسان «مسؤول سياسي رفيع أنه «من المحتمل أن تتحمل إسرائيل المسؤولية المدنية في قطاع غزة لفترة زمنية معينة، وأن السلطة الفلسطينية لن تكون هناك» وأن منظومة الحكم ستدار من قبل فلسطينيين، يعبر بشكل واضح عن فشل محاولات إسرائيل في خلق إطار بديل للحكم في غزة ليستبدل «حماس». وظواهر من قبيل جماعة «أبو شباب» وغيرها ليست الحل. كما أن دخول قوات عربية لتحل محل جيش الاحتلال دون توافق حول اليوم التالي هو أيضاً أمر مستبعد. فالخطة العربية تقوم على تصور شامل لمرحلة ما بعد الحرب يضمن عودة السلطة في فترة زمنية ليست بعيدة لتحكم غزة.
والفكرة الإسرائيلية على ما يبدو مستوحاة من تجربة الإدارة المدنية التي يشرف عليها ضباط وموظفون تابعون لجيش الاحتلال ويعمل فيها موظفون فلسطينيون يقومون بالأعمال الإجرائية والميدانية بعيداً عن أي دور تقريري في أي شأن. ويبقى قطاع غزة بالكامل تحت الاحتلال والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة حتى تنجح إسرائيل في إيجاد بديل يروق لها لتولي مسؤولية الإدارة المدنية بدلاً عنها. وهذا الحل غير مقبول على نخب إسرائيلية كثيرة لا تريد التورط في مسؤولية إدارة غزة والإنفاق عليها. خصوصاً أن هذا الخيار سيؤدي إلى تورط إسرائيل في غزة لفترة طويلة ولسنوات قادمة. وهذا يعني تكلفة مالية وأمنية وبشرية كبيرة. وهي غير مضمونة النجاح وقد تضطر في مرحلة ما إلى الانسحاب بدون شروط، كما حصل في لبنان.
يبدو أن إسرائيل لم تتعلم من تجاربها وتميل غالباً إلى تكرار الأخطاء فلا تجربة «روابط القرى» نجحت، ولا تجربة «جيش لحد» ولا أي صيغة احتلالية أخرى. وإسرائيل لم تجرب قط الانسحاب التام وخروج الاحتلال من حياة الناس وتمكينهم من ممارسة حياة طبيعية قائمة على الحق في الحرية والاستقلال. وكل خياراتها تدور حول تكريس السيطرة الاحتلالية. والعقلية التي تحكم إسرائيل، اليوم، تتراوح ما بين احتلال وضم وتهجير في وضح النهار وبين احتلال مع تحويل الحياة إلى معاناة مستمرة تؤدي إلى اليأس والهجرة الطوعية والتسليم ببقاء الاحتلال.
للأسف لا يوجد مشروع فلسطيني واقعي لمواجهة مشروع الحكومة الإسرائيلية القائم والمحتمل. وما عدا تكرار اللازمة المعروفة التي تتلخص بحل الدولتين، لا يوجد أي نقاش حقيقي للبحث في خيارات اليوم التالي من منظور وطني فلسطيني. ويجري الاكتفاء بالخطة المصرية - العربية لليوم التالي دون أي تحضير فعلي لعودة السلطة الوطنية في إطار توافق وطني شامل. وفقط يقتصر رد الفعل على القبول أو الرفض وفي كثير من الأحيان الصمت. ولم يتم فعل أي شيء يذكر لملء الفراغ القائم في غزة في ظل الحرب وضعف حركة حماس وحالة الفوضى التي يعيشها القطاع من غياب لمؤسسات الحكم والسلب والنهب وتعريض الناس لخطر الموت. وإذا بقي الوضع على حاله فلن يكون اليوم التالي سوى حالة من الفوضى وربما الاقتتال الداخلي مع بقاء الاحتلال بأبشع صوره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
سلام شامل أو حرب شاملة
ربّما تكون المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية (الدوحة) من أجل التوصّل إلى اتفاق بضغط أميركي، ومناورات مخادعة من قبل حكومة نتنياهو فإن هذه المفاوضات ربّما تكون الفرصة الأخيرة، الفاصلة بين استمرار وتوسُّع الحرب، وبين هدوء في الإقليم لبعض الوقت. ثمّة تفاؤل واضح لدى دونالد ترامب وفريقه بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق يستدعي منه لأوّل مرّة، تجنُب تحميل حركة حماس المسؤولية، فيما يؤكّد المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن المفاوضات تمكّنت من معالجة ثلاث نقاط خلافية ولم يبق سوى واحدة يجري العمل على معالجتها. كان ترامب يأمل في أن يعلن بنفسه عن الاتفاق بينما يكون نتنياهو إلى جانبه، ولكن يبدو أن الأخير سيغادر قبل أن يحظى ترامب بمثل هذه الفرصة. ما يظهر على السطح أمام وسائل الإعلام، التي تغطّي زيارة نتنياهو، بالتأكيد لا يعكس ما يجري في الغرف المغلقة، وبالرغم من أنّهما تبادلا الغزل كل تجاه الآخر، وأعلنا غير مرّة «الانتصار» في الحرب على إيران، فإن الوقائع على أرض الشرق الأوسط، قد لا تمنحهما المزيد من الفرص، لمواصلة «خطاب النصر». السّاحر الإسرائيلي الذي عرف دائماً من أين تؤكل الكتف، أهدى لترامب، ورقة ترشيحه لنيل جائزة «نوبل للسلام»، قبل أن يحقق الأخير السلام على أيّ جبهة سوى ما يدّعي أنه أنجزه على جبهة الهند الباكستان. إن كانت لجنة «نوبل للسلام» ستمنح ترامب جائزتها في ظل الجاري من حروب عدوانية وصراعات، فإنها ستسقط في الهوّة السحيقة التي يسقط فيها النظام العالمي، والقيم الزائفة التي يتغطّى بها ذلك النظام. فبينما تتأرجح الأوضاع في قطاع غزة.. استمرار الحرب، أو هدوئها فإن «الائتلاف الحكومي الفاشي» في دولة الاحتلال، يواصل حرب الإبادة والتجويع، وتهيئة الظروف لفرض التهجير القسري على سكّان القطاع، تحت عناوين إنسانية خبيثة. وبعيداً عن ادّعاءات النصر، سواء من قبل دولة الاحتلال أو المقاومة الفلسطينية في غزّة، فإن دولة الاحتلال تفشل باعترافات المسؤولين فيها في تحقيق الانتصار الذي يريده نتنياهو. بعد سلسلة الكمائن التي وقعت في خان يونس وبيت حانون، عاد الكثير من الإسرائيليين يتحدثون عن أن «حماس» استعادت قدراتها، كما لو أنها في الأيّام الأولى للحرب العدوانية على القطاع. فمثلما تعمل دولة الاحتلال على التفاوض تحت النار وبقوّة متزايدة لفرض شروطها على الطاولة، فإن المقاومة بدورها تصعّد ضرباتها على نحوٍ غير مسبوقٍ، انطلاقاً من ذات المبدأ. الكمين الذي وقع في بيت حانون وأدّى إلى مقتل 5 جنود وإصابة 14، كان صاعقاً، حيث إنه يقع في منطقة لم يترك فيها جيش الاحتلال بشراً، أو حجراً أو شجراً. بعد عديد المرّات التي يعلن فيها جيش الاحتلال إكمال سيطرته على بيت حانون، وتفكيك كتائب المقاومة فيها، يتلقّى أوجع الضربات، والعدد الأكبر من الخسائر البشرية والمادية ما يُعمق خطاباً يتحدث عن عبثية هذه الحرب الهمجية، وصعوبة تحقيق الحدّ الأدنى من أهدافها. في الآن ذاته، تصعّد جماعة «أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية هجماتها الصاروخية وبالطائرات المسيّرة على دولة الاحتلال، واستهداف السفن المتّجهة إليها، تزامناً مع تصعيد المقاومة هجماتها الناجحة. وبينما تعتقد أميركا، أنّها تخطو بنجاح نحو مساومة تؤدّي إلى نزع سلاح «حزب الله» اللبناني بالكامل، وليس في الجنوب فقط مقابل انسحاب جيش الاحتلال من المواقع الخمسة التي تحتلها في الجنوب فإن هذه المعادلة، قد تنفجر في أيّ لحظة وفي وجه الجميع، وقد تنفجر الأوضاع في سورية، في أيّ لحظة، بما يطيح بالآمال الجارية التي تشير إلى إمكانية موافقة النظام السوري الجديد على تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. في الواقع فإن الأمل ضعيف في أن تتخلى الأخيرة عن احتلالها للأراضي السورية، ووقف اعتداءاتها، والعودة إلى «اتفاق 1974». إزاء كلّ الجبهات المفتوحة والمحتملة، لا تتنازل دولة الاحتلال عن «حقّها» في ممارسة أعمالها العدوانية والإجرامية، بذريعة حقها في الدفاع عن نفسها، وإزالة تهديدات قائمة أو محتملة. إيران التي تحظى بالتركيز من قبل التحالف الأميركي الصهيوني لا تزال جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات التي تتقدمها عودة الحرب العدوانية، وبصرف النظر عمّا يراه ترامب بشأن إيران فإن دولة الاحتلال تعمل بقوة على إسقاط النظام، عبر سلسلة اغتيالات. الرئيس الإيراني، أعلن صراحة أنه نجا من استهداف، وكذلك وزير الخارجية، وحرب الرصد تكنولوجياً، وبشرياً تستعر بقوة بين الطرفين. الأميركيون يتحدثون عن رغبة إيران في التفاوض وأن هذه المفاوضات قد تنطلق قريباً، فيما الإيرانيون يكسبون المزيد من الوقت لإعادة بناء منظوماتهم الدفاعية، ولا يبدون أيّ حماسٍ للعودة للمفاوضات، بعد أن هبطت الثقة إلى ما دون الصفر مع الجانب الأميركي. الإيرانيون يتحدثون عن استعادة قدرتهم على التخصيب النووي بعيداً عن أنظار مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن علّقت إيران التعاون معها. وفيما تبدو الحرب الهمجية والتدميرية في الضفة الغربية، وكأنها لا تحظى بالحدّ الأدنى من الاهتمام وسط زوابع الحديث عن إيران وغزة والجبهات الأخرى، فإن الضفة تتعرّض لحربٍ حقيقية، هي نسخة من حرب التطهير العرقي والتدمير والاقتلاع التي تتعرّض لها غزّة. من الواضح أن الأمور في الشرق الأوسط تتّجه نحو واحدٍ من خيارين فهي أمام الحرب الشاملة، أو السلام الشامل، بما في ذلك ما يتعلق بالحقوق السياسية الفلسطينية والفلسطينيين.


جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
هل وقف الحرب في غزة ممكن في ظل نوايا حكومة نتنياهو؟
رغم سيادة حالة من التفاؤل بين أوساط الغزيين، الذين أنهكتهم الحرب، بعد تناثر الأخبار باقتراب الوصول لهدنة، هناك عدد من المعطيات لا بد من وضعها بعين الاعتبار، سواء في ظل واقع غزة على الأرض، حيث يسيطر الاحتلال حالياً على ٧٠ - ٨٠ في المائة من مساحة القطاع، ويحجز السكان في مناطق ضيقة منه، أو في ظل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول متطلبات نهاية الحرب، أو في ظل تتبع شروط الاحتلال للموافقة على تلك الهدنة. بعد إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة بأنه بدأ يفقد صبره إزاء الحرب في غزة، وتصريح متحدثي البيت الأبيض بأولوية وقفها لدى ترامب، أعلن الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي عن وجود مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة. يتضمن المقترح إطلاق سراح عدد كبير من المحتجزين في غزة، حيث يضمن استمرار الهدنة ووقف العمليات العسكرية طوال أيامها الستين، وإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار بشكل دائم خلال تلك الأيام. ينص مقترح ترامب على إطلاق سراح ١٠ محتجزين أحياء وجثامين ١٨ قتيلاً منهم على خمس مراحل، مقابل وقف إطلاق النار لمدة ٦٠ يوماً، ودخول المواد الإنسانية الأساسية إلى القطاع، وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وحسب المطروح، سيتم إطلاق سراح ثمانية محتجزين أحياء في اليوم الأول واثنين في اليوم الخمسين، وإعادة خمسة قتلى في اليوم السابع، وخمسة آخرين في اليوم الثلاثين، وثمانية آخرين في اليوم الستين، ليتبقى بعد ذلك ٢٢ محتجزاً في غزة، يعتقد أن ١٠ منهم أحياء. جاءت المفاوضات غير المباشرة بين حكومة الاحتلال وحركة حماس في الدوحة خلال الأسبوع الجاري، قبل يوم من زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وسط تصريحات إسرائيلية متفائلة بقرب عقد صفقة. عكست بعد ذلك المفاوضات بين الطرفين، أنه لا يتضمن اختراقات حقيقية تفسر ذلك التفاؤل الإسرائيلي المعلن قبيل زيارة نتنياهو لواشنطن. كما تبين أيضاً أن الوفد المفاوض الإسرائيلي لا يتمتع بتفويض كافٍ للتوصل لاتفاق، كما كان الحال في مفاوضات سابقة لم تحرز نتائج، ما يؤكد أن القرار النهائي سيخرج من مكان آخر خارج غرف التفاوض. ووضعت حركة حماس ثلاث ملاحظات على ذلك المقترح الأميركي الإسرائيلي، تتعلق بضمان عدم استئناف إسرائيل الحرب بعد وقف إطلاق النار المقرر لمدة 60 يوماً، وتأمين تدفق الاحتياجات الإنسانية الأساسية عبر آليات تدعمها الأمم المتحدة، وسحب القوات الإسرائيلية إلى المواقع التي تمركزت فيها قبل انهيار وقف إطلاق النار السابق في أوائل شهر آذار الماضي. ورغم رفض نتنياهو لتحفظات الحركة، إلا أنه على ما يبدو قد حدث تطور يتعلق بالتحفظ المتعلق بالمساعدات، خصوصاً في ظل الانتقاد الدولي لدور «مؤسسة غزة الإنسانية» التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل في توزيع الاحتياجات الأساسية للغزيين منذ شهر أيار الماضي، بعد منع كامل لدخولها للسكان على مدار شهرين ونصف. إلا أن المعضلة المتبقية والأهم، ترتبط بإصرار إسرائيل على عدم الالتزام بإنهاء الحرب بعد الهدنة، الذي لم يتغير منذ بداية الحرب، وفي أي مفاوضات تالية. لذلك عارضت حركة حماس الصيغة الحالية للاقتراح، والتي تربط تمديد الهدنة بعد الستين يوماً الأولى، بشرط تفاوض الأطراف بحسن نية، واقترحت الحركة بدلاً من ذلك ربط المفاوضات بالتوصل لاتفاق. وعادت إسرائيل للحرب في شهر آذار الماضي، قبل بدء المرحلة الثانية منها، بعد رفضها الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب. قد ينسجم إصرار إسرائيل على عدم الاستجابة لشرط وقف الحرب، مع أهدافها المعلنة لتحقيق ذلك، والذي يرتبط بتدمير قدرات حركة حماس ووجودها، وهو ما لم تستطع تحقيقه حتى الآن، رغم أنها تتفاوض معها، في إطار تحقيق هدنة تضمن إخراج المحتجزين في غزة عبر صفقة. أي أنه من الواضح أن مفاوضات إسرائيل مع حركة حماس تأتي في سبيل إخراج المحتجزين، أما نهاية الحرب، وفق التصريحات الإسرائيلية فيتطلب القضاء على حركة حماس، أي أن الحرب لن تنتهي بخروج المحتجزين من القطاع. وتنص الصفقة الحالية على إخراج نصف المحتجزين الخمسين الموجودين في القطاع، الأحياء منهم والأموات، على مدار شهرين. وفي حين عرضت حركة حماس صفقة شاملة تخرج جميع المحتجزين دفعة واحدة، مقابل إنهاء الحرب، يرفض نتنياهو ذلك، ويركز على معادلة الهدنة وإخراج تدريجي للمحتجزين، بما يضمن عودته للقتال، كما جرى في الهدنتين السابقتين، والتي ضمنت خروج معظم المحتجزين في غزة حتى الآن. قد يكون الأمر الأشد تعقيداً متعلقاً برؤية إسرائيل لمستقبل القطاع، سواء بعد خروج المحتجزين أو حتى بعد تدمير حركة حماس. قبيل بدء رحلة نتنياهو الحالية إلى واشنطن أعلن يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي عن خطة لإنشاء مخيم للفلسطينيين في غزة، على أنقاض مدينة رفح، التي تقع في أقصى جنوب القطاع، وعلى الحدود مع مصر. تزامن ذلك مع تسريبات من داخل غرف المفاوضات الحالية في الدوحة بأن الخرائط التي جاء بها المفاوضون الإسرائيليون إلى الدوحة، والتي تبين مناطق انسحاب قوات الاحتلال من غزة خلال فترة الهدنة، تؤكد على نية الاحتلال الاحتفاظ بمحور «موراغ»، وهو ذلك الشريط الذي دشنه الاحتلال لفصل مدينة رفح عن مدينة خان يونس، مع إصراره أيضاً على الاحتفاظ بمحور فيلاديلفيا، الذي يقع أقصى جنوب مدينة رفح، ويشكل الحدود مع مصر. إن احتفاظ إسرائيل بمحوري «موراغ» وفيلاديلفيا يضمن تنفيذ خطة كاتس خلال تلك الفترة، والمتعلقة ببناء مخيم للفلسطينيين على أنقاض مدينة رفح. ويتقاطع ذلك مع تصريحات نتنياهو التي جاءت في ذات السياق والتوقيت من واشنطن، والتي أكد فيها أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان مع دول أخرى تقبل استقبال الغزيين لضمان مستقبل أفضل لهم، وهو ما وصفه نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون بالترحيل الطوعي للفلسطينيين، في ظل استمرار حرب القتل والتدمير والتجويع التي يخضع لها قطاع غزة على مدار ٢١ أسبوعاً. والسؤال المطروح هنا، طالما أن هدف نتنياهو من المفاوضات والهدنة إخراج المحتجزين الخمسين في غزة، الأحياء منهم والأموات، وطالما أن المطلب النهائي لإسرائيل لوقف الحرب هو القضاء على قدرات حركة حماس الإدارية والعسكرية في غزة، إذاً لماذا لا تتفاوض إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، لاستلام القطاع؟ خصوصاً أن حركة حماس أعلنت عن عدم تمسكها بالبقاء في السلطة بعد انتهاء الحرب، كما أكدت السلطة الفلسطينية استعدادها لإدارة شؤون القطاع. الإجابة تتعلق بمخططات إسرائيل الحقيقية لغزة، والتي تم توضيحها أعلاه، وبإجابة نتنياهو حول مستقبل الدولة الفلسطينية. فخلال زيارته الأخيرة لواشنطن، أكد نتنياهو معارضته لقيام دولة فلسطينية، مؤكداً أنه يسمح بأن يكون لدى الفلسطينيين القدرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، مشدداً على أن الأمن سيبقى تحت سيطرة إسرائيل، وأن السلام مع الفلسطينيين يعني فقط القبول بسيادة إسرائيل على الأرض. وفي ظل تطلع ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، فان وقف الحرب في غزة متطلب رئيس، وذلك يحتاج إلى ضغط من الرئيس الأميركي على نتنياهو، فهل يستطيع ترامب تحقيق ذلك؟ في ظل تعقيدات تتعلق بقضايا حساسة للإسرائيليين وتشكل أولوية في صراعهم مع الفلسطينيين، وتنال دعماً واسعاً في الدولة الأميركية العميقة. ورغم ذلك تبقى هناك عوامل أخرى من شأنها قلب المعادلات التي يضعها نتنياهو وحكومته لحسم مستقبل الصراع مع الفلسطينيين. يعد توجه الرأي العام الإسرائيلي باتجاه وقف الحرب، عاملاً مهماً لتحقيق ذلك، وإفشال مخططات حكومة نتنياهو في غزة. فمنذ خرق إسرائيل للهدنة السابقة في شهر آذار الماضي، قتل ٤٠ جندياً إسرائيلياً في غزة، بالإضافة لعشرات الجرحى، نصفهم سقط الشهر الماضي، في حين لم يخرج إلا محتجز حي واحد طوال تلك المدة، وهو أيدان ألكسندر، الأميركي الإسرائيلي، الذي وعد ترامب بإخراجه، وخرج وفق اتفاق بين حركة حماس وترامب. وبذلك اتحدت أصوات الإسرائيليين لوقف الحرب بعد أن انضمت أصوات أهالي القتلى في الجيش الإسرائيلي إلى أصوات أهالي المحتجزين، وكذلك كل من يقلق من خسارة أبنائه في حرب استنزاف لا تبدو نهايتها قريبة. كما يعد فشل إسرائيل في خلق قيادة بديلة للشعب الفلسطيني، تعمل وفق مخططاتها، عاملاً مركزياً في إفشال مخططات نتنياهو في غزة والضفة. في غزة فشلت عصابة ياسر أبو شباب، التي أنشأها الاحتلال لمواجهة حركة حماس، ويستمر بقاؤها اليوم فقط في مدينة رفح تحت حماية جيش الاحتلال. وفي الضفة، ماتت محاولة خلق إمارة الخليل المنفصلة عن النسق الفلسطيني في الضفة، في مهدها. ولم يتعلم الاحتلال من تجاربه السابقة وعلى مدار عقود أن القيادة المفروضة دون دعم شعبي تنهار بعد رفع غطاء الاحتلال عنها، فذلك الخيار غير ممكن مع الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل مواصلة قمع الفلسطينيين، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وربما حتى في شمال قطاع غزة، إلا أن ذلك لن يولد إلا مزيداً من الكراهية والرغبة في الانتقام، ولن تنعم إسرائيل بالأمن يوماً، وسيبقى الفلسطينيون يبتكرون أساليبهم الخاصة في المقاومة والدفاع عن النفس، للتصدي لمحتلهم، وهو ما لم يتوقف يوماً واحداً طوال سنوات هذا الصراع. ويبقى حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على أرض الواقع حاضراً، رغم كل ادعاءات إسرائيل، فمعظم دول العالم، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات وتوصيات المحاكم الدولية تحسم الحق الفلسطيني، وليست هناك قوة تستطيع إنكاره. وأظهرت حروب إسرائيل مع محيطها العربي، خلال العامين الماضيين، أن أكبر المتضررين من استمرار الصراع والحروب في المنطقة هو المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يقوى على تحمل الحروب التي تصل إليه، فعشرات الآلاف من الإسرائيليين تركوا إسرائيل ليستثمروا ويؤسسوا لحياة أكثر استقراراً خلال الفترة السابقة. فإرجاع الحقوق لأصحابها وحده يمكن أن يجلب السلام لإسرائيل، وهو ما حدث مع مصر من قبل بعد إعادة شبه جزيرة سيناء، وهو السبيل الوحيد مع الفلسطينيين، لتحقيق السلام في المنطقة. وفي الختام، رغم عدم ظهور مؤشرات على قرب حدوث هدنة حتى الآن، إلا أن نتنياهو قد يقبل بها، فهو لا يريد الظهور بمظهر المعطل لها أمام ترامب، الذي يظهر رغبة في تحقيقها. إلا أن نتنياهو، وفي حال حدوثها، سيركز على تكرار السيناربو السابق للهدنة الذي يحقق إطلاق سراح محتجزين، ومواصلة الحرب، بما يضمن له تحقيق أهدافه في غزة. ويبقى نتنياهو خلال المدى القريب قادراً على الاحتفاظ بحكومته، رغم أزماتها، مع طرفيها المتدين، بسبب مشروع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، والمتشدد، الذي يعارض الهدنة في غزة، في ظل توجهاته بإبقاء حالة من الغليان والصدام مع المحيط الإقليمي، التي تكسبه المزيد من الوقت في الحكم، إلا أن ذلك لن يدوم على المدى البعيد، وستتغير الحكومة اليمينية المتطرفة في النهاية.


معا الاخبارية
منذ 2 ساعات
- معا الاخبارية
ترامب: هناك احتمال أن نعلن عن اتفاق هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل
بيت لحم- معا- تتزايد مؤشرات التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى. وصرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الليلة بأن "هناك فرصة كبيرة لوقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل لكن لا شيء مؤكد". وأضاف: "تحدثنا بشكل رئيسي عن غزة. نريد وقف إطلاق النار، نريد السلام، نريد عودة الرهائن. وأعتقد أننا قريبون من تحقيق ذلك". يُعزى هذا التقدم، إلى اجتماع سري عُقد في البيت الأبيض، حضره مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، والوزير الإسرائيلي رون ديرمر، ومسؤول قطري رفيع المستوى. في هذا الاجتماع، أوضح القطريون أن الخريطة التي قدمتها إسرائيل - والتي تضمنت وجودًا إسرائيليًا كبيرًا في غزة - "لن تسمح بالتوصل إلى اتفاق". وحذّر ويتكوف قائلاً: "أي خريطة تُشبه خطة سموتريتش - لن تُقبل من قِبل ترامب". وفقًا لمصادر مطلعة على تفاصيل الاجتماع، قدمت إسرائيل لاحقًا خريطة جديدة تضمنت انسحابًا أكبر، وهي خطوة وافق عليها نتنياهو مبدئيًا وأدت إلى "تقدم ملحوظ" في المحادثات. وصرح مصدر مطلع على التفاصيل للقناة 12: "لا تزال هناك فجوات، لكننا نسير حاليًا على مسار إيجابي. أكدت إسرائيل أنه في إطار الصفقة المقترحة، سيتم النظر في انسحاب جزئي من محور موراج - المحور الاستراتيجي الذي أطلق عليه الجيش الإسرائيلي اسم "فيلادلفيا الثانية"، والذي يفصل خان يونس عن رفح. وصرحت مصادر في فريق التفاوض: "ستوافق إسرائيل على تغيير انتشار القوات على محور موراج، وهناك تقدم ملحوظ في الطريق نحو التوصل إلى اتفاق". من جانبها، تُصرّ حماس على موقفها الثابت. صرّح طاهر النونو لقناة الجزيرة: "تُبدي الحركة مرونةً كبيرةً وتتعاون مع الوسطاء"، مُضيفًا أن "موقف حماس لا يزال ثابتًا: انسحاب كامل من غزة ووقف شامل للأعمال العدائية". وأضاف محمد الهندي، المسؤول البارز في حركة الجهاد الإسلامي: "نريد التوصل إلى اتفاق. لكننا نُواجه تعنتًا إسرائيليًا".