logo
هل وقف الحرب في غزة ممكن في ظل نوايا حكومة نتنياهو؟

هل وقف الحرب في غزة ممكن في ظل نوايا حكومة نتنياهو؟

جريدة الاياممنذ 3 أيام
رغم سيادة حالة من التفاؤل بين أوساط الغزيين، الذين أنهكتهم الحرب، بعد تناثر الأخبار باقتراب الوصول لهدنة، هناك عدد من المعطيات لا بد من وضعها بعين الاعتبار، سواء في ظل واقع غزة على الأرض، حيث يسيطر الاحتلال حالياً على ٧٠ - ٨٠ في المائة من مساحة القطاع، ويحجز السكان في مناطق ضيقة منه، أو في ظل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول متطلبات نهاية الحرب، أو في ظل تتبع شروط الاحتلال للموافقة على تلك الهدنة.
بعد إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة بأنه بدأ يفقد صبره إزاء الحرب في غزة، وتصريح متحدثي البيت الأبيض بأولوية وقفها لدى ترامب، أعلن الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي عن وجود مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة.
يتضمن المقترح إطلاق سراح عدد كبير من المحتجزين في غزة، حيث يضمن استمرار الهدنة ووقف العمليات العسكرية طوال أيامها الستين، وإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار بشكل دائم خلال تلك الأيام.
ينص مقترح ترامب على إطلاق سراح ١٠ محتجزين أحياء وجثامين ١٨ قتيلاً منهم على خمس مراحل، مقابل وقف إطلاق النار لمدة ٦٠ يوماً، ودخول المواد الإنسانية الأساسية إلى القطاع، وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وحسب المطروح، سيتم إطلاق سراح ثمانية محتجزين أحياء في اليوم الأول واثنين في اليوم الخمسين، وإعادة خمسة قتلى في اليوم السابع، وخمسة آخرين في اليوم الثلاثين، وثمانية آخرين في اليوم الستين، ليتبقى بعد ذلك ٢٢ محتجزاً في غزة، يعتقد أن ١٠ منهم أحياء.
جاءت المفاوضات غير المباشرة بين حكومة الاحتلال وحركة حماس في الدوحة خلال الأسبوع الجاري، قبل يوم من زيارة نتنياهو إلى واشنطن، وسط تصريحات إسرائيلية متفائلة بقرب عقد صفقة.
عكست بعد ذلك المفاوضات بين الطرفين، أنه لا يتضمن اختراقات حقيقية تفسر ذلك التفاؤل الإسرائيلي المعلن قبيل زيارة نتنياهو لواشنطن.
كما تبين أيضاً أن الوفد المفاوض الإسرائيلي لا يتمتع بتفويض كافٍ للتوصل لاتفاق، كما كان الحال في مفاوضات سابقة لم تحرز نتائج، ما يؤكد أن القرار النهائي سيخرج من مكان آخر خارج غرف التفاوض.
ووضعت حركة حماس ثلاث ملاحظات على ذلك المقترح الأميركي الإسرائيلي، تتعلق بضمان عدم استئناف إسرائيل الحرب بعد وقف إطلاق النار المقرر لمدة 60 يوماً، وتأمين تدفق الاحتياجات الإنسانية الأساسية عبر آليات تدعمها الأمم المتحدة، وسحب القوات الإسرائيلية إلى المواقع التي تمركزت فيها قبل انهيار وقف إطلاق النار السابق في أوائل شهر آذار الماضي.
ورغم رفض نتنياهو لتحفظات الحركة، إلا أنه على ما يبدو قد حدث تطور يتعلق بالتحفظ المتعلق بالمساعدات، خصوصاً في ظل الانتقاد الدولي لدور «مؤسسة غزة الإنسانية» التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل في توزيع الاحتياجات الأساسية للغزيين منذ شهر أيار الماضي، بعد منع كامل لدخولها للسكان على مدار شهرين ونصف.
إلا أن المعضلة المتبقية والأهم، ترتبط بإصرار إسرائيل على عدم الالتزام بإنهاء الحرب بعد الهدنة، الذي لم يتغير منذ بداية الحرب، وفي أي مفاوضات تالية.
لذلك عارضت حركة حماس الصيغة الحالية للاقتراح، والتي تربط تمديد الهدنة بعد الستين يوماً الأولى، بشرط تفاوض الأطراف بحسن نية، واقترحت الحركة بدلاً من ذلك ربط المفاوضات بالتوصل لاتفاق.
وعادت إسرائيل للحرب في شهر آذار الماضي، قبل بدء المرحلة الثانية منها، بعد رفضها الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.
قد ينسجم إصرار إسرائيل على عدم الاستجابة لشرط وقف الحرب، مع أهدافها المعلنة لتحقيق ذلك، والذي يرتبط بتدمير قدرات حركة حماس ووجودها، وهو ما لم تستطع تحقيقه حتى الآن، رغم أنها تتفاوض معها، في إطار تحقيق هدنة تضمن إخراج المحتجزين في غزة عبر صفقة.
أي أنه من الواضح أن مفاوضات إسرائيل مع حركة حماس تأتي في سبيل إخراج المحتجزين، أما نهاية الحرب، وفق التصريحات الإسرائيلية فيتطلب القضاء على حركة حماس، أي أن الحرب لن تنتهي بخروج المحتجزين من القطاع.
وتنص الصفقة الحالية على إخراج نصف المحتجزين الخمسين الموجودين في القطاع، الأحياء منهم والأموات، على مدار شهرين.
وفي حين عرضت حركة حماس صفقة شاملة تخرج جميع المحتجزين دفعة واحدة، مقابل إنهاء الحرب، يرفض نتنياهو ذلك، ويركز على معادلة الهدنة وإخراج تدريجي للمحتجزين، بما يضمن عودته للقتال، كما جرى في الهدنتين السابقتين، والتي ضمنت خروج معظم المحتجزين في غزة حتى الآن.
قد يكون الأمر الأشد تعقيداً متعلقاً برؤية إسرائيل لمستقبل القطاع، سواء بعد خروج المحتجزين أو حتى بعد تدمير حركة حماس.
قبيل بدء رحلة نتنياهو الحالية إلى واشنطن أعلن يسرائيل كاتس وزير الدفاع
الإسرائيلي عن خطة لإنشاء مخيم للفلسطينيين في غزة، على أنقاض مدينة رفح، التي تقع في أقصى جنوب القطاع، وعلى الحدود مع مصر.
تزامن ذلك مع تسريبات من داخل غرف المفاوضات الحالية في الدوحة بأن الخرائط التي جاء بها المفاوضون الإسرائيليون إلى الدوحة، والتي تبين مناطق انسحاب قوات الاحتلال من غزة خلال فترة الهدنة، تؤكد على نية الاحتلال الاحتفاظ بمحور «موراغ»، وهو ذلك الشريط الذي دشنه الاحتلال لفصل مدينة رفح عن مدينة خان يونس، مع إصراره أيضاً على الاحتفاظ بمحور فيلاديلفيا، الذي يقع أقصى جنوب مدينة رفح، ويشكل الحدود مع مصر.
إن احتفاظ إسرائيل بمحوري «موراغ» وفيلاديلفيا يضمن تنفيذ خطة كاتس خلال تلك الفترة، والمتعلقة ببناء مخيم للفلسطينيين على أنقاض مدينة رفح.
ويتقاطع ذلك مع تصريحات نتنياهو التي جاءت في ذات السياق والتوقيت من واشنطن، والتي أكد فيها أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان مع دول أخرى تقبل استقبال الغزيين لضمان مستقبل أفضل لهم، وهو ما وصفه نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون بالترحيل الطوعي للفلسطينيين، في ظل استمرار حرب القتل والتدمير والتجويع التي يخضع لها قطاع غزة على مدار ٢١ أسبوعاً.
والسؤال المطروح هنا، طالما أن هدف نتنياهو من المفاوضات والهدنة إخراج المحتجزين الخمسين في غزة، الأحياء منهم والأموات، وطالما أن المطلب النهائي لإسرائيل لوقف الحرب هو القضاء على قدرات حركة حماس الإدارية والعسكرية في غزة، إذاً لماذا لا تتفاوض إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، لاستلام القطاع؟ خصوصاً أن حركة حماس أعلنت عن عدم تمسكها بالبقاء في السلطة بعد انتهاء الحرب، كما أكدت السلطة الفلسطينية استعدادها لإدارة شؤون القطاع.
الإجابة تتعلق بمخططات إسرائيل الحقيقية لغزة، والتي تم توضيحها أعلاه، وبإجابة نتنياهو حول مستقبل الدولة الفلسطينية. فخلال زيارته الأخيرة لواشنطن، أكد نتنياهو معارضته لقيام دولة فلسطينية، مؤكداً أنه يسمح بأن يكون لدى الفلسطينيين القدرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، مشدداً على أن الأمن سيبقى تحت سيطرة إسرائيل، وأن السلام مع الفلسطينيين يعني فقط القبول بسيادة إسرائيل على الأرض.
وفي ظل تطلع ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، فان وقف الحرب في غزة متطلب رئيس، وذلك يحتاج إلى ضغط من الرئيس الأميركي على نتنياهو، فهل يستطيع ترامب تحقيق ذلك؟ في ظل تعقيدات تتعلق بقضايا حساسة للإسرائيليين وتشكل أولوية في صراعهم مع الفلسطينيين، وتنال دعماً واسعاً في الدولة الأميركية العميقة.
ورغم ذلك تبقى هناك عوامل أخرى من شأنها قلب المعادلات التي يضعها نتنياهو وحكومته لحسم مستقبل الصراع مع الفلسطينيين.
يعد توجه الرأي العام الإسرائيلي باتجاه وقف الحرب، عاملاً مهماً لتحقيق ذلك، وإفشال مخططات حكومة نتنياهو في غزة.
فمنذ خرق إسرائيل للهدنة السابقة في شهر آذار الماضي، قتل ٤٠ جندياً إسرائيلياً في غزة، بالإضافة لعشرات الجرحى، نصفهم سقط الشهر الماضي، في حين لم يخرج إلا محتجز حي واحد طوال تلك المدة، وهو أيدان ألكسندر، الأميركي الإسرائيلي، الذي وعد ترامب بإخراجه، وخرج وفق اتفاق بين حركة حماس وترامب.
وبذلك اتحدت أصوات الإسرائيليين لوقف الحرب بعد أن انضمت أصوات أهالي القتلى في الجيش الإسرائيلي إلى أصوات أهالي المحتجزين، وكذلك كل من يقلق من خسارة أبنائه في حرب استنزاف لا تبدو نهايتها قريبة.
كما يعد فشل إسرائيل في خلق قيادة بديلة للشعب الفلسطيني، تعمل وفق مخططاتها، عاملاً مركزياً في إفشال مخططات نتنياهو في غزة والضفة.
في غزة فشلت عصابة ياسر أبو شباب، التي أنشأها الاحتلال لمواجهة حركة حماس، ويستمر بقاؤها اليوم فقط في مدينة رفح تحت حماية جيش الاحتلال.
وفي الضفة، ماتت محاولة خلق إمارة الخليل المنفصلة عن النسق الفلسطيني في الضفة، في مهدها.
ولم يتعلم الاحتلال من تجاربه السابقة وعلى مدار عقود أن القيادة المفروضة دون دعم شعبي تنهار بعد رفع غطاء الاحتلال عنها، فذلك الخيار غير ممكن مع الشعب الفلسطيني.
بالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل مواصلة قمع الفلسطينيين، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وربما حتى في شمال قطاع غزة، إلا أن ذلك لن يولد إلا مزيداً من الكراهية والرغبة في الانتقام، ولن تنعم إسرائيل بالأمن يوماً، وسيبقى الفلسطينيون يبتكرون أساليبهم الخاصة في المقاومة والدفاع عن النفس، للتصدي لمحتلهم، وهو ما لم يتوقف يوماً واحداً طوال سنوات هذا الصراع.
ويبقى حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على أرض الواقع حاضراً، رغم كل ادعاءات إسرائيل، فمعظم دول العالم، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات وتوصيات المحاكم الدولية تحسم الحق الفلسطيني، وليست هناك قوة تستطيع إنكاره.
وأظهرت حروب إسرائيل مع محيطها العربي، خلال العامين الماضيين، أن أكبر المتضررين من استمرار الصراع والحروب في المنطقة هو المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يقوى على تحمل الحروب التي تصل إليه، فعشرات الآلاف من الإسرائيليين تركوا إسرائيل ليستثمروا ويؤسسوا لحياة أكثر استقراراً خلال الفترة السابقة.
فإرجاع الحقوق لأصحابها وحده يمكن أن يجلب السلام لإسرائيل، وهو ما حدث مع مصر من قبل بعد إعادة شبه جزيرة سيناء، وهو السبيل الوحيد مع الفلسطينيين، لتحقيق السلام في المنطقة.
وفي الختام، رغم عدم ظهور مؤشرات على قرب حدوث هدنة حتى الآن، إلا أن نتنياهو قد يقبل بها، فهو لا يريد الظهور بمظهر المعطل لها أمام ترامب، الذي يظهر رغبة في تحقيقها.
إلا أن نتنياهو، وفي حال حدوثها، سيركز على تكرار السيناربو السابق للهدنة الذي يحقق إطلاق سراح محتجزين، ومواصلة الحرب، بما يضمن له تحقيق أهدافه في غزة.
ويبقى نتنياهو خلال المدى القريب قادراً على الاحتفاظ بحكومته، رغم أزماتها، مع طرفيها المتدين، بسبب مشروع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، والمتشدد، الذي يعارض الهدنة في غزة، في ظل توجهاته بإبقاء حالة من الغليان والصدام مع المحيط الإقليمي، التي تكسبه المزيد من الوقت في الحكم، إلا أن ذلك لن يدوم على المدى البعيد، وستتغير الحكومة اليمينية المتطرفة في النهاية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

آراء المفاوضات من أجل الحرب الكاتب: عاطف أبو سيف
آراء المفاوضات من أجل الحرب الكاتب: عاطف أبو سيف

جريدة الايام

timeمنذ 7 ساعات

  • جريدة الايام

آراء المفاوضات من أجل الحرب الكاتب: عاطف أبو سيف

الانطباع العام بات راسخاً الآن أن المفاوضات التي تجري لا تهدف لإيقاف الحرب، على الأقل فإن الطرفين ليسا في عجلة من أمرهما كما يبدو، وأن الحقيقة أن المفاوضات التي تهدف بالأساس للتهدئة ولوقف الإبادة تطيل عمرها وتعطيها مسوغات جديدة. كتبت مرة هنا على هذه الصحفة أن الهدف من المفاوضات هو المفاوضات، كما أن الهدف من الحرب هو الحرب. بالنسبة لنتنياهو فإن العالم يتحدث الآن عن مواقفه من المفاوضات كما يتحدث عن مواقف حماس من المفاوضات، وبالتالي المسؤولية عن مخرجات المفاوضات متساوية، فالطرفان مسؤولان عن نتيجة المفاوضات، وهي نتيجة صفرية. أيضاً بالنسبة لترامب فهو يرعى عملية مفاوضات من أجل تحقيق الهدوء وإنهاء الحرب وهو يريد جائزة نوبل للسلام لذلك، فبدلاً من أن يقال إنه يرسل الدعم العسكري لإسرائيل لقتل الفلسطينيين وهو يفعل ذلك باستمرار وبدلاً من أن يقال إنه شريك في حرب الإبادة، كل ما يقال الآن، أو أن أبرز ما يقال، أن الرجل يسهر ليل نهار من أجل تحقيق الهدوء ويضغط (وبشدة) على نتنياهو من أجل وقف الحرب. النتيجة أن من يقتل الشعب الفلسطيني في غزة ومن يمده بالسلاح يسعيان للهدوء ويفاوضان من أجل وقف الحرب. قد لا تقف، وقد لا يصلان لاتفاق، لكنهما يسعيان لإنجازه. وفي المفاوضات، طالما قبلت أن تفاوض فعليك أن تدرك أن لا شيء في موقفك يجعله صواباً إلا كونه موقفك وبالتالي فهو، أي هذا الموقف، ليس حجة يحتج بها. ما أقصده أن موقف نتنياهو بالتمسك بحدود آذار 2025 لا يختلف كثيراً عن موقف حماس بالانسحاب إلى ما قبل ذلك. أيضاً بالنسبة لحماس فإنها تجري مفاوضات وبالتالي تقول للجمهور إنها تفاوض من أجل إنهاء الحرب كما يقول نتنياهو لأهل الأسرى عنده إنه يفاوض لإخراج أبنائهم. وتظل الحقيقة الغائبة أن الحرب مستمرة وأن الناس يقتلون كل يوم وأن كيلو الطحين يصل إلى 90 شيكلاً في بعض المرات، وأن من يفاوض لا يحس بكل ذلك، ولا يهمه، ولا يفكر فيه أصلاً. من أبشع ما يمكن أن يسمعه المرء صراحة هو تعليقات مسؤولي حماس وخواطرهم عن هذه المفاوضات والتي لا تشكل فقط استخفافاً بعقول المستمعين بل أيضاً بعذابات شعبنا في غزة. وفيما قد يطرب مستمعوهم ممن لا يدفعون أي ثمن جراء السياسات الطائشة الناتجة عن هذه التصريحات ولا المواقف الرعناء الملازمة لها، فهم ينعمون بالهتاف للقتال وللبطولة عن بعد، فإن الأبرياء في غزة الذين ينتظرون أي بادرة إيجابية تقول لهم إنهم سيصحون من النوم وقد انتهت الحرب فسيصابون بالخيبة بلا أدنى شك ويفقدون الأمل كلما سمعوا أحد جهابذة الفصائل يتحدث من فندقه الفاخر في إحدى العواصم عن الصمود والانتصار، لأنهم يعرفون مرة أخرى أن كل يوم يمضي يعني فقدان قرابة مائة منهم وإصابة مئات آخرين، ويعرفون أنهم ليسوا على بال أحد وأن موتهم لا يعني شيئاً في المفاوضات الدائرة، فهم خسائر جانبية أو أن موتهم وتشردهم قدر لا بد من تحمله. بعض الفضائيات تمادت باستخفافها بعذابات الناس حتى أن معاناة الناس من الجوع وسرقة المساعدات واحتكارها، وهي أشياء ناتجة عن سوء إدارة الوضع الداخلي، لا يتم التطرق لها، فيما يبدو أن قتل خمسة جنود إسرائيليين أهم من تدمير الاحتلال لحي التفاح بشكل كامل بناية بناية. وفيما العمليات فعل بطولي بكل الأحوال لكنه ليس فتحاً مبيناً ولا انتصاراً مزلزلاً وهو لا يبرر الاستمرار بحرب باتت عبثية بلا جدوى أو هدف، والدليل ما يتم التفاوض حوله. فالمفاوض المتمسك الحريص الشرس (وكل هذه الصفات بين مزدوجين) هدفه الأساس أن يعود العدو إلى حدود آذار الماضي، وربما بعد أسبوع سيطالب بالعودة إلى حدود أيار الماضي أو تموز حين يصبح ماضياً، ولكن عندها ستكون انتهت أحياء جديدة من مدينة غزة وخان يونس وتقلص حجم القطاع أكثر وأكثر. هذا المفاوض كلما رأى تقريراً على هذه الفضائيات يشعر بزهو أكبر فهو على الأقل يقدر أن يقول «لا» بصوت أكثر ارتفاعاً لأن المعركة موجعة للعدو غير آبه بما يعانيه ويكابده أهل غزة من أي وجع. وحتى لا يبدو المرء متشائماً كثيراً، فلو أن المفاوضات تتم من أجل إخراج جيش الاحتلال بشكل كامل، أو أننا ونحن نقول لا نمنعه من التقدم، أو أن قواته تقف عاجزة عند تخوم المدن والأماكن السكنية، لو أننا نرفق «لا» هذه بدحر قواته وإجبارها على الرجوع. ما يحدث العكس، كل يوم نخسر المزيد من الأرض والمزيد من المواطنين والمزيد من المنشآت حتى يأتي اليوم الذي لن يكون عندنا إلا الخيام. في الأسبوع الماضي كثرت الإشارة للمقارنات بين مفاوضات السلطة ومفاوضات حماس الحالية (رغم أنها مقارنات من الأساس غير عادلة، فالسلطة كانت تفاوض ضمن رؤية سياسية وليس نتيجة ضغط كارثي دمر البلاد) وتم استذكار موضوعات التفاوض وأهدافها. كانت المفاوضات فيما مضى تحاول أن تزيد مساحة الأرض التي تحكمها السلطة وتوسعة صلاحيتها وإخراج الجيش منها، فيما الآن يدور الحديث عن عودة الجيش إلى خطوط أخذها خلال الحرب، طبعاً في كل الحالات لا يوجد ضمانات بأن دولة الاحتلال ستلتزم، ففي حال المفاوضات السابقة أخلت إسرائيل بالاتفاقيات وأعادت احتلال الأراضي، ولكن المقارنات التي تجري تدور حول الهدف وغايات التفاوض. مفاوض حماس يفاوض على تموضع الجيش داخل غزة وهل سيبتلع الجيش 40 بالمائة من مساحة القطاع أم 25 بالمائة. تتذكرون العبارة الساخرة: أننا قاتلنا في السابع من أكتوبر حتى نفاوض إسرائيل للعودة للسادس من أكتوبر. بعد أسابيع تدخل الحرب عامها الثالث ونحن نفاوض من أجل أن نعود بضع كيلومترات للوراء، الوراء الذي كان «الأمام» قبل أسابيع وسنظل نفاوض لأن الهدف هو أن نفاوض، أتمنى ألا نفاوض بعد فترة على عودة القوات لشارع الجلاء أو محور سوق فراس، وخلال ذلك لا يبقى شيء نفاوض عليه إلا فكرة المفاوضات ولا بأس من بعض اللقطات القوية يتم عرضها على الفضائيات حتى نقول «المعركة مستمرة».

المفاوضات من أجل الحرب
المفاوضات من أجل الحرب

جريدة الايام

timeمنذ 7 ساعات

  • جريدة الايام

المفاوضات من أجل الحرب

الانطباع العام بات راسخاً الآن أن المفاوضات التي تجري لا تهدف لإيقاف الحرب، على الأقل فإن الطرفين ليسا في عجلة من أمرهما كما يبدو، وأن الحقيقة أن المفاوضات التي تهدف بالأساس للتهدئة ولوقف الإبادة تطيل عمرها وتعطيها مسوغات جديدة. كتبت مرة هنا على هذه الصحفة أن الهدف من المفاوضات هو المفاوضات، كما أن الهدف من الحرب هو الحرب. بالنسبة لنتنياهو فإن العالم يتحدث الآن عن مواقفه من المفاوضات كما يتحدث عن مواقف حماس من المفاوضات، وبالتالي المسؤولية عن مخرجات المفاوضات متساوية، فالطرفان مسؤولان عن نتيجة المفاوضات، وهي نتيجة صفرية. أيضاً بالنسبة لترامب فهو يرعى عملية مفاوضات من أجل تحقيق الهدوء وإنهاء الحرب وهو يريد جائزة نوبل للسلام لذلك، فبدلاً من أن يقال إنه يرسل الدعم العسكري لإسرائيل لقتل الفلسطينيين وهو يفعل ذلك باستمرار وبدلاً من أن يقال إنه شريك في حرب الإبادة، كل ما يقال الآن، أو أن أبرز ما يقال، أن الرجل يسهر ليل نهار من أجل تحقيق الهدوء ويضغط (وبشدة) على نتنياهو من أجل وقف الحرب. النتيجة أن من يقتل الشعب الفلسطيني في غزة ومن يمده بالسلاح يسعيان للهدوء ويفاوضان من أجل وقف الحرب. قد لا تقف، وقد لا يصلان لاتفاق، لكنهما يسعيان لإنجازه. وفي المفاوضات، طالما قبلت أن تفاوض فعليك أن تدرك أن لا شيء في موقفك يجعله صواباً إلا كونه موقفك وبالتالي فهو، أي هذا الموقف، ليس حجة يحتج بها. ما أقصده أن موقف نتنياهو بالتمسك بحدود آذار 2025 لا يختلف كثيراً عن موقف حماس بالانسحاب إلى ما قبل ذلك. أيضاً بالنسبة لحماس فإنها تجري مفاوضات وبالتالي تقول للجمهور إنها تفاوض من أجل إنهاء الحرب كما يقول نتنياهو لأهل الأسرى عنده إنه يفاوض لإخراج أبنائهم. وتظل الحقيقة الغائبة أن الحرب مستمرة وأن الناس يقتلون كل يوم وأن كيلو الطحين يصل إلى 90 شيكلاً في بعض المرات، وأن من يفاوض لا يحس بكل ذلك، ولا يهمه، ولا يفكر فيه أصلاً. من أبشع ما يمكن أن يسمعه المرء صراحة هو تعليقات مسؤولي حماس وخواطرهم عن هذه المفاوضات والتي لا تشكل فقط استخفافاً بعقول المستمعين بل أيضاً بعذابات شعبنا في غزة. وفيما قد يطرب مستمعوهم ممن لا يدفعون أي ثمن جراء السياسات الطائشة الناتجة عن هذه التصريحات ولا المواقف الرعناء الملازمة لها، فهم ينعمون بالهتاف للقتال وللبطولة عن بعد، فإن الأبرياء في غزة الذين ينتظرون أي بادرة إيجابية تقول لهم إنهم سيصحون من النوم وقد انتهت الحرب فسيصابون بالخيبة بلا أدنى شك ويفقدون الأمل كلما سمعوا أحد جهابذة الفصائل يتحدث من فندقه الفاخر في إحدى العواصم عن الصمود والانتصار، لأنهم يعرفون مرة أخرى أن كل يوم يمضي يعني فقدان قرابة مائة منهم وإصابة مئات آخرين، ويعرفون أنهم ليسوا على بال أحد وأن موتهم لا يعني شيئاً في المفاوضات الدائرة، فهم خسائر جانبية أو أن موتهم وتشردهم قدر لا بد من تحمله. بعض الفضائيات تمادت باستخفافها بعذابات الناس حتى أن معاناة الناس من الجوع وسرقة المساعدات واحتكارها، وهي أشياء ناتجة عن سوء إدارة الوضع الداخلي، لا يتم التطرق لها، فيما يبدو أن قتل خمسة جنود إسرائيليين أهم من تدمير الاحتلال لحي التفاح بشكل كامل بناية بناية. وفيما العمليات فعل بطولي بكل الأحوال لكنه ليس فتحاً مبيناً ولا انتصاراً مزلزلاً وهو لا يبرر الاستمرار بحرب باتت عبثية بلا جدوى أو هدف، والدليل ما يتم التفاوض حوله. فالمفاوض المتمسك الحريص الشرس (وكل هذه الصفات بين مزدوجين) هدفه الأساس أن يعود العدو إلى حدود آذار الماضي، وربما بعد أسبوع سيطالب بالعودة إلى حدود أيار الماضي أو تموز حين يصبح ماضياً، ولكن عندها ستكون انتهت أحياء جديدة من مدينة غزة وخان يونس وتقلص حجم القطاع أكثر وأكثر. هذا المفاوض كلما رأى تقريراً على هذه الفضائيات يشعر بزهو أكبر فهو على الأقل يقدر أن يقول «لا» بصوت أكثر ارتفاعاً لأن المعركة موجعة للعدو غير آبه بما يعانيه ويكابده أهل غزة من أي وجع. وحتى لا يبدو المرء متشائماً كثيراً، فلو أن المفاوضات تتم من أجل إخراج جيش الاحتلال بشكل كامل، أو أننا ونحن نقول لا نمنعه من التقدم، أو أن قواته تقف عاجزة عند تخوم المدن والأماكن السكنية، لو أننا نرفق «لا» هذه بدحر قواته وإجبارها على الرجوع. ما يحدث العكس، كل يوم نخسر المزيد من الأرض والمزيد من المواطنين والمزيد من المنشآت حتى يأتي اليوم الذي لن يكون عندنا إلا الخيام. في الأسبوع الماضي كثرت الإشارة للمقارنات بين مفاوضات السلطة ومفاوضات حماس الحالية (رغم أنها مقارنات من الأساس غير عادلة، فالسلطة كانت تفاوض ضمن رؤية سياسية وليس نتيجة ضغط كارثي دمر البلاد) وتم استذكار موضوعات التفاوض وأهدافها. كانت المفاوضات فيما مضى تحاول أن تزيد مساحة الأرض التي تحكمها السلطة وتوسعة صلاحيتها وإخراج الجيش منها، فيما الآن يدور الحديث عن عودة الجيش إلى خطوط أخذها خلال الحرب، طبعاً في كل الحالات لا يوجد ضمانات بأن دولة الاحتلال ستلتزم، ففي حال المفاوضات السابقة أخلت إسرائيل بالاتفاقيات وأعادت احتلال الأراضي، ولكن المقارنات التي تجري تدور حول الهدف وغايات التفاوض. مفاوض حماس يفاوض على تموضع الجيش داخل غزة وهل سيبتلع الجيش 40 بالمائة من مساحة القطاع أم 25 بالمائة. تتذكرون العبارة الساخرة: أننا قاتلنا في السابع من أكتوبر حتى نفاوض إسرائيل للعودة للسادس من أكتوبر. بعد أسابيع تدخل الحرب عامها الثالث ونحن نفاوض من أجل أن نعود بضع كيلومترات للوراء، الوراء الذي كان «الأمام» قبل أسابيع وسنظل نفاوض لأن الهدف هو أن نفاوض، أتمنى ألا نفاوض بعد فترة على عودة القوات لشارع الجلاء أو محور سوق فراس، وخلال ذلك لا يبقى شيء نفاوض عليه إلا فكرة المفاوضات ولا بأس من بعض اللقطات القوية يتم عرضها على الفضائيات حتى نقول «المعركة مستمرة».

جيش الاحتلال يستعد للمرحلة التالية ويتردد في إنشاء"مدينة خيام"في رفح
جيش الاحتلال يستعد للمرحلة التالية ويتردد في إنشاء"مدينة خيام"في رفح

معا الاخبارية

timeمنذ 7 ساعات

  • معا الاخبارية

جيش الاحتلال يستعد للمرحلة التالية ويتردد في إنشاء"مدينة خيام"في رفح

بيت لحم معا- في ظل رفض اسرائيل الانسحاب من غزة وإصرارها على مواصلة احتلال مناطق في جنوب القطاع لا سيما ما يسمى بمحور موراج العسكري والبقاء في مدينة رفح حيث تخطط لسجن الغزيين هناك . هذا الموقف يعطل المفاوضات الجارية في قطر للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وهدنة. في تل ابيب، تستعد المؤسسة الحربية لاحتمال انهيار المفاوضات والعودة إلى التصعيد العسكري. ومن المتوقع أن يُعقد اليوم الأحد نقاش أمني في مكتب نتنياهو، بمشاركة رئيس اركان جيش الاحتلال زامير، ورئيس الشاباك. وسيُطرح في النقاش بحسب القناة 12، سلسلة من الخطط، تشمل السيطرة على معاقل حماس في المعسكرات المركزية، وتنظيم المناطق المدنية في جنوب قطاع غزة، مما سيمنح إسرائيل حرية عمل أكبر في الشمال والوسط. فيما تتضمن مبادرة رئيسية روج لها نتنياهو ووزير حربه كاتس إنشاء ما يسمى "مدينة خيام" - وهي مساحة واسعة جنوب خان يونس، على أنقاض مدينة رفح التي دمرها جيش الاحتلال - حيث سيتم تجميع الفلسطينيين هناك. وهي الخطة التي رفضها العالم. لكن في تل ابيب يقولون إن الهدف من هذه الخطوة هو تمكين الجيش الإسرائيلي من العمل بحرية أكبر في المناطق المكتظة بالسكان، مع السعي إلى تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين. مع ذلك، يُبدي الجيش الإسرائيلي تحفظات على هذه الخطوة، بل إنه عرض موقفه الواضح على القيادة السياسية. ووفقًا لمصادر في الجيش، تُعد هذه مبادرة مُعقدة تتطلب وجودًا ميدانيًا مُستمرًا لقواته. ويُوضح الجيش الإسرائيلي أن "مدينة الخيام" هذه ليست مجرد مساحة إنسانية، بل هي في الواقع ترسيخ لحكم عسكري شامل، مع تداعياتٍ قانونية ودولية جسيمة. في الوقت نفسه، أمر رئيس الأركان بنقل مركز الثقل العسكري إلى شمال قطاع غزة، وتحديدًا إلى منطقة بيت حانون. في الساعات الأخيرة، شن سلاح الجو الإسرائيلي عشرات الغارات على ما أسماه مواقع وأهداف في المدينة استعدادًا لما يصفه الجيش بـ"المرحلة الحاسمة". ويزعم جيش الاحتلال أن تلك المنطقة والمقصود بيت حانون تُعد من آخر المعاقل المتبقية لحماس في الشمال. ويرى جيش الاحتلال في حسم بيت حانون هدفا ضروريا لاستعادة ما أسماه الشعور بالأمن لدى المستوطنين في غلاف غزة . في هذه الأثناء، تستمر المحادثات في الدوحة. وتؤكد مصادر مطلعة على تفاصيلها أن المفاوضات لم تتوقف، وأن الطرفين يواصلان مناقشة الثغرات المتبقية. ويتمثل جوهر الخلاف في خطوط انتشار جيش الاحتلال بعد التوصل إلى اتفاق محتمل، وخاصة حول منطقة موراج بين خان يونس ورفح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store