
شخصيات الذكاء الاصطناعي الكرتونية... تلهو بنا لا معنا
فاجأت لين، التي تجاوزت الرابعة من عمرها بقليل، أبويها بالتمتمة بكلمات تشبه الإيطالية، لم يتبينا منها سوى كلمة "كابتشينو"، إذ تقولها بطريقة سريعة وبنغمة محددة، لم يفهما ما يجري، وحينما تكرر الأمر مع ألفاظ أخرى اكتشفا أن انهماكهما في العمل يومياً حتى الخامسة مساءً وتركها مع الجدة، قد جعلها متعلقة بتريند "تعفن العقل الإيطالي"، الذي لم يكن يعلم عنه الأبوان الشابان اللذان يعملان في مجال الإدارة شيئاً، لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة إليهما كانت طبيعة فيديوهات هذا التريند التي كانت صادمة بالنسبة إليهما.
الحفيدة المدللة التي تبكي فتحصل سريعاً على هاتف جدتها الذكي، والأخيرة تتصرف بحسن نية متوقع، فتترك الطفلة تشاهد المقاطع الغريبة وتضحك وتقلد طريقة الكلام، أصبحت أسيرة لهذا العالم العبثي، إذ تتحرك أجساد بشرية وحيوانية غريبة، تتآلف من أعضاء نصفها جمادات أو فاكهة وخضراوات، وتنتظم في قصص وحكايات وأغنيات تبث رسائل غير مفهومة، كثير منها غير ملائم.
وبالبحث يتبين أن المحتوى في بعض الأحيان يمكن أن يوصف بالإباحي. وبعدما اتخذ والدا الطفلة موقفاً حاسماً استقبلت الصغيرة القرار بثورة من الغضب والصراخ، لكنها رضخت في النهاية بعدما علمت الكبار درساً، لكن ماذا عن بقية الآباء الذين لا ينتبهون أو الذين يسعدون بضحكات صغارهم بينما صحتهم العقلية تتدهور، وهم يلهون ويستمرون أمام سيل الفيديوهات التي لا تتوقف عبر "تيك توك" و"يوتيوب" و"إنستغرام"؟
"تعفن الدماغ" والرسائل أيضاً
"بالرينا كابوتشينا، وكابتشينو أساسينو وإسبرسونا سنيورا، وتوم توم ساهور، وبومباردينو كروكوديلو، وشامبانزي بانانيني"، بعض من الشخصيات الافتراضية التي يروج لها بأنها كوميدية، باتت ذات شعبية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تستهوى الأطفال والمراهقين بصورة خاصة، نظراً إلى أن تصميمها ظاهرياً يبدو مرحاً، وكذلك حركاتها الراقصة أو الغريبة، فتصميمها الهجين الذي نفذ بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي يأتي ضمن موجة انتشرت قبل أشهر قليلة تحتفي بالعبث وبالهذيان الذهني الذي يترجم في صورة مرئية راقصة أو ذات حركات غريبة، وكذلك بالكلمات التي تبدو وكأنها كلمات إيطالية صحيحة، لكنها عند التدقيق تظهر غير متجانسة، وتشبه الطلاسم، إضافة إلى أن التكوين نفسه، لا يبدو جميلاً أبداً إنما غريب وربما قبيح وقد يكون مرعباً أيضاً.
بعض الحيوانات الضخمة تبدو بجسد آلة مقاتلة أو طائرة حربية، أو نرى سمكة قرش ترتدي حذاءً رياضياً فاخراً، إضافة إلى القرد الذي يظهر بشكل موزة، بل أصبح هناك دمج بين تكوينات الشخصيات الرئيسة نفسها وبعضها بعضاً، فبدا وكأنه عالم مستقل يتكاثر، أما الشخصية الأكثر شهرة فهي بالرينا كابوتشينا التي تتمشى وتتباهى برأسها الذي هو عبارة عن كوب قهوة.
اختارت دار نشر جامعة أكسفورد كلمة "تعفن الدماغ" لتكون كلمة عام 2024 بعد 37 ألف تصويت، بسبب زيادة استخدامها، وجرى تعريفه اختصاراً بأنه تدهور الحال العقلية والفكرية، نتيجة الاستهلاك المتزايد للمواد التافهة عبر الإنترنت، وعلى ما يبدو أن الإيطاليين حاولوا أخذ نصيبهم من هذا التريند، فموجة "تعفن العقل الإيطالي" استغلت الوقع الموسيقي المحبب للغة الإيطالية، لتحصد أكبر عدد من المعجبين.
لكن على ما يبدو أن الأمر لم يقف عند حد اللهو، وتطرق المحتوى إلى رسائل دينية وسياسية وعاطفية، تبث من خلال الأغاني والقصص المصورة القصيرة، والألعاب، فبعضها يتعلق بمسألة الإيمان، وأخرى تمجد العنف، وقصف الأطفال، وتسخر من معاناة فلسطين، بل وتدعم إبادة أهل غزة، إذ باتت التوجهات السياسية المتطرفة مغلقة برسائل الإضحاك، والتعبيرات العبثية التي كثير منها بلا معنى.
الذكاء الاصطناعي ليس مذنباً
لم يستبعد استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الطبيب بدر عباس، أن يحدث ما هو أكثر من هذا، في ظل أن المتحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤسسات لديها قيم مغايرة تماماً للمجتمع العربي، ولهذا فهي تعبر عن أفكارها الخاصة، سواء كانت إنسانية أو اجتماعية أو حتى سياسية، ولهذا فإن الأسر العربية التي تترك أبناءها مع هذه التطبيقات تفاجأ بعد وقت بل تصدم بالأفكار التي تشبعت بها عقولهم.
ويشير بدر عباس، الذي يتابع عشرات الحالات في الفترة الأخيرة متأثرة بصورة سلبية بالارتباط المفرط بهذه التكنولوجيا، إلى أنه يرى أن بعض العائلات تركت مهمة التربية ببساطة للفيديوهات من هذا النوع، وهو ما ينتج منه تأثيرات مدمرة وشديدة السلبية على شخصيات الأطفال والمراهقين وتركيبة العائلات ككل، موضحاً "سواء شخصيات الذكاء الاصطناعي أو الألعاب الإلكترونية فهي تنتشر عادة في الفئة الأقل نضجاً، ومن أبرز تأثيراتها أنها تفصل الطفل عن العالم الواقعي، وتغذي لديه الفردية والانعزالية، فيخسر روابطه الأسرية وكذلك الأصدقاء، وتصبح دائرته مشوهة ومحشوة بمعلومات عادة مغلوطة، وبأفكار وقيم لا تمت إلى طبيعة مجتمعه بصلة".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتفق مستشارة العلاقات الأسرية أسماء حفظي مع فكرة أن من صنع الشخصيات المثيرة للجدل التي انتشرت في الفترة الأخيرة صممها بمبادئ تلائم مجتمعه، لذا فهي لا تناسب الجميع، لكنها ترى أن العيب ليس في الذكاء الاصطناعي بصورة عامة، إنما في فكرة غياب الرقابة الأسرية، وعدم الاهتمام بمتابعة ما يشاهده الأبناء. مشيرة إلى أن بعض الآباء يقارنون أنفسهم بالصغار، ويقولون إنهم لا يتأثرون بما يشاهدون، بل يتعاملون معه على أنه مجرد تسلية، غير مدركين أن رؤية الطفل هذا العالم المبهر تجعله يعلق بذهنه، بل يصبح مرجعيته الوحيدة في الحياة.
وتواصل المتخصصة في التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، "العلاقة التي تبنى بين الطفل والهاتف تصبح أكثر حميمية وعاطفية من علاقته مع الأهل، بل يعتبر الهاتف صديقه الوفي الذي يؤنسه، ويثق بأية معلومة تخرج منه، وتكون بالنسبة إليه مصدقة تماماً، وهذا أمر شديد الخطورة، لكنه يحدث كثيراً وفق ما أراه أمامي".
وتؤكد حفظي أن الآباء يفاجأون بتصرفات وأفكار غير مألوفة لدى أطفالهم، مثل العنف والتنمر والتبجح، على رغم أنهم في محيطهم الاجتماعي بعيدون كل البعد من هذه السلوكيات، من دون أن يدروا أن الأجهزة الذكية التي بين أيديهم قامت بتربيتهم بديلاً عنهم، وزرعت بهم سمات غير لائقة.
العبث على الطريقة الإيطالية
الشخصيات الإيطالية التي تجتاح "تيك توك" تنتشر بصورة خاصة كذلك بين من المراهقين، إذ يتنافسون على تداول مقاطعها الأحدث في ما بينهم، ويتنافسون أيضاً على حفظ الكلمات والرسائل التي تقال عادة بصوت رجالي خشن وبلكنة إيطالية واضحة، إذ وجدت إحدى المعلمات التي تعمل في مدرسة معروفة بوسط القاهرة، سيطرة كبيرة لهذا التريند على التلاميذ الذين تتعامل معهم، وهم عادة في نهاية المرحلة الابتدائية، مشيرة إلى أنها استهجنت في البداية طريقة الكلام التي يرددها الأطفال على سبيل المزاح في ما بينهم، التي تبدو وكأنها لغة مبتسرة، لكن بالبحث اتضح لها أن الأمر أكبر من هذا.
تقول مدرسة اللغة الإنجليزية دعاء علوي، "قمت بعمل بحث معمق، وشاهدت عشرات المقاطع، إذ تبدو عادية وطريفة"، لكن الأمر يتفاقم في الفيديوهات الطويلة التي تبث محتوى إباحياً بصورة صريحة، وبه عبارات لا تتوافق أبداً مع الطفولة ولا المراهقة، من خلال قصص تبدو ظاهرياً فكاهية، لكنها كارثية. وحتى الفيديوهات الصامتة تكون أكثر رعباً من التي تتضمن مقطعاً صوتياً. بالطبع حذرنا التلاميذ ووجهنا رسائل توعوية للآباء، لكن الانتشار الكبير لهذه الشخصيات من الصعب السيطرة عليه من دون وعي مستمر، لأنه قد يختفي وتظهر شخصيات بديلة أكثر سوءاً في ظل انتشار الهواتف في أيدي الجميع".
كثير من مشاهير "تيك توك" والإنفلونسرز على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة عامة، احتفوا بتريند "الغباء الإيطالي"، وأصبحوا يقدمون محتوى مركباً على أصوات الشخصيات، أو حتى يقلدون في مظهرهم ومكياجهم أشكال الشخصيات المولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أسهم بصورة كبرى في انتشار هذه الموجة التي تبدو مريبة وخطرة بالنسبة إلى الآباء.
هذا التريند يأتي أيضاً في ظل تصاعد نجومية اللعبة الإلكترونية "روبلوكس" التي أصبحت ذات شعبية كبيرة بين الصغار أخيراً، وعلى رغم تحذيرات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال من أخطارها المرتبطة بالإدمان عليها وإمكان تعرض الطفل للاستغلال والاستمالة بسبب نظام المكافآت المشجع والمحفز بها، فإن قاعدتها تتسع. كذلك على رغم بعض التقييدات التي تمنع عن الأطفال الذين يمارسونها قبل سن الـ13 من الدردشة مع الغير أو التعرض لمستوى عنيف أو له طابع جنسي، فإن هذه العقبة يمكن تجاوزها ببعض الحيل السهلة، مما يعرض الصغار للتنمر والخطر.
اللهو الذي يذهب بالصغار إلى المصحة النفسية
وفاق ما جاء على موقع "اليونيسيف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، فإن وصف الإدمان على التعلق بالتطبيقات الذكية، يبدو غير ملائم، لأنه يثير قلقاً وذعراً، واكتفت المنظمة بتسمية الحب والارتباط المبالغ فيه بالتكنولوجيا بأنه "انهماك غير صحي"، وتابع الموقع أنه يأتي عادة حينما "تصبح الجوانب الأخرى من الحياة غير مرضية، فإذا كان الطفل يشعر بنقص كفاءته أو نقص استقلاليته، أو إذا كان يشعر بأنه غير مرتبط بالآخرين في المدرسة أو في مجال آخر في الحياة، فقد تكون النتيجة انهماكاً غير صحي".
لكن من جهة أخرى يكشف استشاري أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي وعلاج الإدمان بدر عباس عن كثير من الحالات بين المراهقين الذين دخلوا المستشفيات النفسية بسبب ما يصر هو على تسميته "إدمان هذه الألعاب والتعامل مع شخصيات افتراضية، يتوحد معها الطفل تماماً، ويتعامل معها بصورة مفرطة"، واصفاً الأمر بـ"الظاهرة المقلقة".
يوضح بدر عباس، "يفقد الأطفال والمراهقون طريقة تواصلهم الطبيعية مع من حولهم، ولهذا تعددت حالات الاحتجاز بمستشفيات الأمراض النفسية والعصبية أخيراً، بسبب السلوكيات الشديدة العنف المستقاة من هذه التطبيقات، سواء كانت شخصيات غريبة أو ألعاباً. ونتيجة للاضطرابات يصبح الشاب منغمساً تماماً في هذا العالم، ويخسر دراسته وأهله، إذ إن أحدهم كان يجلس 17 ساعة أمام هذه التطبيقات فاستولت تماماً على دماغه، وبعد محاولات منعه اشترى أدوات حادة وبدأ بإتلاف وتكسير ممتلكات والده الثمينة، بعدما أصبحت علاقاته الاجتماعية منتهية تماماً. ونصيحتي هي ألا يقتني الطفل هاتفاً ذكياً قبل بلوغ الـ12 من عمره، أي يكون قد تأهل نفسياً بعض الشيء ويصبح قادراً على التمييز".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 8 ساعات
- الوئام
إنستغرام تتيح معاينة الأغاني من سبوتيفاي مباشرة عبر القصص
أعلنت منصة إنستغرام، يوم الإثنين، عن إضافة ميزة جديدة طال انتظارها تتيح للمستخدمين الاستماع إلى معاينة صوتية للأغاني التي يشاركونها من تطبيق سبوتيفاي عبر القصص (Stories)، دون الحاجة لمغادرة التطبيق. وكان بإمكان المستخدمين في السابق مشاركة روابط لأغنيات من سبوتيفاي ضمن قصصهم، لكن تلك المشاركات كانت تظهر بلا صوت، وتكتفي بإحالة المشاهد إلى التطبيق الأصلي. أما الآن، فستُعرض مقاطع صوتية قصيرة يمكن الاستماع إليها مباشرة داخل إنستغرام، ما يُسهل مشاركة الموسيقى واكتشافها دون الخروج من المنصة. خطوة لتعزيز التفاعل والمنافسة تأتي هذه الميزة بعد أسابيع قليلة من إطلاق إمكانية تشغيل الأغاني من سبوتيفاي عبر خاصية 'الملاحظات' (Instagram Notes)، وهي مساحة صغيرة مخصصة لمشاركة الحالة، بات بإمكان المستخدمين إرفاق مقاطع موسيقية معها ليطّلع عليها متابعوهم في الوقت الحقيقي. ويرى خبراء أن هذه الخطوات قد تسهم في تحويل إنستغرام إلى منصة لاكتشاف الموسيقى، ما يعزز من معدل بقاء المستخدمين داخل التطبيق، ويزيد من جاذبيته للفنانين ومحبي الموسيقى، في ظل منافسة متصاعدة مع تطبيق تيك توك الذي يهيمن حاليًا على اتجاهات الموسيقى عالميًا. خطوط جديدة مستوحاة من الفنانة روزاليا وفي إعلان موازٍ، كشفت إنستغرام أيضًا عن طرح خطوط جديدة لاستخدامها في القصص والريلز (Reels) خلال هذا العام. ومن بين أبرز الإضافات، خط مؤقت مستوحى من خط يد المغنية الإسبانية روزاليا، يتضمن رموزًا سرية مرسومة يدويًا تظهر عند كتابة رموز مثل ':‑)', '***' و'<3″.


الموقع بوست
منذ يوم واحد
- الموقع بوست
القهوة.. زرعت في اليمن فطاف اسمها العربي العالم
طقسٌ روحانيّ، أو وقودُ ثورة، أو صرعةٌ على تيك توك: القهوةُ أكثرُ بكثيرٍ من مجردِ مشروب. تاريخها الضاربَ في القِدَم يروي حكاياتٍ عن الماعز والأساطير والاستعمار فما السر العربي الكامن فيها؟ أصبحت القهوة منذ زمن جزءًا من ثقافة البوب من مشروب ستاربكس الشهير فرابوتشينو، الذي يحتفل هذا العام بمرور ثلاثين عامًا على ظهوره، إلى الصيحات المنتشرة على تيك توك مثل "دالغونا كوفي" أو "كلاود كوفي". لكن كل هذه الصيحات سبقتها قصة طويلة: فقد كانت القهوة تُحضّر على مدى قرون ضمن طقوس معينة، وتُشرب في الصالونات، وكانت وقودًا للثورات. وفي الوقت نفسه، فإن تاريخها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستعمار – واليوم بتغير المناخ: فنتيجة لارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار، يكافح كثير من مزارعي البن من أجل البقاء، كما أن أسعار القهوة ترتفع بشكل كبير. ومع ذلك، فإن شُرب نحو ملياري فنجان قهوة يوميًا يظهر مدى ارتباط هذا المشروب بثقافة العالم. فيما يلي نظرة سريعة على رحلة القهوة عبر الزمن والقارات. وفقًا للأسطورة، اكتشف راعي ماعز إثيوبي يُدعى كالدي، القهوة عندما لاحظ أن ماعزه بدأت تقفز بنشاط غير عادي بعد أن أكلت حبات حمراء. رغم أن القصة على الأرجح مختلقة، فإن قهوة أرابيكا تنحدر فعلًا من منطقة كافا في إثيوبيا، حيث لا تزال تلعب دورًا مهمًا في الطقوس حتى اليوم. ففي مراسم القهوة الإثيوبية التقليدية، تُحمّص الحبوب على نار مفتوحة وتُحضّر في إبريق خزفي يُعرف باسم "جيبينا" – وهي لحظة ضيافة وتواصل اجتماعي. في السنغال، تعد "قهوة طوبا" أكثر من مجرد مشروب – فهي تنكّه بالفلفل والقرنفل، وتنتمي إلى التقاليد الصوفية الإسلامية ولها معنى روحي. وفي العديد من الدول العربية يُضاف الهيل إلى القهوة. في تركيا، يُغلى مسحوق القهوة المطحون ناعمًا جدًا مع الماء والسكر في إبريق نحاسي يُدعى "جزوة" – هذه هي القهوة التركية، والتي تُحضّر بالطريقة نفسها في اليونان وتُعرف هناك باسم "كافيداكي". وعندما يُشرب الفنجان حتى تبقى فقط الرواسب، تُقرأ الرواسب لاحقًا – وهي عادة عريقة في التنبؤ بالمستقبل لا تزال مستمرة حتى اليوم. في إيطاليا، يقسم الناس على الإسبريسو – ويفضلونه كرشفة صغيرة زيتية سوداء في فنجان صغير سميك الجدران. في البرازيل، يُعد "كافيزينيو" – وهو قهوة صغيرة محلاة – رمزًا للضيافة. وهو جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية: سواء في المنزل أو عند باعة الأرصفة. وفي عام 2020، خلال الإغلاق بسبب كورونا، أعادت كوريا الجنوبية القهوة إلى مركز الاهتمام العالمي: من خلال دالغونا كوفي – مزيج هش من القهوة الفورية والسكر والماء – والذي أصبح طقسًا منتشرًا على تيك توك – بسيط ومريح وجميل المنظر. في جميع أنحاء العالم، هناك أنواع مبتكرة وغريبة أحيانًا من القهوة: ففي فنلندا والسويد، تُسكب القهوة على مكعبات جبن مصنوعة من حليب البقر أو الرنة – وهي عادة قديمة جدًا. في فيتنام، ظهرت "قهوة البيض" بعد الحرب العالمية الثانية بسبب نقص الحليب – وهي مزيج من صفار البيض المخفوق مع الحليب المحلى المكثف والقهوة – وأصبح اليوم من المشروبات الكلاسيكية المحبوبة. وهناك أيضًا "كوبي لواك" من إندونيسيا – وهي حبوب قهوة تمر عبر الجهاز الهضمي لحيوان الزباد ثم تُجمع مجددًا. الفكرة أن التخمير يحسّن الطعم ويجعله أكثر نعومة. لكن منظمات حماية الحيوان تحذر: فالكثير من هذه الحيوانات تُحبس في أقفاص وتُجبر على الأكل. توجد شركات تزعم أن قهوتها "مجموعة من البرية" – لكن مصداقيتها غالبًا ما تكون موضع شك. القهوة من مشروب مقدس إلى منتج عالمي لم تكن القهوة تُنقل فقط في أكياس، بل عبر طرق التجارة، والتيارات الروحية، والحروب الاستعمارية. رغم أن النبات أصله من إثيوبيا، فإن أول زراعة موثقة له كانت في اليمن – وهناك أيضًا حصل على اسمه "قهوة"، وهو في الأصل اسم لـ "الخمر". استخدم الصوفيون القهوة للبقاء يقظين أثناء صلواتهم الليلية. وكان ميناء المخا اليمني مركزًا عالميًا لتجارة حبوب القهوة. وفقًا للأسطورة، هرب الصوفي الهندي بابا بودان في القرن السابع عشر بسبع حبات خصبة من اليمن إلى جنوب الهند – رغم الحظر العربي على تصدير الحبوب. وكان ذلك بداية زراعة القهوة في الهند. سرعان ما أدركت القوى الاستعمارية الأوروبية إمكانيات القهوة: فزرعها الهولنديون في جزيرة جاوة، والفرنسيون في الكاريبي، والبرتغاليون في البرازيل – وغالبًا ما ارتبط ذلك بالعنف والعبودية والعمل القسري. وهكذا أصبحت البرازيل في القرن الثامن عشر أكبر منتج للقهوة في العالم. حتى أستراليا، التي تأخرت في دخول عالم القهوة، لديها اليوم ثقافة قهوة مزدهرة. حقيقة طريفة: أستراليا ونيوزيلندا تدعي كل منهما اختراع "فلات وايت" في الثمانينات. لطالما كانت المقاهي أكثر من مجرد أماكن لشرب القهوة، ففي إسطنبول القرن السادس عشر، حاول الحكّام حظرها مرارًا – خوفًا من أن تكون بؤرًا للقلاقل. وفي أوروبا خلال عصر التنوير، أصبحت المقاهي ملتقى للأفكار الثورية – ومن بين عشاق القهوة المشهورين فولتير وروسو. وفي أمريكا الاستعمارية، حلت القهوة محل الشاي الذي فرضت عليه بريطانيا الضرائب – خاصة في "حانة التنين الأخضر" في بوسطن، حيث اجتمع "أبناء الحرية" لتنظيم المقاومة ضد الاستعمار البريطاني. وقد أدى ذلك إلى ما عُرف لاحقًا بحادثة "حفلة شاي بوسطن"، عندما ألقى أعضاء المجموعة مئات الصناديق من شاي شركة الهند الشرقية البريطانية في ميناء بوسطن. وكان ذلك من بدايات حركة الاستقلال الأمريكية في القرن الثامن عشر. تشهد المقاهي اليوم عودة قوية كمقاهٍ للعمل المشترك – أماكن تجمع بين العمل والمنزل، حيث يمكن للمرء التواجد ببساطة. فمنذ التسعينات، بدأت العديد من المقاهي بتقديم خدمة الإنترنت، قبل أن يصبح الإنترنت اللاسلكي (واي فاي) أمرًا شائعًا في المنازل. كما أصبحت المقاهي أكثر إبداعًا: ففي تايبيه عاصمة تايوان، افتتح عام 1998 أول مقهى قطط في العالم – مكان للاسترخاء مع القهوة ورفقة القطط. واليوم انتشر هذا المفهوم في كل أنحاء العالم – من طوكيو إلى برلين، يمكن لعشاق القطط مداعبة هذه الحيوانات الناعمة ومشاهدتها، وهم يحتسون فنجانًا من الموكا أو لاتيه ماكياتو أو أمريكانو أو دالغونا أو إسبريسو. وسواء كطقس، أو وسيلة احتجاج، أو لمجرد التلذذ – تبقى القهوة مرآة ساحرة لعالمنا وتاريخنا. وعندما يدرك المرء ذلك، يتذوقها بمذاق أطيب.


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
شخصيات الذكاء الاصطناعي الكرتونية... تلهو بنا لا معنا
فاجأت لين، التي تجاوزت الرابعة من عمرها بقليل، أبويها بالتمتمة بكلمات تشبه الإيطالية، لم يتبينا منها سوى كلمة "كابتشينو"، إذ تقولها بطريقة سريعة وبنغمة محددة، لم يفهما ما يجري، وحينما تكرر الأمر مع ألفاظ أخرى اكتشفا أن انهماكهما في العمل يومياً حتى الخامسة مساءً وتركها مع الجدة، قد جعلها متعلقة بتريند "تعفن العقل الإيطالي"، الذي لم يكن يعلم عنه الأبوان الشابان اللذان يعملان في مجال الإدارة شيئاً، لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة إليهما كانت طبيعة فيديوهات هذا التريند التي كانت صادمة بالنسبة إليهما. الحفيدة المدللة التي تبكي فتحصل سريعاً على هاتف جدتها الذكي، والأخيرة تتصرف بحسن نية متوقع، فتترك الطفلة تشاهد المقاطع الغريبة وتضحك وتقلد طريقة الكلام، أصبحت أسيرة لهذا العالم العبثي، إذ تتحرك أجساد بشرية وحيوانية غريبة، تتآلف من أعضاء نصفها جمادات أو فاكهة وخضراوات، وتنتظم في قصص وحكايات وأغنيات تبث رسائل غير مفهومة، كثير منها غير ملائم. وبالبحث يتبين أن المحتوى في بعض الأحيان يمكن أن يوصف بالإباحي. وبعدما اتخذ والدا الطفلة موقفاً حاسماً استقبلت الصغيرة القرار بثورة من الغضب والصراخ، لكنها رضخت في النهاية بعدما علمت الكبار درساً، لكن ماذا عن بقية الآباء الذين لا ينتبهون أو الذين يسعدون بضحكات صغارهم بينما صحتهم العقلية تتدهور، وهم يلهون ويستمرون أمام سيل الفيديوهات التي لا تتوقف عبر "تيك توك" و"يوتيوب" و"إنستغرام"؟ "تعفن الدماغ" والرسائل أيضاً "بالرينا كابوتشينا، وكابتشينو أساسينو وإسبرسونا سنيورا، وتوم توم ساهور، وبومباردينو كروكوديلو، وشامبانزي بانانيني"، بعض من الشخصيات الافتراضية التي يروج لها بأنها كوميدية، باتت ذات شعبية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تستهوى الأطفال والمراهقين بصورة خاصة، نظراً إلى أن تصميمها ظاهرياً يبدو مرحاً، وكذلك حركاتها الراقصة أو الغريبة، فتصميمها الهجين الذي نفذ بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي يأتي ضمن موجة انتشرت قبل أشهر قليلة تحتفي بالعبث وبالهذيان الذهني الذي يترجم في صورة مرئية راقصة أو ذات حركات غريبة، وكذلك بالكلمات التي تبدو وكأنها كلمات إيطالية صحيحة، لكنها عند التدقيق تظهر غير متجانسة، وتشبه الطلاسم، إضافة إلى أن التكوين نفسه، لا يبدو جميلاً أبداً إنما غريب وربما قبيح وقد يكون مرعباً أيضاً. بعض الحيوانات الضخمة تبدو بجسد آلة مقاتلة أو طائرة حربية، أو نرى سمكة قرش ترتدي حذاءً رياضياً فاخراً، إضافة إلى القرد الذي يظهر بشكل موزة، بل أصبح هناك دمج بين تكوينات الشخصيات الرئيسة نفسها وبعضها بعضاً، فبدا وكأنه عالم مستقل يتكاثر، أما الشخصية الأكثر شهرة فهي بالرينا كابوتشينا التي تتمشى وتتباهى برأسها الذي هو عبارة عن كوب قهوة. اختارت دار نشر جامعة أكسفورد كلمة "تعفن الدماغ" لتكون كلمة عام 2024 بعد 37 ألف تصويت، بسبب زيادة استخدامها، وجرى تعريفه اختصاراً بأنه تدهور الحال العقلية والفكرية، نتيجة الاستهلاك المتزايد للمواد التافهة عبر الإنترنت، وعلى ما يبدو أن الإيطاليين حاولوا أخذ نصيبهم من هذا التريند، فموجة "تعفن العقل الإيطالي" استغلت الوقع الموسيقي المحبب للغة الإيطالية، لتحصد أكبر عدد من المعجبين. لكن على ما يبدو أن الأمر لم يقف عند حد اللهو، وتطرق المحتوى إلى رسائل دينية وسياسية وعاطفية، تبث من خلال الأغاني والقصص المصورة القصيرة، والألعاب، فبعضها يتعلق بمسألة الإيمان، وأخرى تمجد العنف، وقصف الأطفال، وتسخر من معاناة فلسطين، بل وتدعم إبادة أهل غزة، إذ باتت التوجهات السياسية المتطرفة مغلقة برسائل الإضحاك، والتعبيرات العبثية التي كثير منها بلا معنى. الذكاء الاصطناعي ليس مذنباً لم يستبعد استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الطبيب بدر عباس، أن يحدث ما هو أكثر من هذا، في ظل أن المتحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤسسات لديها قيم مغايرة تماماً للمجتمع العربي، ولهذا فهي تعبر عن أفكارها الخاصة، سواء كانت إنسانية أو اجتماعية أو حتى سياسية، ولهذا فإن الأسر العربية التي تترك أبناءها مع هذه التطبيقات تفاجأ بعد وقت بل تصدم بالأفكار التي تشبعت بها عقولهم. ويشير بدر عباس، الذي يتابع عشرات الحالات في الفترة الأخيرة متأثرة بصورة سلبية بالارتباط المفرط بهذه التكنولوجيا، إلى أنه يرى أن بعض العائلات تركت مهمة التربية ببساطة للفيديوهات من هذا النوع، وهو ما ينتج منه تأثيرات مدمرة وشديدة السلبية على شخصيات الأطفال والمراهقين وتركيبة العائلات ككل، موضحاً "سواء شخصيات الذكاء الاصطناعي أو الألعاب الإلكترونية فهي تنتشر عادة في الفئة الأقل نضجاً، ومن أبرز تأثيراتها أنها تفصل الطفل عن العالم الواقعي، وتغذي لديه الفردية والانعزالية، فيخسر روابطه الأسرية وكذلك الأصدقاء، وتصبح دائرته مشوهة ومحشوة بمعلومات عادة مغلوطة، وبأفكار وقيم لا تمت إلى طبيعة مجتمعه بصلة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتتفق مستشارة العلاقات الأسرية أسماء حفظي مع فكرة أن من صنع الشخصيات المثيرة للجدل التي انتشرت في الفترة الأخيرة صممها بمبادئ تلائم مجتمعه، لذا فهي لا تناسب الجميع، لكنها ترى أن العيب ليس في الذكاء الاصطناعي بصورة عامة، إنما في فكرة غياب الرقابة الأسرية، وعدم الاهتمام بمتابعة ما يشاهده الأبناء. مشيرة إلى أن بعض الآباء يقارنون أنفسهم بالصغار، ويقولون إنهم لا يتأثرون بما يشاهدون، بل يتعاملون معه على أنه مجرد تسلية، غير مدركين أن رؤية الطفل هذا العالم المبهر تجعله يعلق بذهنه، بل يصبح مرجعيته الوحيدة في الحياة. وتواصل المتخصصة في التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، "العلاقة التي تبنى بين الطفل والهاتف تصبح أكثر حميمية وعاطفية من علاقته مع الأهل، بل يعتبر الهاتف صديقه الوفي الذي يؤنسه، ويثق بأية معلومة تخرج منه، وتكون بالنسبة إليه مصدقة تماماً، وهذا أمر شديد الخطورة، لكنه يحدث كثيراً وفق ما أراه أمامي". وتؤكد حفظي أن الآباء يفاجأون بتصرفات وأفكار غير مألوفة لدى أطفالهم، مثل العنف والتنمر والتبجح، على رغم أنهم في محيطهم الاجتماعي بعيدون كل البعد من هذه السلوكيات، من دون أن يدروا أن الأجهزة الذكية التي بين أيديهم قامت بتربيتهم بديلاً عنهم، وزرعت بهم سمات غير لائقة. العبث على الطريقة الإيطالية الشخصيات الإيطالية التي تجتاح "تيك توك" تنتشر بصورة خاصة كذلك بين من المراهقين، إذ يتنافسون على تداول مقاطعها الأحدث في ما بينهم، ويتنافسون أيضاً على حفظ الكلمات والرسائل التي تقال عادة بصوت رجالي خشن وبلكنة إيطالية واضحة، إذ وجدت إحدى المعلمات التي تعمل في مدرسة معروفة بوسط القاهرة، سيطرة كبيرة لهذا التريند على التلاميذ الذين تتعامل معهم، وهم عادة في نهاية المرحلة الابتدائية، مشيرة إلى أنها استهجنت في البداية طريقة الكلام التي يرددها الأطفال على سبيل المزاح في ما بينهم، التي تبدو وكأنها لغة مبتسرة، لكن بالبحث اتضح لها أن الأمر أكبر من هذا. تقول مدرسة اللغة الإنجليزية دعاء علوي، "قمت بعمل بحث معمق، وشاهدت عشرات المقاطع، إذ تبدو عادية وطريفة"، لكن الأمر يتفاقم في الفيديوهات الطويلة التي تبث محتوى إباحياً بصورة صريحة، وبه عبارات لا تتوافق أبداً مع الطفولة ولا المراهقة، من خلال قصص تبدو ظاهرياً فكاهية، لكنها كارثية. وحتى الفيديوهات الصامتة تكون أكثر رعباً من التي تتضمن مقطعاً صوتياً. بالطبع حذرنا التلاميذ ووجهنا رسائل توعوية للآباء، لكن الانتشار الكبير لهذه الشخصيات من الصعب السيطرة عليه من دون وعي مستمر، لأنه قد يختفي وتظهر شخصيات بديلة أكثر سوءاً في ظل انتشار الهواتف في أيدي الجميع". كثير من مشاهير "تيك توك" والإنفلونسرز على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة عامة، احتفوا بتريند "الغباء الإيطالي"، وأصبحوا يقدمون محتوى مركباً على أصوات الشخصيات، أو حتى يقلدون في مظهرهم ومكياجهم أشكال الشخصيات المولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أسهم بصورة كبرى في انتشار هذه الموجة التي تبدو مريبة وخطرة بالنسبة إلى الآباء. هذا التريند يأتي أيضاً في ظل تصاعد نجومية اللعبة الإلكترونية "روبلوكس" التي أصبحت ذات شعبية كبيرة بين الصغار أخيراً، وعلى رغم تحذيرات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال من أخطارها المرتبطة بالإدمان عليها وإمكان تعرض الطفل للاستغلال والاستمالة بسبب نظام المكافآت المشجع والمحفز بها، فإن قاعدتها تتسع. كذلك على رغم بعض التقييدات التي تمنع عن الأطفال الذين يمارسونها قبل سن الـ13 من الدردشة مع الغير أو التعرض لمستوى عنيف أو له طابع جنسي، فإن هذه العقبة يمكن تجاوزها ببعض الحيل السهلة، مما يعرض الصغار للتنمر والخطر. اللهو الذي يذهب بالصغار إلى المصحة النفسية وفاق ما جاء على موقع "اليونيسيف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، فإن وصف الإدمان على التعلق بالتطبيقات الذكية، يبدو غير ملائم، لأنه يثير قلقاً وذعراً، واكتفت المنظمة بتسمية الحب والارتباط المبالغ فيه بالتكنولوجيا بأنه "انهماك غير صحي"، وتابع الموقع أنه يأتي عادة حينما "تصبح الجوانب الأخرى من الحياة غير مرضية، فإذا كان الطفل يشعر بنقص كفاءته أو نقص استقلاليته، أو إذا كان يشعر بأنه غير مرتبط بالآخرين في المدرسة أو في مجال آخر في الحياة، فقد تكون النتيجة انهماكاً غير صحي". لكن من جهة أخرى يكشف استشاري أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي وعلاج الإدمان بدر عباس عن كثير من الحالات بين المراهقين الذين دخلوا المستشفيات النفسية بسبب ما يصر هو على تسميته "إدمان هذه الألعاب والتعامل مع شخصيات افتراضية، يتوحد معها الطفل تماماً، ويتعامل معها بصورة مفرطة"، واصفاً الأمر بـ"الظاهرة المقلقة". يوضح بدر عباس، "يفقد الأطفال والمراهقون طريقة تواصلهم الطبيعية مع من حولهم، ولهذا تعددت حالات الاحتجاز بمستشفيات الأمراض النفسية والعصبية أخيراً، بسبب السلوكيات الشديدة العنف المستقاة من هذه التطبيقات، سواء كانت شخصيات غريبة أو ألعاباً. ونتيجة للاضطرابات يصبح الشاب منغمساً تماماً في هذا العالم، ويخسر دراسته وأهله، إذ إن أحدهم كان يجلس 17 ساعة أمام هذه التطبيقات فاستولت تماماً على دماغه، وبعد محاولات منعه اشترى أدوات حادة وبدأ بإتلاف وتكسير ممتلكات والده الثمينة، بعدما أصبحت علاقاته الاجتماعية منتهية تماماً. ونصيحتي هي ألا يقتني الطفل هاتفاً ذكياً قبل بلوغ الـ12 من عمره، أي يكون قد تأهل نفسياً بعض الشيء ويصبح قادراً على التمييز".