
الفلسفة الإنسانية
كثيرًا ما سمعنا عن مصطلح الفلسفة، وقد ارتبط هذا المصطلح بالحضارة اليونانية التي تُعدّ الفلسفة مفخرة فكرية شغلت العالم قرونًا عديدة.
وظهر العديد من الفلاسفة الذين شغلوا الدنيا بأسرها بما طرحوه من أفكار ونظريات وتعريفات أصبحت محل اشتغال ونقاشات أثّرت الساحة الفكرية العالمية.
حيث أصبح الفضاء الكوني هو أساس الاشتغال الفلسفي اليوناني، ليتجاوز بعد ذلك الفضاء الكوني ويهتم بالإنسان كونه إنسانًا، فبعد أن تجاوز التعريف التقليدي للفلسفة، الذي كان محددًا بمعرفة الكون وقراءة الطبيعة، وصل إلى الإنسان ومعرفة أنماط تفكيره وأسلوب حياته.
ولعل هذا التحول من دراسة الوجود الخارجي إلى تأمل الإنسان الداخلي، هو ما مهّد لظهور ما يُعرف لاحقًا بفلسفة القيم والأخلاق، حيث لم يعد السؤال عن "ما الكون؟" فقط، بل "ما الخير؟"، و"كيف ينبغي أن أعيش؟". وهذه الأسئلة هي جوهر الفلسفة الإنسانية التي تقيس القيمة لا بالحسابات المجردة، بل بتأثيرها على إنسانية الإنسان وكرامته وسكينته.
ونحن لا نريد أن نتعمق في الحديث عن الفلسفة بالمعنى الذي تناوله الفلاسفة ومعاركهم الفكرية ونظرياتهم التي شغلت العالم، بل أردنا أن نتناول الحديث بشكل مبسط عن الفلسفة الإنسانية التي وُلدت بمعية الإنسان، ثم تدرجت معه لترافقه إلى آخر رحلة في عمره الجسدي، بمعنى فلسفة أسلوب الحياة، وكيف لهذا الإنسان أن يختار من بين تلك الفلسفات ما يجعله يشعر بالسعادة والطمأنينة، وللطمأنينة التي شددنا عليها.
إن بداية الخيط الذي يستطيع القارئ الابتلاء به لنبدأ معه وقلتنا المعرفية، هو الحديث النبوي الشريف: (كل مولود يولد على الفطرة)، والفطرة هنا يُقصد بها الحق والاستقامة ونقاء السريرة، التي تمكّنه من معرفة الله والاقتراب منه إلهًا واحدًا لا شريك له.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأصل الفطري بقوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: 30)، وهذه الفطرة هي أساس الفلسفة الإنسانية التي تنبع من داخل النفس السليمة قبل أن تتأثر بالعوامل الخارجية.
لكن الفطرة، وإن كانت أصلًا نقيًّا، تحتاج إلى رعاية وتوجيه، فبعض البيئات تُنمّي في الإنسان القيم التي تعزز هذا النقاء، وبعضها الآخر يُشوش عليه بمفاهيم مغلوطة أو ضغوط نفسية واجتماعية تُبعده عن ذاته الأصيلة. ولهذا كانت التربية، والمحيط، والتجربة، أعمدة أساسية في تشكُّل الفلسفة الإنسانية لدى الأفراد.
وإذا كان كل إنسان يولد مزودًا بالاستعداد الفطري لقبول الحق واختيار الأسلوب الصحيح لمسار حياته، فمن الطبيعي أن مسار الحياة يحتاج إلى نظام متكامل يحفظ لهذا الإنسان السير في مسار واضح رصين، يكفل له سلامة الجسد والروح والعقل.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا التوازن في قوله: (إن لبدنك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا...)، في دعوة واضحة لتنظيم نمط الحياة بما يضمن السلامة الجسدية والنفسية والروحية، وهي جوهر الفلسفة الإنسانية.
ومع امتلاك الإنسان لآلة العقل والاستعداد الفطري، إلا أنه معرض إلى خلل قد يصيب ذلك النظام، بسبب عوامل خارجية تجعله ينحرف عن مساره الأصلي.
ويكفي أن نستحضر قصة قابيل وهابيل، حيث كان الانحراف في الفكر والسلوك أول مظهر بشري لخروج الإنسان عن فطرته، فقتل قابيل أخاه بدافع الحسد والرغبة في السيطرة، مع أنهما ابنا نبي، مما يدل على أن البيئة والاختيار الفردي يؤثران على المسار الفلسفي في حياة الإنسان.
وهنا تبرز أهمية الوعي الذاتي، فليس كافيًا أن نولد بفطرة سليمة أو نعقل الأشياء، بل علينا أن نُدرّب أنفسنا على التأمل والنقد والتصحيح المستمر. وهذا هو ما يجعل الفلسفة الإنسانية حيّة، غير جامدة، تنمو مع التجربة، وتُهذّب بالألم، وتسمو بالتفكر، كما قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾.
والإنسان يجد نفسه في هذه الحياة أمام خيارات عديدة، حيث يبدأ كل شخص بتقييم هذه الخيارات ليختار ما يراه مناسبًا، ويجعله منهجًا لحياته.
هذا الاختيار ينتج عنه منهج فلسفي يلتزم به الإنسان ويطبقه، بل وينصّب نفسه مدافعًا شرسًا عنه، ومن هنا يبدأ الآخرون بوصف ذلك المنهج بقولهم: إن فلانًا له فلسفة مختلفة.
نعم، إن اختيار أسلوب الحياة الذي نعيشه ما هو إلا فلسفة، لها ما يبررها في عقولنا، وهي تلك النظرة التي ننظر بها إلى الأشياء والمواقف والأفكار، وتُميزنا عن غيرنا.
وفي هذا الإطار، نجد أن الفلسفة الإنسانية لا تعني التنظير فقط، بل تبدأ من تفاصيل الحياة اليومية: كيف تتعامل مع من يخالفك؟ كيف تتخذ قراراتك؟ كيف تنظر إلى النجاح والفشل؟ هذه كلها تمظهرات حقيقية لفلسفتك، وإن لم تكتبها في كتاب.
ومع هذا، هناك مشتركات فلسفية تجمع ذلك الإنسان مع محيطه ومجتمعه الذي يعيش فيه.
فعلى مستوى الديانة، يشترك مع الآخرين في العقيدة التي يؤمن بها، والتكاليف التي عليه أن يلتزم بها، حتى ينعم بتناسق روحاني وطبيعي وهو يعيش في ذلك الوسط.
وقد قال الله تعالى في هذا السياق: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92)، فالدين لا ينظم العلاقة بين الإنسان وربه فقط، بل يبني مجتمعات تقوم على وحدة القيم والمصير.
وبجانب المشترك الديني، هناك مشتركات فلسفية من ناحية القيم والمبادئ والأخلاق، يتشارك بها الإنسان مع محيطه الذي يعيش فيه، وهي بمثابة دستور اجتماعي يحفظ له كرامته، بل يشعره بالاستقرار.
وقد رأينا ذلك في قصة الصلح بين الأوس والخزرج في المدينة المنورة، حين بُني المجتمع الإسلامي على أسس إنسانية راقية من الإخاء والتكافل والتسامح، وهي فلسفات حياة قبل أن تكون تشريعات.
وإذا تأملنا المجتمعات الناجحة اليوم، فإننا نلحظ أنها لا تنهض فقط بالبنية التحتية، بل بفلسفة العيش المشترك، والعدالة، واحترام الإنسان. فحين تتبنّى المجتمعات مبادئ إنسانية عليا كقيم دستورية، فإنها تضع الأساس لعصر من النضج والتوازن الحضاري.
وبجانب اشتراكه الفلسفي في محيطه القريب، هناك مجتمع عالمي يُفترض أن يكون مثاليًا، يجتمع فيه العالم على مبادئ وقيم وأخلاق إنسانية عالمية، يسميه البعض: المشتركات الإنسانية، وبواسطتها يعيش العالم في سلام، ويعمل فيه الجميع تحت قاعدة التدافع التي ينتج عنها رُقي حضاري وتطور المجتمعات.
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة: 251)، فالاختلاف الفلسفي والتدافع الأخلاقي حين يكون مبنيًا على القيم، لا يُنتج حربًا، بل يُثمر حضارة.
هذه الفلسفات هي التي يُفترض أن تسود أفكار الإنسان العالمي، لكن المفروض ليس دائمًا هو الواقع، فالخلل الذي يَعرض في التفكير هو الذي يُفسد النظام، ويجعل الإنسانية تعيش حالة من التوترات والصراعات.
وفي زمن تتكاثر فيه الأفكار وتتنافس فيه الفلسفات، لم يعد كافيًا أن نمضي في حياتنا بنسخ مكررة من معتقدات لم نختبرها، أو مواقف لم نُمحّصها، بل صار من الواجب أن نُراجع أنفسنا بصدق: ما الذي نؤمن به حقًّا؟ وما الذي نُمارسه فقط لأنه مألوف؟ هذه المراجعة ليست ضعفًا، بل وعي ناضج يُمهّد لفلسفة إنسانية أصيلة، تُبنى على التفكر لا على التلقين، وعلى الرحمة لا على التعصب.
إذاً، ونحن نتناول الحديث عن الفلسفة، نفرق بين الفلسفة بمعناها الفعلي كما تناولها الفلاسفة اليونانيون ومن جاء بعدهم، بما فيهم الفلاسفة العرب والمسلمون، وبين الفلسفة الإنسانية التي تعني أسلوب الحياة، ونظرة الإنسان إلى الأشياء، وتلك المشتركات القيمية والمبادئ الأخلاقية التي يتشارك بها مع الحضارات الإنسانية المختلفة، والتي نستطيع أن نُطلق عليها: الفلسفة الإنسانية العالمية، والتي هي السبيل الوحيد للتعايش السلمي، إذا ما استطعنا أن نجعلها شعارًا عالميًا يلتزم به الجميع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 11 ساعات
- جريدة الرؤية
إلى محافظ الداخلية: كورنيش سمائل على ضفاف الوادي "وجهة نظر"
د/ علي بن حمد بن عبدالله المسلمي aha.1970@ تعد ولاية سمائل من الولايات العريقة التي لعبت دورًا في التاريخ العماني، ولها السبق في التعرف على دين الله واعتناقه في صدر الإسلام عن طريق الصحابي الجليل مازن بن غضوبة الطائي، ومنه انطلق نور النبوة على أرجاء عُمان في عهد ملوكها جيفر وعبد ابني الجلندى، وهي موئل العلماء، وحاضنة للعلم والأدباء والشعراء والفقهاء، وتضم العديد من الحصون والقلاع، وأبرزها قلعة الشهباء، وتشتهر بالأفلاج والعيون وأبرزها فلج السمدي، وهي فيحاء عُمان ببساتينها وارفة الظلال. وتشتهر -هذه الولاية العريقة- بزراعة النخيل، والحمضيات، والموز... وشعارها نخلة الفرض. وتضم الولاية العديد من القرى والأودية، أبرزها وادي سمائل الشهير الذي تنبثق منه سلسلتين جبليتين عظيمتين هما: سلسلة جبال الحجر الغربي وقمته الجبل الأخضر الشهير، وسلسلة جبال الحجر الشرقي وقمته جبل السّمان. وفي عهد النهضة المباركة، حظيت بالعديد من المنجزات الحضارية، شأنها شأن الولايات الأخرى على مستوى السلطنة، أبرزها المنطقة الصناعية في منطقة الدسر. وفي ظل النهضة المتجددة التي يقودها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- توجت ببناء مستشفى سمائل الجديد -قيد الإنشاء- الذي يعد إضافة مهمة للمنجزات التي تحققت في القطاع الصحي على مستوى السلطنة، ولا شك أن هذا المنجز يخدم الولاية وقراها المترامية الأطراف، ويعد لبنة أساسية ودعامة مهمة في القطاع الصحي في الولاية بأقسامه التخصصية التي توفر الرعاية الصحية الشاملة. ونظرًا لوقوع مستشفى سمائل الجديد في سيح الراسيات بالولاية، نرى من الأهمية بمكان ربطه بمركز المدينة التجاري (المدرة)؛ حيث يعتبر القلب النابض للولاية، والرئة التي يتنفس منها الجميع بما تحويه من مؤسسات، ومراكز خدمية، وبنوك، ومجمعات تجارية، ومجمع سمائل الصحي ومشفاها القديم، ومدارس وجامع سمائل، والمحكمة الابتدائية، ومركز شرطة سمائل، وغيرها... وهذا لا يتأتى إلا عن طريق ربط مركز الولاية بالمشفى الجديد بطريق حيوي يمتد عبر ضفاف وادي سمائل المشهور، تكون انطلاقته من خلف مدينة الألعاب والتسلية، مرورًا بالشارع المتجه لمسلخ سمائل المركزي، ومصبات بعض الأودية مثل: وادي الهوب، وهيل، والسدر، والتي تحتاج لبعض المعالجات كالجسور والأنفاق، مرورًا بمنطقة الصويريج العامرة، ثم يقطع شارع بدبد - نزوى عند نفق مصب أودية المسقاة، والفلجين، وقري، والرجم، والعسي، ووادي بني رواحة، وسيجاء، وفلج المراغة، ووادي غافري، ووادي بوظليمي، والحلاة (مقابل محطة المها بطوي النصف) إلى أن يصل إلى المشفى الجديد. ويشكل هذا الشارع -في حالة تنفيذه- لبنة جديدة في التطور والتقدم، وحلقة وصل بين سمائل الداخل وقراها ومركز الولاية ومشفى سمائل الجديد، إذ يضفي لمسة جمالية وخدمية وسياحية واعدة للولاية، وينشط الحركة التجارية، ويعالج الاختناقات المرورية الحالية، وخاصة أيام الأعياد والمناسبات وساعات الدوام الرسمي، وأثناء دوام طلبة المدارس والموظفين. إن تنفيذ هذا الطريق يحتاج إلى هندسة وتصميم معماري فريد يواكب روح العصر، ويتناسب مع حجم الولاية وتاريخها العريق. وياحبذا قيام مكتب المحافظ بالمحافظة بطرح مسابقة لاستمطار عقول الشباب، وأهل الفكر والخبرة والإبداع على مستوى السلطنة بعمل تصميم هندسي إبداعي لهذا الشارع، حيث تطرح للجمهور هذه المسألة؛ لكون هذا الشارع الذي يمر بمحاذاة الوادي بحاجة إلى تصميم إبداعي وفق مواصفات الطرق الحديثة، لا سيما إن تصميمه ككورنيش لطريق مزدوج بحارتين من كل جانب يمر على ضفاف الوادي، وذلك يضفي لمسة جمالية للمكان... ويا حبذا لو يكون مزودًا بممرات للمشاة على جانبي الشارع الممتد من بداية مدينة الألعاب، وينتهي بالمشفى الجديد؛ لممارسة رياضة المشي التي تسهم في تعزيز الأنماط الصحية في الحياة، كذلك من الضروري أن يحتوي على استراحات للجلوس، ومواقف للسيارات، وبعض الأكشكاك للبيع والمقاهي. إن طرح مثل هذه المسابقات يعزز روح الإبداع لدى الشباب، ويولد روح الانتماء والشراكة، ويؤدي إلى النماء والتطوير وجودة الحياة.


الشبيبة
منذ 21 ساعات
- الشبيبة
تمازج التضاريس والمناظر الطبيعية لقرية العين بالجبل الأخضر جعلها وجهة لمحبي الطبيعة والمغامرات
الشبيبة - العمانية تعد قرية العين بولاية الجبل الأخضر في محافظة الداخلية وجهة سياحية مميزة للكثير من زوّار الولاية، لما تتميز به من مناخ معتدل صيفًا وشديد البرودة شتاءً، وغناها بالمعالم التاريخية والثقافية، وتنوع محاصيلها الزراعية كالورد، والرمان، والعنب، وغيرها الكثير، والتي تتوزع في مدرجات تجسّد الطبيعة الزراعية العُمانية. كما أن تمازج التضاريس الجبلية والمناظر الطبيعية والمزارع في القرية جعلها وجهة مفضلة لمحبي الطبيعة، وعشاق التصوير، وممارسة رياضة المشي عبر العديد من الطرق القديمة التي ترتبط بها مع قرى ولاية الجبل الأخضر بقرى محافظة الداخلية، وعدد من قرى ولايات محافظة جنوب الباطنة. وقال المهندس يحيى بن ناصر بن سيف الريامي، أحد أهالي قرية العين بولاية الجبل الأخضر: تعد قرية العين من القرى القديمة في ولاية الجبل الأخضر، والتي يعود تاريخها إلى مئات السنين، وهي ذات أهمية كبيرة في الولاية؛ حيث إنها تتوسط الولاية، وكذلك لموقعها المتميز، وتربض على كتلة من صخور الترافثين، التي تُعرف بغزارة المياه فيها منذ العصور القديمة، وأكسبتها إطلالة جميلة على ثلاث قرى من قرى الولاية، وهي: العقر، والشريجة، والقشع. مشيرًا إلى أن تسمية القرية بهذا الاسم يعود إلى وجود مصادر ينابيع المياه في القرية، حيث تنبع منها ثلاثة أفلاج، وهي: فلج الأعور، الذي يروي مزارع قرى العين والعقر والقشع، وفلج القنتي، الذي يروي مزارع قرية العين، وفلج أبو كبير، الذي يروي مزارع قرية الشريجة وجزءًا من مزارع قرية العين، بالإضافة إلى وجود بعض العيون المائية مثل "عين العيينة". وأوضح لوكالة الأنباء العُمانية أن قرية العين تشتهر بعدد من المعالم التاريخية والثقافية والدينية، ومنها الموقع المسمى "القلعة"، ويطل على القرية من جهة الشمال، ويعد من أقدم البيوت السكنية التي سكنها أولًا الفُرس. كما أن هندسة شق الأفلاج عبر قنوات تحت الأرض هي تحفة تاريخية بحد ذاتها، ومنازل القرية - خاصة القديمة - شاهد على عمق التاريخ الذي تزخر به القرية. وبجانب ذلك، فإن الجانب الثقافي، والذي هو العامل الأساسي في ترسيخ تاريخ القرية وتناقله عبر الأجيال، يتجلى من خلال مدرسة القرآن الكريم وعلوم الدين، وتخصيص مجموعة من الكتب الدينية والثقافية والعلمية وشتى العلوم الأخرى كوقف عام للقرية، وتحديد مساحة من مزارع القرية لتكون ريعًا في خدمة الكتب الموقوفة. أما من الناحية الدينية، فالمساجد القديمة هي شاهد عيان منذ القدم على اهتمام الأهالي بهذا الجانب، حيث يوجد في القرية أربعة مساجد، وهي: المسجد الأعلى، ومسجد النارنجة، ومسجد الخشبتين، ومسجد القنتي. وبيّن المهندس يحيى بن ناصر الريامي أن الموقع الجغرافي لقرية العين، والذي يتوسط قرى ولاية الجبل الأخضر، أوجد شبكة من طرق المشاة، التي كانت هي الشريان الوحيد الذي ينتقل عبره أهالي القرية في جميع الاتجاهات؛ فمن أراد الذهاب إلى ولاية نزوى، يسلك الطريق الرابط بين القرية وقرى سيق ووادي بني حبيب، ومن ثم إلى ولاية نزوى. ومن أراد الذهاب إلى بركة الموز، يسلك الطريق الرابط بين القرية وقرى الشريجة وسلوت ومصيرة الرواجح. أما الراغب في الذهاب إلى ولاية إزكي، فيسلك الطريق الرابط بين القرية وقرى العقر وحيل اليمن، وأما المتجه إلى ولاية سمائل، فيسلك الطريق الرابط بين القرية وقرية المناخر. وأما الذي وجهته إلى ولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة، فيسلك الطريق الرابط بين القرية وقرى حيل المسبت، ثم إلى قرى العلياء أو مسفاة الشريقيين أو الهجار أو ثقب بوادي بني خروص بولاية العوابي. وقد كانت هذه الطرق لها اهتمام كبير من أهالي ولاية الجبل الأخضر، حيث إنها كانت الشريان الوحيد الذي يتم التنقل عبره للولايات الأخرى لقضاء مصالحهم، وبالتالي كان الاهتمام بها كبيرًا جدًا من خلال صيانتها وإصلاحها في حال تأثرها بالأمطار وخلافه. وبعد شق طريق السيارات في عهد المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد - طيّب الله ثراه - من بركة الموز إلى ولاية الجبل الأخضر، أصبحت طرق المشاة غير مستخدمة بشكل كبير، ولكن تقتصر في الوقت الحالي على هواة المشي والمغامرات، وتلقى تلك الطرق اهتمامًا من قبل الجهات المختصة لجعلها سالكة، حيث إنها أصبحت تشكل جانبًا سياحيًّا وتراثيًّا، وأسهمت بشكل كبير في التعرف على الحضارات السابقة التي سلكت تلك الطرق، مشيرًا إلى أن هناك جهودًا كبيرة لتطوير سياحة المغامرات من قبل الجهات المختصة في قرى ولاية الجبل الأخضر. وأكد المهندس يحيى الريامي أن قرية العين تحيط بها البساتين الزراعية من جميع الجهات كسوار على المعصم، حيث توجد بها جميع أنواع المحاصيل الزراعية، والتي تنتشر كذلك في سائر قرى الولاية، كأشجار الفاكهة متساقطة الأوراق (الرمان، والخوخ، والمشمش، والجوز، والعنب، وغيرها)، ومحاصيل الخضر كالثوم والبصل، ومحاصيل الأعلاف. كما أنها تتميز بزراعة أشجار الورد، والذي يعد مصدر دخل للأهالي بعد محصول الرمان، حيث إن أغلب الأهالي يعملون في مهنة تقطير ماء الورد، وقد أكسب القرية أهمية كبيرة وسمعة طيبة على مستوى الولاية، وحتى على مستوى سلطنة عُمان، وبالتالي فإن هذا النشاط من المؤمل أن يكون عامل جذب لزيارة القرية أثناء موسم حصاد الورد. وقال: من الملاحظ وجود زائرين للقرية طوال فترة العام، حيث إنها ذات جذب سياحي، وذلك للمقومات التي تتمتع بها، ولو أن أعداد الزائرين تختلف من فترة إلى أخرى، حيث تكون فترة ذروة الزوار في مواسم الأعياد والعطلات الرسمية، وفي مواسم جني وتقطير ماء الورد، وحصاد الرمان.


جريدة الرؤية
منذ 2 أيام
- جريدة الرؤية
تكريم أكثر من 50 حافظا لكتاب الله و47 مشاركا في المركز الصيفي
العوابي- خالد بن سالم السيابي نظمت مؤسسة النور الخالد للقرآن الكريم وعلومه احتفالها السنوي بولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة، جاء ذلك برعاية فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان ، بحضور نخبة من المشايخ وأولياء الأمور والمهتمين بعلوم القرآن الكريم أقيم الاحتفال في جامع الإمام وارث بن كعب الخروصي بقرية الهجار بوادي بني خروص . افتتح الحفل بتلاوات قرآنية عطرة قدمها عدد من الطلبة المجيدين، الذين أظهروا مهارات بارزة في أحكام التلاوة والتجويد ، كما عبر عبد السلام بن ناصر الشريقي المدير التنفيذي لمؤسسة النور الخالد في كلمته الترحيبية عن الجهود التي تقوم بها المؤسسة خلال مراحلها التعليمية مشيداً بجهود المعلمين والطلبة، ومؤكداً على أهمية ترسيخ علوم القرآن الكريم في المجتمع ، وأكد أن المؤسسة تسعى لبناء جيل واعٍ يحمل القيم الإسلامية، متمسكاً بكتاب الله المبين الذي هو أساس كل العلوم ، وأضاف الشريقي أن عدد الحافظين لكتاب الله هذا العام بلغ ٥٠ حافظا و٤٧ مشاركا في المراكز الصيفية . و تضمن الحفل عرضاً وثائقياً قصيراً استعرض أبرز أنشطة المؤسسة خلال فصل الصيف بما في ذلك حلقات تعليمية ومسابقات قرآنية، ورحلات ترفيهية، لبيان الأهداف المنشودة من تلك الأنشطة التي تعمل جنباً إلى جنب مع جهود المؤسسة ، وألقى الطالب أسامة بن سعيد الخالدي كلمة نيابة عن زملائه المشاركين في البرنامج التعليمي الذي امتد خمسة أسابيع، عبّر فيها عن تجربتهم التعليمية، ووجّه خلالها ثلاث رسائل رئيسية ، ففي رسالته الأولى دعا زملاءه إلى مواصلة طلب العلم والاستزادة من المعرفة، مؤكدًا أن التعليم هو حجر الأساس لبناء مستقبل واعد ، أما رسالته الثانية فكانت موجهة إلى أولياء الأمور، حيث حثهم على دعم أبنائهم وتشجيعهم على الالتحاق بالمراكز التعليمية التي تسهم في تنمية مهاراتهم وتعزيز معارفهم ، واختتم الخالدي كلمته بتقديم الشكر والامتنان لأهل المسجد والمعلمين الذين كان لهم دور بارز في توجيههم وتعليمهم، مشيرًا إلى أن البرنامج لم يقتصر على الجانب العلمي فحسب، بل غرس فيهم قيم الأدب والأخلاق والسمت العماني الأصيل. ثم ألقى فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، راعي الحفل محاضرة دينية تناول فيها مكانة القرآن الكريم في حياة المسلم مؤكدًا أن التمسك بتعاليمه والعمل بها في الحياة اليومية يسهم في بناء شخصية متزنة للفرد ومجتمع متماسك ، وشدد فضيلته لأهمية الالتزام بالمنهج القرآني والسنة النبوية في مختلف جوانب الحياة باعتبارهما الركيزة الأساسية لتكوين مجتمع قوي ومترابط ، كما أشار إلى ضرورة ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية التي يدعو إليها الإسلام، كما شدد فضيلة الشيخ الدكتور كهلان الخروصي على أهمية التفاعل الواعي مع تحديات العصر داعيًا إلى ضرورة التمييز بين المفيد والضار لا سيما في ظل ما تبثه وسائل الإعلام من محتوى متنوع قد يؤثر على القيم والمبادئ. وأكد أن هذا الوعي يسهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية، ويعزز الانتماء الديني والثقافي لدى أفراد المجتمع مشيرًا إلى أن الفهم الصحيح للنصوص الدينية هو السبيل الأمثل لمواجهة هذه التحديات بثقة واتزان ، وفي ختام كلمته شدد الشيخ الخروصي على دور التعليم والتوعية في نشر هذه القيم، داعيًا المؤسسات التعليمية والدعوية إلى مضاعفة جهودها في هذا المجال الحيوي. وفي ختام الحفل قام فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي بتكريم الطلبة المجيدين في حفظ وتلاوة القرآن الكريم بالإضافة إلى المشاركين والمعلمين والداعمين القائمين على أنشطة المؤسسة. يشار إلى أن المؤسسة توسعت في أنشطتها هذا الصيف حيث توزعت المراكز الصيفية لحفظ وتعليم القرآن في قرى وادي بني خروص بالإضافة إلى نظام القسم الداخلي الذي استمر لمدة خمسة أسابيع واستقطب طلاباً من مختلف محافظات السلطنة.