
برّاك للحزب: روق يا نعيم
لكن سكرة الممانعة اصطدمت سريعًا بالتطورات التي فتحت مسارًا لإنقاذ السويداء ومعها سوريا من آتون الانهيار. ولا بد هنا من لفت الانتباه الى التدخل الأميركي الذي أعاد للسلطة المركزية في دمشق القدرة على الإمساك بزمام الأمن مجدّدًا. ولم يكتم الرئيس السوري أحمد الشرع نفسه شعوره حيال هذا التدخل قائلا: "نشكر ونثمن الدور الكبير الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية في تأكيدها الوقوف إلى جانب سوريا في هذه الظروف الصعبة".
وأتى موقف الشرع من التدخل الأميركي ليكمل صورة لم يكن يتمنى "حزب الله" وكل الجماعة التي ينتمي إليها أن تطلّ سريعًا بعدما ظنّ قاسم وصحبه أنّها توارت خلف الصراع الذي انفجر في جبل العرب. وقد سبق كلام الشرع إعلان المبعوث الأميركي إلى سوريا وسفير واشنطن في تركيا، توماس براك، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. وقال براك في منشور على منصة "إكس" إن الطرفين السوري والإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، اتفقا على وقف إطلاق نار تبنته تركيا والأردن وجيرانهما. ودعا براك "الدروز والبدو والسنّة إلى إلقاء أسلحتهم، والعمل مع الأقليات الأخرى على بناء هوية سورية جديدة وموحدة، في سلام وازدهار مع جيرانها".
أصاب توم براك من دون أن يقصد ذلك نعيم قاسم. وكان الأخير قبل ساعات من البشرى السورية التي زفها الموفد الرئاسي الأميركي الى لبنان، أي براك نفسه، يتهم هذا الموفد بأنه "يحرّض الجيش اللبناني والدولة اللبنانية" على الحزب. ووصف الأمين العام للحزب مواقف براك بأنها "تحريض على الفتنة، تهديد للبنان بالانقراض، إلحاقه بقوى إقليمية، على الأقل إلحاقه مرحليًا بالشام."
يكمن الإحراج الذي أصاب قاسم وسائر جماعته في أنهم استعجلوا قطاف ثمار فتنة السويداء. وسيبلغ هذا الإحراج ذروته بدءًا من غد الاثنين عندما يصل مجددًا موفد الرئيس دونالد ترامب الى لبنان ليستمع الى جواب المسؤولين على الورقة التي اودعهم إياها في زيارته الأخيرة قبل نحو أسبوعين. وتكمن معضلة قاسم وجماعته في أن براك آت بعدما دعا متحاربي السويداء الى "إلقاء السلاح". فهل يظن "حزب الله" وكل محوره أن الولايات المتحدة الأميركية ستكتفي عبر براك بـ"إلقاء التحية" ومغادرة لبنان بخفيّ حنين؟
ما زاد في الطين بلّة قبل عودة موفد ترامب، المعلومات التي كشفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الجمعة المنصرم وفيها أنّ "إيران تعيد بناء وجودها في بلاد الشام بإرسال صواريخ إلى "حزب الله" وأسلحة من العراق إلى سوريا". ووفقًا لمصدر مطلع حسب الصحيفة فإنّ "حزب الله" يُنتج طائرات بدون طيّار وصواريخ متوسطة المدى، كما أعاد هيكلة شبكات التهريب الخاصة به إلى حدّ ما، وتمكّن من تهريب بعض صواريخ «كورنيت» وغيرها من الأسلحة المتطورة". فهل يتصوّر قاسم أن هذه المعلومات ستمرّ مرور الكرام؟
يصاب المرء بحيرة وهو يقرأ أن "حزب الله" الذي يصيح بأعلى صوته طالبًا تدخل الدولة لإطلاق مسار إعمار ما تهدّم في الحرب الأخيرة، يسعى الى تهريب مواد الدمار (او ليست هذه هي نتيجة الأسلحة بيده؟) بدلًا من السعي بما اؤتي لادخال مواد البناء ولو تهريبًا الى لبنان لكي يعيد إعمار ما تيسّر مما تهدّم. علمًا، أنه لا بد من التذكير من الإعفاءات الممنوحة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى باستيراد مواد البناء والتي هي بموجب القانون معفاة من الرسوم الجمركية.
دخلت سوريا تجربة جديدة غير مسبوقة في أحداث السويداء المرعبة. لكن هذه التجربة ووفق ما تبيّن بالأمس أنها قابلة للعلاج. ويتبيّن من خلال ما حدث أن هناك مشروع قيام دولة فعلية في سوريا يلقى مؤازرة من القوى الدولية والإقليمية النافذة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المقابل، دخل لبنان منذ 27 تشرين الثاني الماضي حقل تجارب يتمحور حول تنفيذ قرار وقف اطلاق النار. وعلى الرغم من مؤازرة القوى الدولية والإقليمية نفسها التي تؤازر الشرع والتي تؤازر رئيس الجمهورية جوزاف عون، فإن لبنان ما زال عالقًا بين أيدي نعيم قاسم وجماعته الذين يتشبثون بالسلاح الذي هو ذاته السلاح الذي يدعو توم براك الى القائه في السويداء. غير أن ما صرّح به رئيس الحكومة نواف سلام في مقابلته التلفزيونية الأخيرة يشير الى ان هناك تطوّرًا قد حصل في الموقف الرسمي للتعاطي هذه المرة بإيجابية متقدمة مع الطرح الأميركي لتنفيذ قرار وقف النار.
تميّز براك بلطف ديبلوماسي لم يفارقه يومًا. ومن المتوقع انطلاقًا من شخصيته هذه أن يبعث الى قاسم برسالة عبر وسطاء تدعوه الى "الرواق" بعد هيجان التوقعات لديه بعد أحداث السويداء. لكن هذا اللطف لن يغفل هذه المرة حقيقة انجلت في سوريا ولو بعد تجربة دموية أن حبل تحليلات جماعة الممانعة لأحداث سوريا قد تبيّن فعلًا أنه قصير جدًّا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 26 دقائق
- LBCI
مقدمة النشرة المسائية 21-7-2025
توم برَّاك، في زيارته الثالثة، استخدم "الديبلوماسية المباشرة"، وهي التي غابت عن مواقفه في الزيارة الثانية. كان واضحًا في تصنيفه "حزب الله"، وهو التصنيف الذي غاب عن مواقفه في الزيارة الثانية. كذلك كان واضحًا، في أن الولايات المتحدة لا تتدخل مع إسرائيل، والأهم من كل ذلك اعتباره أن سلاح حزب الله مسألة لبنانية. بعد هذا الكلام، الكرة في الملعب اللبناني، واللقاء شبه الحاسم سيكون غدًا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بصفته شريكًا في السلطة، وبصفته الثانية "كأخٍ أكبر" لحزب الله حسبما وصفه الشيخ نعيم قاسم، ليبقى السؤال: ماذا سيتسلَّم براك من الرئيس نبيه بري غدًا؟ الجواب عن هذا السؤال يحدد مسار التطورات، فهل يستمر براك في زياراته المكوكية؟ أم يعلن شيئًا آخر؟. الجواب يبدأ بالتبلور بعد لقاء عين التينة غدًا. براك تسلّم من رئيس الجمهورية في بعبدا ما اصطُلح على تسميته" مشروعَ المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهّد به لبنان، منذ إعلان 27 تشرين الثاني 2024، حتى البيانِ الوزاري للحكومة اللبنانية، مروراً خصوصاً بخطاب القسم لرئيس الجمهورية".. من خلال هذا العنوان الفضفاض يبدو واضحًا أن كلمة السر فيه هي: "ما تعهد به لبنان" فهل يلتزم هذا التعهد؟ بالإنتقال إلى الملف السوري، السويداء تحاول نفض غبار المعارك عنها. عمليات إجلاءٍ وجمع جثث، حديثٌ عن إجلاء ألف وخمسمئة شخص من البدو من المدينة، وفي المقابل تسهيل لعودة النازحين. تقول الامم المتحدة إن ما لا يقل عن 93 الفًا نزحوا بسبب القتال، ليبقى الهاجس لدى الجميع: هل انتهت "معركة السويداء"؟ البداية من الزيارة الثالثة لبراك

المركزية
منذ 33 دقائق
- المركزية
بارو: سفينة المساعدات الانسانية إلى غزة مبادرة غير مسؤولة
وصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو حملة الناشطين المتضامنين مع الفلسطينيين، وبينهم نائبتان من حزب "فرنسا الأبية"، والتي تنقل مساعدات إلى غزة بأنها "غير مسؤولة و لا يمكن أن تساعد في حل الكارثة الإنسانية الحالية". وانضمت الى السفينة "حنظلة" التي تقل 18 ناشطا وثلاثة صحافيين، نائبتان من حزب "فرنسا الأبية" (LFI) هما غابرييل كاتالا وإيما فورو لدى توقفها في غاليبولي بجنوب شرق إيطاليا في 18 تموز. ودعت كاتالا الأحد متابعيها على شبكات التواصل الاجتماعية إلى مناشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان-نويل بارو ووزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو، لضمان سلامتهم. ورد بارو على منصة إكس "تنطبق نصائح السفر على الجميع، بما في ذلك نواب فرنسا الأبية، إن الذهاب إلى غزة ينطوي على مخاطر، ولا يُنصح به قطعيا، ولا يمكن أن يساعد في حل الكارثة الإنسانية الحالية في المكان". وأضاف: "إن الفرق (التابعة لوزارة الخارجية) التي تم نشرها بالفعل، تقوم بمهمتها القنصلية لإدارة عواقب هذه المبادرة غير المسؤولة على أكمل وجه". والناشطون على متن السفينة هم ستة فرنسيين وأربعة أميركيين واستراليان واسبانيان واميركي اسرائيلي وإيطالي ونروجي وتونسي، بحسب النائبة.


بيروت نيوز
منذ 34 دقائق
- بيروت نيوز
براك في بيروت.. التهويل لزوم التفاوض
بدأ المبعوث الأميركي توم براك محادثاته في بيروت وسط أجواء إعلامية مشبعة بالتوتر والتهويل، على وقع التصعيد المستمر في الجنوب اللبناني والمخاوف من اتساع رقعة المواجهة. إلا أن مصادر متابعة ترى أن ما يُضخ إعلامياً لا يعكس بدقة حقيقة الموقف الأميركي ولا طبيعة المهمة الحالية، بل يندرج في إطار الضغوط السياسية التي تسبق أي مفاوضات. فبحسب المصادر نفسها، فإن الجانب الأميركي لا يزال منفتحاً على الحوار، ويُدرك تماماً تعقيدات الساحة اللبنانية والواقع الإقليمي المتأزم. وتشير إلى أن جزءاً من ديناميكية التفاوض، خصوصاً في الملفات الشائكة، يتطلّب تصعيداً خطابياً من الأطراف المختلفة، وهو أمر لا يُترجم بالضرورة إلى توجه فعلي نحو الحرب، بل إن التصعيد الكلامي قد يكون أداة ضرورية لتهيئة الظروف نحو التسوية، من خلال رفع سقف المواقف تمهيداً للهبوط الآمن. وبحسب المعلومات، فإن زيارة براك هذه المرة تتجاوز الطابع الاستطلاعي أو التشاوري، وتحمل في طيّاتها نية واضحة للدفع نحو تفاهمات ميدانية محددة، من شأنها خفض التوتر وضمان استقرار نسبي على الحدود. وتُرجّح المصادر أن يطرح المبعوث الأميركي خلال لقاءاته اليوم في بيروت تصورات تشمل نوعاً من 'الضمانات' للبنان من اسرائيل، وإن كانت هذه الضمانات جزئية ومحدودة الطابع، لكنها قد تشكّل أرضية لمقاربة مختلفة في المرحلة المقبلة. وتؤكد أوساط متابعة أن هدف الأميركيين لا يزال محصوراً في منع انزلاق الوضع إلى مواجهة واسعة، وأن واشنطن لا تزال ترى في التهدئة مصلحة استراتيجية، سواء بالنسبة لـ'إسـرائيل' أو للبنان، خصوصاً في ظل اقتراب المحادثات غير المعلنة بين واشنطن وطهران. مع ذلك، لا يمكن إنكار أن التصعيد الميداني يبقى احتمالاً قائماً، خصوصاً إذا تعثّرت المساعي السياسية، أو وقع حادث أمني مفاجئ يشعل الأرض مجدداً. فالمشهد لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات، وإن كانت زيارة براك تشكّل في توقيتها ومضمونها فرصة ثمينة لفرملة الانزلاق نحو الحرب، ووضع خطوط حمراء تُجنّب المنطقة الأسوأ.