logo
دروس 'معارج السالكين' في زاوية تماسين

دروس 'معارج السالكين' في زاوية تماسين

الشروق٣١-٠٥-٢٠٢٥
شرّفني البروفيسور محمد العيد الثالث، خليفة الطريقة الصوفية التجانية بمدينة تماسين (ولاية تُڤرت)، بالدعوة للمشاركة في حلقة من حلقات الدروس الرمضانية الموسومة بـ'معارج السالكين'، المبرمجة ليوم الخميس 13 مارس 2025م، الموافق لـ13 رمضان 1446هـ بعد صلاة التراويح، بمداخلة عنوانها: 'دور الطريقة الرحمانية في مقاومة الاستعمار الفرنسي في منطقة الزواوة'، مناصفة مع المؤرخ أ. د. محمد رضوان شافو الذي أعدّ مداخلة حول المقاومة الجزائرية في الصحراء، وقام بتنشيط الندوة الأستاذ عبد المهيمن التجاني.
برمجتْ اللجنة العلمية للزاوية التي يشرف عليها الدكتور بوحنية ڤوي، سلسلة من الدروس الرمضانية (معارج السالكين) أيّام الخميس طيلة شهر رمضان، في قاعة المحاضرات الواقعة في المجمع العلمي للزاوية، وهي قاعة عصرية تتوفر فيها جميع الشروط المادية والتقنية الضرورية للنشاط العلمي، وكذا البث المباشر داخل الوطن وخارجه تحت إشراف السيّد حمزة مشري. وفي ختام هذه الحلقة ألقى شيخ الزاوية الخليفة البروفيسور محمد العيد الثالث كلمة توجيهية قيّمة برزت فيها ثقافته الواسعة ورؤيته التجديدية للتربية الصوفية الجامعة للأصالة والمعاصرة، بأساليب حديثة مناسبة للعصر، من شأنها أن تستقطب الشباب وتنال رضاهم وتشفي غليلهم.
وبالمناسبة، فإن الشيخ البروفيسور محمد العيد الثالث التجاني عميد سابق لكلية العلوم في جامعة قسنطينة، تخرّج من جامعة 'اُورسي' بفرنسا في الفيزياء، ومشهود له بعلوّ كعبه في تخصّصه هذا، وهو ملمٌّ بلغات وثقافات متعدّدة، لذا فمن الطبيعي أن يستقطب الأنظار، فكان عضوا سابقا في المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعضو في المجلس العلمي لجامع الجزائر حاليا.
نبذة تاريخية عن مؤسّس الطريقة التجانية (1737-1815م)
ولد الشيخ أحمد التجاني في عين ماضي بولاية الأغواط سنة 1737م، حفظ القرآن على يد الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن حمو التجاني في طفولته، ثم حفظ أيضا عددا من المتون المعروفة في زمانه. مارس التعليم وعمره 16 سنة لبعض الوقت، قبل أن يقرّر الرحيل إلى مدينة فاس المغربية سنة 1757م لاستكمال دراسته على أيدي مشايخها الكثيرين.
بعد عودته، استقرّ في منطقة لبيض سيدي الشيخ مدة خمس سنوات. وفي سنة 1773م سافر لأداء فريضة الحج وعمره 36 سنة، وكان هذا السفر فرصة للاتصال بعدد من العلماء في الجزائر وتونس ومصر. مرّ على منطقة الزواوة حيث التقى بالعالم الرباني سيدي أمحمد الجرجري الأزهري (1715-1794م)، وأخذ عنه الطريقة الخلوتية. ثم واصل سفره إلى تونس، ومنها إلى مصر حيث التقى الوليّ الصالح سيدي محمود الكردي، ليصل أخيرا إلى الحجاز سنة 1774م، واستغل هذه السانحة لينهل من معين العالم سيدي أحمد بن عبد الله الهندي بمكة المكرمة، وبالقطب سيدي محمد بن عبد الكريم السّمان بالمدينة المنوّرة. وهكذا عاد إلى وطنه ممتلئ الوفاض، وأجاز له الشيخ محمود الكرد تلقين الطريقة الخلوتية. ثم قصد للمرة الثانية مدينة فاس حيث يقيم صديقه الحميم سيدي علي حرازم.
استقرّ سيدي أحمد التجاني بعد عودته من فاس في قصر بوسمغون حيث فتح الله عليه بأن رأى النبي (ص) في المنام، وعلى إثر ذلك أسّس طريقته الصوفية، وكان ذلك سنة 1782م.
تزوّج سيدي أحمد التجاني بالسيدة لالة مبروكة التي أنجبت له سيدي محمد الكبير سنة 1797م، ثم بالسيدة لالة أمباركة التي أنجبت له سيدي محمد الحبيب.
نظرا لتدهور العلاقات بينه وبين حكام إيالة الجزائرية العثمانيين، فضَّل الهجرة إلى مدينة فاس سنة 1798م، ومكث هناك تحت رعاية السلطان مولاي سليمان إلى أن فارق الحياة سنة 1815م، ودُفن بالمدينة. واختار قبل وفاته صاحبه سيدي الحاج علي التماسيني خليفة للطريقة التجانية، وكلّفه بإعادة ولديه إلى مسقط رأسه بعين ماضي (الأغواط). ومن أشهر تلامذته بالمغرب الأقصى، سيدي علي حرازم الذي خصّ شيخه بكتاب قيّم عنوانه: 'جواهر المعاني وبلوغ الأماني' تعرّض فيه لمسيرة حياته الطويلة التي قضاها في مجاهدة النفس والتحصيل العلمي والتربية والتعليم والعبادة.
سيدي الحاج علي التماسيني (1766-1844م)
هو خليفة الشيخ أحمد التجاني، ولد سنة 1766م بتماسين (ولاية تُڤرت حاليا) من أسرة شريفة ارتبط تاريخها بالتديّن والعلم وحفظ القرآن، فنشأ على أخلاق القرآن والاستقامة، لازم في شبابه والده في قراءة الحزب الراتب صباحا ومساء، ثم خلفه في رئاسة الحزّابين.
زيادة على إقباله على العلم والعبادة، فقد ارتبط ذكره أيضا باستصلاح الأرض في المكان المسمى 'تملّاحْتْ' (كلمة أمازيغية معناها الأرض المالحة)، غرس فيها النخيل فصارت بستانا يسرّ الناظرين.
ويعود الفضل في اكتشافه الطريقة التجانية إلى الشيخ محمد بن المشري السائحي الذي أطلعه على أسرارها سنة 1788م. وبعدها بسنة واحدة (أي 1789م) مرّ وفد الزاوية التجانية لمدينة ڤمار على تماسين في طريقه إلى عين ماضي لزيارة الشيخ أحمد التجاني، فاستضافهم سيدي الحاج علي، وكانت هذه المناسبة فرصة لتعميق معارفه حول الطريقة التجانية. وفي السنة الموالية أعدّ نفسه وانضمّ إلى وفد زاوية ڤمار، فالتقى الشيخ أحمد التجاني ولازمه بعض الوقت، ممّا ساعده على الإلمام أكثر بأسرار الطريقة.
تأسيس زاوية تماسين
حينما عاد سيدي الحاج عليّ إلى أهله أذن له الشيخ أحمد التجاني بتأسيس زاوية، وبالفعل وفّقه الله في ذلك سنة 1803م وظهرت إلى الوجود بالقصر العتيق بتَمَاسِينْ حيث لا تزال أطلالها قائمة. لكنه لم يلبث أن غادر القصر العتيق بعد سنتين فقط، ليؤسّس زاوية جديدة قرب بستان تملّاحْتْ المذكور آنفا بعد أن تضاعف عدد الطلبة والأتباع فلم يعد المكان يتّسع للوافدين، ومن المحتمل أن الغاية من هذا الانتقال أيضا، هي النأيُ بنفسه عن ضغوط إمارة بني جلاّب.
على أي حال صارت زاوية تماسين في زمانه منارا لتدريس العلوم الشرعية وللعبادة والتربية ولنشر الطريقة التجانية، وقد جلب مؤسّسُها لهذه المهمة مدرّسين من خارج البلدة خاصة من منطقة سُوف، ودرّس بها أيضا الشيخ المختار السوداني، والشيخ بن بابا الشنقيطي.
الشيخ البروفيسور محمد العيد الثالث التجاني عميد سابق لكلية العلوم في جامعة قسنطينة، تخرّج من جامعة اُورسي بفرنسا في الفيزياء، ومشهودٌ له بعلوّ كعبه في تخصّصه هذا، وهو ملمٌّ بلغات وثقافات متعدّدة، لذا فمن الطبيعي أن يستقطب الأنظار، فكان عضوا سابقا في المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعضو في المجلس العلمي لجامع الجزائر حاليا.
سياسة حسن الجوار
لعل ما يؤكد تحلّي الشيخ سيدي الحاج علي بالتسامح واحترام الآخر، علاقة حسن الجوار التي انتهجها مع شيخ الطريقة الرحمانية في مدينة طولڤة سيدي علي بن عمر، ومع الإباضية في ورقلة ومزاب، والقبائل الصحراوية المتنوّعة. رغم ذلك فقد تعرّضت زاوية تماسين لمحاولة اعتداء من طرف سلطان إمارة بني جلّاب (تُڤرت)، لكنها خرجت منها سالمة بفضل دعم أهل وادي سوف.
وفاة سيدي الحاج علي التماسيني
تُوفي سيدي الحاج علي التماسيني سنة 1844م، أي قبل وصول الاحتلال الفرنسي إلى منطقة تُڤرت، لكن أصداء توسّع الاستعمار الفرنسيّ في الصحراء كانت تصل إلى أسماعه، فكان يردّد الدعاء التالي الذي وجده أحفادُه مكتوبا: «بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد، اللهمّ لا تجعل لنا في ديوانهم اسمًا، ولا تجعل لهم في أموالنا قسمًا، ولا تعذّب لنا بين أيديهم جسمًا، يا من علّم آدم الأسماء». وقد خلفه بعد وفاته نجله سيدي محمد العيد الأول.
خلفاء سيدي الحاج علي التماسيني
هذه قائمة خلفاء سيدي الحاج علي التماسيني، مع ذكر مدة الخلافة لكل منهم:
1- سيدي محمد العيد 1 المولود سنة 1815م (من سنة 1844م- إلى سنة 1875م ).
2- سيدي محمد الصغير المولود سنة 1817م (من سنة 1875م- إلى سنة 1892م).
3- سيدي معمّر المولود سنة 1826م (من سنة 1892م- إلى سنة 1893م).
4- سيدي محمد حمّه المولود سنة 1844م،(من سنة 1893م- إلى سنة 1912م).
5- سيدي البشير الأوّل المولود سنة 1861م (من سنة 1912م- إلى سنة 1918م).
6- سيدي محمد العيد 2 المولود سنة 1892م ( من سنة 1918م- إلى سنة 1927م).
7- سيدي أحمد المولود سنة 1898م (من سنة 1927م- إلى سنة 1978م).
8- سيدي البشير 2 المولود سنة 1918م (من سنة 1978م- إلى سنة 2000م).
9- سيدي محمد العيد 3 المولود سنة 1954م (من سنة 2000م- إلى يومنا هذا).
شعارالزاوية
يتمثل شعار الزاوية في مقولة بسيطة في مبناها، لكنها عميقة في معناها، صاغها سيدي الحاج عليّ التماسيني في قالب لغوي شعبي، جمع بين العلم والعمل والعبادة، على النحو التالي: «عليكم باللويحة والمسِيحة والسّبيحة حتى تخرج الرّويحَه».
اللوِيحَه: لوحة حفظ القرآن، المقصود هو الاعتناء بالعلم.
المْسِيحَه: (المسحاة)، المقصود هو المداومة على العمل.
السّبيحَة: (السُّبحة)، المقصود هو العبادة.
خروج الرْوِيحَه: أي المواظبة على العلم والعمل والعبادة مدى الحياة.
مسايرة العصر
أدرك شيوخ الطريقة التجانية في تماسين -في وقت مبكّر- أهمية مسايرة العصر، منذ أن رفع مؤسس الطريقة شعاره المعروف:«بِسَيْرِ زمانك سِرْ»، لذلك لم يروا غضاضة من تبنّي الوسائل الحديثة في الحياة بطريقة جامعة للأصالة والمعاصرة، ومن ثم استعملوا لوازم الحياة الوافدة إلى مجتمعنا من الغرب، لتيسير الحياة وترقيتها في جميع المجالات، كاقتناء الساعة من تونس منذ أواخر القرن19م، وجهاز الحاكي(Phonographe) سنة 1912م، وآلة التصوير سنة 1929م، والسيارة سنة 1942م، واقتناء جرائد عربية (النجاح، الشهاب، وادي ميزاب، جريدة الزهرة التونسية)، وبعض الجرائد الفرنسية التي كانت تصدر في مطلع القرن العشرين، وتمويل مشاريع المدارس الحرّة، وتجديد العمران بطرق عصرية. وصاروا في عصرنا يطبعون أعمال ملتقياتهم العلمية في كتب بلغ عددها حسب شهادة السيد علي غريسي (مسؤول أرشيف الزاوية) نحو 60 كتابا، ويبثّون المحاضرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية مباشرة.
عرفت العلاقة بين الزاوية وجمعية العلماء توتّرا حادا، بسبب الحملات الشعواء التي كانت تشنّها صحافة الجمعية على الزاوية، وقد فضّل الشيخ أحمد التجاني التزام ضبط النفس لتفادي السقوط في أتون الحرب الكلامية التي كان الاستعمار يُذكيها. ثم لم يلبث هذا التوتّر أن زال، فتحسّنت العلاقة تدريجيا بين الطرفين اللذين تمكّنا من تجاوز خلافاتهما حرصا على خدمة الوطن، ولعل ما يؤكد ذلك زيارة وفد جمعية العلماء برئاسة البشير الإبراهيمي لزاوية تماسين.
وتمّ تأسيس مكتبة عامرة يزيد عدد كتبها عن35.000 كتاب، زيادة عن جناح خاص بالمخطوطات موضوعة تحت تصرف الباحثين. كل هذا يؤكد سموّ المستوى الثقافي السائد في الزاوية منذ زمن بعيد، ممّا ساعدهم على الابتعاد عن مظاهر الدروشة والشعوذة، وعلى التشبّع بالفكر الإصلاحي الضروري لمسايرة تغيّر الأحوال والأزمان، ولإشباع حاجات الشباب إلى العلم والتربية الخلقية والترفيه المفيد. وقد أهداني إياها الأستاذ عليّ غريسي، مسؤول الأرشيف في الزاوية، مجموعة كتب قيّمة، فبارك الله فيه.
علاقة زاوية تماسين بجمعية العلماء
عرفت العلاقة بين الزاوية وجمعية العلماء توتّرا حادا، بسبب الحملات الشعواء التي كانت تشنّها صحافة الجمعية على الزاوية، وقد فضّل الشيخ أحمد التجاني التزام ضبط النفس لتفادي السقوط في أتون الحرب الكلامية التي كان الاستعمار يُذكيها. ثم لم يلبث هذا التوتّر أن زال، فتحسّنت العلاقة تدريجيا بين الطرفين اللذين تمكّنا من تجاوز خلافاتهما حرصا على خدمة الوطن، ولعل ما يؤكد ذلك زيارة وفد جمعية العلماء برئاسة البشير الإبراهيمي لزاوية تماسين. وكان الخليفة أحمد التجاني (شيخ الزاوية من سنة 1927م إلى سنة 1978م) يُساهم في تمويل بناء المدارس الحرّة ويستجيب لطلبات جمعية العلماء. وفي هذا السياق أطلعني الأستاذ علي غريسي، مسؤول الأرشيف بالزاوية، على رسالة أرسلها الشيخ العربي تبسي، طلب فيها من الشيخ أحمد التجاني دعما ماليا قدره 10.000 فرنك، كمشاركة لشراء دار التلاميذ بمدينة قسنطينة، وهذه فقرة من الرسالة: «حضرة الأخ السيد أحمد التجاني. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإنّ جمعية العلماء تعدّكم من أنصار العلم والدين، وتعتقد فيكم أنكم من أعوان الحق ومن مريدي الخير لهذه الأمة التي يجب علينا جميعا أن نتعاون على خدمتها، وأهمّ خدمة تقدّم لها ما تقوم به جمعية العلماء من تعليم اللغة العربية والتفقيه في الدين الحنيف وإخراج أبناء الأمة من الأميّة المنتشرة في الشعب، وأنتم على علم بما قامت به الجمعية في هذا السبيل، وأكبر أعمالها إنشاء المعهد الباديسيّ بقسنطينة الذي يضم سبعمائة تلميذ من أبناء الأمة الجزائرية ومن جميع مدنها وقراها من حدود المغرب إلى حدود تونس. لذا نرجو منكم أن تعينوا هذا المشروع ممّا أنعم الله به عليكم بمبلغ 10.000 فرنك تضعونها في شيك المعهد تعجيلا بالخير، أو تدفعونها للمتعهِّد الذي يزور بلدتكم من العلماء لهذا الغرض بخصوصه». وقد حصلت الجمعية فعلا على هذا المبلغ المطلوب.
أشار الشيخ خير الدين في مذكّراته إلى دعم الخليفة أحمد التجاني التماسيني المشاريع التعليمية والخيرية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وكان شاعر جمعية العلماء الكبير محمد العيد آل خليفة تجانيّا على غرار والده محمد علي خليفة المدعو حمّه علي. كما كان بعض أتباع الطريقة التجانية يمارسون التعليم في المدارس الحرة لجمعية العلماء، أذكر منهم على سبيل المثال الشيخ محمد التونسي بلعبيدي الذي كان مدرّسا في مدرسة آقبو (بجاية) الحرّة.
هذا وقد أشار الشيخ خير الدين في مذكّراته إلى دعم الخليفة أحمد التجاني التماسيني المشاريع التعليمية والخيرية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. والجدير بالذكر أن شاعر جمعية العلماء الكبير محمد العيد آل خليفة كان تجانيّا على غرار والده محمد علي خليفة المدعو حمّه علي. كما كان بعض أتباع الطريقة التجانية يمارسون التعليم في المدارس الحرّة لجمعية العلماء، أذكر منهم على سبيل المثال الشيخ محمد التونسي بلعبيدي الذي كان مدرِّسا في مدرسة آقبو (بجاية) الحرّة. ومن جهة أخرى فقد تبنّى الشيخ عبد الكريم بلعبيدي -الذي فتح مدرسة حرة بمسجد التجانية ببسكرة في مطلع خمسينيات القرن الماضي- برنامج مدارس جمعية العلماء، وكان يتعاون مع معلميها في المجال التربوي.
… يتبع
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رضى الله الخالد: تأملات في كمال الدين وتمام النعمة..
رضى الله الخالد: تأملات في كمال الدين وتمام النعمة..

إيطاليا تلغراف

timeمنذ يوم واحد

  • إيطاليا تلغراف

رضى الله الخالد: تأملات في كمال الدين وتمام النعمة..

إيطاليا تلغراف * الدكتور عبد الله شنفار انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)، يأتي الإعلان الربّاني الخالد بانتهاء الوحي التشريعي واكتمال المشروع الإلهي في صورته النهائية. فهذه الآية تختزل المفاهيم الثلاثة: الكمال، والتمام، والرضى، في تركيب لغوي بالغ الإحكام والدقة. * تمهيد إشكالي: هل يمكن للوحي أن يُعلن الاكتمال؟ ما الذي يعنيه الوحي حين يُصرّح أن الدين قد 'كَمُل'؟ هل هو كمال مغلق أم مفتوح؟ وهل الكمال يعني الكفاية أم المثالية؟ ثمّ، ما الفرق بين 'التمام' و'الكمال' في بنية النص القرآني؟ هذه الأسئلة لا تقف عند حدود التأويل اللفظي، بل تفتح أفقًا لفهم العلاقة بين المشروع الإلهي في التاريخ والإنسان المتدين عبر الزمن. * أولًا: الكمال والتمام: هل هما مترادفان أم متكاملان؟ هل التمام هو الكمال، أم أن العلاقة بينهما تشبه العلاقة بين الشكل والمضمون؟ التمام في اللسان العربي يُشير إلى استيفاء الشيء لأجزائه دون نقص، وهو أقرب إلى المفهوم الهندسي أو البنائي. أما الكمال، فيتجاوز هذا ليحيل إلى المثالية، أي أن الشيء ليس فقط مكتملًا، بل في أفضل صورة ممكنة. عندما يقول الله تعالى: 'أكملت لكم دينكم'، فالمعنى أن منظومة الدين من تشريع، وحدود، ومرجعيات، قد بلغت الغاية، بحيث لا تحتاج إلى إضافة. أما قوله: 'وأتممت عليكم نعمتي'، فيعني أن ما هو موهوب من الله، من هدى ورحمة وهداية ووضوح، قد استوفى جميع جوانبه الظاهرة والباطنة. وبهذا، يكون الإسلام في بنائه النهائي دينًا غير قابل للإضافة، ولا للتعديل، ولا للنسخ. فهل هذه الخاتمية تغلق باب الاجتهاد؟ أم تُبقي باب التفاعل مفتوحًا دون مسّ البنية الجوهرية؟ * ثانيًا: الرضى الإلهي: هل هو لحظة تاريخية أم حقيقة مطلقة؟ النص لا يكتفي بإعلان الاكتمال، بل يُنهي بخاتمة حاسمة: 'ورضيتُ لكم الإسلام دينًا'. هل الرضى هنا مجرّد تصديق، أم تثبيت للشرعية الأبدية؟ الرضى في هذا السياق ليس فعلًا وقتيًا مرتبطًا بالزمن النبوي، بل هو إعلان دائم بالقبول والشرعية المطلقة. الدين الإسلامي ليس خيارًا بشريًا تم التوافق عليه، بل هو اختيار إلهي لخاتمة العلاقة بين الخالق والمخلوق. فالوحي لا يُنتظر منه المزيد، ولا يُرتقب بعده وحي. وهذا ما يفسر أن الرضى هنا جاء بعد الكمال والتمام؛ لأنه يعبّر عن حكم نهائي في مصير التجربة الدينية. ولكن، كيف يمكن لهذا الرضى أن يستمر في عالم تتغيّر فيه السياقات، وتتصارع فيه التأويلات؟ وهل الرضى الإلهي يعني دائمًا الرضى الاجتماعي؟ * ثالثًا: الدين والتدين: بين الثبات والوضعيات التاريخية: هل يعني اكتمال الدين أن كل ممارسة دينية هي انعكاس للكمال؟ هنا يبرز سؤال حاسم: ما الفرق بين الدين والتديّن؟ الدين، كما تُشير إليه الآية، هو وحي إلهي ذو بنية مكتملة. أما التديّن، فهو التفاعل البشري مع هذه البنية، وهو متغير، نسبي، متأثر بالظروف التاريخية والاجتماعية. لذا، فإن كمال الدين لا يستلزم كمال التدين، بل على العكس، قد نجد ممارسات تدينية لا تمتّ إلى جوهر الدين بصلة، أو تحيد عن كماله. وهنا تبرز المفارقة الكبرى: كيف يتعامل الباحث مع نصٍّ كامل من حيث البناء، في واقع يشهد تدينًا ناقصًا أو مشوهًا؟ هل يعود ذلك إلى قصور في فهم النص؟ أم إلى تعقيدات الواقع؟ * رابعًا: الكمال في دنيا النقص: مفارقة الوجود البشري في حياة الناس، يُقال: 'الكمال لله وحده'. وهذا ما عبّر عنه أبو البقاء الرندي في بيته الخالد: لِكُلِّ شيءٍ إذا ما تَمَّ نُقصانُ فلا يُغَرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ فكيف يُعلن النص القرآني كمال الدين، بينما كل شيء في عالم الناس خاضع للزوال والنقص؟ الجواب يكمن في التمييز بين المصدر والممارسة. فالدين الكامل نزل من عند الله، الكامل المطلق، أما الممارسة فهي تجلٍّ بشري لهذا الدين، وهي لا تسلم من القصور، ولا تنجو من التناقض. لكنّ هذا لا يعني التشكيك في الكمال الإلهي، بل استدعاء دائم للعودة إلى مرجعية هذا الكمال لتقويم الممارسة، لا لنسخ النص أو تجاوزه. * خلاصة مركبة: ما بعد الاكتمال: إذا كان الدين قد كَمُل، والنِّعمة قد تَمَّت، والرضى قد ثُبّت، فإن التحدي الأكبر ليس في استحداث جديد، بل في الحفاظ على المسافة بين النص والتشويه، وبين الأصل والتقليد. فهل يمكن بناء نماذج تدينية معاصرة دون المساس بالبنية الأصلية للوحي؟ وهل يستطيع العقل المسلم أن يُبقي هذا الكمال حاضرًا دون أن يختزله في طقوس أو جمود فقهي؟ إن الآية تُنهي عصر الوحي، لكنها تفتح أفقًا لا ينتهي في الفهم، والتفسير، والتجديد في ضوء الأصل لا على حسابه. بهذا المعنى، يظل الرضى الإلهي حالة مشروطة بالبقاء في دائرة الكمال الأصليّة، وليس بالادعاء الزائف بامتلاكها دون مراجعة أو نقد. ___ * (تحقيق المعاني وتأصيل الدلالات من القرآن، واللغة، والتاريخ) إيطاليا تلغراف

هكذا تسعد بزواجك
هكذا تسعد بزواجك

الشروق

timeمنذ 2 أيام

  • الشروق

هكذا تسعد بزواجك

لعلّ جميعنا يلحظ أنّ أعراسنا في السنوات الأخيرة فقدت طعمها الذي كان يميّزها في سنوات مضت، لأنّها –مع كلّ أسف- أصبحت مواسم تطغى فيها المظاهر والماديات، ويفشو فيها الرياء والمباهاة، ويحتدم فيها التّنافس على الموضة وعلى الألبسة التي ما عاد يصحّ أن تسمّى ألبسة، وعلى الأغاني التي سجّل كثير منها في الملاهي وعلب اللّيل، فضلا عن الإسراف والتبذير وإنفاق الأموال الطائلة على البهارج التي لا طائل ولا فائدة منها في بناء الأسرة المسلمة وفي إسعاد الزّوجين، بل إنّ كثيرا منها تمحق بركة الزّواج وربّما تكون سببا في تهدّم بنيان الأسرة. السّبب في كلّ ما سبق أنّنا –إلا من رحم الله منّا- نسينا أنّ الزّواج ليس مشروعا دنيويا نطلب به مصلحة دنيانا فحسب، إنّما هو مشروع دينيّ نطلب به صلاح الدّنيا والآخرة، وهو طاعة من أعظم الطّاعات وقربة من أجلّ القربات.. لقد أنسانا الشّيطان أنّ الزّواج هو نصف الدّين، وأنّه متى ما التزم فيه العبد المسلم شرع الله وراعى أخلاق الإسلام وآدابه، فإنّه يكون قد أتمّ شطر دينه. يقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: 'إذا تزوج العبد فقد أكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الآخر'. بالنية الصّالحة يُتمّم نصف الدّين بالزّواج الإسلاميّ الصّحيح يكتمل نصف الدّين، لأنّ الزّوج يلتزم آداب الإسلام ويسأل عن الحلال والحرام في كلّ خطوة يخطوها، فيوقع الخطبة والعقد وفق الشّرع، ويلتزم حدود الله مع المرأة قبل الخطبة وأثناءها وقبل العقد وأثناءه وبعده، وفي موكب عرسه وسهرته، ثمّ إذا تمّ الزّفاف فإنّه يعيش حياته مع زوجته محتسبا الأجر في كلّ عمل؛ إذا وضع اللقمة في فم زوجته فله بها صدقة، وإذا خرج يسعى للإنفاق على أهله فله به عظيم الأجر، وإذا رزقه الله الذرية وتعب في تربيتها لتكون ذرية صالحة، فكل عبادة وكلّ عمل صالح تعمله ذريته فهو في ميزان حسناته. مشكلة كثير من شبابنا الأساسية مع الزّواج أنّهم ينسون هذه الحقيقة، وينسون أنّهم في أمسّ الحاجة إلى الاهتمام بما يرضي الله في كلّ خطوة يخطونها على طريق بناء الأسرة، من لحظة التّفكير في هذا المشروع إلى حين التقاء الزّوجين أحدهما بالآخر. ينبغي للشابّ المسلم إذا فكّر في الزّواج أن يخلص النية لله في طاعته وامتثال هدي نبيه عليه الصّلاة والسّلام، ويستحضر نية بناء أسرة مسلمة وتنشئة ذرية صالحة، تجتمع على طاعة الله، وتستمر عشرتها في الجنّة دار السّلام.. يقول الله تعالى: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).. ويقول سبحانه: ((وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين)). الشّيطان يعدكم الفقر! ثمّ ينبغي للشابّ المسلم أن يتنبّه إلى نزغات الشّيطان الذي يريد لكلّ شابّ مسلم أن يبقى أسيرا في عالم العزوبية ويقصر تفكيره على الحرام ولا يفكّر في الحلال، لذلك يعده الفقر ويخوّفه التّكاليف الصّعبة والباهظة، تماما كما قال الله: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).. يستحضر الشابّ أنّه يريد إتمام نصف دينه وإعفاف نفسه ويتذكّر قول مولاه الحنّان المنّان سبحانه: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))، وقول حبيبه المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: 'على الله عون من نكح التماس العفاف عمّا حرّم الله'، ويملأ قلبه باليقين بأنّ الزّواج الصّالح من أعظم أسباب تفتّح الأبواب وتيسير الأمور وسعة الرّزق، يقول أبو بكر الصدّيق -رضي الـله عنه-: 'أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنا'. فاظفر بذات الدّين إذا ملأ الشابّ قلبه باليقين، فإنّه ينبغي له بعد ذلك أن يبدأ بحثه عن المرأة الصّالحة التي يتمّ معها نصف دينه ويعيش معها ما بقي من عمره في كنف طاعة الله، ويتمّ حياته معها بعد الموت في الجنّة بإذن الله، يهتمّ بالمواصفات الأخرى في المرأة، لكنّ همّه الأوّل والأكبر متعلّق بالدّين، امتثالا لوصية الحبيب المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- الذي قال: 'تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأربع: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك'، وقال: 'ليتّخذْ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة'، وقال -عليه الصّلاة والسّلام-: 'الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة'. الشابّ المسلم الذي يقدُر الزّواج حقّ قدره، ويقدّر مسؤوليته وتبعاته في الدّنيا والآخرة، لا يتهاون ولا يتساهل أبدا في أمر الدّين، ولا يقبل أبدا بأن يتزوّج امرأة لا تصلّي أو ترفض لبس الحجاب، ولا يقبل أن يتزوّج فتاة لا يمثّل الدّين بالنّسبة إليها شيئا ولا تراعي حرمة ولا حراما.. إنّه لأمر مؤسف حقا أن يصبح الدّين في آخر اهتمامات كثير من شبابنا المقبلين على الزّواج، ممّن يفكّر الواحد منهم في المرأة الموظّفة وصاحبة الجمال وينسى الدّين.. يغترّ بالمظاهر ويأسره التصنّع الذي تبديه كثير من الفتيات المستهترات على مواقع التواصل الاجتماعي، فينسى الدّين، ويتزوّج بعينه وليس بعقله، فلا تمرّ سوى أيام أو أسابيع أو أشهر قليلة بعد الزّواج، حتى تتساقط الأقنعة وتذوب الأصبغة وتظهر الحقائق، ويندم ساعة لا ينفع النّدم. .. وصاحبة الخلق الشابّ المسلم الذي يرجو صلاح دنياه وأخراه، لا يتهاون في أمر الدّين أبدا، ولا يتهاون -أيضا- في أمر الخُلق، فيطلب امرأة حييَّة متواضعة قنوعة ترضى باليسير، ليست بالجريئة ولا الصفيقة ولا سليطة اللّسان، ولا بالتي تكفر العشير وتنظر إلى النّقائص وتنسى المحاسن، ولا بالأنانية التي لا يهمّها إلا أن تحقّق مصلحتها وتنال بغيتها وتقلّد صديقاتها وزميلاتها وجاراتها.. ولا بالحقودة التي تحبّ الانتقام لنفسها، يقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: 'ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة: الودود، الولود، الغيور على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول: والله لا أذوق غمضا حتى ترضى عني، هي في الجنة، هي في الجنة، هي في الجنة'.. الشابّ المسلم لا تغرّه العبارات التي تكتب على صفحات الفايسبوك، وإنّما يبحث ويسأل عن حال المرأة التي يريد خطبتها وعن معاملتها لوالديها وإخوتها وللنّاس من حولها، فمحال أن تحسن عشرة زوجها من تؤذي والديها وإخوتها، وتعامل صديقاتها بسيّء الأخلاق. الصّالحات للصّالحين الشابّ المسلم يبحث عن صاحبة الخلق والدّين، لكنّه لا ينسى أنّه أيضا ينبغي أن يكون صاحب خلق ودين، فيتهيّأ للزّواج بإصلاح نفسه وتنظيم حياته وتزكية أخلاقه وطباعه، قبل أن يتهيّأ للزّواج بإعداد المنزل وتأثيثه.. بعض شبابنا في هذا الزّمان يقولون بألسنتهم إنّهم يهتمّون بالبحث عن المرأة الصّالحة، لكنّهم لا ينظرون في أحوالهم ولا يهتمّون بإصلاح أنفسهم؛ تجد الواحد منهم يتهاون في صلاته ولا يقرأ القرآن، وينقض العهود ويخلف الوعود، ويعقّ والديه، وربّما يأكل الحرام، فإذا نوى الزّواج قال إنّه بحث عن الفتاة الصّالحة فلم يجد! يريد امرأة تقتفي أثر فاطمة -رضي الله عـنها-، لكنّه ينسى أنّه ينبغي له قبل ذلك أن يقتفي أثر علي بن أبي طالب -رضـي الله عنه-!

إفشاء الأسرار تهديد لكشف ستر الإنسان ..فلا تعبثوا بهذه الفضيلة أيها الكرام
إفشاء الأسرار تهديد لكشف ستر الإنسان ..فلا تعبثوا بهذه الفضيلة أيها الكرام

النهار

timeمنذ 2 أيام

  • النهار

إفشاء الأسرار تهديد لكشف ستر الإنسان ..فلا تعبثوا بهذه الفضيلة أيها الكرام

يحصل أن يجد الإنسان نفسه في ضيق من أمره، تخنقه هموم الحياة وتكتم على صدره. فيبحث عن ملجأ يريح قلبه فيختار صديق أو قريب، يبوح له بما يثقل كاهله. يستأمنه على أسراره، متوسما خيرا وبأن ذلك الشخص حقا محل ثقة بعبارات حقيقة تبعث بالطمأنينة. كأن يقال لك: 'سرك في بئر'.. 'لا تخف فلن أبوح بشيء'.. 'أنا صديقك ولن أفضح أمرك'.. لكن صدمات كثير قد يعيشها بعد ذلك. فما إن تخبر عزيز على قلبك بما يؤلمك ويوجعك، حتى تجد له عزيزا هو الآخر على قلبه. ويفشي سرك وينتشر من شخص لآخر كانتشار النار في الهشيم مسببا لك أضرار عديدة. وإن لم تكن مادية كانت معنوية، فتصبح شخصا حذرا جدا في المعاملات اليومية. شخصا منطويا على ذاتك، قديما قالوا: 'إن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق'. فاللسان حقا قد يخون صاحبه، لأن الأموال كلما كثرت خزَّانها كان أوثق لها، أما الأسرار فكلما كثرت خزَّانها كان أضيع لها. ولأننا نحرص دوما من خلال هذا المنبر أن نوصل رسالة، وأن نبلغ عبرة، اخترنا موضوع إفشاء الأسرار. لنضع النقاط على الحروف في هذه الخصلة التي تصبح فضيلة في الإنسان إذا ما عرف كيف يصونها. وعادة سيئة لمن غدر واستهانة بالأمانة، وفي السياق لنا شهادات لأشخاص لاحقتهم عواقب وخيمة فقط لأنهم أفشوا أسرارهم: أسماء من العاصمة: إستأمنت زميلتي على سري.. فأفشته وزاد همي أسماء موظفة في العقد الرابع من عمرها، امرأة كافحت في الحياة ونجحت بفضل الله، لطالما كانت تعيش بأخلاق وعفة عالية. تدرجت على مناصب عدة إلى أن صارت إطار محترمة، فوق حسن سيرتها أنعم الله بحسن جمالها. لكنها أبدا لم تكن مغرورة بذلك، بل تتميز بالتواضع والبساطة، كل الأمور كانت طبيعية. إلى أن جاء المدير الجديد، الذي أقلب حياتها رأسا عن عقب، بدأ في التحرش بها، فصارت ساعات الدوام جحيما بالنسبة لها. فكرت في الاستقالة لكنها كانت المعيلة الوحيدة لعائلتها، فلا مناص لها إلا الحفاظ على منصب عملها والبحث عن حل لهذا الذئب. فلم تجد إلا أن تستشير زميلة مقربة منها في مشكلتها، لكن ليتها لم تفعل، فالزميلة التي ظنت أنها ستجد عندها النصيحة الحسنة صارت ترشقها بنظرات الاتهام. بدلا من التعاطف والبحث عن مخرج لهذا المأزق، فصارت المسكينة تفكر في حلين بدلا من حل واحد.، سرها والزميلة التي أفشت لها سرها، فكم صعبا أن تودع سرك لدى الشخص الخطأ. أم إياد من بومرداس..لأنني لم أمسك لساني شوهت سمعة ابنتي بكلمات تحكي نفسية متعبة، راسلتنا سيدة تقول أنها تعيش أسوأ أيام حياتها، فهي لم تتمالك نفسها حين رأت من ابنتها ما أحزن قلبها. تقول أنه كان يوما مشؤوما يوم قرأت على هاتف ابنتها رسائل غرامية بينها وبين شاب تعرفت عليه عبر تطبيق الفايسبوك. فأعمى الغضب عينيها وقامت اولا بكسر هاتف ابنتها، ولم تكتفي بهذا، بل راحت تحكي قصة ابنتها في مجلس مع القريبات. من هذه لتلك انتقلت قصة البنت وصار الكل ينظر إليها على أنها قليلة حياء ومذنبة. ابتعد عنها الكل حتى تريباتها من القريبات، ظنا منهم أنها ستؤثر فيهم ويحذون حذوها، الابنة تعلمت من الدرس، على حد قول أمها، وصححت خطأها. ونجحت في دراستها وهي اليوم طالبة بالجامعة، لكن العار لازال يلاحقها، ولا تزال في أعينهم متهمة بالفسق. فأي حال يمكن أن تكون فيه الابنة بعد أن أفشت الأم سرها؟ وأي حال تعيشه اليوم الأم بسبب تأنيب ضميرها، لأنها هي من كانت السبب في تلطيخ سمعة فلذة كبدها. هذه عينة من قصص وحكايات كثيرة، سببها شخص ضاقت به الدنيا، أو أراد الحصول على استشارة، فباح بسره ليجد نفسه فريسة بيد شخص استل منه سره. لا بل سيفا ليذبحه به، فيصبح الفعل فيه إضرارا لصاحب السر، وخيانة للأمانة. ونقضا للعهد، وإفسادا للصداقة وللعلاقات الإنسانية، فضلا عن أنه دليل على لؤم الطبع وفساد المروءة وقلة الصبر وضيق الصدر. ويعقبه الندم والحسرة في نفس صاحبه، فمن الخيانة أن يستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: 'إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة'. لا تلومنَّ إلا نفسك فإذا استودعت أحدًا سرك وأفشاه، فلا تلومنَّ إلا نفسك، إذ كان صدرك أضيق عنه، فالذي تعطيه له أضيق، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: 'ما وضعت سري عند أحد فأفشاه عليَّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه'، ويقول الشاعر إذا المرء أفشى سـره بلسـانـه… لام عليـه غيـره فهو أحمـق. إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه… فصدر الذي يستودع السر أضيق لكن هذا لا يعني أن لا نثق أبدا، وأن نسيء الظن بالجميع، لكن الإنسان عليه أن يميز بين الصالح الأمين، وبين الثرثار الذي لا له لسانا طليق، عليه أن يميز بين ما يجب أن يقال، وما يمكن البوح به، وبين ما يجب أن يموت بينه وبين نفسه، فالمؤمن لابد أن يكون لبيبا في شؤونه حتى لا يقع في شر أفعاله. مجرد رأي.. كتمان السر قيمة أخلاقية في قلوب تغلفها التقوى إن الحفاظ على الأسرار يقوي العلاقة الإنسانية، ويجعلها متينة وقادرة على مواجهة ظروف الحياة، الحفاظ على أسرار يعزز الثقة بين الناس، ويزيد من الاحترام بينهما، الحفاظ على الأسرار يحافظ على استقرار العلاقات، الحفاظ على الأسرار يجعلك شخصا محبوباً وقادراً على تكوين صداقات حقيقية مع من حوله، وهذا أيها الإخوة الكرام من تقوى القلوب وقوة إيمانها وخوفها من الله. ونختم بما قاله حكيم لابنه: 'يا بني كُن جوادًا بالمال في مواضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجوه البر، والبخل بمكتوم السر..' وإذا كان الناس معادن فإن كتمان السر يدل على جوهرهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store