logo
مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة

مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة

الاتحادمنذ يوم واحد
مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة
تَقِف سوريا في هذه اللحظة التاريخية أمام مفترق طرق حاسم، بين استكمال مسار الدولة الوطنية الحديثة، أو السماح بعودة مشاريع أيديولوجية عابرة للهوية الوطنية.
وبعد أكثر من عقد من الصراعات والانقسامات والعنف والفوضى، يَبرُز التحدي الحقيقي في القدرة على التأسيس لعقد اجتماعي يقوم على المواطنة ويرسّخ السيادة الوطنية دون استثناءات، بحيث يمكن من خلاله بناء اصطفاف وطني يجمَع ولا يُفرّق.وفي هذا الإطار، تُعدّ جماعة «الإخوان»، ومعها تنظيمات الإسلام السياسي الأخرى، أحد أبرز العوائق البنيوية أمام بناء الدولة السورية الجديدة، ذلك أن هذه الجماعات لم تتخلَّ، لا نظرياً ولا عملياً، عن رؤيتها المؤدلَجة التي تتجاوز حدود الدولة الوطنية، وتسعى لاستبدالها بمنظومة فكرية منغلقة، توظّف الدين أداة لشرعنة السياسة، وتسعى للتغلغل في البنى الاجتماعية الهشّة، لا بهدف الشراكة الوطنية، بل التمكين الحركي، وصولاً إلى ترجمة أهداف الجماعة ورؤيتها للهيمنة والسيطرة على مقدرات الدول، وتوظيفها من أجل بناء كيان أوسع يُجسّد أيديولوجية ضيّقة قائمة على الإقصاء، ورفض الآخر. إنّ تاريخ جماعة «الإخوان» في سوريا لا يَدَع مجالاً للالتباس.
فمن مجزرة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، وصولاً إلى استثمار حالة الفوضى بعد عام 2011، نجد نمطًا متكرِّراً من العنف السياسي المُمنهَج. ويُعدّ الهجوم، الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق، في يونيو 2025، والذي أسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة 59 آخرين، آخِرَ مظاهر هذا النهج التخريبي للتطرّف، سواء كان حاملاً راية «داعش»، أو «القاعدة»، أو عبر امتدادات فكرية تنتمي/ ترتبط فكرياً بشكل أو بآخر ب«الإخوان».
ورغم محاولات الجماعة الظهورَ بمظهر «منفتح» و«وطني» في الخطاب العلني، فإنها تواصل تنظيم صفوفها في الخفاء، مستفيدةً من غياب الدولة السورية في بعض المناطق، ومن شبكات دعم إقليمية توفّر لها بيئة حاضنة للعمل الحركي. إنّ المشروع الوطني السوري، اليوم، لا يمكن أن يقوم إلا على أُسُس واضحة: رفض العنف، وترسيخ سيادة الدولة، واحترام التعدّدية، ومنع توظيف الدين في السياسة. إنّ مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة يكمُن في تناقض مشروعهم مع أُسُس الدولة المدنية الحديثة. فهُم لا يرون في الوطن كياناً مشتركاً، بل مجرد ساحة تعبئة لخدمة غايات أيديولوجية، ولذلك، فإن التأسيس الحقيقي لمستقبل مستقرّ يقتضي غلْق الباب أمام المشاريع التي تُنكِر سيادة الدولة، وتُعيد إنتاج الانقسام باسم الدين.
وتزداد خطورة جماعة «الإخوان» في المرحلة المقبلة، مع محاولتها استثمار أي فراغ سياسي أو اجتماعي لإعادة طرح نفسها كفاعل «معتدل»، رافعةً شعارات ديمقراطية زائفة، في الوقت الذي تُواصِل فيه تنظيمَ كوادرها والتمهيد لمشروعها عبر شبكات سرِّية عابرة للحدود، وقد كشفت تقارير عدة عن تلقّي الجماعة دعماً لوجستياً من أطراف إقليمية تقوم مصالحها على إضعاف الدولة السورية، وتمزيق نسيجها الوطني، لذا، فإن من الضروري الحذَر من الانخداع بمظاهر التجديد الشكلية التي تتبنّاها الجماعة، ومن المهم جداً عدم تجاهل خطرها، لأن الاستمرار في التغاضي عن تحرّكاتها، بحجّة السيطرة عليها أو احتوائها، ثبَت فشلُه في دول إقليمية أخرى، ويمنحها فرصة للتحرّك بحُرّية، وقد يُستخدَم هذا لاحقاً لإفشال أي جهود حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.
*باحث - رئيس قسم دراسات الإسلام السياسي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"استفزاز فج وخارج السياق".. تصريحات الحيّة عن مصر تثير الغضب
"استفزاز فج وخارج السياق".. تصريحات الحيّة عن مصر تثير الغضب

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

"استفزاز فج وخارج السياق".. تصريحات الحيّة عن مصر تثير الغضب

وخلال كلمته أمس، دعا زعيم حماس إلى "الزحف نحو فلسطين برا وبحرا وحصار السفارات"، في حين خاطب المصريين قائلًا: "يا أهل مصر وقادتها، كيف تسمحون بموت إخوانكم على حدودكم؟". واعتبر دبلوماسيون ومحللون مصريون، أن هذه التصريحات تمثل "استفزازًا مرفوضًا" و"مزايدة سياسية فجّة"، خاصة في ظل الدور المصري المحوري في الوساطة لوقف إطلاق النار ، ومحاولاتها المستمرة للدفع بإدخال المساعدات الإنسانية وتخفيف معاناة المدنيين في القطاع. في حين اعتبر مراقبون أن تصريحات الحية"تعكس حالة من التخبط داخل قيادة حماس"، وسط حالة من التململ الشعبي في غزة تجاه الحركة. تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه قطاع غزة أوضاعًا إنسانية كارثية، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتعثر مفاوضات الهدنة الرامية لوقف إطلاق النار. بدوره، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، إن "ما صدر عن الحية يأتي في إطار حملة ممنهجة تنظمها جماعة الإخوان على مستوى العالم، بهدف الإساءة إلى الدور المصري، والتشويش على الجهود السياسية والإنسانية التي تبذلها القاهرة لوقف الحرب وتخفيف معاناة المدنيين". وأوضح هريدي في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "تصريحات الحية تمثل نموذجًا واضحًا لتلك المزايدات السياسية التي نتابعها يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي، والموجهة في جزء كبير منها ضد الدولة المصرية". واعتبر الدبلوماسي المصري السابق أن "هذه التصريحات لا تُقدّم أي دعم حقيقي للقضية الفلسطينية، بل تساهم فعليًا في خدمة الرواية الإسرائيلية، كما أن سببا رئيسيا وراء استمرار هذه الحرب هو تعنت حماس، ورفضها للجهود السياسية المبذولة". وأضاف هريدي "من الواضح أن هذه التصريحات تهدف إلى تغطية إخفاقات قيادة الحركة، وتعنتها في مراحل من المفاوضات الجارية"، مشددا على أن مثل هذه التصريحات تؤثر على مستوى "الثقة" مع مصر، لكن القاهرة لن تحيد عن مسؤولياتها، وستواصل القيام بدورها القومي والإنساني لإنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، من منطلق التزامها الثابت تجاه الشعب الفلسطيني بأكمله، وليس تجاه فصيل بعينه، وفق قوله. وأكد أن كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن الأوضاع في غزة جاءت لتوضيح ثوابت الموقف المصري للجميع ملخصًا إياه في 3 مطالب رئيسية تتمثل في وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والإفراج عن الرهائن، بجانب توجيه نداء لقادة العالم للتدخل لوقف الحرب. وخلال كلمته، أكد الرئيس السيسي، أن مصر لا يمكن أن تقوم بدور سلبي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، قائلًا إن "الدور المصري شريف ومخلص وأمين ولن يتغير وحريصون على إيجاد حلول لإنهاء الحرب". وأضاف: "ليس هناك ما يعوق دخول المساعدات إلى قطاع غزة"، مؤكدا ضرورة أن يكون معبر رفح من الجانب الفلسطيني مفتوحا. وقال الخبير المصري المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تصريحات الحيّة عن مصر "لا تتسق مع الواقع، فمصر على كافة المستويات سواءً الرسمية أو الشعبية لا تنتظر توجيهات أو مطالب من قادة حماس في أي وقت من الأوقات". وشدد على أن "مصر تقوم بكل ما عليها من بداية من الوساطة لوقف الحرب وإدخال المساعدات، والتصدي بقوة لمشروع التهجير رغم كل الضغوط التي مُورست عليها"، متابعا: "وبالتالي فالقاهرة لا تنتظر أي توجيهات أو دعوات سواء من حركة حماس أو من غير حماس". وعلى هذا المنوال، وجه عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، حديثه لخليل الحية قائلًا: "كنت أتمنى أن تصدر حركة حماس بيانا ترفض فيه حصار السفارات المصرية التي تقوم بها جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي ، ولكن بدلا من ذلك تحملوننا المسؤولية عن حصار التجويع". وأكد بكري أن مصر لم تقصر في دعم أهل غزة "سياسياً وإنسانياً"، ولم تتخل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أي وقت، متابعا: "أنت تعرف دور مصر وما تبذله من جهد، تكلل بإدخال المزيد من المساعدات مؤخرًا".

مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة
مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة

الاتحاد

timeمنذ يوم واحد

  • الاتحاد

مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة

مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة تَقِف سوريا في هذه اللحظة التاريخية أمام مفترق طرق حاسم، بين استكمال مسار الدولة الوطنية الحديثة، أو السماح بعودة مشاريع أيديولوجية عابرة للهوية الوطنية. وبعد أكثر من عقد من الصراعات والانقسامات والعنف والفوضى، يَبرُز التحدي الحقيقي في القدرة على التأسيس لعقد اجتماعي يقوم على المواطنة ويرسّخ السيادة الوطنية دون استثناءات، بحيث يمكن من خلاله بناء اصطفاف وطني يجمَع ولا يُفرّق.وفي هذا الإطار، تُعدّ جماعة «الإخوان»، ومعها تنظيمات الإسلام السياسي الأخرى، أحد أبرز العوائق البنيوية أمام بناء الدولة السورية الجديدة، ذلك أن هذه الجماعات لم تتخلَّ، لا نظرياً ولا عملياً، عن رؤيتها المؤدلَجة التي تتجاوز حدود الدولة الوطنية، وتسعى لاستبدالها بمنظومة فكرية منغلقة، توظّف الدين أداة لشرعنة السياسة، وتسعى للتغلغل في البنى الاجتماعية الهشّة، لا بهدف الشراكة الوطنية، بل التمكين الحركي، وصولاً إلى ترجمة أهداف الجماعة ورؤيتها للهيمنة والسيطرة على مقدرات الدول، وتوظيفها من أجل بناء كيان أوسع يُجسّد أيديولوجية ضيّقة قائمة على الإقصاء، ورفض الآخر. إنّ تاريخ جماعة «الإخوان» في سوريا لا يَدَع مجالاً للالتباس. فمن مجزرة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، وصولاً إلى استثمار حالة الفوضى بعد عام 2011، نجد نمطًا متكرِّراً من العنف السياسي المُمنهَج. ويُعدّ الهجوم، الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق، في يونيو 2025، والذي أسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة 59 آخرين، آخِرَ مظاهر هذا النهج التخريبي للتطرّف، سواء كان حاملاً راية «داعش»، أو «القاعدة»، أو عبر امتدادات فكرية تنتمي/ ترتبط فكرياً بشكل أو بآخر ب«الإخوان». ورغم محاولات الجماعة الظهورَ بمظهر «منفتح» و«وطني» في الخطاب العلني، فإنها تواصل تنظيم صفوفها في الخفاء، مستفيدةً من غياب الدولة السورية في بعض المناطق، ومن شبكات دعم إقليمية توفّر لها بيئة حاضنة للعمل الحركي. إنّ المشروع الوطني السوري، اليوم، لا يمكن أن يقوم إلا على أُسُس واضحة: رفض العنف، وترسيخ سيادة الدولة، واحترام التعدّدية، ومنع توظيف الدين في السياسة. إنّ مأزق «الإخوان» في سوريا الجديدة يكمُن في تناقض مشروعهم مع أُسُس الدولة المدنية الحديثة. فهُم لا يرون في الوطن كياناً مشتركاً، بل مجرد ساحة تعبئة لخدمة غايات أيديولوجية، ولذلك، فإن التأسيس الحقيقي لمستقبل مستقرّ يقتضي غلْق الباب أمام المشاريع التي تُنكِر سيادة الدولة، وتُعيد إنتاج الانقسام باسم الدين. وتزداد خطورة جماعة «الإخوان» في المرحلة المقبلة، مع محاولتها استثمار أي فراغ سياسي أو اجتماعي لإعادة طرح نفسها كفاعل «معتدل»، رافعةً شعارات ديمقراطية زائفة، في الوقت الذي تُواصِل فيه تنظيمَ كوادرها والتمهيد لمشروعها عبر شبكات سرِّية عابرة للحدود، وقد كشفت تقارير عدة عن تلقّي الجماعة دعماً لوجستياً من أطراف إقليمية تقوم مصالحها على إضعاف الدولة السورية، وتمزيق نسيجها الوطني، لذا، فإن من الضروري الحذَر من الانخداع بمظاهر التجديد الشكلية التي تتبنّاها الجماعة، ومن المهم جداً عدم تجاهل خطرها، لأن الاستمرار في التغاضي عن تحرّكاتها، بحجّة السيطرة عليها أو احتوائها، ثبَت فشلُه في دول إقليمية أخرى، ويمنحها فرصة للتحرّك بحُرّية، وقد يُستخدَم هذا لاحقاً لإفشال أي جهود حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا. *باحث - رئيس قسم دراسات الإسلام السياسي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store