
غياب المشروع الإيراني الشرق أوسطي بعد الضربات الإسرائيلية
Editor
أعطت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية ملامح جديدة لمستقبل الشرق الأوسط والوطن العربي وامتدت لأيام بلغت 12 يومًا برزت فيها الكثير من الحقائق والدلائل السياسية ومنحت آفاق جديدة لفهم ميداني واسلوب في التعامل مع أي متغيرات قادمة عبر عدة أدوات ومستلزمات تخص واقع الحال الذي يمر به الإقليم، من هنا كان على جميع المهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي المتعلق بطبيعة العلاقات القائمة في منطقة مهمة تعنى بمصالح ومكاسب دول العالم وسعيهم للحفاظ على أهدافهم وتعاملاتهم التجارية واستمرارتدفق الطاقة العالمية من النفط والغاز وحماية الممرات والمضايق الدولية والإقليمية. كانت القيادة الإيرانية تتطلع ووفق متطلباتها وأهدافها مشروعها الإقليمي إلى مفهوم سياسي اطلق عليه المرشد الأعلى علي خامنئي ( الشرق الاوسط الإسلامي) تكون هي ركيزته الأساسية عبر العديد من وكلائها وشركائها المتحالفين معها والداعمين لسياستها في التمدد والنفوذ والمرتبطين عقائديًا وفكريًا وتسليحيًا بالقيادات العليا لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني والسعي للهيمنة على المنطقة وتطبيق المنهج السياسي في تصدير الثورة الإسلامية التي نص عليها الدستور الإيراني في مادته الخامسة والذي أقرها في سنة 1979 بعد وصول الخميني إلى إيران قادمًا من منفاه الأوربي في العاصمة الفرنسية (باريس) وتسلمه لمقاليد الحكم بعد مغادرة شاه إيران في منتصف كانون الثاني 1979. أرادت إيران من إطلاق هذا المشروع لتتمكن من قيادة الشرق الأوسط حسب رؤيتها وأفكارها وبما أعلنت عنه من أنه مشروع لمواجهة الهيمنة والتسلط الأمريكي ولكنها لم تتمكن من الإستمرار والتحكم في الأحداث السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية وما آلت إليها من نتائج ومتغيرات سياسية أصابت المشروع السياسي الإقليمي الإيراني وضربت العديد من خواصره المهمة واسقطت نظامًا سياسياً كانت ترى فيه طهران الأداة الفاعلة في تنفيذ مبتغاها بشرق أوسط إسلامي بسقوط نظام بشار الأسد المربع الذهبي والساحة الرئيسية في الثوابت العقائدية للنظام الإيراني، ومن قبله كان ضعف ارادتها وغياب تأثيرها على ساحة وميدان مهم في الجنوب اللبناني بمقتل وغياب حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وغالبية قياداته السياسية والأمنية والعسكرية، هذه الوقائع كان لها تأثيرها المباشر والفعلي في تدحرج الهدف السياسي الذي سعى إليه المرشد الأعلى علي خامنئي. رأت القيادة الإيرانية في عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض واعلانه عن رؤيته في الأوضاع القائمة بمنطقة الشرق الأوسط وعمله باتجاه ابعادها عن أي تدخلات صراعات سياسية ونزاعات عسكرية فرصة ذهبية تستطيع من خلالها إعادة توازنها السياسي وتأثيرها الإقليمي، وافقت على المبادرة الأمريكية التي أطلقها الرئيس ترامب عبر مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران برعاية عربية خليجية عبر الوسيط العربي العُماني لمناقشة مستقبل البرنامج النووي الإيراني وفق الشروط التي اقترحتها الإدارة الأميركية والتي تضمنت تفكيك أو تعطيل المنشآت النووية ووقف عمليات تخصيب اليورانيوم ومناقشة ملف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمشروع السياسي في التمدد والنفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي. حاولت إيران استثمار جولات التفاوض الخمسة التي عقدت في مسقط وروما لاطالة الوقت وإمكانية تعزيز مواقفها الدولية والإقليمية وعينها على العودة لمشروعها في شرق اوسطي إسلامي، لكنها لم تحظى بما كانت تسعى إليه لعدة اسباب منها عدم نجاحها في قيادة جولات الحوار مع واشنطن بشئ من الدبلوماسية والحوار السياسي والمرونة في التعامل بل عملت على استخدام سياسة إظهار القوة والتعنت والممانعة في مناقشة الملفات العديدة والتي ابتدأت بأهم ملف رئيسي يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، رغم أنها توقعت بل امتلكها حالة من الاطمئنان السياسي في العلاقة مع الإدارة الأميركية حتى فاجأتها الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 والتي كانت بموافقة أمريكية أولية ثم مالبثت أن تكون مشاركة فعلية بعد عشرة أيام من المواجهة، عندما اقدمت القوة الجوية والصاروخية الأمريكية على ضرب المنشآت النووية في ( أصفهان ونطنز وفوردو) بعد عملية الرفض الذي اقدمت عليه إيران في الاستماع أو مناقشة الاملاءات الأمريكية حول النشاطات النووية وضرورة إيقاف العمل بتخصيب وزيادة نسب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة. ألحقت الضربات الإسرائيلية أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية لمنظومة الدفاع الإيراني والقوة الصاروخية بتدمير العديد من منصات الإطلاق ومواقع الإنتاج الرئيسي للوقود الصلب والسائل ومخازن الصواريخ الاستراتيجية، ولكن بعض من المواد والمخزونات بقت على حالها لم تصاب بأي ضرر، وفقدت إيران السيطرة على مجالها الجوي ولم يتبق لها أي سلاح رادع تمثل في قوتها الصاروخية ، ورغم ذلك قامت إيران بتوجيه مئات من الصواريخ البالستية بعيدة المدى وبعدة مديات تسببت في أضرار جسيمة داخل العمق الإسرائيلي وإصابت أهداف عسكرية وأمنية واقتصادية، رغم قيام إسرائيل باعتراض غالبيتها ولكنها شكلت عاملًا مهمًا وتحديـًا في المواجهة. ومع توقف القتال في الخامس والعشرين من حزيران 2025، إلا أن المرشد الأعلى لا يزال يطمح بتنفيذ رؤيته حول الشرق الأوسط عندما أشار بقوله إلى ( أن اللعبة لم تنته) وأصبحت جميع التوقعات في الميادين كافة مطلقة ومفتوحة والمسارات السياسية مستمرة في إمكانية إيجاد حلول لنزع فتيل المواجهات مرة أخرى والذهاب إلى مفاوضات بين واشنطن وطهران بوساطات عربية ودولية، وهو ما يمكن أن نراه في انعقاد الجولة السادسة في الأيام المقبلة، واعتماد مبدأ المسار السياسي هدف مرحلي في التفاوض الذي ترى فيه إيران أن العودة إليه يجب أن يكون بضمانات دولية بحماية نظامها السياسي وعدم الانسحاب الأمريكي من أي تفاهمات جانبية في اعتماد صيغة مقبولة لامتلاك إيران بعملية تخصيب اليورانيوم على أرضها لغايات سلمية ووفق ما تمليه القوانين والأنظمة الدولية، ومع أن الرئاسة الإيرانية قد أقرت عدم التعامل مع الوكاله الدولية للطاقة الذرية ومنع مفتشيها ورئيسها روفائيل غروسي من القدوم لإيران وزيارة المنشآت النورية إلا أن التصريح الذي أعلنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بتاريخ الثالث من تموز 2025 بأن ( التعاون مع وكالة الطاقة الذرية سيتم عبر المجلس الأعلى للأمن القومي) وأن إيران لا زالت ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية الضمانات الخاصة بها، يشكل دلالة قطعية على تغيير في السلوك الإيراني بعد الرفض الدولي الذي جاءت به القرارات الإيرانية باعتبار عمل الوكالة الدولية ( عملًا تجسسيًا) لصالح جهات دولية ورفض استقبال العاملين فيها. إيران لا زالت ترى أن أي مبادرة أو حوار سياسي قد يفضي إلى موقف أمريكي وتحرك إسرائيلي يؤدي إلى مواجهة عسكرية أخرى، وأنها في حالة من الانشداد وإمكانية حدوث أي طارئ يعرض أمنها للخطر رغم جميع الاتصالات المتبادلة مع عدد من الوسطاء في الدول الأوروبية والأقطار العربية. أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم جيدًا أن إيران ورغم الضربات الموجهة التي تلقتها وإصابت جميع المرافق الحيوية فيها وجعلتها أكثر ضعفًا، إلا أن نظامها السياسي باقي ولكنه لا يشكل تأثيرًا فاعلًا كما كان قبل الضربات الإسرائيلية الأمريكية، وهذا ما يعني لحلفائه في موسكو وبكين شيئًا إيجابياً رغم ان البلدين لم يكن لديهما أي استعداد لتقديم معونة عسكرية لإيران أو محاولة في إيقاف القتال مع إسرائيل، ولكن إيران ترى أن من مصلحتها أبقاء العلاقة والتعاون الثنائي قائمة مع روسيا والصين، مع وجود محاولة روسية للتوسط في إنهاء موجبات النزاع القائم والتأكيد على سلمية البرنامج النووي الإيراني واستعدادها للمشاركة في أي مفاوضات وحوارات للتعامل مع مخزون اليورانيوم المخصب في إيران وإمكانية تحويله إليها كما حدث في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة تموز 2015،والصين ترى مكاسبها الاقتصادية ببقاء إيران واستمرار توريد النفط لها واستمرار حركة التجارة عبر مضيق هرمز دون أي مشاكل وعوائق تفرضها حالات النزاع العسكري، وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد أخبر رؤساء وحكومات الدول التي حضرت اجتماعات قمة الحلف الأطلسي في 25 حزيران 2025 ( أنه لن يمنع الصين من شراء النفط الإيراني) وهي إشارة أمريكية لتخفيف العقوبات وعدم تشديدها على إيران وإلغاء سلسلة من القوانين النافذة المتعلقة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دفعت بصغوط اقتصادية على البنوك والمصارف المالية في عدة دول لتقييد وصول إيران جزئيًا أو كليًا إلى أصول تقدر بنحو 100 مليار دولار معظمها تعود لعمليات تصدير النفط الإيراني. القيادة الإيرانية عليها أن تتعامل بدقة في علاقتها الدولية والإقليمية وتعالج حالة العزلة السياسية التي تعانيها للوصول إلى اتفاق دائم يتعلق ببرنامجها النووي وبملفها الخاص بالصواريخ البالستية بعيدة المدى، وعدم الركون إلى قرار وقف إطلاق النار دون اتخاذ قرارات حاسمة يراها المجتمع الدولي خطوات كفيلة بالحد من النشاطات النووية والقدرات الصاروخية الإيرانية، وأن تتخلى طهران عن خيار تطوير السلاح النووي بشكل دائم والحد من عدد وأنواع الصواريخ الباليستية التي يمكن لإيران تطويرها. أن الولايات المتحدة الأمريكية جادة في عملية تقويض البرنامج النووي الإيراني والتلويح بإمكانية إعادة فرض العقوبات من قبل الأمم المتحدة بالتعاون مع حلفائها وشركائها الأوربيين في حال امتناع إيران عن الاستجابة لأي مبادرات أمريكية أو حوارات سياسية، وهذا ما سيساعد دول ( فرنسا وبريطانيا وألمانيا) للتفاوض مع إيران على اتفاق يشمل قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش والتحقق لتحديد مكان القدرات النووية الإيرانية وإيقافها.
أن إيران عليها ان تدرك وبعد العديد من الانكسارات السياسية والعسكرية التي واجهتها في لبنان وسوريا وانكفاء وكلائها وشركائها من المليشيات والفصائل المسلحة وعدم مساندتها في مواجهتها مع إسرائيل، أن مشروعها الشرق الأوسط الإسلامي قد أصابه الخلل وأن ميزان القوى في الشرق الأوسط يشهد تحولاً واضحًا بعد أن تم استهداف أدوات وشبكات الوكلاء الإيرانيين في سوريا ولبنان وتقيد حركتها في العراق وإضعاف دورها في اليمن، وهو ما شكل ضعفًا سياسيًا ميدانيًا للمشروع الإيراني الإقليمي وأصبحت طهران في موقف تسعى فيه لهدنة سياسية وتخفيف للعقوبات عنها، مع تزايد ملحوظ في النشاط الإستخباري الأمريكي الإسرائيلي لمتابعة حركة ونشاط وتواجد أذرع إيران وتوابعها في المنطقة، خاصة بعد الاختراق العميق للمنظومة النووية الإيرانية والأجهزة والمؤسسات الأمنية الإيرانية وحرمة واماكن تواجد قياداتها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 43 دقائق
- Independent عربية
مقتل عنصرين في الحرس الثوري الإيراني بمخلفات حرب إسرائيل
قتل عنصران في الحرس الثوري الإيراني، اليوم الأحد، في غرب البلاد فيما كانا يحاولان تفكيك متفجرات في منطقة طاولها القصف الإسرائيلي خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، وفق ما نقل إعلام محلي. وشنت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) الماضي حرباً على إيران بهدف معلن هو منعها من حيازة سلاح نووي، الأمر الذي واظبت طهران على نفيه. وذكرت وكالة "تسنيم" نقلاً عن بيان للحرس الثوري أن "عنصرين في الحرس قتلا اليوم في خرم آباد (غرب) فيما كانا يقومان بتنظيف منطقة متفجرات خلفها عدوان النظام الصهيوني". وأسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل مسؤولين عسكريين كبار وعلماء في البرنامج النووي الإيراني. وأفادت السلطة القضائية الإيرانية بأن الحرب أسفرت عن مقتل 936 شخصاً في الأقل. وأعلن وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو الماضي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وحضر المرشد الإيراني علي خامنئي مراسم دينية في طهران أمس السبت، وفق لقطات نشرتها وسائل الإعلام الرسمية، هي الأولى التي يظهر فيها علناً منذ وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وأعلنت إيران، الخميس الماضي، إعادة فتح مجالها الجوي في شكل كامل بعدما أغلقته في اليوم الأول من الحرب.


مركز الروابط
منذ 6 ساعات
- مركز الروابط
بعد تعليق العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية …إيران إلى أين؟
2025-07-06 Editor عادت الأوساط السياسية والإعلامية في متابعة حثيثة لمجمل التطور الحاصل في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد قرار مجلس الشورى الإيراني بمنع دخول رئيس الوكالة روفائيل غروسي والمفتشين المختصين بالنشاط النووي إلى الأراضي الإيرانية واتهامهم بالتجسس لصالح جهات دولية، بغد الضربات الجوية الأمريكية التي طالت منشأت ( فوردو ونطنز وأصفهان) في الثاني والعشرين من شهر حزيران 2025 وأثناء المواجهة الإسرائيلية الإيرانية. أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ( أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيستمر حتى ضمان أمن العلماء والمراكز النووية) وبعد أن تم استحصال موافقة مجلس صيانة الدستور على تنفيذ الإجراء الخاص بالتعامل مع الوكالة الدولية ورئيسها التنفيذي. تصاعدت حدة الخلافات بين إيران ومفتشي الوكالة بعد الهجمات الجوية والصاروخية التي ألحقت أضرارًا كبيرة بمنشآت التخصيب وادت إلى مقتل عدد من كبار علماء الذرة وتدمير أدوات ومعدات حيوية طمرت تحت الأنقاض، والحقت خسائر جسيمة بمركز أصفهان للبحوث النووية ومنشأة نطنز لتخصيب الوقود والدوائر والأقسام النووية التابعة لها والتي تعتبر من أهم المواقع النووية الثلاث في إيران، كما أدت الضربات الجوية الى تدمير أجزاء كاملة من منشأتي أصفهان ونطنز واصابة مفاعل آراك النووي بتدمير شامل. ورغم التصعيد العسكري وتحقيق الغاية الأساسية والهدف المعلن من تدمير المنشآت النووية المسؤولة عن ادامة العمل في البرنامج النووي الإيراني، إلا أن القصف الجوي الأمريكي الإسرائيلي قد تسبب في معضلة كبيرة تتعلق بعمل وحركة مفتشي الوكالة الدولية المرتبطين بالأمم المتحدة ووصولهم إلى معرفة حقيقة المخزونات من اليورانيوم المخصب التي تساهم في صنع القنبلة النووية والأسلحة المتطورة وهل دفنت تحت الأنقاض نتيجة الضربات العسكرية أم أنها أُخفيت في مكان سري قبل بدأ المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، وهذا ما يجعل عملية البحث والتقصي الميداني شاقة وصعبة لمفتشي الوكالة الدولية اذا ما سمح لهم بالعودة لمزاولة اعمالهم. ان الإجراءات والاحترازات السياسية والعسكرية التي اتخذتها القيادة الإيرانية ضد عمل وحركة مفتشي الوكالة الدولية لاقت رفضًا دوليًا وموقفًا صارخًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وطالبت بعودتهم ومزاولة اعمالهم في التفتيش والرقابة الدائمة ومتابعة التسجيلات الخاصة بكاميرات المراقبة في المواقع ذات النشاطات النووية، وهذا ما استدعى قيام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالقول ( أن التعاون مع وكالة الطاقة الذرية سيتم عبر المجلس الأعلى للأمن القومي) وهو ما يشير إلى وضع عدة خيارات أمنية ووسائل ميدانية تتبع حركة المفتشين اذا ما حضروا في أي زيارة قادمة لإيران، مع تأكيد أن طهران لا تزال ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية الضمانات الخاصة بها. وهناك عدة محاولات دولية وإقليمية عربية بالعودة إلى عقد الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية والتي تحدث عنها وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي بقوله ( إن رفع سقف الشروط والمطالب يصعب استئنافها سريعاً) وهذا ما يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف لكي تستأنف المفاوضات وجلسات الحوار السياسي والدبلوماسي أعمالها، وهنا تأتي مجموعة من الأسئلة عن ماهية طبيعة المفاوضات وما المطلوب منها إنجازه وماهي الترتيبات الأميركية التي تسعى إليها إدارة الرئيس دونالد ترامب وما مدى استجابة القيادة الإيرانية تفاعلها معها؟ اسئلة محورية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وآفاق مستقبلية، تحتاج لإجابات دقيقة وصريحة لرسم ملامح المتغيرات الميدانية القادمة. أن إيران لديها هدف سياسي وغاية اقتصادية تتمثل في سعيها الجاد لمعالجة أزماتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية وحل جميع المعضلات المالية المتعلقة بزيادة نسبة التضخم وانهيار العملة الوطنية وزيادة نسبة البطالة والفقر ورفع كاهل المعاناة التي اثقلت الشعوب الإيرانية، ولا يمكن لها تحقيق جميع أهدافها الا عبر الحوار المتبادل والذي قد تضطر فيه إلى قبول المراقبة الدائمة والشديدة من قبل الوكالة الدولية لجميع نشاطاتها المتعلقة ببرنامجها النووي والابتعاد عن أي خلافات جوهرية قد تمتد لغاية منتصف شهر تشرين الأول 2025 موعد الوصول إلى موعد تنفيذ (آلية الزناد) الذي بموجبه يتم مناقشة مدى التزام إيران بما اتفق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في 15 تموز 2015 لرفع العقوبات عنها أو تمديدها ورفع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، وتفادي أي هجمات أميركية إسرائيلية قد تتزامت مع أي مناقشة للملف النووي الإيراني. وسيتعين على إيران في أي مفاوضات قادمة لضمان رفع العقوبات الاقتصادية عنها وإطلاق الأموال المجمدة الخاصة بها أن تلتزم بتقديم تقارير دورية عن مخزونها من اليورانيوم المخصب والتحقق من هذه التقارير والمعلومات من قبل الوكالة الدولية عبر عمليات التفتيش الدائمة للمواقع المعلومة وغير المعلنة من قبل الجهات المختصة الإيرانية، وكان مفتشي الوكالة يتمتعون بخاصة مهمة تمكنهم من الوصول بانتظام إلى مواقع تخصيب اليورانيوم ومراقبة الأنشطة النووية، ولكنها الان أصبحت أكثر صعوبة بعد الضربات الجوية والتي حولت المواقع والمنشآت النووية إلى مجموعة كتل من الأنقاض والرماد بحيث أصبحت عملية المتابعة والتحقق أكثر صعوبة وأكثر ضبابية. والولايات المتحدة الأمريكية تسعى من المفاوضات إلى الانتهاء من الملف النووي الإيراني وإيجاد صيغ فاعلة لتوقيع اتفاق دائم مع إيران ثم الانتقال إلى مناقشة ملفات تتعلق بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والمشروع السياسي الإقليمي الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي وإيقاف حالة الدعم والعلاقة مع الفصائل المسلحة العاملة في بعض من عواصم الأقطار العربية والتي ترتبط بالقيادات العسكرية والأمنية العاملة في فيلق القدس والحرس الثوري والتي تعتبر من أهم أدواتها ووكلائها في تحقيق أهداف وثوابت عقيدتها السياسية والأمنية التمدد والنفوذ. ان الولايات المتحدة الأمريكية تعلم جيدًا أن البرنامج النووي الإيراني قد تعرض لضربة كبيرة من قبلها وألحقت به ضررًا واسعًا في المنشأت النووية ومراكز البحوث العلمية والتقنية النووية، ولكن هناك عدد من التقارير تشير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ لا يزال موجود تحت الأنقاض وإمكانية الوصول إليه عبر المواد المدفونة في منشأتي فوردو وأصفهان، وهذا ما تحاول أيضًا واشنطن وتل أبيب البحث عنه والتأكد منه وهل لا زالت إيران تمتلك معدات تعمل على تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح نووي، وأجهزة طرد مركزي قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى درجة تستخدم في صنع الأسلحة النووية. تحاول إيران تجميع امكانياتها وإعادة تموضعها وتحسين قدرتها في موجهة أي مفاجأة عسكرية أخرى من امريكا وإسرائيل، بعد أن خانتها توقعتها ومسار معلوماتها الاستخبارية بعدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بأي عمل عسكري تجاهها واغفال أي هجوم استباقي إسرائيلي ضدها، ومضت لاختيار مسار الحوار السياسي والخطاب الدبلوماسي للوصول إلى معاودة للمفاوضات مع الإدارة الأميركية والتأكيد على استعدادها لمناقشة جميع الشروط وقبول الاحتمالات كافة عبر ضمانات دولية وأميركية بعدم استهداف نظامها السياسي والاتفاق على بنود محاور رئيسية تلتزم بها واشنطن وأن أي تسوية جديدة يجب أن تتضمن حق إيران في امتلاك عملية تخصيب اليورانيوم على أراضيها وفق القوانين والأنظمة الدولية. مستقبل النجاح في اي مفاوضات قادمة بين واشنطن وطهران يتعلق بمدى التزام إيران بعلاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعاون مع مفتشيها وتقديم جميع المعلومات الخاصة بالأنشطة النووية والإجابة عن أي تساؤلات تخص حركة وفعالية العلماء العاملين في إعادة تركيبة البرنامج النووي واستعادة عافيته، وأن أي عملية بحث ستقوم بها الوكالة الدولية ستكون صعبة ومعقدة في البحث وتقصي الحقائق لاستعادة المواد النووية من المباني المتضررة واخذ عينات بيئية وفق عملية البحث الجنائي للوصول لمعلومات دقيقة علمية واضحة، ان المرحلة القادمة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران تتطلب جهدًا سياسيًا ورؤية مستقبلية واستجابة صادقة للعودة إلى جلسات الحوار والتفاوض، وهو ما على القيادة الإيرانية الاهتمام به وملاحظته والاستجابه له لتحقيق غايتها وأهدافها في التخلص من التبعيات السياسية والقانونية المتعلقة برفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة والعودة لدورها الإقليمي وفك عزلتها في علاقتها مع دول العالم. وحدة الدراسات الإيرانية مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة


العربية
منذ 17 ساعات
- العربية
التصدّي لدُعاة تقسيم لبنان: حيث لا مجال للسكوت وحيث لا مكان للتخاذل
لدعاة تقسيم لبنان تبريرات متنوّعة لخطابهم. منهم من يبرّر ضرورة التقسيم باستحالة التعايش مع ميليشيا دينية تصرّ على الاحتفاظ بسلاحها بعد اتفاق اللبنانيين في الطائف على حصر السلاح بيد الدولة. ومنهم من يبرّره باستحالة التعايش مع الفكر 'الجهادي التكفيري' المنتشي بالانتصار الإقليمي الكبير في سوريا. ومنهم من يبرّره بالاختلاف العميق في الميول والخيارات الجيوسياسيّة بين الهويّات المتنوّعة ضمن المجتمع اللبناني. إنّما، هل تقسيم لبنان هو الحل؟ حتماً لا إنّ تقسيم لبنان هو انتحار اقتصاديّ واجتماعيّ، وإنكار يائس لتاريخ لبنان وهويته كأمة. ومع ذلك، فإنّ رفض تسلح ميليشيا دينية هو أمر منطقي ومفهوم، مهما كانت شعاراتها، وحتّى لو كان بيدها مفتاح الجنّة وليس فقط مفتاح القدس. غير أنّ الحلّ لهذا الأمر هو استمرار الضغط من أجل الإسراع في حصر كلّ السلاح بيد الدولة اللبنانية، انطلاقاً من أنّ تمسّك ميليشيا دينية بسلاحها في لبنان يهدّد وحدة المجتمع ويقوّض سيادة الدولة. والخوف من تعاظم قوّة 'الجهاديين التكفيريين' هو خوف مفهوم لا جدال فيه، حتى لو كان أصحاب هذا الفكر قد واجهوا نظام البعث والخمينيين في مرحلة ما، وهم ليسوا أفضل منهم بأي شكل من الأشكال. غير أنّ التصدّي لهذا الهاجس يكون بتعزيز قدرات الجيش ليكون قادراً على حماية البلاد من الإرهاب التكفيري وكل تهديد خارجي. أمّا الاختلاف في الميول والخيارات الجيوسياسيّة بين الهويّات المتنوّعة ضمن المجتمع اللبناني فحلّه يكمن في تكريس فكرة الأمّة اللبنانيّة، وتحييد لبنان عن الانخراط في صراعات المحاور الإقليميّة والدوليّة. لقد واجهنا سابقاً من قال إن مرجعيته الخميني، ونتصدّى اليوم لمن يقول أنّ مرجعيته الشرع، كما تصدّينا لكلّ من قال إن مرجعيته هي الغرب. ولبنان لا يحتمل أن يكون هناك 'مربط رسن' في الخارج لأيّ شريحة من مجتمعنا. فللخارج أجنداته، ولنا مصالحنا. نحن أمة حقيقية، ذات خصائص ثقافية مشرقية متوسطية، والذي يوحّد مجتمعنا أكبر بكثير من الذي يفرّقه. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يلائم النظام السياسي الحالي تطلعات الأمة اللبنانية؟ والجواب هو كلا قطعاً. لهذا السبب، لا بد من تغييره. إنّ مصلحة لبنان اليوم تقتضي حماية وحدة مجتمعنا وتعزيزها عبر نظام سياسي جديد يرتكز على ثلاثة أركان: إدارة لامركزية، قوانين مدنية، ودولة اجتماعية. ولبنان يمرّ اليوم في مرحلة تاريخيّة. مرحلة تأسيسيّة بكلّ ما تحمله الكلمات من معاني. وهذه المرحلة تتطلب توحيد الجهود لفرض الإصلاحات الماليّة والإداريّة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وبناء تحالفات استراتيجية تضمن استقرار لبنان. فلنطوِ صفحة كل محاولة لتقسيم لبنان، ولنُقسم معاً على التمسك بوحدة الأرض والمجتمع، وعلى جعل الانتماء للأمة اللبنانية أقوى من أي انتماء آخر. ولنعلن توبتنا النهائية عن كل استقواء بالخارج على الداخل. لبنان لا يحتمل الضعف أو الانقسام، بل يحتاج إلى إرادة جامعة لبناء مستقبله.