
النجاح الذي لا يُرى
الخطوة الصغيرة نحو المجد الكبير، حين كتب جيمس كلير عن العادات الذرية، وحين أسّس BJ Fogg نموذجه الصغير من جامعة ستانفورد، لم يكونا يكرّسان فلسفة السهولة بل العُمق، العادات الصغيرة ليست ضعفًا بل استثمار طويل المدى، الفارق أن أثرها غير مرئي في اللحظة لكنه متراكم ومتضاعف عبر الزمن، من يكتب ثلاث جمل يوميًا سيجد بعد عام أنه ألّف كتابًا، من يقرأ خمس صفحات فقط سيجد أن وعيه توسّع دون أن يشعر، ومن يصلي ركعتين بتركيز في كل صباح سينحت روحًا ثابتة رغم العاصفة. هذه العادات تصنع جسور النجاح الهادئ لأنها لا تستهلك طاقتك ولا تتطلب قفزة درامية بل تستدعيك فقط أن تحضر كل يوم لتقول للحياة أنا هنا، العادة الصغيرة ليست إنجازًا واحدًا بل إعلان ولاء لفكرة أكبر، وهي أن التغيير لا يحتاج بطولة بل التزامًا.
من هنا يأتي سؤال ملح: هل التوجيه الذاتي هو مفتاح الفَرق؟ في دراسة من جامعة خرونينجن الهولندية تابع الباحثون أداء طلاب الطب خلال عشرة أسابيع من التقييم التراكمي، ووجدوا أن 70 ٪ من أصحاب البداية الضعيفة تحسنوا بنهاية الدورة، لكن ليس لأنهم كانوا أذكى بل لأنهم امتلكوا مهارة واحدة: التوجيه الذاتي، الطلاب الذين فشلوا في تحسين أدائهم رغم الفرص كانوا يفتقرون إلى هذه المهارة بالذات القدرة على مراقبة النفس والتخطيط والاستمرار بدون رقابة خارجية، هذا ما يميز النجاح التراكمي عن الفقاعي، أن الفقاعي يعتمد على حماسة لحظية، أما التراكمي فيحتاج إلى ذات تقود نفسها من الداخل، الشخص الذي يمتلك التوجيه الذاتي لا ينتظر أن يتم تذكيره أو دفعه أو التصفيق له، بل يعرف لماذا بدأ ويذكّر نفسه يوميًا بأنه مستمر لا من أجل النتيجة السريعة بل من أجل البناء الطويل.
إذن لو أردنا رصد ثلاثية النجاح الحقيقي، فإن النجاح التراكمي لا يصنعه التكرار فقط بل يجمع بين ثلاث قوى متكاملة، أولها: التكرار المنظم الذي لا يتوقف، وثانيها: العادة الصغيرة التي تُمارَس كل يوم، وثالثها: العقل الذي يقود نفسه دون أن ينتظر أحدًا، هذه الثلاثية حين تكتمل يصعب أن يُهزم صاحبها؛ لأن كل محاولة تُسجل، وكل عادة تبني، وكل خطوة تقود لخطوة أخرى، حتى لو بدت الطريق طويلة فإنها تتقلص حين يعرف الإنسان أن العظمة لا تأتي فجأة بل تُزرع كل صباح، الذين يبنون أنفسهم على هذا المبدأ لا يظهرون بسرعة، لكن حين يظهرون فإنهم لا يرحلون، لأنهم لم يأتوا من الخارج بل نبتوا من الداخل. هذه هي الفكرة التي تستحق أن نعيد غرسها في وعينا وفي الجيل القادم، أن النجاح ليس صدفة ولا شهرة ولا ترند بل أثر يُراكم يومًا بعد يوم حتى يصبح هوية، دمتم بخير.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 5 ساعات
- العربية
ترامب يستعد للكشف عن خطة الذكاء الاصطناعي
يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للكشف عن أول خطاب رسمي له بشأن الذكاء الاصطناعي منذ عودته إلى البيت الأبيض، وذلك خلال فعالية منتظرة اليوم الأربعاء في العاصمة واشنطن، بحضور عدد من أبرز وجوه وادي السيليكون. الخطاب سيُزيح الستار عن "خطة عمل الذكاء الاصطناعي" التي ستُحدد ملامح سياسة الإدارة الجديدة تجاه التقنية التي باتت تُغيّر العالم. وبحسب مصادر مطلعة، تتضمن الخطة ثلاث ركائز رئيسية: البنية التحتية، الابتكار، والتأثير العالمي، بحسب تقرير نشره موقع "تك كرانش" واطلعت عليه "العربية Business". كما تمثل هذه الخطة بديلاً استراتيجيًا للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس السابق جو بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي. خارطة طريق جديدة تأتي خطوة ترامب بعد إلغائه الفوري لأمر بايدن التنفيذي، الذي كان يُلزم شركات الذكاء الاصطناعي بتقديم تقارير عن الأمان والشفافية، وفرض معايير تهدف إلى الحد من التحيز في النماذج اللغوية. ترامب، من جهته، اعتبر تلك الضوابط "مرهقة" وتُعيق الابتكار. منذ بداية ولايته الثانية، دعم ترامب مشاريع ضخمة في هذا المجال، أبرزها إعلان تحالف شركات مثل "OpenAI" و"أوراكل" و"سوفت بنك" عن مشروع مركز بيانات "ستارغيت" بمليارات الدولارات، إلى جانب رفعه القيود عن تصدير رقائق "إنفيديا" المتقدمة. معركة الوعي في الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن تشمل خطة ترامب أمرًا تنفيذيًا يُلزم الشركات التقنية التي تتعامل مع الحكومة الفيدرالية بضمان "حيادية" نماذج الذكاء الاصطناعي، في محاولة لمواجهة ما يعتبره المحافظون "تحيزًا أيديولوجيًا يساريًا" في روبوتات الدردشة، مثل "شات جي بي تي " و"كلود". ويأتي هذا الإجراء ضمن حملة أوسع يقودها الجمهوريون ضد "الذكاء الاصطناعي الواعي"، والذي يرون أنه يُقيد حرية التعبير عبر فرض سرديات سياسية بعينها. شركات التقنية تطرح "قوائم أمنياتها" وبينما تستعد إدارة ترامب للكشف عن خطتها، بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى - مثل "غوغل" و"ميتا" و"أمازون" و"OpenAI" - بممارسة ضغوط لدمج مصالحها في السياسات المقبلة. هذه الشركات تطالب بالسماح باستخدام البيانات المحمية بحقوق النشر في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتدافع عن النماذج مفتوحة المصدر رغم الجدل حول إمكانية إساءة استخدامها. كما تدعو إلى تسريع عمليات بناء مراكز البيانات وتوسيع شبكات الطاقة لتلبية الطلب الهائل على القدرات الحوسبية. معارضة شعبية تتصاعد خطة ترامب لم تمر دون انتقادات، فقد وقّعت أكثر من 90 منظمة غير ربحية على رسالة مفتوحة بعنوان: "خطة عمل الشعب للذكاء الاصطناعي"، محذّرة من ترك شركات التكنولوجيا والنفط تضع قواعد الذكاء الاصطناعي بمعزل عن المصلحة العامة. وقالت تلك المنظمات في بيان مشترك: "لا يمكننا أن نسمح بكتابة مستقبل الذكاء الاصطناعي على حساب حرية ورفاهية الأسر الأميركية". من المنتظر أن يكشف ترامب المزيد من تفاصيل خطته خلال قمة "الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي" التي يُنظّمها منتدى "هيل آند فالي" بمشاركة عدد من كبار المستثمرين في وادي السيليكون.


الرجل
منذ 6 ساعات
- الرجل
دراسة جديدة تفكك أسطورة الذكر ألفا.. من يملك القوة فعليًا؟
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، قام فريق من الباحثين بقيادة الدكتور دييتر لوكاس من معهد ماكس بلانك، والدكتورة إليز هوشارد من جامعة مونبلييه، بتحليل سلوك 151 مجموعة من القردة العليا والتي تشمل البشر والشمبانزي وأنواعًا أخرى من الرئيسيات للكشف عن أنماط القوة والصراع بين الذكور والإناث. النتائج كانت مفاجئة: الإناث تفوّقن في نسبة كبيرة من النزاعات، وسيطرن على قرارات التزاوج، في تناقض واضح مع الصورة النمطية للذكر المسيطر أو "الذكر ألفا". وبحسب الدراسة، فإن الذكر لا يستطيع فرض التزاوج إذا رفضت الأنثى، وهو ما يمنحها سلطة تفاوضية كبيرة. هذه السيطرة الجندرية لا تقتصر على حالات فردية، بل تُعد نمطًا متكررًا في عدد من الأنواع، وتكشف أن الهيمنة ليست دائمًا حكرًا على الذكور، بل تتشكل بتفاعل معقد بين البيئة والسلوك. كيف تسيطر إناث القردة على التزاوج والذكور؟ أظهرت النتائج أن القوة لدى الإناث لا تعتمد على التفوق الجسدي بقدر ما ترتكز على التحكم في التزاوج، وهو ما يجعل العلاقة بين الجنسين أكثر توازنًا مما كان يُعتقد سابقًا. ففي الأنواع التي لا يمكن فيها للذكور فرض التزاوج، تلعب الإناث دورًا محوريًا في تحديد من، ومتى، وكيف يتم ذلك. وإذا أظهر الذكر سلوكًا عدائيًا، بإمكان الأنثى ببساطة أن ترفضه. كما كشفت الدراسة أن هيمنة الإناث تبرز بوضوح في الأنواع التي تعيش على الأشجار، حيث تكون الفروق الجسدية بين الجنسين ضئيلة، وتكون العلاقات أكثر ميلاً للأحادية. بينما تزداد سطوة الذكور في الأنواع الأرضية ذات النظام التزاوجي التعددي، والتي يتمتع فيها الذكر بحجم أكبر. لكن حتى في تلك المجتمعات، وُجدت استثناءات، كما هو الحال لدى قرود تالابوين، التي تتغير فيها ديناميات السيطرة تبعًا للظروف البيئية. من يملك القرار في مجتمعات القردة والبشر؟ نتائج الدراسة تعيد طرح السؤال الأزلي حول من يملك القرار في مجتمعات الرئيسيات، ومنها البشر. فبينما يهيمن الذكور على مجتمعات الشمبانزي، تقود الإناث مجتمعات البونوبو من خلال التحالفات الاجتماعية واختيار الشركاء. الباحثون وجدوا أن نصف النزاعات تقريبًا كانت بين الجنسين لا ضمن الجنس الواحد، وهو عامل لطالما تم تجاهله. اقرأ أيضاً اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود في الكونغو وبينما اعتقد بعض العلماء أن قوة الإناث تأتي من الروابط الأسرية أو التحالفات، بيّنت البيانات أن العامل الحاسم كان في كثير من الأحيان قدرة الأنثى على التحكم في العملية التناسلية. هذا التنوّع السلوكي بين الأنواع يُشير إلى أن تطوّر المجتمعات البشرية ربما لم يتبع مسارًا واحدًا، بل عدة مسارات متداخلة تحددها البيئة، والثقافة، وأنظمة العلاقات.


العربية
منذ يوم واحد
- العربية
حول استحالة نهاية الفلسفة
في النصف الأخير من القرن العشرين راجت أحاديث النهايات. نهاية الجغرافيا، ونهاية الإنسان، ونهاية الفلسفة، وهذه النهاية تحديداً أي نهاية الفلسفة هي ما سأشرحه بهذه المقالة. كتب الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر كتابه بعنوان: «نهاية الفلسفة ومهمة التفكير» عام 1964. أسس لفكرته بتبريريْن اثنيْن، أولهما: أن الفلسفة قد بلغت ذروتها ولم تعد قادرة على تقديم المزيد من الإجابات حول الوجود. ثانيهما: أن الفلسفة قد بلغت وهجها مع اليونانيين، وانتهت مع هيغل، وبالتالي لم يبق إلا «التفكير التأملي العميق»، وهذا الشطر الثاني من عنوان كتابه. من بعده هرع الفلاسفة وبخاصةٍ الفرنسيين منهم بغية تحويل هذه الفكرة إلى نقطة تحوّل، ومن هنا بدأت أفكار فلاسفة الاختلاف الذين وجدوا في مفهوم «التقويض-Destruktion» أساساً لبناء مشاريعهم المتمايزة، ولكن الأرضية التي انطلقوا منها واحدة، صحيح أن نيتشه أثر عليهم ولكن تأثير هيدغر كان أكثر عمقاً، وأخصّ بذلك «جاك دريدا»، و«ميشيل فوكو»، و«جيل دلوز». لقد نزعوا عن الفلسفة هالتها. اعتبروها ساحة تمرين على فهم الأشياء كما في عنوان كتاب فوكو «الأشياء والكلمات»، وهو أهم كتبه. بينما جيل دلوز تساءل في كتابٍ مشترك مع فليكس غيتاري «ماهي الفلسفة» ثم أجاب: «هي صناعة المفاهيم». هذا الجوّ العام حول نهاية الفلسفة بالتأكيد خلق نظرياتٍ مؤثرة، ولكن الفلسفة خاتلتهم. ومجرد اشتغالهم بفكرة نهاية الفلسفة بطريقةٍ فلسفية يعني أن الفلسفة لم تنتهِ. وظيفة الفلسفة باقيةٌ لأنها ساحة حربٍ نظريةٍ دائمة، كما يعبر الفيلسوف لويس ألتوسير في كتابه: «تأهيل الفلسفة للذين هم ليسوا بفلاسفة»، حيث كتب: «بالفعل ينبغي تَصوُّر الفلسفة، أي مجموع الفلسفات على اختلافها في كلّ حقبة، على أنّها ساحة حرب نظريّة. وكان كانط يطلق على الفلسفة السابقة، «فلسفة ما وراء الطبيعة» (الميتافيزيقا)، التسمية المذكورة تحديداً، (والتعبير له)، «ساحة حرب» (Kampfplatz)، كونه كان يطمح إلى تعميم «السلام الدائم» الذي تؤمّنه سيطرة الفلسفة النقديّة، (عن طريق تحقيق انتصار فلسفته هو دون سواها، ونزع سلاح الفلسفات الأخرى كافّة). ويقول: «ينبغي أن نضيف: إنّها ساحة حرب وَعِرة التضاريس، احتفرتها خنادق المعارك القديمة، وانتشرت فيها التحصينات الشائكة المهجورة التي احتُلَّت وتَكرَّر احتلالها، ساحة حرب حملت من الأسماء ما يحيي ذكرى المعارك التي تميّزت بشراستها، وتبقى عُرضة لانبعاث كتائب منبثقة من الماضي مجدَّداً، وملتحقة بالقوّات الجديدة التي تتقدّم». الخلاصة، أن فكرة نهاية الفلسفة هي جزء من حيويّة المسار الفلسفي الدائم. إنها ليست مثل النهايات التي تتعلق بالاستراتيجيات أو الجغرافيا. الفلسفة فضاءٌ ممتد وله تحوّلاته وإرثه، وآية ذلك أن مقولات النهايات انتهت، وبقيت الفلسفة فعّالة ومفاهيمها مؤثرة على السياسات والعلوم بل وحتى على المستجدّات. الفلسفة بطبيعتها فضولية وهي الآن تتدخّل في موضوعاتٍ طبيّة وفنيّة وتقنيّة وآخرها صرعة الذكاء الاصطناعي الخارقة.