logo
محمد شاهين في ذمة التاريخ الأدبي

محمد شاهين في ذمة التاريخ الأدبي

الدستورمنذ 3 أيام
إبراهيم خليل
نعى الناعون الأديب الناقد المترجم محمد شاهين عليه رحمة الله. وكنا منذ زمن صديقين قلما يلتقيان. فهو منشغل دائما في مشروعاته البحثية والترجمية وفي المؤتمرات العديدة وفي المجلة الثقافية، ولما سمعت بالخبر الصادم هرعت إلى مكتبتي ألتمس فيها بعض آثاره فعثرت على : كتاب له بعنوان «تحولات الشوق». وهو من أوائل كتبه إذ صدرت الطبعة الأولى منه عام 1993 وكتاب عن « إليوت « وتاثيره في الشعر العربي وبصفة خاصة في شعر بدر شاكر السياب وصلاخ عبد الصبور. وكتاب آخر عن « الأدب والأسطورة « وكان قد صدر في العام 1996 وأخيرا كتابه عن الرواية « آىفاق الرواية - البنية والتراث « الذي صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق 2001 وله كتاب آخر مترجم عن إدوارد سعيد صدر هو الآخر في طبعتين، وقد سماه رواية للأجيال.
تحولات الشوق:
فمن أقدم الكتب التي أطلعت عليها من مؤلفاته الكتاب الموسوم بعنوان تحولات الشوق. فقد تناولته عند صدوره بمقال نشر في الدستور الثقافي. والكتاب الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1993 يمكن تصنيفه في كتب النقد الأدبي المقارن ففيه يتناول رواية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال، ويقارن بينها وبين رواية مرتفعات وذرنغ (1847) لإميلي برونتي، مؤكدًا الشبه بين قصة لوكوود وحكاية مصطفى سعيد في موسم الهجرة. فالشبه في تركيب الحوادث في الروايتين واضح فهيثكليف يثور على الوضع الحياتي العائلي وتساعده الشابة كاترين فتنشأ بينهما روابط غرامية شديدة، وتخون هذه هيثكليف بزواجها من إدجار، فيصبح هيثكليف بسبب ذلك محبا للانتقام. ومثل هذا ما يجري بين مصطفى سعيد وجين موريس في رواية الطيب. فقد تميزت علاقتهما في نهاية المطاف بالانتقام والعنف الذي يشبه البركان. ووجه الاختلاف بين الروايتين يتجلى في أن مصطفى سعيد يعزو ذلك كله لفيروس الاستعمار الذي يؤجّج العنف.
وتعثر د. شاهين - رحمه الله - بوجه آخر للمقارنة بين موسم الهجرة ورواية جوزيف كونراد قلب الظلام 1902، فرحلة مصطفى سعيد في الشمال تشبه رحلة كوتز بطل قلب الظلام في الجنوب في الكونغو، وكل منهما تدعوه دوافع الغزو، مصطفى سعيد يريد غزو الأبيض الأوروبي المستعمر، ودوافع كوتز هي غزو الأسود الإفريقي بصفته مستعمَرًأ. والراويان؛ مارلو لدى كونراد، ومحيميد عند الطيب، متشابهان، فكل منهما يحب القصص؛ الأول يميل للتأمل ومراجعة الماضي، والثاني شغوف بأقاصيص جده.
وهذا يفسر ما يدعيه ديفز مترجم رواية الطيب صالح للإنجليزية من أن السوداني اطلع على رواية كونراد مثلما اطلع على بعض روايات فورستر، وفورد مادوكس، وربما تأثر بتلك الروايات، وهذا التأثر بادٍ على الرغم من أن الكاتب السوداني يختلف عن كونراد لتوزيعه الحوادث المحكية بين السارد والشخصية المحورية في النص. ويُلاحِظ الراحل شاهين تأثر الطيب صالح برواية الأحمر والأسود 1830 لستاندال Scarlet and Black فهي تدور حول موضوع متكرر وهو اقتران البونيبارتية بالأحلام الزائفة والأمال الكبيرة. فمصطفى سعيد يبدو في الرواية بصورة الماجن الذي يريد غزو أوربا عن طريق النساء اللواتي يرى في بيوتهن حصونا من بقايا الاستعمار لا مناص لها من الانتهاك، وهذا شبيه بما كان يساور جوليان في الأحمر والأسود.
ومن المؤثرات الأخرى التي تتجلى في رواية موسم الهجرة ما يجده شاهين من شُبهة التأثر ببعض الروائيين الغربيين الذين ألفوا روايات تقع حوادثها في الشرق العربي أو الآسيوي. كروايات رديارد كبلنغ، وفورستر، وبعض الروائيين العرب ممن ألفوا رواياتٍ تقع حوادثها في الغرب الأوروبي – باريس مثلا – ومنها رواية عصفور من الشرق1938 لتوفيق الحكيم. بيد أن الراحل لم يشر لروايات سهيل إدريس الحي اللاتيني1953، وأصابعنا التي تحترق1962، ولم يشر لقنديل أم هاشم1954 وسواها من الروايات. ولهذا كله يرى شيخ النقاد الدكتور إحسان عباس في تقديمه للكتاب أن الدراسة فيها من النقد الأدبي المقارن الكثير الممتع الموسِّع للآفاق، المعمق للبصيرة، بما فيه من كشوف جديدة ومن إشراقات باهرة.
إليوت وتأثيره:
أما الدراسة التي جمع فيها محمد شاهين بين السياب، وصلاح عبد الصبور، وإليوت Eliot منطلقا من الفكرة السائدة عن شيوع تأثير إليوت في الشعر العربي الحديث، فذلك شيء سبق لجبرا إبراهيم جبرا أن تناوله، مشيرا لنماذج منه في شعر السياب، كالمعبد الغريق، مما أشرنا إلى بعضه في واقع الدراسات النقدية العربية في مائة عام 2013 ولم نشر لأكثره طلبا للإيجاز والاختصار. أما شاهين فقد أوضح هذه الفكرة بمقدمة عن حضور إليوت في الأدب، وفي الثقافة العربية المعاصرة، من خلال الترجمة أولا، ومن خلال الدراسات التي كتبت عنه، ونشرت في الدوريات، والكتب. وأشار للصعوبات التي اعترضت مترجمي شعره، لا سيما قصيدته المشهورة بعنوان» الأرض اليباب» The Waste Land التي نقلها إلى العربية غير واحد. وأما القصائد التي حدد فيها الأثر فهي: قصيدة صلاح عبد الصبور الموسومة بعنوان « لحـنٌ « وقصيدة إليوت الموسومة بالعنوان « صورة سيدة « Portrait of a Lady وبعد الموازنة، والتحليل المقارِن، والكشف عما بينهما من تشابه يصل حد الاحتذاء، والاقتباس، يؤكد الناقد شاهين أن عبد الصبور قلد قصيدة إليوت، وتأثر بها على سبيل المحاكاة، لا غير. أما المعاناة التي تكمن في قصيدة إليوت، وتجلى أثرها في صوره، ورموزه، فكانت بعيدة جدًا عن صلاح عبد الصبور، لذا، إذا قيل: إن قصيدة إليوت مؤثرة جدًا، وتحيط القارئ بهالة من الألق، فإنّ قصيدة عبد الصبور باهتة، باردة العواطف. وهو ينفي أن يكون عبد الصبور، باقتباسه عبارة « لستُ الأمير هملت « الواردة في قصيدة إليوت، بعد إسقاط الاسم « هملت «:
جارتي لست أميرا
لا ولست المضحك الممراح في قصر الأمير
كي يريك العجب المعجب في وضح النهار
إنني خاوٍ، ومملوءٌ بقشٍّ وغبار
يمكنه أن يكون على قدم المساواة مع إليوت، فهذا القول، على الرغم من أنه منقول نقلا حرفيا، عاجز عن إيضاح ما بين هملت شكسبير وهملت إليوت من تماثل، أو تناقض، فهاملت إليوت يريد أن يكون بطلا مأساويًا، وقد ظهر في قصيدة عبد الصبور - للأسف - مهرجًا مضحكًا، وهذا يعني أن احتذاءه لإليوت لم يكن موفقا، ولم تتعد قصيدته هذه الأصداء الخارجية.
أما السياب فقد كان يعاني من حالة نفسية مر بمثلها إليوت عندما كتب قصيدته المشهورة « الأرض اليباب « The Waste Land وقد وجد فيها الشاعر العراقي ما اختبره هو من رغبة ملحة في التعبير عن شتات الواقع في أقسى لحظات الألم، حين تتطهّر النفس، وتتكثف الرؤية، وتولد على يدي الفنان. فاللحظات الإبداعية في « الأرض اليباب « استطاع السياب أن يقتنصها، ويطوّع بها الإيقاع لحاجاته، واستعداده الشعري، ولهذا كان نهجه مختلفًا عن نهج عبد الصبور، وتبعًا لذلك وجدنا في قصيدتي السياب، وإليوت، تحريرًا للغة من قيد المضمون، والعادة. فما بين انحباس المطر، وانتظاره، وانهماره، يتغير الواقع على إيقاع التحولات التي تطرأ على النص. وفي القصيدتين ثمة اعتماد واضح على ما يسميه الناقد ثورة الكلمة تارة، ومناطق الوعي تارة أخرى. وهذا كله يؤكد الفرق بين تأثير ناتج عن وحدة المعاناة، وآخر ناتج عن التقليد، والمحاكاة. ويبدو لنا الدكتور شاهين- رحمه الله- متناقضا في هذا السياق، فعند كلامه عن درويش يحمد له تأثره بإليوت، على الرغم من أنه قام بانقلاب على النص الذي تأثر به، لكنه عند الكلام على صلاح عبد الصبور لا يسمح له بمثل هذا الانقلاب. فالتساؤل الذي يثيره عن الفارق بين هملت إليوت وهملت عبد الصبور سؤال يفترض أن الشاعر عبدالصبور يريد أن يكرر ما قاله إليوت، لا أكثر ولا أقل، وهذا منطق في النقد ينمُّ على الكيل بمكيالين.
الأدب والأسطورة:
في عام 1996 صدر للراحل كتاب صغير الحجم عظيم الفائدة كثير النفع بعنوان الأدب والأسطورة. وبعد أن تناول في الفصل الأول منه علاقة الشعر والأدب بصفة عامة بالأسطورة ، مستوفيا في ذلك آراء إدموند ليتش Leach وستيفن هيث Heath مؤكدا شيوع اتجاهين على هذا الصعيد أولهما تقليدي كلاسيكي وهو الاتجاه الذي يرى في الأسطورة نبعا منه تدفقت الروافد الأدبية والجداول من شعر ومن دراما ومن ملاحم نثرية ورواية وآخر يرى فيها توجها رمزيا متطورا متجددا . وفي هذا السياق عرض لنا فيما يلي الفصل الأول نماذج إليوت : الأرض اليباب وما فيها من أساطير تفصح عنها مقاطع « كدفن الموتى» و « لعبة الشطرنج» و «موعظة النار». وبالمثل تناول اختيار عزرا باوند لأفرودايتي - وهي آلهة الحب عند الإغريق - منطلقا في تعامله الفني مع الأسطورة. وعدا عن ذلك توقف إزاء رواية يوليسيزUlyssis لجيمس جويس. وانتهى من هذا التطواف بقصيدة محمود درويش « فرس الغريب « وهي إحدى دُرَرِهِ في ديوان أحد عشر كوكبا. ففيها يكرر الشاعر عبارة للحقيقة وجهان والثلج أسود. وقد أوضح المرحوم شاهين كيف تعبر القصيدة بهذه المفارقة paradox عما جرى في تاريخنا الحديث، وتصوره أروع تصوير، دون أن تذكر بالاسم القوى الفاعلة التي اشتركت فيه، إخراجا، وتنفيذا:
وللقمر البابلي
على شجر الليل مملكة لم تعد
لنا منذ عاد التتارُ على خيلنا
والتتار الجدد
يجرّون أسماءنا خلفهم في شعاب الجبال وينسوننا
وينسون فينا نخيلا
ونهْرَيْن، ينسون فينا العراق
الرواية والتراث:
وفي كتابه آفاق الرواية 2001 فصل تمهيدي من ص 14 –30 للحديث عن رواية نجيب محفوظ الموسومة بعنوان « ليالي ألف ليلة « 1988. التي عرض لعلاقتها الوثيقة بالليالي من ص 30- 38. وهي، في رأيه، تمثلُ مخاضًا سرديًا غلَبَ على الكاتب محفوظ لسنواتٍ تمتدُّ بين عامي 1967 و 1979 وفيها حدثان مُهمّان، هما: النكسة، ومعاهدة السادات (كامب ديفيد) فصحوةُ شهريار تأتي بعد نكسة تتلوها نكسة. ولهذا فإنَّ الرواية تروي للقارئ حكايةً معقَّدةً للواقع السياسي الممتدّ بين الحدَثيْن. وقد اقتبس المؤلف مشاهد، وحواراتٍ، للسندباد وشهريار والوزير، مؤكدًا بتلك الاقتباسات أنَّ هذه التجْربةَ في كتابة الرواية العربية تمثلُ شكلا جديدًا ألهمتْهُ إياهُ ليالي « ألف ليلة «. فخروجُ شهريار يرمزُ بوضوح لخروج الزعيم من اللعْبة السياسيّة، مخلفًا وراءَهُ أجيالا تدفع الثمنَ باهظا جراءَ تلك المغامرة، أو المقامَرَة، بكلمةٍ أدقّ.
وفي فصْلٍ آخرَ من هذا الكتابِ القيّم، يقفُنا المؤلف إزاءَ رواية إميل حبيبي1921- 1996 (المتشائل) مُسْتهلا الحديثَ عنها بكلمة لمحمود درويش يؤكد فيها أنّ الذات « في بحثها عن ذاتها لا تجدُها إلا إذا امتلأتْ بخارجها « - أي بغيرها - إذا صحّ التعبير. وهذا ما يتجلى بوضوح في تلك الرواية. ففي بحث الكاتب عن تأكيد الذات الفلسطينية المهدَّدة بالمحْو « يستثمر» التراثَ الفلسطينيَّ بدءًا بالأسْطورة، والمحكيات القديمة، مرورًا بالحكاية الشعبية التي يذكــّـرنا توظيفُه لها بحكايات جِفْري تشوسّرChaucer الموسومة بحكايات كانترْبَري The Canterbury Tales. لذلك نجدُهُ – أيْ إميل حبيبي- يستحضرُ ما يُعْرف باسْم صندوق العَجَب، متخذًا منه شيئًا شبيهًا بالتقنية التي يستعين بها ساردًا الكثير من الحكايات عن بدْر، وبدور، وسواهما. فصندوق العَجَب، فضلا عن أنه رمزٌ شعبيٌ، ثمة تداخلٌ فيه مع المسرح، كما في « لكَع بنُ لكَع «. ومن هذا المزيج كله اهتدى إميل حبيبي لما يسميه شاهين ذاتًا جمعيّة تسمو على أيّ ذاتٍ أخرى، وعلى أيّ ظرف، وكلِّ سياسة، فعملية التوحُّد بين الذات وما هو خارج عنها، أو غيرها، أشبه بتوحُّد الأعضاء المختلفة المتباينة في جسْم الإنسان.
وفي هذا السياق يتَّضح أنَّ ثمة ما هو متقابل، أو متواز، بين ديمتري في رواية دكنز(1812- 1870) الآمال الكبيرة، وسعيد في المتشائل، فكلا الكاتبين اسْتطاع أنْ يبْدع، بسرده للحوادث، واقعًا جديدًا بكلمات تختزل المسافة بين الذاتِ وما هو خارجها، بين الخطاب والواقع، بين البداياتِ والنهايات. ونجح كلٌ منهما في أنْ يجعل اللغة تعبّرُ، لا بلسانِهِ هو، بل بألسنتنا جميعًا، لأنه جعلنا نعيشُ في هاتيكَ الوقائع.
والحديثُ عن روايةِ غسان كنفاني(1936- 1972) « ما تبقَّى لكُم « حديثٌ غير بعيد عن تناول المؤلف لرواية « المتشائل « المذكورَة لإميل حبيبي، أو «يوميّات سراب عفان» لجبرا؛ فالرواياتُ الثلاث تمتُّ بصلة متينةٍ، وكبيرةٍ، بروايات غربية. فالأولى لا ينكـرُ مؤلفها تأثره بوليم فولكنر Faulkner الأمريكي(1887- 1962) صاحب رواية الصخب والعنف Sound and the Fury The 1929 التي نقلها للعربية جبرا إبراهيم جبرا. وهذا- بدوره- لا يُنْكر تأثره برواية « الأحمر والأسود « Le Rouge At le Noir une للفرنسي ستاندال 1830 ولا يُنكر أيضا تأثرهُ برواية « صورة الفنان شابًا « للإرلندي جيمس جويس(1882- 1941).
وبالعودة إلى غسّان كنفاني، وروايتهِ « ما تبقّى لكم « يرى المؤلف أنّ كنفاني-ربما- كان قد اطلع على مسرحيّة « مكبث «لشكسبيرShakespeare ولا سيما الجزءَ الذي اقتبس منه فولكنر عنوان روايته. وهو قول مكبثMacbeth في خاتمة المسرحيّة: « إنّ الحياة مليئة بالصَخَب والغضب. ولا مغزى لها « وهذا فعلا ما عناهُ فولكنر بالعنوان، وما عناهُ كنفاني، إلا أنّ هذا الأخير يوحي بتفاؤلٍ لا نجدُه في رواية فولكنر. فأقلّ ما يعنيه عنوان كنفاني أنَّ ثمة شيئًا ما تبقى في الجُعْبة، مع أنّ هذا الشيء غير معروف، وغير محدَّد، وغامضٌ في رؤيته، ومنظوره . وينْفي المؤلفُ أن يكون هذا القدْر الضئيل من التفاؤل في عنوان رواية كنفاني مستمدٌّ، أو مُسْتوحىً، من قصيدة عزرا باوند(1885- 1972) وقوله:
ما تحبّونَهُ حقًا
هو ما تبقّى لكم
ويستشهد بحوارٍ مع كنفاني، أُجْري، ونُشر، قبل اسْتشهاده (8 تموز1972) يعترف فيه بهذا التأثر الذي جمع بين روايته ورواية فولكنر المذكورة في قَرَن. ونحنُ نظنّ القاسم المشترك بين الروايتين يتجاوزُ العنْوان، ودلالاتِه المباشِرة، وغير المباشِرة. فعلى الرغم من تقديرنا لما يقوله المؤلف، يتّضح للقارئ أنَّ الشيء المشترك بينهما هو (التكنيك) السردي الذي اسْتخدمه فولكنر أولا (1929) ثم استخدمه كنفاني في روايته التي صدرت بعد « الصخَب والعنف « بزمن غير قصير(1966) وهذا تاريخ مُبكــّـر إذا أخذ بالحسبان السياق المعرفي لشيوع هذا (التكنيك) في الرواية العربية. والمؤسِفُ أنَّ المؤلفَ بالغَ في الحديثِ عن الصلة بين عنوانيْ الروايتيْن، وبينهما وبين روايات أخْرى للورنسLawrence (1885- 1920) وغيره، على حساب البناء الذي لم يُعْطهِ حقَّه من الدرْس، والبَحْث.
فكلاهما يستخدم ما يُسمى بالمونولوج monologue استخدامًا متواصِلا في كثيرٍ من الأحيان، مسلطًا الضوء على العالم الذهني الداخلي للشخوص. فبدلا من أنْ يعْهد كنفاني للراوي بوَصْفِ ما يمورُ في دخيلاء زكريا، أو مريم، أو حامد، يتركُ للكثير من التداعيات أنْ تنثال على الشخصية من وَعْيها الباطني، أو مما هو محفوظ، ومختزَنٌ، في اللاشعور. ولأنَّ تجربة غسّان كانت الريادَةَ الأولى على هذا المستوى، فقد فرّق بين هذه التداعيات، أو المونولوجات، وما عداها، تفريقًا يعْتَمد على الطباعة. فما يقوله الساردُ أقلّ سوادًا مما طُبعَتْ به هاتيكَ التداعيات.
ومع هذا، فإنّ ما يذكرهُ المؤلفُ من مَلاحظَ عن وجوه الشبه، أو الاختلاف، بين شخصيَّة حامد، أو مريم، أو زكريا، وبعض شخوص كونراد في Heart of Darkness « قلب الظلام « 1899، أو 1902، من الإضاءاتِ التي لا بدَّ منها للكشْفِ عن المدى الذي بلغته الرواية العربية من تطوُّر فني يضعُها على قدم المساواة مع الرواية العالمية في أوروبا، وغير أوروبا.
علاوةً على أنَّ ما أثارهُ من مَلاحِظَ عن توظيف الروائيَين، وكتاب القصة، لحكاية السندباد، ورحلاته السبع، أو الثماني، وليالي ألف ليلة، وصندوق العجب، والأساطير، والحكايات الشعبية، في المتشائل، وما سلَّطه جبرا من الضوء على علاقته العُضوية بالمكان، وكونه فلسطينيًا يبحَثُ في الرواية عما يؤكد هويته المهدَّدة، يشير بهذا كله لما في الرواية العربية من تداخل مع الأجناس الأدبية الأخْرى، ومن تواصلٍ ملموس بالتراثِ الثقافي، وبذلك يجيبُ المؤلف عما أثارهُ منْ تَساؤلاتٍ في مقدّمتهِ، وما نبَّه عليهِ من إشكالاتٍ، في فُصول كتابهِ، وهذا حسْبُه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وفيات 7-7 -2025 في الأردن
وفيات 7-7 -2025 في الأردن

صراحة نيوز

timeمنذ 26 دقائق

  • صراحة نيوز

وفيات 7-7 -2025 في الأردن

صراحة نيوز -انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الاثنين 7-7-2025: مريم يعقوب زهدي طوقان سيف محمود الشريف سعاد سعد الدين علي أحمد حنان موسى علي الكسجي يسرى عبداللطيف الأغوات منذر هاني مسعود الهنداوي حربية عبدالرزاق المهاوش العبداللات

د. بكر خازر المجالي : بيت الملك طلال .. "الوطن والكبرياء"
د. بكر خازر المجالي : بيت الملك طلال .. "الوطن والكبرياء"

أخبارنا

timeمنذ 8 ساعات

  • أخبارنا

د. بكر خازر المجالي : بيت الملك طلال .. "الوطن والكبرياء"

أخبارنا : * الكلام بضاعة لا ارتضيها عمان المدينة الاسرع نموا، وحتى مطلع الخمسينات لم تكن عمان بابعد من الدوار الثاني في جبل عمان. ولكن كانت كل الشوارع والابنية تحمل من القصص والذكريات التي نقف عندها ونستذكر الرعيل الاول. وفي جبل عمان في الدوار الاول وفي نهاية شارع الرينبو نقف عند بناء تاريخي بسيط وبجمال تصميم متفرد، عبق الماضي، والتراث الاصيل تصميم كان مقدسيا، عرفناه باسم بيت الملك طلال مكان ذو هيبة خاصة نسير ونتجول في مكان عيش العديد من قادة الهواشم ذكريات ممتعة ومثيرة سمعناها ولكن ان يدون صاحب الذكرى قصته مع الشارع والحديقة في زمن صعب، فهنا الاثارة الاكبر نتصفح كتاب "مهنتي كملك" لنقرأ تاريخ اسرة هاشمية عاشت كأي اسرة اردنية ذات دخل دون الوسط، المغفور له الملك طلال استأجر هذا البناء منزلا له وتكاملت اسرته فيه فكان مكان ولادة الحسين طيب الله ثراه والامير محمد رحمه الله والامير الحسن اطال الله في عمره والاميرة بسمة في كل زاوية عبق الذكرى وكأنك تسترجع من الصدى صوت الملك طلال وتتخيله يجلس في غرفته او مكتبه او هو خلوته يصرف شؤون الدولة أو يدون مراجعاته للدستور. وتزينت جدران البناء من الداخل بصور الملك الحسين طيب الله ثراه، تقرأ في الصورة إنسانية ملك / وحنو الاب، ورقة الاحساس، وعظمة الملك الانسان وتدرك هنا المعنى العظيم من وراء مقولة الحسين "الانسان اغلى ما نملك" ولكن هذه البساطة العريقة في شخص الملك المدستر "طلال بن عبدالله" يتذكر جيران الملك طلال، الفارس على صهوة الجواد الابيض يمتطيه كل جمعة ذاهبا الى المسجد الحسيني لاداء صلاة الجمعة ويتذكر جيران الملك طلال، الحسين في سنواته الست والسبع والثمان وهو يشارك ابناء الحي في الالعاب الشعبية المختلفة، ويقود دراجته الملك طلال يرحمه الله ساكن البيت، والمسكون بهموم الوطن وهو العروبي الذي قاتل كضابط مدفعية في حرب فلسطين عام 1948 البيت بتصميمه وفيض ذكرياته هو متحف طبيعي، فيه الوجدان والعشق لتاريخ الوطن وقصة من بنى الوطن ليكون عظيما، والدرس الاعظم ان الوطن ليس بقيمة المال بل بالاعتزاز والصبر والتصميم، وطن وكبرياء من الحسين بن علي الى عبدالله بن الحسين الى طلال بن عبدالله الى الحسين بن طلال الى عبدالله الثاني الى الحسين بن عبدالله الثاني قادة امة، وشعب تعاهد مع نفسه على الاخلاص والتضحية والفداء بيت الملك طلال في اطلالته البهية على عمان تجول بنظرك في المدينة القديمة الاصيلة تكتحل عيناك بسمو الراية الاردنية تخفق في المعالي او في عراقة القلعة او في عزة القصر "قصر رغدان الهواشم" او في بيوت تراصت بمثل لحمتها ووطنية اهلها بيت الملك طلال قصة هي امتداد للمآثر الهاشمية.. وجودهم، وسخائهم، لا ينتظرون اجرا الا من عند الله سبحانه وتعالى جلالة الملك طلال وجه الحكومة لالغاء القاب افندي وبك وباشا، بل كان اكثر صرامة مع الذين يكثرون المديح والكلام ويقول: "الكلام بضاعة لا ارتضيها" ولنستذكر جزءا من خطاب العرش السامي لجلالته في الاول من كانون الاول عام 1951: "ويسرني ان تكون فاتحة عهدنا تعديل الدستور الاردني وفق الأوضاع الدستورية السائدة في العالم المتمدن وهو وعد سلف لكم من والدي العظيم واستهدت حكومتي إلى الإسراع بتشريعه وتقديمه لمجلسكم العالي تلبية لرغبة شعبنا العزيز وحرصا منا على ان نوفر له أسباب الحياة الكريمة والرفعة والازدهار ، واني لعلى يقين بأن خلوص النية وكمال الروية مع استمرار التفاهم الذي نرجو ان يسود العلاقات القائمة بين سلطتكم التشريعية وسلطة حكومتي التنفيذية بعد إقرار ذلك التعديل سيؤتي أطيب الثمرات لخير الجميع". وليواصل البيت رسالته، ليحمل الاسم الحالي "دار ابو عبدالله" اسم باكثر من معنى أغلى الاسماء تهتز المشاعر له ويبقى البيت ثرا غاديا للخير الهاشمي الموصول ترعاه سمو الاميرة هيا بنت الحسين ليكون تكية من نوع اخر تكية انتماء ومواطنة وخير وعلى العهد نبقى والى المستقبل الواعد نمضي..

صراحة نيوز تهنئ الصحفي محمد نبيل والصحفية هبة الحاج بعقد قرانهما
صراحة نيوز تهنئ الصحفي محمد نبيل والصحفية هبة الحاج بعقد قرانهما

صراحة نيوز

timeمنذ 9 ساعات

  • صراحة نيوز

صراحة نيوز تهنئ الصحفي محمد نبيل والصحفية هبة الحاج بعقد قرانهما

صراحة نيوز- تتقدم أسرة موقع صراحة نيوز بأحر التهاني وأجمل التبريكات إلى الزميل الصحفي محمد نبيل بمناسبة عقد قرانه على الزميلة الصحفية هبة الحاج . سائلين الله أن يبارك لهما، ويجمع بينهما على خير، ويرزقهما حياة زوجية مليئة بالسعادة والمودة والرحمة. ألف مبارك، وبالرفاه والبنين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store