
افتتاحية: الدرس الذي لم تتعلمه وزارة المالية!
راعت المؤسسة النقدية الأولى في البلاد آنذاك أن العائد المالي، رغم كبر حجمه، لا يبرر المجازفة بمكانة الكويت المالية، ولا المخاطرة بخلق سوق سوداء، فاختار «المركزي» أن يقول: لا، لأن «الضرر غير المنظور» كان أكبر من المكسب الظاهر.
لكن، وعلى النقيض تماماً، تأتي وزارة المالية اليوم، لتفرض زيادات مفاجئة على رسوم الانتفاع بأملاك الدولة الخاصة العقارية، لتجني ـ كما تقول ـ من 80 إلى 100 مليون دينار سنوياً- وهو مبلغ ضئيل لميزانيةٍ مصروفاتها تتجاوز 24.5 مليار دينار، دون طرح أو نقاش، ودون دراسة للبدائل والانعكاسات، ودون مقارنة مع الاقتصادات المماثلة والمنافسة، ودون أي إشارة إلى عمق مساس القرار بميزانية المواطن... فأي منطق هذا الذي يبرر فرض أعباء إضافية على الجمعيات والمدارس والجامعات مقابل عائد محدود وضرر مؤكد؟!
شتان بين من يقيس العواقب ويحسب الأثر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومَن يرى في أملاك الدولة مجرد مصدر تمويل لرفد الميزانية، ولو على حساب جودة الخدمات، واستقرار الأسعار، ومستقبل الاستثمار، وتنوع الاقتصاد، ورخاء المواطن في منطقة تتبارى دولها في تعزيز خدماتها لمواطنيها، ضمن إطار تنموي مستدام.
إن الاعتراض على قرار وزارة المالية ليس رفضاً لتحسين الإيرادات غير النفطية، بقدر ما هو تساؤلات عن سبب إقرار لائحة تفرغ في هذا التوقيت أملاك الدولة من معناها التنموي، وتحصرها في خانة الجباية، وتعكس جهلاً بمعرفة فلسفتها، من دون اعتبار لما يمكن أن تلعبه هذه الأملاك من دور استراتيجي في خلق فرص العمل، وتحفيز الاقتصاد، وتنويع النشاطات، ورفد الناتج المحلي بمساهمات حقيقية من القطاع الخاص المنتج.
فالرسوم التي طبقت على الجمعيات والمخازن والمدارس والمستشفيات ومواقف السيارات، ستنتهي في نهاية المطاف إلى المستهلك، المواطن، الذي سيدفع فرق التكلفة من ميزانيته الخاصة.
والأسوأ أن الدولة نفسها قد تضطر لاحقاً إلى التدخل لمعالجة الأثر التضخمي «الكبير» الناتج عن هذه الزيادات، فتصرف أضعاف ما جمعته، وكأنها تنفق باليد اليسرى ما جمعته باليمنى. إن قرار وزارة المالية هذا لم يأخذ بعين الاعتبار إلا «العائد المالي»، بينما كف النظر عن انعكاساته التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
أما العقود بالباطن، التي طالما مثلت ثغرة في إدارة أملاك الدولة، فقد شرعنتها الوزارة في قرارها بدلاً من منعها، إذ وضعت رسوماً خاصة على «الباطن»، بدل أن تنهي الظاهرة وتمنح المستثمر الحقيقي عقداً مباشراً، ما يؤكد أن الجباية غلبت على الإصلاح.
لقد كان أولى بوزارة المالية أن تبدأ بأملاك الدولة من حيث يجب، عبر تحويلها إلى أداة تنمية، وسوق مفتوح للمبادرات، وميدان للمنافسة العادلة، وأن تفرق بين من يتاجر بها ومن يوظفها لخدمة المجتمع، وتضع من السياسات ما يشجع الصناعة، والحرفة، والمبادرة، بدلاً من أن تعاقب الجميع بسياسة «السيئة تعم».
ما فعلته وزارة المالية أشبه ما يكون بمن يبيع شجرة مثمرة ليسد عجزاً مؤقتاً، غير مدرك أنه خسر الأصل مقابل عائد لا يسمن ولا يغني، وضرره أكثر من نفعه بكثير، فلا هي سدت عجزاً ولا عالجت المشكلة.
وإذا كانت مؤسسة كبرى مثل «بنك الكويت المركزي» قد اختارت أن تتعالى على المكاسب المالية السريعة لصالح النظرة الاقتصادية العميقة، فلماذا لا تحذو وزارة المالية حذوها؟ ولماذا هذا التسرع في فرض رسوم لا تبنى على دراسات، بل تعلن في بيان من عشرة أسطر، وكأنما أملاك الدولة شأن عابر، لا أداة سيادية من أدوات إدارة الاقتصاد الوطني؟!
إن الفارق بين «المركزي» و«المالية» ليس في المبلغ المتوقع تحصيله، بل في عمق التفكير، واحترام العقل الاقتصادي، وهذا هو الدرس الذي يجب أن تتعلمه الوزارة، لا أن تعود بنا إلى دائرة القرارات الارتجالية التي لا ترى أبعد من دخل المواطن سبيلاً، والتي تعتبر بالنسبة لنا هي واقتراحات النواب الشعبوية وجهين لعملة واحدة.
وإن كنا لا نعول كثيراً على وزارة المالية، التي بدا في قرارها هذا الكثير من التسرع، وكأن مستأجري تلك الأملاك خصوم لها لا شركاء في التنمية، فإننا نوجه الدعوة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي نعرف جيداً اتزانه وعقليته المنفتحة اقتصادياً، إلى أن يتدخل بما يليق بثقة الناس في حكومته.
ندعوه إلى دعوة مسؤولي «المالية» لاجتماع يطلع فيه على الأسس التي استند إليها القرار والبدائل التي طرحت بالموازاة له، والدراسات الموضحة لانعكاسه الاقتصادي على الوطن والمواطن، وأن يسائل الوزارة عما إذا كانت قد استمعت إلى وجهات نظر الجهات المعنية فعلاً، من جمعيات تعاونية ومدارس وجامعات ومرافق صحية، وهل تم التعاقد مع أحد البيوت الاستشارية المالية العالمية المختصة بهذا الشأن قبل أن تصدر لائحة تحمل هذا القدر من التأثير المباشر على المجتمع.
فإما أن يقتنع سموه، ويقنع الناس بمبررات القرار وجدواه، وإما أن يعلق هذه اللائحة، ويوجه الوزارة نحو إعادة صياغتها من جديد، بفلسفة اقتصادية حقيقية لا ترتكز على الجباية، بل على التنمية، ولا تثقل كاهل المجتمع، بل تفتح أمامه أبواب الفرص، ولا تكون سبباً في رفع التضخم، بل في الحد منه.
وأخيراً، من المعروف للجميع أن من أول معوقات التنمية في الكويت احتكار الدولة لملكية الأراضي، والخوف كل الخوف، أن توظف الدولة هذا الاحتكار لجباية المال ورفع التضخم والأسعار، بدلاً من تسريع خطة التنمية وتشجيع الاستثمار.
بقي أن نقول إن زيادة إيرادات الدولة لا تعني أبداً توسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة الناتج القومي الحقيقي، وعلى ذلك نطرح السؤال:
ما الذي ستقدمه وزارة المالية من خدمات نظير رفعها لأسعار تلك الخدمات بنحو خمسة أضعاف؟!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة
منذ 2 ساعات
- الجريدة
تعاون أمني كويتي إماراتي يحبط تهريب كمية كبيرة من الشبو والهيروين
بإشراف وحضور النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، فض أحراز كمية كبيرة من مادتي الشبو والهيروين، تم ضبطها أثناء محاولة تهريبها إلى البلاد عن طريق البحر، وذلك في إطار عملية أمنية مشتركة بين وزارة الداخلية في دولة الكويت ونظيرتها وزارة الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة، شملت نحو (100) كيلوغرام من مادة الشبو، و(10) كيلوغرامات من مادة الهيروين وبقيمة تقديرية تصل إلى (1,150,000) دينار كويتي. وتعود تفاصيل الضبطية إلى معلومات أمنية دقيقة تم التوصل إليها من خلال التعاون المشترك، تفيد بقدوم حاوية بحرية تحتوي على مواد مخدرة، ضمن نشاط لشبكة دولية منظمة، حيث تم إعداد خطة أمنية محكمة لتعقب الحاوية وضبط المتهمين. وبالتنسيق مع الإدارة العامة للجمارك، تم السماح بخروج الحاوية من ميناء الشويخ ومتابعتها ميدانيا إلى أن تم ضبط مستقبلها متلبساً في منطقة أمغرة، وهو شخص من الجنسية الأفغانية، كما شاركت قوة الإطفاء العام في فتح الحاوية والتعامل الفني معها، بما يضمن الحفاظ على سلامة الإجراءات الأمنية وحماية القائمين على العملية. وقد أعرب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية عن بالغ شكره وتقديره للفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على التعاون المثمر والمعلومات الاستخباراتية التي أسهمت في إنجاح هذه العملية، مؤكدا على عمق العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وأهمية استمرار التنسيق الأمني وتبادل المعلومات في مكافحة الجريمة المنظمة. وأكد اليوسف أن وزارة الداخلية ماضية في جهودها الحثيثة للتصدي لآفة المخدرات، وتعزيز التعاون مع الجهات المحلية والدول الشقيقة والصديقة، بما يسهم في حماية الوطن وضمان أمن وسلامة المجتمع.


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
تعاون أمني كويتي - إماراتي يحبط تهريب كمية كبيرة من مادتي الشبو والهيروين
- اليوسف: الشكر والتقدير لوزارة الداخلية في الإمارات وعلى رأسها الفريق سيف بن زايد على التعاون المثمر - أهمية استمرار التنسيق الأمني وتبادل المعلومات مع الأشقاء في مكافحة الجريمة المنظمة في عملية أمنية مشتركة بين وزارة الداخلية ونظيرتها في الامارات، أحبط رجال الأمن محاولة تهريب كمية كبيرة من مادتي الشبو والهيروين إلى البلاد عن طريق البحر. وبإشراف وحضور النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، تم فض أحراز الكمية التي شملت نحو 100 كيلوغرام من مادة الشبو، و10 كيلوغرامات من مادة الهيروين وبقيمة تقديرية تصل إلى (1,150,000) دينار كويتي. وتعود تفاصيل الضبطية إلى معلومات أمنية دقيقة تم التوصل إليها من خلال التعاون المشترك، تفيد بقدوم حاوية بحرية تحتوي على مواد مخدرة، ضمن نشاط لشبكة دولية منظمة، حيث تم إعداد خطة أمنية محكمة لتعقب الحاوية وضبط المتهمين. وبالتنسيق مع الإدارة العامة للجمارك، تم السماح بخروج الحاوية من ميناء الشويخ ومتابعتها ميدانياً إلى أن تم ضبط مستقبلها متلبساً في منطقة أمغرة، وهو شخص من الجنسية الأفغانية، كما شاركت قوة الإطفاء العام في فتح الحاوية والتعامل الفني معها، بما يضمن الحفاظ على سلامة الإجراءات الأمنية وحماية القائمين على العملية. وأعرب الشيخ فهد اليوسف عن بالغ شكره وتقديره للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على التعاون المثمر والمعلومات الاستخباراتية التي أسهمت في إنجاح هذه العملية، مؤكداً على عمق العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وأهمية استمرار التنسيق الأمني وتبادل المعلومات في مكافحة الجريمة المنظمة. وأكد اليوسف أن وزارة الداخلية ماضية في جهودها الحثيثة للتصدي لآفة المخدرات، وتعزيز التعاون مع الجهات المحلية والدول الشقيقة والصديقة، بما يسهم في حماية الوطن وضمان أمن وسلامة المجتمع.


الرأي
منذ 16 ساعات
- الرأي
4.5 في المئة نمواً بحسابات المواطنين النشطة في البورصة... فما علاقة ذلك بالمتقاعدين؟
- 427.2 ألف حساب فردي في البورصة - 406.11 ألف حساب لكويتيين... 19.894 ألف منها نشط كشفت مصادر مطلعة لـ«الراي»، أن النمو في حسابات الأفراد الكويتيين النشطة في بورصة الكويت تزامن مع ارتفاع أعداد المتقاعدين مبكراً في الفترة الأخيرة، لافتة إلى أن عدداً كبيراً منهم اتجه إلى توظيف أمواله في سوق الأسهم المحلي، بحثاً عن طرق تضمن لهم استقراراً مالياً، وتوفر استدامة لدخلهم خلال سنوات تقاعدهم. وأوضحت أنه رغم المخاطر التي تنطوي على الاستثمار في الأسهم إلا أن المتقاعدين مبكراً يلجؤون إليه لاعتبارات كثيرة، من أبرزها، الحفاظ على قيمة أموالهم مقابل الضغوط التضخمية، إلى جانب صعوبة توظيف أموالهم في القطاع العقاري على اعتبار أنه يحتاج إلى رأسمال كبير نسبياً. التداولات الفردية ويلعب المتداولون الأفراد في بورصة الكويت دوراً رئيسياً في تنشيط حركة الأسهم المدرجة باعتبارهم أحد أبرز المحركات، خصوصاً إذا علم أنهم استحوذوا على نحو 33.9 في المئة من إجمالي السيولة المتداولة بين شراء وبيع في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وتبلغ أعداد الحسابات الفردية في البورصة 427.24 ألف، منها 406.1 ألف حساب لكويتيين، 19.894 ألف نشط. واشترى الأفراد أول 6 أشهر من العام الجاري 20.9 مليار سهم بنحو 4.315 مليار دينار، وباعوا 21.743 مليار سهم بـ 4.564 مليار، واستحوذ الكويتيون على 89.8 في المئة من هذه التداولات، بشراء 18.78 مليار سهم بنحو 3.875 مليار دينار، وبيع 19.559 مليار سهم بـ4.1 مليار. وسجلت الحسابات النشطة للأفراد ارتفاعاً واضحاً خلال آخر 3 أشهر بنسبة 5.24 في المئة وبنحو 1.06 ألف حساب، إذ جاءت غالبية هذه الزيادة من الحسابات النشطة للكويتيين التي زادت 4.5 في المئة وبنحو 854 حساباً، لترتفع إلى 19.894 ألف حساب نهاية مايو بعد أن كانت 19.04 ألف في مارس. الأسهم الصغيرة وحسب الإفصاحات، شهدت الأسهم المتوسطة والصغيرة دخول مستثمرين أفراد الفترة الماضية ما يبين اهتمامهم بهذه النوعية من الأسهم، إضافة لبعض الأسهم القيادية، إذ تختلف تحركات المستثمر الفرد عن الصناديق والمحافظ والمؤسسات، وذلك وفقاً لخططه وإستراتيجيته الخاصة في الاستثمار، سواء رغبته في تحقيق ربح سريع أو عائد منتظم من الاستثمار المتوسط وطويل الأجل. وبيّنت المصادر أن تداولات المتقاعدين مبكراً ذوي رؤس الأموال الصغيرة ممَن تترواح أموالهم المستثمرة بين 1000 و10 آلاف، تهدف إلى المضاربة لتحقيق الربح السريع، إلا أن جزءاً ليس بقليل منهم يفضل العائد المستقر من التوزيعات السنوية أفضل من الدخول في مخاطر تتبخر معها مدخراته، إذ يصب تركيزه على الأسهم القيادية والتشغيلية. ولفتت إلى أن مفضلي المضاربة ينتظرون الفرص التي تظهر من التحركات الحادة للأسهم، ملمحين إلى أن الفترة الأخيرة التي شهدت تقلبات حادة في البورصة بسبب العوامل الجيوسياسية والتوترات العسكرية في المنطقة، شكلت فرصاً كبيرة للمضاربين الأفراد وهو ما ظهر واضحاً في ارتفاع السيولة لدى الأسهم المضاربية الصغيرة والمتوسطة خلال فترة الأزمة. وأفادت بأن مفضلي الاستقرار من المستثمرين الأفراد تحوطوا خلال فترة أزمة الحرب الإيرانية – الإسرائيلية بالأسهم القيادية والتشغيلية والتي أصبحت أسعارها مغرية مع التقلبات.