
الجيوبولتكس: من نظريات "قلب الأرض" إلى مبادرات "الحزام والطريق" وصراعات الهيمنة
ومع أن هذا الاستعمال المكثف يشير إلى أهمية الجيوبولتكس، فإن بعض استخداماته قد ترتبط أو لا ترتبط بمعناه الحقيقي، مما يستدعي فهما أعمق لهذا المفهوم.
لقد نشأ هذا المصطلح وتطور حقله المعرفي منذ أواخر القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20 في الغرب، ثم عاد حضوره بقوة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم. ومع ذلك، لم تظهر أدبيات عربية كافية تناقش أصوله ومفاهيمه، وتعرف القارئ بتطبيقاته، وتحدد المعنى المقصود بـ"الجيوسياسي" بصورة دقيقة.
وفي هذا السياق، جاء كتاب "الجيوبولتكس: النظريات والإستراتيجيات والتطبيقات"، لمؤلفه الدكتور عماد قدورة، والصادر حديثا في مايو/أيار 2025 عن دار نشر جامعة قطر، ليقدم معالجة شاملة للموضوع من جوانبه النظرية والفكرية كافة، وليحلل انعكاساته على السياسات التي نشهد آثارها اليوم.
View this post on Instagram
A post shared by QU Press (@qu_press)
الجيوبولتكس: نظريات وتطبيقات
يوضح المؤلف في البداية مفهوم الجيوبولتكس في ضوء كثرة التعريفات واتجاهات فهمه من زوايا مختلفة، فاعتمد مفهوما عمليا يوضح الغاية منه مباشرة. فالجيوبولتكس يبحث في كيفية تعزيز قوة الدولة وتأثيرها من خلال تصورات طموحة لدورها في الخارج، استنادا إلى فهم الواقع السياسي والعوامل الجغرافية والموارد الطبيعية، وتوظيفها في سياسات نشطة إقليميا ودوليا.
وقد درس الدكتور قدورة النظريات المؤسسة للجيوبولتكس، وتناولها بطريقة منهجية متدرجة في 7 فصول. بدأ كل منها بتوضيح النشأة الاجتماعية والسياق السياسي للمفكرين المساهمين فيها ومسيرتهم العلمية والمهنية، ثم عرض نظرياتهم ومفاهيمهم. ومن أبرز هؤلاء المفكرين: فردريك راتزل، ورودولف كيلين، وألفريد ماهان، وهالفورد ماكيندر، وأشعيا باومان، وكارل هاوسفر، ونيكولاس سبايكمان.
ومن بين هذه النظريات: النظرية العضوية لنمو الدولة، ونظرية "المجال الحيوي" للتوسع، وفكرة "الفضاء الجيوسياسي الكبير" و"المتصور" للدولة الكبرى، ومفهوم "المناطق الشاملة" لتصور الهيمنة العالمية، ونظرية القوة البحرية وأسسها وشروطها للتفوق الخارجي، إضافة إلى نظريتي "قلب الأرض" و"حافة المحيط" والمعادلات الجيوسياسية المرتبطة بهما، التي تستهدف السيطرة على العالم أو احتواء المنافسين.
كما ناقش المؤلف أيضا الأفكار الجيوسياسية الحديثة التي تم تطويرها لتلبية حاجات الدول، وذلك ضمن 6 فصول أخرى شملت: الجيوبولتكس الأميركي، والجيوبولتكس الروسي، والجيوبولتكس الصيني، والجيوبولتكس الألماني، والجيوبولتكس الفرنسي، والجيوبولتكس البريطاني.
وفي هذه الفصول، تناول الإستراتيجيات الحالية السائدة والمشهد الجيوسياسي الراهن في العالم، محللا مفاهيم مؤثرة في سياسات اليوم، من أبرزها: "الأوراسية الجديدة"، و"الحزام والطريق"، و"الاستقلال الذاتي الإستراتيجي الأوروبي"، و"الاحتواء الجديد"، وغيرها.
كما ناقش أفكار مفكرين وسياسيين مؤثرين مثل: هنري كيسنجر، وزبيغنيو بريجنسكي، وكولين جراي، وجيوفري سلون، وشاؤول كوهين، وبيرت تشابمان، وإيف لاكوست، وألكسندر دوغين، وغيرهم.
وخصص المؤلف جزءا من الكتاب لما يعرف بـ"الجيوبولتكس النقدي"، الذي ظهر في عصر انتشار الشبكات والروابط، وأولى أهمية لعناصر بديلة ومتعددة: اقتصادية، وثقافية، واجتماعية. ويهدف هذا الاتجاه إلى نقد ممارسات الجيوبولتكس الكلاسيكي.
وقد درس المؤلف معظم الأشكال الجديدة المنبثقة عن الجيوبولتكس النقدي، مثل: الجيوبولتكس الشعبي، والجيوبولتكس التقدمي، ومناهضة الجيوبولتكس، وجيوبولتكس ما بعد الاستعمار، وغيرها.
ورغم أن الكتاب أشار إلى أهمية هذه الأشكال في فتح نقاشات جديدة ضمن مجال الجيوبولتكس عموما، فإنه قدم أيضا نقدا علميا لها، خاصة أنها لم تقدم بدائل واضحة، ولا تتصور سياسات عملية محددة.
مراجعة نقدية للمعادلات الكلاسيكية
على هامش موضوعات الكتاب الأساسية التي تحتاج إلى قراءة مفصلة من الكتاب نفسه، يمكن الإشارة إلى ملاحظات متفرقة تظهر من السمة العامة لنهج الكتاب، الذي سعى ليكون تحليليا ومقارنا، وليس معلوماتيا فقط. إذ لم يسلم المؤلف بالأنماط التقليدية السائدة عن بعض نظريات الجيوبولتكس، والتي قد يكون بعضها غير دقيق أحيانا، بل درس الموضوع اعتمادا على قراءته المفصلة لأدبيات المؤسسين وسياقاتهم السياسية، وحلل دوافعهم، فأعاد تفسير بعض تلك المقولات وفق دلالاتها الصحيحة، وبنهج يربطها بالواقع الراهن وتطوراته.
فعلى سبيل المثال، استفاضت النظريات الجيوسياسية في التركيز على نوع القوة من أجل تحقيق النصر، أكانت برية أم بحرية. وركز كثير من الباحثين لاحقا على الموضوع كأن هناك اتجاها مضادا للاتجاه الآخر.
لكن هذا الكتاب فسر الموضوع بطريقة مختلفة، فبين أن ألفريد ماهان رأى أن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية تكمن في القوة البحرية، لكنه لم يتجاهل أهمية القواعد البرية لتلك القوة. وهو الاستنتاج نفسه لهالفورد ماكيندر، الذي قيل إنه منظر القوة البرية، بينما ركز في الواقع على أهمية القوة البرية، ودعا في الوقت نفسه إلى توظيف القوة البحرية البريطانية والأميركية، إضافة إلى قوة فرنسا البرية، لمواجهة القوى البرية التي قد تسيطر على أوراسيا.
والأهم من ذلك، أن نيكولاس سبايكمان رأى أن مزيجا من العوامل يؤثر في الاختيار، فاعتبر أن أي قوة تكون أقوى في لحظة الصراع، وفي المنطقة التي يدور فيها الصراع، ستكون هي المنتصرة (سواء أكانت برية أم بحرية أم جوية أم مزيجا منها). بمعنى أن الأولوية لمستوى القوة الأفضل، وطبيعة المكان الذي تدور فيه الحرب، وامتلاك القوة التي تلائم ميدان المعركة.
كما اشتهر الجيوبولتكس ببعض العبارات التي اختزلته أحيانا، مثل معادلة: "من يسيطر على أوروبا الشرقية يحكم قلب الأرض. ومن يسيطر على قلب الأرض يحكم جزيرة العالم. ومن يسيطر على جزيرة العالم يحكم العالم"، وكذلك المعادلة المعدلة منها: "من يتحكم في حافة المحيط يحكم أوراسيا. ومن يحكم أوراسيا يتحكم في مصائر العالم".
فبدلا من أن ينطلق المؤلف من هذه "المسلمات"، فإنه تعامل معها كإحدى نتائج أعمال ماكيندر وسبايكمان، وليست أصل تفكيرهما أو هدفهما النهائي.
لذا أوضح كيفية تناول كل منهما الأحداث السياسية والمناطق الجغرافية، وكيفية وضع تصوراتهما الجيوسياسية لحل مشكلة ما، مثل أفول إمبراطورية بريطانيا أو حث الولايات المتحدة على التدخل في العالم، وهو ما أوصلهما إلى تلك المعادلتين. وفند الكتاب الاتجاه السائد الذي يرى أن هاتين المعادلتين تعدان وصفة لـ"السيطرة على العالم"، وذهب بدلا من ذلك إلى أنهما يجب أن تفهما بروحهما ومعناها العام، أي إنهما تعنيان أهمية امتلاك القوة والنفوذ للصعود عالميا وللتأثير في دول ومناطق أخرى.
أوراسيا والاحتواء الجديد
وعلى الرغم من اشتهار مصطلح "قلب الأرض" أو "الهارتلاند" في الجيوبولتكس للإشارة إلى مركزية منطقة "أوراسيا"، فلا يرى الكتاب أن ذلك يعني بالضرورة أنها مركز الأرض أو أنها حصرا المنطقة المركزية الإستراتيجية، بل يجب أن تفهم بالمعنى الجيوسياسي الديناميكي. فقد تكون هناك أهمية مماثلة لمناطق أخرى.
في الزمن المعاصر الذي تغيرت فيه مراكز الثقل، وتعددت فيه مفاهيم القوة ومقوماتها وطرائقها: البرية، والبحرية، والجوية، والفضائية، والصاروخية، والإلكترونية، والمعلوماتية… وغيرها، يمكن اعتبار مناطق أخرى ذات أهمية إستراتيجية ومركزية. ورغم ذلك، لا تزال منطقة أوراسيا تمثل مكانا بارزا للتنافس بوصفها تقع ما بين القوة الشرقية الآسيوية الأوروبية الرئيسية المتمثلة في روسيا، وبين القوى الغربية الأوروبية والأميركية التي لا تزال تعتبر منطقة أوروبا الشرقية وحتى أوكرانيا ذات أهمية في توازن القوى مع روسيا.
كما أن مفهوم "الاحتواء الجديد" الذي تتبعه الولايات المتحدة حاليا تجاه روسيا والصين من خلال تقوية التحالفات مع دول محيطة بهما، مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين والهند وبولندا ودول بحر البلطيق وغيرها، لا يعني بالضرورة، بحسب قدورة، إحياء حرفيا لسياسة الاحتواء التقليدية، ولا اتباعا تاما لنظرية سبايكمان "حافة المحيط".
فلكل فترة زمنية سياقها الخاص وظروفها المختلفة. فالاحتواء التقليدي إبان الحرب الباردة ركز على منع انتشار الأيديولوجيا الشيوعية وسقوط أنظمة بتأثير الاتحاد السوفياتي، وكانت توصيات منظره جورج كينان تنصب على استخدام وسائل غير عسكرية.
أما اليوم، فوسائل الضغط العسكرية والسياسات الاقتصادية والعقوبات هي السائدة في التنافس والمواجهة، وليست الأيديولوجية بالضرورة. لكن لا شك في أن فكرة الاحتواء بعمومها لا تزال تنهل من بعض أفكار سبايكمان وبريجنسكي بشأن أوراسيا وروسيا، ومن أفكار ماهان بشأن السيادة في البحار عند تعلق الأمر باحتواء الصين حاليا في منطقة المحيطين الهندي-الهادي.
الجيوبولتكس ومفاهيمه المجاورة
وهناك جزء لافت في الكتاب لم يحظ بمناقشة وافية فيما سبق من أدبيات، وهو العلاقة الجدلية بين الجيوبولتكس والجيوستراتيجية والجغرافيا السياسية، فهناك خلط واضح بينها في استعمالات الباحثين.
بالنسبة إلى مصطلح الجيوستراتيجية، فقد لجأ قدورة إلى استقصاء معمق ليصل إلى استنتاجات بشأن الفرق بينه وبين الجيوبولتكس، حيث راجع نحو 20 موسوعة وقاموسا متخصصا، و25 مرجعا أصليا لمؤسسي الجيوبولتكس، وعشرات الكتب والدراسات التي ورد في عنوانها أو أحد محاورها مصطلح الجيوستراتيجية، وخلص إلى أنه، على العكس من الجيوبولتكس الذي تعرف نشأته وتطوره وأدبياته ومفكروه، فإن الجيوستراتيجية افتقد لأي أدبيات مؤسسة له، ولم يعرف مفكرون متخصصون فيه، ولا توجد نظريات له.
وبين المؤلف أن هذا المصطلح هو جزء من الجيوبولتكس يتعلق بجانب الحرب أو الشؤون العسكرية.
أما الجغرافيا السياسية، فخلص إلى أنها أشمل من الجيوبولتكس، لأن الأخير تطور منها، لكنها توسعت كثيرا حتى صارت وحدة التحليل فيها تتجاوز الدولة إلى فواعل كثيرة، بينما ظل الجيوبولتكس يركز على سياسة الدولة فقط.
وبينما تبحث الجغرافيا السياسية في كل الدول محليا ودوليا، صغيرها وكبيرها، وتقدم وصفا جغرافيا للدول والمناطق بحيادية، يركز الجيوبولتكس على الدولة النشطة على المستويين الإقليمي والعالمي، وعلى التوظيف الفعال للعوامل الجغرافية في سياستها انطلاقا من أجندة الأمن القومي.
وتعامل قدورة مع نظريات الجيوبولتكس ومفاهيمه من منظور جديد يتعلق باستمرار صلاحية بعضها، وليس بوصفها تخص الماضي الذي نشأت فيه فقط.
فعلى سبيل المثال، طورت نظرية منطقة "قلب الأرض" في عام 1919، وظلت تفاصيلها حاضرة في التنافس بين الغرب والاتحاد السوفياتي في القرن الـ20، لكنها تتمثل اليوم في محاولات توسيع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق لضم أوكرانيا التي تقع في قلب تلك المنطقة.
وتفسر هذه النظرية بعض المخاوف الروسية التي دفعتها إلى حرب أوكرانيا منذ عام 2022.
أما نظرية "حافة المحيط" التي ظهرت في عام 1944، فقامت سياسة الاحتواء طوال الحرب الباردة على أساسها، أي حتى عام 1990، لكنها أصبحت تشكل ركيزة فكرية في التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة لتطويق روسيا وعزلها منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 حتى الآن، وكذلك في الاحتواء الجديد للصين.
وعلى العكس من ذلك، أشار المؤلف إلى أن بعض المفاهيم الجيوسياسية الجديدة تنهل من الإرث القديم للدول. فمثلا، قد تمثل مبادرة "الحزام والطريق" إستراتيجية لاستعادة "مركزية" الصين القديمة، وطريقة حديثة لجعل مصالح العالم تتمحور حولها. كما قد يمثل مفهوم "الاستقلال الذاتي الإستراتيجي الأوروبي" الذي يروج له حاليا في ألمانيا وفرنسا، وبخاصة بعد عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، امتدادا للمفاهيم الجيوسياسية مثل "مركزية ألمانيا" و"هيبة فرنسا العالمية".
أما مفهوم "الأوراسية الجديدة"، فلعله يمثل استعادة جديدة للتصور الجيوسياسي التقليدي حول حضارة البر الشرقية في مقابل حضارة البحر الغربية، ووصفة لاستعادة عظمة روسيا ودورها العالمي.
نحو وعي جيوبوليتكي مستقل
أخيرا، أوضح المؤلف في نهاية الكتاب الموقف الذي يتعين أن يتخذ من الجيوبولتكس، فهو لا يرى إهماله بسبب سوء استخدام بعض الدول له، بل يرى أن يدرس بصورة مستقلة ومحايدة وموضوعية، لأنه مثل المعارف الأخرى يمكن استخدامها في الخير والشر.
وأشار إلى مثال استخدمه عدد من مؤسسي الجيوبولتكس، وهو أن ما يسعون لتحقيقه من نظرياتهم الجيوسياسية ينبع من قيم "الحرية" و"العدالة" و"السلام".
لكنه أوضح أن مقاربة هؤلاء لهذه القيم السامية تختلف بحسب زاوية النظر ومعنى هذه القيم، وكيفية تحقيقها، فضلا عن تداخلها مع مصالحهم الذاتية.
لذا، انطلقت تصورات بعضهم من منظورهم الخاص، ومن مصالح بلدانهم تحديدا، وبنهج يقوم على استخدام القوة والوسائل التي تكفل استمرار الهيمنة والنفوذ، وليس المصلحة العامة ولا "تمدين الآخر" بالضرورة.
وبناء عليه، يخلص الكتاب إلى أنه يتعين التعامل مع الجيوبولتكس بدراسة متأنية لموضوعاته ونظرياته، وفهم طريقة تفكير القوى الكبرى في بناء القوة، ومن ثم بناء القوة الذاتية وبناء العلاقات والتحالفات وتعزيز التأثير في الخارج، لكن من دون عدوان أو اقتفاء أثر تلك القوى في تحديد ماهية الخير والشر، ولا تعريفها الذاتي للحرية والديمقراطية والسلام، ولا لطريقة تنفيذ سياساتها التي تقوم غالبا على الإكراه والقسر، والتي تترتب عليها تكاليف باهظة على الدول الأصغر والأضعف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 26 دقائق
- الجزيرة
ترحيب قطري برفع العقوبات عن سوريا
رحّب وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي بقرار واشنطن رفع العقوبات عن سوريا، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه إعادة سوريا لموقعها الطبيعي ويمهد لمرحلة من السلام والاستقرار طال انتظارها. وقال الخليفي في تغريدة له على منصة إكس"تفتح دمشق أبوابها من جديد على العالم، بعد سنوات من العزلة الدولية". وأضاف "نرحب بالأمر التنفيذي الصادر من فخامة الرئيس دونالد ترامب بإنهاء العقوبات في سوريا والذي يُشكّل نقطة تحول تاريخية، تُعيد لسوريا موقعها الطبيعي على خارطة الاقتصاد الدولي، وتُمهّد لمرحلة من السلام والاستقرار طال انتظارها". وكان الرئيس الأميركي أعلن رفع العقوبات عن سوريا من أجل "منحها فرصة"، وفق تعبيره. كما قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة تتخذ المزيد من الإجراءات لدعم سوريا مستقرة وموحدة. وكان البيت الأبيض قال إن الرئيس ترامب وقّع أمرا تنفيذيا ينهي العقوبات على سوريا، من أجل دعم مسار البلاد نحو الاستقرار والسلام. بشار الأسد وشركائه.


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
وسائل إعلام إيرانية تتحدث عن "سيناريو الحرب الثانية"
تناولت بعض الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية ومواقع التواصل إمكانية عودة الحرب مجددا، ودعت إلى ضرورة الوحدة الوطنية في إحباط أي هجوم عسكري آخر على إيران. ووفقا لتقرير أعده مراسل الجزيرة في طهران نور الدين الدغير، فقد عنونت صحيفة "شرق" الإصلاحية افتتاحيتها بـ"سيناريو الحرب الثانية"، حيث تحدثت عن إمكانية اندلاع الحرب مجددا، وشددت على أهمية الوحدة الوطنية في إحباط أي هجوم جديد. وعلى منصة "إكس"، تساءل الناشط محمد يار أحمد عن إمكانية تجدد الحرب، في حين استبعد ناشط آخر قيام حرب جديدة بين إيران و إسرائيل في المنظور القريب. وكان موضوع إمكانية تجدد الحرب حاضرا على شاشة التلفزيون الرسمي الإيراني أيضا، حيث قال الأستاذ بجامعة طهران إبراهيم متقي في حوار إن الولايات المتحدة وإسرائيل ستشنان حربا جديدة على البلاد خلال أسبوع. كما استضاف التلفزيون الرسمي علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني، والذي تحدث عن لحظات استهداف جلسة للمجلس الأعلى للأمن القومي واستهداف المرشد علي خامنئي ، مؤكدا على أن المفاوضات كانت خدعة أميركية لشن الحرب.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل ينأى ترامب بنفسه عن فرض "وصفة" أميركية لإعادة بناء سوريا؟
واشنطن- مثّل توقيع الرئيس دونالد ترامب على أوامر تنفيذية لإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا خطوة تاريخية في سجل علاقة واشنطن ودمشق المضطربة منذ ما يقارب نصف قرن. وفي الوقت ذاته، عكست بيانات وزارة الخارجية والبيت الأبيض المتعلقة بقرار الرئيس وإنهاء حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا ابتداء من بداية الشهر الحالي رؤية ترامب للعلاقات الجديدة التي تجمع بلاده بسوريا كدولة مستقرة وموحدة تعيش سلاما داخليا مع جيرانها. وأبرز كبار مسؤولي الإدارة الأميركية رؤية ترامب الرافضة لنهج المحافظين الجدد في الجمهوريين "والذي فشل في بناء الأمم" كما أكدت فترات التدخل الأميركي في العراق و أفغانستان ، قاصدا بهذا التعبير التدخل إلى درجة الاحتلال من أجل تغيير النظام، ومحاولة إحلال نظام بديل يتبع القيم الأميركية ويدور في فلك واشنطن. فرصة جديدة القرار التنفيذي الجديد أبقى في يد وزير الخارجية سلطة تقييم واتخاذ قرار التعليق الكامل المحتمل ل قانون قيصر ، ومراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية، ووضعية الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع على قائمة الإرهابيين الدوليين. كما أبقى القرار على معضلة تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف تفرضه واشنطن على عدد من الدول التي تراها "داعمة للإرهاب الدولي"، وبمقتضى ذلك يتم فرض عقوبات عليها. من جهتها، قالت آنيل شيلاين المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية والخبيرة حاليا بمعهد كوينسي في واشنطن في حديث للجزيرة نت "إن العقوبات التي رفعها ترامب كانت تلك المفروضة على نظام الأسد، لذلك ليس من المستغرب أن تكون حكومة الولايات المتحدة على استعداد لإعادة النظر في هذه العقوبات الآن". وأضافت أن سوريا تحتفظ بتصنيفها منذ عام 1979 دولة راعية للإرهاب "على الرغم من أنه من الواضح أن الإدارة تدرس أيضا إلغاء هذا التصنيف"، حسب قولها. رؤية أميركية وفي إفادة صحفية عقب إعلان قرارات ترامب، قال توماس باراك السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا والصديق المقرب للرئيس الأميركي "إنه ومنذ 6 أشهر لدينا رئيس ابتكر رؤية ووزير خارجية ينفذها بأسرع ما يمكن وجنرال انتقل من زمن الحرب إلى منصب زعيم لبلد جديد يعاد تشكيله، ويحتاج إلى كل شيء، لكن الرؤية والتنفيذ كانا محدودين بسبب العقوبات المفروضة". وأوضح باراك "لذلك قرر الرئيس ترامب بذكاء في 14 مايو/أيار بعد أن التقى الشرع في الرياض بالمملكة العربية السعودية إعطاء سوريا فرصة، وقال: أعطوا هؤلاء الرجال فرصة، يجب إعطاء سوريا فرصة، وهذا ما حدث". وأكد باراك على رفض ترامب وإدارته التدخل بالنهج السابق في العراق أو أفغانستان، ومحاولة فرض نموذج حكم لا يراعي خصوصية الدولتين. وقال "لكن هناك شيء واحد واضح: لا الرئيس ولا وزير الخارجية يتبنيان مبدأ بناء الأمة، إنهما لا يفرضان طرقا معينة، ولا يتصوران إطار النموذج الديمقراطي الذي يجب تنفيذه وفقا لبنيتهما أو رغبتهما". وبحسب المتحدث ذاته، فإن ترامب وأعضاء إدارته يقولون إنهم سيمنحون رئيس سوريا فرصة، وإن لديهم مجموعة من المعايير التي يريدون مراقبتها على طول الطريق. ويستطرد بالإشارة إلى مجموعة من هذه المعايير كاتفاقيات أبراهام، وآلية دمج المقاتلين الأجانب، وحماية الأشخاص الذين قاتلوا إلى جانب الأميركيين وقوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، وخطط حماية جميع الطوائف، بمن فيها العلويون والدروز والأكراد. من جانبه، قال السفير فريدريك هوف -وهو أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة السورية عام 2011 والخبير في المجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة بارد- للجزيرة نت إن "قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بسوريا جاءت لتكمل تعهده الذي أطلقه في مايو/أيار الماضي بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة السورية الجديدة في نظام ما بعد الرئيس الأسد". وفي الإفادة الصحفية نفسها، قال وكيل وزارة الخزانة بالإنابة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براد سميث "إنه منذ أن اتخذ الرئيس ترامب قرارا تاريخيا بوقف جميع العقوبات على سوريا سرعان ما تحركت وزارة الخزانة إلى العمل وأصدرت بسرعة البرق ما نسميه الترخيص العام رقم 25". ويعني سميث بذلك الرخصة التي أقرتها الحكومة الأميركية جزئيا وبصورة مؤقتة قبل نهاية مايو/أيار الماضي لرفع العقوبات عن سوريا، إذ سمحت ببعض المعاملات المالية والتجارية مع سوريا كأول خطوة رئيسية نحو إزالة هيكل العقوبات المفروضة على البلاد "ومنذ ذلك الحين واصلنا العمل بسرعة من أجل اتخاذ إجراءات أكثر ديمومة لمعالجة الوضع في سوريا". وتحدث سميث كذلك عن أهمية ومحورية سوريا الجغرافية والتاريخية، وقال "على مر التاريخ كانت سوريا مركزا رئيسيا على طريق الحرير ومركزا للتجارة العالمية والتعددية الثقافية وريادة الأعمال". وأكد أن إجراءات اليوم ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي، وتمهد الطريق للتجارة العالمية وحشد الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة، وقال "نحن في وزارة الخزانة فخورون بالقيام بدورنا في تنفيذ رؤية الرئيس ترامب لسوريا وتعزيز السلام والازدهار بالمنطقة". وكانت واشنطن قد بدأت التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري في سبتمبر/أيلول 2014 بهدف معلن هو محاربة تنظيم الدولة من خلال قيادتها جهدا دوليا سمي عملية "العزم الصلب". وعلى مدى السنوات العشر التالية حافظت واشنطن على وجودها العسكري رغم إعلان الرئيس ترامب خلال فترة حكمه الأولى القضاء على التنظيم، ودعمت واشنطن الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية. ورغم توجيه ترامب أمرا بانسحاب القوات الأميركية التي كان قوامها 2500 جندي في سوريا قبل نهاية عام 2019 أعلنت القيادة الوسطى العسكرية أنه لا يوجد "تاريخ انتهاء" للتدخل الأميركي في سوريا، معلنة أنه بدلا من الانسحاب الكامل ستبقى قوة طوارئ قوامها نحو 400 جندي أميركي متمركزة في سوريا إلى أجل غير مسمى، وأن انسحابهم سيكون تدريجيا وقائما على المستجدات على الأرض. وعلى مدى السنوات الماضية كرر البنتاغون أن هناك نحو 900 من جنوده يعملون في سوريا، لكنه عاد بعد سقوط نظام الأسد ليؤكد وجود قرابة ألفي جندي أميركي في البلاد.