
"سوبرمان": بين الخيال الدرامي والتقية الفنية
لستُ من هُواة أفلام الخيال والقوة الخارقة خاصة وأن الوحل الذي نعيش فيه اليوم قد فاق كل خيال؛ لكن ما دفعني إلى مشاهدة فيلم 'سوبرمان' هو الجدل الحاصل في الولايات المتحدة حول ما إذا كان هذا الفيلم يُوجِّه نقدًا ولو مُواربًا للسياسة الأميركية تجاه الحرب على غزّة. فمع خُروج المشاهدين من صالات العرض انقسموا بين من رأى فيه عملا ترفيهيا صرفا ومن التقط إشاراتٍ سياسيةٍ واضحةٍ؛ أما أنا فقد بدا لي أنّ الفيلمَ يتجاوزُ إطار أسطورةَ الإنسان الخارق لِيغوص في أسئلةِ السّلطة، والعدالة، وحدود القُوّة في عالمٍ يزداد ظُلمًا ووحشية.يُعيد الفيلم تقديم 'سوبرمان' في هيئة شابٍ يُكافح للتّوفيق بين إرثِه 'الكريبتوني' والتزامه الأخلاقي تجاه الأرض؛ غير أنّ أبرز ما يُميّزه هو تحوُّل مسرح الأحداث من مواجهةٍ كونية مجرّدة إلى صراعٍ ذي طابعٍ جيوسياسي صريح. يتجلّى ذلك منذ المشهد الافتتاحي حيث تتقاطع صور الدّمار في مدينةٍ خياليةٍ مع نشراتٍ إخبارية عن حربٍ حقيقيّة تدور في مدينة مُتخيّلة. ومع تقدّم السّرد؛ يُرغَم البطل على اتخاذ موقفٍ حاسمٍ: هل يواصل اللّعب وِفق قواعد القُوى العُظمى أم يكسرها دِفاعًا عن مبدأِ العدالةِ؟ما يُلفت الانتباه في الفيلم هو الطريقة التي تمّ بها توزيع الأدوار؛ إذ نجد أنّه قد تمّ تجسيد سُكان مدينة 'جارهانبور' التي تتعرض للعُدوان العسكري الواسع من خلالِ مُمثّلون من أصولٍ شرقَ أوسطيّةٍ وأخرى غير بيضاء، بينما يُؤدي أدوار 'البورافيين' المُعتدين مُمثلون من العرقِ الأبيض، وهذا الاختيار ليس بريئًا؛ بل يُرسّخ الصورة النّمطية عن الضحية والمُعتدي، ويُعيد إنتاجَ ثُنائية المركز والهامش في المخيّلةِ الغربية، وقد بدا ذلك جليًّا في مشاهد القصف والاجتياح، حيث تتماهى ملامح الضّحايا مع صور الضّحايا في غزة.كما كان لافتاً إبراز الفيلم لدفاع أحد المسؤولين عن دعم الولايات المتحدة العسكري للدولة المعتدية، بحجة أنها 'دولة ديمقراطية تمثل قيمنا'، وهنا يتقاطع الفيلم مع الواقع، ويسلط الضوء على الذرائع الواهية التي يسوقها الغرب في حروبه سواء في العراق أو فلسطين أو غيرها.مُنذ العرض الأول، شبه بعض النُّقاد الفيلم بـ'مِسودة بيان سياسي'؛ بينما اتّهمه آخرون بـ'تسييس الأيقونة الشعبية خدمةً لأجندةٍ يساريّة'. أمّا المواقع المحسوبة على اليمين فقلّلت من شأنِ هذه القراءة؛ مُركِّزةً على 'مبالغات المؤثرات البصريّة'.لم يتوقف الجدل عند حدود النّقد السينمائي أو الأكاديمي؛ بلْ امتد إلى رُدودِ فعلٍ سياسية مُباشرة؛ فقد نشرت القُنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس منشورين على فيسبوك تحت عنوانِ 'الأبطال الحقيقيون'، مع صُور لجنودٍ إسرائيليين، في محاولة واضحة لربطِ صورةَ البطولة بالقوةِ العسكرية الإسرائيلية، وكأنها ترُدّ على أي إسقاط مُحتمل للفيلم على الواقع الفلسطيني؛ ما يكشف عن قلقِ الاحتلال من أي عمل فني قد يُزعزع الرّواية السائدة.من الصّعب الجزم بنيّة صُنّاع الفيلم، فالمُجاهرة بإدانةِ العُنف ضد الفلسطينيين باتت في السياقِ الأميركي فِعلًا تحسَبه الاستوديوهات مُخاطرة تسويقية، وعليه يغدو ترميزُ غزّة عبر مدينةٍ خياليةٍ مُحاولةً للالتفاف على رقابةٍ غير رسميّة، تُمارسها مجموعات الضغط والإعلان 'تُقية فنية'، مع الحفاظ على شُحنةٍ أخلاقيةٍ يَصعُب إنكارها.لهذا يُمكن اعتبار الفيلم خطوةً في مسارٍ طويلٍ يستعيد فيه الفن رسالته بوصفهِ ساحةً لتفكيكِ السّرديات الرسمية.قد يختلف المُشاهدون حول ما إذا كان 'سوبرمان' يقدّم تحريضًا فنّيًا ضد سياساتٍ بعينها أم يكتفي بمجازٍ إنسانيٍ عام؛ لكنّ المُؤكَّد أنّه يُذكّرنا بدورِ السينما في زعزعةِ السّائد وطرح الأسئلة الحرجة، فإذا كان البطلُ الخارقُ قد تعلّم أنّ الصّمت شَراكةٌ في الجريمة؛ فماذا عنّا نحن المُشاهدين؟ هل نكتفي بالتّصفيق في نهايةِ العرضِ؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
'يوتيوب' يطلق ميزة باستخدام الذكاء الاصطناعي تُسهل صناعة المحتوى
أعلنت منصة 'يوتيوب' التابعة لشركة 'غوغل' بدء اختبار ميزة جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي تتيح لصناع المحتوى التعاون في إنتاج مقاطع الفيديو. وتهدف الميزة، التي أصبحت متاحة حاليا لعدد محدود من القنوات لصانع المحتوى، إلى تسهيل التعاون بين منشئي المحتوى، وتمكينهم من مشاركة الموارد والخبرات لإنشاء محتوى أكثر جاذبية وتنوعًا. وتسمح الميزة الجديدة لمنشئي المحتوى بالعمل معًا على إنتاج مقاطع الفيديو، ما يتيح لهم الاستفادة من مهارات وخبرات بعضهم بعضًا. كما يمكن لمنشئي المحتوى مشاركة الموارد المختلفة، مثل مقاطع الفيديو والموسيقى والمؤثرات الصوتية، لإنشاء محتوى أكثر احترافية. وتتيح الميزة التجريبية دعوة آخرين للمشاركة في الفيديو، بحيث يتم ترشيح العمل المشترك لجماهير كل الأطراف المشاركة. وستظهر أسماء المتعاونين بجانب اسم صاحب القناة ضمن تفاصيل الفيديو، وفي حال تعدد المتعاونين، خاصة على تطبيق الهاتف، فسيُعرض الاسم بصيغة 'والمزيد'، بحسب 'يوتيوب'. ويمكن للمستخدمين النقر عليه للاطلاع على القائمة الكاملة للمشاركين في الفيديو، إلى جانب زر 'اشتراك' بجوار كل اسم لتسهيل متابعة المتعاونين. ومن الممكن أن تُسهم الميزة في تحسين جودة المحتوى من خلال التعاون، بحيث يمكن لمنشئي المحتوى إنتاج مقاطع فيديو ذات جودة أعلى، وبهذا يمكن للمحتوى التعاوني أن يجذب تفاعلًا أكبر من الجمهور، ويكون أكثر جاذبية وتنوعًا. وتعد الميزة خطوة مهمة في تطور منصة 'يوتيوب'، إذ تهدف إلى تمكين منشئي المحتوى وتقديم تجربة مشاهدة أفضل للمستخدمين، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الميزة إلى زيادة الإبداع والتنوع في المحتوى على المنصة.


رؤيا نيوز
منذ 15 ساعات
- رؤيا نيوز
ختام مهرجان جرش على مسرح أرتميس.. أمسية فنية أردنية تُتوّج النجاح -صور
أسدل الستار مساء السبت 2 آب 2025، على فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته الـ39، بأمسية فنية أردنية احتضنها مسرح أرتميس، بمشاركة نخبة من الفنانين الأردنيين الذين أضاؤوا ختام المهرجان بأصواتهم وإبداعاتهم الفنية. وشهد الحفل حضوراً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً لافتاً مع الفقرات الغنائية التي تنوعت بين الطرب الأصيل والأغنية الوطنية والشعبية، حيث تألق كل من الفنان عمر الطعاني، والفنان أحمد القرم، والفنان محمد السقار، والفنان عثمان الطعاني، والفنان محمد هايل في تقديم وصلات فنية حظيت بإعجاب الحضور، وأعادت إلى الأذهان روح الأصالة والموروث الأردني الغنائي. وجاءت هذه الأمسية تتويجًا لبرنامج حافل احتضنه مسرح أرتميس طيلة أيام المهرجان، قدّم من خلاله مساحة غنية للفن المحلي الأردني، وفتح نوافذ للمواهب الوطنية للتعبير عن إبداعها أمام جمهور المهرجان. ويختتم مهرجان جرش هذا العام وسط إشادة واسعة بالتنظيم والمحتوى الثقافي والفني المتنوع، ليؤكد مكانته كواحد من أبرز المهرجانات العربية التي تحتفي بالفن والهوية.


البوابة
منذ 15 ساعات
- البوابة
الكشف عن موعد عرض "مسلسل سلمى": دراما إنسانية جديدة تلامس وجدان الأمهات
ستعد منصة "شاهد" لإطلاق مسلسل درامي جديد بعنوان "سلمى"، بعد النجاح الذي حققه مسلسل "آسر". العمل الجديد ليس فقط مجرد إضافة إلى قائمة الإنتاجات الدرامية العربية، بل يمثل معالجة محلية لدراما عالمية ناجحة، إذ أنه النسخة المعربة من المسلسل التركي الشهير "Kadın" أو "امرأة"، والذي عُرض بين عامي 2017 و2020، وحقق نسب مشاهدة مرتفعة في تركيا وعدة دول أخرى. يركّز مسلسل "سلمى" على رحلة أم وحيدة تكافح لتأمين حياة كريمة لأطفالها بعد غياب زوجها في ظروف غامضة، وتواجه تحديات اجتماعية ونفسية ومالية كبيرة، ما يجعلها تدخل في صراع يومي للبقاء والحفاظ على كرامتها. بطولة المسلسل تجمع بين مرام علي التي تجسد دور "سلمى" بحساسية وواقعية، وستيفاني عطالله في دور داعم محوري، إلى جانب نيقولا معوض، الذي يُنتظر أن يضيف ثقلًا دراميًا مميزًا للمسلسل. هذا الثلاثي يتمتع بخبرة وحضور قوي على الشاشة، ما يعزز من فرص نجاح العمل. يتكوّن المسلسل من 90 حلقة، ما يشير إلى توجه نحو تقديم حبكة متماسكة وغنية بالتفاصيل والعلاقات المعقدة، مع إيقاع درامي متوازن. ومن المعروف أن النسخة التركية من العمل تميزت ببناء نفسي عميق للشخصيات، ومن المتوقع أن تحافظ النسخة العربية على هذا العمق مع مراعاة خصوصية السياق العربي. يمثل "سلمى" تحديًا حقيقيًا لصنّاع الدراما، خاصة أن النسخ المعربة تخضع دائمًا لمقارنة صارمة مع أعمالها الأصلية. لكن مع الاهتمام المتزايد بالإنتاج الدرامي العربي، والدعم الذي تحظى به المنصات الرقمية، يبدو أن "سلمى" في طريقه ليكون أحد أنجح المسلسلات الاجتماعية المنتظرة في الموسم المقبل.