logo
فيلم "شرق 12".. سردية رمزية لما بعد ثورات الربيع العربي

فيلم "شرق 12".. سردية رمزية لما بعد ثورات الربيع العربي

الجزيرةمنذ 3 أيام
العام الماضي، شهد الموسم السينمائي المصري طفرة نادرة الحدوث، حيث عُرض خلاله ما يزيد على 10 أفلام لمخرجات مصريات، في سابقة ربما تعد الأولى من نوعها من حيث الكم. مثّلت أغلب هذه الأفلام تجارب روائية طويلة أولى لصاحباتها، ونجح عدد منها في جذب الانتباه محليا ودوليا، سواء عبر الجوائز أو بالمشاركة في المهرجانات. من بين هذه الأعمال برز فيلمان انطلقا إلى العالمية من خلال بوابة مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ77: الأول هو الفيلم التسجيلي "رفعت عيني للسما"، الذي حصد جائزة "العين الذهبية" ضمن برنامج أسبوع النقاد، أما الثاني فهو فيلم "شرق 12" للمخرجة هالة القوصي، وشارك في قسم نصف شهر المخرجين، محققا بذلك عودة للسينما المصرية إلى هذا القسم الحيوي بعد غياب.
في إنجاز يحسب للسينما المصرية، اختير فيلم "شرق 12" ليكون أول فيلم مصري يفتتح برنامج "أسبوع النقاد" في مهرجان برلين السينمائي الدولي بدورته الـ75. تواصلت رحلة الفيلم الدولية مع عرضه العربي الأول ضمن قسم "رؤى جديدة" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، قبل أن ينال تنويهًا من لجنة التحكيم في مهرجان كيرالا السينمائي بالهند، تقديرا لتفوقه التقني والتناغم بين عناصر الديكور والتصوير والصوت.
الفيلم، الذي ينتمي إلى السينما المستقلة ويخلو من نجوم الشباك التقليديين، خاض تجربة جريئة استحقت التوقف عندها، إذ شهد عرضه المحلي الأول في سينما زاوية بالقاهرة إقبالا واسعا رفع معه شعار "كامل العدد"، بعد جولات خارجية رافقها كثير من الترقب والجدل.
وفي ظل شائعات عن رفض رقابي للفيلم، نفت المخرجة هالة القوصي ذلك، مؤكدة أن تأجيل عرضه المحلي كان بسبب التزام فريق العمل بجولة عروض دولية، على أن تكون المحطة المقبلة عرضا تجاريا في هولندا مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ولدت هالة القوصي في محافظة القاهرة، ورغم دراستها الاقتصاد وإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، فقد استحوذ التصوير الفوتوغرافي على اهتمامها في وقت مبكر من سنوات الدراسة، ليس بغرض الاحتراف، بل بدافع الفضول أو شغف شخصي أخذ في التبلور تدريجيًا، مما دفعها لاحقًا إلى تحويل تلك الهواية المكلفة إلى مصدر دخل.
من هنا اتجهت إلى العالم التجاري للفوتوغرافيا متنقلة من تصوير المنتجات إلى الأزياء والموضة كذلك الفعاليات، وصولا إلى مرحلة مغايرة من الفوتوغرافيا التسجيلية التي لم تكتف فيها بتوثيق الواقع، بل شرعت في صنعه، وذلك عبر الاستعانة بممثلين وشركاء لأداء حالات درامية وبصرية وفق سياقات محددة. من هذه المنطقة التي تمزج بين الواقع والمتخيل، بدأت خطواتها الأولى نحو السينما وعالم الصور المتحركة، حيث لم تعد اللقطة الثابتة تكفي وحدها لرواية حدث أو للتعبير عن مفاهيم بصرية تؤرقها.
في "شرق 12″، تستعيد القوصي لذة الحكاية الشعبية مصدرة فيلمها: "كان يا ما كان.. ناس خايفة، من كتر الخوف خيالهم هرب".. بهذه العبارة التي تتقاطع فيها النبرة الحكائية مع وجع الذاكرة، تفتتح المخرجة المشهد الأول في سرديتها الجديدة، مستعيدة الجملة ذاتها التي استهلت بها فيلمها القصير "لا أنسى البحر" (2019) بصوت الراوية نفسها، منحة البطراوي التي رافقتها في أكثر من عمل، كأنها امتداد لصوت خفي أو صدى داخلي لا ينسب لأحد، لكنه يحمل قدرة فريدة على استدعاء حنين لزمن يفر أو تلاشى بالكامل، لتبقى الحكاية في النهاية شاهدة على الوعي المتغير للإنسان، المضطرب في كثير من الأحيان، حتى أنه لم يصل لبغيته بعد. كما تبقى ثنائية الخوف والبحر تتحكم في مصائر ودوافع الشخصيات.
ويعتبر البحر من أكثر الثيمات العالمية ارتباطا بالخوف، ولطالما احتلت هذه الثيمة موقعا مركزيا في الذاكرة السردية العربية والشرقية على حد سواء، من رحلات السندباد في ألف ليلة وليلة، حيث الغرق مجاز للتيه والعبور، إلى الحكايات التي يتحوّل فيها البحر إلى فضاء للامتحان والتبدّد. على هذا الامتداد الرمزي، تستدعي القوصي البحر ككائن شعري يختزن آمال الفرد وتطلعاته. بالتالي يمكن استدعاء صوته من كوب ماء أو بعض القطرات المتساقطة من صنبور تالف، كمن يستدعي طقسا للتحرر والتطهر. مثلما اختارت المخرجة المادة الخام لتصوير الفيلم، التي قد تحيلنا في مدلولها إلى فكرة أصالة السينما، أو طهرها قبل أن تتلوث بالتقنيات الرقمية.
عالم مغلق على اتساعه
يصعب الإمساك بخيوط سردية تقليدية في القصة التي كتبتها هالة القوصي لفيلمها، إذ لا تسير الحكاية على خط زمني واضح، ولا تتبع نسقا دراميا معتادا، بل تتكوَّن من مشاهد ومواقف تتناثر كما لو كانت تتصاعد من لاوعي الراوي -بعكس تيار الوعي في الأدب- لتورط المتفرج في عوالم شخوصها وحالاتهم الداخلية، دون أن تمنحه مسافة تأمل أو مسارا سهلا للفهم أو حتى التماهي.
رغم هذا البناء الحُلمي، فإن ثمة صراعًا يتبدى في طبقات متوازية داخل النسيج الدرامي: أوله الصراع المحوري بين سكان المستعمرة والحاكم المستبد "شوقي البهلوان" أحمد كمال، الذي يفرض سلطته وسطوة حضوره على المكان. وإلى جانبه، تنشأ صراعات فرعية مع أذرع المنظومة القمعية، أحيانا بين الترهيب المُجسد في شخصية قائد الأمن "أسامة أبو طالب"، أو الترغيب الذي تمارسه الجدة "جلالة" منحة البطراوي بوصفها واجهة ناعمة للسلطة. هذا بالإضافة إلى نزاعات أهل المستعمرة مع بعضهم بعضا، ليكتمل بذلك مشهد التمزق الجماعي داخل فضاء مغلق يلتذ بإعادة إنتاج العنف.
على الجانب الآخر، تخوض "مصاصة" (فايزة شامة)، إحدى الشابات من سكان المستعمرة صراعا مختلفا يحفظ لها البقاء رغم طبيعة المهنة التي تمارسها، وسط مجتمع يقتات على التهام بعضه بعضا. وأخيرا، يأتي الصراع الأبرز الذي يخوضه البطل الشاب "عبده" (عمر رزيق) سعيًا للانعتاق من سطوة المجتمع وهيمنة المنظومة الحاكمة، على عكس بطل فيلم يوسف شاهين "عودة الابن الضال" الذي انفلت عن مجتمعه ثم عاد منهزما. أما هنا، فالبطل يريد الخروج من هذا المجتمع القاتل لفنه، بما يستدعي إلى الأذهان شخصية "يحيى" في فيلم "إسكندرية ليه" لشاهين أيضا، حين تحايل على واقعه المأزوم لتحقيق حلمه بالسفر ودراسة السينما في أميركا.
نجح الفيلم في تجسيد هذه الحالة بصريا من خلال الديكور الفقير لحجرة "عبده"، الأمر الذي تم تعزيزه بمفردات بدائية استعان بها في خلق موسيقاه، تمثلت في أجهزة تسجيل قديمة، وقدور و"جراكن" بلاستيكية، وأغطية معدنية صدئة، كلها أدوات تُستعار من سوق "الروبابيكيا"، وفي خلفية الغرفة، تتدلى صينية معدنية ضخمة مفرّغة من المنتصف، تُشبه الأسطوانة الموسيقية، وتشهد في الوقت نفسه على المفارقة بين حجم الحلم والإمكانات الهزيلة التي تخلفها الأنظمة المستبدة.
كذلك يحمل عنوان الفيلم "شرق 12" دلالة رمزية مزدوجة: فهو من جهة يُحيل إلى الشرق بوصفه تمثيلا جغرافيا وثقافيا لما يعرف بدول "العالم الثالث" أو المناطق المهمشة والمنهوبة من العالم النامي، ومن جهة أخرى، يشير الرقم "12" إلى عام 2012، أي العام التالي مباشرة لثورات الربيع العربي، بما يحمله من مخاضات سياسية واجتماعية لم تكتمل، وواقع مأزوم سرعان ما انقلب على وعوده. من هنا، يُمكن قراءة الفيلم بوصفه نوعا من التأريخ الرمزي للحظة شرقية فارقة، حيث يتقاطع الزمن الفردي للشخصيات مع الزمن الجمعي لشعوب ما بعد الثورة، في محاولة لالتقاط شروخ الحلم ومآلاته المعلقة.
نتابع ذلك من خلال أحداث تجري داخل مستعمرة معدمة تحمل الاسم ذاته، معزولة عن العالم بسورٍ عالٍ، لا يحجبها مكانيًا فقط بل يفصلها زمنيًا كذلك. فعلى الرغم من امتلاء فضاءَي الحكاية –"دكان الحواديت" و"منزل البهلوان"– بعشرات الساعات المتنوعة، فإن عقاربها جميعًا متوقفة، كأن الزمن هنا قد أصابه الشلل فنزع عن هذا العالم المحاصر إيقاعه، وتحول إلى أرشيف مُعطَّل ومغلق على اتساعه. ففي حين يكتسب اتساعا من حيث الديكور والتفاصيل والأحلام، يشحن بإحساس العزلة والاختناق، كأن شخصياته تتحرك داخل قوقعة هائلة، تتسع فقط لتحتجزهم.
يراهن الفيلم على مُشاهد بوسعه ملاحقة إيقاع بصري لاهث، ينتقل عبر حكاية غير مترابطة بين السينما والفن التشكيلي والمسرح، مع احتفاء يتكرر من آن لآخر بفنون الحركة والرقص بل وفنون السيرك كذلك، وبينما ينصهر كل ما سبق في خلفية حية، تتضافر الموسيقى والإضاءة لصناعة خلفية موازية، صاخبة إلى حد الصراخ، في كثير من الأحيان، لكنها لم تخلُ من مساحات درامية من الصمت لم تنقطع على مدار الفيلم، سواء بين الشخصيات وبعضها أو من خلال السرد البصري. كذلك ساعد البناء المتشظي في المراوحة بين الحاضر والماضي، فيختلط الحلم والواقع، والحقيقي والمتخيل في بعض الأحيان. بينما تتحرك الكاميرا كعين مراقبة لا تغيب عن المشهد تنقل الحدث وتسجله من زوايا متلصصة، حيث توظف الكاميرا اضطرابها المقصود كأداة تعبير، خصوصا في المشاهد المغلقة واللقطات القريبة التي تحاكي قلقا وجوديا أكثر منه توتر درامي.
"الكون في راحة اليد"
في لقاء سابق مع المخرج الكبير محمد خان، سُئل عن رأيه في فيلمه الأول "ضربة شمس" 1980 وكيف ينظر إليه بعد مرور هذه السنوات الطويلة. تناول خان في إجابته عددا من الجوانب، سلبية وإيجابية على حد سواء، بيد أن الجزء الأبرز كان اعترافه بأن المخرج الذي كانه حينها تعمد التركيز علي إظهار قدراته الإخراجية، كمن "يفرد عضلاته" -حسب التعبير الشعبي- وربما بشكل زائد أحيانًا، وهي إشكالية شائعة كثيرا ما تسيطر على معظم المخرجين في مشاريعهم الأولى. هذا الميل يمكن تلمسه كذلك عند هالة القوصي في مساحات عدة من فيلمها "شرق 12" رغم أنه ليس أول أفلامها، فإنه يبدو بمثابة زاوية انطلاق في تطور مستقبلي لمشروعها السينمائي، ربما لهذا بدا حرصها واضحًا على حشد الكادر، كأنها تحاول احتواء العالم بأسره داخل إطار الفيلم، مما يذكرنا بعنوان رواية جيوكوندا بيلي الشهيرة، "الكون في راحة اليد".
يتجلى هذا من خلال عدد من التراكيب اتبعتها المخرجة في فيلمها سواء على المستويين: التقني والفني، أو من خلال أسلوب التناول، ففي الوقت الذي تحتفي فيه بمفاهيم التجريب والانفتاح البصري، تلجأ أحيانًا إلى الرمزية. وهو ما يتضح في اختيار أسماء الشخصيات الرئيسية وما تحمله من دلالات: "عبده" يفتقر لأي تعريف ليمثل جموع العباد، في حين لا يخلو اسم "مصاصة" التي تمتهن الدعارة من إيحاء جنسي مبتذل. وحين ننتقل إلى "شوقي البهلوان" نجد أن شطر اسمه الأول يعني صاحب الهوى أو الشوق، إشارة للتسلط والهيمنة التي يسعى إليهما، بينما يفضح الجزء الثاني من الاسم طبيعة هذا التسلط العبثي القائم على الحيلة والاستعراض.
أما "جلالة"، فهي من أكثر الشخصيات ثراء دلاليا، بدءا من اسمها الذي يستدعي على الفور مهنة "صاحبة الجلالة" -الوصف الشائع للصحافة- بما يحمل من سلطة رمزية وامتياز نخبوي تمارسه على المحيطين، وصولا إلى تفكيك الاسم إلى "جلا جلا"، ذاك اللفظ الشعبي المرتبط بالسحرة والحواة والمشعوذين. يظهر هذا التداخل بوضوح بين السلطة والإيهام في مشهد المواجهة بينها وبين "البهلوان"، حين تصرح له بأن رصيدها في "دكان الحواديت" قد نفد، محذرة من تفاقم الوضع في صفوف رعاياه، خصوصا بعد أن استنفدت أدواتها في التخدير والتنويم، ولم يعد هناك بديل سوى اللجوء إلى السحر، لذلك تطلب منه بمرارة لا تخلو من توسل: "فكها شوية".
ومع تهديدها الصريح لـ"البهلوان" بأنها ستروي الرواية التي يخشاها إن لم يبتعد عن طريق حفيدها "عبده"، يتكشف وجه آخر لـ"جلالة" يملك القدرة على تهديد السلطة ذاتها. هنا تغدو الشخصية رمزًا جامعًا لمجمل السلطات المتحالفة، بقصد مع نظام الحكم، فهي الجدة التي تمثل الموروث الاجتماعي والتقاليد، وهي أيضًا بوق الحاكم الإعلامي الذي يناشد الناس بالصبر والتضحية، بينما لا تخلو كلماتها من وقع ساحر على الجموع، يحاكي النفوذ الذي تمارسه المؤسسات الدينية على سبيل المثال.
تتشعب الأجواء بين الواقع والخيال عبر مستويات متعددة، جعلت الحبكة تبدو في صورتها الخارجية غير متماسكة، حيث تختلط الأحلام مع الهواجس والرغبات أحيانا في منطقة رمادية محايدة، ومن هنا تعود الأهمية الفنية والنفسية للمغامرة التي أقدمت عليها المخرجة باختيارها المادة الخام في التصوير، على الرغم من الصعوبة الكبيرة في إحياء طقس كهذا، الأمر الذي يؤكد أن سحر الأبيض والأسود لم ينضب بعد، وأنه لا يزال قادرًا على منح الصورة كثافة شعورية يصعب بلوغها رقميًا.
لكن من غير المنصف اختزال هذا السحر في جانبه البصري فحسب، فالأبيض والأسود هنا لا يُستخدم للإشارة إلى زمن ولى أو لإضفاء طابع من "النوستالجيا" فقط، بل يساهم أيضًا في تجسيد الحالة الداخلية للشخصيات، وفي التعبير عن تناقضاتها وتوتراتها النفسية، إذ تخضع معظم النوازع البشرية لقوانين ثنائية ومتضادة، بين الخير والشر، والرفض والقبول، والقمع والرغبة، والحضور والغياب… وغيرها من الثنائيات التي تشكل نسيج العالم والفيلم على حد سواء.
أمام واقع كهذا يعيش فيه الجميع في حالة من الاغتراب، تشمل المكان والزمان والشخصيات المحيطة، بما في ذلك "البهلوان" نفسه الذي لا يعرف سببا لبقائه على قيد الحياة، يكتسب العالم نزعة حيوانية يجسدها الفيلم في تفصيلة دالة وهي "مكعبات السكر" التي يتم تداولها بأهمية تفوق العملة النقدية، ومن المعروف أن مربي الخيول ومدربيها يستخدمون تلك المكعبات كمكافأة في أثناء التدريب لإحكام ترويضها. فإذا كان مكعب السكر في فيلم "شرق 12" يُمثل وسيلة للتحكم والسيطرة على الرعية، فإن مشهد الحاكم نفسه وهو يتشمم المكعبات بنشوة شبقية يكشف عن تشوه أعمق للسلطة، حين تستسلم لإدمان أدواتها ولا يعدو الحاكم مجرد موزّع للامتيازات، بل عبدًا لها، وكأنما يتذوق لذة سيطرته من خلال استهلاك رموزها، وبالتالي يصير أسيرا لنظامه مثله مثل بقية الشخصيات، حتى وإن كان في قمة الهرم.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في أول ظهور بالحجاب منذ عامين.. حلا شيحة تكشف تفاصيل "الانتكاسة الروحية"
في أول ظهور بالحجاب منذ عامين.. حلا شيحة تكشف تفاصيل "الانتكاسة الروحية"

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

في أول ظهور بالحجاب منذ عامين.. حلا شيحة تكشف تفاصيل "الانتكاسة الروحية"

نشرت الممثلة المصرية حلا شيحة مقطع فيديو عبر حسابها الرسمي على تطبيق "إنستغرام"، تحدثت فيه صراحة عن الأسباب التي دفعتها إلى خلع الحجاب، ووصفت ما مرت به في الفترة الماضية بـ"مرحلة اضطراب نفسي وروحي شديد". قالت شيحة في الفيديو إنها، مثل كثير من النساء، مرت بـ"لخبطة" سبّبها الخوف، مشيرة إلى أن "أي إنسان إذا استولى عليه الخوف وتمكّن منه، تحدث فوضى واضطراب في حياته". وأضافت أن الخوف يُغيّر نظرة الإنسان إلى الأمور، فيرى الأشياء من منظور الخوف وليس من "الزاوية الإيمانية الجميلة". وأوضحت أن ما مرت به يُعتبر "فتنة"، مؤكدة أن أي شخص قد يقع فيها، خاصة عندما تضعف العلاقة بالله: "أحيانا، حين يضعف الإنسان، يضعف إيمانه أيضا". View this post on Instagram A post shared by Hala Shiha (@halashihanew) تابعت شيحة: "كنت قريبة من الله، وأحب الله، وكل شيء كان جيدا، ولكن عندما استولى عليّ الخوف، خوفي من الغد، وخوفي على أولادي، حدث ما يُسمّى بـ (الانتكاسة عن الطريق). تركت السبيل، وانتكست وسقطت بقوة وكان ذلك مؤلما". واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن تلك الفترة كانت مليئة بالضيق النفسي، ووصفتها بأنها كانت "في ظلام تام"، وشعرت كما لو أن هناك جداراً يفصلها عن الناس. ويُعد هذا الفيديو أحدث ظهور علني لحلا شيحة بالحجاب، بعد أن كانت قد أثارت الجدل خلال العامين الماضيين عقب عودتها إلى التمثيل بدون حجاب، لتقوم لاحقا بحذف جميع صورها بدونه من حسابها على "إنستغرام"، في خطوة فُهمت على أنها إعلان ضمني عن عودتها لارتدائه. View this post on Instagram A post shared by Hala Shiha (@halashihanew) وكان أول ظهور رسمي لها بالحجاب من جديد في 17 مارس 2025، في صورة نشرتها على حسابها الشخصي، قبل أن تظهر لاحقا في الفيديو الأخير الذي كشفت فيه جانبا من معاناتها النفسية وخلفيات ما مرت به في السنوات الماضية.

مها الصغير تعتذر عن سرقة لوحة فنية.. وبرنامج "معكم منى الشاذلي" يرد: نحترم المبدعين الحقيقيين
مها الصغير تعتذر عن سرقة لوحة فنية.. وبرنامج "معكم منى الشاذلي" يرد: نحترم المبدعين الحقيقيين

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

مها الصغير تعتذر عن سرقة لوحة فنية.. وبرنامج "معكم منى الشاذلي" يرد: نحترم المبدعين الحقيقيين

في واقعة أثارت جدلا واسعا في الأوساط الفنية والإعلامية، اعترفت الإعلامية المصرية مها الصغير بخطئها بعد اتهامها بالاستيلاء على عمل فني ونسبه لنفسها خلال ظهورها ضيفة في برنامج "معكم منى الشاذلي". وقدمت اعتذارا علنيا قالت فيه: "أنا غلطت، غلطت في حق الفنانة الدانماركية ليزا، وفي حق كل الفنانين، وفي حق المنبر اللي اتكلمت منه، والأهم غلطت في حق نفسي.. مروري بأصعب ظروف في حياتي لا يبرر ما حدث، أنا آسفة وزعلانة من نفسي". من جانبها، تداركت إدارة برنامج "معكم منى الشاذلي" الموقف بإصدار بيان عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أكدت فيه أن اللوحة موضوع الجدل تعود للفنانة الدانماركية ليزا لاش نيلسون، وقالت: "نحترم المبدعين الحقيقيين، ونقدر إبداعاتهم الأصلية في كل المجالات". لوحة على الهواء بدأت الأزمة في بداية يونيو/حزيران الماضي، عندما ظهرت مها الصغير -الإعلامية ومصممة الديكور وطليقة الفنان أحمد السقا- ضيفة على برنامج "معكم منى الشاذلي" على قناة "ON E"، إذ تحدثت خلال اللقاء عن شغفها بالفنون التشكيلية، مشيرة إلى أنها تمارس هواية الرسم منذ سنوات، وعُرضت على الشاشة لوحة فنية قيل إنها من أعمالها، بعنوان "صنعت لنفسي بعض الأجنحة". لم تمر أيام حتى ظهرت الفنانة الدانماركية ليزا لاش نيلسون، عبر حسابها الرسمي على إنستغرام، لتفجر مفاجأة مدوية: "اللوحة التي ظهرت في البرنامج هي عملي الفني الذي رسمته عام 2019، واستُخدم في مناسبات عدة كرمز للكفاح من أجل الحرية.. لكن مها الصغير نسبت العمل لنفسها، والتلفزيون المصري لم يذكر اسمي، بل تجاهل أي إشارة إليّ". View this post on Instagram A post shared by Lisa Lach-Nielsen art (@ اتهامات بالسرقة الفنية وانتهاك الحقوق أكدت نيلسون أن مها الصغير لم تقتصر فقط على تقليد أسلوبها الفني، بل عرضت صورة لوحتها الأصلية ونسبتها إلى نفسها على الهواء، وهو ما اعتبرته انتهاكا واضحا لاتفاقية برن الدولية لحماية الملكية الفكرية، بالإضافة إلى القانون المصري. إعلان كما كشفت الفنانة الدانماركية عن أنها حاولت التواصل مع مها الصغير والقناة المنتجة للبرنامج، لكنها لم تتلقَ أي رد، فقررت نشر القصة بنفسها، مضيفة: "أشعر بالأسف، لأن فنانين مجهولين أو غير معروفين دوليا، يُعتدى على حقوقهم من دون أي اعتبار، لمجرد أنهم خارج دائرة الشهرة". تدخل المجلس الأعلى للإعلام وفي تطور رسمي، أعلنت لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر استدعاء الممثل القانوني لقناة "ON E"، للتحقيق في الواقعة بعد أن تبين من رصد الإدارة العامة للمجلس عرض أعمال فنية منسوبة لغير أصحابها من دون التحقق من الحقوق الأصلية. توترات بين مها الصغير وأحمد السقا تأتي هذه الأزمة في ظل ظروف شخصية غير مستقرة تعيشها مها الصغير بعد انفصالها عن زوجها الفنان أحمد السقا، عقب زواج دام أكثر من 24 عاما. وقد أثمر زواجهما 3 أبناء: ياسين، ونادية، وحمزة. وتشهد العلاقة بين الطرفين توترا، وصل إلى أقسام الشرطة بعد بلاغ تقدمت به مها ضد أحمد السقا تتهمه بالتعدي عليها وعلى سائقها، ولا تزال القضية قيد التحقيق. كما أظهرت الواقعة حساسية الجمهور المحلي والدولي تجاه حقوق المبدعين، مما يؤكد ضرورة وجود آليات واضحة للتصحيح والاعتذار، ليس فقط من الأفراد، بل من المؤسسات الإعلامية أيضا. ورغم اعتراف مها الصغير علنا بالخطأ، واعتذار البرنامج الذي استضافها، فإن المساءلة القانونية والأخلاقية تبقى قائمة، خاصة في ظل وضوح الواقعة وعلنية التجاوز. فوفقا للقانون المصري وقوانين حماية الملكية الفكرية الدولية مثل اتفاقية برن، يعد نسب عمل فني لشخص آخر من دون إذن أو إشارة للمصدر الأصلي انتهاكا صريحا يعرض مرتكبه للمساءلة القانونية، التي قد تصل إلى غرامات مالية أو تعويضات للفنان المتضرر، وربما تشمل إجراءات جنائية في حالات التربح أو التكرار المتعمد. عودة قضية غادة والي إلى المشهد تُعيد أزمة مها الصغير إلى الأذهان واقعة سابقة مشابهة أثارت جدلا واسعا، بطلتها المصممة المصرية الشهيرة غادة والي، التي اتُهمت عام 2022 بالاستيلاء على أعمال الفنان الروسي جورجي كوراسوف، واستخدامها في تصميمات جدارية ضخمة بمحطة مترو كلية البنات بالقاهرة، من دون إذنه أو الإشارة إليه على أنه المصدر. حينها، نشر كوراسوف منشورات موثقة على حساباته الرسمية، مرفقا أعماله الأصلية إلى جانب صور الجداريات المنفذة في المترو، مؤكدا أن التصاميم المصرية نُفذت باستخدام لوحاته دون أي تعديل يُذكر. وقد أحدثت الواقعة صدمة في الأوساط الفنية والثقافية، ودارت حولها نقاشات حادة بشأن أخلاقيات التصميم واحترام حقوق الفنانين، خصوصا في المشروعات العامة. اللافت أن غادة والي لم تقدم اعتذارا رسميا، مما زاد من حدة الانتقادات. وأمام الضغط الإعلامي والدولي، اضطرت وزارة النقل إلى إزالة بعض التصميمات لاحقا.

ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي وقادتها إلى الحداثة؟
ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي وقادتها إلى الحداثة؟

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي وقادتها إلى الحداثة؟

ما بين حياة اللغة وموتها، تمتد جسور وتشق معابر، وتخاض حروب هويات. وما بين خفوتها وسطوعها، تهدر المطابع بحورا من مداد الحبر، وتثمر المجامع ملايين المصطلحات، فتولد المعاجم وتوضع القواميس لفك شفرات اللغة الحائرة. في حروب اللغات، تجري صراعات وتحمى سباقات همها ضبط "الهويات القاتلة"، ونفي الادعاءات الفاضحة، وكشف الانتماءات الخادعة؛ فكلمة راقصة قد تعلن حربا، ومعنى متأرجحا تضيع بسببه حياة الملايين، وتجري من ورائه أنهار من الدماء. في نهايات القرن التاسع عشر، التقت لغتان -العربية والفرنسية- على أرض مصر، وكان لقاء الغرباء، ما بين نشوة اللغة الفرنسية المنتصرة وصدمة اللغة العربية المهزومة. كان لا بد من جسر تلتقي فوقه اللغتان، فكانت الترجمة. لعبت الترجمة في مطلع القرن التاسع عشر دورا محوريا في إرساء دعائم النهضة العربية الحديثة، وكانت ولا تزال همزة الوصل في مشروع إثراء اللغة العربية لغويا ومعرفيا، وأداة فاعلة في تطورها وتحررها من أغلال رسفت في قيودها قرونا طويلة. واللغة العربية هي نفسها التي سادت العالم عدة قرون خلال العصر العباسي، وكانت لغة العلم والمعرفة، وأسهمت في النهضة الأوروبية والثورة الصناعية من خلال ما قامت بنقله من علوم وفلسفة وطب، عبر الترجمة من اللاتينية واليونانية والفارسية. وحديثا، عبرت اللغة العربية إلى الحداثة على جسر لعبت "الترجمة" فيه دور البطولة، وكان لها باع طويل في تطور اللغة العربية وانتقالها من عصر الركود والاضمحلال إلى عصر النهضة والتقدم. وكثيرا ما راودنا هذا السؤال عن أثر الترجمة في النهوض باللغة العربية وتطورها، ولهذا التقينا ماريانا ماسا، الباحثة في الجامعة الكاثوليكية بميلانو الإيطالية، والمتخصصة في اللغة العربية وآدابها، التي أنجزت دراستها المهمة عن أثر الترجمة من الفرنسية على تطور اللغة العربية المعاصرة في القرن التاسع عشر. فمن خلال دراستها ثلاث عشرة لغة، استطاعت أن تخلص إلى أثر الترجمات على تطور اللغات عموما. درست الدكتورة ماسا تاريخ الترجمة والنصوص المترجمة، وتأثير الترجمة على مراحل حياة اللغة، وكيف أثرت على نشأتها وتطورها، بل وعلى موتها وحياتها. بحثت كيف اختفت اللغة اللاتينية من أوروبا وحلت مكانها لغات أخرى، وكيف تلاشت اللغة القبطية واندثرت بعد أن كانت لغة المصريين قبل الإسلام. كما رصدت أثر الترجمة على ميلاد اللغة وبعثها من جديد بعد أن كادت تموت، كما حدث مع اللغة العبرية الحديثة. لا خوف على اللغة العربية في مواجهة هجمات اللغات الأخرى. ولماذا لا يكتب العرب ويدرسون مناهجهم باللغة العربية اعتزازا بلغتهم وهويتهم؟ أما عن أثر الترجمة على تطور اللغة العربية، فكان واضحا من خلال المفردات اللغوية في المعاجم، وتطور بناء الجملة العربية. ومع انطلاق النهضة العربية والدفاع عن حقوق المرأة في المجتمع، اكتشفت الباحثة زيادة واضحة في الكلمات والأفعال والصفات المؤنثة، حيث أصبح للمرأة شأن جديد ومختلف عما كان عليه قبل القرن التاسع عشر. ولمست أيضا زيادة ملحوظة في استخدامات الفعل المضارع والمستقبل في مواجهة الفعل الماضي، كما استُحدثت في الكتابات العامة وفي الصحافة كثير من التعبيرات الجديدة التي لم يتطرق إليها الكتاب من قبل. في حوارها للجزيرة نت، قالت ماريانا ماسا إنه لا خوف على اللغة العربية في مواجهة هجمات اللغات الأخرى، وتساءلت: "لماذا لا يكتب العرب ويدرسون مناهجهم باللغة العربية اعتزازا بلغتهم وهويتهم؟". وطالبت بضرورة تكاتف علماء اللسانيات وخبراء البرمجيات للبحث في بناء قاعدة بيانات رقمية للغة العربية، تستطيع منها الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة. وإلى تفاصيل الحوار: دراسة أثر الترجمة على تطور اللغة تتطلب معرفة قوية بأكثر من لغة وإجادتها، لماذا اخترت هذا المجال رغم صعوبته؟ أنا محبة للغات عموما، وأتقن ست لغات إتقانا تاما، وملمة بسبع لغات أخرى، ولهذا كان بحثي في تأثير الترجمة على تطور اللغة، الذي أخذني إلى دروب وطرق لم أتصور يوما ما أن أطرقها. درست أثر الترجمة في 13 لغة عالمية، ثم ركزت دراستي على اللغتين العربية والفرنسية في فترة فارقة من تاريخ مصر والمنطقة العربية، مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 وبداية الصحوة العربية الحديثة، حيث كان هناك اتصال كبير بين مصر وفرنسا من خلال البعثات العلمية التي أرسلها محمد علي باشا وأبناؤه إلى فرنسا. كثيرا من اللغات كانت منطوقة فقط، فكان تأثير الترجمة عليها أن خلقت لها أبجديات لتصبح لغة كتابية تحتل مكانة لغة أخرى ماتت. على سبيل المثال، كانت اللغة اللاتينية منتشرة في كل دول أوروبا، ومع تطور اللهجات الأوروبية، اختفت اللاتينية وأصبحت تلك اللهجات لغات مكتوبة ومنطوقة كما نعرفها اليوم، في حين انقرضت اللغة اللاتينية ولم يعد لها وجود إلا في غرف الأبحاث اللسانية المتخصصة. كيف تصفين شكل اللغة العربية قبل وبعد هذا التأثر بالترجمة من الفرنسية؟ مع بداية القرن التاسع عشر، كان للترجمة من الفرنسية تأثير كبير على اللغة العربية، ولم يكن هناك سوى إشارات قليلة عن هذا التأثير وآلياته. ماذا حدث؟ وكيف حدث بالضبط؟ لم تكن هناك دراسات متعمقة في هذا التأثير. ورغم صعوبة الموضوع، فإنه كان في غاية المتعة؛ متعة أن ترى اللغة وهي تتطور وتنمو، وكيف كان شكلها قبل الترجمات الحديثة، ثم تطورها بهذا الشكل الذي نراه اليوم خلال رحلة استغرقت قرنين من الزمان تقريبا. رأيت أن كثيرا من اللغات كانت منطوقة فقط، فكان تأثير الترجمة عليها أن خلقت لها أبجديات لتصبح لغة كتابية تحتل مكانة لغة أخرى ماتت. على سبيل المثال، كانت اللغة اللاتينية منتشرة في كل دول أوروبا، ومع تطور اللهجات الأوروبية، اختفت اللاتينية وأصبحت تلك اللهجات لغات مكتوبة ومنطوقة كما نعرفها اليوم، في حين انقرضت اللغة اللاتينية ولم يعد لها وجود إلا في غرف الأبحاث اللسانية المتخصصة. وفي مصر، من حقنا أن نتساءل عن مصير اللغة القبطية، وهي من اللغات التي انقرضت، مع أنها كانت اللغة المنطوقة في مصر، وكانت لفترة هي لغة الكتابة، بينما كانت اللغة اليونانية هي اللغة المكتوبة والإدارية. وقد استطاع المترجمون نقل اليونانية إلى القبطية، وبعد عدة قرون ومع انتشار الإسلام، تعلم المصريون اللغة العربية لحاجتهم إلى شغل المناصب الإدارية، ثم ترجمت القبطية واليونانية إلى العربية ودخلت في التعاليم الدينية المسيحية، وبقيت اللغة القبطية مقتصرة على بعض السياقات الدينية داخل الكنيسة فقط. ذكرت أن الترجمة أسهمت في إحياء بعض اللغات، كيف حدث ذلك مع اللغة العبرية مثلا؟ من اللغات التي تم إحياؤها حديثا اللغة العبرية، لغة إسرائيل والأرض المحتلة. فقد انتبه المهاجرون الأوائل من اليهود، عندما نزلوا أرض فلسطين، إلى أنه لا وطن بلا لغة، فدرسوا إحياء اللغة العبرية، وهي لغة كانت مقتصرة على السياق والطقوس الدينية أيضا. وكثيرون لا يعرفون أن اليهود، كي يحيوا لغتهم، درسوا اللغة العربية وتطورها خلال القرن التاسع عشر، وقلدوا نظام اشتقاق الكلمات باللغة العربية لإبداع مفردات جديدة تعبر عن مفاهيم الحياة الحديثة، مثل "قطار" أو "سيارة" أو "طيارة". ولأنها من اللغات السامية مثل العربية، فقد درسوا حركة الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية، وأخذوا نماذج كثيرة منها واشتقوا كلمات جديدة من الجذور العبرية الموجودة، وهكذا نجحوا في إحياء لغتهم القديمة. كثيرون لا يعرفون أن اليهود، كي يحيوا لغتهم، درسوا اللغة العربية وتطورها خلال القرن التاسع عشر، وقلدوا نظام اشتقاق الكلمات باللغة العربية لإبداع مفردات جديدة تعبر عن مفاهيم الحياة الحديثة، مثل "قطار" أو "سيارة" أو "طيارة". ولأنها من اللغات السامية مثل العربية، فقد درسوا حركة الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية، وأخذوا نماذج كثيرة منها واشتقوا كلمات جديدة من الجذور العبرية الموجودة، وهكذا نجحوا في إحياء لغتهم القديمة. في نظرك، ومن رحلتك بين حياة اللغات وموتها، كيف ترين مستقبل اللغة العربية، وما الأخطار التي تهددها؟ أقول: لا خوف على اللغة العربية من الاختفاء في مواجهة هجمات اللغات الأخرى؛ فهناك ما لا يقل عن 400 مليون عربي يتحدثونها، وهناك اهتمام متزايد بها بسبب حركات الهجرة العربية المستمرة وشعور الأبناء والأحفاد بالحنين والارتباط بالعروبة. لهذا، تأسست المئات من مراكز تعليم اللغة العربية في المدن الأميركية والأوروبية. وفي الجامعة الكاثوليكية بميلانو، يوجد كثير من الطلاب الإيطاليين من أصول عربية يتطلعون لدراسة اللغة العربية. فلا خوف على اللغة العربية إطلاقا. لكن عندما ننظر إلى إحصائيات الإنتاج العلمي، فهو قليل جدا في مواجهة هيمنة اللغة الإنجليزية التي تكاد تحتكر لغة العلم الحديثة، حتى الإنتاج العلمي باللغة الإيطالية قليل جدا بالمقارنة. وفي دراسة عن الإنتاج العلمي باللغة العربية سنة 2008، كان أقل من 1% تقريبا. للنهوض باللغة العربية، أرى أن الحل يكمن داخل كل دولة، عبر النهوض بالإنتاج العلمي، والاعتزاز باللغة الوطنية، والتركيز على الدراسات اللسانية التي تساعد في تطور اللغة. فترة الدراسة التي قمت بها على اللغة العربية كانت مهتمة جدا بالتطور العلمي. ولكي لا نذهب بعيدا، المشكلة الأساسية موجودة في مناهج التعليم باللغة العربية. والسؤال: لماذا لا يكتب العرب ويدرسون مناهجهم باللغة العربية اعتزازا بلغتهم، ويتعلمونها بمنهج جديد؟ وهذا يدعوني للتساؤل: هل المناهج التي يتعلمها التلاميذ في المدارس مناسبة لهم؟ وهل هي مناسبة لهذه الازدواجية اللغوية بين الفصحى واللهجات؟ ما المصادر التي اعتمدت عليها في دراستك لإثبات تأثير الترجمة على اللغة العربية؟ لقد اشتغلت على دراسة تأثير الترجمة على تطور اللغة العربية من خلال المفردات اللغوية في المعاجم منذ زمن محمد علي باشا، وكان هناك تركيز كبير على الكتب المترجمة والمطبوعة في مطبعة بولاق التي أنشأها، ومنها كتب عن صناعة الملابس والطب والطب البيطري والتاريخ والجغرافيا، وكانت كلها كتبا متخصصة. وجدت أن كثيرا من الكلمات في اللغة الفرنسية لم يكن لها مقابل في اللغة العربية، وظهرت دراسات عن كيف تحررت اللغة العربية وانطلقت من عقالها لتسير في ركب الحداثة. ودرست كيف أثرت الترجمة على بناء الجملة العربية، وكيف تغيرت. القواعد العربية (النحو) لم تتغير، ولكن أسلوب الكتابة اختلف. إذا قرأنا نصا للجبرتي وآخر لقاسم أمين، فبالطبع أن الأسلوب اختلف. وتساءلت: لماذا اختلف الأسلوب؟ واستعملت في دراستي للإجابة عن هذا السؤال منهجا علميا اسمه "لسانيات المتون"، حيث جمعت عينات من النصوص، سواء ترجمت عن الفرنسية مباشرة في تلك الفترة، أم كتبها مثقفون عرب سافروا إلى فرنسا وتأثروا باللغة والثقافة الفرنسية، أمثال علي باشا مبارك، وصالح مجدي، وقاسم أمين، وكثير من الشوام الموجودين في مصر أمثال نجيب حداد وأديب إسحاق. وكان للصحافة الفرنسية دور في هذا التطور، فكان المثقفون العرب يقرؤونها، وعليه تأثرت أساليبهم في الكتابة بالأسلوب الصحفي الحديث. اشتغلت على دراسة تأثير الترجمة على تطور اللغة العربية من خلال المفردات اللغوية في المعاجم منذ زمن محمد علي باشا، وكان هناك تركيز كبير على الكتب المترجمة والمطبوعة في مطبعة بولاق التي أنشأها، ومنها كتب عن صناعة الملابس والطب والطب البيطري والتاريخ والجغرافيا، وكانت كلها كتبا متخصصة. وجدت أن كثيرا من الكلمات في اللغة الفرنسية لم يكن لها مقابل في اللغة العربية، وظهرت دراسات عن كيف تحررت اللغة العربية وانطلقت من عقالها لتسير في ركب الحداثة هل رصدت تغيرات لغوية محددة مرتبطة بالتحولات الاجتماعية في تلك الفترة؟ نعم، وجدت من تحليل النصوص التي كونتها زيادة وتكرارا في الصيغ المؤنثة؛ من أفعال وصفات وأسماء إشارة وأسماء موصولة. باستخدام منهج "لسانيات المتون" والأدوات التكنولوجية المتاحة، استطعت أن أحدد بدقة إحصائية عدد الأفعال والصيغ المؤنثة في كل مليون كلمة، ووجدت أدلة على زيادة نسبة تكرارها، وأربط هذا التطور في اللغة بظهور الخطاب النسوي في هذه المرحلة. فأحوال النساء لم يكن لها وجود كبير في النصوص العربية حتى جاء أشخاص مثل قاسم أمين ومن قبله رفاعة الطهطاوي. وهنا أطرح سؤالا للباحثين: هل هناك علاقة بين زيادة الألفاظ المؤنثة ونشوء الخطاب النسوي في هذه المرحلة في اللغة العربية؟ ووجدت ضمن بحثي زيادة ملحوظة في استخدامات الفعل المضارع. فمن خلال كتابات المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي، الذي عاصر نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، وجدت أن استخدامات الفعل الماضي أكثر بكثير من نسبة الأفعال المضارعة. ومع ترجمة بعض الأعمال الفرنسية، أصبح هناك توازن وتساو بين الأفعال الماضية والمضارعة، وهذا بتأثير من الترجمة والصحافة، لأن الخطاب المطروح لم يعد يهتم بالماضي فقط، بل بالحاضر وربما بالمستقبل، وهذه موضوعات لم يكن لها وجود من قبل. وجدت تعبيرات كثيرة كانت مستخدمة في الصحافة والكتابات العامة، جاءت مباشرة من اللغة الفرنسية، مثل عبارات: "بالنظر إلى"، "في الوقت نفسه"، "على الأقل"، "بالأحرى"، "بصفة كذا"، "تحت رعاية…". هذه تعبيرات استخلصتها بمساعدة عالم لغوي كبير هو عبد القادر المغربي، الذي لاحظ ظهورها في الكتابات العربية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقال إنها تأتي بتأثير مباشر من الترجمات الفرنسية وهل وجدت تعابير جديدة دخلت اللغة العربية بتأثير مباشر من الترجمة؟ من تحليلاتي اللغوية، وجدت تعبيرات كثيرة كانت مستخدمة في الصحافة والكتابات العامة، جاءت مباشرة من اللغة الفرنسية، مثل عبارات: "بالنظر إلى"، "في الوقت نفسه"، "على الأقل"، "بالأحرى"، "بصفة كذا"، "تحت رعاية…". هذه تعبيرات استخلصتها بمساعدة عالم لغوي كبير هو عبد القادر المغربي، الذي لاحظ ظهورها في الكتابات العربية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقال إنها تأتي بتأثير مباشر من الترجمات الفرنسية. وما فعلته أنا هو أنني بنيت هذا المتن التاريخي الكبير الذي تتراوح نصوصه من القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين، وبحثت عن هذه العبارات في الفترة الأولى من الدراسة فلم أجدها، أما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، صارت هذه العبارات موجودة وبقوة. وأثبت ما قاله الدكتور عبد القادر المغربي من خلال التكنولوجيات الحديثة المعروفة بـ"لسانيات المتون". كيف تعاملت مع رقمنة اللغة العربية، وما فرص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في خدمتها؟ لا بد من البحث عن حلول برمجية رقمية لا تأخذ في اعتبارها فقط الكم الهائل من المفردات، ولكن أيضا حركات التشكيل والإعراب. فمن مشاكل البحث التي واجهتني وأنا أستخرج النتائج من النصوص، أن تعريف الكلمة من حيث إعرابها ليس صحيحا دائما؛ فالكلمة تختلف من فعل إلى اسم إلى حرف حسب سياقها اللغوي. وهذا هو الصعب في رقمنة اللغة العربية، حيث الصعوبة كبيرة في قدرة البرامج الحاسوبية على تعريف الحركات العربية، وهذه هي الصعوبة الحقيقية التي نواجهها. لا توجد برامج أو قاعدة بيانات تستطيع ضبط الحركات بحسب سياق الجملة، ولهذا فالأمر يحتاج إلى مزيد من العمل والبحث بين خبراء الحاسوب وعلماء اللغة للتوصل إلى حل للمشكلة. اللغة العربية متأخرة جدا في عملية الرقمنة، إلا أن هناك جهودا كبيرة في بعض المراكز البحثية، أما تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإنها تُفقد العربية بلاغتها في الوقت الحالي اللغة العربية متأخرة جدا في عملية الرقمنة، إلا أن هناك جهودا كبيرة في بعض المراكز البحثية. ففي جامعة أبوظبي، يوجد أحدث نظام تعريفي حاسوبي للحركات العربية في "لسانيات المتون" اسمه (CAMEL) "جمل"، وقد اعتمدت على هذا المنهج. وهناك جهود أخرى كثيرة، مثل إتاحة المعجم التاريخي للغة العربية بالشارقة، الذي يعد إضافة كبيرة في دراسة تاريخ الكلمات، وقد اعتمدت عليه في دراسة تاريخ كلمات مثل "أمة"، "جمهور"، "كهرباء"، و"قنبلة"؛ حيث يحكي المعجم تاريخ الكلمة منذ أن استخدمت أول مرة، وكيف تطورت وتغيرت معانيها، وهذا دليل مهم جدا لكل من يدرس تاريخ اللغة. أما تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإنها تُفقد العربية بلاغتها في الوقت الحالي. أبحاث الذكاء الاصطناعي تتضمن جانبا كبيرا من التطبيقات على اللغة العربية وترجمتها، ولكن هذه النماذج اللغوية الكبرى دُربت، (مثل Gemini, ChatGPT, Claude AI)، باللغة الإنجليزية، فهي نماذج ذات تركيب يشبه اللغة الإنجليزية. الجملة العربية أحيانا تشبه الإنجليزية وأحيانا تختلف عنها، وعموما أرى أن اللغة العربية الناتجة عن هذه النماذج فاقدة لكثير من بلاغتها وفصاحتها. لكي نرتقي باللغة العربية عن طريق هذه الآليات الجديدة، لا بد من تدريب هذه النماذج بنصوص عربية بليغة فصيحة، وليس باللغة الإنجليزية. وكيف يتم ذلك؟ بالجمع بين المهارات اللغوية والحاسوبية، والتعاون بين خبراء اللسانيات وخبراء الحاسوب لإيجاد نموذج تدريب عربي كبير، حتى نجد نصوصا عربية تعطينا إجابات فصيحة لا نشعر أنها كتبت باللغة الإنجليزية. تموت اللغة عندما يهجرها أهلها والمتحدثون بها، وتموت عندما تستبدل بلغات أخرى، كما في حالة اللغة اللاتينية التي استبدلت باللغات الأوروبية. وكان للنصوص الدينية سبب في اختفاء اللاتينية، لأنه كان هناك احتياج لتوصيل هذا المحتوى الديني للشعب الأمي الذي لا يفهم اللاتينية. وفي ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، تم إبداع لغات جديدة. وهذا التغيير استغرق قرونا ولم يحدث فجأة أخيرا، عن حياة اللغة وموتها، متى يمكن أن نقول بموت لغة ما، وما شروط إحيائها؟ تموت اللغة عندما يهجرها أهلها والمتحدثون بها، وتموت عندما تستبدل بلغات أخرى، كما في حالة اللغة اللاتينية التي استبدلت باللغات الأوروبية. وكان للنصوص الدينية سبب في اختفاء اللاتينية، لأنه كان هناك احتياج لتوصيل هذا المحتوى الديني للشعب الأمي الذي لا يفهم اللاتينية. وفي ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، تم إبداع لغات جديدة. وهذا التغيير استغرق قرونا ولم يحدث فجأة. اتهم مارتن لوثر بالهرطقة من الكنيسة لأنه ترجم الإنجيل من اللاتينية إلى الألمانية المنطوقة. وفي إيطاليا في القرن الخامس عشر، كتب دانتي دراسة عن "بلاغة العامية"، حيث تناول الكتابة الأدبية بالعامية، وطرح تفوق اللغات الطبيعية الحية على اللاتينية، وهذا يعد تصرفا ثوريا في عصره. وهكذا، تموت اللغات بانصراف الناطقين بها عنها أو استبدالها بلغات أخرى. هذا ما حدث مع اللغة القبطية التي استبدلت بالعربية، وحدث مع اللغة التركية الحديثة ولكن قسريا عندما قرر كمال أتاتورك استبدال الأبجدية العربية باللاتينية، واستبدال كلمات من أصول عربية بأخرى من أصول تركية. كان هذا قرارا سياسيا، ورأى أتاتورك، وهو عالم لغة، في ذلك استقلالا للأمة التركية بهوية بحتة، وطبق المناهج الدراسية باللغة التركية الجديدة. وهذا ما تم أيضا لإحياء اللغة العبرية في الأرض المحتلة، حيث تم تعميم المناهج الدراسية بالكامل باللغة العبرية الجديدة. هناك علاقة طردية بين تطور اللغة وزيادة عدد المتحدثين بها؛ فكلما زاد الإنتاج العلمي للغة ما، زاد عدد مستخدميها وتطورها. والعكس صحيح؛ فإذا هجر المتكلمون لغتهم، ماتت وذوت واندثرت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store