logo
الرؤية السعودية... نحو دولة فلسطينية

الرؤية السعودية... نحو دولة فلسطينية

Independent عربيةمنذ 3 أيام
منذ قمة فاس عام 1982، حين طرح الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - أول مبادرة عربية متكاملة للسلام، لم تتعامل السعودية مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً موسمياً أو ورقة ضغط، بل كمشروع سياسي ممتد، يشكل جزءاً من التزامها الأخلاقي والديني والتاريخي تجاه الشعب الفلسطيني. ومع تعاقب الأعوام وتبدل الحكومات والمواقف الإقليمية والدولية، بقيت السعودية ثابتة على مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين، لا بوصفه حلاً وسطاً، بل باعتباره الخيار الوحيد الممكن.
هذه الرؤية، التي بدت جريئة في زمن التردد العربي والمزايدات الفارغة، تتكشف اليوم عن مشروع سعودي ناضج، يتحرك بخطى محسوبة، في لحظة بالغة القسوة، تتسم بتطرف الحكومة الإسرائيلية، وذروة الدعم الأميركي، وتراجع ملف فلسطين في أجندات القوى الكبرى. وبينما اختار البعض الانسحاب من المشهد، أو الاكتفاء بالمواقف اللفظية، خاضت السعودية معركة دبلوماسية هادئة وشاقة، هدفها الأول إعادة الاعتراف بفلسطين كدولة، لا كقضية مؤجلة.
فحين رفضت إسرائيل كل المبادرات، وتعاملت مع الواقع الفلسطيني كملف أمني لا سياسي، فهمت السعودية أن الحل لا يمكن أن يكون عبر أميركا أو حتى إسرائيل، بل من خلال فرض مشروعية دولية جديدة تعيد تعريف شروط الحل... من هنا جاء التحرك السعودي خلال العامين الماضيين، الذي بلغ ذروته مع اعتراف ثلاث دول أوروبية - إسبانيا والنرويج وإيرلندا - بالدولة الفلسطينية، بدعم مباشر من السعودية، ثم بتنسيقها المباشر مع فرنسا، القوة الأوروبية الكبرى، التي أعلنت رسمياً نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر (أيلول) المقبل.
هذه الاعترافات لم تأتِ من فراغ، بل سبقتها جولات شاقة قادها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووفود رسمية حملت الرؤية السعودية شرقاً وغرباً، في عواصم القرار ومراكز التأثير، ورسخت أن الوقت قد حان للانتقال من إدارة الصراع إلى الاعتراف بالحقوق. ويمثل المؤتمر الوزاري المشترك بين السعودية وفرنسا الذي يعقد في نيويورك أحد أبرز ثمار هذا الجهد، إذ سيوفر منصة دولية فاعلة لبدء مسار سياسي عملي، يتجاوز الشعارات إلى وضع العالم أمام مسؤولياته.
السؤال الذي يُطرح الآن، هل لهذا الجهد معنى ما دامت واشنطن خارج الصف؟ الإجابة ليست دبلوماسية بل واقعية، فالتحولات السياسية لا تبنى على ضوء أخضر أميركي، بل تصنع على الأرض عبر التراكم والضغط وتغيير المزاج الدولي. ومن يظن أن الدولة الفلسطينية لن تقام إلا بإذن البيت الأبيض يتجاهل كيف يُصنع القرار الأميركي نفسه، الذي يتأثر بالحراك الدولي، وبتزايد الأصوات الغربية المؤيدة للاعتراف، وبتحولات داخلية تضغط على صانع القرار الأميركي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإن كانت السعودية لا تراهن على الوهم، فهي كذلك لا تسلم بالاستسلام، فالرياض تدرك حجم التحديات، وأن الطريق طويل، لكنها تحاول إعادة تعريف معادلة الصراع: من قضية محصورة بين احتلال وشعب أعزل، إلى حشد سياسي ومعركة قانونية دولية حول حق شعب في تقرير مصيره وبناء مؤسساته، ومن هنا جاءت رسائل الضغط التي وجهتها السعودية للدول المترددة، مطالبة إياها بالاعتراف بفلسطين، لا كتعبير عن التضامن، بل كموقف مسؤول من أجل استقرار المنطقة.
المبادرة السعودية ليست إعلان نيات، بل مشروع قائم على أربع ركائز: اعتراف فوري وواسع بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإصلاح السلطة الفلسطينية وتوحيد الصف الداخلي، وضمان الأمن الإقليمي لجميع الأطراف، والتمهيد لشراكة سياسية مدنية تمنح الفلسطينيين حقوقهم وتمنح الإسرائيليين ضمانات واقعية للسلام. وما يميز هذه الرؤية أنها لا تسعى إلى إرضاء أحد، ولا تنطلق من حسابات شعبوية، بل من فهم عميق لتبدلات العالم. فبعد عقود من الجمود بات كثير من صناع القرار الغربيين يرون أن استمرار الاحتلال من دون أفق سياسي يهدد أمن المنطقة والعالم، ويقوض صدقية النظام الدولي نفسه. والسعودية اليوم لا تكتفي بالتذكير بهذه الحقيقة، بل تعمل على تحويلها إلى موقف عملي، وتحشد من أجلها تحالفاً دولياً يتنامى يوماً بعد آخر.
وفي وجه حكومة إسرائيلية تتقن القتل والمراوغة، ترد السعودية بلغة القانون، وتخاطب الضمير الدولي بلغة الممكن، وتدفع العالم نحو ما ظل يؤجله، اعتراف كامل بدولة لا يمكن مواصلة تجاهلها، فالقضية الفلسطينية تعيش اليوم لحظة اختبار للشرعية الدولية، ولصدقية الدول الكبرى. والسعودية، التي تمارس هذا الدور من موقع الثقة والتأثير لا تطرح شروطاً مستحيلة، ولا تملي على أحد، لكنها تقول بصوت واضح: لا أمن ولا استقرار ولا تطبيع، من دون دولة فلسطينية مستقلة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محمد آل ناجم مديراً لإدارة ⁧‫العلاقات العامة والإعلام‬⁩ .
محمد آل ناجم مديراً لإدارة ⁧‫العلاقات العامة والإعلام‬⁩ .

صدى الالكترونية

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى الالكترونية

محمد آل ناجم مديراً لإدارة ⁧‫العلاقات العامة والإعلام‬⁩ .

صدر قرار معالي رئيس ⁧‫جامعة الباحة‬⁩ أ.د. عبدالله بن يحيى الحسين ؛ بتجديد تعين الأستاذ محمد آل ناجم مديراً لإدارة ⁧‫العلاقات العامة والإعلام‬⁩ . ‏ وبعد هذه الثقة من معالي رئيس جامعة الباحة علق الأستاذ محمد آل ناجم هذا التعين وقال أنا ممتن وفخور بهذه الثقة من معالي رئيس الجامعة ؛ وأن شاء الله استمر وزملائي وزميلاتي في الإدارة حتى نكون جزء من إنجازات وتميز جامعتنا ، وخدمة الدين والوطن والقيادة الرشيدة – أعزها الله – بعون وتوفيق المولى عز وجل . 🇸🇦 يذكر أن الأستاذ محمد آل ناجم شغل هذا المنصب لمدة سبع سنوات كانت مليئة بالإنجازات ومواكبة رؤية القيادة الرشيدة في المجال التعليمي

تقديرًا لإسهاماته.. البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير منطقة مكة المكرمة
تقديرًا لإسهاماته.. البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير منطقة مكة المكرمة

صحيفة عاجل

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة عاجل

تقديرًا لإسهاماته.. البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير منطقة مكة المكرمة

طابع تذكاري لأمير منطقة مكة المكرمة أصدر البريد السعودي بالتعاون مع إمارة منطقة مكة المكرمة طابعًا تذكاريًا للأمير ‎خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة ‎مكة المكرمة، تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية، وليكون جزءًا من سلسلة الطوابع التذكارية. وبهذه المناسبة، رفع أمير منطقة ‎مكة المكرمة، الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -رعاه الله- بمناسبة صدور الأمر السامي بالموافقة على إصدار الطابع البريدي الخاص بتكريم سموه، مؤكدًا أن هذا التكريم لم يكن ليأتي إلا بفضل من الله ثم بتوجيهات ودعم خادم الحرمين الشريفين الذي تشرف به منذ بداية حياته الإدارية. كما قدم شكره وامتنانه لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، عادًا التكريم لفتة غير مستغربة من قيادة هذه البلاد التي لم تدّخر جهدًا في سبيل دعم أبنائها. وسأل المولى عز وجل أن يديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها في ظل قيادتها الحكيمة. أصدر البريد السعودي #سبل طابعًا تذكاريًا بمناسبة تكريم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة #مكة_المكرمة ، بالتعاون مع @makkahregion ، تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية وليكون جزءًا من سلسلة الطوابع التذكارية 🇸🇦 — البريد السعودي | سبل (@SPL_KSA_online) August 4, 2025

«حزب الله» يستبق جلسة الحكومة اللبنانية بتمسكه بموقفه
«حزب الله» يستبق جلسة الحكومة اللبنانية بتمسكه بموقفه

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

«حزب الله» يستبق جلسة الحكومة اللبنانية بتمسكه بموقفه

جدّد «حزب الله» موقفه الرافض لبحث سحب سلاحه قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان. ويأتي موقف الحزب في وقت تتجه الأنظار إلى ما سيكون عليه مشهد جلسة الحكومة التي يفترض أن تبحث في «بسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها بأدواتها الذاتية»، على أن تعلن موقفاً واضحاً في هذا الإطار؛ خصوصاً أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية وقوى داخلية تطالب بوضع زمني لسحب سلاح الحزب، لا يزال الأخير يرفض هذا الموضوع. إلا أن الحزب لن يغيب عن الجلسة، إذ أعلن وزير الصحة ركان ناصر الدين أنه وزميله وزير العمل محمد حيدر سيشاركان في جلسة الثلاثاء. وقال ناصر الدين، خلال مشاركته في مسيرة في ذكرى انفجار المرفأ نظمها أهالي الشهداء (محسوبون على الحزب ويطلقون مواقف ضد المحقق العدلي طارق البيطار): «سنكون مشاركين في جلسة الغد للنقاش الإيجابي البنّاء من المرفأ للجنوب للبقاع للجبل... هذا وطننا ووحدتنا أساسية». موقف الحزب جاء بعد زيارة قام بها وفد منه ضم النواب علي فياض ورائد برو ومحمد الخنساء إلى الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون، «وتمّ خلال اللقاء التشاور في الأوضاع الراهنة وعرض وجهات النظر حيال المستجدات لا سيما تطبيق مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار؛ حيث تم التأكيد على أهمية التماسك الوطني والتوصل إلى حلول تحقق الاستقرار الأمني والمصلحة الوطنية»، بحسب ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام». وبعد اللقاء، أكد فياض أن الزيارة شديدة الأهمية، تحديداً في هذه المرحلة، للتشاور حول طبيعة الموقف تجاه استمرار العدوان «الإسرائيلي» على لبنان. وقال: «كانت فرصة لمعالجة الموضوع من مختلف زواياه»، مضيفاً: «موقفنا كان واضحاً، وأعدنا التأكيد عليه، وهو أنه لا يمكن الانتقال إلى البحث بأي شيء يخص السلاح، ما لم يلتزم العدو بالانسحاب وإيقاف الأعمال العدائية». ورأى أن «البحث بجدول زمني أو القفز مباشرة إلى المطالبة بتسليم السلاح، قبل أن يقوم (الإسرائيلي) بما يجب أن يلتزم به أساساً، يشكل نوعاً من الخلل الكبير الذي يحتاج إلى معالجة». ودعا فياض الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بما ورد في البيان الوزاري، وبما ورد في خطاب القسم، والأوراق اللبنانية الأولى التي قُدمت للوسيط الأميركي (توماس برّاك)، التي تؤكد أن المدخل للمعالجة هو الانسحاب «الإسرائيلي»، وإيقاف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح جميع الأسرى، ووضع الإعمار على سكة المعالجة. وقال: «بعد ذلك نؤكد استعدادنا الكامل للمعالجة بكل إيجابية من قلب القواعد التي نص عليها القرار 1701، والتي نصت عليها ورقة الإجراءات التنفيذية، التي تحدثت عن وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الصهيوني». وفي السياق نفسه، انتقد عضو كتلة «التنمية والتحرير» (التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) النائب هاني قبيسي: «الغرب الساعي إلى تقويض قوة لبنان عبر نزع سلاح المقاومة، الذي هو درع الدفاع عن سيادتنا وحدودنا». وقال قبيسي، في حفل تأبيني، إن «سلاح المقاومة ليس موجهاً إلى الداخل، بل هو مكرس للدفاع عن لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي». مطلب داخلي في المقابل، تواصلت المواقف المطالبة بتسليم السلاح. وفي الإطار نفسه، وصف رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل جلسة مجلس الوزراء، الثلاثاء، بـ«التاريخية»، آملاً أن «تكون لدينا الشجاعة بأن نحمي كل اللبنانيين لأي طائفة انتموا، ولبنان من جنوبه لبقاعه ونحصّنه ونحمي البنية التحتية ونحرّر أنفسنا من كل القيود ونفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». وأضاف: «هذا القرار مطلوب اتخاذه في جلسة الثلاثاء لأنه سيسمح لنا ببناء الدولة وهو لمصلحة لبنان وليس لإرضاء أحد أو للخضوع لأحد». #الكتائب تحيي ذكرى نجاريان وضحايا 4 آب... #الجميّل: جلسة الثلاثاء مفصلية للانطلاق من لبنان الميليشيات والفوضى إلى الدولة والمحاسبة والقضاء وحصر السلاح — (@kataeb_Ar) August 4, 2025 من جانبه، قال وزير العدل عادل نصار، المحسوب على «الكتائب»، إن «تسليم السلاح مطلب داخلي قبل أن يكون خارجياً، ولا سبب للمحافظة على السلاح وعرقلة بناء الدولة والتوازنات واضحة نظرياً وفعلياً فهذا السلاح يجر الويلات ولا يحمي». وأكد نصار، في حديث إذاعي، أن رئيس الجمهورية جوزف عون يقوم بعمل كبير بموضوع سلاح الحزب، معتبراً أن «لا بناء لدولة من دون تسليم السلاح. وهذا الموضوع محسوم بالمنطق وبرغبة الجميع في بناء دولة وفي خطاب القسم وفي البيان الوزاري». سيدة الجبل بدوره، طالب «لقاء سيدة الجبل» الحكومة بـ«تحويل بند بسط سيادة الدولة على كامل التراب اللبناني بقواها الذاتية إلى قرار سياسي يرتقي إلى المستوى الوطني، يقترن ببرنامج زمني للتنفيذ دون إبطاء». وأشار اللقاء، في اجتماعه الأسبوعي، إلى أن «مستقبل لبنان واستقراره مرهونان بسلوك السلطة السياسية في ظل ظروفٍ مواتية وطنياً وعربياً ودولياً». ولفت إلى أن «(حزب الله) عزل ذاته عن سائر اللبنانيين بإرادته وبكامل وعيه، إذ أصبح وحيداً بعد أن تركه أقرب المقربين وبعد أن تكونت قناعة وطنية عابرة للطوائف بأن بقاء سلاحه يمنع ليس فقط قيام الدولة في لبنان إنما يمنع الحياة والازدهار عن كل اللبنانيين من دون تفرقة».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store