logo
عبدالعزيز خوجة..  أول سفير سعودي في موسكو

عبدالعزيز خوجة.. أول سفير سعودي في موسكو

عكاظمنذ يوم واحد
عرفت الأوساط السياسية في العالم العربي العديد من الشخصيات التي تبوأت مناصب دبلوماسية ووزارية قادمة من حقول الأدب والشعر والعمل الأكاديمي، لكن الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة تفوق على غيره؛ لأنه جمع السياسة والدبلوماسية مع الكيمياء والشعر والثقافة في معادلة غريبة لم يتقنها قبله سوى الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، الذي يبدو الأقرب إليه لجهة المهام التي كلف بها وسعى جاهداً من خلالها لخدمة وطنه ومليكه وشعبه.
في إجابته عن سؤال حول كيفية توفيقه بين الشعر والكيمياء والسياسة، قال بلهجته الحجازية الأنيقة: «هي رحلة حياة وتراكم، ربما تراكم معرفة وتراكم ثقافة من هنا وهناك، الشعر ربما ولد معي ثم صُقل بالمعرفة وبالقراءة.. الكيمياء دخلتها كطالب في كلية العلوم كنوع من طلب المعرفة، والمعرفة لها أبواب لا أستطيع أن أقرأها بنفسي».
ولد خوجة بمكة المكرمة سنة 1942 ونشأ بها، وتعلم في مدارسها على أيدي علمائها، وكبر في جنبات حرمها، متشبعاً بعراقة تاريخها ورهبة أجوائها الروحانية وأصالة تقاليدها، ما جعله تقيا ورعا قنوعا. غير أن ميلاده لأب مثقف مدمن على القراءة، وجد (عثمان قزاز) يمتلك مكتبة نفيسة، ونشأته قريبا من زوج أخت أديب (عبدالعزيز الرفاعي) وشقيقه زياد صاحب العلاقات الوطيدة مع الشعراء والمثقفين، وخاله بكر وعميه محمد وكمال أصحاب العلاقات الثقافية المتشعبة، كلها عوامل جعلت عقله الغض مرهقاً بالأسئلة حول سبل النجاح والإنجاز والكفاح وارتقاء المعالي، ومعرفة كنه الأشياء من حوله، فظل يبحث عن الإجابة في مكتبة أسرته العامرة وسير أقاربه ومعالم وتاريخ العاصمة المقدسة العبق. وإذا كانت كتب التراث والتاريخ والسير هي التي انشغل بها في بداياته، فإنه اتجه مع نموه وتوسع مداركه إلى كتب العلوم الحديثة والفلسفة والأدب والشعر وكل ما كان يأتي من القاهرة وبيروت والشام من مطبوعات.. يتلقفها ويتبادلها مع زملائه ويتحاور معهم حول مضامينها. ورويدا رويدا اكتشف صاحبنا شاعريته «كنت مع زملائي في نفس السن نرى وردة مثلا.. هم يمرون بها مرور الكرام دون إحساس، وأنا أنبهر وأحس بها وأفرح وأرى فيها ما لا يراه الآخر».
أصدر خوجة في فبراير 2020 مذكراته في كتاب حمل عنوان «التجربة، تفاعلات الثقافة والسياسة والإعلام». وتضمن الكتاب سيرته الشخصية وملامح الأمكنة والشخوص التي أثرت في تكوينه، والتحولات الاجتماعية التي عاصرها في مجتمعه وخارجه، وتجربته في التعليم والإدارة والدبلوماسية والسياسة والأدب والثقافة، ومما ورد في الكتاب أنه كان في الخامسة من عمره حينما وقف «سيد البن» (أحد دراويش مكة) أمام دكان والده في حي القشاشية وقال له: «ابنك هذا سيقابل الملوك والرؤساء»، فما كان من والده إلا أن اشتعل فرحاً وتفاؤلاً وهرع إلى البيت ليبشر زوجته وأباه وبقية الأسرة. يقول خوجة معلقاً أنه مذاك راح والده يشجعه على الدراسة والاجتهاد والعمل، منتظراً تحقق تلك النبوءة. ومما ورد في الكتاب أيضاً أن حوادث الموت كان لها ظهور موجع في حياة صاحبنا. فقد توفيت أخته فتحية في شبابها الباكر واتهم شيخ الجن بموتها انتقاما لابنه الذي مات بسبب لهو الفتاة البريء، وتوفي أخوه الأصغر حسن في سن الرابعة واتهمت امرأة زائرة بالتسبب في وفاته؛ لأنها استغربت من نموه دون أن تذكر الله، ثم توفي شقيقه عدنان ووالدته فوالده. ولا يخفي خوجة شيطنته في مدرسته بتقليد الأصوات إلى أن ضبطه ذات يوم مدير المدرسة المربي محمد فدا، فلم يعاقبه وإنما أعجب بمهارته وفصاحته ووجهه إلى فريق التمثيل بالمدرسة؛ كي تستثمر مواهبه تلك. كما تطرق إلى العقاب البدني الذي كان يمارسه المعلمون بحق طلابهم لأتفه الأسباب، ومنه أن مراقب مدرسته ضربه ذات مرة فقط لأنه كان يقود دراجة في الشارع، وهو ما جعل شقيقه عدنان يكره المدارس.
وفي الكتاب أيضاً صورة بانورامية جميلة للمجتمع المكي في عقدي الأربعينات والخمسينات وكيف أنه تميز بالتكافل الاجتماعي والشهامة العربية الأصيلة ومساعدة القوي للضعيف والغني للفقير، وصولًا إلى تناوله للحياة الثقافية والفنية في مكة، وكيف أن المكيين استوعبوا فنون العالم الإسلامي وأجادوا تطويرها، فشهدت مدينتهم المقدسة صدور أولى صحف البلاد وانطلاق أول إذاعة سعودية.
بعد تخرجه من المرحلة الثانوية بمكة سافر إلى مصر على نفقة أسرته للتحصيل الجامعي، فمرّ هناك بتجربة فشل، ربما كانت الوحيدة في حياته، حيث أنهى سنته الجامعية الأولى في كلية العلوم بجامعة القاهرة بالرسوب في جميع المواد. غير أن هذه الواقعة كانت سبباً في عودته إلى وطنه للالتحاق بجامعة الرياض الوليدة، وهو مصمم على الاجتهاد والتفوق والابداع لمسح صورته المخيبة للآمال عند والده وأهله. وهكذا وجد الرجل في بيئة الرياض، حيث ليست له فيها علاقات كما في مكة وليست بها ملهيات كما في القاهرة، فرصة لتحقيق مراده، فذاق حلاوة النجاح في الستينات بتخرجه حاملاً شهادة البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا، ليتوجه بعدها إلى بريطانيا سعيا وراء نيل درجة الدكتوراه في الكيمياء التي حصل عليها من جامعة برمنغهام سنة 1970.
وحول حياته في بريطانيا، قال إنها أتاحت له الاطلاع على حضارة جديدة، وفتحت له آفاقاً جميلة عن وحدة الكون وجمال الكون وارتباط الكون، مضيفاً أنه تأقلم سريعاً مع الثقافة البريطانية المختلفة تماماً عن ثقافته؛ لأن «ميزة الإنسان في مكة أنه يتأقلم.. لماذا؟ لأننا نلتقي بثقافات مختلفة وبحضارات مختلفة ووجوه مختلفة، وهذه تجعلنا نعرف ثقافة الآخرين وحضارة الآخرين دون خوف». والجدير بالذكر، أن خوجة تزوج في ليلة سفره إلى بريطانيا من قريبته السيدة فايزة بنت صالح بكر، التي رافقته إلى هناك وسهرت على راحته خلال مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ثم رافقته إلى محطات عمله الدبلوماسي حيث درست في جامعات تلك الدول وتعلمت اللغات الإنجليزية والتركية والروسية. ومما يجدر بنا ذكره هنا، هو أن أطروحته لنيل الدكتوراه كانت عن العقم عند النساء، وبعد أن وضعها عند المشرف البريطاني تفاجأ أن الأخير سرقها ونشرها باسمه، وطلب منه أن ينسى عمله البحثي مع وعد بتعويضه أكاديمياً. يقول خوجة إنه أذعن وفكر في مشروع بديل للدكتوراه يتعلق بالأنزيمات وتفاعلاتها، فتوصل إلى إمكانية استخدام الأنزيم مراراً وتكراراً مما يعني وفراً كبيراً في العمليات، وقد تمّ تسجيل اكتشافه باسمه وحصل من الجامعة على منحة بمبلغ 160 جنيهاً، علاوة على مكافأة مالية من الشركة التي اعتمدته.
بعد عودته إلى بلاده مكللاً بأعلى الدرجات العلمية بدأ حياته المهنية أستاذاً للكيمياء بكلية التربية بمكة المكرمة، قبل أن يحصل على ترقية ويعين عميداً لها، كما أنه درّس المادة لطلبة كلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة.
ومن الجامعة انتقل فجأة إلى وزارة الإعلام ليعمل وكيلاً لها زمن صديقه الدكتور محمد عبده يماني الذي شغل منصب وزير الإعلام بين عامي 1975 و1983. وقد روى خوجة في كتابه المتاعب التي تعرض لها إبان شغله هذا المنصب الحكومي بسبب الصراعات الفكرية الدائرة في المجتمع السعودي آنذاك، وتطرق أيضاً إلى المكالمات الليلية التي كان يتلقاها من الأمير (الملك) فهد بن عبدالعزيز لسؤاله عن خبر أو اعتراضه على خطأ، وتلك التي كان يتلقاها أيضاً في الصباح الباكر من الأمير (الملك) سلمان لمناقشته في خبر أو مقال منشور في الصحافة المحلية. علما بأنه شغل وقتها بصفته الرسمية تلك، مهام مدير عام جهاز تلفزيون الخليج، كما ترأس عدة مجالس منها المجلس التنفيذي لمنظمة إذاعات الدول الإسلامية والمجلس التنفيذي لوكالة الأنباء الإسلامية، وعدد من المؤتمرات الإعلامية، وواجه تحدياً إعلامياً غير مسبوق حول تغطية وزارته لأحداث احتلال الحرم المكي من قبل جهيمان العتيبي وزمرته.
ومثلما كان نقله من أسوار الجامعة إلى وزارة الاعلام مفاجئاً، فقد تمّ نقله من الأخيرة فجأة إلى عالم الدبلوماسية بصدور قرار حول تعيينه سفيراً لبلاده لدى تركيا. وفي الأخيرة التي عمل بها من 1986 إلى 1992 اكتشف الرجل إمكاناته ومواهبه الدبلوماسية والسياسية المتأتية من اطلاعه الواسع ومخزونه الثقافي والتاريخي فاحتل موقع الصدارة بين زملائه من أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي المعتمدين في أنقرة، وعمل على توثيق العلاقات السعودية التركية في وقت كانت فيه الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة، بل ساعدته مكانته على إصلاح ذات البين في التسعينات بين الرئيس التركي تورغوت أوزال وغريمه نجم الدين أربكان.
ومن تركيا انتقل إلى موسكو زمن حرب تحرير الكويت ليكون أول سفير سعودي هناك قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي بقليل، حيث شغل المنصب من 1992 إلى 1996. ومن الطرائف التي حدثت له في موسكو أنه حمل رسالة تكليفه إلى الزعماء السوفييت، وبسبب تفكك الاتحاد السوفيتي وقيام جمهورية روسيا الاتحادية اضطر للعودة إلى الرياض لحمل رسالة بديلة من الخارجية السعودية باسم الرئيس الروسي يلتسين، فإذا بوزير الخارجية آنذاك الأمير سعود الفيصل يمازحه قائلاً: «فككت الاتحاد السوفيتي ورجعت».
محطته الدبلوماسية التالية من بعد أنقرة وموسكو كانت في الرباط التي عمل بها ما بين عامي 1996 و2004، حيث ارتبط فيها بعلاقة فكر وثقافة مع ملكها آنذاك الحسن الثاني المغرم بمجالسة العلماء في قصره ومناقشتهم في الفقه والأدب واللغة والموسيقى. وفي عام 2004 صدر قرار بنقله من المغرب، التي طاب له المقام بها إلى لبنان، بلد المتاعب والتصفيات والأزمات السياسية، التي أمضى به خمس سنوات عاصر خلالها اغتيال رفيق الحريري، وإنشاء المحكمة الدولية لملاحقة قتلته، واختيار رئيس جديد، وتحرير البلاد من الهيمنة السورية، وإحكام حزب الله الإرهابي قبضته على الحياة السياسية، والكثير من الصراعات الداخلية والأزمات الاقتصادية والحروب الخفية، بل تعرض فيه أيضاً لثلاث محاولات اغتيال فاشلة.
في عام 2009 صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للثقافة والإعلام خلفاً لوزير الإعلام إياد بن أمين مدني، فودع السلك الدبلوماسي، واصفاً قرار توزيره بقوله: «كان يوماً لا ينسى، ففيه تغير مسار حياتي جذرياً، إذ تقرر أن أكون وزيراً لملك في قامة عبدالله بن عبدالعزيز، وكان ذلك بالنسبة إليّ تحدياً كبيراً». وهكذا ظل ماسكاً بهذه الحقيبة الهامة، مواجهاً للتحديات والتطورات اليومية، مغرداً عبر الفيسبوك كأول وزير إعلام يفعل ذلك من أجل أهداف منها تجديد الخطاب الديني ودعم المبتعثين وتوضيح الموقف السياسي وإزالة غموض أي قرار أو حدث، علماً أنه أفصح في حوار مع صحيفة «عكاظ» (15/‏4/‏2022)، أنه لم يكن موافقاً على جمع الإعلام والثقافة في وزارة واحدة؛ لأن لكل منهما دورا مستقلا، وأنه اقترح على الملك عبدالله فصلهما ثم جاء الملك سلمان فأقره.
أثر لا ينسى
وفي سنة 2014 تمّ إعفاؤه بناء على طلبه، ليعود إلى السلك الأكاديمي بدرجة أستاذ بناء على أمر الملك عبدالله، وذلك قبل اختياره مجدداً سفيراً للمملكة لدى المغرب بدرجة وزير ابتداء من يناير 2016 وحتى نوفمبر 2019.
اللافت، أن في كل محطاته الدبلوماسية وغيرها، ترك خوجة أثراً لا ينسى. فقد أسس الصالونات والمجالس الأدبية داخل سفارته، وبنى مدارس تعليم اللغة العربية للمسلمين كما فعل في موسكو مثلاً، التي بنى بها صرحاً تعليمياً ضخماً في زمن قياسي، وتمكن فيها من تحويل قصر حكومي فخم إلى مبنى للسفارة السعودية، ما جعل خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز يثني عليه. هذا ناهيك عن مساعدته للشيخ إبراهيم العنقري (أحد وزراء الإعلام والشؤون البلدية السابقين في السعودية)، في اختيار موقع اسطبل قديم من زمن ستالين لإقامة مسجد عليه على نفقة العنقري.
وفي مقال له منشور على موقع «العربية نت» عام 2014، وصف الإعلامي الصديق مطر الأحمدي خوجة بـ «أكثر وزير إعلام سعودي أحدث تغييرات كبيرة غيرت المشهد الإعلامي الرسمي»، مضيفاً: «في عهد وزارته تمت تهيئة قطاعي التلفزيون والإذاعة في هيئة مستقلة داخل الوزارة. وأضيفت قنوات تلفزيونية جديدة متخصصة، وتوج ذلك بقناتي القرآن الكريم والسنة النبوية، التي وصفهما خوجة بأنهما بمهنيتهما تجسدان تلفزيون الواقع وتلهبان مشاعر المسلمين انطلاقاً من أقدس بقعتين على وجه الأرض، وانبثق عن الوزارة أيضاً هيئتا الإعلام المرئي والمسموع ووكالة الأنباء السعودية، متمتعتين بصفة استقلالية». واستطرد الأحمدي قائلاً: «نجح خوجة بامتياز في كل مسؤولية أسندت إليه، وحقق فيها تطوراً ملموساً في فترة قياسية. فهو كوزير للثقافة والإعلام، سجل انفتاحاً إعلامياً لم يسبقه إليه أحد. تعامل مع المؤسسات الإعلامية شريكاً لا رقيباً. وكان يتدخل في الوقت المناسب صديقاً ناصحاً، مقدماً الابتسامة الودودة على سيف الرقيب. وشهد الإعلاميون والإعلام في سنوات توزيره ربيعاً طلقاً بكل ما تعنيه الكلمة». كما أنه قام خلال توليه الوزارة بفسح الكثير من الكتب المحظورة، ومنها مؤلفات صديقه الدكتور غازي القصيبي.
تجربة شعرية إنسانية عميقة
ولخوجة العديد من الإصدارات والدواوين الشعرية التي ضمنها منهجه في الكلمة وإبداعه في النص الشعري، ومنها دواوين: «حنانيك» و«عذاب البوح» و«بذرة المعني» و«حلم الفراشة» و«الصهيل الحزين». كما أن شعره أخضع للعديد من الدراسات النقدية من قبل الباحثين والمتخصصين باعتباره وليد تجربة إنسانية عميقة.
أفردت مجلة العربي الكويتية في عددها رقم 583 لسنة 2007 صفحاتها لبحث عن شعره بقلم رفيق معلوف، تحت عنوان «عبدالعزيز خوجة: عمود الشعر يرفع خيمة الدبلوماسية» ورد فيه: «سئل مترنيخ سفير الإمبراطورية النمساوية في باريس خلال عهد نابليون رأيه في شخصية الدبلوماسي المثالي فقال (يجب أنْ يكون فاتكاً في بردة ناسك عند مغالبة العدو، وساحراً ينطق بلسان شاعر عند مقاربة الصديق)! وأكثر ما ينطبق هذا الوصف على السفير العربي السعودي عبدالعزيز محيي الدين خوجة، الذي تمكن من أنْ يلج الأعماق المرهفة الحساسة في لبنان، بسحره التوفيقي بين الأخوة المتصارعين في حلبات السياسة، وشعره التثقيفي المؤتزر بالحب والسماح والماتع بالسوية المطاوعة للسجية». وفي مكان آخر، كتب الكاتب: «يمتاز خوجة عن غيره من شعراء الحجاز بكونه برع في الصناعتين، صناعة الشعر العمودي الموقع على سندان الخليل وبحوره التراثية الأصيلة، وصناعة الشعر المنثور الذي يحفظ أنغام السمفونيا المرتبطة بسياق التفعيلات وثنائية القوافي أو ثلاثية رويها دونما التزام بأوزان الفراهيدي التقليدية، وهي طريقة أمين الريحاني وجبران خليل جبران ونسيب عريضة من المهجريين اللبنانيين، التي اقتبسوها من أسلوب الرومانسيين والرمزيين الفرنجة. هذا فضلاً عن الحساسية المفرطة والشفافية الجريئة اللتين تكشفان طوية الشاعر ومدار سجيته. فهو مستبان الوضوح، لا تختبئ أطياف نفسه خلف حجاب سريرته، فيعبر التعبير الطفولي الطافح بالصدق تعبيراً مباشراً، سواء في العموميات الوطنية والقومية والإيمانية والإنسانية، أو في الخصوصيات الذاتية المتعلقة بالحب والشهوة وتقديس الجمال وتكريم الصداقة، أو بالحزن والكآبة والتفاؤل والفرح والبكاء».
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البنتاجون ينسحب من منتدى أسبن للأمن قبل انطلاقه بيوم واحد
البنتاجون ينسحب من منتدى أسبن للأمن قبل انطلاقه بيوم واحد

الشرق السعودية

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق السعودية

البنتاجون ينسحب من منتدى أسبن للأمن قبل انطلاقه بيوم واحد

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، الاثنين، سحب كبار مسؤوليها من منتدى أسبن للأمن Aspen Security Forum، قبل يوم واحد فقط من انطلاق القمة السنوية التي تستمر 4 أيام بولاية كولورادو، في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً في الأوساط السياسية والأمنية، بحسب موقع "أكسيوس". وقال المتحدث باسم البنتاجون، شون بارنيل، في بيان عبر البريد الإلكتروني إن "كبار مسؤولي وزارة الدفاع لن يشاركوا بعد الآن في منتدى أسبن للأمن، لأن قيم المنتدى لا تتماشى مع قيم وزارة الدفاع". وأشار بارنيل إلى أن الوزارة ستركز على تعزيز "القوة القتالية لقواتنا، وإحياء روح المحارب، وإبراز مبدأ السلام من خلال القوة على الساحة الدولية"، مضيفاً أن "منتدى أسبن لا يتوافق مع هذه الأهداف". وكان وزير الدفاع بيت هيجسيث قد علّق على انسحاب وزارته بنشره صورة من عنوان لموقع Just the News الذي كان أول من أورد الخبر على منصة "إكس"، جاء فيها: "البنتاغون يسحب جميع المتحدثين العسكريين من منتدى أسبن الأمني (العولمي)"، وأرفقها بتعليق مقتضب: "صحيح". من جانبه، قالت كينجسلي ويلسون، وهي متحدثة آخرى باسم البنتاجون، لموقع Just the News، إن "الوزارة لا ترى فائدة من إضفاء الشرعية على منظمة دعت مسؤولين سابقين كانوا وراء الفوضى في الخارج والفشل في الداخل"، في إشارة لمعهد أسبن الذي ينظم المنتدى. ومنتدى أسبن، الذي ينظمه معهد أسبن، يُعد من أبرز الفعاليات في دوائر الأمن القومي والسياسة الخارجية، ويستضيف سنوياً شخصيات بارزة من مختلف الإدارات الأميركية، الجمهورية والديمقراطية على حد سواء. وقال منظمو المنتدى في بيان على موقعهم إنهم وجّهوا هذا العام دعوات إلى عدد من مسؤولي إدارة ترمب السابقين، بمن فيهم وزراء سابقون. وأضافوا: "سنفتقد مشاركة البنتاجون، لكن دعواتنا لا تزال قائمة". وتابع البيان: "ويشرفنا أن نستضيف هذا العام عشرات الأصوات البارزة في مجال الأمن القومي، من خبراء وقادة أعمال ومبتكرين من مختلف التوجهات السياسية ومن مختلف أنحاء العالم. ويظل منتدى أسبن للأمن ملتزماً بتوفير منصة للنقاش المستنير وغير الحزبي حول أهم التحديات الأمنية التي تواجه العالم". ومن المتوقع أن يشهد المنتدى هذا العام مشاركة مسؤولين دفاعيين من أوروبا، إضافة إلى نقاشات بشأن السياسة الفضائية، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، بحسب تصريحات سابقة لمنظمي الحدث.

احتراماً للقانون الدولي
احتراماً للقانون الدولي

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق الأوسط

احتراماً للقانون الدولي

في خضم التصعيد الإقليمي القابل للتجدد بين إيران وإسرائيل، وبعد الغارات الأميركية التي استهدفت من دون أن تنجح بالكامل منشآت نووية، أو مواقع سيادية، تتخذ دول كبرى في العالم السني مثل السعودية وتركيا ومصر وعموم دول الاعتدال، مواقف ثابتة تعبّر عن رفضها لأي تدخل عسكري أو خرق للسيادة. هذه المواقف لا تصدر عن عداء ديني أو آيديولوجي لليهود؛ أو إظهار التعاطف مع إيران، بل عن منطلقات مبدئية واستراتيجية تتمثل في احترام القانون الدولي، وسيادة الدول، وتفضيل المقاربات الدبلوماسية، ورفض أوهام «الشرق الأوسط الجديد» الذي لا يحمل جديداً سوى الخراب المعاد إنتاجه. السعودية، التي تقود اليوم قطار التنمية الإقليمي، تجاوزت ثنائية محور «الممانعة أو الاعتدال»، وتحولت إلى أنموذج للمنطقة في السعي نحو تحقيق الرفاه والانتقال من اقتصاد ريعي إلى دولة استثمار، وتحول اجتماعي منغمس في بناء الإنسان السعودي والاستثمار فيه، وتمكين الشباب، والانفتاح على العالم وفق مرجعية وطنية هي رؤية 2030. الرياض دائماً تذكر الجميع بالثمن الباهظ الذي دفعته المنطقة منذ غزو العراق، مروراً بحروب التدخلات السريعة، وصولاً إلى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إذ ليس لدول المنطقة «ذاكرة قطط» لأنَّها تدرك بوعيها السياسي آثار تلك التجارب العبثية، وتدرك أن «تفكيك الدول» لم يأتِ يوماً بنتائج أفضل من النظم التي كان يُراد إسقاطها. فالبديل في كل مرة كان الفوضى، والطائفية، وانتشار الميليشيات، وخراب المؤسسات، وملايين اللاجئين الذين لم تجد لهم الأمم المتحدة مأوى حتى الآن. في هذا السياق، يأتي الموقف الجديد لمحور ما يمكن تسميته «محور السيادة» بوصفه مرآة لحسابات الدولة، لا انفعالات اللحظة. فرغم التنافس مع طهران، وصراع النفوذ على مناطق أخرى وتعقيدات الوضع في غزة، لم تنزلق هذه الدول إلى مواجهة مفتوحة مع إيران، مدركةً أن هذا سيخلق فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها، ويضيف ساحة اضطراب جديدة إلى حدودها. أما العلاقة مع إسرائيل وكل ما يسوق له من فرص السلام، فلا يمكن أن يدخل ضمن خانة المفكر فيه مع هذا التوغل في غزة والضفة، والاستخدام الوحشي المفرط للقوة ضد الأطفال والمدنيين، وهذا موقف يتطابق فيه الرأي السياسي والمجتمعي، ولا يعبر عن كره أو معاداة للسامية، أو عدم رغبة في السلام، بل هو ينطلق من احترام قرارات الشرعية الدولية، والحفاظ على أهل غزة والفلسطينيين وحقهم المشروع والعادل. المعادلة الجديدة التي تتبناها «دول محور السيادة» لا تقوم على حب طهران أو كره تل أبيب؛ بل على رؤية صلبة تقول: لا يمكن للمنطقة أن تستمر رهينة تناقضات دولية لا تخدم سكانها. فالجيل الجديد في الشرق الأوسط لا يعرف حروب 1967، ولا اتفاقيات 1978، ولا يشعر بأن الصراع العربي - الإسرائيلي يختزل حياته، هذا الجيل - الذي يشكل غالبية السكان - يريد العمل، والتعليم، والإنترنت، وسوقاً حرة، لا تستهلكها العقوبات ولا تدمّرها الانفجارات، ومع ذلك، لا يمكن أن يظل حبيس «العدمية» القاسية التي تفرزها لغة الأرقام ومنطق الصورة في عالم شديد التواصل اليوم تجاه ما يحدث ضد الأبرياء في غزة وفلسطين. هذا التحول الجيلي في الأولويات، والموقف الاستراتيجي في الدول، يعكس لحظة فارقة قابلة للاستثمار تقول بوضوح: الشرق الأوسط لم يعُد ذلك الإقليم القابل للتلاعب، ولا البيدق الذي يُحرّك في صراع القوى الكبرى. فالدول الإقليمية لم تعُد تعاني عقدة «الحماية الغربية»، ولا ترى في كل منافسة إقليمية تهديداً وجودياً؛ بل تملك من الثقة والرؤية ما يجعلها تتحدث بنديّة، وتفاوض على المصالح، وتضع الحدود لما يُقبل وما يُرفض. ما تطلبه دول محور «السيادة» - رغم الخلافات بينها - ليس مستحيلاً: احترام سيادة الدول، وكبح التوسع العسكري، وتحجيم الميليشيات، وإعادة الروح إلى القانون الدولي. وليس من العقل في شيء أن تبقى منطقة تمتد من كابل إلى غزة، ساحة مفتوحة للضربات والتجارب، بينما تتفرج الأمم المتحدة، وتغيب التفاهمات الكبرى، ويعلو صوت المدافع على صوت التنمية. أما على الجانب الأميركي، فالسؤال اليوم لم يعُد عن كيفية التعامل مع إيران أو الدفاع عن إسرائيل، بل: ماذا تريد واشنطن من المنطقة؟ وهل تدرك أن حلفاءها الإقليميين لم يعودوا أدوات تنفيذ؛ بل شركاء في صنع القرار، يملكون مقارباتهم، وأولوياتهم، وهموم شعوبهم؟ وإذا كانت إسرائيل تسعى لتوسيع نفوذها بحجج «الأمن» أو بأوهام شرق أوسط جديد، فإن الأمن لا يُصان بالقصف، ولا تُبنى الشرعية على أنقاض القانون. كما أن الحجج التي حاولت إسرائيل تسويقها لم تعُد تقنع أحداً، فالمنطقة اليوم أكثر وعياً، وأكثر انفتاحاً، وأكثر واقعية. من يُرِد الأمن، فليصنع السلام. ومن يُرِد السلام، فليعترف بأن للآخرين سيادة لا يجوز انتهاكها، وحقوقاً لا يمكن القفز عليها. والحال أن المواقف الإقليمية الرافضة للتدخلات الخارجية لا يمكن اختزالها في شعارات آيديولوجية. إن السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول الإقليم، تقول بوضوح: نريد شرقَ أوسط جديداً، لكنه لا يُبنى على الأنقاض، ولا يُدار بالمظلات العسكرية، ولا يُختزل في خطوط حمراء ترسمها واشنطن أو تل أبيب؛ بل نريد شرقَ أوسط تُصنع فيه النهضة من الداخل، وتحترم فيه الهويات، وتعلو فيه رايات التنمية على دمار الجغرافيا السياسية. إنها ليست مسألة حب أو كره؛ إنها مسألة وعي إقليمي يتجذّر، واحترام للقانون الدولي الذي طالما استُخدم أداة للمصالح، لا مرجعية للعدالة.

شؤونالسعودية ومحيطها الجديد!
شؤونالسعودية ومحيطها الجديد!

الرياض

timeمنذ 4 ساعات

  • الرياض

شؤونالسعودية ومحيطها الجديد!

لطالما كانت المملكة حاضرة في المشهد العربي كداعمٍ أول، تسند المتعثر، وتُرمّم الانهيارات التي تخلّفها السياسات الفاشلة والمغامرات الجنونية.. وقد دفعت المملكة، خلال العقود الماضية، أثمانًا باهظة لدعم الاستقرار، حتى حين كانت بعض الدول تُقابل الدعم بالطعنات، وتردّ الجميل ببيانات التشكيك والتلميح وتصدير الأزمات. لكن الأمور تغيّرت، والمعادلات لم تعد كما كانت؛ فنحن اليوم أمام مرحلة سعودية جديدة، تُفرّق بوضوح بين الدعم العشوائي، والدعم المشروط بالتغيير والالتزام.. فمنذ تصريح معالي وزير المالية في دافوس 2023 بأن "المنح المباشرة انتهت"، كان على الجميع أن يدرك أن زمن الشيكات المفتوحة قد انقضى، وأن السعودية تبحث عن شراكات جديدة، لا طفيليات جديدة. فالمملكة في زمن "رؤية 2030"، أعادت صياغة السياسة الخارجية بلغة المصالح المشتركة، لا العواطف العابرة، ولم تعد تقبل أن تُختزل في صورة "الممول الصامت" أو "المنقذ الدائم"، بل هي اليوم دولة استثمار ومسؤولية، تُقدّم دعمها وفق معايير واضحة، ترتبط بالشفافية، والكفاءة، والنتائج القابلة للقياس، ولم تعد في وارد أن تُهدر مواردها على دول لا تملك رؤية، ولا شفافية تحمي الدعم من الفساد وسوء الإدارة. وغني عن القول إن هذا الدعم لم يكن في يومٍ من الأيام ضعفًا أو عجزًا، بل كان خيارًا استراتيجيًا لدعم الاستقرار الإقليمي.. غير أن التجربة أثبتت أن العطاء غير المشروط يُكرّس الاتكالية ولا يصنع تنمية، ولذلك، فإن المملكة اليوم تُعيد توجيه دعمها وفق رؤية إقليمية واضحة تؤكد على النهوض بالمحيط وفق رؤية مشتركة تتجاوز الشعارات وتذهب إلى جوهر التنمية.. فالمملكة تدرك أن لا مصلحة لها ولا لغيرها في إقليم غير متوازن، تتفاوت فيه مستويات التنمية بشكل حاد، ويستشري فيه الفساد على حساب الاستقرار، لأن مثل هذا الواقع لا يفرز إلا دولًا عاجزة، ومحيط مضطرب، وأعباء إضافية. أما أولئك الذين اعتادوا تلقي المساعدة بلا إصلاح، فعليهم أن يُراجعوا أنفسهم، لأن المملكة لم تعد تُعطي لمن يرفع صوته، بل لمن ينهض بمسؤولياته، ويُحسن إدارة موارده، ويستحق أن يكون شريكًا لا عبئًا.. وهذا التحول ليس ترفًا سياسيًا، بل نتيجة مباشرة لتجارب الماضي، ودرس استوعبته المملكة جيدًا؛ إذ لم نعد أسرى للمجاملات، ولا للخطابات الحماسية التي تُخفي وراءها فشلًا ممنهجًا وفسادًا مستشريًا.. وصرنا نمارس حقنا في المساءلة، والتقييم، وحتى الانتقاء، لنقرّر هل نقول "نعم" أم "لا". والذين لا يزالون يحنّون إلى زمن المعونات غير المشروطة، عليهم أن يدركوا أن تلك الصفحة قد طُويت إلى غير رجعة، وأن المرحلة القادمة لا تعترف إلا بالشراكات الحقيقية، التي تقوم على النتائج لا الوعود، وعلى حقيقة أن من أراد الدعم، عليه أن يبدأ من الداخل، لا من الإعلام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store