
فرانشيسكا ألبانيز
جاءت ردّة فعل إدارة ترامب على التقرير في هيئة عقوبات شخصية، محاولة لتحويل النقاش من مضمونه إلى صاحبه. لكن ما جرى لا يمكن قراءته تحرّكاً سياسياً عابراً، بقدر ما يعتبر (ويجب فهمه ضمن) منظومةً دفاعيةً أطلقها النظام الدولي عندما شعر بتهديد صادر من قلب النظام نفسه. لم تأتِ ألبانيز هنا من موقع احتجاجي خارجي، ولم تُقدّم نفسها صوتاً معارضاً، بل استخدمت شرعيّتها المؤسّسية لتقويض لعبة التوازن التي تُملي على الخبراء الدوليين ضبط نغمتهم بما لا يزعج المركز. لم تكتف ألبانيز بتقديم سردية مضادّة، بل زعزعت الانسجام الخطابي الذي يُتيح استمرار الجريمة تحت غطاء الحذر المؤسّسي الذي أدمنته البشرية في مواجهة توحّش الشركات الكُبرى. لم يكن موقفها انفعالاً أخلاقياً، بقدر ما كان ممارسةً دقيقةً للوظيفة الحقوقية بأقصى ما يمكن أن تحمله من دلالة. هي استخرجت من اللغة القانونية إمكاناتها القصوى، وربطت مفاهيم السيادة والربح والعنف ضمن شبكة من العلاقات القابلة للتفكيك والمحاسبة. تقاريرها لا تحتمل التجاهل، لأنّها تُصاغ في بنية تُغلق ممرّات الهروب، وتدفع السلطة إلى المواجهة المباشرة.
حين تردّ السلطة بالعقوبات، فهي لا تستهدف إسكات صوت، بل ضبط حدود القول داخل المنظومة. ما يُعاقَب ليس فقط التقرير، وإنما النموذج الذي يجسّده: خطاب قانوني لا يُهادن، صادر من امرأة مستقلّة، لا تمرّ عبر شبكات المصالح، ولا تخضع لاعتبارات الجغرافيا السياسية. تلجأ السلطة في مثل هذه الحالات إلى الردع، لا لأنها تمتلك تفنيداً مضادّاً، بل لأنها تريد إعادة ترسيم ما يُعدُّ "معقولاً" داخل المجال الدولي. العقوبة هنا هي من أشكال تنظيم اللغة، محاولة أخيرة لإبقاء القانون تحت السيطرة. تقف فرانشيسكا ألبانيز اليوم باعتبارها نموذجاً نادراً للوضوح في زمن اختلطت فيه الحقائق بالخطابات المنمّقة. لا تدّعي البطولة، ولا تدّعي حتى انحيازاً للضحية، فتؤدّي مهمّتها فقط، بشرف وبجدّية لا تسمح للنظام بأن يُدير وجهه. حضورها الحقوقي ليس احتفالاً بالثبات، بقدر ما يشكّل ممارسةً ذكيةً للوظيفة الحقوقية في أقصى درجات صدقها الممكن. وسط بحر من التقارير الرمادية والمواقف المائعة، تخرج وثائقها أدلّةً يمكن البناء عليها، لا بوصفها رأياً، بل بنية معرفة قادرة على إنتاج أثر قانوني وواقعي.
لهذا تستحق ألبانيز أكثر من ترشيح لجائزة نوبل للسلام. تستحق أن تُروى سرديةً قائمةً بذاتها، لا لأنها تخوض (شبه وحيدة) في موقعها معركةً ضدّ أنظمة كُبرى ونظام دولي متوحّش، بل لأنها أثبتت أن اللغة، حين تُستخدم بانضباط ومسؤولية، قادرة على فضح أكثر الشبكات تعقيداً. لهذا، يكفي أن تكون فرانشيسكا ألبانيز موجودةً بيننا كي نتذكّر أن البشرية، رغم كلّ ما أنتجته من خراب، ما زالت قادرةً على إنجاب امرأة تُعيد تعريف العدالة من داخل صلبها الصلب، لا قيمةً مثاليةً، بل حرفةً واعيةً، دقيقةً، لا تتراجع أمام فظاعة الواقع. وجودها نفسه حجّة لصالح الإنسان، شاهد نادر على أن اللغة حين تنجو من الاستعمال البليد، يمكنها أن تكون أداةَ مقاومة، وأن تكون امرأةً واحدةً، في هيئة دولية مثقلة بالتوازنات، وقادرةً على إعادة ترتيب الكفّة (ولو قليلاً) نحو العدالة، أو نحو محاولة العدالة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
إسرائيل تستنفر دول العالم للتعاطف مع أسراها "المجوّعين" وإدانة حماس
توجّه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر ، اليوم الأحد، إلى نظرائه حول العالم، مطالباً بخروجهم في نداء عاجل مشترك لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في ضوء ما وصفه بـ"المشاهد الصعبة" التي ظهر فيها الأسيران أفيتار دافيد وروم برسلافسكي، معتبراً أنه ينبغي على وزراء خارجية الدول "التعبير عن موقف مبدئي وأخلاقي علني، وتفعيل كل جهد مؤثر لإنهاء معاناة المختطفين". وبموازاة ذلك، يدفع ساعر نحو عقد جلسة خاصّة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة قضية الأسرى الإسرائيليين وأوضاع احتجازهم، وفقاً لما كشفته صحيفة معاريف، اليوم، باعتبار أنه "ليس بإمكان العالم أن يظلّ صامتاً إزاء المشاهد القاسية الناتجة من التعذيب السادي المتعمّد للمختطفين، والذي يشمل تجويعاً من جانب حماس والجهاد الإسلامي"، على حدِ زعم ساعر، الذي تجاهل أن حكومته هي من تفرض الحصار المطبق وتمنع دخول المساعدات الإنسانية. . @nytimes @bbc @cnn @Daily_Express - This is what your front page should've looked like! — Israel Foreign Ministry (@IsraelMFA) August 3, 2025 واستجاب عدد من وزراء خارجية الدول حول العالم لدعوة ساعر، إذ كتب وزير الخارجية الصربي، ماركو غوريتس، أنّ "على حماس إطلاق سراح كل الأسرى حالاً. فلتطلقوا سراح ألون أهيل (الذي حمل جنسية مزدوجة صربية وإسرائيلية) حالاً"، واعتبر في منشور له على منصة "إكس" أن "أفيتار دافيد، وروم برسلافسكي، اللذين اختطفا قبل 666 يوماً، مجوّعان ومعذبان، وهما شهادة على الوحشية غير المعقولة لآسريهم. ونحافتهم هي جريمة فظيعة". أمّا وزارة خارجية الباراغواي فقالت في بيان إن حكومتها "تدين بشدّة المشاهد المروعة للمختطفين الإسرائيليين التي بثتها حركة حماس الإرهابية"، على حد وصفها، مشيرةً إلى أنها "تستنكر استخدام المختطفين في إطار حملة دعائية"، مطالبةً بـ"إطلاق سراحهم حالاً". بدورها أدانت حكومة بنما "بشدة" ما وصفته بـ"استخدام التعذيب ونشر فيديوهات لأشخاص اختطفتهم حماس"، باعتبار أن "هذه أفعال تمثل انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، وحقوق الإنسان"، ورأت أن "استغلال المعاناة الإنسانية لأغراض الدعاية والضغط السياسي أمر غير مقبول"، داعيةً المجتمع الدولي إلى "العمل الفوري من أجل انهاء الصراع وضمان الكرامة والحياة سواء للفلسطينيين أو الإسرائيليين". أخبار التحديثات الحية كتائب القسام تنشر فيديو لأسير إسرائيلي تظهر عليه علامات المجاعة أمّا وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، فنشرت تغريدة على صفحتها بمنصة "إكس" قالت فيها إنّ "صور المختطفين الإسرائيليين مروّعة وتكشف عن بربرية حماس . ينبغي تحرير كل المختطفين فوراً ومن دون قيد أو شرط. على حماس أن تُسلّم سلاحها وتنهي حكمها في غزة. وبالتوازي يجب السماح بإدخال المساعدات على نطاق واسع للمحتاجين". الإسرائيليون يتهمون الإعلام الغربي بـ"النفاق" وفي السياق نفسه، عبّر الإسرائيليون عن غضبهم من وسائل الإعلام الأجنبية، وخاصّة من صحيفة "نيويورك تايمز"، متهمين الصحيفة بـ"تجاهل معاناة الأسيرَين الإسرائيليَين المحتجزَين منذ ما يقرب العامين في ظروف لا إنسانية"؛ إذ "حجّمت الخبر"، فيما زعم آخرون أن "وسائل إعلام أجنبية تجاهلت تغطية الفيديو كلياً"، وفقاً لما نقله عنهم موقع "واينت" اليوم. إعلام وحريات التحديثات الحية صورة الطفل محمد المطوق في "نيويورك تايمز" تُفجّر حملة إسرائيلية ضدها وادعى متصفحون كثر أنه "لو كان الفيديو عن جندي فلسطيني تحتجزه إسرائيل لكان سيظهر على العناوين الأولى"، متجاهلين حقيقة استشهاد عشرات الأسرى الفلسطينيين تحت التعذيب وبسبب جريمة الإهمال الطبي المتعمد وظروف الاحتجاز غير الآدمية في سجون الاحتلال. فيما نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تغريدة على صفحتها بمنصة "إكس" أرفقتها بصورة لغلاف "نيويورك بوست" قالت فيه الأخيرة "حماس تجبر أسيراً إسرائيلياً على حفر قبره... تجويع الإنسانية"، ووضعت الخارجية الإسرائيلية "تاغ" لكل من "نيويورك تايمز" و"سي أن أن" و"ديلي إكسبرس"، مرفقاً بعبارة: "هكذا ينبغي أن تبدو أغلفتكم". من جهة ثانية، قال كوبي أهيل، والد الجندي الأسير ألون أهيل، "إنّنا لا ننام في الأيام الأخيرة. الأمر صعب جداً، لقد كان الأمر بمثابة فلاش باك لما عايشناه في يناير/ كانون الثاني الماضي، عند إطلاق سراح عدد من الأسرى الجائعين"، ووصف فيديو الأسيرين بأنه "لكمة في الوجه". وتابع متوجهاً إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وللمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بالقول: "لدي طلب، قوموا بكل شيء من أجل التوصل لصفقة تنقذ ألون وبقية المختطفين. كل ما أرغب فيه هو رؤية ألون واحتضانه".


العربي الجديد
منذ 20 ساعات
- العربي الجديد
بنغلادش تكشف إصلاحات ديمقراطية في ذكرى إطاحة الشيخة حسينة
أعلنت الحكومة الانتقالية في بنغلادش، يوم السبت، أنها ستصدر قائمة إصلاحات ديمقراطية في الخامس من أغسطس/آب، في الذكرى السنوية الأولى لإطاحة الحكم السابق. وتشهد البلاد، الواقعة في جنوب آسيا ويبلغ عدد سكانها نحو 170 مليون نسمة، اضطرابات سياسية منذ أن أطاحت ثورة قادها الطلاب رئيسةَ الوزراء الشيخة حسينة ، منهيةً حكمها الذي دام 15 عاماً. ويقود محمد يونس (85 عاماً)، الحائز على جائزة نوبل للسّلام، الحكومة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات. وسبق ليونس أن تعهّد بالكشف عن "مبادرة كبيرة" لإصلاح المؤسسات الديمقراطية، لكن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاقات أحرزت تقدماً بطيئاً في ظل تنافس الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات المقررة مطلع عام 2026. لجوء واغتراب التحديثات الحية "هيومن رايتس ووتش": ترحيل الهند مسلمين إلى بنغلادش غير قانوني وفي 29 تموز/يوليو، أعلن يونس أنه يعمل على "بناء إجماع وطني واسع حول نظام سياسي متجدد يُتيح انتخابات شاملة وتشاركية وذات مصداقية". وأعلن مكتب رئيس الوزراء، يوم السبت، أن "إعلان يوليو/تموز "... "سيُقدّم للأمة... بحضور كل الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتفاضة الجماهيرية". وشهد حكم الشيخة حسينة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، من بينها اعتقالات جماعية وعمليات قتل خارج نطاق القضاء بحق المعارضين، كما اتُّهمت حكومتها بتسييس المحاكم والخدمة العامة، وإجراء انتخابات منحازة، وتفكيك الضوابط الديمقراطية على سلطتها. وفرّت حسينة، البالغة 77 عاماً، إلى الهند، ولم تتجاوب مع استدعائها لحضور محاكمتها الجارية بتهم ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. وبدأت الاحتجاجات في بنغلادش في الأول من يوليو/تموز 2024، إذ طالب طلاب الجامعات بإصلاح نظام الحصص في وظائف القطاع العام. وبلغت ذروتها في الخامس من أغسطس/آب، عندما اقتحم آلاف المتظاهرين قصر رئيسة الوزراء، التي كانت قد فرّت على متن مروحية. (فرانس برس)


القدس العربي
منذ 21 ساعات
- القدس العربي
النائب الأمريكي رو خانا: حان الوقت للاعتراف بدولة فلسطين- (بيان)
قال النائب الأمريكي رو خانا، السبت، إن الاعتراف بدولة فلسطين بات 'فكرة حان وقتها'، مؤكدًا أن مساعي عدد من النواب الديمقراطيين لدفع الإدارة الأمريكية نحو هذه الخطوة مستمرة رغم محاولات 'التخريب'. وأوضح خانا، في منشور عبر منصة 'إكس'، أن 11 نائبا ديمقراطيا وجّهوا رسالة إلى الإدارة الأمريكية للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، مضيفا أن تسريب هذا التحرك إلى وسائل الإعلام كان يهدف إلى عرقلته 'لكن ذلك لن ينجح'. وأشار خانا إلى أن النواب يعملون على حشد الدعم لإطلاق مبادرة رسمية للاعتراف بفلسطين قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، مضيفا: 'ردود فعل زملائي كانت إيجابية للغاية'. Someone leaked our effort to try to sabotage it. Sad. It won't work. Recognizing a Palestinian state is an idea whose time has come. The response of my colleagues has been overwhelming. We will build support and release prior to the UN convening. — Ro Khanna (@RoKhanna) July 31, 2025 وفي سياق متصل، وجّه 4 نواب ديمقراطيين، الجمعة، رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالبوه فيها بالتحرك لوقف الحرب في غزة. ووقّع الرسالة كل من غريغوري ميكس، وروزا دي لورو، وجيم هايمز، وجيمي راسكين، محذرين من أن الحرب تسببت في 'أزمة إنسانية عميقة' وأصبحت مصدرا لعدم الاستقرار وتهديدا جديا للأطراف كافة. ودعا النواب الرئيس الأمريكي إلى 'توظيف كل الإمكانات الدبلوماسية لإنهاء الصراع بشكل عاجل وحاسم ودائم'، مؤكدين أن استمرار الحرب يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية. وطالبوا الإدارة بـ'إعادة جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والقادة الفلسطينيون والشركاء الإقليميون، إلى طاولة المفاوضات دون أي تأخير'.