logo
الشريك التربوي

الشريك التربوي

صحيفة الخليج٢٨-٠٧-٢٠٢٥
عبدالله السويجي
مخرجات التربية اليوم تختلف عنها قبل خمسين عاماً أو أكثر، وذلك بسبب العوامل البيئية التي تشمل المجتمعات البشرية أيضاً، إضافة إلى عوامل أخرى أصبحت جزءاً من البيئة بسبب سلطتها وإغوائها وجاذبيتها، إذ لا أحد ينكر السمات الآسرة التي تمتلكها التكنولوجيا الحديثة وبرامجها وتطبيقاتها وتقنياتها، ولعل انتشارها وسطوتها يعتمدان بشكل كبير على جاذبيتها. هذه الصفة هي التي زلزلت العلاقات الأسرية والمجتمعية، وهي التي خلقت ما يشبه الفجوة الخطيرة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، رغم أن الأبناء يحملون جينات الآباء، ولكن، ولأول مرة يتراجع العامل الجيني أمام سحر وجاذبية التكنولوجيا، وهو ما ساهم إلى حد كبير في إيجاد التربوي الشريك غير المقاوَِم، والذي يصعب مناقشته والجدال معه. فهل أبطلت التكنولوجيا نظرية الوراثة ووظائف الجينات والكروموزومات عن طريق تحقيقها لتراكم الخبرة، والخبرات الزمنية، إذ جاء في دراسة نشرتها دورية (بلوس بيولوجي Plos Biology) في سنغافورة «إن أي صفات وراثية تتعلق بالتوجهات والميول والخبرات تقل كلما تقدم الإنسان في العمر، وذلك بسبب التأثير المتراكم للعوامل البيئية، واختلاف تجارب الحياة والظروف الاقتصادية والعوائق الصحية..»، وهذا ما فعلته التكنولوجيا المتطورة جداً، والتي دخلت في المناهج التربوية والتعليمية، كما دخلت في الألعاب الإلكترونية playstation فشكلت نفس الأثر الذي يقوم به التقدم بالعمر، فالجيل الحالي، ليس في حاجة إلى أن يعيش 50 سنة أخرى لتتغيّر ميوله وتوجهاته، لأن التكنولوجيا اختصرت فعلياً سنوات طويلة، ووضعت بين يدي الأبناء، خاصة في سن المراهقة، خبرة طويلة، من خلال المعلومات والخبرات التي وفّرتها لهم. ولو قارنّا المعارف التي يتحصّل عليها تلميذ في الأول إعدادي في عصرنا بالمعارف التي كان يحصل عليها طالب الثانوية العامة أو الجامعي قبل 50 أو 60 عاماً، سنجد أن التلميذ المعاصر لديه كمية من المعلومات والمعارف والخبرات تفوق ذلك الطالب قبل ستة عقود، بل لديه معلومات في الثقافة الجنسية والعاطفية لم تتوفر قبل 60 عاماً، وهو ما يجعل التلميذ في الأول أو الثاني أو الثالث إعدادي يشعر بفائض معلوماتي وفائض ثقة يجعله يميّز نفسه، وينظر إلى (نصائح وتوجيهات وقيم) الآباء بحيادية، إن لم نقل باستهزاء، ولا يعبّر عن هذا إلا في لحظة غضب (انفجار معلوماتي ومعرفي)، قد يعتبرها الآباء قلة أدب، ويندلع الصدام.
بناء على كل ما تقدم، يمكننا القول إن الآباء هم المسؤولون عن نسبة كبيرة لأي انحراف يتعرض له الابن أو البنت، ليس لأنهم يحرضونه على ذلك، ولكن لضبابية التقييم التربوي والمعرفي لدى الأهل، وأحياناً لدى الهيئة التعليمية، ما يقود مباشرة إلى ارتباك في التعامل، ناتج عن تمسّك الأهل بالنظريات التربوية القديمة، وتقييمهم الخاص لأبنائهم، وهو تقييم تعوزه الموضوعية والخبرة. ونرى ذلك جلياً من خلال تشابه الشكاوى التي يتبادلها أولياء الأمور ونظرتهم الواحدة، إذ يضعون اللوم على الأبناء، بينما هم الملومون أولاً وأخيراً بسبب عدم مواكبة الأهل للانفجار المعرفي الذي يحققه الأبناء، وبعض المعلومات التي يعتقدونها معيبة ولا يصارحون بها أبناءهم، بينما الأبناء على دراية بها، فهم منفتحون على شبكة عالمية للمعلومات، يبحرون بها رغم الضوابط والمحظورات التي يضعها الآباء، لذلك فأعمارهم في الواقع أكبر بكثير من أعمارهم الزمنية.
لقد ذهب الزمن الذي كان يسعى فيه أولياء الأمور لتربية شبيهين لهم، أو نسخ ذواتهم على أبنائهم، لأن التربوي الشريك، سبقهم بمراحل، وسَحَرَ أبناءهم بجاذبية أدواته ومعارفه وقيمه. أما أولئك الآباء الذين يحاولون ردم الفجوة بالتربية الدينية، بما يتمتعون من سلطات، فإنهم سيُصدمون لا محالة، لأن التكنولوجيا والشبكة العالمية للمعلومات لا أخلاق لها، وبالتالي، سيجدون أبناءهم يرددون المحتوى الديني، بينما لا يطبقونه في حياتهم، أي لم يحملوا القيم ولا الأخلاق، فما بالك بالعادات والتقاليد، ما سيقود الأب إلى الاعتقاد بأنه فشل في تربية أبنائه، بينما الحقيقة ليست كذلك، هو لم يمتلك الجاذبية ففشل، لأن أي محتوى، إن لم تقدمه في شكل أقرب إلى السحر، لن يؤثر في الأبناء.
أعتقد أن التربويين وواضعي المناهج أمام ورطة كبيرة، وللخروج منها، يجب توحيد المناهج، لأن الفصل القيمي بين المدرسة الخاصة والحكومية، يخلق هذا التضاد الذي يحلو للبعض تسميته بالتنوع، وهو ليس كذلك، إذ ستولد عبارات فيما بعد لها علاقة بالتمييز والتنمّر.. وهكذا..
إن الحل الأمثل هو في بذل الأهل مجهوداً أكبر، من خلال تقبّل هذا الشريك التربوي، والعمل على منافسته، ومحاولة التغلّب عليه، وهي عملية مضنية جداً، لكن يبقى تحقيق الانسجام مع الأبناء أولوية مهمة، وذلك لردم الفجوة المعرفية والعاطفية والمجتمعية بينهم. إن الإصغاء لحوار بين أحد هؤلاء الطلبة وولي أمره سيكشف خطورة تمسك الأهل بكلاسيكية الأساليب التربوية الجامدة، التي لا تعترف بأثر التكنولوجيا على الأبناء، ولا تقر بوجود شريك تربوي حقيقي، يتدخل في كل شأن من شؤون الطلاب، من دون مقاومة تُذكر، حتى باتت معرفته من المسلَّمات. والحديث عن تطوير مهارة النقد الذاتي في عصر التكنولوجيا واجب وضروري في الأيام القادمة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«المدرسة الرقمية» تطلق الدورة الثانية لـ«تبرع بجهازك»
«المدرسة الرقمية» تطلق الدورة الثانية لـ«تبرع بجهازك»

البيان

timeمنذ 5 ساعات

  • البيان

«المدرسة الرقمية» تطلق الدورة الثانية لـ«تبرع بجهازك»

وإعادة تدويرها لدعم الطلبة من الفئات الأقل حظاً في المدرسة الرقمية حول العالم. وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية شاملة، تجمع بين التعليم والعمل الإنساني والاستدامة البيئية. حيث سيتم تجميع الأجهزة من الأفراد والمؤسسات، وتجديدها أو إعادة تدويرها، وفق أفضل الممارسات البيئية، ما يسهم في دعم المسيرة التعليمية، وتحقيق أثر اجتماعي وبيئي طويل الأمد. كما يمكن المساهمة بإرسال رسالة نصية «SMS» إلى الرقم 2441 لمشتركي «اتصالات من &e»، أو إلى 3551 لمشتركي «دو». وتجسد حملة «تبرع بجهازك 2.0» رؤية دولة الإمارات لمستقبل شامل ومستدام، إذ تستهدف تقليل النفايات الإلكترونية بما يعادل 200 طن تقريباً، وتدعم جهود التحول الرقمي العادل والتعليم للجميع، من خلال شراكات نوعية بين المؤسسات التقنية والإنسانية والبيئية. لتعزيز فرص التعليم الذكي بطرق متقدمة ومرنة، ومشيراً إلى أن الهيئة لن تدخر وسعاً في سبيل تحقيق أهداف المدرسة الرقمية، وتوسيع مظلة المستفيدين من مبادراتها الإنسانية إقليمياً ودولياً. مشيراً إلى أن المبادرة تعزز الجهود الإنسانية الرائدة لدولة الإمارات حول العالم، وترسخ مكانتها مركزاً رئيسياً للتوجهات العالمية الهادفة إلى تحقيق تنمية قوامها التعليم ونشر المعرفة. وأضاف المزروعي: «ما يميز المدرسة الرقمية أنها توفر التعليم الجيد والتعلم ضمن هيكلة، تتناسب ورؤى المستقبل. معتمدة فيها على التكنولوجيا والرقمنة، للخروج من إطار التعليم التقليدي إلى نوع جديد من التعليم يحقق الأهداف، وينعكس على تعلم الطلبة بطريقة تحقق مستوى عالياً من الرضا عن مخرجاته، خاصة في المناطق المضطربة، والتي تشهد تحديات كبيرة في مسيرتها التعليمية». وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يعادل 122 طناً، وتوفير 170 ألف لتر من الوقود، وحماية ما يقارب 32 ألف قدم مربعة من الأراضي من التلوث الناتج عن النفايات الإلكترونية السامة، كما مكنت الحملة طلبة في مختلف الدول حول العالم من الحصول على فرص تعليم رقمي نوعي، يدعم مستقبلهم، ويعزز قدرتهم على التعلم والتطور.

زلزال كامتشاتكا القوي يحرك أرض روسيا مترين نحو الجنوب الشرقي
زلزال كامتشاتكا القوي يحرك أرض روسيا مترين نحو الجنوب الشرقي

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 10 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

زلزال كامتشاتكا القوي يحرك أرض روسيا مترين نحو الجنوب الشرقي

فقد قال المركز الروسي للبحوث الجيوفيزيائية إنه في أعقاب الزلزال ، الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في الثلاثين من يوليو الماضي، تحرك الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة، الواقعة في الشرق الأقصى الروسي، مسافة مترين نحو الجنوب الشرقي، بحسب ما ذكر موقع روسيا اليوم الإخباري. ونقلت وكالة نوفوستي الروسية للأنباء عن المركز قوله في بيان عبر "تلغرام": "إلى أين تحركت كامتشاتكا بعد الزلزال القوي؟ أجرينا حسابا أوليا بناء على نتائج الملاحظات الجيوديناميكية، وتبين أننا جميعا تحركنا بشكل ملحوظ نحو الجنوب الشرقي". وأشار الخبراء إلى أن أقصى الإزاحات بعد الزلزال وقعت في جنوب شبه الجزيرة، حيث بلغت نحو مترين، وهو ما يعادل الإزاحات الأفقية التي حدثت بعد زلزال عام 2011 في منطقة توهوكو اليابانية. كما سجلت محطات الرصد في منطقة بتروبافلوفسك-كامشاتسكي إزاحات أيضا، لكنها كانت أقل حجما. وقال العلماء إن هذا يتوافق مع النموذج الأولي للحركات في مركز الزلزال ، حيث كان الحد الأقصى في الجناح الجنوبي، ولذلك كان التأثير الماكروسيسمي الأقوى في شمال جزر الكوريل ، بينما كان التأثير أقل وضوحا في بتروبافلوفسك.

الإمارات تقود الابتكار في تنظيم الذكاء الاصطناعي
الإمارات تقود الابتكار في تنظيم الذكاء الاصطناعي

خليج تايمز

timeمنذ 15 ساعات

  • خليج تايمز

الإمارات تقود الابتكار في تنظيم الذكاء الاصطناعي

الساعة تقترب لجهات العمل التي تبني أو تطبق أو تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي. مع اقتراب المرحلة الثانية من قانون الاتحاد الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، الذي يعد أول تنظيم ملزم للذكاء الاصطناعي في العالم، يبدأ عهد جديد من الحوكمة القابلة للتنفيذ في هذا المجال. يُدخل القانون متطلبات صارمة لضمان الشفافية والسلامة والإشراف البشري، مع تصنيف أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى أربعة مستويات من المخاطر تحدد طريقة إدارتها. بدأت المرحلة الأولى التي دخلت حيز التنفيذ في 2 فبراير 2025 بحظر أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُعد ذات مخاطر غير مقبولة، وطلبت من المؤسسات العاملة في الاتحاد الأوروبي تحسين مستوى معرفة موظفيها بالذكاء الاصطناعي. أما المرحلة التالية فتضع التزامات جديدة على الذكاء الاصطناعي العام، مثل النماذج التي تشمل ChatGPT، وClaude، وDALL·E، وMidjourney، وAnthropic، وMeta، وGoogle BERT. تشمل هذه المتطلبات الشفافية الأكبر، وإنشاء توثيق تقني مفصل، والكشف عن المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر المستخدمة أثناء التدريب. طالبت الشركات الأوروبية بوقف هذه الإجراءات، لكن الاتحاد الأوروبي رفض ذلك، مما يعكس واقعين: الأول هو أن عصر تنظيم الذكاء الاصطناعي القابل للتنفيذ قد بدأ وسيستمر في التوسع. والثاني أن العديد من الشركات لا تزال تعمل على التحضير لهذا الواقع رغم النقاشات المطولة حول أطر الذكاء الاصطناعي المسؤول. الرؤية القانونية المسبقة كميزة استراتيجية لم يعد التعامل مع التوافق مع قوانين الذكاء الاصطناعي كاستجابة لاحقة أمرًا مستدامًا. واليوم، مع سرعة تطور اللوائح بشأن الذكاء الاصطناعي والمسؤول والأخلاقي، تصبح الرؤية القانونية المسبقة أكثر أهمية من أي وقت مضى. لا بد من دمج الامتثال ضمن كيفية بناء الأنظمة وتطبيقها وتطويرها منذ البداية، لا سيما للنماذج العامة المعقدة سريعة التطور والتي تؤثر في مجالات واسعة. يساعد دمج الامتثال ضمن عملية التطوير بدلاً من إجباره بعد ذلك على تقليل المخاطر التشغيلية وتعزيز الثقة مع العملاء والشركاء والجهات التنظيمية. هذه النهج الاستباقي يتم تبنيه بالفعل في ولايات تدرك أهمية التنظيم كحافز للابتكار، مثل الإمارات. في السنوات الأخيرة، أرسى الإمارات نظامها الحوكمي للذكاء الاصطناعي عبر مبادرات مثل مجلس الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وميثاق الإمارات للذكاء الاصطناعي، اللذين يؤكدان على الأخلاقيات والشفافية والمصلحة العامة. وتبرز هذه الجهود أهمية التعاون بين الحكومة والصناعة لضمان أن التقنيات الناشئة ليست فقط متقدمة، بل تُستخدم بمسؤولية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store