
شهادات كُتاب ونقاد عرب على أعمال نبيل سليمان
أصدرت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، في سلسلة «نقد» طبعة جديدة وموسّعة من كتاب «مجنون المجاز- أو نبيل سليمان مبدعاً وناقداً» من إعداد وتقديم الناقد السوري نذير جعفر. وقد ضمّ الكتاب أربعاً وأربعين مساهمة، توزعت بين شهادات على تجربة نبيل سليمان الروائية، ودراسات لعدد من أعماله الروائية والنقدية.
جاء الكتاب في 456 صفحة من القطع الكبير، وصمم الغلاف هادي أبو الماس. وكانت الطبعة الأولى من الكتاب قد صدرت عن «دار الحوار» في سوريا عام 2008 في 294 صفحة من القطع المتوسط.
في مقدمة الكتاب نقرأ أن «لغة الرواية عند نبيل سليمان هي محفل متنوع بمستوياتها المجازية والإبلاغية والجمالية، وأنه (ورشة) إبداعية، لا تكلّ ولا تملّ. وقد أضحى بيته في مدينة الرقة ثم بيته في حلب، وأخيراً في اللاذقية وبلدته (البودي)، منتدى لأجيال من الكتاب والمثقفين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والآيديولوجية والإثنية، منذ سبعينيات القرن الماضي حتى وقتنا الراهن».
غلاف كتاب مجنون المجاز
تناولت الدراسات التي ضمّها الكتاب سبع عشرة رواية من روايات نبيل سليمان، وستة من كتبه النقدية. ومن هذه الدراسات، كما من الشهادات، ما ضمته الطبعة الأولى من الكتاب، ومنها ما هو جديد في الطبعة العراقية.
في الشهادات، اختار إدوار الخراط لنبيل سليمان لقب «الإنسان الجوهري»، وعدّه عبد الرحمن منيف من المؤسسين للرواية في سوريا، كما وصفه بالمهجوس بتطوير فن الرواية. أما يمنى العيد فكتبت أن سيرة نبيل سليمان في كتابة الرواية العربية هي سيرة البحث عن «بنى لأشكال تروي حكايتنا، وتبدع لغة لمتعة القراءة». وقد وصف خليل صويلح رواية نبيل سليمان «تاريخ العيون المطفأة» بالسجادة السردية. كما قارن نزار العاني بين هذه الرواية وبين رواية «العمى»، وخلص إلى أن عميان نبيل سليمان غير عميان جوزيه سارماغو. وعن «تاريخ العيون المطفأة» كتب فيصل دراج أنها «قدمت اقتراحاً فنياً متميزاً في مجال الرواية السياسية العربية».
الروائي الكويتي طالب الرفاعي استذكر الاعتداء الذي تعرض له نبيل سليمان في 31/01/2001، وذلك بينما كتب عن رواية «سمر الليالي»، فرأى أنها لا تشبه إلا نفسها، وأنها تخوض في المسكوت عنه، وقال: «وإذا بدا صوت المؤلف أعلى نبرة ووضوحاً في فصول الرواية الأخيرة، فربما لهذا السبب أو لغيره ناله ما ناله من اعتداء غادر كاد يودي بحياته». وقد حددت شيرين أبو النجا موقف نبيل سليمان بأنه ينبذ العنف والظلم والطائفية. واعتمدت في ذلك على رواية «مدائن الأرجوان» التي وصفتها بالكتابة الصعبة في زمن أصعب، وبالكتابة المستحيلة.
في مساهمة واسيني الأعرج في هذا الكتاب، رأى أن نبيل سليمان لجأ في رواياته الأربع (أطياف العرش- سمر الليالي– في غيابها– مجاز العشق) إلى تاريخ الحواشي «التاريخ الداخلي للأفراد والجماعات الذي تتضح من خلاله الانكسارات والتاريخ الهش الصادق». ووصف رواية «دلعون» بأنها «نصّ الحافات بين متعة حكي الليالي وقسوة الموضوع الذي ينز دماً». وتساءل: هل هذه الرواية هي رواية الخيبات والتسلط المستمر؟ ورأى أنها سيرة جيل من الثوار والزبانية على حد سواء، وصلت إلى أقصى حدودها. وعدَّ واسيني الأعرج أن رواية «حجر السرائر» هي «رواية دمشقية بامتياز». وقد أجمل الروائي الجزائري الكبير قوله في نبيل سليمان، فرأى فيه علامة ثقافية عربية، ناهيك من كونه روائياً كبيراً يصنع في كل نص عالماً جديداً. وما يميزه هو وقوفه على كل الحواف الخطيرة، وفي أعماله ما يوحي باتساع الرؤية وباتساع المشروع الروائي وتنوعه.
عن رواية «في غيابها» رأى إبراهيم خليل أنها منسجمة مع ما بعد الحداثة. وشبَّه صبحي حديدي عمل نبيل سليمان في هذه الرواية بإدارة لعبة شطرنج مفتوحة بين أحجار المكان ومربعات الزمان. وشبه تقنيات السرد فيها بالمدرسة النقطية في الرسم. وعن روايات (مجاز العشق– دَرَج الليل.. دَرَج النهار– سمر الليالي– في غيابها) كتب عزت القمحاوي أن العناق بين السِّيَري والروائي يُكتمل بها. وعن أحدث روايات نبيل سليمان، وهي «تحولات الإنسان الذهبي– 2022» كتب سعيد يقطين أن نبيل سليمان من الروائيين العرب القلائل الذين تختزل حياتهم في كتابة الرواية.
على الرغم من أن لنبيل سليمان اثنين وثلاثين كتاباً في النقد الأدبي، فإن نصيبها من كتاب «مجنون المجاز» كان 6 دراسات فقط، منها ما كتبته سميحة خريس عن كتاب «بمثابة البيان الروائي» ونادين باخص عن كتاب «أخيولات روائية للقمع والطائفية». وفي غير الرواية والنقد كتب وفيق سليطين عن كتاب نبيل سليمان «الماركسية والتراث العربي الإسلامي» الذي صدر في طبعة وحيدة عام 1988، كما كتب أحمد عمر عن كتاب «الثقافة بين الظلام والسلام» فوصفه بأنه «يتميز بالمساجلة الديمقراطية التي ندرت في هذه الأيام» وقد صدر الكتاب عام 1996.
في ختام كتاب «مجنون المجاز» جاءت قائمة بالكتب المنشورة عن أعمال نبيل سليمان، وهي أربعة عشر كتاباً، وقائمة بالدراسات التي تناولت أعمال نبيل سليمان ضمت واحدًا وأربعين كتاباً. ولعل «مجنون المجاز» -بكل ما تقدم- يكون إضافة مهمة للمكتبة العربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ يوم واحد
- الرياض
سيمفونية العقل الإنساني
هناك جالس في عتمة الغرفة، أصابعه ترتجف فوق مفاتيح البيانو، لا يسمع النغمة، لكنه يشعر بها تهز صدره، يضع أذنه على البيانو كمن يبحث عن صدى داخلي أنه لودفيغ فان بيتهوفن، مؤلف أعظم السيمفونيات الموسيقية، والعقل الذي ألّف أجمل الألحان في غياب السمع في لحظة تتقاطع فيها العبقرية مع المعاناة، فهل كان عقله يحتاج إلى الحواس كي يبدع؟ بل إلى وعي يتجاوز الجسد، وإرادة حرة تعزف على أوتار الداخل ساخرة من المعاناة، من هنا تبدأ الحكاية منذ اللحظة الأولى للوعي، لم يكن الإنسان مفكّراً فحسب، بل كان مؤلفاً موسيقياً يعزف على وترٍ واحد هو العقل، حيث إن العقول لا تختلف فقط في الأفكار، بل في طريقة العزف على مفاهيم الحياة. إن العقل الإنساني ليس مجرّد أداة لفهم العالم، بل لغة العالم الكبرى حين نحاول أن نفهم ذواتنا من خلاله، إنه ليس حاسبة بيولوجية، بل ملحن للوجود ينسج من المتناقضات منطقاً، ومن الفوضى نظاماً، ومن الحيرة سؤالاً. ولأن العقل لا يُرى لكنه يقاس بنتائج فعله فهو أشبه بآلة موسيقية لا أحد يملك مفاتيح العزف عليها إلا في لحظات القرار، أو الحنين، أو الانكسار، أو المنطق عندها تعزف عقولنا لحنها الخفي الذي لا يكتب بل يُعاش، هكذا هي سيمفونية العقل، صامتة ثائرة تتربص انفعالات الروح ورحلة التفكير خلف التجربة. وهذا يتركنا نسأل هل التفكير محض ترتيب للأفكار.. أم أنه انفعال داخلي يبحث عن اتساق بين العقل والروح؟ فكيف نعزف بعقولنا دون أن نغيب عن ذواتنا؟ في الطفولة تتكون أولى نغمات العقل بين الذاكرة والدهشة، دهشة الصرخة الأولى حيث يُرى العالم ومحاولة تدوين تلك الصرخة كوعد للوجود، ففي هذه اللحظة يتعلم العقل كيف يحتفظ بما يمر عليه وكيف يعيد صياغته ليستوعب الآتي، وكلما كبر الإنسان بدا لحن العقل يتحول من حسي إلى فكري فينتقل العقل إلى التفسير والتحليل والتأمل وهذه اللحظة هي نغمة الإدراك الكبرى حيث يولد العقل النقدي الباحث في دهاليز الفلسفة والمنطق وهذه النغمة هي النافذة الحقيقية لوعي الإنسان. وكما في كل سيمفونية لابد من لحظة نشاز، تُدخل العقل في منطقة رمادية حيث لا إجابة حاضرة ولا طريق ممهد وهنا يتصارع المنطق مع الرغبة والواقع مع المأمول، وهذه النغمة برغم قسوتها إلا أنها هي من تصنع العمق في تركيبة العقل الإنساني حيث تجبره على الاختيار الذي يُعّد أعلى درجات العقل. ومع مرور الوقت يصل العقل إلى مستوى من التراكم والتصفية، فيتحول الصوت الداخلي إلى حكمة تدعو الإنسان إلى الفهم وترك الجدال. في كل عقل إنساني هناك مقطوعة لا تشبه الأخرى، فهناك ما يدعى بالنغمة الغالبة تحب الإنصات أكثر من الإجابة، وأخرى تحب التركيب أكثر من الشعور، ومن هنا بدأ العلماء في دراسة مقامات العقل الإنساني ليقيسوا كيف يفكر. فوجدوا أن المرآة تشغّل فصي الدماغ معاً، والرجل يُفعّل نصفاً واحدًا في التركيز. المرآة بارعة في التعدد العاطفي تفكر وتحب وتخطط في لحظة واحدة والرجل حاسم في مهمة واحدة ثم يلتفت لما بعد، هي تمسك التفاصيل وهو يرسم الخريطة، هي ترى المشهد من الداخل وهو يراه من الخارج. وهكذا خلق الله الاختلاف ليكتمل اللحن بين نغمة تفكر ونغمة تشعر. في النص القرآني لم يُكرم الإنسان بعبادته، بل بعقله مناط التكليف، ولم يكن العقل أداة اختبار فقط، بل كان وسيلة اصطفاء (وعلم آدام الأسماء كُلًّها) البقرة آية 31- هذا أول تكريم.. تعليم لا تسخير، لم يُلقًّن آدام طقوساً، بل مفاتيح تسمية الأشياء وهي دعوة للتفكر والفهم، بل جاء التكليف نفسه مبنياً على التمييز العقلي، (أفلا تعقلون) تكررت أكثر من 13 مرة، (أفلا تتفكرون) (لقوم يعقلون). وكان العقل ليس رفاهية معرفية تدعي العلم، إنما شرط وجودي لفهم تشريعات الله، هذا التقدير للعقل في القرآن الكريم يجعلنا نعيد مفهوم التكليف لا بوصفه حملاً، بل احتفاء بقدرة الإنسان على أن يكون شريكاً في الإدراك والفهم. ستظل عقولنا تعزف ألحانها في صمت، لا لتمنح أجوبة جاهزة، بل لتوقظ فينا وعياً يضيء الطريق بين الفكر والروح ويجعل من وجودنا تجربة تستحق التأمل.


الرياض
منذ يوم واحد
- الرياض
بين الثقافة والصحافةنسقنا الروائي
هذا الموضوع مهم ومتشعب، ولكن سأحاول اختصاره واختزال أهم خطوطه العامة. أهمية هذا الموضوع تأتي لسببين، الأول كون هذا المقال؛ مقال تأسيسي لمنظور عام وعلمي في الوقت ذاته، والسبب الآخر أنه مرتبط بعدة مرجعيات أساسية في الهيكل التنظيمي الرسمي، وأهمها دارة الملك عبدالعزيز، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة للترفيه، ووزارة التعليم، وببساطة يمكن الإشارة إلى علاقة هذه الجهات بالرواية، وبالتالي بإنتاج نسق روائي في شكل جديد وعلاقة حديثة، ووفق معطيات متنوعة ومتعددة، وهو تعدد وتنوع صحي يمنح النسق الروائي السعودي تنظيم واضح، وتنوع إثراء وعمق، مما يجعل من هذا النسق المتساند المتكامل عنصر تعزيز حقيقي في إعطاء الرواية مكانتها المهمة والمرموقة منذ ولادتها ووصولا إلى نموها وظهور ملامحها الأدبية والإبداعية والاجتماعية كما هي عليه في وقتنا الحاضر. ماذا يعني نسق حديث للرواية السعودية -على حد علمي لا يوجد نسق بمثل هذا المستوى من التنسيق والوضوح على مستوى العالم-؟ يعني أن أدواتنا النقدية بحاجة إلى أن تتطور أيضا وتتنوع بما يؤهلها إلى درجة من الدقة والموضوعية والعلمية تمكنها من إنتاج قراءات نقدية ودراسات شاملة على مستوى عال يتوافق مع درجة هذا النسق المستحدث والذي جمع بين أصالة المفهوم الروائي، وتجدد الممارسة الروائية وتنوع فلسفاتها وثيماتها المتحركة، ويعني ضمن ما يعني أن الرواية أداة تأثير وبناء حقيقي، كما أنها تحمل طاقة جذب تجعل منها ميدان رحب ومحبب لممارسة متنوعة تجمع حول نواتها مسارات ومدارات تجسد أفق رحب وسماء مشاهدة من مختلف مناطق الإبداع وأعين الإنسانية. د. عبدالله بن محمد العمري


الرياض
منذ يوم واحد
- الرياض
توصياتخمسة كتب يوصي سعيد خطيبي بقراءتها
في هذه الزاوية يأخذنا الروائي الجزائري سعيد خطيبي الذي استطاع أن يختط لنفسه طريقا مميزا في عالم الصحافة والثقافة والرواية، أديب بأوجه متعددة، ومبدع في عدة أجناس من الكتابة، فاز بعدة جوائز جائزة الصحافة العربية 2012، مرورا بحصوله على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، ووصولا إلى نيله جائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 عن روايته 'نهاية الصحراء' إلى عوالم القراءة والرواية من خلال ما اطلع عليه مؤخراً ويوصي القراء بقراءتها.. حاصل الطرح (أليا ترابوكو ثيران) يستفيق تاريخ التشيلي مثلما يستفيق بركان، في هذه الرّواية التي تدور بين أرمدة وبين سنوات القمع، تحكي الكاتبة عن الآباء وعن الأبناء، وما عانوه تحت نظام لا يرحم الإنسان. تدور وقائعها بين واقعية وجوّ من الكوابيس. وبطل الرّواية ينشغل بعمليات حسابية، في إحصاء عدد الموتى مقارنة بعدد القبور المتاحة. وهي رواية حلزونية تراوح بين حاضر وماض، ويتشابك فيها تاريخ التشيلي مع تاريخ الأفراد. أنبئوني بالرّؤيا (عبدالفتاح كيليطو) وهي رواية تجعل من «ألف ليلة وليلة» منطلقا ومقصدًا لها في آن، تغامر في التنقيب عن حكايات من التراث وفي تأويلها. بل يتيح صاحبها جولة في كنوز من النّصوص المؤسسة، ويطرح آراءه بشأنها، ويضطلع فيها كيليطو بدورين، بدوره ككاتب وكذلك كقارئ. وعندما نطالع هذه الرواية، وعقب الانتهاء، فلا بدّ أن تراود القارئ رغبة في العودة إلى «ألف ليلة وليلة». أنا أحيا (ليلى بعلبكي) أكثر من ستّة عقود انقضت على صدور هذه الرواية، لكنها لا تزال رواية معاصرة، في لغتها وفي تكتيكها السردي. رواية يمكن أن نطالعها كما لو أنّها كتبت بالأمس، لأنها تحكي عن مجتمع لم يتغيّر منه الشيء الكثير، وتروي حكايات تتكرّر في الزّمن الحاضر. في هذه الرواية تقاوم ليلى بعلبكي الحقبة التي عاشت فيها، وكذلك سلطة المكان، تخوض معركتها في النصّ، بحثًا عن خلاص لها في الواقع. الموت عمل شاق (خالد خليفة) في هذه الرواية، نطالع أحوال سورية من الدّاخل، في سنين الموت الذي خيّم على البلاد. في حقبة كانت فيها الأحلام مؤجلة، وكانت العبثية تتسيّد المشهد. يخوض خالد خليفة في تفاصيل من الحياة اليومية، بين مقاومة الموت والانصياع إليه، بين الانتقال في الأمكنة، والخوف من عواقب السفر، بين الدّاخل والخارج، يصوّر المؤلف حياة شاقة، ترجو النجاة، لكن النّجاة بدورها في حاجة إلى عمل شاق. ريح الجنوب (عبدالحميد بن هدوقة) تجمع الآراء أنّها أوّل رواية كتبت بالعربية، في الجزائر. وعلى الرّغم من لغتها وأسلوبها الكلاسيكيين، فإنها جديرة بأن نعود إليها وإعادة مطالعتها. وهي عمل عن الجزائر ما بعد الاستقلال. يصير فيها المكان محرّكًا للحكي. فالكاتب يركز على خصوصية المكان وتأثيراته في سلوكيات ومشاعر الشخصية. حيث يسقط خصوصية المكان على مجريات الأحداث، وكيف أن هذا المكان هو من يحرك الشخصيات في سردها أو في حواراتها.