
قلق داخل "أوبك+" من حرب أسعار تقودها السعودية
أسواق النفط
التي هددت بها في إبريل/نيسان الماضي وفق تقديرات غربية، بسبب خرق دول أساسية في تحالف "أوبك+" النفطي لاتفاق الحصص، وانضمامها إلى قائمة الدول التي تجاوزت وخرقت حصتها في منظمة "أوبك"، التي تشرف على حجم إنتاج الدول المختلفة كي لا ينخفض السعر، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في 11 يوليو/تموز الجاري.
وجاء التحرك السعودي الغاضب بزيادة الإنتاج وخرق اتفاق
"أوبك+"
، بعدما أدّى إغراق دول في "أوبك" السوق بالنفط إلى زيادة انخفاض السعر ليصل إلى 65 دولاراً، بينما تحتاج المملكة إلى سعر نفط يبلغ 96.20 دولاراً للبرميل لمعادلة ميزانيتها، وتنفيذ طموحات "رؤية 2030"، بحسب صندوق النقد الدولي.
وانضمت السعودية، المعروفة تاريخياً بالتزامها الصارم بحصص الإنتاج، إلى دول مثل كازاخستان والعراق والإمارات، التي لطالما اتهمت بتجاوز حصصها، في خرق مفاجئ لقيود الإنتاج، بحسب ما أفادت به وكالة الطاقة الدولية، التي أكدت قفز إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 700 ألف برميل يومياً في الشهر الماضي، ليصل إلى 9.8 ملايين برميل يومياً، وهو أعلى مستوى منذ عامين، بحسب بيانات "بلومبيرغ" واستطلاعات خاصة بـ "أوبك". ويأتي هذا الارتفاع في الإنتاج متزامناً مع قفزة في صادرات السعودية، التي ارتفعت بمقدار نصف مليون برميل يومياً في الشهر الماضي، أي أكثر من بيانات التتبع التي جمعتها "بلومبيرغ"، والتي قدرت الزيادة بـ 440 ألف برميل يومياً.
وفيما وصف بأنه تحرك نفطي تكتيكي، ووفق تقرير لموقع "أويل برايس" في 11 يوليو الجاري، فإن الرياض تزعم أن ارتفاع صادراتها من النفط وإنتاج المصافي لم يكن نتيجة لخرقها الصفوف واتفاق الحصص في "أوبك"، بل مجرد تحركات طفيفة لبراميل النفط في ظل التوتر الإقليمي، لكن وكالة الطاقة الدولية ترى أن الارتفاع في الصادرات، والنمو في نشاط المصافي، وتنامي المخزونات، هي ثلاث إشارات "لا تشير إلى مضاربات نفطية، بل إلى زيادة فعلية سعودية في الإنتاج".
وعقب كشف التقرير الشهري الأخير لوكالة الطاقة في توقعاته المتشائمة للطلب، عن حجم إنتاج المملكة بوصفها إحدى الدول الأساسية في تحالف "أوبك+"، حاول المنتجون طمأنة السوق بأن هذا التزايد في الشحنات لا يعني العودة إلى فوضى الضخ غير المنضبط التي شهدناها قبل أن تقضي جائحة كوفيد-19 على الطلب العالمي، ولكنه تحرك نفطي تكتيكي من دول الخليج في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.
طاقة
التحديثات الحية
تراجع النفط وسط ترقب تطورات الرسوم الجمركية وزيادة إنتاج أوبك+
وتقول "بلومبيرغ" إنه لو صح هذا التفسير، لكان من المتوقع أن تتراجع المخزونات في السعودية والدول المجاورة، إلا أن العكس تماماً هو ما حدث، بحسب وكالة الطاقة الدولية، حيث أظهرت الأرقام ارتفاع معدلات التكرير داخل المملكة بمقدار 300 ألف برميل يومياً مقارنة بشهر مايو/أيار. وهو ما يعني أن الإنتاج المحلي قد ارتفع بفعل زيادة الصادرات والمخزونات ومعالجة النفط داخلياً.
وكانت مجموعة "أوبك+" قد اتفقت يوم 5 يوليو الجاري على زيادة إنتاج النفط بمقدار 548 ألف برميل يومياً خلال شهر أغسطس/ آب المقبل، في تسريع لوتيرة زيادة الإنتاج، في أول اجتماع لها منذ أن قفزت أسعار النفط ثم تراجعت في أعقاب العدوان الإسرائيلي ثم الضربة الأميركية على إيران.
وقالت تقارير اقتصادية غربية إن هذا الاتفاق جاء في محاولة لإرضاء المملكة ووقف الخلاف مع بقية دول "أوبك" الأخرى التي لا تلتزم بحصصها، ومحاولة تعويض النقص في إيرادات هذه الدول بعد انخفاض الأسعار. ووصفت "رويترز"، في 8 يوليو، موقف السعودية، قبل خرقها حصص الإنتاج، بأنها "تلعب لعبة قصيرة وطويلة الأمد مع مقامرة إنتاج أوبك+"، وقالت إن المملكة سعت لزيادة إنتاج دول "أوبك+" من النفط كي تظل في الصدارة، وتستعيد حصتها في السوق، وتمنع خرق هذه الدول لحصصها، وتعزز هيمنتها على المدى الطويل.
وقررت مجموعة من ثمانية منتجين رئيسيين للنفط (السعودية وروسيا والإمارات والكويت وعُمان والعراق وكازاخستان والجزائر) في 5 يوليو زيادة الإنتاج المشترك بمقدار 548 ألف برميل يومياً في أغسطس، ولكن الحصص الجديدة لن تؤدي في واقع الأمر إلى تغيير جذري في الناتج الإجمالي للمجموعة، حيث إن معظم الأعضاء ينتجون بالفعل عند تلك المستويات أو أعلى منها، وفق "رويترز". وانخفضت حصة السعودية من إنتاج النفط العالمي من متوسط 13% على مدى العقود الثلاثة الماضية إلى 11% في عام 2024، بحسب المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية التي أجراها معهد الطاقة.
طاقة
التحديثات الحية
السعودية تقود أوبك إلى زيادة الإنتاج واستعادة النفوذ في سوق النفط
وكانت تقارير اقتصادية غربية قد حذرت في إبريل الماضي من أن صبر السعودية على خرق دول عديدة في "أوبك" لسقف الإنتاج، خاصة العراق والإمارات وكازاخستان، ما أدى إلى خفض أسعار النفط وتهديد مشاريعها و"رؤية 2030"، قد ينفد، وسينتج عنه توجيه الرياض "ضربة في مقتل" إلى أسواق النفط، وعدم التزامها بوضعها كرمانة الميزان للسوق النفطي. وحذر المحلل المالي والاستثماري، أليكس كيماني، في تحليل لموقع "أويل برايس" في 14 إبريل الماضي من أن الضربة السعودية لأسواق النفط في مقتل تقترب، وقد فوجئت بها دول "أوبك"، خاصة بسبب تجاوزات العراق والإمارات وكازاخستان. وأكد أن هذه الخطوة السعودية "تستهدف توجيه رسالة قوية ضد الدول التي انتهكت اتفاقيات خفض الإنتاج مثل كازاخستان والإمارات والعراق" خصوصاً.
ويشير تحليل "أويل برايس" إلى أن قيام هذه الدول الثلاث، التي أزعجت السعودية بعدم التقيد بحصص الإنتاج بما يعادل ثلاث زيادات شهرية دفعة واحدة، بجانب فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية على شركاء تجاريين، مما عمّق الصدمة في أسواق النفط، سوف يعجلان بالخطة السعودية القاتلة لأسواق النفط، ما يعني انهيار الأسواق على الجميع ما دامت تخرق اتفاقات "أوبك+".
وكانت صحيفة فاينانشال تايمز قد أكدت في سبتمبر/ أيلول الماضي أن "السعودية مستعدة للتخلي عن هدفها غير الرسمي المتمثل في الحفاظ على سعر النفط عند 100 دولار للبرميل، واستعدادها لزيادة الإنتاج، ما يعكس قبولها بفترة طويلة من انخفاض الأسعار".
وتتحمل السعودية حالياً ما مقداره مليونا برميل يومياً من أصل 2.8 مليون برميل يومياً من تخفيضات إنتاج أعضاء "أوبك"، ومن أصل 3.15 ملايين برميل يومياً من إجمالي تخفيضات "أوبك+"، أي إن المملكة تساهم بأكثر من ضعف مساهمة مجموعة "أوبك+" مجتمعة، ولا تقوم سوى السعودية والكويت بتخفيض الإنتاج بنسبة أرقام مزدوجة، وجزء كبير من انخفاض إنتاج أعضاء "أوبك+" الآخرين لا يُعد طوعياً، بل ناتج عن عدم قدرتهم على الوفاء بحصصهم الإنتاجية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
واردات الصين من النفط الإيراني تسجّل أعلى مستوى في 3 أشهر
سجّلت واردات الصين من النفط الإيراني قفزة ملحوظة في شهر يونيو/حزيران، مدفوعة بمتغيرات السوق العالمية، والحسابات الاستراتيجية في بكين وطهران على السواء. هذه الزيادة تأتي في سياق يتّسم بمخاطر متعددة على أمن الإمدادات، خصوصًا مع استمرار العقوبات الأميركية وتزايد المخاطر في مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة في العالم. ووفقًا لبيانات حديثة صادرة عن شركة "فورتكسا" لتحليلات الطاقة، ونقلتها وكالة "بلومبيرغ"، فإن واردات الصين من الخام الإيراني ارتفعت إلى أكثر من 1.7 مليون برميل يوميًّا في يونيو/حزيران، مقارنةً بـ1.1 مليون برميل يوميًّا في مايو/أيار، وهو أعلى مستوى تسجله منذ الرقم القياسي المسجّل في مارس/آذار الماضي. طفرة استباقية قبل التصعيد العسكري بحسب التقرير، شهدت الأيام الأولى من شهر يونيو/حزيران طفرة غير مسبوقة في وتيرة الشحنات، إذ بلغت الواردات 2.5 مليون برميل يوميًّا خلال أول 12 يومًا فقط من الشهر، أي قبيل الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت إيران، ما يعكس تحركًا استباقيًّا من قبل البائعين لتسريع عمليات الشحن خشية التورط في النزاع أو تعطّل سلاسل الإمداد. وفي هذا السياق، قالت إيما لي، كبيرة محللي السوق في شركة "فورتكسا"، إن بيانات يونيو تكشف عن وجود بدائل أسرع وأكثر مرونة لتأمين الإمدادات في مواجهة مخاطر اضطرابها، مشيرة إلى أن العقوبات الأميركية المستمرة على الناقلات والشركات المشاركة في تجارة النفط الإيراني لن توقف تدفق الخام على الأرجح، بل تدفع اللاعبين إلى تعزيز أدوات التهرب والابتكار اللوجستي، وفقًا لـ"بلومبيرغ". ضغوط داخلية على المصافي الصينية المستقلة ورغم هذا الارتفاع، من غير المتوقع أن يستمر الاتجاه التصاعدي ذاته خلال شهر يوليو/تموز، بحسب "فورتكسا"، إذ تواجه المصافي الصينية المستقلة الكبرى، والتي تُعرف باسم "المصافي الشعبية"، ضغوطًا متزايدة على معدلات التشغيل. ووفقًا لشركة "مايستيل أويل شيم"، فإن معدل التشغيل الحالي لتلك المصافي يبلغ نحو 46%، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا في الطلب المحلي والقدرة على المعالجة، بحسب "بلومبيرغ". لكن في المقابل، تُمنَح هذه المصافي، بفعل هوامش الربح الضئيلة وتوافر كميات كبيرة من النفط الإيراني في المخازن وعلى متن السفن، قدرة أكبر على التفاوض للحصول على خصومات أعمق. وتُظهر البيانات أن أسعار النفط الإيراني تُعرض حاليًّا بخصم يصل إلى 4 دولارات للبرميل مقارنةً بأسعار العقود الآجلة لخام برنت، مقابل خصم قدره دولاران فقط في مايو/أيار الماضي. الصين والنفط الإيراني - تحالف الضرورة تمثّل إيران أحد أكبر مصادر الإمداد "غير الرسمية" للنفط الخام إلى الصين، خصوصًا في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018. وتستفيد بكين من هذه العقوبات للحصول على النفط بأسعار منخفضة، مع استخدام أساليب غير مباشرة في الدفع والنقل لضمان استمرار التدفقات دون الاصطدام بالعقوبات الغربية. ويقدّر محللون أن ما بين 80 إلى 90% من صادرات النفط الإيراني تتجه حاليًّا إلى السوق الصينية، إما بشكل مباشر أو عبر وسطاء في سنغافورة وماليزيا. كما تمارس الشركات الصينية نشاطًا واسعًا في مجال التخزين البحري للنفط الإيراني، باستخدام ناقلات "شبحية" تتجنب تتبّع الأقمار الاصطناعية. طاقة التحديثات الحية قفزة في صادرات النفط الإيراني وسط ضربات إسرائيل بين العقوبات والواقعية الجيوسياسية إن قفزة الواردات الصينية من النفط الإيراني تعكس ديناميكيات جديدة في سوق الطاقة العالمية، تُحدَّد على أساس الاعتبارات السياسية بقدر ما تُحكَم بالمعادلات الاقتصادية. فبينما تسعى الصين إلى تنويع مصادرها وتأمين احتياجاتها بعيدًا عن النفوذ الأميركي، ترى إيران في السوق الصينية شريان حياة اقتصادها المعاقب، ما يجعل العلاقة بين الجانبين محكومة بـ"تحالف الضرورة" أكثر منها بشراكة استراتيجية مستدامة. ومن المرجح أن تواصل بكين سياستها البراغماتية تجاه إيران، ما دامت التوترات الإقليمية تخلق فرصًا للحصول على الطاقة بأسعار تفضيلية. وفي المقابل، ستستمر طهران في استخدام النفط أداة للمقاومة الاقتصادية، معتمدة على البنية اللوجستية المعقدة التي طوّرتها خلال سنوات العقوبات.


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
تراجع النفط وسط ترقب العقوبات المحتملة على مشتري الخام الروسي وتداعيات الرسوم
تراجعت أسعار النفط، اليوم الثلاثاء، مع تفكير السوق في مهلة تستمر 50 يوماً، حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لروسيا لإنهاء الحرب على أوكرانيا، وتجنب فرض عقوبات على مشتري نفطها، في حين استمرت المخاوف بشأن الرسوم الجمركية الأميركية. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت خمسة سنتات إلى 69.16 دولاراً للبرميل بداية تعاملات اليوم، في حين تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسعة سنتات إلى 66.89 دولاراً. وسجلت عقود الخامين انخفاضاً بأكثر من دولار عند التسوية في الجلسة السابقة. وأعلن ترامب، أمس الاثنين، أنه سيزود أوكرانيا بأسلحة جديدة، وهدد بفرض عقوبات على مشتري الصادرات الروسية ما لم توافق موسكو على اتفاق سلام في غضون 50 يوماً. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت عقب الأنباء عن العقوبات المحتملة، ولكنها تخلت عن هذه المكاسب في وقت لاحق إذ أثارت مهلة الخمسين يوماً آمالاً في تجنب العقوبات، وركز المتعاملون على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض بالفعل رسوماً جمركية باهظة على الدول التي تواصل التجارة مع روسيا. وكتب دانيال هاينز، كبير محللي السلع الأولية، في "إيه.إن.زد" في مذكرة للعملاء: "خففت المهلة المخاوف من أن العقوبات المباشرة على روسيا قد تعطل تدفقات النفط الخام. وتأثرت المعنويات أيضاً بالتوترات التجارية المتصاعدة". وقال ترامب يوم السبت إنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 30% على معظم الواردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك، اعتباراً من الأول من أغسطس/ آب، على غرار تحذيرات مماثلة لدول أخرى تاركاً لهما أقل من ثلاثة أسابيع، للتوصل إلى اتفاقات يمكن أن تخفض معدلات الرسوم التي يهدد بفرضها. طاقة التحديثات الحية واردات الصين من النفط الإيراني تسجّل أعلى مستوى في 3 أشهر وقد تؤدي الرسوم الجمركية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، الأمر الذي قد يقلص الطلب العالمي على الوقود، ويؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. من ناحية أخرى، نقل تقرير إعلامي روسي عن الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هيثم الغيص قوله إن المنظمة تتوقع طلباً "قوياً جداً" على النفط في الربع الثالث من العام، وأن يكون الفارق طفيفاً بين العرض والطلب في الأشهر التالية. ورفع بنك غولدمان ساكس، أمس الاثنين، توقعاته لأسعار النفط للنصف الثاني من 2025، مشيراً إلى اضطرابات محتملة في الإمدادات، وتقلص مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقيود الإنتاج في روسيا. (رويترز)


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
فنادق دمشق وحلب: إشغال قياسي بأسعار لا تناسب الخدمة
تسجل نسب إشغال الفنادق في العاصمة السورية دمشق، وكذلك مدينة حلب، مستويات قياسية منذ نحو سبعة أشهر، لم تصل إليها منذ نحو 15 عاماً، بلغت وفقاً لتقديرات عدد من مُلّاك الفنادق ومشغّليها، إلى ما بين 85% و98% في الفنادق الرئيسة بالبلاد. الفنادق في دمشق تحديداً تحولت إلى ملاذ للوفود الدبلوماسية، والمنظمات الدولية، والفرق الصحافية القادمة إلى سورية الجديدة، بينما يُمكن ملاحظة آلاف السوريين العائدين إلى بلادهم من دول غربية وعربية مختلفة، قاصدين هذه الفنادق للبقاء فيها لحين ترتيب أوضاعهم، وآخرين قرروا الزيارة في الوقت الحالي لا العودة النهائية. ووسط تباين واضح بين الأسعار المقدمة للمواطنين الذين تُقبل منهم عمليات الدفع بالعملة السورية، وبين غير السوريين الذين يُشترط أن يدفعوا بالعملة الأجنبية: الدولار، أو اليورو، فإن هناك تفاوتاً كبيراً بين أسعار الغرف المقدمة في 22 فندقاً رئيساً في دمشق، وسبعة فنادق مماثلة في حلب. وتراوح أسعار الغرفة بين 130 و300 دولار بالنسبة لغير السوريين، وبقيمة أقل بنسبة 30% للسوريين، وهذه كلها تُدفع نقداً حيث لا تعاملات مالية في الأراضي السورية إلا بالنقد، إذ لا تعمل جميع خدمات البطاقات البنكية بفعل العقوبات التي جرى فرضها على سورية لسنوات طويلة. على بعد كيلومترين من الجامع الأموي، تزدحم صالة الاستقبال في "فندق شام"، رغم إبلاغ أحد الموظفين عند باب الفندق الزوّار بعدم وجود غرف شاغرة، وأسعار الغرف تراوح بين 130 و200 دولار. في هذا الفندق الذي يحوي مئات الغرف الصغيرة والضيقة نسبياً مع مصاعد ضيقة توحي بأنها تعود لفترة التسعينيات، وقد تتوقف براكبيها في أي وقت بفعل انطفاء التيار الكهربائي المتكرر أو حتى تهالك وضعها الخدمي، يقول أحد موظفي الاستقبال إنهم كانوا يأخذون 30 دولاراً قبل سقوط النظام مقابل الليلة الواحدة، وإشغال الفندق كان أقل من 25% من طاقته، أما اليوم فالفندق ممتلئ وتم تحديث الأدوار العليا التي كانت شبه مهملة لاستقبال المزيد من الضيوف. سياحة وسفر التحديثات الحية السياحة السياسية في دمشق ترفع إشغال الفنادق 100% أغلب ضيوف الفنادق الرئيسة في دمشق هم الوفود من المنظمات والشخصيات الدبلوماسية والفرق الصحافية، وبتكاليف مرتفعة مقارنة مع وضع هذه الفنادق التي يعود أحدث فندق فيها للعام 2001. تتميز هذه الفنادق بحماية أمنية عند بواباتها، وكذلك وضع كهرباء أفضل، مع وجود خدمة طعام، التي يفضلها الضيوف رغم ارتفاع أسعارها، بسبب تكرار حالات التسمم والمشاكل الصحية في الخارج. علي ذياب، الذي يعمل مديراً إدارياً لفندق "الضيافة"، وهو أحد الفنادق التي تشهد اكتظاظاً كبيراً في دمشق، يؤكد أن قطاع الفنادق بات العامل الأهم لجذب العملة الأجنبية وتشغيل اليد العاملة في العاصمة السورية حالياً، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفنادق حرّكت السوق المحلية، بدءاً من المطاعم ووصولاً إلى سائقي التاكسي، واضطررنا إلى توظيف ثلاثة أضعاف العمال والمنظفين الذين كانوا لدينا بسبب الزخم الكبير الذي تواجهه فنادق دمشق". ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وخلال الأشهر اللاحقة، لجأ عدد كبير من أصحاب المنازل الكبيرة إلى تحويل منازلهم لفنادق ضيافة، فيما آخرون أجّروها لمنظمات ومكاتب إعلامية مقابل مبالغ مالية ضخمة تصل إلى أربعة آلاف دولار بالشهر الواحد، وفق أحمد بدوري، من غرفة سياحة دمشق. ويقول بدوري، لـ"العربي الجديد": "يمكن القول إن قطاع الفنادق والضيافة هو المحرك الأول الآن في السوق السورية، والوافدون بمختلف أنواعهم، الذين يصلون أسبوعياً إلى سورية بالمئات، كلهم يريدون مكاناً مريحاً ثم آمناً". يقر بدوري بأن الأسعار مرتفعة جداً مقارنة بعواصم أخرى مجاورة، مثل بيروت وعمّان وحتى إسطنبول، التي تتوفر فيها خدمات فندقية عالية، بما فيها مستوى النظافة وباقي تفاصيل الراحة الفندقية. وفي حلب، الوضع لا يختلف كثيراً، بضعة فنادق جيدة ويمكن للزائر غير السوري تقبل الإقامة فيها، والأسعار تراوح بين 90 و140 دولاراً، خاصة تلك المطلة على ساحة سعد الله، وسط مدينة حلب. أغلب الضيوف هم من الصحافيين، مع المواطنين السوريين الذين قرروا العودة للاطلاع على الأوضاع، أو لزيارة ذويهم، وبسبب عدم توفر فنادق في إدلب، فإن حلب تبقى خياراً مناسباً للبقاء على مقربة من الشمال السوري ككل. ويُمكن معرفة معايير جودة الفنادق في سورية من خلال الكهرباء وجودة الإنترنت الذي توفره، والمياه الساخنة، والأمن على أبوابها. يؤكد أسعد الجليلي، وهو رجل أعمال ومقاول، وجود ثلاثة مشاريع لبناء فنادق أو تطويرها في حلب بالوقت الحالي، ويعتبر أن قطاع الضيافة والفندقة هو "الأكثر ضماناً وربحاً في الوقت الحالي". ويضيف رجل الأعمال: "يُقدر عدد العاملين أو المرتبطين بقطاع الفنادق في سورية بعشرات آلاف العائلات السورية التي تعيش على هذا القطاع حالياً، خاصة في دمشق وحلب"، ويُقر بأن الأسعار مبالغ بها كثيراً، والضيوف يدفعون مجبرين، حيث لا بديل، خاصة بالنسبة لغير السوريين. اقتصاد عربي التحديثات الحية آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين سورية وتركيا.. إليك تفاصيلها بدوره، يقول سعد الرحمون، من وزارة السياحة في العاصمة دمشق، إن هناك عدة عروض استثمارية من رجال أعمال سوريين قرروا العودة والاستثمار في بلادهم، وأغلبها في قطاع الفنادق. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القطاع الفندقي سيبقى الأهم بالوقت الحالي في الوجهات الاستثمارية، وهذا يشمل حمص أيضاً في الفترة القريبة. ويقدم النزلاء شكاويهم بشكل مستمر من رداءة الكهرباء والإنترنت، وتعطل بعض الأجهزة والخدمات أو عدم عملها، مثل المصاعد وشاشات التلفاز، وصعوبة وصول المياه إلى الغرف، فضلاً عن ضيق الغرف الموجودة. يقول كمال العباسي، وهو موظف من جنسية عربية ويعمل في منظمة أممية معنية بملف نزع الألغام ومعالجة المقذوفات غير المتفجرة ووصل الى دمشق مع زملاء آخرين له، إنه يدفع نحو 200 دولار يومياً على فندق يحمل علامة تجارية عالمية، لكنه فوجئ بعد قدومه بأن الفندق مُتعب للغاية. يؤكد العباسي أن اللجوء لاستئجار منازل كاملة بعقود شهرية أو أسبوعية أفضل بالنسبة للسوريين، لكن لغيرهم فإن البقاء بالفندق أفضل من نواح أمنية واجتماعية وخدمية مختلفة. تبرز بضعة فنادق تعد على أصابع اليد الواحدة تحمل تصنيف الخمس نجوم، مثل الـ"فور سيزونز"، استثناءات تقدم مستوى عالياً من الخدمة، لكنها لا تستقبل جميع الزبائن، بل تخصص طاقتها لاستضافة وفود دولية ومنظمات إغاثية بموجب ترتيبات مسبقة. ووفقا لأحد موظفي الفندق، فإنهم يواجهون منذ مطلع العام الحالي 2025 ضغطاً كبيراً في تلبية جميع الطلبات. أحد الصحافيين الأجانب وصف تجربته في أحد فنادق دمشق بأنها كانت سيئة. دفع الصحافي الذي يحمل جنسية برتغالية وجاء مع فريق لتصوير سلسلة تقارير عن سورية الجديدة، مبلغ 180 دولاراً لليلة الواحدة، مؤكداً أنه لم يجد إفطاراً، كما أن الغرفة بلا زجاجات مياه واضطر لشراء عدد منها من الخارج بسبب غلائها إذا ما تم شراؤها من الفندق ذاته، وتحدث عن عدم توفر أي إجراء أو قانون لحماية النزلاء، لكنه ذكر أن هذا متوقع في بلد خرج للتو من "محرقة ضخمة"، وفق وصفه. موقف التحديثات الحية سورية: من قاع العقوبات إلى شرفة الانعتاق ويؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي السوري فراس حداد، لـ"العربي الجديد"، حاجة دمشق وحلب لأكثر من 100 فندق غير موجودة حالياً، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من القادمين. يضيف حداد أن الكثير من السوريين وجدوا في الذهاب إلى ساحة المطار والعمل سائقي أجرة أمراً مضموناً، بسبب كثرة القادمين الذين تكون وجهتهم عادة أحد فنادق العاصمة، ويشير إلى أن العملة الصعبة التي تدخل البلاد من قطاع الفنادق والضيافة الفندقية بشكل عام تقدر يومياً بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، وهو رقم لم يكن يتحقق بشهر كامل قبل سقوط النظام، غير المهن التي تم استحداثها أو التي تضاعف عدد العاملين فيها. لكن فراس حداد يحذر من أن استمرار هذه الفوضى في الأسعار والتباين بالخدمات، في غياب سلطة تنظيمية فاعلة، قد يطرد الزبائن الوافدين لاحقاً، ويؤثر على صورة البلاد في بداية مرحلة إعادة الإعمار، وأكثر من ذلك أنه قد يخلق سوقاً منافساً من خلال لجوء الناس لاستئجار منازل وشقق مفروشة بدلاً من الفنادق، كونها أرخص ويمكن للمقيم أن يجد مستوى خيارات كثيرة في هذا المجال، وأهمها الخصوصية، لمن يريد البقاء لأسابيع أو حتى لأشهر.