logo
«أحلام أصواتنا».. السرد يحاور الشعر

«أحلام أصواتنا».. السرد يحاور الشعر

صحيفة الخليجمنذ يوم واحد
أحياناً يعمل كتاب على التوقف كثيراً عند لحظات من الإشراق الإبداعي عند مؤلفين آخرين في مختلف أنماط الأدب، يمارسون فعل التأمل والتأثر بتلك الفيوض من المعاني التي تشرق في نصوص وسيرة ذلك الكاتب الملهم والمحتفى به، ولعل لحظة الإعجاب تلك هي التي حكمت المسار التاريخي للفكر والأدب فكل كتابة هي ابنة التأثر بأخرى استلهمتها وقاربتها وربما تجاوزتها بعد ذلك ليس بالقطع معها بل بالسير به نحو أمكنة جديدة من أودية وبقاع الإبداع.
في كتاب «ماذا لو كانت لأحلامنا صوت»، لأسماء أحمد الحوسني، الصادر عن دار «العنوان»، للنشر والتوزيع في الشارقة، في طبعته الأولى عام 2023، تنشأ حوارية ومقاربة تجريها الكاتبة مع أفكار الشاعر أحمد عيسى العسم الواردة، وتتضمن المقاربة ردوداً على تلك الأفكار التي طرحها في سياق نظرته للحياة الإنسانية وتأمله في الطبيعة والوجود.
الكتاب حوارية مع رؤى وأطروحات ومعانٍ، وذلك تحديداً ما عملت عليه أسماء في هذا الإصدار الذي يُحلّق في سماوات الأدب المفتوحة، حيث تُقبل الكاتبة وهي روائية على خواطر وومضات ونصوص لشاعر لتحيط بها وتحاصرها، وفي المقابل، فإن للعسم وجود في الكتاب من خلال مشاركته شخصياً في العديد من منعطفاته بما في ذلك المقدمة، ولعل هذا الإصدار سيفتح للقارئ العربي الكثير من الآفاق في ما يتعلق بكيفية قراءة الأدب من مناظير مختلفة وغير اعتيادية.
تأليف مشترك
وعلى الرغم من ورود توصيف «الكتابة المشتركة»، على الإصدار، فإن الصوت الغالب فيه لأسماء الحوسني، فهي التي تدير عملية التنقيب الجمالي والإبداعي في عوالم أحمد العسم، على الرغم من حضوره بقلمه وأفكاره في هذا الإصدار المختلف، لكن بصورة عامة فإن الكتاب مساحة حوارية بين جيلين مختلفين، أو تأمل لجيل في إبداع الجيل الآخر الذي سبقه، ربما هي استعانة به لمواجهة ثقل الحياة ومن أجل شق طريق مفروشة بأزهار الأدب نصوصاً ومقولات ولفتات، لعل القارئ سيستدعي أشكالاً مشابهة من مثل هذه الكتابة على نحو تلك الرسائل المتبادلة بين الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، على المستوى العربي، أو بين سارتر وسيمون دي بفوار، وفرانز كافكا مع ميلينا، وغير ذلك، إلا أن الاختلاف يبرز في فارق الخبرة بين الحوسني والعسم، فميزة هذه الحوارية أنها تتنقل بين عوالم مختلفة وربما متباينة، وهذا ما أكدته أسماء الحوسني نفسها عندما قالت: «أخذت من أفكاره وطريقة تفكيره كشاعر وكاتب، نعم تأثرت بكتاباته وفتحت عندي آفاقاً واتجاهات جديدة وأثارت خيالي، وهذه الخيالات أعطتني مجالاً أوسع لأكتب أشياء جديدة»، وأوضحت أسماء الحوسني أن «القلم»، كان نقطة تلاقي الأفكار وجسر التواصل بين السرد والشعر؛ لأن الشاعر يكتب مقالات من خلفيات ثقافية واسعة، وأنا التقطت الخيط الأدبي المشترك بيني وبينه، ولكل منا قراءاته وأفكاره وأسلوبه.
أفق
يبدو أن الكُتاب في مختلف مجالاتهم يبحثون عن أفق جديد في عملية التأليف وكذلك عن المزيد من التلاقي بين الأفكار والتأمل في نصوص بعضهم البعض، وهي العملية التي خاضتها الحوسني في مشهد تتلاشى فيها الحدود بين الأنماط الإبداعية؛ حيث يلتقي الشعر بالسرد لينتجا معاً نصاً مفتوحاً تكون فيه الأهمية للكلمات وليست للقوالب التي يوضع فيها، حيث يكون الانتصار للجمال الخالص والمطلق.
الكتاب يقع في 140 صفحة من القطع الصغير، ويتوزع على 20 ورقة، هي بمثابة عناوين؛ حيث تحمل الورقة الأولى موضوع: «تحية ونور إلى أحمد العسم»، أما الورقة الثانية ففيها: «الأصوات الجميلة وحلو الفرح»، ومن تلك العناوين التي تحملها تلك الأوراق: «الشعر رمان القلب»، و«إليك أيها المفكر الكبير»، و«هنا جانب مني ذابل»، و«أيها الشاعر»، «العمر مراحل» و«ورقة من آخر الليل»، و«أربع أوزان»، و«خيارات البداية»، و«كيف وقف هؤلاء»، والعديد من الإشراقات الجمالية التي تحملها تلك النصوص.
ومن الأجزاء اللافتة في الكتاب تلك المقدمات بقلم الحوسني والعسم، وكذلك الخاتمة، حيث أشار أحمد العسم في مقدمته إلى ثقل الحياة السريعة في هذا العصر، وهو ما يجعل من الكتابة المشتركة والحواريات خير صديق للذين يودون كسر الروتين، والذين تشتهي خواطرهم الفرح والسعادة، ويقول العسم في دفق نثري شفيف: «سأقنع قلمي بالروح الشفافة وعطائها القادم، ماء ثقيل في أحلامنا نكتب على ورق كبير وصفحات نفتحها على رؤية مشتركة حين الغياب والعتمة تكبر نفتح للنور درباً»، أما مقدمة أسماء الحوسني فقد جاءت تحت عنوان «لا ترعبنا الأشياء الجديدة بقدر ما تلهب قلوبنا وصدورنا من أجل تحقيقها»، وهي الكلمة التي غاصت عميقاً في عوالم الأحلام والأماني وما يحول دون تحققها، حيث يظل الأمل داخل الصدور ينتظر لحظته المناسبة متغلباً على كل الصعاب، فالأحلام عند الكاتبة هي فعل واعٍ ينتظر تحققه برافعة العمل والسعي لا الركون، وتقول الحوسني في مقدمتها: «كثيرة هي الأمنيات التي تعبق في دواخلنا بطعم خاص، ولها نكهة عجيبة، نتذكرها صباحاً على أنغام العصافير، ومساءً بوقت متأخر من ليل ساكن مظلم، نحلم ونحلم، حتى يمتزج الحلم بواقعنا، وتتسلل إلينا بشارة الأمل في تحقيقه».
لقاء
ما بين السرد ودفقات الشعر يتجلى أسلوب الكتابة، فإلى جانب التأمل العميق في الأشياء، والوصف القوي لما يدور في داخل النفوس من حراك عاصف يريد أن يفصح عن نفسه، ولعل من أكثر الأشياء اللافتة في الكتب هو العنوان كعتبة نصية أولى والذي يفرد مساحة واسعة للقارئ للتأمل وإطلاق العنان في تخيل ماذا لو كان للأحلام صوت؟ ماذا يحدث في هذه الحالة، هل كانت ستعبر بصورة أقوى وأكبر مما فعل الشعراء والكتاب والمفكرون؟ فالعنوان يوفر مساحة للدهشة والتدبر في ذات الوقت وكأنه يقر بضيق العبارة أمام اتساع الرؤية، فلابد للأحلام نفسها أن تتحدث من دون وسيط، ثم يبرز سؤال آخر تفرضه براعة العنوان وهو لماذا صوت واحد وليست أصواتاً متعددة؟ فلابد أن لجميع الأحلام الجميلة التي تنشد واقعاً أفضل أكثر من صوت؟
تجوال
الكتاب يصنع مساحة للتجوال في سهول وبقاع وأودية من الجماليات المختلفة، وهو يشير إلى مقدرة الكاتبة على صناعة الصور والمشهديات والتحريض على التأمل، فأسماء الحوسني روائية درست الهندسة، وربما كان لذلك الاختصاص دور في اشتغالها على مساحات متنوعة والبحث عن وصفات جديدة في عالم الكتابة، وللمؤلفة العديد من الإصدارات الروائية؛ منها: «الحياة على ظهر غيمة»، و«رحلت وما زالت هنا»، و«مثل وجه طفل أرسمك»، وغير ذلك من الإبداعات.
اقتباسات
«الكتابة هي الوجهة والرحلة والطريق».
«هيا مد بصرك، الحياة لها عيون ووسادة».
«في هذا الصباح الجميل والمختلف سنحقق ما نتمنى».
«أرواحنا تحتاج إلى كلمة عذبة ترتوي منها».
«نحتاج إلى انتشالنا من سلطة السلع».
«الجلوس معك شفاء وحوارك يرضيني».
«الفقدان كشجرة الزينة توهمك بأزهارها».
«الحنين كالمرض الذي ينزل بك بين فصول السنة».
«الوردة تحمي نفسها بأشواك حادة تنال من كل مريد».
«الأبواب التي ظلت مغلقة على الغموض، كلما أصر طارق أغلقت آذانها».
«قررنا أن نكتب لندفع الماء الثقيل عن كاهل أحلامنا».
«أحلامنا ليست ما نراه في نومنا بل ما يمنعنا عن النوم».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دبي.. صانعة الفرحة
دبي.. صانعة الفرحة

الإمارات اليوم

timeمنذ 4 ساعات

  • الإمارات اليوم

دبي.. صانعة الفرحة

أجواء مدينة متخصصة في صناعة الفرح، كل ما فيها يبعث على السعادة، والتقاط الصور من أجل توثيق اللحظة الجميلة، حيث ترسم دبي الابتسامات على وجوه سكانها وضيوفها من جهات الأرض المختلفة، سواء كان المشهد في أكبر مركز تجاري في العالم - كما الحال هنا في الحي الصيني بدبي مول - أو في أي بقعة على امتداد خريطة الإمارة، وبجميع وجهاتها ومعالمها ذات التصاميم المتفردة والخدمات الراقية واحترام البشر أياً كانوا.

1 سبتمبر آخر موعد لتلقي ترشيحات جائزة الشيخ زايد للكتاب
1 سبتمبر آخر موعد لتلقي ترشيحات جائزة الشيخ زايد للكتاب

الإمارات اليوم

timeمنذ 4 ساعات

  • الإمارات اليوم

1 سبتمبر آخر موعد لتلقي ترشيحات جائزة الشيخ زايد للكتاب

تواصل جائزة الشيخ زايد للكتاب استقبال المشاركات في الدورة الـ20، حتى الأول من سبتمبر المقبل، ودعت الكتّاب والمبدعين والناشرين من مختلف أنحاء العالم إلى التقدم بأعمالهم قبل هذا الموعد، وفق المعايير والشروط المبينة على موقعها الإلكتروني الرسمي. وتواصل الجائزة، التي تُعد من أبرز الجوائز الأدبية الدولية من حيث القيمة والمكانة، رسالتها في تحفيز الإبداع الثقافي والفكري، وترسيخ مكانة إمارة أبوظبي مركزاً عالمياً للفكر والمعرفة، وجسراً للتواصل الثقافي والحضاري بين الأمم. وتُمنح الجائزة في 10 فروع رئيسة تشمل: الآداب، وأدب الطفل والناشئة، والترجمة، والفنون والدراسات النقدية، والتنمية وبناء الدولة، والثقافة العربية في اللغات الأخرى، وشخصية العام الثقافية، والنشر والتقنيات الثقافية، وتحقيق المخطوطات، والمؤلف الشاب، كما توسع نطاق المشاركة من خلال قبول الأعمال المنشورة بلغات عالمية عدة، من بينها الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، والألمانية. ومنذ انطلاقتها في عام 2007، استقبلت الجائزة أكثر من 33 ألف ترشيح من أكثر من 80 دولة، وكرّمت 136 فائزاً في مختلف فروعها، ما يعكس مكانتها الدولية ومصداقيتها العالية، وتحمل الجائزة اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وتُجسد رؤية دولة الإمارات في بناء مستقبل ثقافي مستدام، بفضل جهود مركز أبوظبي للغة العربية ودعم القيادة الرشيدة. • «زايد للكتاب» من أبرز الجوائز الأدبية الدولية من حيث القيمة والمكانة.

مجلة «المسرح» تواصل مراقبة نبض «أبوالفنون»
مجلة «المسرح» تواصل مراقبة نبض «أبوالفنون»

الإمارات اليوم

timeمنذ 4 ساعات

  • الإمارات اليوم

مجلة «المسرح» تواصل مراقبة نبض «أبوالفنون»

بمجموعة متنوعة من القراءات والمتابعات والحوارات والرسائل، حول أبرز ما شهدته الساحة المسرحية في الشارقة والعالم خلال الفترة الماضية، يطل العدد 71 من مجلة «المسرح» الشهرية، التي تصدرها دائرة الثقافة. استهل العدد بتقرير حول حفل تخرج الدفعة الثالثة في أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، كما نطالع إفادات لعدد من الفنانين الإماراتيين أعربوا خلالها عن شكرهم وتقديرهم العميق للمكرمة الجديدة التي تفضل بها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتخصيص مبنى من ستة طوابق في منطقة التعاون لمصلحة جمعية المسرحيين الإماراتيين. ويضم العدد استطلاعاً حول مسيرة مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، بمناسبة دورته الـ12 التي تنظم في سبتمبر المقبل. ويشتمل باب «قراءات» على عدد من المراجعات حول العروض المسرحية التي شهدتها العواصم العربية أخيراً، وفي «حوار» نشرت المجلة مقابلة مع الكاتب والمخرج المصري، محمود أبودومة، تحدث فيها عن بداياته والمؤثرات الثقافية والأكاديمية التي شكلت شخصيته، وجهوده في تجربة المسرح المستقل في مدينة الإسكندرية، وأبرز قضايا الراهن المسرحي على الصعيدين المحلي والعربي. فيما تضمن «أفق» محاورة مع الفنانة التونسية الشابة، مروى المنصوري، التي حققت حضوراً في المشهد بصفتها مصممة أزياء مسرحية، وبرزت عبر العديد من العروض الناجحة، من أهمها أعمال المخرج فاضل الجعايبي. وفي «متابعات» يطالع القارئ حواراً مع الناقدة التونسية، فوزية المزي، تتحدث فيه عن تجربة تأسيس جمعية للنقاد المسرحيين، وأبرز التحديات والإمكانات في تجارب النقد المسرحي الجديدة، كما تضمن الباب إضاءة حول مسرح نجيب محفوظ وتوجهاته الفكرية. أما في «أسفار» فسرد شريف الشافعي رحلته إلى مديني لوديف الفرنسية و«بريدج ووتر» الأميركية. • العدد 71 للمجلة يتضمن استطلاعاً حول مسيرة مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store