logo
رغيفٌ مخبوز بشهامة العرب لأهل غزّة!

رغيفٌ مخبوز بشهامة العرب لأهل غزّة!

الجزيرةمنذ 4 أيام
اليوم الـ655 على هذه المجزرة متعددة الوجوه والأدوات. لا أعرف متى سينشر هذا المقال؛ لعلّه في اليوم الـ659، أو الـ665، أو ربما بعد ذلك. لكن ما أعرفه جيدًا أن هذه المهلكة لم تتوقّف، وهناك من يريد لها ألا تتوقّف.
فإن كنت تقرأ هذا المقال في يوم المجزرة، أو بعده بأيام حين يُنشر، فإن شيئًا جديدًا لن يفوتك، فالمقتلة مستمرّة، والتجويع مستمر، والتعطيش مستمر، كما أن اللامبالاة مستمرة، والحصار لا يزال مستحكمًا، والأطفال يموتون جوعًا، وآباؤهم يُقتلون بالرصاص حين يتزاحمون من أجل وجبة تُنقذهم.
مطالبات ونداءات، وربما فعاليات وتظاهرات ومناشدات، من الشعوب الحرّة، من الإنسان الذي لا يزال يتحسّس إنسانيّته، لوقف المقتلة في غزّة، لوقف سياسة التجويع التي ينتهجها الكيان خلال الـ100 سنة الماضية.
مناشدات أصبحت كنكتةٍ سوداء في القرن الحادي والعشرين. ففي الوقت الذي يعيش فيه الغرب ترف التنوّع، وتحارب فيه أميركا السمنة، تخرج التظاهرات من أجل ألا يموت أطفال غزّة جوعى!
أن يموت طفلٌ جوعًا في القرن الحادي والعشرين.. سخريةٌ سوداء على حال الإنسان، الذي شرّع مواثيق لحفظ السلم والأمن الدوليين، وخطّط برامج أمميّة للقضاء على الفقر، لا على الجوع.
يموت الطفل جوعًا لا لأن الأرض بخلت، بل لأن الإنسان اختار أن يتواطأ مع القتل، لا أن يصدّه، اختار أن يحاصر الحياة، ويدعم الموت.
في غزّة، لا يُقتل الناس فقط بالقنابل، بل يُتركون يموتون ببطء، على مهل، كما تُشوى الروح في جحيمٍ مفتوح.
في غزّة، لا حاجة إلى سيف أو رصاصة، فقد تفتّق ذهنُ مجرمي هذا العصر، في الكيان، عمّا يتلذّذون به في قتل أصحاب الأرض: ساديّة المحتلّ ارتأت أن تقتل النسل بمنع علبة الحليب عمّن يُحتمل أن يحملوا راية المقاومة يومًا.
في غزّة طفلٌ يُغمى عليه أمام فرنٍ مغلق، وأبٌ يُطلق عليه النار، لا على يد جنديٍّ إسرائيلي، بل على يد شركة أمن توزّع المساعدات بالسلاح!
إعلان
المفارقة أن من نجا من القصف، هلك على يد حارس المساعدات! ملاك "الرحمة" الذي أرسلته تل أبيب لينقذ الأهالي من "سرقة" المقاومة قوتهم!
وفي ظلّ كلّ ذلك، تعيش غزّة الصامدة حصارًا مطبقًا كظلمات، إذا أخرج يده من السياج الفاصل لم يكد يراها.
فما الحصار إلا سلسلة أبوابٍ موصدة: باب من العدو، وباب من الجار، وباب من الأخ.
لكن الباب العربي، حين يُغلق، يُؤلم أكثر من أيّ سلاح. فالقضية لم تَعُد في يد المحتلّ فقط، بل في يد حكّام العرب الذين أغلقوا المعابر، وأغلقوا من قبلها القلوب.
لقد حاجج الملثّم الدنيا بأسرها، والعربَ والمسلمين، عامّتهم وخاصّتهم، فلا عذر بعد الآن. لا نفع لخطابات "نتعاطف"، ولا نفع لشعارات "التأسّف".
الجوع في غزّة لا يشبع من الأسف، والطفل في غزّة لا يرتوي من الدموع الباردة في المؤتمرات، ولا على الشاشات، ولا حتى في المظاهرات.
أين شهامة العرب؟ أين نخوتهم؟ أين عروة بن الورد، وعنترة، وسعد بن عبادة؟
أين من كان يُطعم اللاجئ، ويفكّ الأسير، ويرى النخوة قبل أن يرى الحدود؟!
المواطن في غزّة لا ينتظر الآن فتح القدس، ولا يعلّق آمالًا على قرارات القمم العربيّة. كلّ ما يريده، قبل أن يموت، هو أن يُشبَع.. لا من الخبز، بل من شهامة العرب
لو لم تتعلموا من أجدادكم، فتعلّموا من الغرب
حين صرخت إسرائيل بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، هرعت أميركا، وفتحت مخازنها قبل خزائنها، وسيرت سفنها بعد طائراتها، وانفطرت قلوب أوروبا على الكيان!
جريمة التجويع لا ترتكبها إسرائيل وحدها، بل يشترك فيها كلّ من يرى ويسكت، كل من يملك ويبخل، كل من يقدر ويتكاسل، كل من يملك معبرًا ويُغلق، وكل من يعرف كيف يفتح بابًا ولا يفتحه.
نحن لا نطلب المستحيل، لا نطالب بجيوشٍ تتقدّم، ولا بصواريخ تُطلَق، ولا نطالب بما هو واجب. بل نطالب فقط برغيفٍ يصل قبل أن يموت صاحبُه.
المواطن في غزّة لا ينتظر الآن فتح القدس، ولا يعلّق آمالًا على قرارات القمم العربيّة. كلّ ما يريده، قبل أن يموت، هو أن يُشبَع.. لا من الخبز، بل من شهامة العرب.
يريد أن ينطق قبل أن يقتله الجوع: "كنتُ أتمنّى رغيفًا من كرامتكم، يُشبِعني، قبل أن يبتلعني الجوع".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إعلام إسرائيلي: نتنياهو وترامب تلاعبا بعائلات الأسرى وحماس تريد إنهاء الحرب
إعلام إسرائيلي: نتنياهو وترامب تلاعبا بعائلات الأسرى وحماس تريد إنهاء الحرب

الجزيرة

timeمنذ 10 دقائق

  • الجزيرة

إعلام إسرائيلي: نتنياهو وترامب تلاعبا بعائلات الأسرى وحماس تريد إنهاء الحرب

تناول الإعلام الإسرائيلي الانهيار المفاجئ لمفاوضات تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث قال محللون إن أجواء التفاؤل التي سادت طيلة الأيام الماضية لم تكن سوى حيلة لتقليل الاحتجاجات وتخفيف الغضب. فقد أكد مراسل الشؤون السياسية في القناة الـ14 تامير موراغ، أن تمسك حماس بإنهاء الحرب هو الذي دفع المبعوث الأميركي للمنطقة ستيف ويتكوف، لإعلان عدم رغبتها في التوصل لاتفاق، وهو ما كرره دونالد ترامب نفسه. كما قالت محللة الشؤون العربية كيسينيا سبوتلوفا، إن الخرائط التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – لإعاقة التفاوض ثم تراجع عنها لم تكن هي سبب فشل المفاوضات، وإنما تمسك حماس بإنهاء الحرب. أما مراسلة الشؤون السياسية في القناة الـ13 موريا وولبيرغ، فقالت إنه "لا مجال حاليا لاستعادة الأسرى العشرين الأحياء إلا من خلال صفقة رغم محاولات إسرائيل الترويج لرواية مخالفة لذلك". وكان نتنياهو قال عقب سحب فريق التفاوض من الدوحة إنه سيبحث بدائل أخرى لاستعادة الأسرى. لكن المستشار الإعلامي والإستراتيجي حاييم روبنشتاين، قال إنه لا يعرف ما البدائل التي يتحدث عنها نتنياهو، وإنه يخشى أن التخلي عن حياة هؤلاء الأسرى إلى الأبد هو البديل الذي يفكرون فيه. بدورها، وجّهت الأسيرة السابقة ليري إلباغ، رسالة توسلت فيها إلى المسؤولين أن يفعلوا ما بوسعهم لإعادة الأسرى أحياء، وقالت إن حياة من عادوا من غزة لن تعود طبيعية أبدا إلا بعودة الموجودين هناك حاليا. تلاعب بعائلات الأسرى وقد علَّق داني ميران، هو والد أسير في غزة، على انهيار المفاوضات بقوله "إن التوقعات التي أظهروها لنا خلال وجود وفد التفاوض في قطر منحتنا آمالا هائلة كما لم يحدث من قبل، ثم الآن انهارت دنياي مجددا". وفي السياق، قال المدير السابق في إذاعة صوت إسرائيل تشيكو منشيه، إن ما حدث هو "تلاعب بعائلات الأسرى عبر البيانات الصحفية والتسريبات والأجواء الدافئة التي بثها نتنياهو بدعم من ترامب"، مضيفا "لا أعرف ما الذي يفكرون فيه، لكن يبدو أن التصريحات السابقة كانت لامتصاص الغضب وتقليل الاحتجاجات، لأن الواقع يقول شيئا آخر". إعلان وأخيرا، قالت عضوة الكنيست عن حزب العمل إفرات رايتن، "إن هذه الحرب الملعونة تحولت منذ فترة لحرب مصالح حزبية، وهي تكلفنا أرواح الأسرى والجنود والغزيين أيضا"، مؤكدة أن "من لا يتساءل عما يحدث وراء الحدود والجدار (في غزة) فإنه يرتكب جريمة بحق نفسه".

فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟
فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟

الجزيرة

timeمنذ 16 دقائق

  • الجزيرة

فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟

في خضم المجازر اليومية والكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ومع التوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية، جاء تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نية فرنسا الاعتراف بـ"دولة فلسطينية قابلة للحياة" في شهر سبتمبر/ أيلول 2025 كحدث لافت. هذا الإعلان، الذي يحمل طابعًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا حساسًا، يثير تساؤلات عديدة حول دوافع فرنسا، وتوقيت الخطوة، ومدى جديتها، وكذلك حول تأثيرها على القضية الفلسطينية، وعلى موازين القوى في المنطقة، وعلى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية. السياق العام للإعلان يأتي هذا التصريح في وقت حرج؛ فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشهد فلسطين عدوانًا إسرائيليًّا مدمرًا، وصل في قطاع غزة إلى مستويات من التجويع والتدمير لا يمكن تبريرها بأي منطق. العالم يشاهد، وتتوالى التقارير عن مجاعة في الشمال، وانهيار النظام الصحي، وفقدان مئات الآلاف لمنازلهم.. كل هذا يجري وسط تواطؤ دولي وصمت رسمي من قوى غربية عديدة، بما فيها فرنسا، التي اكتفت منذ بداية الحرب بتصريحات عامة تدين "الإرهاب" وتدعو لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". لكن مع تصاعد الغضب الشعبي في الشارع الأوروبي، وازدياد الضغوط الداخلية في فرنسا تحديدًا، حيث تعيش أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية، لم يعد ممكنًا لباريس الاستمرار في التواطؤ الصامت. هنا جاء تصريح ماكرون في محاولة لإعادة التوازن لموقفه السياسي، وتقديم "حل وسط" يُظهر فرنسا كداعم للعدالة، دون التصادم المباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. مفهوم "الدولة القابلة للحياة" إن إعلان فرنسا لا يتحدث عن "الاعتراف بدولة فلسطينية" بشكل مباشر أو غير مشروط، بل يربط ذلك بما أسماه ماكرون "دولة قابلة للحياة". هذا المصطلح الفضفاض كثيرًا ما استُخدم في الخطاب الغربي للتهرب من الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. "قابلة للحياة" بحسب التفسير الغربي تعني دولة: لا تشكل "تهديدًا أمنيًّا" لإسرائيل. تقبل نزع سلاح المقاومة. تقبل وجود قوات مراقبة دولية. لا تكون لها سيطرة على المعابر والحدود والمجال الجوي. هذا التعريف في جوهره ينزع من الدولة سيادتها ويُبقيها كيانًا وظيفيًّا خاضعًا للرقابة الدولية والإسرائيلية. فهل هذا ما تريده فلسطين؟ وهل هذه الدولة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من قرن من أجل تقرير مصيره؟ دوافع فرنسا الحقيقية رغم أهمية هذا الإعلان على المستوى الرمزي، فإنه لا يمكن فصله عن الحسابات السياسية البحتة التي تحرك السياسة الخارجية الفرنسية، وتشمل: محاولة استعادة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع دور فرنسا في الملفين؛ اللبناني والسوري. امتصاص الغضب الداخلي الناتج عن تزايد حملات التضامن مع غزة داخل المجتمع الفرنسي. محاولة ضبط التوازن بين العلاقات التاريخية مع إسرائيل والعلاقات المتوترة مع الجاليات المسلمة. الرد على التحركات الأوروبية (مثل أيرلندا، إسبانيا، النرويج) التي اعترفت رسميًّا بدولة فلسطين في مايو/ أيار 2025. وبالتالي، فإن ماكرون لا يتحرك بدافع إنساني أو قانوني بحت، بل تحت ضغط مركب من السياسة الداخلية والواقع الدولي. التأثير السياسي والإقليمي للقرار على الصعيد الفلسطيني: قد يمنح هذا الاعتراف دفعة معنوية للموقف الفلسطيني في الساحة الدولية، وخاصة إذا تبعه اعتراف دول أوروبية أخرى كألمانيا أو بلجيكا أو السويد، كما قد يعزز موقف السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية، ويزيد الضغوط على الاحتلال. ولكن، هناك خطر أن يُستخدم هذا الاعتراف كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط مجحفة، تحت عنوان "نحن نعترف بدولتكم، وعليكم الآن القبول بالتسوية". على إسرائيل: سترفض إسرائيل بشدة هذا الاعتراف، كما فعلت سابقًا مع أيرلندا وإسبانيا، وستعتبره "مكافأة للإرهاب"، وقد ترد بتشديد عدوانها وفرض مزيد من العقوبات على السلطة الفلسطينية، كما قد تحرك اللوبيات الصهيونية في فرنسا لإضعاف ماكرون سياسيًّا. على الدول العربية: قد يحفّز هذا الاعتراف بعض الدول العربية "المترددة" للعودة إلى دعم فلسطين بشكل علني، وخاصة في ظل تصاعد الأصوات الشعبية ضد التطبيع. لكن في المقابل، قد تستخدم بعض الأنظمة هذا الاعتراف لتبرير صمتها قائلة: "دعوا الأوروبيين يتكفلون". على الرأي العام الدولي: سيُعتبر هذا الإعلان، إن حدث فعليًّا، إنجازًا لحركات التضامن العالمي، وإثباتًا أن الضغط الشعبي يمكن أن يغيّر مواقف الحكومات. وقد يفتح الباب لمزيد من المحاكمات والمساءلات القانونية، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. ما هو المطلوب فلسطينيًّا؟ لكي لا يكون هذا الاعتراف مجرد ورقة رمزية، على القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية الفلسطينية أن: ترفض أي صيغة "منقوصة" للدولة، لا تشمل السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة عام 1967. – تطالب باعتراف صريح بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. تربط الاعتراف بوقف الحرب والحصار فورًا. تستثمر الاعتراف لتوسيع التحرك القانوني والدبلوماسي في المنظمات الدولية. ترفض أي ضغوط لفرض تسوية جديدة تنكر حق العودة، وتبقي الاحتلال بأشكال أخرى. في النهاية، فإن خطوة فرنسا- رغم تأخرها الكبير- تمثل علامة تحوّل مهمة إن تم تنفيذها بجدية، وبما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة. أما إذا كانت مجرد محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والتغطية على العجز الغربي تجاه غزة، فستتحول إلى صفعة أخرى مغطاة بالحرير. الشعوب العربية، والجاليات الفلسطينية، وحركات التضامن العالمية، مطالبة بالبقاء يقظة ومواصلة الضغط على الحكومات الغربية، ليس فقط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل لمحاسبة الاحتلال، وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي برمّته.

صوت غزة حين تُبكي الكلمات
صوت غزة حين تُبكي الكلمات

الجزيرة

timeمنذ 17 دقائق

  • الجزيرة

صوت غزة حين تُبكي الكلمات

يتردّد صوت غزة الخارج من تحت الركام في أرجاء الكون فلا يجيب صداه أحد! ويستغيث شعب مسلم يئن تحت وطأة الحصار والقهر، يفترسه شبح الجوع، وتنشب فيه المصائب أظفارها، فلا يجد في أمته أُذنًا واعية تصغي إليه. ما أعظم المأساة، وما أشد القهر!. إنها مأساة أمة، فقدت الإحساس بالشعور، وتخلت عن المسؤولية، وتاهت في دروب الضياع والغثائية والكسل وبلادة الضمير، وتسويغ العجز بالأعذار الواهية. في خطابه الأخير، الذي جاء بعد صمت طويل، كانت كلمات الناطق الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام "أبو عبيدة" تقطر أسًى وحزنًا، تُبكي الحجر وتُذيب القلوب، تحسّر فيها ما على ما وصل إليه حال أمته. لم تكن رسائله هذه المرة سياسية وعسكرية- كما عودنا- فحسب، بل كانت نفثة مصدور، وصيحة مخذول، تقرع كلماتها آذاننا الصماء وضمائرنا الميتة. لقد كان عتابه هذه المرة لاذعًا، يحمل في طياته مرارة الخذلان، وخيبة الأمل، وكان وقع كلماته شديدًا على القلوب. وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، ولم يعفِ أحدًا من تلك المسؤولية حين قال: " إننا نقول وبكل مرارة وألم: يا قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية، ويا نخبها وأحزابها الكبيرة، ويا علماءها، أنتم خصومنا أمام الله عز وجل، أنتم خصوم كل طفل يتيم، وكل ثكلى، وكل نازح ومشرد، ومكلوم وجريح ومجوع.. إن رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذلوا بصمتكم". كم كانت تلك الكلمات مفعمة باللوم والعتب، ومثقلة بالحزن والأسى! وكم كانت أسئلته مريرة حين تساءل ولا جواب: "كيف لأمة عظيمة، يبلغ تعداد أفرادها مليارَي نسمة، وتمتلك من المقدرات والإمكانات ما تمتلك، كيف لها أن تعجز عن إدخال شربة ماء أو كسرة خبز أو حبة دواء لأشقائها في الدين والعروبة، وهم يُقتلون ويُجوعوَّن على مرأى ومسمع من الجميع"! لقد أسـمعـت لو ناديت حيــًّا ولـكـن لا حيــاة لمـن تنادي إعلان ولو نارًا نفخت بها أضاءت ولـكـن أنت تنـفـخ في رمـاد آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة أين نحن من نخوة أهل الجاهلية وأنفتهم، حين تحدوا تلك الصحيفة الظالمة فمزقوها وقالوا: "والله لا نأكل الطعام وبنو هاشم جوعى في الشِّعب"؟! كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتـلى وأســرى فما يهـتـز إنـسـان ما ذا التقــاطع في الإسـلام بيـنكم وأنــــتــم يـــا عبــاد الله إخــــوان ألا نفـــوس أبيــــّات لهـــا هِــمــم أما على الـخيـــر أنصار وأعـوان إن صمتنا وعجزنا وتقصيرنا هو ما شجع الكيان المجرم- كما يقول أبو عبيدة- على القيام بإبادة شعب بأكمله؛ لأنه أمن العقاب، واطمأن للصمت، واستند إلى الخذلان. إن مما ميز خطاب "أبو عبيدة" الأخير هو الإحساس بخيبة الأمل، والشعور بمرارة العجز والخذلان.. لقد كانت كلماته شديدة الوقع على القلوب، جديرة بأن توقظ نيام الضمائر. ليست صرخة "أبو عبيدة" في وجه أمته صرخة فرد، بل هي صرخة كل أرملة وثكلى، وكل يتيم وجائع على ثرى غزة، وثغور عسقلان، يشعر أنه تُرك وحيدًا يواجه آلة القتل ويقاسي ألم الجوع. هي صرخة في وجه أمة خلعت كرامتها وألِفت الذل، واستغرقت في سباتها، متغاضية عن شلال الدماء الذي ينزف على ثرى أرض الرباط الطاهرة.. إنها صرخة تترك غصة في حلق كل مؤمن صادق. وتشعل نار الغضب في قلوب المخلصين. إن صمتنا وعجزنا أمام هذه المأساة سيبقى وصمة عار في جبيننا، ولن يغسلنا منه إلا تحرك عاجل لإغاثة الملهوفين، والاستجابة لصرخاتهم. إنه آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store