
الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي
البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لم يدن عملية القتل ولم يشر إلى منفذيها وإلى أسبابها أو طبيعتها، البيان تجاهل الزمان والمكان والخلفيات والدوافع، وبدا وكأنه يتحدث عن حالة الجو أو أسعار العملة، ويبدو أن من كتب البيان انتبه إلى أن المواطن أمريكي ولابد من إبداء موقف، فألقى جملة تحتمل كل المعاني وتعفي أمريكا وإسرائيل من مسؤوليتهما، فأشار كاتب البيان إلى "توجيه الأسئلة المتعلقة بأي تحقيق إلى حكومة إسرائيل"، فهو لم يطالب بتحقيق، لا عاجل ولا بطيء، ولم يدعُ إلى اتخاذ خطوات لحماية المواطنين الأمريكيين، خلا البيان من أهم النقاط التي يجب أن تتوافر فيه، ألا وهي: الاستنكار والإدانة وتشكيل لجنة تحقيق، وتكرار قتل المواطنين الأمريكيين على أيدي إسرائيليين، جنوداً كانوا أم مدنيين.
هذا البيان البارد والحيادي يعكس تماماً الاتجاه العام للإدارة الأمريكية الحالية مع قضية الاستيطان والمستوطنين، إذ إن دونالد ترامب دعا قادة المستوطنين إلى حفل تنصيبه ووجه إليهم التحية، كما كان من أولى قراراته عند دخوله البيت الأبيض رفع العقوبات التي فرضها بايدن على عدد من المستوطنين، كما تم دعوة بن غفير وسموتريتش إلى واشنطن، وتم الاحتفاء والاحتفال بهما، فضلاً عن تعيين سفير متعصب دينياً في إسرائيل زار مستوطنة شيلو وشاهد البقرات الحمراء المعدة لتطهير الجمهور اليهودي استعداداً لبناء الهيكل بزعمهم، وتحدث هذا السفير بلغة أبعد ما تكون عن الدبلوماسية أو حتى احترام المواقف العلنية للإدارات الأمريكية السابقة، إضافة إلى ذلك فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تدن عمليات الاستيطان الواسعة التي تجري حالياً في الضفة الغربية المحتلة ولم تدن الأعمال الإجرامية التي ينفذها المستوطنون بحق المواطنين الفلسطينيين.
كما التقى ممثل عن الإدارة بقادة المستوطنين وهنأهم وتفهم مواقفهم، ودفع آخرين إلى اللقاء بهم أيضاً، وكأن هناك رغبة في دمجهم وتأهيلهم لمراحل قادمة، من لا يملك عينين فقط لا يرى أن المستوطنين الآن هم ذراع غير رسمية لتحقيق سياسة رسمية تهدف إلى الضم والتهجير وفرض حل سياسي وأمني على الضفة الغربية، وكانت ترجمة هذا الكلام ما طالبت به أوساط من حزب الليكود وأحزاب الاستيطان بفرض السيادة على كامل الضفة الغربية استغلالاً للحظة السياسية المواتية.
وما يشاهد الآن من تعميق عمليات الاستيطان بكل أنواعه ومسمياته ومن زيادة وتيرة الاعتداءات على القرى والتجمعات الفلسطينية، إنما تهدف إلى تفجير الضفة الغربية واستدراج الفلسطينيين إلى مربع يستفيد منه المستوطنون ومن ورائهم حكومة الاحتلال لشرعنة الضم وإعلانه رسمياً بعد أن رسّخوه فعلياً على أرض الواقع، المستوطنون الذين لم يعودوا جسماً سياسياً على الهامش لا يخفون أهدافهم الاستعمارية المغلفة جيداً بدعاوي دينية ولاهوتية، وقد استطاعوا أن يسيطروا على الحكومة الحالية في توفير التمويل والحماية والبنية القانونية والتغطية السياسية لعمليات الاستيطان والطرد التي طالت مناطق (ج) وأجزاء أخرى من مناطق (ب) أيضاً، وهذا يعني، ضمن أمور أخرى، أن التسوية كما يراها المستوطنون، ومن ورائهم هذه الحكومة على الأقل، لا تتضمن دولة فلسطينية ولا حتى حكماً ذاتياً متجانساً، وهذا يفترض أو يتطلب تجاوز السلطة الوطنية الفلسطينية وإغفال دورها وعدم التعامل معها وكأنها غير موجودة، هذا الموقف الإسرائيلي وجد آداناً صاغية لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي تجاهلت السلطة الوطنية ولم تتعامل أو تتواصل معها، في رسالة واضحة إلى أن هذه الإدارة تخلت عن كل التزامات الإدارات الأمريكية السابقة، حتى خيار الدولتين تخلت عنه هذه الإدارة بالقول إن هذا خيار ضمن خيارات، صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تتحدث عن صفقة القرن بصيغتها السابقة، ولكنها أيضاً لم تعمل ولم ترسل أي إشارة تدل على رغبتها في التوصل إلى حلول في الضفة الغربية المحتلة بالذات.
إن البيان البارد والحيادي الذي أصدرته الخارجية الأمريكية حول استشهاد مواطن أمريكي من أصل فلسطيني يعكس طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الشعب الفلسطيني كله، فهي تطالب بتهجير قطاع غزة وتحويل خرائبها إلى ريفيرا، فيما تدعم المستوطنين في الضفة الغربية وتسكت عن جرائمهم.
إن مجمل الصورة كما طرحت، تؤكد ما يقال ويكتب حول سيطرة اللوبيات وجماعات الضغط على القرار الأمريكي فيما يتعلق على الأقل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ لا يمكن فهم الدوافع الأمريكية وراء تهديد محكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات على السيدة ألبانيز واستخدام حق النقض ضد أي محاولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتراجع ترامب عن محاولته بالضغط على نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، وبالنسبة لنا، كم بدا البيت الأبيض ضعيفاً ومرتبكاً حين تخلى عن انتهاز الفرصة ليضع حداً للحرب المجنونة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني.
إن الدفاع عن إسرائيل وتبني مواقفها بهذه الطريقة لا يضر بالولايات المتحدة الأمريكية وصورتها وقيمها وشعبها فحسب، بل يضر بالقانون الدولي والإنساني أيضاً، ندعو الإدارة الأمريكية الحالية إلى مراجعة مواقفها والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة غير القابلة للنقض أو الانتقاص أو الانكار، إن أول خطوة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها ومن جنونها هو الاعتراف بأن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 4 ساعات
- جريدة الايام
إرسال شحنة أسلحة كبيرة إلى أوكرانيا ترامب يُمهل روسيا 50 يوماً لإنهاء الحرب أو مواجهة عقوبات قاسية
واشنطن - أ ف ب: أمهَل الرئيس الأميركي دونالد ترامب موسكو، أمس، 50 يوما لإنهاء الحرب أو مواجهة عقوبات قاسية، معلنا في الوقت ذاته عن إرسال شحنة أسلحة كبيرة إلى أوكرانيا عبر حلف شمال الأطلسي. وبعد أشهر من التواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ظل مساعيه للتوصل لاتفاق يضع حدا للحرب، أعرب ترامب عن أسفه لـ"أننا اعتقدنا أنّ لدينا اتفاقا أربع مرات تقريبا"، ولكن في كل مرة كان الرئيس الروسي يواصل قصف أوكرانيا. وقال ترامب لصحافيين في البيت الأبيض أثناء زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" مارك روته، "خاب ظني جدا بالرئيس بوتين، كنت أظن أننا سنتوصل إلى اتفاق قبل شهرين" مضيفا، "إذا لم نتوصل إلى اتفاق في غضون 50 يوما، الأمر بغاية البساطة، (سنفرض رسوما جمركية) وستكون بنسبة 100%". وأكد ترامب "ستكون رسوما ثانوية" أي تستهدف شركاء روسيا التجاريين المتبقين ما من شأنه تقويض قدرة موسكو على الصمود في وجه العقوبات الغربية المفروضة عليها أساسا. بموازاة ذلك، ستحصل أوكرانيا على كمية ضخمة من الأسلحة لتعزيز قواتها في ظل الغزو الروسي لأراضيها. وقال الرئيس الأميركي، "أبرمنا صفقة بالغة الأهمية. معدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات سيتم شراؤها من الولايات المتحدة، وستُرسل إلى حلف شمال الأطلسي، وسيتمّ نشرها بسرعة في ساحة القتال". من جانبه، قال الأمين العام لـ"الناتو"، إنّ "ذلك يعني أن أوكرانيا ستحصل على كميات هائلة من العتاد العسكري في مجال الدفاع الجوي والصواريخ والذخيرة أيضا". ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني، عمل ترامب على إعادة التواصل مع بوتين وتفاوض معه بشكل مباشر لإنهاء الحرب. لكن العملية الدبلوماسية تعثرت بعد إجراء محادثات بين كييف وموسكو في مدينة إسطنبول التركية. في شرق أوكرانيا الذي يشهد تصعيدا في القتال، قال الجندي أديسترون (29 عاما)، إنّه "سعيد للغاية" لأنّ بلاده ستحصل قريبا على المزيد من أنظمة باتريوت، التي أكد أنّها فعّالة في حماية المدنيين والعسكريين. وقال لوكالة فرانس برس، "بدونها، نحن عاجزون. لذا، يا سيد ترامب، أعطنا المزيد منها، المزيد من الباتريوت". وقال جندي آخر يقدّم نفسه باسم غريزلي (29 عاما)، "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"، مضيفا، "بفضل أنظمة باتريوت التي يقدّمونها إلينا، ستصبح عائلاتنا أكثر أمانا". وكثّفت روسيا ضرباتها الجوية على أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، وزادت موسكو في الآونة الأخيرة من عدد الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها، لتسجل مستويات قياسية متصاعدة. وفي كييف، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، امس، أنّه عقد اجتماعا "مثمرا" مع المبعوث الأميركي كيث كيلوغ، معربا عن شكره لدونالد ترامب على لـ"مؤشرات الدعم المهمة والقرارات الإيجابية بين بلدَينا". وكتب الرئيس الأوكراني على منصات التواصل الاجتماعي، "ناقشنا السبيل إلى السلام وما يمكننا القيام به عمليا ليكون (السلام) أقرب". وأشار إلى أنّ ذلك يشمل "تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية، والإنتاج المشترك، وشراء الأسلحة بالتعاون مع أوروبا، إضافة إلى العقوبات على روسيا" وعلى داعميها. وتدفع أوكرانيا، كما العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي بمن فيهم جمهوريون مقربون من ترامب، الرئيس الأميركي لفرض عقوبات جديدة على موسكو. غير أنّ ترامب كان رفض ذلك، مشيرا إلى أنه يريد إعطاء فرصة للدبلوماسية. في الأثناء، يواصل الجيش الروسي تقدّمه الميداني. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، امس، السيطرة على قريتين أوكرانيتين. وتقع إحداهما، ماياك، في منطقة دونيتسك (شرق)، بينما تقع الأخرى، مالينيفكا، في منطقة زابوريجيا الجنوبية. بموازاة ذلك، أسفرت الهجمات عن مقتل ثلاثة مدنيين، امس، في منطقتي خاركيف وسومي الحدوديتين مع روسيا في شمال شرقي أوكرانيا، وفقا للسلطات المحلية.


معا الاخبارية
منذ 11 ساعات
- معا الاخبارية
فورن أفيرز: الضربات العسكرية لن تمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية
بيت لحم- معا- ذهب تقرير لمجلة "فورن أفيرز" إلى أن القوة تفشل في وقف الانتشار النووي، وأن الدبلوماسية وحدها كفيلة في نهاية المطاف بمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية. وقالت المجلة إن "القنابل قادرة على كسب الوقت؛ لكن الدبلوماسية وحدها هي التي تضمن أمناً دائماً"، ورجحت أنه حتى لو ألحقت حملات القصف أضرارًا جسيمة بالمواقع النووية الإيرانية، فإن التاريخ يُظهر أن تدمير البنية التحتية السطحية نادرًا ما يُحقق أمنًا مستدامًا. وفي حين قد تعوق الضربات قدرات أي دولة نووية ناشئة، فإنها تميل أيضًا إلى تعزيز طموحاتها النووية. وفي الساعات الأولى من صباح 22 يونيو/حزيران، أطلقت 7 قاذفات شبح من طراز بي-2 تابعة لسلاح الجو الأمريكي قنابل خارقة للذخائر تزن 30 ألف رطل على أكثر المواقع النووية الإيرانية تحصينًا. وبينما أعلنت واشنطن أن المهمة، التي أُطلق عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل"، حققت نجاحًا باهرًا، وصرح الرئيس دونالد ترامب بأن المنشآت "دُمّرت تمامًا"، يبدو الواقع أقل يقينًا بكثير. والحقيقة الأكثر ترجيحا هي أن عملية "مطرقة منتصف الليل" لم تنجح إلا في شراء الوقت لإدارة ترامب؛ الوقت الذي ينبغي لها أن تستخدمه للتفاوض على الحل الاستراتيجي الطويل الأجل للمسألة النووية الإيرانية، والذي تعتقد خطأ أنها حققته بالفعل. وأشارت المجلة إلى أن "الهجمات العسكرية المباشرة على البرامج النووية تُصمم للقضاء على قدرة الدولة على بناء سلاح نووي من خلال تدمير البنية التحتية الحيوية، أو قتل أفراد رئيسيين، أو الحد من قدرة الدولة المستهدفة على تجميع سلاح نووي". لكن القدرة المادية لا تُمثل إلا نصف ما يُدخل في دفع عجلة التسلح النووي، إذ يتطلب بناء رادع نووي إرادة سياسية قوية. ولفتت المجلة إلى أن "إيران صمدت طويلًا أمام هجمات لم تُلحق ضررًا قاتلًا ببرنامجها النووي، إذ شملت هذه الهجمات هجوم ستوكسنت الإلكتروني على منشأة نطنز، وهو جهد أمريكي إسرائيلي مشترك ألحق أضرارًا بنحو ألف جهاز طرد مركزي عامي 2009 و2010، وموجة اغتيالات إسرائيلية لعلماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2012، وأعمال تخريب إسرائيلية أحدث استهدفت منشأة نطنز عامي 2020 و2021". في المقابل، ردّت إيران على كل هجوم بجعل بنيتها التحتية المادية أكثر متانة، بما في ذلك بناء أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا ونقل منشآت رئيسة مثل فوردو إلى أعماق الأرض. ولا تزال بعض مزايا إيران بعيدة عن متناول الغارات الجوية، بما في ذلك إتقانها دورة الوقود النووي. والأهم من ذلك، وفق المجلة، أن محاولات مهاجمة برنامجها النووي عززت عزيمة إيران وعززت قناعات قيادة البلاد بضرورة وجود رادع نووي لمنع أعدائها - وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة، من تهديد إيران متى شاءوا. وخلُصت المجلة إلى أن عملية "مطرقة منتصف الليل"، في أحسن الأحوال، ربما تكون أخّرت البرنامج النووي الإيراني لما يقارب 12 إلى 18 شهرًا. وأشارت تقييمات استخباراتية أمريكية إلى أن التأخير الذي فرضته الضربات قد لا يتجاوز بضعة أشهر، نظرًا إلى قدرة إيران على انتشال المواد، وتوزيع مواقعها، وإعادة بناء منشآتها باستخدام منشآت سرية. ورأت أن "اعتبار هذا التوقف انتصارًا استراتيجيًا سيكون خطأً فادحًا". وبحسب التقرير، لتحويل هذا التوقف التكتيكي إلى مكسب استراتيجي، ينبغي لواشنطن استغلال هذه الفرصة القصيرة للسعي إلى مخرج دبلوماسي، بما في ذلك إلزام إيران بالعودة إلى التزاماتها السابقة بمنع الانتشار النووي، ومنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول الفوري إلى مواقعها النووية وسلطة التفتيش المفاجئ عليها، ربما مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.


جريدة الايام
منذ 13 ساعات
- جريدة الايام
«النرجسي والمراوغ» في محادثات واشنطن!
«سنهزم هؤلاء الوحوش وسنعيد رهائننا إلى الوطن». كان ذلك تصريحاً محملاً برسائل بالغة الخطورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عقب عودته من واشنطن. إنه إعلان صريح بنجاح مهمته في البيت الأبيض، التي تعني بالضبط الإفلات من ضغوط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتحقيق وقف إطلاق نار في غزة مع «الوحوش الفلسطينيين»! قبل أن يغادر العاصمة الأميركية ذكر المعنى نفسه: «إذا لم نحقق أهدافنا بالتفاوض فسوف نحققها بالقوة»، لكنه بدا عند عودته أكثر عدوانية واستعداداً للمضي في حرب الإبادة على غزة بغير سقف زمني. بفوائض قوة يستشعرها طلب مجدداً: «تفكيك المنظمات الفلسطينية، ونزع سلاحها، وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين في غزة». هذا طلب إذعان لا تفاوض قيل إنه في مراحله الأخيرة. «لا يمكن التوصل إلى اتفاق شامل». كان ذلك توصيفاً آخر، أكثر صراحة ووضوحاً، لطبيعة الصفقة التي يمكن أن يمررها لوقف إطلاق نار مؤقت في غزة قبل أن يعود إلى الحرب بعد ستين يوماً. «إسرائيل تريد إنهاء الحرب».. كما يطلب ترامب، لكن وفق شروطها. حسب التصريحات الصادرة عن الجانبَين الأميركي والإسرائيلي، فإنه تجمعهما «رؤية إستراتيجية واحدة». هذا يفسر إلى حد كبير ما تستشعره إسرائيل من فوائض قوة تدعوها إلى الحرب على أكثر من جبهة بعضلات غيرها. السؤال الرئيس هنا: من يقود الآخر، ترامب النرجسي أم نتنياهو المراوغ؟ قبل محادثات واشنطن صرح ترامب: «سوف أكون حازماً جداً مع نتنياهو، لكنه لم يصل إلى أي اختراق تطلع إلى إعلانه من واشنطن حتى يكون ممكناً أن يبدو في صورة من يستحق جائزة «نوبل للسلام». في نفس المحادثات خاطب نتنياهو نرجسيته المفرطة بتسليمه وثيقة أرسلها إلى لجنة «نوبل للسلام» ترشحه للفوز بها، وهو يدرك أن مجرد ذكر اسمه بإرثه وجرائمه، التي استدعت استصدار مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية إهانة بالغة للجائزة. بعد المحادثات أكد نتنياهو: «من المستحيل تماماً التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم». إنه رفض صريح لأي صفقة تنهي الحرب مرة واحدة، خشية تفكك ائتلافه الحكومي تحت ضغط وزيرَي الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش المتطرفَين. لم يسجل المراوغ المحترف أي اختلاف مع ترامب، لكنه وضع خطوطاً حمراء باسم الأمن الإسرائيلي تجعل من فكرة الصفقة الشاملة مستحيلة تماماً. هاجس نتنياهو مصالحه السياسية قبل الأمن الإسرائيلي خشية أن يجد نفسه خلف القضبان محكوماً عليه بالفساد والاحتيال، وتقبل الرشى إذا ما تفككت حكومته. حرص نتنياهو، وهو في واشنطن، على الاتصال الدائم بسموتريتش، الأكثر حرصاً من بن غفير على البقاء في الحكومة، لطمأنته أنه لن يعقد أي صفقة شاملة. لم يكن مستغرباً أن ينتحل وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، لنتنياهو الأعذار: «حماس رفضت نزع سلاحها، وإسرائيل أبدت مرونة». الشق الأول من الكلام صحيح والشق الثاني لا دليل عليه. ماذا يقصد بالضبط بـ»مرونة إسرائيل»؟ لا شيء مطلقاً.. إنه الولاء لها قبل الإدارة، التي يخدمها. بنى نتنياهو مناوراته مع ترامب على التمركز عند طلب أن يكون الاتفاق جزئياً ومؤقتاً لمدة ستين يوماً يستعيد خلالها عشرة أسرى إسرائيليين. بترجمة سياسية فالمعنى بالضبط خسارة المقاومة الفلسطينية نصف أوراقها التفاوضية دون أن يفضي ذلك إلى إنهاء الحرب. بترجمة سياسية أخرى: تخفيف ضغط حلفائه اليمينيين المتطرفين عليه دون أن يتخلى عن استهداف العودة إلى الحرب مجدداً بذريعة فشل المفاوضات مع «حماس» في التوصل إلى وقف نار مستدام. هذا سيناريو شبه مؤكد، إلا إذا مارس ترامب ضغوطاً حقيقية على نتنياهو. المشكلة هنا أنه لا يقدر على هذا الخيار وتبعاته بالنظر إلى طبيعة إدارته. لتجاوز تلك العقدة اقترح أن يحصل نتنياهو على عفو من المحاكمة، التي تتهدده في مستقبله السياسي. كان ذلك داعياً إلى انتقادات واسعة لترامب داخل إسرائيل نفسها. المفارقة الكبرى أن الشعور الإسرائيلي الطاغي بالقوة يتناقض مع تصريحات رئيس الأركان، إيال زامير، عن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة بأي ثمن تعبيراً عن الجو العام داخل الجيش، فلا بنوك أهداف جديدة، والخسائر في صفوفه فادحة. رغم ذلك كله يصف نتنياهو إسرائيل بأنها أصبحت قوة عظمى، رغم تراجع مكانتها في العالم كله؛ جراء حرب الإبادة التي تشنها على غزة. ثبت بيقين، حرباً بعد أخرى، أنه ليس بوسعها ربح المواجهات العسكرية وحدها. لولا تدخل الولايات المتحدة عسكرياً واستخباراتياً بعد السابع من أكتوبر (2023) لحاقت بها هزيمة إستراتيجية مروّعة. لم يتم التحقيق في حوادث السابع من أكتوبر، استقال على خلفيتها قادة عسكريون وأمنيون، غير أن المسئول السياسي الأول يرفض الامتثال لأي تحقيق خشية إجباره على التنحي عن منصبه. ولولا تدخل الولايات المتحدة مرة أخرى في حربها مع إيران لما كان ممكناً أن تصمد طويلاً تحت وطأة الخسائر الفادحة، التي طالتها الصواريخ الباليستية. بنص كلام ترامب: «لقد أنقذنا إسرائيل، والآن سوف ننقذ نتنياهو». مأزق الرئيس النرجسي أنه قد يبدو ضعيفاً ومنقاداً لمناور محترف. الضعف أكثر ما يزعج ترامب أن ينسب إليه، لكنه واقع الآن في أفخاخ نتنياهو.