logo
القوة تبطل الحق

القوة تبطل الحق

Independent عربيةمنذ 19 ساعات
في الأشهر الأولى من عودته إلى البيت الأبيض، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستخدام القوة العسكرية للسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، وأشار إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تستولي على غزة بعد طرد مليوني فلسطيني، وطالب أوكرانيا بالتخلي عن أراضيها لمصلحة روسيا مقابل وقف إطلاق النار. قد تبدو هذه التصرفات والتصريحات مجرد أمثلة أخرى على خطاب ترمب المعتاد، المتسم بالمبالغة والتوسع في إطلاق التصريحات، لكنها في الواقع، تشكل جزءاً من هجوم منسق على مبدأ راسخ في القانون الدولي: وهو أن على الدول الامتناع عن التهديد باستخدام القوة العسكرية أو استخدامها فعلياً ضد دول أخرى لحل النزاعات.
قبل القرن العشرين، كان الفقهاء القانونيون يرون أن من حق الدول شن حرب للاستيلاء على أراضي الآخرين ومواردهم، بل وكان ينظر إليه في بعض الحالات على أنه واجب مشروع. اعتبرت الحرب قانونية ووسيلة رئيسة لفرض الحقوق الوطنية وحل النزاعات بين الدول. لكن كل ذلك تغير في عام 1928، عندما وقعت غالبية دول العالم على معاهدة كيلوغ-بريان، متفقة على أن الحروب العدوانية يجب أن تكون غير قانونية وأن غزو الأراضي يجب أن يكون محظوراً. وقد أعاد ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 تأكيد هذا الالتزام وتوسيعه، وجعل حظر "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي دولة أخرى أو استقلالها السياسي" مبدأ أساسياً. وبعد أن اكتشفت الدول أن مجرد الاتفاق على حظر الحرب لم يكن كافياً في حد ذاته، بذلت جهوداً استثنائية لتصميم أطر ومؤسسات لترسيخ هذه القاعدة الأساسية، مما أدى إلى إنشاء نظام قانوني جديد أعطى الأولوية للأدوات الاقتصادية على حساب القوة العسكرية لضمان السلام.
ونتيجة لذلك، أصبحت الحروب بين الدول أقل شيوعاً بكثير. ففي الأعوام الـ65 التي أعقبت التسويات الأخيرة للحرب العالمية الثانية، انخفضت المساحات التي استولت عليها دول أجنبية سنوياً إلى أقل من ستة في المئة مما كانت عليه على مدى أكثر من قرن قبل تجريم الحرب لأول مرة على مستوى العالم. وتضاعف عدد الدول ثلاث مرات منذ عام 1945 وحتى اليوم، إذ لم تعد الدول تخشى أن تبتلعها جاراتها الأقوى. وتاجرت الدول بين بعضها البعض بحرية أكبر، مع إدراكها أن الثروات التي تجنيها أقل عرضة للنهب من جانب دول أخرى. وهكذا أصبح العالم أكثر سلاماً وازدهاراً.
لكن تأثير حظر استخدام القوة بدأ يضعف حتى قبل عودة ترمب إلى السلطة. ففي عام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق، مبررة الحرب بادعائها أن البلاد تمتلك أسلحة دمار شامل لم تكن موجودة؛ وعلى مدى العقد الماضي، كانت الصين تبني قواعد عسكرية في مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي؛ أما الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في عام 2022، فقد تسبب في اندلاع أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. لكن ترمب يحطم ما تبقى من هذا المبدأ الراسخ ضد استخدام القوة. حتى الآن، لعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً، وإن كان غير مثالي، في الحفاظ على النظام القانوني لما بعد الحرب العالمية الثانية والدفاع عنه. ولم يكن صمود هذا النظام مرهوناً بالامتثال التام للقانون الدولي، بقدر ما كان معتمداً على وجود مجموعة من التوقعات المشتركة حول كيفية تصرف الدول الأخرى: فحتى إن لم تكن دولة ما ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة لحظر استخدام القوة، فإنها كانت تدرك أن خرق هذا المبدأ سيقابَل غالباً بالإدانة والعقوبات وربما حتى بتدخل مشروع من الولايات المتحدة وحلفائها.
أما الآن، فقد تبدد هذا التوقع. فترمب لا يكتفي بالتخلي عن الدور التقليدي للولايات المتحدة في الدفاع عن مبدأ حظر الحرب والغزو، بل يبدو أنه يطمح إلى ما هو أبعد: إعادة الحرب أو التهديد بها كوسيلة رئيسة لحل خلافات الدول والسعي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية. وقد بدأت دول أخرى بالفعل تبدي قبولاً لفكرة تغير القواعد. فقد بدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤيد تأملات ترمب بشأن غزة، وبطريقة موازية اختارت بنما استرضاء الرئيس الأميركي عن طريق قبولها رحلات ترحيل لأشخاص غير بنميين وتوقيع اتفاق يسمح للولايات المتحدة بنشر قوات عسكرية على طول قناة بنما. وفي ظل تهديدات ترمب بالسماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم أجزاء من أوكرانيا، وقعت كييف اتفاقية مع واشنطن تمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى مواردها الغنية من المعادن. في الواقع، إذا لم يوضع حد لتآكل الحظر المفروض على استخدام القوة، ستعود الجغرافيا السياسية إلى صراع بدائي يستند إلى القوة العسكرية. وستكون العواقب وخيمة: سباق تسلح عالمي، وحروب غزو متجددة، وانكماش التجارة، وانهيار في التعاون الدولي الضروري لمواجهة التهديدات العالمية المشتركة.
الحرب المتجذرة
على مدى عدة قرون قبل الحرب العالمية الأولى، كانت الحرب وسيلة قانونية لحل النزاعات بين الدول. لم يعد اندلاع حرب انهياراً للنظام الدولي، بل كان هو النظام نفسه. وفي ظل غياب محكمة عالمية للفصل في النزاعات الدولية، كانت الدول ذات السيادة تملك الحق في فرض حقوقها كما تشاء، أي من خلال اللجوء إلى الحرب. وكانت الدول تقدم مبرراتها القانونية لشن الحروب على دول أخرى في ما يعرف بـ"بيانات الحرب". وكان ينظر إلى أي تظلم قانوني على أنه سبب مشروع لاستخدام القوة العسكرية، سواء تعلق الأمر بأضرار مادية، كإلحاق الضرر بالسفن، أو ديون غير مسددة، أو انتهاكات للمعاهدات، أو بطبيعة الحال، الدفاع عن النفس. وكما كتب الفيلسوف والفقيه الهولندي في القرن السابع عشر، هوغو غروتيوس، الملقب غالباً بـ"أبو القانون الدولي"، في كتابه "حول قانون الغنائم": "تعد الحرب عادلة إذا كانت تنفيذاً لحق مشروع".
وبما أن الحرب كانت تعد وسيلة لفرض الحقوق، فقد اعترف القانون الدولي بحق الغزو، إذ كان يسمح للدول بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات كوسيلة لتعويض المظالم التي أدت إلى اندلاع النزاع. وقد أوضح غروتيوس أن الدول، "عند الاستيلاء على الغنائم أو الممتلكات المصادرة"، تنال "من خلال الحرب ما هو حق لها". صحيح أن القوى الكبرى كانت تطالب أحياناً بما لا يحق لها، لكن في ظل غياب سلطة عليا تحكم على شرعية الحروب، كان النظام الدولي يفترض عملياً أن كل غزو هو مشروع. فالقوة كانت تصنع الحق. فعندما شنت الولايات المتحدة حرباً على المكسيك عام 1846، كان أحد المبررات القانونية الأساسية هو الديون غير المسددة. وفي مقابل وقف الحملة العسكرية، أجبرت الولايات المتحدة المكسيك على توقيع معاهدة تنازلت بموجبها عن 525 ألف ميل مربع من أراضيها، وهي المنطقة التي أصبحت لاحقاً جنوب غربي الولايات المتحدة، مقابل 15 مليون دولار وشطب الديون.
ولم يكن هذا المثال استثنائياً، إذ كثيراً ما لجأت الدول إلى ما عرف لاحقاً بـ"دبلوماسية الزوارق الحربية"، أي استخدام التهديد العسكري لفرض مطالب سياسية أو اقتصادية، لإرغام الدول الأضعف على توقيع معاهدات غير متكافئة. فإذا كان من المشروع أن تشن دولة حرباً دفاعاً عن حقوقها، فقد كان من المشروع أيضاً أن تهدد بشن حرب للغرض نفسه. وقد جسد الضابط البحري الأميركي ماثيو بيري هذا المنطق في مطلع عام 1854، حين أبحر بأسطول من السفن الحربية الأميركية إلى خليج إيدو (طوكيو حالياً) مدعياً أن للولايات المتحدة حقاً قانونياً في التجارة مع اليابان، موضحاً أنه في حال رفضت اليابان فتح موانئها، فسيفرض ذلك بالقوة العسكرية. وبالفعل أثمر هذا الضغط: ففي 31 مارس (آذار) 1854، وقعت الدولتان معاهدة كاناغاوا، التي فتحت ميناءين يابانيين أمام السفن الأميركية.
على مدى قرون طويلة، اعترف القانون الدولي بحق الغزو
ونظراً إلى أن الحرب كانت تعد وسيلة تسعى من خلالها الدول إلى نيل حقوقها القانونية، فلم يكن يعد خوضها جريمة، بل شكل من أشكال إنفاذ القانون. فعندما خسر نابليون حرب التحالف السادس عام 1814، لم تعامله القوى الأوروبية المنتصرة كمجرم حرب، بل نفي إلى جزيرة إلبا، حيث سمح له بالاحتفاظ بلقب الإمبراطور ومنح حق السيادة على الجزيرة. وحتى بعد عودته إلى أوروبا وهزيمته مجدداً في معركة واترلو، لم ينظر إلى نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي كعقوبة جنائية، بل كإجراء وقائي، نوع من الحجر السياسي، يهدف إلى منعه من إشعال حرب جديدة في أوروبا.
ولم تقتصر امتيازات الدول على حقها في غزو أراضي دول أخرى، وممارسة دبلوماسية الزوارق الحربية، والتمتع بالحصانة من الملاحقة الجنائية بسبب شن الحروب، بل كانت أيضاً ملزمة بواجب حياد صارم تجاه الأطراف المتحاربة. فلم يكن يسمح للدول المحايدة بفرض عقوبات على المتحاربين، إذ كان يعد ذلك تدخلاً في مساعي كل طرف لانتزاع حقوقه القانونية. وإذا انتهكت دولة ما هذا الحياد، عد ذلك سبباً مشروعاً لإعلان الحرب عليها. لقد كان الغزو مشروعاً، أما فرض العقوبات الاقتصادية على المتحاربين فكان محظوراً.
في ظل ذلك النظام القانوني، الذي استمر حتى أوائل القرن الـ20، كانت الدول القوية تلجأ بحرية إلى الحرب لفرض مطالبها، فيما لم يكن أمام الدول الضعيفة سوى الخضوع أو مواجهة خطر الفناء. وكانت النتيجة حالة شبه دائمة من الصراعات. ومع غياب أي حظر على الغزو، كانت الحدود الوطنية تتبدل باستمرار بفعل العنف، وكانت الإمبراطوريات تتوسع بالقوة، مما رسخ انعدام المساواة على المستوى العالمي. أما طرق التجارة، فكانت تفتح بالقوة وتفرض السيطرة عليها بالمدافع، في حين كانت المستعمرات تكتسب وتفقد كما لو كانت تعويضات في دعاوى قضائية. وفي ظل هذا الواقع، ظل الاقتصاد العالمي مكبلاً بسبب التهديد الدائم بالحرب.
من الحرب إلى السلام
أدخلت الحرب العالمية الأولى تقنيات جديدة مدمرة إلى ساحة المعركة، وفاقت أهوالها ما شهدته الحروب السابقة. شاركت أكثر من 20 دولة في القتال، وقدر عدد القتلى بنحو 20 مليون شخص، نصفهم تقريباً من المدنيين. وبمجرد أن هدأت وتيرة القتل، بدأ البحث بشكل يائس عن وسيلة تحول دون تكرار كارثة مماثلة. مثلت عصبة الأمم، التي تأسست عام 1920 للحفاظ على السلام من خلال الأمن الجماعي، أحد الحلول المطروحة. لكن مجلس الشيوخ الأميركي، الذي كان يتحسب من الانجرار مجدداً إلى الحروب الأوروبية، رفض انضمام الولايات المتحدة إليها، الأمر الذي قوض قدرة المنظمة الدولية على تنفيذ قراراتها.
في الفترة نفسها تقريباً، برزت فكرة أكثر جرأة: حظر الحرب نهائياً. في أواخر عام 1927، اقترح وزير الخارجية الأميركي فرانك كيلوغ على رئيس الوزراء الفرنسي أريستيد بريان إبرام معاهدة عالمية تضفي الطابع الرسمي على هذا المفهوم. وفي أقل من عام، حصدت معاهدة كيلوغ، بريان لعام 1928، التي عرفت رسمياً باسم "المعاهدة العامة لنبذ الحرب كأداة للسياسة الوطنية"، توقيع 58 دولة، وهي الغالبية العظمى من الدول في ذلك الوقت. وقد رسخت هذه المعاهدة مبدأ أن الحرب العدوانية أصبحت غير قانونية، إذ اتفقت الدول الموقعة على "إدانة اللجوء إلى الحرب لحل النزاعات الدولية، والتخلي عنها كأداة للسياسة الوطنية في علاقاتها المتبادلة"، وتعهدت تسوية أي خلافات "بالوسائل السلمية".
وبسبب فشل المعاهدة في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبحت محط سخرية واسعة ووصفت بأنها ساذجة وعديمة الجدوى. لكن الحقيقة أنها أطلقت مساراً قاد إلى نشوء النظام القانوني الدولي الحديث. لم يدرك واضعو المعاهدة، على رغم من طموحهم، حجم التحول الذي أطلقوه. فبمجرد أن أصبحت الحرب محظورة، بات من الضروري إعادة تصور كل جانب تقريباً من جوانب القانون الدولي. فعندما غزت اليابان منشوريا عام 1931، استغرق الأمر من وزير الخارجية الأميركي هنري ستيمسون عاماً كاملاً لصياغة رد يتماشى مع مبادئ المعاهدة. قرر ستيمسون أن الولايات المتحدة سترفض الاعتراف بحق اليابان في الأراضي التي استولت عليها بشكل غير قانوني، وسرعان ما حذت دول عصبة الأمم حذوها. هذا المبدأ الجديد لعدم الاعتراف، الذي أصبح يعرف لاحقاً بـ"عقيدة ستيمسون"، شكل نقطة تحول تاريخية. فالغزو، الذي كان يوماً ما قانونياً، لم يعد يعترف به. وحتى لو أجبرت اليابان الصين على توقيع معاهدة تتنازل بموجبها عن الأراضي المغتصبة، لم يكن ليعترف بتلك الاتفاقية كاتفاق قانوني. ولم تعد دبلوماسية الزوارق الحربية تنتج التزامات قانونية معترفاً بها.
بعد الحرب العالمية الأولى، ظهرت فكرة جريئة: حظر الحرب تماماً
وعلى رغم من أن ألمانيا واليابان، وهما من الدول الموقعة على ميثاق كيلوغ-بريان، انتهكتا المعاهدة بشنهما الحرب العالمية الثانية، إلا أنهما دفعتا ثمناً باهظاً: فقد خسرتا كل الأراضي التي احتلتاها بالقوة، وخضع قادتهما للمحاكمة أمام محاكم جرائم الحرب. وكانت أولى التهم في لائحة الاتهام خلال محاكمات نورمبرغ تنص على أن 'الحرب العدوانية التي خطط لها المتآمرون النازيون مسبقاً... جرت في انتهاك لمعاهدة كيلوغ-بريان لعام 1928.
كما أعادت مبادئ المعاهدة تعريف مجالات أخرى من القانون الدولي. فقد دافع المدعي العام الأميركي روبرت جاكسون عن قانون الإعارة والتأجير لعام 1941، الذي مكن الولايات المتحدة من تزويد الدول المحاربة لألمانيا النازية بالأسلحة من دون إعلان حرب رسمي، مستنداً إلى أن معاهدة كيلوغ-بريان غيرت القوانين التي تنظم مبدأ الحياد. وبما أن الدول الموقعة كانت قد "نبذت الحرب كأداة للسياسة"، أوضح جاكسون أن "الدولة التي تلجأ إلى الحرب في انتهاك لالتزاماتها لا يحق لها المطالبة بالمساواة في المعاملة من قبل الدول الأخرى". أي إنه لم يعد الحياد يتطلب من الدول أن تظل محايدة تماماً في مواجهة العدوان.
بعبارة أخرى، بدأت المعايير بالتغير في عام 1928. لكن زعماء العالم أدركوا أن المثل وحدها لا تكفي، وأنهم بحاجة إلى قواعد قانونية ومؤسسات جديدة تمنح هذه المبادئ قوة إلزامية. بعد الحرب العالمية الثانية، أسست الدول المنتصرة منظمة الأمم المتحدة لتكريس التحول الذي أطلقته معاهدة كيلوغ-بريان. فقد نص ميثاق الأمم المتحدة على حظر "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". وبهذا، أصبحت المعاهدات المبرمة بالإكراه باطلة قانونياً، ولم يعد الحياد يعني الحياد التام، كما أصبح من الممكن محاسبة قادة الدول الذين يرتكبون أعمالاً عدوانية جنائياً.
شكل هذا التحول، الذي قادته الولايات المتحدة، واحداً من أعمق التحولات القانونية في التاريخ العالمي. فمنذ دخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ قبل نحو ثمانية عقود، أصبحت الحروب بين الدول، والغزوات الإقليمية التي كانت تعيد رسم الحدود الوطنية على مدى قرون، أحداثاً نادرة. لم تخض القوى الكبرى حرباً مباشرة ضد بعضها البعض منذ عام 1945، ولم تختف أي دولة عضو في الأمم المتحدة نهائياً نتيجةً للغزو. الصراعات لم تختف بطبيعة الحال، لكنها باتت أقل شيوعاً بكثير. ففي القرن الذي سبق الحرب العالمية الثانية، وقع أكثر من 150 غزواً إقليمياً ناجحاً؛ أما في العقود التالية، فلم يتجاوز العدد 10.
يرى بعض المحللين أن السلام الذي أعقب الحرب يعزى إلى الردع النووي، فيما يرجعه آخرون إلى انتشار الديمقراطية أو ازدهار التجارة العالمية. لكن هذه التفسيرات تغفل أهمية القرار بحظر الحرب. فعندما غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت في أغسطس (آب) 1990، في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، طالب مجلس الأمن بانسحاب فوري للقوات العراقية. وعندما لم تلب المطالبة، أجاز المجلس للدول الأخرى "استخدام جميع الوسائل الضرورية" لـ"استعادة السلام والأمن الدوليين". عندها قادت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً دولياً لطرد القوات العراقية من الكويت. وقد أدركت الدول المراقبة أن خرق الحظر المفروض على استخدام القوة سيقابَل بعواقب. لم تشكل القوانين سلوك الدول لأنها اعتنقتها أخلاقياً بالضرورة، بل لأنها غيرت من توقعاتها إزاء ردود أفعال الدول الأخرى، لا سيما الولايات المتحدة.
حلت العقوبات الاقتصادية مكان الحرب كأداة رئيسة لإنفاذ القانون الدولي
علاوة على ذلك، غير حظر الغزو الإقليمي الطرق التي يمكن للدول من خلالها اكتساب الثروة. فقبل ترسيخ هذه القاعدة، كانت قدرة الدول على تكديس الثروات تعتمد في الغالب على مدى ما يمكنها انتزاعه من أراض وموارد وتنازلات من دول أخرى. وكانت الحرب والغزو مسارين معترفاً بهما لتحقيق الازدهار. وبإلغاء حق الغزو، أجبر النظام القانوني الذي نشأ بعد الحرب الدول على السعي لتحقيق النمو الاقتصادي بوسائل سلمية، وعلى رأسها التجارة. وارتبط توسع التجارة ارتباطاً وثيقاً بحظر الحرب، إذ لم يعد بمقدور الدول إثراء نفسها من خلال الغزو. وبدلاً من ذلك، بات عليها الاعتماد على التعاون الاقتصادي، والتنافس في الأسواق، والتدفق الحر للسلع ورؤوس الأموال.
في المقابل، اضطرت القوى العظمى، التي كانت تعتمد على "دبلوماسية الزوارق الحربية" لفرض إرادتها، إلى استبدالها بـ"دبلوماسية دفتر الشيكات". فقد حلت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية محل الحرب كأداة رئيسة لإنفاذ القانون الدولي. ومع تعاظم الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، طورت هذه الأخيرة أساليب متزايدة الدقة والتعقيد لـ"الإقصاء"، أي حرمان الدول من مزايا التعاون الدولي. وأصبحت العقوبات التجارية إحدى الأدوات الرئيسة التي تلجأ إليها الدول للرد على طيف واسع من الأفعال غير القانونية، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، أو دعم الإرهاب، أو شن حروب عدوانية. ففي عام 1945، كانت التجارة الدولية (الواردات والصادرات) تمثل نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ أما بحلول عام 2023، فقد بلغت نسبتها 58 في المئة. وإلى جانب ذلك، ظهرت عشرات الآلاف من المنظمات الدولية، وأبرمت أكثر من 250 ألف معاهدة للمساعدة في تنظيم هذا المستوى غير المسبوق من الترابط. وأصبح خطر الاستبعاد من هذا التعاون الدولي مكلفاً للغاية.
وبفضل حصتها الكبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومكانة الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية، اكتسبت الولايات المتحدة قدرة استثنائية على فرض القواعد. وبالنسبة إلى معظم الدول، كان الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن ضرورة مالية لا يمكن تجاهلها. مع ذلك، لم يكن دور الولايات المتحدة في الحفاظ على النظام القانوني لما بعد الحرب مثالياً: من حرب فيتنام، إلى غزو العراق عام 2003، إلى حملات مكافحة الإرهاب التي امتدت لعقود في الشرق الأوسط، اعتمدت هذه العمليات على تبريرات فضفاضة للغاية لمبدأ الدفاع عن النفس. لكنها، في الوقت نفسه، لم تنتهك الحظر الجوهري على الغزو الإقليمي، ولعبت دوراً محورياً في دعم النظام، متعهدة بالدفاع عن الدول الأوروبية المنضوية تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، والدول الأميركية المشمولة بمعاهدة "ريو" [التي تربط بين دول الأميركيتين في اتفاق دفاع مشترك]، إضافة إلى أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، والفيليبين، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، إذا ما تعرض أي منها لهجوم غير قانوني. وقد أوضح قرار واشنطن بقيادة التدخل العسكري ضد غزو العراق للكويت أن إي دولة تحاول غزو دولة أخرى قد تواجه مقاومة تقودها الولايات المتحدة، حتى وإن لم تكن واشنطن مرتبطة بالتزام تعاهدي بالرد. هذا النظام، العملي وإن لم يكن مثالياً، ساعد في تجنب نشوب صراعات كبرى، وضمان ألا ينحدر العالم، على رغم توتراته، نحو عنف منفلت لا رادع له. وبات بإمكان الدول بناء اقتصادات مزدهرة من دون الخوف من أن تغزوها قوة عسكرية أكبر، أو ترغمها على توقيع معاهدات غير متكافئة تتخلى بموجبها عن مكاسبها.
أخطار قانونية
قد يكون كل ذلك على وشك أن يتغير. يمكن انتقاد الإدارات الأميركية السابقة على نفاقها، لكن استعداد إدارة ترمب للتخلي كلياً عن مبدأ حظر الحرب يعد أكثر خطورة بكثير. فمجرد طرح فكرة أن الولايات المتحدة قد تستولي بالقوة على كندا أو غرينلاند أو قناة بنما، أو تطالب بملكية غزة، لا يعكس براغماتية واقعية أو شكلاً جديداً من السياسات التبادلية القائمة على عقد الصفقات، بل هو ارتداد إلى حقبة سابقة كانت فيها القوة تشرعن المطالب. إن خطابات ترمب وأفعاله تعيد إحياء الفكرة التي سبقت معاهدة كيلوغ-بريان، والتي مفادها أن التهديد بالحرب أو السعي لغزو أراض هو وسيلة مشروعة لحل النزاعات وإرغام الدول الأخرى على تقديم التنازلات.
وإلى جانب التهديد بشن غزوات خاصة به، يبدو أن ترمب مستعد أيضاً للتخلي عن الدفاع عن حق الدول الأخرى في عدم التعرض للغزو. ففي أبريل (نيسان)، وبعد أن هدد بسحب المساعدة العسكرية الأميركية من أوكرانيا، حذر ترمب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أنه إذا لم يقبل بخطة سلام بوساطة أميركية، قد تتضمن، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، التنازل عن 20 في المئة من أراضي أوكرانيا لصالح روسيا، فإنه قد يواجه خطر "خسارة بلاده بأكملها". وقد أعاد ترمب بالفعل إحياء دبلوماسية الزوارق الحربية، مستخدماً التهديد بالقوة لإجبار دول أخرى على توقيع معاهدات بشروطه؛ وكان للتهديدات العسكرية دور في انتزاع تنازلات من كندا والمكسيك.
وعلاوة على ذلك، تقوض سياسة الرسوم الجمركية التي اتبعها ترمب مبدأ حظر الغزو، لأنها تضعف فاعلية العقوبات الاقتصادية كوسيلة لإنفاذ القانون الدولي. فالعقوبات لا تؤتي ثمارها إلا إذا استخدمت بشكل محدود وفي مواجهة انتهاكات واضحة للقانون الدولي. أما فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على دول أخرى بشكل اعتباطي، كما فعل ترمب مع كندا والمكسيك، فيفرغ العقوبات الاقتصادية من قوتها الرادعة ويقوض قدرتها على التصدي للسلوكيات غير القانونية الحقيقية.
في الواقع، شن ترمب هجوماً مباشراً على قوة العقوبات كآلية إنفاذ عندما وقع أمراً تنفيذياً يهدد بفرض عقوبات على القضاة والمحامين المرتبطين بالمحكمة الجنائية الدولية. هذه الخطوة حولت أداةً لإنفاذ القانون الدولي إلى سلاح لتقويضه. وعلى نطاق أوسع، فإن السياسات الاقتصادية الانعزالية التي ينتهجها ترمب، من خلال تقويضها لترابط الدول واعتمادها المتبادل، تضعف قدرة تلك الدول على "إقصاء" المخالفين للقانون، مما يتركها أمام خيار ضيق: إما اللجوء إلى القوة العسكرية، أو التغاضي عن الانتهاكات من دون محاسبة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد تبدو تصريحات ترمب النارية وتحولاته السياسية عشوائية، لكنها في جوهرها تمثل جزءاً من محاولة منهجية أوسع لتفكيك النظام القانوني العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية. وتكمن خطورة هذا الهجوم في كونه صادراً عن الدولة التي أنشأت ذلك النظام، والتي على رغم إدارتها غير المثالية له، ظلت الضامن الأبرز لاستمراره على مدى عقود. وربما لا يمضي ترمب في تنفيذ جميع تهديداته، إذ قد تعترضها المحاكم أو تواجه معارضة سياسية داخلية، وقد يتردد قادة آخرون في اتباع خطاه. لكن مجرد إطلاق هذه التهديدات يقوض على نحو خطر منظومة الافتراضات التي تنظم سلوك الدول، وتكرس الالتزام بالقواعد، وتشكل رادعاً للتجاوزات، وهي المنظومة التي يقوم عليها مبدأ حظر الغزو.
هذه الافتراضات التي تستند إلى الإيمان بأن معظم الدول، في معظم الأحيان، ستتصرف كما لو أن احترام القواعد أمر جدي وملزم، هي ما يتيح للدول الأضعف وضع خطط طويلة الأمد، ويمكن المستثمرين من ضخ رؤوس أموالهم عبر الحدود، ويوفر للحكومات القدرة على الاستجابة الجماعية لانتهاكات القانون. فإذا استطاعت الدولة الأقوى في العالم أن تنتهك هذه التوقعات المستقرة من دون أن تواجَه بعواقب، فمن المرجح أن تغري دولاً أخرى بأن تحذو حذوها. وحين تتلاشى توقعات التزام الدول بالقواعد، يبدأ النظام الذي يقوم على تلك التوقعات في التفكك، لا دفعة واحدة، بل تدريجياً إلى أن ينهار تماماً.
المعركة العادلة
إذا انهار الحظر المفروض على استخدام القوة، فقد يتفق بوتين وترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ ببساطة على تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. ستكون بلدانهم حينئذ حرة في ترهيب الدول الواقعة ضمن مجالات نفوذها، وانتزاع تنازلات من الدول الأضعف مقابل توفير الحماية. وعلى رغم من أن مثل هذا العالم قد يبدو هادئاً نسبياً بشكل مؤقت، فإنه سيكون أيضاً أقل حرية بكثير. والأرجح أن تعود الصراعات المستمرة التي منعها مبدأ حظر الحرب، مما يفضي إلى عالم يسود فيه منطق كلمات ثيوسيديدس الشهيرة: "الأقوياء يفعلون ما يستطيعون، ويتحمل الضعفاء ما لا خيار لهم فيه" [بينما ينتزع الأقوياء ما في وسعهم، يذعن الضعفاء لما يملى عليهم].
هناك مسار بديل ممكن، لكنه يتطلب شجاعة وتحركاً سريعاً. ففي عام 2022، انضمت 142 دولة إلى الولايات المتحدة في دعم قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين محاولة روسيا ضم الأراضي الأوكرانية بوصفها غير قانونية. ويمكن لتلك الدول أن توحد جهودها لإعادة تأكيد الحظر على الغزو الإقليمي، من دون الاعتماد على الولايات المتحدة كجهة إنفاذ رئيسة. وقد ظهرت بعض المؤشرات إلى أن أوروبا تعتزم سد الفراغ الذي خلفته واشنطن. فبعد اجتماع كارثي في البيت الأبيض في مارس (آذار)، بدا فيه ترمب ونائبه جي دي فانس وكأنهما يهددان بالتخلي عن أوكرانيا ويستخفان بزيلينسكي، تحركت أوروبا دعماً لحق أوكرانيا في السيادة. وتعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن تزيد الدول الأوروبية إنفاقها العسكري، وأن تشكل "تحالفاً من الراغبين" للدفاع عن أوكرانيا، فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيطرح خطة دعم لأوكرانيا.
لكن أوروبا غير قادرة على أن تحل محل الولايات المتحدة بوصفها القوة الضامنة للنظام الدولي. فهي لا تملك القدر الكافي من القوة العسكرية، ولا النفوذ الاقتصادي، ولا التماسك السياسي الضروري للاضطلاع بهذا الدور. وحتى لو أمكنها ذلك، فإن الركون إلى قوة بديلة واحدة سيكون خطأ في حد ذاته. فأي جهد جاد للحفاظ على مبدأ حظر استخدام القوة لا بد أن ينطلق من الاعتراف بنواقص النظام الذي أرساه. فعند تأسيس الأمم المتحدة، منحت خمس قوى كبرى، الصين، وفرنسا، والاتحاد السوفياتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، نفسها موقعاً مميزاً كأعضاء دائمين في مجلس الأمن يتمتعون بحق النقض ضد أي إجراء إنفاذ. وإضافة إلى ذلك، فإن الهيمنة الأميركية على النظام جعلت من غير الممكن عملياً مساءلتها عند خرق القواعد، كما حدث في غزوها للعراق عام 2003.
وقد قوضت هذه الثغرات شرعية النظام القانوني الذي يحظر استخدام القوة، لا سيما في أعين الدول المنتمية إلى الجنوب العالمي. وهذا الشك العميق قد يدفع بعض الدول إلى تجاهل أهمية ما ستخسره إذا قام ترمب بتفكيك ذلك الحظر. إن الاعتراف العلني بعيوب النظام القانوني لما بعد الحرب العالمية الثانية، وبفشل حماته المتكرر في الوفاء بمثلهم الخاصة، هو خطوة أولى ضرورية نحو بناء نظام أكثر صلابة. فالحفاظ على الحظر المفروض على استخدام القوة يتطلب تفكيراً جديداً بشأن المؤسسات الدولية: إذ ينبغي لأي نظام متجدد لضمان السلام والأمن الدوليين أن يوسع دائرة الدول المساهمة في حماية القواعد القانونية، بما يعزز شرعيتها ويزيد قدرتها على الصمود في وجه التحولات السياسية داخل أي دولة بمفردها.
علاوة على ذلك، تحتاج الدول المتوسطة والصغيرة إلى بناء تحالفات واسعة للدفاع عن حظر استخدام القوة. ويفترض كثير من المحللين أن السلام النسبي الذي استمر طوال ثمانية عقود ما كان ليصمد من دون وجود دولة ضامنة قوية تتولى القيادة. لكن هذا التصور يقلل من حجم القوة التي تستطيع الدول حشدها عندما تعمل بشكل منسق. ويعد الاتحاد الأوروبي مثالاً على ذلك: فلا تمتلك أي من دوله الـ27 نفوذاً عظيماً بمفردها، لكن مجتمعة تشكل قوة لا يستهان بها.
ويجب أن تضطلع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تملك كل دولة من الدول الأعضاء الـ193 صوتاً متساوياً، بدور قيادي. فعلى رغم أنها لا تتمتع بصلاحيات التنفيذ التي يتمتع بها مجلس الأمن، فإنه يمكنها، بصفتها هيئة معنية بصون السلم والأمن الدوليين، أن تفرض مزيداً من النفوذ لتفعيل الحظر الوارد في ميثاق الأمم المتحدة على استخدام القوة. وقد أظهرت مبادرة إصلاحية حديثة تعرف بـ"مبادرة الفيتو" قدرة الجمعية العامة على توسيع هذا الدور. فبعد غزو روسيا لأوكرانيا، باتت أي قرارات يستخدم فيها الفيتو داخل مجلس الأمن تحال إلى الجمعية العامة للنقاش. وقد مكنت القرارات التي اعتمدت في ظل هذه الآلية الدول من تنسيق العقوبات ضد روسيا، وتقديم الأسلحة والدعم المالي لأوكرانيا، وأدت أيضاً إلى إنشاء سجل دولي للأضرار تمهيداً لتسوية تعويضات ما بعد الحرب.
كما ينبغي للدول أن تنسق جهودها من خلال تحالفات إقليمية أو موضوعية لتحقيق أهداف مشتركة. وقد بدأت مثل هذه التحالفات بالتبلور. فقد أعلن مجلس أوروبا عزمه إنشاء محكمة لجمع الأدلة ضد بوتين ومسؤولين روس آخرين تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة العدوان على أوكرانيا، فيما تعمل دول "مجموعة لاهاي"، وهي بوليفيا وكولومبيا وكوبا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال وجنوب أفريقيا، على تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بشأن الحرب في غزة. وفي مايو (أيار)، تعهد وزراء خارجية الاتحادين الأفريقي والأوروبي تعزيز شراكتهما في مجالات السلام والأمن والاقتصاد، مما يفتح الباب أمام تحالف من أجل السلام لا يعتمد على الولايات المتحدة.
يحطم ترمب ما تبقى من الأعراف التي تحظر استخدام القوة
من الناحية الرسمية، يعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حالياً الجهة الوحيدة المخولة بالسماح للدول باستخدام القوة العسكرية من أجل إنفاذ القانون. لكن لا شيء يمنع الدول من إنشاء "مجلس للنبذ" [الإقصاء]، أي هيئة جماعية تجيز فرض عقوبات مشتركة على الدول التي تنتهك حظر استخدام القوة أو تخل بقواعد أساسية من القانون الدولي. صحيح أن العقوبات لم تنجح دائماً في كبح السلوك غير المشروع، ويعود ذلك جزئياً إلى بطء التنسيق بين الدول وافتقاره للاتساق. لكن إذا اتفقت الدول على استجابات آلية ومنسقة تجاه أفعال محددة تعد انتهاكاً للقانون، فقد تصبح هذه الأداة أكثر فاعلية بكثير.
وقبل كل شيء، فإن الحفاظ على مبدأ حظر استخدام القوة رهن بوعي الدول بحجم المكاسب التي أتاحها هذا المبدأ، ومدى الصعوبة التي اكتنفت ترسيخه، وما قد يترتب على انهياره من فوضى عارمة. وإذا اختارت الدول الرد على انسحاب الولايات المتحدة من دورها التنفيذي في هذا المجال عبر إنشاء مؤسسات بديلة تضطلع بمسؤولية الإنفاذ، فإنها بذلك توجه رسالة سياسية قوية. وقد يروج بعض القادة الأميركيين لفكرة أن "القوة تصنع الحق"، لكنهم سيكونون عندئذ في موقع الأقلية، وسينظر إلى موقفهم كخروج عن الإجماع الدولي. وإذا مضت واشنطن، على سبيل المثال، في تهديدها بالاستيلاء على قناة بنما، فإن بمقدور الدول الأخرى أن تتكاتف لعزلها، سواء من خلال فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، أو حتى بسحب التصاريح التي تتيح وجود قواعد عسكرية أميركية على أراضيها. إن إثبات أن دولاً متعددة قادرة ومستعدة لتوحيد جهودها من أجل تحميل الولايات المتحدة كلفة قانونية وسياسية عند انتهاكها للقواعد، من شأنه أن يخفف من الأضرار العميقة التي ألحقتها إدارة ترمب بالنظام الدولي، ويؤكد أن مزيداً من الدول بات بوسعه أداء دور أكثر توازناً في صياغة القانون الدولي وتطبيقه.
لكن تهديد ترمب ليس الخطر الوحيد الذي يواجه مبدأ حظر استخدام القوة؛ فالصين وروسيا تسعيان بدورهما إلى إعادة تشكيل المعايير الدولية بما يتماشى مع مصالحهما. ومع ذلك، إذا تولت مزيداً من الدول مسؤولية جماعية في إنفاذ القواعد الجوهرية للنظام الدولي، فسيضطر هذان البلدان أيضاً إلى التعامل مع واقع جديد. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي لطالما احتكرت تحديد شروط المشاركة في النظام الدولي، مستعدة لتقاسم هذه السلطة. كما لا يعرف بعد ما إذا كانت الدول التي طالما استبعدت من صنع القرار العالمي قادرة على وضع ثقتها في نظام قانوني دولي يقوم على حظر استخدام القوة. ومع ذلك، فإن دعم هذا النظام يبقى ذا أهمية حاسمة. قد يبدو استغلال التنافس بين الصين وروسيا والولايات المتحدة خياراً مغرياً لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل في نظر الدول النامية، لكن على المدى البعيد، تخاطر هذه الدول بأن تتحول إلى مجرد غنائم في صراعات القوى الكبرى، مع هامش محدود لتقرير مصيرها أو توجيه مستقبلها.
في الحقيقة، إن النظام الذي حافظ على سلام وازدهار نسبيين لما يقرب من ثمانية عقود ليس قادراً على الاستمرار من تلقاء نفسه، بل يجب الدفاع عنه بقوة. فعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، أدرك صناع القرار في الولايات المتحدة أن فشلهم في إنشاء نظام دائم لما بعد الحرب العالمية الأولى قد زرع بذور الفوضى المستقبلية. إن الدرس المستفاد من التاريخ هو أن انتظار مرور الأزمة قبل البدء في التخطيط للمستقبل هو وصفة للفشل المؤكد. وكما سعى صانعو السياسات في أربعينيات القرن الماضي إلى بناء سلام دائم من قلب الفوضى، على قادة اليوم أن يصوغوا مؤسسات وتحالفات واستراتيجيات جديدة تحفظ السلام، لا أن يقفوا مكتوفي الأيدي يشاهدون ترمب وهو يعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
مترجم عن "فورين أفيرز" 24 يونيو 2025
أونا أ. هاثاواي هي أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة ييل، وباحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والرئيسة المنتخبة للجمعية الأميركية للقانون الدولي.
سكوت ج. شابيرو هو أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة ييل وأستاذ الفلسفة في جامعة ييل.
وهما مؤلفا كتاب "الأمميون: كيف أدت خطة جذرية لحظر الحرب إلى إعادة تشكيل العالم".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خياراته تتضاءل.. الضغوط الدولية تفاقم عزلة البرهان
خياراته تتضاءل.. الضغوط الدولية تفاقم عزلة البرهان

سودارس

timeمنذ 37 دقائق

  • سودارس

خياراته تتضاءل.. الضغوط الدولية تفاقم عزلة البرهان

دخلت الحرب في السودان عامها الثالث، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وتدمير البنية التحتية الأساسية، فضلاً عن نزوح أكثر من 12 مليون شخص من منازلهم. شهد الأسبوع الماضي مجموعة من الأحداث التي تُظهر تزايد الضغوط على البرهان ومجلس السيادة الذي يرأسه، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، لدفعهما نحو العودة إلى الحكم المدني ووقف النزاع. عزلة متنامية أفادت مصادر سودانية بأن سلطة بورتسودان تعاني من عزلة دبلوماسية متزايدة، رغم احتفاظها باعتراف شكلي من الأمم المتحدة كسلطة حاكمة بحكم الأمر الواقع. ومع ذلك، لا يلقى هذا الاعتراف تأييد القوى الدولية الرئيسية والدول الإقليمية، مثل الولايات المتحدة التي ترفض الاعتراف بشرعية البرهان، وقد فرضت عليه عقوبات مباشرة نتيجة لتورط قواته في استخدام الأسلحة الكيميائية. كشفت صحيفة نيويورك تايمز في يناير 2025 عن وجود أدلة لدى مسؤولين أمريكيين تؤكد استخدام الجيش لغاز الكلورين كسلاح في مناطق مدنية ضد قوات الدعم السريع. وأضافت المصادر في تصريحاتها ل"إرم نيوز" أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف أيضًا بسلطة "الأمر الواقع" في بورتسودان ، ويتبنى سياسة عدم الانحياز التام تجاه طرفي النزاع. ويتركز على جهود الإغاثة من خلال مؤسساته المختصة، بعيدًا عن التعامل السياسي مع سلطة البرهان. تمثل مشاركة دول الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ودول عربية في اجتماعات تنسيقية للاستعداد لوقف محتمل لإطلاق النار في السودان، تعبيراً عن رغبة خارجية صادقة لوضع حد لدائرة العنف واستعادة المسار السياسي، وهو ما يرفضه البرهان باستمرار. أفادت المصادر بأن الاتجاه الدولي يشكل ضغطًا كبيرًا على البرهان، حيث يعزز موقفه فيما يتعلق بالاستمرار في الحرب عزلته المتزايدة على الصعيد الدولي. معضلة الشرعية رأت المصادر أن البرهان يتأثر في اتخاذ قراراته بالضغوط الداخلية من المليشيات والقيادات الإخوانية التي تقاتل إلى جانبه، مما يجعله مستمراً في الحرب ويرفض الحوار مع قوات الدعم السريع. يجد البرهان نفسه محاطًا في الوقت نفسه بدعوات من أفريقيا للعودة إلى المسار الديمقراطي. قام رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك بإثارة نشاط دبلوماسي مكثف في هذا الشأن. زار حمدوك في نهاية يونيو الماضي جمهورية جنوب أفريقيا على رأس وفد من التحالف المدني الجديد المسمى "صمود"، وذلك بغرض الحصول على الدعم لمبادرة سلام جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب واستعادة الحكم المدني. قوبلت المبادرة بترحيب من قبل المسؤولين في جنوب أفريقيا. أثار تحرك حمدوك قلق سلطات بورتسودان ، حيث قامت وزارة خارجيتها سريعًا بإصدار بيان تحذر فيه الدول الأفريقية من التعامل مع تحالف "صمود"، مهددة بأنها ستعيد تقييم علاقاتها الخارجية بناءً على موقف الدول من "شرعية النظام الوطني" في السودان، وفقًا لما جاء في بيانها. رأى المحللون في البيان أن أزمة الشرعية أصبحت نقطة ضعف رئيسية للنظام في بورتسودان ، حيث أنه يفتقر إلى الاعتراف الشعبي والدولي الواسع، ويسعى للحصول عليه من خلال الضغوط والتحذيرات. أزمة داخلية ذكرت تقارير صحفية أن البرهان يواجه زيادة في المعارضة السياسية والمدنية داخل البلاد، نتيجة لانقلابه واستحواذه على السلطة بدعم من "الكيزان" جماعة الإخوان المسلمين، مما أعاد رموز النظام السابق ومصالحهم إلى الواجهة وأثار مشاعر الاستياء لدى فئات واسعة من الشعب، التي كانت تأمل في الانتقال نحو الديمقراطية بعد الثورة التي أسقطت الرئيس السابق عمر البشير. أشارت المصادر إلى أن العجز في تشكيل سلطة بورتسودان بعد مرور أكثر من 50 يومًا على تكليف كامل إدريس يعد أحدث دلالة على الفشل السياسي الذي يواجهه البرهان على الصعيد الداخلي. في حين يسعى لتشكيل السلطة الجديدة التي يزعم أنها حكومة لتسيير الأعمال، تتهم أوساط سياسية البرهان بأنه يقود حكومة تفتقر إلى الشرعية ومنتظرة للفشل مسبقًا. أفاد إدريس فور بعد تسميته بأنه سيعمل على تشكيل سلطة من التكنوقراط بدون أحزاب سياسية، موضحاً أن هذه الخطوة تأتي في سياق الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد جراء الحرب. لكن هذا التوجه اعتبرته أحزاب وحركات سياسية سودانية إقصائيًا، مثل القوى المدنية المعاكسة للعسكر كتحالف "صمود"، الذي اعتبر أن محاولة إدريس تهدف إلى تبرئة قوات البرهان من مسؤولية الحرب والأزمة التي تعاني منها البلاد. بدوره، قام القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير، عمر الدقير، بشن هجوم شديد على خطاب إدريس، مشيرًا إلى أنه بعيد عن الواقع وأن إقامة حكومة تكنوقراط بدون أحزاب لا تناسب سوى دولة مستقرة في زمن السلم، وليس دولة تتداعى بفعل الحرب. لم يقتصر النقد على المعسكر المعارض للانقلاب، بل طال أيضًا التيار المدني المؤيد لقوات البرهان. اعترضت "الكتلة الديمقراطية" (وهي تحالف سياسي يدعم الجيش) على استبعادها من المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من أنها تمثل قاعدة سياسية لقوات بورتسودان. المأزق العسكري عسكريًا، أشارت التقارير إلى أن البرهان يعاني من عزلة متزايدة، رغم بعض التقدم الذي حققته قواته على الأرض، خاصة في الخرطوم خلال شهر مارس الماضي، إلا أن الحرب لم تنتهِ ولا توجد أي مؤشرات على انتصار حاسم. تواجه قوات البرهان تحديًا أمنيًا يتمثل في الحاجة المستمرة لتأمين الدعم العسكري، فمنذ بداية الحرب سعت قوات البرهان إلى الاعتماد على مجموعة من الحلفاء في ظل قلة الدعم الغربي، مثل روسيا وإيران. بعد الحرب التي خاضتها إيران ضد إسرائيل، أصبح البرهان يواجه خطر انقطاع إمدادات الأسلحة من طهران التي كانت تزوده بالعتاد العسكري والأسلحة المتقدمة، خاصة الطائرات المسيرة من نوع شاهد التي تعتمد عليها قواته بشكل كبير في الغارات وتوفير الغطاء الجوي خلال المعارك. أدت هذه الحرب القصيرة إلى تدهور القدرات العسكرية لإيران واستنزاف مواردها، مما جعلها توجه اهتمامها نحو قضاياها الداخلية، خصوصًا بعد الأضرار التي لحقت بمنشآتها الحيوية ومطاراتها العسكرية وطرق الشحن التي كانت تعتمد عليها في إمدادات السلاح. في نفس الوقت، أصبح تحالف البرهان مع طهران يشكل تهديدًا له، بعد أن أبدت إسرائيل قلقها من هذا التحالف. إذ بدأت قوات بورتسودان تشعر بخطر هجوم إسرائيلي محتمل في إطار الحرب التي تشنها تل أبيب ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، حسب ما يراه المراقبون. وصف تقرير إسرائيلي نشر في صحيفة "جروزاليم بوست" البرهان بأنه "رجل إيران في أفريقيا" و"ممول الإرهاب في السودان". وأفاد بأن البرهان أصبح أداة سهلة بيد إسرائيل، تهدف إلى استهداف المصالح الإسرائيلية والغربية في إفريقيا، كما جعلت السودان ملاذًا آمنًا لعناصر الميليشيات الموالية لإيران. وفقًا للمصادر، فإن هذا الوضع العسكري تتفاقم فيه الانقسامات داخل الهيكل العسكري لقوات بورتسودان. على الرغم من الولاء الواضح للبرهان في نزاعه مع الدعم السريع، إلا أن هناك شعورًا بالاستياء بين الضباط بسبب استمرار الحرب دون الوصول إلى حل. تشير التقارير إلى وجود تباين في الآراء بين قيادات قوات بورتسودان بشأن فائدة استمرار القتال في ظل الانهيار الكامل للدولة. فقد بدأ البعض في المطالبة بضرورة الوصول إلى حل تفاوضي يقي القوات من المزيد من الاستنزاف، خاصة مع تعثر الحسم العسكري. ومع ذلك، يواجه هذا الاقتراح رفضاً تاماً من قبل القيادات الإخوانية المتعاونة مع البرهان، التي تفرض عليه الاستمرار في الحرب وعدم التوجه إلى طاولة المفاوضات. خيارات البرهان تتضاءل ذكرت المصادر أن جميع هذه العوامل تضع مستقبل البرهان السياسي في وضع صعب، وتلزمُه باتباع مسار محدود للمناورة من خلال الاستجابة للتفاوض. ترى أنه يجب أن تتضمن أي مفاوضات إجراءات لتأسيس حكم مدني في السودان وتخفيض سلطات الحركات المسلحة، بالإضافة إلى إعادة هيكلتها وإنشاء جيش سوداني جديد، مما يعني فعليًا انتهاء فترة بقاء البرهان كحاكم فعلي. ومع ذلك، يشير المراقبون إلى أن هذا الخيار يحتاج إلى ضغط كبير من المجتمعين الدولي والإقليمي، وهو ما توافرت الظروف المناسبة له اليوم. أما الخيار الآخر المتمثل في استمرار البرهان في رفض التفاوض لإنهاء الحرب، فقد اعتبرت المصادر أن الوضع في ظل هذا الخيار سيكون مهدداً بالانفجار، حيث قد تتعرض قوات بورتسودان لانتفاضة داخلية تؤدي إلى الإطاحة بالبرهان، مثل الانقلابات التي شهدها السودان في السابق.

43 قتيلا في غارات إسرائيلية على أنحاء غزة وتعثر مفاوضات الهدنة
43 قتيلا في غارات إسرائيلية على أنحاء غزة وتعثر مفاوضات الهدنة

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

43 قتيلا في غارات إسرائيلية على أنحاء غزة وتعثر مفاوضات الهدنة

أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة عن مقتل 43 فلسطينياً بغارات جوية إسرائيلية اليوم الأحد في مناطق مختلفة من القطاع معظمهم في سوق ونقطة توزيع مياه في وقت تتعثر فيه مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس". ويحاول وفدا الجانبين منذ أسبوع التوصل إلى هدنة موقتة لوضع حد لـ21 شهراً من القتال في قطاع غزة. وتبادلت إسرائيل والحركة الفلسطينية أمس السبت الاتهامات بتعطيل المفاوضات غير المباشرة المنعقدة في الدوحة بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة لإنهاء الحرب المدمرة. وأكد المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل لوكالة الصحافة الفرنسية اليوم الأحد مقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً بينهم أطفال في غارات متفرقة، بينهم 11 قضوا بغارة استهدفت سوقاً في حي الدرج المكتظ بالنازحين. وفي غرب مخيم النصيرات ارتفعت حصيلة قتلى الغارة التي استهدفت نقطة لتوزيع المياه إلى 10، وفي منطقة السوارحة أشار بصل إلى تسجيل 10 قتلى آخرين بينهم عدد من الأطفال. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد بصل أيضاً سقوط "خمسة قتلى وعدد من الإصابات من بينهم أطفال ونساء جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلاً في وسط مخيم الشاطئ" غرب مدينة غزة. وفي تل الهوى في جنوب غربي المدينة تم تسجيل قتيلين في استهداف لشقة سكنية، وسقطت طفلة قتيلة في حي الصبرة جنوب غربي مدينة غزة. وفي منطقة المواصي غرب خان يونس بجنوب القطاع قتل ثلاثة أشخاص بغارة جوية استهدفت خيمة للنازحين. كذلك نعى الدفاع المدني في بيان مقتضب "أحد ضباطنا في محافظة خان يونس الملازم أحمد إسماعيل البريم خلال الاستهدافات الإسرائيلية التي طاولت النازحين في منطقة عبسان". وفي معرض رده على استفسارات وكالة الصحافة الفرنسية قال الجيش الإسرائيلي حول الضربة على نقطة توزيع المياه إنه "استهدف عنصراً من حركة 'الجهاد الإسلامي'، لكن وقع خلل تقني في الذخيرة المستخدمة مما أدى إلى سقوطها على بعد عشرات الأمتار من الهدف المحدد". وأشار الجيش إلى أنه "يجري تحقيقاً في الحادثة". كان الجيش أكد في بيان سابق "مواصلة العمليات العسكرية في جميع أنحاء قطاع غزة". وأكد أن قواته الجوية شنت "أكثر من 150 غارة على أهداف إرهابية" خلال الساعات الـ24 الماضية. ولا يمكن لوكالة الصحافة الفرنسية التثبت بصورة مستقلة من معلومات الطرفين في ظل القيود الإسرائيلية المفروضة على الإعلام في غزة وصعوبة الوصول إلى المواقع في القطاع. وفي مخيم النصيرات كان أطفال وشبان يتفقدون ركام المنازل التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية ويبحثون عن أغراض يمكنهم استرجاعها. وقال خالد ريان ومن خلفه الركام "استيقظنا على صوت انفجارين كبيرين وفوجئنا بوجود جارنا أبو جهاد العربيد وأولاده تحت أنقاض منزلهم الذي قصفه الاحتلال بصاروخين مما أدى إلى مقتل ما يقارب 10 أشخاص". أما محمود الشامي فقال "نحن مدنيون، يقصفون مدنيين"، وتساءل "ماذا بقي لنا؟ ما تحملناه لا تتحمله جبال، يكفي". دبلوماسياً أكد مصدر فلسطيني لوكالة الصحافة الفرنسية أمس السبت أن المفاوضات تواجه "صعوبات معقدة وتعثرا" بسبب "إصرار إسرائيل على المخطط الذي قدمته". وبحسب المصدر فإن إسرائيل "تصر على إعادة انتشار وإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وهذا ليس انسحاباً"، كما تشدد على "إبقاء قواتها على أكثر من 40 في المئة من مساحة قطاع غزة، وهو ما ترفضه 'حماس'". ويعيش في قطاع غزة 2,4 مليون نسمة في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بأنها مروعة. وحذر المصدر من أن خريطة الانسحاب "تهدف إلى حشر مئات آلاف النازحين في جزء من منطقة غرب رفح تمهيداً لتنفيذ تهجير المواطنين إلى مصر أو بلدان أخرى، وهذا ما ترفضه 'حماس' أيضاً". وعلى رغم صعوبة المفاوضات شهدت تقدماً في شأن المساعدات الإنسانية وملف تبادل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والرهائن المحتجزين في قطاع غزة، وفق مصدر فلسطيني مطلع على المفاوضات. وأكد مسؤول إسرائيلي أمس السبت أن إسرائيل "أبدت استعدادها لإظهار مرونة في المفاوضات"، متهماً الحركة الفلسطينية برفض "تقديم تنازلات" وبشن "حرب نفسية تهدف إلى تقويض المفاوضات". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد مجدداً أهداف بلاده في تحرير الرهائن في غزة ونزع سلاح حماس وطردها من القطاع المدمر. وفي تل أبيب تجمع الآلاف كما اعتادوا مساء كل سبت للمطالبة بعودة الرهائن. وقال الرهينة السابق إيلي شارابي "هناك فرصة الآن لإعادة جميع الرهائن سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، لكن هذا الأمر لن يطول"، داعياً الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تقديم المساعدة.

'بريكس' تحت الضغط.. تهديدات ترمب تربك توازن الجنوب العالمي
'بريكس' تحت الضغط.. تهديدات ترمب تربك توازن الجنوب العالمي

الوئام

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوئام

'بريكس' تحت الضغط.. تهديدات ترمب تربك توازن الجنوب العالمي

الوئام – خاص بينما تسعى قوى الجنوب العالمي لإعادة تشكيل النظام الدولي بعيدًا عن ثنائية الشرق والغرب، واجهت قمة 'بريكس' الأخيرة في ريو دي جانيرو اختبارًا حقيقيًا لإرادتها الجماعية، في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة. ورغم أجواء الحذر والانقسام داخل التحالف، جاءت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتؤكد أن واشنطن ما زالت ترى في 'بريكس' تحديًا جيوسياسيًا متناميًا، حتى وإن لم يكن معلنًا. حضور منخفض ورسائل موجهة عُقدت قمة 'بريكس' لهذا العام في ريو دي جانيرو بحضور محدود، حيث شاركت فقط خمس دول من أصل عشر على مستوى رؤساء الحكومات، من بينها البرازيل، وإثيوبيا، والهند، وإندونيسيا، وجنوب إفريقيا. في المقابل، غاب الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤشر على تراجع زخم الحضور السياسي. ووفق ما نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، اختارت البرازيل، الدولة المستضيفة، التركيز على قضايا التنمية الاقتصادية والتغير المناخي، متجنبة النقاط الخلافية مثل خطط التداول بالعملات المحلية داخل التكتل، وذلك في محاولة واضحة لتفادي ردود فعل اقتصادية غاضبة من جانب واشنطن. خطاب الجنوب العالمي أعاد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا التأكيد على أن 'بريكس' لا يقف ضد أحد، بل يمثل منصة مستقلة للجنوب العالمي. وقد تجسد هذا النهج في تصريحات كبير مستشاريه الدبلوماسيين، سيلسو أموريم، الذي وصف 'بريكس' بأنه 'ليس الغرب ولا الشرق، بل الجنوب العالمي'، وهو ما يعكس حرص البرازيل على تقديم التكتل كقوة توازن، لا كمعسكر سياسي مناهض للغرب. أما البيان الختامي للقمة، الذي جاء في 16 ألف كلمة، فأكد على دعم المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. لكنه لم يخلُ من مضامين سياسية واضحة، أبرزها انتقاد 'العدوان الإسرائيلي في غزة' والدفاع عن 'حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم'. وقد وصف الرئيس دا سيلفا ما يحدث في القطاع بأنه 'إبادة جماعية'، مشيرًا إلى استخدام إسرائيل للجوع كسلاح حرب، ورغم أن دولًا غربية ترفض هذا التوصيف، فإن 'بريكس' تبنّى لهجة حادة غير مسبوقة تجاه إسرائيل. انتقاد مبطن للغرب وتجاهل روسيا في خطوة غير مسبوقة، أدانت القمة الهجمات التي طالت مدنيين وبُنى تحتية داخل الأراضي الروسية، مستخدمةً عبارات شديدة اللهجة، لكنها تجنبت عمدًا ذكر أوكرانيا كطرف مسؤول عن تلك الهجمات. وقد فُسر هذا التجاهل كمحاولة لتفادي توجيه انتقاد مباشر لروسيا بشأن حربها على أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، وجّه البيان انتقادًا لحلف الناتو بسبب زيادة الإنفاق العسكري بين دوله، معتبرًا ذلك جزءًا من 'سباق تسلح' يكرّس منطق الحرب بدلًا من الدفع نحو السلام. ورغم أن البيان لم يُشر مباشرة إلى الولايات المتحدة، إلا أنه تضمّن إشارات واضحة إلى سياسات أمريكية مثيرة للجدل، من بينها فرض رسوم جمركية أحادية الجانب، وهي ممارسات وصفها البيان بأنها 'تتناقض مع قواعد منظمة التجارة العالمية' وتشكل تهديدًا للاستقرار الدولي. ترمب يرد برسالة تهديد مباشرة لم تمر القمة بهدوء؛ إذ نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منشورًا على منصة 'تروث سوشيال'، هدد فيه بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة 'تتبنّى سياسات بريكس المعادية لأمريكا'. وقد أثارت هذه الرسالة قلق عدد من الدول الأعضاء، مثل الهند والبرازيل، اللتين تحاولان الحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن. يأتي هذا التهديد بعد تصريح سابق لترمب عام 2024، لوّح فيه بفرض رسوم تصل إلى 100% على دول 'بريكس' إذا حاولت إنشاء عملة موحدة بديلة للدولار، وهي خطوة لم يتخذها التكتل رسميًا حتى الآن. ردود حذرة وسعي للتهدئة سارع الدبلوماسي البرازيلي سيلسو أموريم إلى التهدئة، مؤكدًا أن 'بريكس لم يهدد الولايات المتحدة بشيء'، مضيفًا أن تهديدات ترمب 'تبرز الحاجة إلى منظمة مثل بريكس لديها القدرة على النقاش والتنسيق'. أما الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، فقد عبّر بلهجة أكثر صراحة، قائلًا: 'من المؤسف أن ينظر البعض إلى مبادرات إيجابية مثل بريكس بعدائية، ويهددون من يشارك فيها بالعقوبات'. تحالفات متشابكة وخطاب متزن رغم حدّة بعض التصريحات، لم يُظهر قادة 'بريكس' ميولًا نحو التصعيد. فقد رفضت الصين وروسيا، عبر متحدثين رسميين، اتهامات ترمب بأن التكتل يحمل طابعًا 'معاديًا لأمريكا'، مشيرين إلى أن الهدف من 'بريكس' هو تعزيز التعاون لا التناحر. ومع ذلك، فإن التهديدات الأمريكية تكشف عن هشاشة المسار الذي تحاول 'بريكس' المضي فيه، إذ تجد نفسها بين خطاب 'الجنوب المستقل' ومصالح أعضائها العميقة مع الغرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store