أحدث الأخبار مع #اتفاق_بريتوريا


الشرق السعودية
٢٣-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق السعودية
إثيوبيا.. إبعاد "جبهة تيجراي" عن العملية السياسية يهدد مسار السلام
أثار إعلان المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا شطب "جبهة تحرير تيجراي" من سجل الأحزاب السياسية، وسحب الاعتراف القانوني بها، ردود فعل غاضبة وأسئلة جوهرية بشأن مستقبل عملية السلام في إقليم تيجراي، وسط توقعات بأن تعيد هذه الخطوة تشكيل المشهد السياسي الإثيوبي. القرار، الذي ردت الجبهة برفضه واعتبرته "غير شرعي"، مثّل تصعيداً جديداً في العلاقة المتوترة بين الحكومة الفيدرالية والجبهة، التي وقعت معها اتفاق سلام هش في بريتوريا نهاية عام 2022، بعد حرب سقط فيها الآلاف. ورغم أن القرار يأتي على خلفية اتهامات بعدم الامتثال لمتطلبات التسجيل القانوني، إلا أنه يُسلط الضوء مجدداً على هشاشة عملية السلام، وعلى عمق الهوة بين الحكومة المركزية وإقليم تيجراي، وفق مصادر مُطلعة. ويطرح القرار أسئلة عن مستقبل الاستقرار في الشمال الإثيوبي، ومصير اتفاق بريتوريا، وما إذا كانت هذه الخطوة تمثل نهاية مسار سياسي وبداية مرحلة أكثر اضطراباً. خلفيات القرار المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا هو هيئة دستورية مستقلة تتولى الإشراف على الانتخابات وإصدار التراخيص الحزبية، وأنشئ بموجب الإعلان 64 في عام 1992. وتسبب قرار المجلس بشطب "جبهة تحرير تيجراي" من سجل الأحزاب السياسية، بخلط الأوراق مجدداً في مشهد سياسي هش لم يتعاف بعد من تبعات حرب طاحنة دامت عامين. ووفقاً للمجلس، فإن قراره بشطب الجبهة جاء نتيجة عدم إيفائها بالتزاماتها القانونية بعد تسجيلها المشروط في أغسطس 2024، إذ لم تعقد مؤتمرها العام خلال المدة التي حددها المجلس، ما دفعه إلى تعليق أنشطتها لثلاثة أشهر كإنذار أول، قبل أن يقوم بشطبها نهائياً. وأعربت "جبهة تحرير تيجراي" عن "رفضها القاطع" لقرار المجلس الوطني للانتخابات، مشددةً على أن اتفاق بريتوريا يمنحها "شرعية قانونية وسياسية لا تحتاج معها إلى شهادة المجلس الانتخابي". ووصف رئيس الجبهة دبراصيون جبراميكائيل في بيان، القرار بـ"غير الشرعي"، مشيراً إلى أن اتفاق بريتوريا الذي وقع مع الحكومة الإثيوبية يمثل "إطار سياسي شامل، ولا علاقة لهم بموقف المجلس الوطني للانتخابات". وحذّر جبراميكائيل من أن سحب الاعتراف بالجبهة يشكل "خرقاً مباشراً" لبنود اتفاق بريتوريا للسلام، ويهدد الأساس الذي بُني عليه مسار السلام، مطالباً الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد" والمجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ لتفاق السلام. "محاولات لإحياء الصراع" في المقابل، قال السفير رضوان حسين، مدير عام جهاز المخابرات والأمن الوطني الأثيوبي وكبير مفاوضي الحكومة في محادثات بريتوريا للسلام، إن "بعض الصقور الصغيرة داخل جبهة تحرير تيجراي تشعر بالندم على توقيع اتفاق السلام، وتواصل محاولاتها لإحياء الصراع في إقليم تيجراي، عبر استغلال معاناة المدنيين، وافتعال الأزمات أمام تنفيذ اتفاق السلام". وقال حسين في مقابلة تلفزيونية مع وكالة الأنباء الأثيوبية، وتم بثها على جميع القنوات الحكومية، إن هذه القوى ترتكب "انتهاكات خطيرة" من خلال فتحها قنوات تواصل مع الجانب الإريتري، "ما يعد خرقاً لسيادة البلاد". وأعرب عن استغرابه من تواصل "جبهة تحرير تيجراي" مع الحكومة الإريترية، رغم أن الجبهة تتهم إريتريا بـ"احتلال بعض أراضي الإقليم". وتابع: "بدلاً من تنفيذ اتفاق السلام والمضي قدماً نحو عودة الإقليم إلى وضعه الطبيعي، تستغل الجبهة ملف النازحين داخل الإقليم، وتعمل على تعطيل جهود إعادتهم إلى قراهم، ما يؤدي لتفاقم الأوضاع الإنسانية في الإقليم". واعتبر حسين، أن "الحل يكمن في تجاوز رواسب الحرب، وبناء سردية وطنية جامعة ترسّخ السلام، وتضع أساساً لمستقبل مشترك"، محذراً في الوقت ذاته من "محاولات التشويش على المسار السلمي من خلال إذكاء التوترات وافتعال الأزمات". تهديدات بعدم الاعتراف وهددت "جبهة تحرير تيجراي" الحكومة الفيدرالية بأنها "لن تعترف" بقرار مجلس الانتخابات، داعيةً الحكومة إلى وقف ما اعتبرته "الضغوط الممارسة عليها". وقال نائب الإدارة المؤقتة لإقليم تيجراي أمانويل أسيفا، إن "مثل هذه قرارات من الحكومة المركزية التي تهدف لإقصاء الجبهة، قد تجبرهم على الانسحاب من اتفاق السلام". وأشار إلى أن "ما يربطهم بالحكومة الفيدرالية هو اتفاق السلام الذي تستمد الجبهة شرعيتها منه، وبالتالي لا يعنيها هذا القرار الذي اتخذه مجلس الانتخابات". وتزداد المؤشرات على أن اتفاق بريتوريا بات يترنح ما بين التوترات العسكرية على الحدود الشمالية مع إريتريا، وغياب الثقة بين الحكومة الفيدرالية والجبهة، وبعض القوى السياسية في إقليم تيجراي، التي انتقدت "جبهة تحرير تيجراي" لتواصلها مع الحكومة الإريترية، في ظل ما أسمته استمرار الوجود الإريتري في بعض أراضي الإقليم. ووجه رئيس "حزب استقلال تيجراي" دجيني مزغيبي، انتقادات للجبهة، واتهامها بـ"الارتماء في أحضان الحكومة الإريترية، التي كانت قد شنت حرباً على الإقليم بتحالفها مع الحكومة الإثيوبية في 2020". ويرى مزغيبي، أنه "لا يوجد مبرر لجبهة تحرير بالتواصل مع إريتريا في سبيل الضغط على الحكومة الإثيوبية، فيما تواجه من قرار من مجلس الانتخابات الإثيوبي". مأزق قانوني وسياسي ويرى مراقبون، أن قرار المجلس الوطني للانتخابات يقود إلى مأزق مزدوج، فمن جهة أصبحت الجبهة بلا وضع قانوني داخل النظام السياسي الإثيوبي، ومن جهة أخرى ما زالت تُعد طرفاً أساسياً في اتفاق بريتوريا، وهو ما يُنتج حالة غريبة من "الشرعية المجمدة"، التي تعقد تنفيذ بنود اتفاق السلام. وقال المحلل السياسي الإثيوبي دانيال برهان لـ"الشرق"، إن قرار شطب الجبهة أفرز ما يشبه بـ"الشرعية المجمدة"، فالجبهة "لم تعد حزباً معترفاً به قانونياً، لكنها لا تزال أحد أطراف اتفاق بريتوريا". واعتبر برهان، أن هذا "الوضع الشاذ يعقّد تنفيذ بنود حيوية من اتفاق السلام مثل العدالة الانتقالية، ونزع السلاح، وإعادة دمج الإقليم في الدولة"، لافتاً إلى أن "هذا التناقض قد يتحول لمبرر من أجل تجميد الاتفاق أو إعادة تفسيره لصالح طرف دون آخر، في ظل غياب ضغوط دولية فاعلة تلزم الجميع بالتنفيذ". من جهته، يرى الباحث في قضايا القرن الإفريقي زكريا إبراهيم، أن "التوتر الحالي بين الحكومة الإثيوبية والجبهة.. قد يدفع إلى تصعيد يؤدي لمواجهة لا تعرف نهاياتها". وذكر إبراهيم لـ"الشرق"، أن "فقدان الجبهة لشرعيتها قد يفتح المجال أمام بدائل جديدة من داخل الإقليم، أكثر توافقاً مع أديس أبابا". وحذر إبراهيم من أن "استمرار هذا الوضع وبقائه كما هو، يعني استقراراً هشاً دون سلام فعلي، واستمرار تيجراي في منطقة رمادية قد تنفجر في أي وقت، وفق الأوراق التي يستخدمها الطرفين الحكومة والجبهة". وتوقع أن يحصل تدخل دولي نتيجة هذا "التدهور السريع، ومن أجل ممارسة ضغوط مركزة على الأطراف قد تدفع نحو صيغة جديدة من التفاهم، تعيد الجبهة إلى المشهد ضمن ترتيبات مختلفة تسهم في استمرار اتفاق السلام". واعتبر إبراهيم، تصريحات المدير العام لجهاز المخابرات والأمن الوطني الإثيوبي التي اتهم فيها الجبهة بتقويض عملية السلام، وفتح قنوات تواصل مع إريتريا، وقرار شطب الجبهة، وتنامي الانقسامات الداخلية، بأنها "جميعها مؤشرات على أن اتفاق السلام بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي يقف عند مفترق طرق حاسم، ويتطلب بذل جهود داخلية ودولية عاجلة لوقف انهيار السلام".


الجزيرة
٢٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
ماذا يعني نزع القانونية عن جبهة تحرير تيغراي؟
في خطوة وصفت بالمفصلية، أعلنت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات إلغاء تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب سياسي معترف به، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول مستقبل اتفاق بريتوريا للسلام، ويعيد الجدل بشأن مكانة الجبهة القانونية والسياسية داخل المشهد الإثيوبي. ومن خلال 5 أسئلة يسلط هذا التقرير الضوء على الجوانب المختلفة لهذا الملف الشائك، ويحلل السياق الذي شهدته الأحداث منذ اندلاع النزاع وحتى اليوم. كما يسعى إلى استشراف تداعيات هذه الخطوة على المشهد السياسي في إثيوبيا وعلى مسار عملية السلام في إقليم تيغراي. ماذا يعني هذا القرار؟ في 14 مايو/أيار، ألغت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات الصفة القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وذلك استنادا إلى أحكام قانون الانتخابات الإثيوبي رقم 1162/2019، الذي يشكل المرجع الأساسي الناظم لتسجيل الأحزاب السياسية وسحب الاعتراف القانوني عنها. ويعني إلغاء "الصفة القانونية" عن حزب سياسي في إثيوبيا أنه لم يعد معترفا به رسميا ككيان سياسي مشروع بموجب قانون تسجيل الأحزاب السياسية الفدرالي، وبالتالي يفقد جميع حقوقه السياسية والتنظيمية والمالية. ومن ذلك أنه يُمنع من المشاركة في الانتخابات وتنظيم الأنشطة السياسية، وتجمد أصوله وممتلكاته، ولا يعاد الاعتراف به تلقائيًا كذلك. كيف وصلنا إلى هنا؟ مرّ ملف الوضعية القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعدد من المنعطفات التي أفضت في النهاية إلى نزع الصفة الرسمية عن الجبهة، وهذه أبرز هذه المحطات: في 18 يناير/كانون الثاني 2021 ألغت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات الصفة القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للمرة الأولى استنادًا إلى مشاركتها في ما وصفته بـ"تمرد مسلح" ضد الحكومة الفدرالية، مما ينتهك قوانين تسجيل الأحزاب السياسية في البلاد، وذلك بعد قرابة شهرين من اشتعال حرب تيغراي التي كانت الجبهة أحد أقطابها الأساسيين. في مايو/أيار2021 صنّفت الحكومة الإثيوبية الجبهة كمنظمة إرهابية، مستندة إلى اتهامات بشن هجمات على قواعد عسكرية في إقليم تيغراي، وهو ما أقره البرلمان الإثيوبي. في نوفمبر/تشرين الثاني تم توقيع اتفاق بريتوريا 2022 لإنهاء النزاع المسلح في إقليم تيغراي والذي تضمنت إحدى بنوده إزالة الجبهة من قائمة الإرهاب، وهو ما تحقق في مارس/آذار 2023 حين صادق برلمان البلاد على قرار الرفع. في أغسطس/آب 2024، وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات على تسجيل الجبهة كحزب سياسي جديد "تحت ظروف خاصة"، بشروط، منها عقد مؤتمر عام خلال 6 أشهر، وهو ما سبق لرئيس الجبهة دبرصيون جبر ميكائيل رفضه قائلا "لن نسجل مطلقا كحزب جديد". في فبراير/شباط 2025 علقت اللجنة الوطنية للانتخابات نشاط الجبهة السياسي لـ3 أشهر، وهو قرار اعتبرت الأخيرة أنه "ليس له أي أثر قانوني". في مايو/أيار 2025 تم إلغاء تسجيل الجبهة كحزب سياسي لفشلها في الوفاء بمتطلبات التسجيل، وهو قرار قابلته الجبهة بالرفض. ما حجج الطرفين؟ يرتبط الخلاف العميق بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والسلطات الفدرالية جزئيًا بكيفية قراءة كل منهما لبعض بنود اتفاقية بريتوريا من جهة، ولتحديد ما له الأولوية في التطبيق العملي بين استناد الجبهة لتفسيرها لبريتوريا وتمسك الطرف الآخر بأولوية القوانين المحلية، وقد تركزت محاججات الطرفين على الشكل التالي: الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي: أكدت بيانات الجبهة اعتمادها اتفاق بريتوريا كإطار قانوني ملزم وأنه وفق تفسيرها ينص صراحة على إعادة وضعها القانوني كحزب سياسي شرعي دون شروط إضافية. ترى الجبهة أن اتفاق بريتوريا أزال الأساس القانوني لقرار لجنة الانتخابات بإلغاء تصنيفها حزبا سياسيا في يناير/كانون الثاني 2021، وأن "بريتوريا" تلزم الحكومة الفدرالية بإلغاء تصنيفها "إرهابية" واستعادة وضعها السياسي السابق للحرب بما في ذلك الحق في المشاركة السياسية الكاملة. في مواجهة التسجيل المؤقت للجبهة الذي أصدرته لجنة الانتخابات في أغسطس/آب 2024 بموجب "المرسوم رقم 1332/2016″، والذي يعاملها كحزب جديد خاضع لشروط مثل عقد مؤتمر عام تحت إشراف المجلس، رفضت قيادة الجبهة هذا القرار واعتبرته يتناقض مع روح اتفاق بريتوريا، الذي ينص على اعتبارها "ممثلًا شرعيًا" لتيغراي دون إعادة تأسيس. السلطات الفدرالية: من جانبها تصر السلطات الفدرالية على أن اتفاق بريتوريا لا يلغي القوانين المحلية ووجوب الالتزام بها، وأن مطالبة الجبهة بالعودة إلى وضعها السابق للحرب دون شروط "انتهاك لمبدأ المساواة بين الأحزاب"، خاصة أنها شاركت في أعمال عنف مسلح، مشيرة إلى أن أحزابا أخرى خضعت لنفس الإجراءات عند إعادة تسجيلها. يؤكد المجلس الوطني للانتخابات أن إعادة تسجيل الجبهة يجب أن تخضع للقوانين الإثيوبية، مثل المرسوم رقم 1332/2016 و1162/2019، التي تتطلب من الأحزاب "ذات الخلفية المسلحة" التسجيل ككيانات جديدة مع الالتزام بشروط محددة منها عقد مؤتمر عام خلال 6 أشهر. أما قرار نزع الشرعية فاستند المجلس فيه إلى المادة 99 من المرسوم رقم 1162/2019، التي تنص على حل الأحزاب التي لا تلتزم بالشروط، مع مصادرة أصولها وحظر نشاطها. ما الدوافع السياسية وراء الخلاف القانوني؟ خلف غبار هذه المحاججات والتفسيرات القانونية حول شرعية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثمة معركة ذات دوافع سياسية عميقة تتجاوز النصوص القانونية والإجرائية إلى الصراع على الدور والفلسفة السياسية القادرة على إدارة بلاد توصف بأنها "متحف الإثنيات". ويشير العديد من المراقبين إلى أن قيادة الجبهة تعتبر الشرعية السياسية مسألة تتخطى البعد القانوني إلى كونها مدخلًا لاستعادة دورها التاريخي كلاعب رئيس في الساحة السياسية الإثيوبية، ولاستمرار الدفاع عن الحكم الذاتي الإقليمي لشعب تيغراي داخل النظام الفدرالي الإثيوبي، وأن الانخراط في عملية إعادة التسجيل كحزب جديد سيفقدها شرعية النضال السابق ويضعف مكانتها التفاوضية في أي تسوية مستقبلية. بجانب ما سبق، يتهم سياسيون تيغراويون، كولدي سيلاسي ولدي ميكيئل، قيادة الجبهة باستخدام "اتفاق بريتوريا كأداة سياسية"، في حين يؤكد دجين ميزجيبي رئيس حزب استقلال تيغراي أن هناك تركيزا داخل الجبهة "تمحور حول وضع إستراتيجيات لاستعادة السيطرة السياسية" على الإقليم، وهو ما يتسق مع إصرارها على اعتبارها "الممثل الشرعي لتيغراي" وفقًا للاتفاق المذكور. في حين يذهب البعض إلى أن الجبهة تسعى من خلال ملف الشرعية السياسية وربطه مباشرة بصمود اتفاقية بريتوريا لاستخدام هذه القضية للضغط على الحكومة الفدرالية، التي اتهمتها الجبهة مرارا بانتهاك الاتفاقية ودعتها، كما في بيانها الصادر في 10 أبريل/نيسان، إلى القيام بواجبها لتنفيذه "بشكل صحيح". وتضمن تحليل صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية شكوى قيادة الجبهة مما يصفه بـ"البطء" في تنفيذ بعض البنود التي تضمنتها اتفاقية بريتوريا ويبزر في طياتها عودة النازحين واللاجئين ونزع السلاح وإعادة التسريح وكيفية إعادة دمج الجبهة في المشهد السياسي في إثيوبيا. على الجانب الآخر، يشير مقال نشره دكتور غيريت كيرتز، الباحث المختص بشؤون القرن الأفريقي في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، إلى أن هناك من يرى أن للحكومة الفدرالية يدًا في تأجيج الخلافات داخل الجبهة وإضعافها سياسيا وتفاوضيا، وهو ما يعزوه بعض المراقبين إلى رغبة الحكومة في إضعاف مشروع الفدرالية الإثنية الذي تعتبر الجبهة التيغراوية أحد أبرز القوى السياسية المدافعة عنه مقابل إعادة هيكلة السلطة المركزية التي تسعى إليها الحكومة. ومثّل تحديد آلية التعاطي مع اشتراطات المجلس الانتخابي عاملا رئيسا في تصاعد التوترات بين أجنحة الجبهة، وفي تقرير له لاحظ مرصد سلام إثيوبيا تصاعد الخلاف بشكل غير مسبوق داخل الجبهة في يناير/كانون الثاني 2025 عقب بيان للمجلس الوطني للانتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2024 يحثّ الجبهة على عقد جمعيتها العامة، مما أفضى في النهاية إلى خروج رئيس الإدارة الانتقالية السابق للإقليم غيتاتشو رضا من تيغراي ومن الجبهة وتأسيسه حزبا سياسيا منفصلا. وفي بيان صحفي أصدرته جمعية تيغراي للدفاع عن حقوق الإنسان والتنمية في أغسطس/آب 2024، وصفت اشتراط السلطات الفدرالية تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب جديد بـ"المناورة" التي قد تفضي إلى عدم الاعتراف بها كالطرف الموقع على اتفاق بريتوريا، وهو ما سيؤدي إلى إضعافها وحرمانها من الميزات التي كفلتها لها الاتفاقية من قبيل توليها مسؤولية إدارة الإقليم خلال المرحلة الانتقالية. وبينما تؤكد الحكومة أنها لا تتدخل في قرارات المجلس الوطني للانتخابات يشير محللون إلى الصبغة السياسية لهذه الإجراءات وأن تقديمها كإجراء إداري يخدم الحكومة في تقليل الانتقادات الدولية. ما التداعيات المتوقعة لهذا القرار؟ على قتامة الصورة الحالية، يشير خبير قانون انتخابات إثيوبي -في تصريح لبي بي سي الأمهرية- إلى أن قرار إلغاء الجبهة "ليس نهائيا"، وأن لها الحق في استئنافه أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال 30 يوما. ورغم ما تحمله هذه الرؤية من أمل بانفراجة ما، فإن ذلك القرار ينطوي على العديد من التداعيات التي تمتد تأثيراتها من تيغراي إلى الديناميات الإقليمية مرورا بالأوضاع داخل إثيوبيا. وفي هذا السياق يبدو اتفاق بريتوريا والسلام الهش في تيغراي أكثر المعرّضين لخطر الانهيار نتيجة الخلاف على شرعية الجبهة. وهي التي أكدت في رسالة إلى الاتحاد الأفريقي عقب إعلان الإلغاء أن هذا القرار يحرمها "من حقٍ استعادتْه من خلال اتفاق بريتوريا ويشكل تهديدا خطيرا لأساس عملية السلام". وبالنظر إلى الضعف الذي أصاب مؤسسات الإقليم نتيجة الانقسامات التي عصفت بالجبهة منذ منتصف العام الماضي، فإن تصاعد المخاوف بشأن عودة التوترات الأمنية إلى الإقليم أو اللجوء إلى "عسكرة الصراع القانوني" يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية والشلل في تقديم خدمات رئيسة كالصحة والتعليم وتعثر برامج نزع السلاح وإعادة الدمج مما يهدد بانخراط المقاتلين المسرّحين في أنشطة إجرامية. ويتخوف العديد من المراقبين من أن تفتح التطورات السلبية في تيغراي الباب لتدخل قوى خارجية ولا سيما إريتريا، حيث تشير العديد من التقارير إلى نشوء علاقة بين قيادة الجبهة وأسمرا في الفترة الأخيرة، وهو ما قد ينذر بتوسع ارتدادات أيّ "هزات أمنية" في شمال إثيوبيا إلى الجوار الإقليمي، حيث تشهد العلاقات الإثيوبية الإريترية حالة من التوتر الشديد منذ توقيع اتفاق بريتوريا. مع تطورات الوضع، يكشف الخلاف حول الجبهة التيغراوية عن هشاشة السلام الذي تم إنجازه عام 2022، وليُصبح مصيرها اختبارا حاسما لالتزام إثيوبيا بتحقيق سلام حقيقي ومستدام وشامل، وبينما لا يزال من غير المؤكد قدرة اتفاق بريتوريا على الصمود في وجه هذا التحدي السياسي، فإن نجاحه أو فشله قد يُحدد مستقبل استقرار أكبر دول القرن الأفريقي وأكثرها تأثيرا فيه. ويُدخل قرار اللجنة الانتخابية الإثيوبية مفارقة قانونية، إذ لم تعد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الموقعة على الاتفاق الأصلي، تتمتع بنفس الوضع القانوني، مما قد يؤدي إلى طريق مسدود. وإذا اعتُبر التسجيل الجديد للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمثابة تشكيل كيان قانوني مختلف، فقد يُقال إن الاتفاق الأصلي لم يتضمن أي توقيع قانوني من جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وقد يُبطل هذا الوضع التزامات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ومسؤولياتها بموجب الاتفاق، مما يخلق وضعًا قانونيًا هشًا يُهدد عملية السلام برمتها.