أحدث الأخبار مع #الجزيرة_الوثائقية


الجزيرة
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
'لن أنساك'.. فيلم للوثائقية يحصد جائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا'
فاز فيلم 'لن أنساك'، من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج المخرج المغربي محمد رضا كزناي، بجائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا – Filmare la Storia' الإيطالي، الذي يكرّم الأفلام الوثائقية ذات البعد التاريخي والإنساني. يروي الفيلم قصة اكتشاف المخرج المغربي لشريط صوتي سجّله جده خلال مشاركته في حرب أكتوبر عام 1973، لينطلق إثر ذلك في رحلة بحث في ذاكرة منسية، يلتقي خلالها محاربين قدامى طواهم النسيان، ويعيد من خلالهم إحياء جانب مهم من التاريخ. وقد أشادت لجنة تحكيم المهرجان بالفيلم، مشيرة إلى أهمية الموضوع الذي يتناوله، والاختيار الدقيق لربط السرد بقصة عائلية انطلاقًا من أرشيف صوتي نادر، إضافة إلى التوظيف الفعّال للقطات السينمائية التقليدية والرسوم المتحركة، ما أضفى على التجربة طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا قويًا. ويأتي هذا التتويج تأكيدًا على التزام الجزيرة الوثائقية بدعم الإنتاجات الإبداعية التي تروي قصصًا من زوايا جديدة، وتعيد فتح صفحات منسية من التاريخ بروح فنية وإنسانية متميزة.


الجزيرة
٢٧-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
الجزيرة الوثائقية تُعيد إحياء ذاكرة 'المسجد الأزرق' في عمل يُعرض قريبا
أنهى فريق عمل الفيلم الوثائقي 'المسجد الأزرق'، الذي يُنتج ضمن سلسلة 'حكاية مسجد' من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية، تصوير مشاهده بنجاح في السودان، وينخرط حاليًا في مرحلة المونتاج استعدادًا لعرضه خلال شهر رمضان المقبل. وقد حظي تصوير الفيلم بتفاعل لافت من أهالي المنطقة، الذين أعربوا عن تقديرهم لاهتمام القناة بتوثيق تاريخ مسجدهم ومكانته الروحية والثقافية في المجتمع، حيث شهدت المنطقة فعالية شعبية احتفاءً بهذه المناسبة. وألقى مخرج الفيلم، الأستاذ حمزة الأمين، كلمة خلال الفعالية، أكد فيها حرص الجزيرة الوثائقية على إنتاج أفلام تُسلّط الضوء على الحياة الاجتماعية والرصيد الحضاري والإنساني للمجتمعات المحلية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يجد صداه العميق لدى الجمهور في مختلف المناطق. وفي لفتة رمزية تحمل دلالات الامتنان، أهدى أهالي المنطقة مخرج الفيلم لوحًا خشبيًا تقليديًا، تعبيرًا عن تقديرهم لجهود القناة في حفظ الذاكرة البصرية للمجتمعات الإسلامية وتعزيز حضورها في الوجدان الجماعي. ويُنتظر أن يُشكّل الفيلم إضافة نوعية إلى سلسلة 'حكاية مسجد'، التي تسعى إلى تقديم روايات بصرية تُبرز البعد الإنساني والروحاني للمساجد في العالم الإسلامي.


الجزيرة
٢١-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
ثلاثية راندا معروفي.. حكايات السينما والسلطة والعمران في المغرب
بمناسبة عرض فيلم 'المينة' (2025) للمخرجة المغربية راندا معروفي في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، ضمن أسبوع النقد بمهرجان 'كان' السينمائي الدولي هذا العام 2025، تنشر 'الجزيرة الوثائقية' هذا المقال الذي يستعرض بالتحليل والنقد ثلاثة من أعمالها الفيلمية. تتطرق الأفلام الثلاثة إلى قضايا المجتمع المغربي من زوايا عميقة ومختلفة، لم تكن معتادة في الأعمال المماثلة، وتعتمد على المجاز السينمائي والرصد للواقع من الميدان، وتلك لغة اختارتها راندا معروفي لنفسها في سرد حكايات المجتمع، وصراعه مع الأنظمة البيروقراطية والحدود وألوان التهميش. لا يسعى فيلم 'المينة' إلى تمجيد المعاناة ولا تجميلها، بل إلى ملامستها من الداخل، بمقاربة جماعية في الكتابة والإنتاج. راندا معروفي.. لغة بصرية تعيد صياغة التفكير تستكشف الفنانة المغربية راندا معروفي (الدار البيضاء، 1987) منذ أعمالها الأولى العلاقات المتوترة بين الأجساد والفضاءات الاجتماعية، مسلطة الضوء على بنيات الهيمنة، التي تحدد أشكال الحضور والحركة في المجال العام. بين التصوير الفوتوغرافي والفيديو والمنشأة والسينما، تطور راندا منهجية بصرية، تعيد التفكير في الممارسات اليومية، وتكشف الديناميات الخفية التي تحكم علاقات الناس بالسلطة وتمثيلاتها، في الوطن العربي كما في الغرب. يتجلى ذلك بوضوح في ثلاثيتها: 'الحديقة' (2015). 'باب سبتة' (2019). 'المينة' (2025). وهي أعمال سينمائية تمزج بين الطابع الوثائقي والتجريبي، فتصبح مشاهد الانتظار نوعا من الأداء الجسدي الجماعي، يُبرز التوتر القائم بين النظام والمقاومة، وبين السلطة الجماعية والإيماءات الفردية. 'الحديقة'.. فضاء مهجور يتجاوز الحدود الفيزيائية في فيلم 'الحديقة'، تنتقل راندا معروفي إلى فضاء مهمل في قلب مدينة الدار البيضاء؛ حديقة ملاهٍ مهجورة أصبحت موقع أطلال وحداد بصري، تسكنه أجساد شبابية تائهة بين الرغبة في الظهور وعبثية المشهد. لا يقدم الفيلم سردا وثائقيا تقليديا، بقدر ما يشكل تجربة بصرية متأرجحة بين التوثيق والتجريد، فتستعير المخرجة عناصر من الواقع، لتفككها وتعيد ترتيبها، ضمن تركيبة جمالية تبرز هشاشة الفضاء الحضري وحدوده الرمزية. تتجول الكاميرا في حركة بطيئة، تلتقط تفاصيل الصمت والركود، فتبدو الشخصيات معلقة في وضعيات ثابتة، أشبه بتماثيل أو صور جامدة. ومع ذلك، تكسر بعض الإيماءات هذا الجمود؛ يد تتحرك، وهاتف يستعمل، ونظرة تتلاشى في الضباب البصري. تنبع الحياة هنا من تفاصيل هامشية، من لحظات توحي بأن الزمن لم يتوقف تماما، بل دخل في حالة من التعليق المريب، ولا يعكس هذا التعليق الزمني العطالة الاجتماعية فحسب، بل يفتح تساؤلات حول التمثيل والأداء والظهور، بصفته فعلا سياسيا في فضاء مهمش. تكشف راندا في الفيلم التوتر الكامن في صور الحياة اليومية كما تُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، فالشخصيات ليست في وضعيات أداء فقط، بل تتقمص دورها بوعي كامل، برغبة أن ترى. في هذا السياق، يصبح الفضاء المهجور مسرحا لشكل جديد من التمثيل، فيصبح الركام العمراني أثاثا معاصرا لصور تمثل جيلا يعيش على أطراف المدينة وهامش المجتمع، جيل يتشبث بالصورة والاستعراض والفرجة، حتى في أكثر أشكالها فجاجة، ويتخذها وسيلة وجود ومقاومة صامتة. بهذا المعنى، يتجاوز فيلم 'الحديقة' مفهوم الحدود الفيزيائية، نحو أسئلة أعمق بخصوص الظهور والاختفاء، حول من يحق له أن يكون مرئيا، ومن يُدفع نحو العتمة. على غرار فيلمها الثاني 'باب سبتة'، لا تروي راندا قصة محددة، بل توفر فضاء بصريا للتأمل في بُنى الهيمنة، وحضور الأجساد في فضاءات محكوم عليها بالإقصاء. من هذا المنطلق، يمكن وضع عملها في حوار مع تحليلات الفيلسوف 'جاك رانسيير' حول العلاقة بين الفن والسياسة، فلا يكون الفن انعكاسا للواقع فحسب، بل أداة لإعادة توزيع الحواس، وإعادة تشكيل الإدراك العام، لما هو مرئي وما هو مستبعد من المجال البصري. 'باب سبتة'.. مجاز الهيمنة والمقاومة وعقوبة السلطة تشكل الحدود بطبيعتها فضاء للانتظار، وهو انتظار محكوم بقوانين خفية، تتحكم في مسارات الأجساد، وتفرض عليها إيقاعا معينا. وفي فيلم 'باب سبتة'، لا تقدم العبور الحدودي على أنها مجرد لحظة انتقال من نقطة إلى أخرى، بل هي حدث مسرحي مكثف، فيصبح الجسد في تكراره للأفعال اليومية عنصرا في تكوين بصري متشابك. تستغل المخرجة الحركات البسيطة كحمل البضائع، والجلوس القسري الطويل، والانتظار في صفوف متعرجة، فتضفي عليها بعدا نحتيا، تتبلور فيه هذه الحركات، وتصبح إيماءات مشحونة بالدلالات السياسية والاجتماعية. على عكس الأفلام الوثائقية التقليدية التي تركز على تقديم سرديات خطية للأحداث، يعتمد فيلم 'باب سبتة' أسلوبا مختلفا، فهو لا يسعى إلى تفسير الظاهرة ولا تحليلها، بل إعادة صياغتها بصريا، وذلك بتفكيكها وتركيبها من جديد في فضاء مجرد، بتركيز وحرص شديدين على الحركات والإيقاع والتكرار. تجعل هذه المقاربة 'باب سبتة' تجربة حسية مكثفة، تُفرغ المكان من تفاصيله المعتادة، حتى يصبح أشبه بمسرح خاوٍ، تستوطنه الأجساد فقط، وتعيد بحركاتها تشكيل المعنى. بتوثيق مظاهر الانتظار القسري في حياة هؤلاء الناس، حاولت تصوير الزمن، لا على أنه حركة، بل حالة من الجمود، تفرضها البنى السلطوية. هذا الاشتغال على الجسد بوصفه محورا للتمثيل الفني يجعل 'باب سبتة' عملا قريبا من بعض تجارب السينما، التي تهتم بجانب الواقع الحركي والزمني. قد يذكرنا ذلك -على نحو مفارق- بفيلم هارون فاروكي 'خروج العمال من المصنع' (1995)، فهو يحلل مغادرة العمال لمواقع عملهم على أنه حدث متكرر، مليء بالدلالات السياسية حول العمل والسلطة، ويعتمد على مزيج من وثائق الأرشيف وتعليق صوتي عليها. لا يقتصر الاشتغال إذن على مفهوم الحدود في 'باب سبتة' على المعنى الجغرافي، بل يتجاوزه إلى البعد الاجتماعي والسياسي. ففي أحد المشاهد، نرى النساء وهن يجلسن على أكياس ضخمة من السلع المهربة، منتظرات ساعات قبل السماح لهن بالعبور، وليس انتظار مجرد تفصيل يومي، بل هو رمز لنظام كامل من العنف البيروقراطي، الذي يتحكم في حركة الأفراد، متخذا الحدود أداة للسيطرة. يذكرنا هذا بمفهوم 'الزمن الميت' لدى الفيلسوف 'بول فيريليو'، ففيه تصبح أوقات الانتظار أشكالا من العقوبات غير المعلنة، التي تمارسها السلطة على الأفراد. تقول المخرجة راندا معروفي في حوار هاتفي مع الجزيرة الوثائقية: بتوثيق مظاهر الانتظار القسري في حياة هؤلاء الناس، حاولت تصوير الزمن، لا على أنه حركة، بل حالة من الجمود، تفرضها البنى السلطوية. ومع أن 'باب سبتة' يتناول وضعا محددا مرتبطا بالحدود المغربية الإسبانية، فإن أسئلته تتجاوز السياق المحلي، وتشمل قضايا عالمية تتعلق بالحركة والهجرة والحدود بوصفها أدوات للسيطرة. لكن ما يميز مقاربة راندا هو تركيزها على الجسد أرشيفا للصراع الاجتماعي، بعيدا عن الخطابات المباشرة حول المعاناة أو اللجوء، وقد نجد ههنا تقاربا مع أعمال الفنانة الأمريكية 'سوزان ميزلز' (1948)، التي وثقت بصورها تفاصيل حياة المهمشين اليومية، من دون أن تقع في فخ استدرار العواطف. لا تحاول راندا تقديم صورة عن واقع معين في الفيلم، بل تقترح مساحة لإعادة التفكير فيما نراه وما لا نراه، فالحدود لا ترسم فقط على الخرائط، بل تمتد إلى المخيلة الجماعية، فتكرس صورا نمطية حول من يحق له العبور، ومن يحكم عليه بالبقاء في الهامش. لا توثق راندا واقعا مألوفا، بل تعيد بناءه ضمن مقاربة جمالية، تجعل الحدود حيزا للأداء والمقاومة، لا نقطة فصل فقط، فالجسد ههنا لا يكتفي بتلقي الأوامر البيروقراطية؛ بل هو كيان فعال، يعيد تعريف ذاته بحركات متكررة، تكتسب معاني جديدة مع كل تكرار. يجعل هذا الاشتغال على الجسد والحدود والزمن عملها جزءا من تيار أوسع في السينما والفن المعاصر، تيار يسائل العلاقة بين الفرد والمنظومة، وبين السلطة والمقاومة، وبين المرئي والمخفي. في نهاية المطاف، لا يقدم الفيلم إجابات جاهزة، بل يفتح المجال لتساؤلات جديدة، حول أشكال الهيمنة، وأشكال التملص منها أو التمرد عليها، وإن بأبسط الإيماءات اليومية. تفكيك المرئي والمخفي والذاكرة بين فيلمين يتمحور الربط بين فيلمي 'باب سبتة' و'المينة' حول التقاط التوترات والظلال، التي تحيط بالمساحات الجغرافية، المتأثرة بالحدود والاقتصاد غير الرسمي، بالإضافة إلى التصوير التجريدي للمدن ذات الطابع الصناعي والمهمش. في فيلم 'باب سبتة'، تركزت الكاميرا على الثغر الإسباني عند الحدود المغربية الإسبانية، لتسجل حياة الناس في ظل اقتصاد غير رسمي، يتمحور حول التهريب والنقل غير المشروع للبضائع عبر الحدود. أما فيلم 'المينة'، فتبرز فيه مدينة جرادة (شرق المغرب) بموقعها الصناعي والجغرافي، وهي مدينة تعيش على هامش الذاكرة والراهن، فتتداخل فيه توترات المجتمع مع تحديات الاقتصاد، الناتجة عن الإقصاء السياسي والعوز المادي والتدهور البيئي. يتناول العملان فكرة الحدود بطرق غير مباشرة، قد تبدو متباينة في شكلها، لكنها تتقاطع في سيرورة المخرجة الجمالية والسياسية، فـ'باب سبتة' يلتقط الحدود الجغرافية بين دولتين كما تتجسد في حركة الأفراد والبضائع عبر المعابر الضيقة، وأما 'المينة' فيعيد تشكيل حدود المدينة بطريقة أكثر رمزية، بتقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، التي تتيح استكشاف الهياكل المعمارية والفضاءات الصناعية من منظور غير معتاد. هكذا يشير استخدام المسح الضوئي والتقنيات الحديثة في 'المينة' إلى بحث في طرق جديدة، لرؤية الأماكن التي باتت معالمها تتلاشى، أو أصبحت -في طريقها للاندثار- فضاءات يمكن وصفها أنها 'مقاوِمة'. في هذا السياق، لا سبيل لفصل البعد الجمالي في فيلم 'المينة' عن خياراته الأخلاقية والسياسية. تقول راندا معروفي: لا يسعى الفيلم إلى تمجيد المعاناة ولا تجميلها، بل إلى ملامستها من الداخل، بمقاربة جماعية في الكتابة والإنتاج. لقد اعتمدت راندا منذ المراحل الأولى للمشروع على حوارات موسعة مع سكان جرادة، لا سيما من عايشوا واقع مناجم الفحم العشوائية، المعروفة محليا باسم 'الساندريات'، ثم أصبحت تلك الحوارات نسيجا سرديا، شارك في صياغته أبناء المدينة أنفسهم، وجسدوا في الفيلم أدوارا مستلهمة من حياتهم. أعدتُ بناء فضاء رمزي في منزل بمدينة جرادة، لأن التصوير في المناجم الحقيقية كان مستحيلا، فأعاد شباب من عائلة موسعة تمثيل حياتهم. وفي 'المينة'، تستخدم راندا أدوات تصوير متعددة، منها المسح الثلاثي الأبعاد، وتقنيات السوبر 8، لخلق طبقات من القراءة البصرية؛ الأولى توثيقية ذات طابع رسمي وتقني في آن، ترتبط بأدوات المراقبة والهندسة المعمارية، والثانية حميمية وعائلية، تستحضر ذاكرة الجسد والعائلة والبيت، وتربط مباشرة بين الخاص والعام، وبين العملي والعاطفي. تقول راندا: أعدتُ بناء فضاء رمزي في منزل بمدينة جرادة، لأن التصوير في المناجم الحقيقية كان مستحيلا، فأعاد شباب من عائلة موسعة تمثيل حياتهم. يسعى فيلما 'باب سبتة' و'المينة' إذن إلى إعادة النظر في المناطق المجهولة والمعتمة في الواقع المعاصر؛ فمن جهة يقدم 'باب سبتة' الحدود واقعا اجتماعيا جغرافيا بين عالمين مختلفين، في حين يتأمل 'المينة' في نوع آخر من الحدود، تلك التي تخلقها الصناعات والذاكرة المنسية، التي تتآكل بمرور الوقت، محاولا إعادة بناء ما بقي منها بصريا وعاطفيا.


الجزيرة
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
قبائل الكورواي.. أبناء الأشجار الذي يأكلون لحوم المعتدين
يصعب على من يعيشون تحت الأضواء في مدن الضوضاء والزحام والتكنولوجيا، يسابقون الزمن، ويهرولون مذعورين إلى المجهول، أن يتخيلوا أنّ على سطح هذا الكوكب من يشاركهم الحياة، ولكن بلا ضجيج، أناس متصالحون مع أنفسهم، يعيشون في سلام مع بيئاتهم البدائية، التي لم تصل إليها أيادي اللصوص الجشعين، ممن يدّعون التحضر والإنسانية الراقية. في مغامرة مدهشة وشائقة، يصحبنا المخرج مقدم البرامج الرحالة لؤي العتيبي إلى الجزء الإندونيسي من أدغال جزيرة بابوا، لنتعرف على آخر القبائل البشرية البدائية، وقد أنتجت الجزيرة الوثائقية هذا الفيلم وعرضته على منصاتها بعنوان: 'إندونيسيا واكتشاف المجهول.. قبائل الكورواي'. السفر عبر الزمن.. أقدم الجماعات البشرية البدائية في السطور التالية، نترك للرحالة لؤي العتيبي وصف مغامرته الجريئة: في هذه الرحلة المتميزة والنادرة، سنغوص في أعماق الجغرافيا والتاريخ، ونعود بالزمن 10 آلاف سنة إلى الوراء، ونتعرف على آخر قبائل آكلي لحوم البشر، الذين يعيشون وسط الغابات الاستوائية المطيرة، إنهم 'قبائل الكورواي'. تعد 'الكورواي' آخر مجتمعات العصر الحجري الباقية على وجه الأرض، وهم يعيشون في بيئتهم الطبيعية، منعزلين تماما عن العالم الخارجي، حيث غينيا الجديدة 'بابوا' إلى الشمال الشرقي من قارة أستراليا، ثاني أكبر جزيرة في العالم بعد غرينلاند، وواحدة من أكبر الغابات المطيرة بعد الأمازون، وتنقسم إلى نصفين، الغربي يتبع لإندونيسيا، والشرقي بلد مستقل يسمى غينيا الجديدة. نستعد لرحلة قد تستغرق 4 أسابيع، وزمن آخر مجهول للوصول إلى مناطق الكورواي، ونستعين ببعض السكان المحليين للمساعدة في نقل الأمتعة، وأدلّاء لإرشادنا إلى مناطق الكورواي. كان اليوم الأول شاقا، فقد سارت قواربنا في النهر 14 ساعة، وسنستغرق نحو 4 أيام أخرى للوصول إلى وجهتنا، ثم سنبحث في غابات لا نهاية لها عن أماكن السكان الأصليين، وهي مبعثرة على امتداد هذه الغابات، وها هي القوارب تمخر عباب النهر الساكن، في بيئة تبدو بكرا لم تكد تطأها أقدام البشر. الغابات المطيرة في جزيرة بابوا.. حيث يسكن الكورواي أرسلنا اثنين من المرشدين لاكتشاف الغابة والبحث عن مواطن الكورواي، والتحضير لوصولنا إلى هناك، واتفقنا أن نلتقي في نقطة معينة في الغابة بعد عدة أيام، وبعد مسير 5 أيام في النهر بدأنا نرى بعض بيوت الكورواي مبنية في أعالي الأشجار، وسنحتاج للمسير يوما آخر حتى ندخل إلى الغابة، ونرى أفراد الكورواي. نزلنا من القارب في آخر نقطة يمكن الوصول إليها، وينبغي من الآن فصاعدا أن نكمل رحلتنا سيرا على الأقدام في الغابة العذراء، ويقدّر بعض العلماء أن شعوب 'بابوا' ما يزالون يعيشون نمط حياتهم منذ آلاف السنين، فهي إذن ليست رحلة للنزهة فقط، بل إن اكتشاف هذه القبائل المعزولة سيكون ذا أهمية كبيرة. في هذه الغابات الشاسعة، ينتابني شعور أنني لن أستطيع الخروج أبدا، وتتقاذفني أمواج بحر لجّي، وأتمنى رؤية الشاطئ من جديد. لكن الدليل يطمئنني، فهو خبير بالطرق، وسنخرج بسلام إن شاء الله، ونحن الآن قريبون من الروّاد الذين أرسلناهم في بداية الرحلة. يخبرنا الدليل -ونحن نسير بأرض موحلة ذات رطوبة عالية وأمطار غزيرة وحرارة مرتفعة- أن بعض القبائل تركت قراها وتوجهت إلى أعماق الأدغال، هربا من المتطفلين والمستكشفين والمنظمات التبشرية، التي تنشط في هذه المناطق. اندهاش وخوف.. لقاء الكورواي وجها لوجه مع اقترابنا بدأنا نسمع أصواتا بشرية، ولكنها غير مفهومة، إنها أصوات الكورواي، ثم لقينا الرائدين السابقين، ومعهما جماعة من رجال الكورواي. إننا نقف الآن -وجها لوجه- أمام أقدم مجموعة بشرية بدائية، وجوههم باسمة، تتراوح تعابيرها بين الاندهاش وشيء من الخوف، ويطلقون صفيرا متواصلا، يبدو أنها لغة حديثهم، ويحملون سهامهم ورماحهم، ولهم طريقتهم في المصافحة بالأيدي. سألهم المترجم هل يأذنون لنا بالمكث في قريتهم، فرحّبوا بسعادة غامرة، وكانت تلك بداية رائعة بعد رحلة شاقة وطويلة، وأول ما يلفت النظر أنهم يبنون بيوتهم في أعالي الأشجار، وربما هم الشعب الوحيد الذي يفعل ذلك، ويخرجون رجالا ونساء إلى الغابات المجاورة يوميا، للصيد والتقاط ما يصلح لقوت يومهم، فهم يأكلون كل شيء في الطبيعة تقريبا، حتى الفئران والأفاعي. تعد 'الساغو' من الأشجار التي لا يستغني عنها الكورواي، ففيها نسبة عالية من الكربوهيدرات، وهم يخرجون يوميا إلى الغابة، ويختارون شجرة كبيرة لتقطيعها، ويتشارك الرجال والنساء في استخراج المادة التي يتغذون عليها، وبعد التقطيع تنتقل مهمات تحضير الطعام للنساء، فيصفين المادة المطحونة، ويجمعن الديدان التي فيها، ثم يشوينها على النار. وللنساء مهمات أخرى، منها جمع الخضر من الحديقة المجاورة، وصيد الأسماك، وطهي الطعام للعائلة، وكلما زاد عدد أفراد العائلة بحثوا عن شجرة جديدة تصلح لبناء بيت عليها، فيصعد أحدهم ليتأكد من متانة أغصانها، وإمكانية ربطها بالأشجار المجاورة لزيادة قوتها. بيوت في أعالي الأشجار نرافق الكورواي في تدشين مشروع طموح، فسوف يبنون بيتا جديدا على شجرة يبلغ ارتفاعها نحو 35 مترا، وسيصنعون السلّم أولا، فيقطعون الشجر بفؤوس بدائية، مكونة من صخور حادة مشدودة إلى مقابض خشبية بحبال من نباتات معينة، ثم يكوّنون نتوءات بجذوع الأشجار تشدّ إليها الحبال، التي توكل مهمة جمعها وجدلها إلى النساء. يعيش الكورواي في الأعالي للبعد عن الفيضانات، وحماية أنفسهم من هجمات الوحوش والأعداء، واستعراض براعتهم في العيش في مثل هذه البيئات القاسية. وهنا يدفعني الفضول للتساؤل: كيف لهذه الشعوب الطيبة البسيطة أن تأكل لحوم بني جلدتها من البشر؟ وحتى هذه اللحظة لم أر منهم ما يدل على ذلك، وهو ما أحاول جاهدا التأكد منه. وفي نشاط آخر من أنشطتهم اليومية، نرافق زعيمهم إلى منطقة سرية من الغابة، فيها شجرة تدعى 'نيبون'، لا يسمح بقطعها إلا لكبير العائلة، وهي نوع من أشجار النخيل يمتاز خشبها بالقوة والمرونة، ويستخدمونها في صناعة أسلحتهم من الرماح والأقواس والسهام، ثم يغلِّفون ما بقي من جذع الشجرة المقطوعة، تقديسا لأرواح أجدادهم الذي قضوا. وتختلف أنصال السهام من حيث الأحجام والأشكال، فكل واحدة مخصصة لصيد معين، فهذه للخنازير، وتلك للأسماك، وثالثة لصيد القرود والطيور، وأخطرها لصيد البشر، وتكون لها حراشف مدببة إذا اخترقت الجسد يصعب انتزاعها منه. وهم يختارون أنسب الأوقات وأفضل الطرق لصيد الأسماك، فيلقون إليها ببيوت النمل التي تجذبها بكثافة، ثم يجمعون محصولهم من الصيد بسِلال يصنعونها من سعف النخيل. وفي نهاية يومهم يشعلون النار ويشوون عليها ما اصطادوه، والمكون الرئيسي هو دقيق شجر الساغو، وقد يضيفون عليه ما اصطادوه من الديدان والأفاعي والطيور، ويلفّون ذلك جميعه بورق الموز ويشوونه. يعيشون يوما ولا يأبهون بيوم غد انتهت المرحلة الأولى من بناء السلّم بارتفاع 20 مترا، وتليها المرحلة الثانية وسيكون ارتفاعها 15 مترا إضافيا، ويجب إنهاء البناء قبل بداية موسم الأمطار، وفيما عدا ذلك يعيشون باستقلال تام عن الوقت، ولا يخططون للمستقبل، وفي مطلع كل يوم يجمعون قوت يومهم، ويكتفون به حتى يأتي نهار آخر. والآن قد أتموا المرحلة الثانية من بناء السلّم، وأصبحت الرحلة إلى أعالي الأشجار بالغة الصعوبة، وتتطلب جهدا مضاعفا، وقد جُهزت أرضية المنزل، وهي مكونة من جذوع رقيقة وأغصان مستقيمة، مشدودة إلى بعضها بالحبال النباتية. يا له من مشهد خلّاب على ارتفاع 35 مترا في أعالي الأشجار. وبنفس الطريقة سيرفعون جدران البيت الجانبية ثم يسقفونه، بعد ذلك يُبطِّنون السقف والجوانب بأغلفة من لحاء الأشجار والأوراق العريضة، وبعد الانتهاء من بناء البيت تجتمع العائلة في فنائه، ويشعل كبيرهم نارا للاحتفال بهذا الإنجاز، وذلك طقس عتيق. هل يأكل هؤلاء البسطاء لحوم البشر؟ ما زال السؤال يتردد في داخلي، والفضول يراودني حول أكل هؤلاء الناس البسطاء لحوم البشر، وقد علمت أن بعض الرجال من القبيلة التي أعيش معها قد قتلوا أناسا وأكلوهم. يقول أحدهم: تعيش قبائل الكورواي في أراض شاسعة، ولكل عشيرة نفوذها في منطقتها، وإذا ما اعتدت عليها عشيرة أخرى يقع عداء واقتتال، والمعتدي لا بد أن يُقتل. وكان أن اختطف رجل من قبيلة أخرى أخت زعيم هذه القبيلة، فبحث عنها هو وصديقه، حتى وجدا الخاطف وأحضراه إلى أرض القبيلة، ثم قتلوه وقطعوه وأكلوه. يقول زعيم القبيلة: نحن طيبون بطبعنا ولا نؤذي أحدا، ولكن إذا اعتدى علينا أحد قتلناه وأكلناه، هذه عاداتنا ومعتقداتنا التي توارثناها، حتى حيوانات القبيلة إذا دخلت أرض قبيلة أخرى قُتلت وأكلت. اختليت بأحدهم لأسأله عن هذا الذي يشغل فكري، فقال لي إنه عاد يوما إلى بيته فوجده محترقا، وتتبع من أحرقه حتى وجده، فرماه بسهم أرداه قتيلا ثم أكله، وفي يوم آخر لقي أحد خنازيره مقتولا فاشتاط غضبا، وبحث عن القاتل حتى وجده، فرماه بسهم أيضا فقتله، وحمل جثته وألقاها بعيدا، وغطاها بأوراق الشجر ولم يأكلها. بين البدائي والمتحضر.. الأقوياء يعيدون توصيف الأشياء قد يكون قتل البشر وأكلهم عند قبائل الكورواي ذو دوافع اعتقادية وتقاليد موروثة، ونراه يضمحل يوما بعد يوم، ولا يكاد يحدث إلا نادرا في حوادث متفرقة، ولكن ما بال الدول التي تصف نفسها بالمتحضرة تبيح لنفسها قتل المئات وربما الآلاف يوميا، لا لذنب اقترفوه، إلا إرضاء لغرور تلك الدول وتكريسا لكبريائها وسطوتها. أفلا يكون هؤلاء البسطاء الذين نصِفهم زورا بالمتوحشين وآكلي لحوم البشر أكثر تحضرا وإنسانية من قوم يلبسون قناع الإنسان الضاحك البشوش، ويخفون وراءه قلوبا متوحشة شديدة الافتراس؟ مهما يكن من أمر فهؤلاء قبائل الكورواي، سكان الأشجار أو آكلو لحوم البشر، كما يحلو للبعض تسميتهم، هم حقيقة واقعة، يشاركوننا العيش على سطح هذه الأرض، ويعيشون بتناغم وتكامل مع هذه الطبيعة الخلابة التي تعطيهم ويعطونها.