
قبائل الكورواي.. أبناء الأشجار الذي يأكلون لحوم المعتدين
في مغامرة مدهشة وشائقة، يصحبنا المخرج مقدم البرامج الرحالة لؤي العتيبي إلى الجزء الإندونيسي من أدغال جزيرة بابوا، لنتعرف على آخر القبائل البشرية البدائية، وقد أنتجت الجزيرة الوثائقية هذا الفيلم وعرضته على منصاتها بعنوان: 'إندونيسيا واكتشاف المجهول.. قبائل الكورواي'.
السفر عبر الزمن.. أقدم الجماعات البشرية البدائية
في السطور التالية، نترك للرحالة لؤي العتيبي وصف مغامرته الجريئة: في هذه الرحلة المتميزة والنادرة، سنغوص في أعماق الجغرافيا والتاريخ، ونعود بالزمن 10 آلاف سنة إلى الوراء، ونتعرف على آخر قبائل آكلي لحوم البشر، الذين يعيشون وسط الغابات الاستوائية المطيرة، إنهم 'قبائل الكورواي'.
تعد 'الكورواي' آخر مجتمعات العصر الحجري الباقية على وجه الأرض، وهم يعيشون في بيئتهم الطبيعية، منعزلين تماما عن العالم الخارجي، حيث غينيا الجديدة 'بابوا' إلى الشمال الشرقي من قارة أستراليا، ثاني أكبر جزيرة في العالم بعد غرينلاند، وواحدة من أكبر الغابات المطيرة بعد الأمازون، وتنقسم إلى نصفين، الغربي يتبع لإندونيسيا، والشرقي بلد مستقل يسمى غينيا الجديدة.
نستعد لرحلة قد تستغرق 4 أسابيع، وزمن آخر مجهول للوصول إلى مناطق الكورواي، ونستعين ببعض السكان المحليين للمساعدة في نقل الأمتعة، وأدلّاء لإرشادنا إلى مناطق الكورواي.
كان اليوم الأول شاقا، فقد سارت قواربنا في النهر 14 ساعة، وسنستغرق نحو 4 أيام أخرى للوصول إلى وجهتنا، ثم سنبحث في غابات لا نهاية لها عن أماكن السكان الأصليين، وهي مبعثرة على امتداد هذه الغابات، وها هي القوارب تمخر عباب النهر الساكن، في بيئة تبدو بكرا لم تكد تطأها أقدام البشر.
الغابات المطيرة في جزيرة بابوا.. حيث يسكن الكورواي
أرسلنا اثنين من المرشدين لاكتشاف الغابة والبحث عن مواطن الكورواي، والتحضير لوصولنا إلى هناك، واتفقنا أن نلتقي في نقطة معينة في الغابة بعد عدة أيام، وبعد مسير 5 أيام في النهر بدأنا نرى بعض بيوت الكورواي مبنية في أعالي الأشجار، وسنحتاج للمسير يوما آخر حتى ندخل إلى الغابة، ونرى أفراد الكورواي.
نزلنا من القارب في آخر نقطة يمكن الوصول إليها، وينبغي من الآن فصاعدا أن نكمل رحلتنا سيرا على الأقدام في الغابة العذراء، ويقدّر بعض العلماء أن شعوب 'بابوا' ما يزالون يعيشون نمط حياتهم منذ آلاف السنين، فهي إذن ليست رحلة للنزهة فقط، بل إن اكتشاف هذه القبائل المعزولة سيكون ذا أهمية كبيرة.
في هذه الغابات الشاسعة، ينتابني شعور أنني لن أستطيع الخروج أبدا، وتتقاذفني أمواج بحر لجّي، وأتمنى رؤية الشاطئ من جديد. لكن الدليل يطمئنني، فهو خبير بالطرق، وسنخرج بسلام إن شاء الله، ونحن الآن قريبون من الروّاد الذين أرسلناهم في بداية الرحلة.
يخبرنا الدليل -ونحن نسير بأرض موحلة ذات رطوبة عالية وأمطار غزيرة وحرارة مرتفعة- أن بعض القبائل تركت قراها وتوجهت إلى أعماق الأدغال، هربا من المتطفلين والمستكشفين والمنظمات التبشرية، التي تنشط في هذه المناطق.
اندهاش وخوف.. لقاء الكورواي وجها لوجه
مع اقترابنا بدأنا نسمع أصواتا بشرية، ولكنها غير مفهومة، إنها أصوات الكورواي، ثم لقينا الرائدين السابقين، ومعهما جماعة من رجال الكورواي. إننا نقف الآن -وجها لوجه- أمام أقدم مجموعة بشرية بدائية، وجوههم باسمة، تتراوح تعابيرها بين الاندهاش وشيء من الخوف، ويطلقون صفيرا متواصلا، يبدو أنها لغة حديثهم، ويحملون سهامهم ورماحهم، ولهم طريقتهم في المصافحة بالأيدي.
سألهم المترجم هل يأذنون لنا بالمكث في قريتهم، فرحّبوا بسعادة غامرة، وكانت تلك بداية رائعة بعد رحلة شاقة وطويلة، وأول ما يلفت النظر أنهم يبنون بيوتهم في أعالي الأشجار، وربما هم الشعب الوحيد الذي يفعل ذلك، ويخرجون رجالا ونساء إلى الغابات المجاورة يوميا، للصيد والتقاط ما يصلح لقوت يومهم، فهم يأكلون كل شيء في الطبيعة تقريبا، حتى الفئران والأفاعي.
تعد 'الساغو' من الأشجار التي لا يستغني عنها الكورواي، ففيها نسبة عالية من الكربوهيدرات، وهم يخرجون يوميا إلى الغابة، ويختارون شجرة كبيرة لتقطيعها، ويتشارك الرجال والنساء في استخراج المادة التي يتغذون عليها، وبعد التقطيع تنتقل مهمات تحضير الطعام للنساء، فيصفين المادة المطحونة، ويجمعن الديدان التي فيها، ثم يشوينها على النار.
وللنساء مهمات أخرى، منها جمع الخضر من الحديقة المجاورة، وصيد الأسماك، وطهي الطعام للعائلة، وكلما زاد عدد أفراد العائلة بحثوا عن شجرة جديدة تصلح لبناء بيت عليها، فيصعد أحدهم ليتأكد من متانة أغصانها، وإمكانية ربطها بالأشجار المجاورة لزيادة قوتها.
بيوت في أعالي الأشجار
نرافق الكورواي في تدشين مشروع طموح، فسوف يبنون بيتا جديدا على شجرة يبلغ ارتفاعها نحو 35 مترا، وسيصنعون السلّم أولا، فيقطعون الشجر بفؤوس بدائية، مكونة من صخور حادة مشدودة إلى مقابض خشبية بحبال من نباتات معينة، ثم يكوّنون نتوءات بجذوع الأشجار تشدّ إليها الحبال، التي توكل مهمة جمعها وجدلها إلى النساء.
يعيش الكورواي في الأعالي للبعد عن الفيضانات، وحماية أنفسهم من هجمات الوحوش والأعداء، واستعراض براعتهم في العيش في مثل هذه البيئات القاسية. وهنا يدفعني الفضول للتساؤل: كيف لهذه الشعوب الطيبة البسيطة أن تأكل لحوم بني جلدتها من البشر؟ وحتى هذه اللحظة لم أر منهم ما يدل على ذلك، وهو ما أحاول جاهدا التأكد منه.
وفي نشاط آخر من أنشطتهم اليومية، نرافق زعيمهم إلى منطقة سرية من الغابة، فيها شجرة تدعى 'نيبون'، لا يسمح بقطعها إلا لكبير العائلة، وهي نوع من أشجار النخيل يمتاز خشبها بالقوة والمرونة، ويستخدمونها في صناعة أسلحتهم من الرماح والأقواس والسهام، ثم يغلِّفون ما بقي من جذع الشجرة المقطوعة، تقديسا لأرواح أجدادهم الذي قضوا.
وتختلف أنصال السهام من حيث الأحجام والأشكال، فكل واحدة مخصصة لصيد معين، فهذه للخنازير، وتلك للأسماك، وثالثة لصيد القرود والطيور، وأخطرها لصيد البشر، وتكون لها حراشف مدببة إذا اخترقت الجسد يصعب انتزاعها منه.
وهم يختارون أنسب الأوقات وأفضل الطرق لصيد الأسماك، فيلقون إليها ببيوت النمل التي تجذبها بكثافة، ثم يجمعون محصولهم من الصيد بسِلال يصنعونها من سعف النخيل.
وفي نهاية يومهم يشعلون النار ويشوون عليها ما اصطادوه، والمكون الرئيسي هو دقيق شجر الساغو، وقد يضيفون عليه ما اصطادوه من الديدان والأفاعي والطيور، ويلفّون ذلك جميعه بورق الموز ويشوونه.
يعيشون يوما ولا يأبهون بيوم غد
انتهت المرحلة الأولى من بناء السلّم بارتفاع 20 مترا، وتليها المرحلة الثانية وسيكون ارتفاعها 15 مترا إضافيا، ويجب إنهاء البناء قبل بداية موسم الأمطار، وفيما عدا ذلك يعيشون باستقلال تام عن الوقت، ولا يخططون للمستقبل، وفي مطلع كل يوم يجمعون قوت يومهم، ويكتفون به حتى يأتي نهار آخر.
والآن قد أتموا المرحلة الثانية من بناء السلّم، وأصبحت الرحلة إلى أعالي الأشجار بالغة الصعوبة، وتتطلب جهدا مضاعفا، وقد جُهزت أرضية المنزل، وهي مكونة من جذوع رقيقة وأغصان مستقيمة، مشدودة إلى بعضها بالحبال النباتية. يا له من مشهد خلّاب على ارتفاع 35 مترا في أعالي الأشجار.
وبنفس الطريقة سيرفعون جدران البيت الجانبية ثم يسقفونه، بعد ذلك يُبطِّنون السقف والجوانب بأغلفة من لحاء الأشجار والأوراق العريضة، وبعد الانتهاء من بناء البيت تجتمع العائلة في فنائه، ويشعل كبيرهم نارا للاحتفال بهذا الإنجاز، وذلك طقس عتيق.
هل يأكل هؤلاء البسطاء لحوم البشر؟
ما زال السؤال يتردد في داخلي، والفضول يراودني حول أكل هؤلاء الناس البسطاء لحوم البشر، وقد علمت أن بعض الرجال من القبيلة التي أعيش معها قد قتلوا أناسا وأكلوهم. يقول أحدهم: تعيش قبائل الكورواي في أراض شاسعة، ولكل عشيرة نفوذها في منطقتها، وإذا ما اعتدت عليها عشيرة أخرى يقع عداء واقتتال، والمعتدي لا بد أن يُقتل.
وكان أن اختطف رجل من قبيلة أخرى أخت زعيم هذه القبيلة، فبحث عنها هو وصديقه، حتى وجدا الخاطف وأحضراه إلى أرض القبيلة، ثم قتلوه وقطعوه وأكلوه. يقول زعيم القبيلة: نحن طيبون بطبعنا ولا نؤذي أحدا، ولكن إذا اعتدى علينا أحد قتلناه وأكلناه، هذه عاداتنا ومعتقداتنا التي توارثناها، حتى حيوانات القبيلة إذا دخلت أرض قبيلة أخرى قُتلت وأكلت.
اختليت بأحدهم لأسأله عن هذا الذي يشغل فكري، فقال لي إنه عاد يوما إلى بيته فوجده محترقا، وتتبع من أحرقه حتى وجده، فرماه بسهم أرداه قتيلا ثم أكله، وفي يوم آخر لقي أحد خنازيره مقتولا فاشتاط غضبا، وبحث عن القاتل حتى وجده، فرماه بسهم أيضا فقتله، وحمل جثته وألقاها بعيدا، وغطاها بأوراق الشجر ولم يأكلها.
بين البدائي والمتحضر.. الأقوياء يعيدون توصيف الأشياء
قد يكون قتل البشر وأكلهم عند قبائل الكورواي ذو دوافع اعتقادية وتقاليد موروثة، ونراه يضمحل يوما بعد يوم، ولا يكاد يحدث إلا نادرا في حوادث متفرقة، ولكن ما بال الدول التي تصف نفسها بالمتحضرة تبيح لنفسها قتل المئات وربما الآلاف يوميا، لا لذنب اقترفوه، إلا إرضاء لغرور تلك الدول وتكريسا لكبريائها وسطوتها.
أفلا يكون هؤلاء البسطاء الذين نصِفهم زورا بالمتوحشين وآكلي لحوم البشر أكثر تحضرا وإنسانية من قوم يلبسون قناع الإنسان الضاحك البشوش، ويخفون وراءه قلوبا متوحشة شديدة الافتراس؟
مهما يكن من أمر فهؤلاء قبائل الكورواي، سكان الأشجار أو آكلو لحوم البشر، كما يحلو للبعض تسميتهم، هم حقيقة واقعة، يشاركوننا العيش على سطح هذه الأرض، ويعيشون بتناغم وتكامل مع هذه الطبيعة الخلابة التي تعطيهم ويعطونها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٢-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
فيلم "مجموعة العشرين".. أول رئيسة أميركية تواجه تحديات صعبة في إندونيسيا
لم يحدث أن تولت امرأة رئاسة الولايات المتحدة الأميركية طوال تاريخها، ولكن هوليود لم تتوقف عن الإلحاح في تقديمها كرئيسة على شاشاتها منذ منتصف القرن الماضي. وقد ظهرت أول مرة عام 1953 في فيلم الخيال العلمي "مشروع قاعدة القمر"، وبالإضافة إلى قائمة أفلام تضم 21 رئيسة أميركية خيالية خلال 70 عاما تجسد الممثلة فيولا ديفيس ذات الأصول الأفريقية دور الرئيسة دانييل ساتون في فيلم "مجموعة العشرين" (G20)، والذي يعرض حاليا على منصة ديزني. تدور أحداث العمل أثناء انعقاد قمة العشرين، وهي منتدى دولي يجمع الحكومات ومحافظي البنوك المركزية من 20 دولة، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، ويهدف المنتدى -الذي تأسس عام 1989- إلى مناقشة السياسات المتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي ومعالجة القضايا الاقتصادية الكبرى. ويعقد المنتدى في إندونيسيا بحضور الرئيسة الجديدة للولايات المتحدة الأميركية ومعها نائبتها والمنافسة السابقة لها وفريق أمني كبير وزوجها وابناها المراهقة سيرينا (مارساي مارتن) وديمتريوس (كريستوفر فار)، وبعد الوصول مباشرة إلى مقر انعقاد المؤتمر تبدأ ملامح عملية إرهابية هائلة تؤدي إلى احتجاز 18 شخصية مهمة، من بينهم قيادات الدول. وتنفصل الرئيسة الأميركية دانييل ساتون (فيولا ديفيس) عن المجموعة الرئيسية أثناء الهجوم، وبدلا من الهروب تختار البقاء والقتال حفاظا على حياتها وحماية للرهائن المتبقين لتصبح المقاومة الوحيدة بعد قطع جميع الاتصالات عن المكان، وتضطر لاجتياز الممرات متسللة لتجنب الكشف عن مكان وجودها من قبل الخاطفين وتبدأ التخطيط لهجوم مضاد، ومعها رئيس وزراء إنجلترا ورئيسة البنك الدولي، وتحافظ على موقع القيادة بعد أداء متواضع لرئيس وزراء إنجلترا. تستطيع الرئيسة الانتصار على الإرهابيين بمساعدة من بعض الضباط الإندونيسيين، وضابط الحماية الشخصية الخاص بها، لكنها تكتشف أن الخيانة جاءت من أقرب أصدقائها، ورغم ذلك فإن الصمود يبقى سيد الموقف، فالرئيسة الأميركية هي الدولة نفسها خارج الحدود. رهائن وقتلة يبدأ الفيلم بوصول زعماء مجموعة العشرين إلى جاكرتا للمشاركة في القمة، ويجد المشاهد نفسه أمام صورة تقليدية لحراس وابتسامات للمجاملة وأعلام متراصة، لكن كل شيء ينقلب حين تقتحم مجموعة شبه عسكرية المبنى وتبدأ السيطرة على الرهائن، وهنا يتحول الفيلم إلى مزيج بين فيلم رعب سياسي وأكشن. السيناريو الذي كتبته جيسيكا غولدبيرغ وغراهام رولاند يتبع منطق السينما الأميركية في تمجيد النموذج الفردي، لكنه يتجاوزه حين يستخدم شخصية دانييل ساتون أداة لطرح أسئلة أكثر تعقيدا عن القيادة والنوع والشرعية السياسية، فالرئيسة لا تريد أن تتحول إلى "رامبو"، بل تحاول أن تظل رئيسة حتى وهي تبحث عن السيارة الرئاسية المحصنة في القبو، وتضطر للاستسلام حتى لا تفقد أطفالها وزوجها. لم تبتعد فيولا ديفيس عن ذلك النوع من الشخصيات التي تقود الفيلم والمشهد وبعض الشعوب، وهو تكرار لدورها في فيلم "المرأة الملك"، ولعل تلك الملامح ذات الشخصية القوية والعينين الواسعتين اللتين تملكان القدرة على التقلب بين الحدة والقوة والغضب، وتمتلئ حدقاتهما بالدموع في لحظة خاطفة، كل ذلك يساعدها على تجسيد دور الملكة أو الرئيسة أو حتى الأسيرة التي تحتفظ بقدرتها على المقاومة وتقود زميلاتها بأداء من طراز رفيع. لكن ما تقدمه ديفيس في "مجموعة العشرين" يتجاوز ذلك النوع من الأداء الآلي، إذ تبني الشخصية من طبقات، فثمة سياسية مثقفة وأم قلقة حزينة وقائدة تصارع الصورة النمطية، وامرأة تقتل لتنجو، لذلك نجد يدها تتردد قبل إطلاق النار في أكثر من مشهد كأنها لا تزال تؤمن بجدوى القانون حتى في معركة بلا قانون. وتصل فيولا ديفيس إلى ذروة الأداء في حوارها مع قائد المجموعة الإجرامية عبر جهاز اتصال قائلة "لست أنا من يخاف الحقيقة، أنتم من يخشى أن يسمع من امرأة". اعتمدت المخرجة باتريشيا ريجن على التكوين الثابت داخل اللقطة السينمائية على عكس أغلب أفلام الأكشن التي تستخدم الكاميرا المرتعشة باعتبارها تعبر عن فوضى الحركة في معركة بشكل أكثر واقعية. تحول الفيلم إلى ما يشبه غرفة ضغط عال، فثمة ايقاع محكوم بإيقاع الأنفاس، وثمة لقطات تزداد ضيقا كلما ضاقت الحال على الرئيسة وازداد الخطر عليها وعلى المقربين منها. وبين همس الموسيقى التصويرية التي ألفها هانز زيمر معتمدا على نوتات متقطعة تشبه نبض القلب في لحظات الخوف مع تصاعد تدريجي لا يكاد يلحظ مؤثرات بصرية لا تقدم عروضا تشبه الألعاب النارية، بل مفاجآت درامية حقيقية اكتسب الفيلم طابعا دراميا أكثر منه "أكشن" أو استعراضا. رغم صمته الظاهري فإن الفيلم لا يخلو من رسائل سياسية، فهو لا يهاجم دولا بعينها، لكنه يعرض هشاشة التحالفات، وفكرة أن الخطر لا يأتي من العدو التقليدي فقط بل من الداخل، من الغرف المغلقة التي تفتقد الشفافية. الرئيسة كامرأة سوداء تواجه تحديين: المجرم المسلح، والمؤسسة التي تراها استثناء لا قاعدة، هذا الازدواج في التهديد يُبرز كيف أن الصراع لا يكون دائما بين دولتين، بل بين صورة الذات كما يرسمها النظام وكما تُختبر في الخطر. "مجموعة العشرين" فيلم مكتوب بإحكام ومصنوع بحساسية فنية، ويحتوي أداء قويا، ورسالة حول الجسد السياسي الفاسد للدولة، ونجاح الخيانة في التسرب إلى أعلى مستويات السلطة، لكنه، وبينما يقدم رسالته لا ينسى الطابع الأصيل للسينما الأميركية، إذ يقدم سخرية هوليودية معهودة من الآخر حتى لو كان رئيس وزراء إنجلترا ويقدمه في صورة شخص ضعيف غيور، لا يملك الشجاعة ولا المنطق لمواجهة الأزمات. وإذ كانت ظلال رئاسة ترامب قد ظهرت في الخط الدرامي الرئيسي الذي يبدو فيه الصراع متحورا حول تبني الرئيسة لعملة رقمية فإن العمل يناقش بشكل أعمق إجابة السؤال عمن يستحق أن يحمل عبء تمثيل قوة البلاد وكرامتها، وهل تلك القوة مجال للفخر أو عبء مقدس يجب منحه الجهد اللازم لحمله والحفاظ عليه.


الجزيرة
٠٨-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
رحلة سياحية لعشاق "قراصنة الكاريبي".. اكتشف مواقع التصوير وسحر الأساطير الحية
لطالما أسرت منطقة البحر الكاريبي المخيلة البشرية بما تمتاز به من مياه فيروزية شفافة، وشواطئ رملية ناعمة، وجزر خضراء مورقة تبعث على السكينة. إلا أن هذا الجمال الخلاب يخفي وراءه تاريخا حافلا بالقصص والمغامرات التي نسجتها قرون من البطولات البحرية، وقصص القراصنة الذين جعلوا من البحر الكاريبي مسرحا لحكايات مدهشة. من كواليس التصوير إلى عالم المغامرة السياحية من بين الأسماء المرتبطة بعالم القراصنة الخيالي، يبرز اسم "والتي"، الذي يُعد أحد أبرز الشخصيات التي خدمت في كواليس سلسلة أفلام "قراصنة الكاريبي" (Pirates of the Caribbean). فقد عمل في شبابه إلى جانب الكابتن "جاك سبارو"، خلال تصوير الجزء الثاني من الفيلم الشهير، وشارك في تجهيز طاقم القرصان غريب الأطوار، ونقل الكاميرات والصناديق إلى مواقع التصوير في جزيرة "سانت فنسنت"، كما قدّم خدمات متنوعة للنجوم العالميين مثل "جوني ديب"، و"كيرا نايتلي"، و"أورلاندو بلوم". ذكريات "والتي" في مواقع التصوير لم تفارقه، بل ساعدته لاحقا في أداء وظيفته الجديدة. إذ يعمل حاليا ضمن طاقم السفينة الشراعية "سكاراموش"، التي كانت تُستخدم سابقا كسفينة إمداد خلال تصوير الفيلم الشهير. أما اليوم، فتقوم بنقل ركاب السفينة السياحية "ماين شيف 2" وتصحبهم في رحلة مليئة بالمغامرة على طول ساحل جزيرة "سانت فنسنت". القراصنة.. عنوان غير رسمي للرحلات البحرية نظرا لشهرته، أصبح "والتي" نجما محبوبا لدى ركاب السفينة "سكاراموش"، التي أصبحت القرصنة شعارها غير الرسمي خلال الرحلة. يرفع فيها علم القراصنة، ويؤدي دورا محوريا في توجيه السياح عبر مواقع تصوير سلسلة "قراصنة الكاريبي"، مستعرضا معهم تفاصيل المشاهد الشهيرة. ومن بين هذه المواقع، الجسر المعلق بين الصخور الذي شهد هروب "جاك سبارو" من أكلة لحوم البشر الكاريبيين، وسفح الجبل الذي تدحرج عليه القبطان داخل عجلة الماء العملاقة. ويمكن للسياح اليوم رؤية الديكورات القديمة التي ما زالت قائمة في خليج "واليلابو باي"، حيث توجد بقايا من المشاهد السينمائية، تشمل هياكل عظمية عملاقة وتوابيت استخدمت في التصوير. أجواء القراصنة لا تزال حاضرة في مقهى صغير يطل على الخليج، يُعرض فيلم "قراصنة الكاريبي" بشكل متواصل في الخلفية. وعند عودة السياح إلى السفينة السياحية، تقدم إحدى الحانات أطباقا تقليدية من الجزيرة، من بينها طبق "جامبالايا"، وهو عبارة عن حساء من الأرز يُطهى ببطء مع اللحم أو المأكولات البحرية، وهو من الأطباق التي يُعتقد أن القراصنة كانوا يتناولونها في زمن مضى. وأثناء الإبحار بين جزر الأنتيل الصغرى، خصوصا بين "سانت فنسنت" و"سانت كيتس"، قد لا يصادف السياح موضوع القراصنة بشكل مباشر، إلا أن السفينة السياحية "ماين شيف" تقدم تجربة قرصانية متكاملة. فقد أُنشئت "روضة عش القراصنة" على متنها للأطفال، وخلال الحفل المسائي عند المسبح، يشارك ممثل يؤدي شخصية "جاك سبارو"، إلى جانب نسخة طبق الأصل من شخصية "إليزابيث سوان"، بالتقاط الصور مع السياح. وفي كل ميناء تتوقف فيه السفينة، ينظّم قسم الرحلات جولات سياحية تتضمن زيارات إلى معالم حقيقية للقراصنة القدامى من القرن السابع عشر، الذين بثوا الخوف في أرجاء البحر الكاريبي، وحولوه إلى منطقة غير آمنة لفترة طويلة. قراصنة في خدمة ملوك كان بعض القراصنة يعملون لحسابهم الخاص، بينما خدم آخرون التاج البريطاني أو الفرنسي. واشتهروا بقبعاتهم التي تحمل رموز الجماجم والعظام المتقاطعة. نهبوا مئات السفن الشراعية المحملة بالفضة والأحجار الكريمة والتوابل، وهاجموا قرى ساحلية مسالمة، وسرقوا وقتلوا دون رحمة. بالنسبة لعشاق قصص القراصنة، فإن أسماء مثل "بلاكبيرد" القاسي، و"هنري مورغان" الذكي، الذي أصبح حاكما لجامايكا، أو "الكابتن كيد" الوحشي، تُعد مألوفة. أما المؤرخة المخضرمة كلوديت ليفي فارنوم، فتعرف كثيرا من القصص الأخرى، وترويها للسياح خلال جولاتهم في جزيرة "باربادوس". من بين هذه القصص، قصة سام لورد، المزارع الماكر الذي لم يبحر يوما، بل استخدم الخداع عبر إشعال أضواء كبيرة على شاطئ مزرعته، ليظن قبطان السفينة أنه يقترب من ميناء، بينما يكون في الحقيقة على مقربة من الشعاب المرجانية، ليقع فريسة سهلة بين يديه. كما تروي قصة ستيد بونيه، ابن أحد أقطاب زراعة السكر، والذي حُرم من الميراث بعد وفاة والده، فحوّل سفينته "ريفنج" إلى وسيلة للانتقام من التجار الأثرياء. ولا تزال بقايا مزرعته قائمة قرب "بريدج تاون"، كما خصص له معرض صغير في "أرلينغتون هاوس" بمدينة "سبيتستاون". تشير المؤرخة كلوديت إلى أن الدفاع ضد القراصنة كان في الغالب غير مجدٍ، كما هو الحال في قرية الصيادين "أويستينز" في باربادوس، التي تعرّضت لهجمات متكررة. ومع ذلك، صمدت القرية، واستمرت حاناتها ومطاعمها في جذب السياح من مختلف دول العالم، فيما لا تزال مدافع قديمة مغمورة في البحر تظهَر عند الجزر، شاهدة على تلك الحقبة. الاسترخاء بعد المغامرة تتميّز الرحلات البحرية في الكاريبي بروعة الطبيعة وجمال المرافئ. فبعد يوم حافل بالمغامرات على اليابسة، يعود السياح إلى السفينة ليجدوا الراحة في نادٍ صحي أنيق، أو يستلقوا على الكراسي المريحة بجانب المسبح، أو يتناولوا العشاء في مطعم فاخر أو بسيط، في مزيج من الترفيه والهدوء. ومن أبرز مزايا هذه الرحلات أنها تنقل الزوّار من مكان إلى آخر أثناء نومهم، إذ يغادرون جزيرة مساء ويستيقظون في صباح اليوم التالي على مشارف جزيرة أخرى، جالسين على شرفات غرفهم يتأملون شروق الشمس مع فنجان قهوة، في بداية جديدة لمغامرة لا تُنسى. الزمن لا يتحرك في دومينيكا تشتهر منطقة البحر الكاريبي بالنخيل والشواطئ والغابات والأنهار والشلالات، وتعد جزيرة "دومينيكا" من أبرز جزر الأنتيل الصغرى، وأكثرها تنوعا. لم يطرأ عليها تغيير كبير خلال القرنين الماضيين، ولذلك لم يكن مفاجئا أن يختارها صنّاع أفلام "قراصنة الكاريبي" موقعا لتصوير أعمالهم. يُقدّم السكان المحليون في نهر "إنديان ريفر" جولات رومانسية عبر الأدغال، باستخدام قوارب التجديف، يتوقفون خلالها عند "الكوخ المسحور" الذي ظهرت فيه شخصية "كاليبسو" وتفاوضت مع "جاك سبارو" في أحد المشاهد. على بُعد 20 كلم، يقع شلال "وادي تيتو"، الذي ظهر في الفيلم أيضا، ويجذب مئات السياح يوميا، الذين يتحدّون تياراته القوية أو يُسحبون على إطارات مطاطية من قبل رجال محليين مقابل رسوم بسيطة. ويُقال إن القراصنة أخفوا ملايين من عملة البيزو في كهوف جزيرة "دومينيكا"، لم يُعثر عليها حتى اليوم. كما يقال إن "بلاكبيرد" دفن كنزه الذهبي في جزيرة "سونا"، قبالة شواطئ ما يُعرف اليوم بجمهورية الدومينيكان. لكن السياح لا يأتون بحثا عن الكنوز، بل يأتون لاكتشاف أسرار وغموض هذه الجزر، والاستمتاع بما تبقى من إرث القراصنة الحقيقيين ونُسَخهم السينمائية، وسط أعداد كبيرة من منظمي الرحلات، وسائقي سيارات الأجرة، والمرشدين السياحيين، ومقدّمي عروض القراصنة. تسعى جماعة "أخوية القراصنة" المغامرين لإعادة بناء قرية قرصانية كاملة في جزيرة "جوادلوب"، لتكون بمثابة نصب تذكاري لزمن السادة البحريين، ورافدا لتنشيط السياحة المحلية، ونافذة على عالم الأساطير الذي لا يزال ينبض بالحياة في البحر الكاريبي.


الجزيرة
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
'لن أنساك'.. فيلم للوثائقية يحصد جائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا'
فاز فيلم 'لن أنساك'، من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج المخرج المغربي محمد رضا كزناي، بجائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا – Filmare la Storia' الإيطالي، الذي يكرّم الأفلام الوثائقية ذات البعد التاريخي والإنساني. يروي الفيلم قصة اكتشاف المخرج المغربي لشريط صوتي سجّله جده خلال مشاركته في حرب أكتوبر عام 1973، لينطلق إثر ذلك في رحلة بحث في ذاكرة منسية، يلتقي خلالها محاربين قدامى طواهم النسيان، ويعيد من خلالهم إحياء جانب مهم من التاريخ. وقد أشادت لجنة تحكيم المهرجان بالفيلم، مشيرة إلى أهمية الموضوع الذي يتناوله، والاختيار الدقيق لربط السرد بقصة عائلية انطلاقًا من أرشيف صوتي نادر، إضافة إلى التوظيف الفعّال للقطات السينمائية التقليدية والرسوم المتحركة، ما أضفى على التجربة طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا قويًا. ويأتي هذا التتويج تأكيدًا على التزام الجزيرة الوثائقية بدعم الإنتاجات الإبداعية التي تروي قصصًا من زوايا جديدة، وتعيد فتح صفحات منسية من التاريخ بروح فنية وإنسانية متميزة.