٠٣-٠٧-٢٠٢٥
ميادة سيف تكتب :مشروع جرجوب قصة نجاح استزراع التونة بمرسى مطروح
مشروع استزراع التونة الزرقاء في منطقة جرجوب غرب مرسى مطروح كأحد الركائز الاستراتيجية التي لا تمثل مجرد إضافة للقطاع السمكي، بل نقلة نوعية للثروه السمكيه بمصر
هذا المشروع، الذي يُعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط لإنتاج وتسمين وتفريخ التونة الزرقاء، بسبب الموقع الجغرافي المتميز لمصر، وتوظيف أحدث التقنيات العالمية، والاستفاده من الخبرات المتخصصة لتحقيق أقصى عائد اقتصادي وبيئي.
فمشروع جرجوب لا يهدف فقط إلى سد الفجوة المحلية في استهلاك التونة، بل يتجاوز ذلك ليضع مصر على خريطة الدول المصدرة لهذه السلعة الثمينة، مما يعزز من قدرتها على توفير العملة الصعبة وتحقيق التنمية المستدامة لقطاع الثروة السمكية ككل.
اساس الابتكار والإنتاجية :
إن النجاح المتوقع لمشروع جرجوب يرتكز على بنية تحتية متطورة وتكنولوجيا فائقة الدقة، تم تصميمها بعناية لتتناسب مع طبيعة أسماك التونة الزرقاء ومتطلبات استزراعها ليشمل المشروع 44 حوضًا مخصصة لإنتاج 280 طنًا من الأسماك البحرية المتنوعة، بالإضافة إلى 32 قفصًا بحريًا عملاقًا مخصصًا لأسماك التونة الزرقاء، بطاقة إنتاجية تبلغ 3840 طنًا في المرحلة الأولى. هذه الأقفاص، التي يبلغ قطر الواحد منها 90 مترًا وعمق 20 مترًا، صُممت خصيصًا لمقاومة التيارات البحرية القوية في مياه البحر المتوسط، مما يضمن استقرارها وسلامة الأسماك بداخلها وتبلغ طاقة القفص الواحد 120 طنًا، مما يعكس الحجم الهائل للإنتاج المستهدف.
لا يقتصر التطور التقني على الأقفاص فحسب، بل يمتد ليشمل جميع مراحل عملية الاستزراع يضم المشروع مفرخات متخصصة لإنتاج زريعة التونة الزرقاء ذات الجودة العالية، مما يضمن توفير سلالات نقية وصحية للتربية كما يعتمد نظام التغذية في المشروع على روبوتات ذكية تعمل آليًا، مما يقلل من الفاقد في الأعلاف ويرفع من كفاءة النمو، ويضمن حصول الأسماك على الكميات المناسبة من الغذاء في الأوقات المحددة.
تعتمد التكنولوجيا الأساسية للمشروع على استغلال مسارات الهجرة الطبيعية لأسماك التونة عبر المياه المصرية خلال فصلي الربيع والصيف فيتم صيد التونة المهاجرة وتسمينها في الأقفاص البحرية حتى تصل إلى أوزان تسويقية مثالية، والتي تقدر بنحو 60 كيلوجرامًا للسمكة الواحدة. هذه العملية لا تضمن فقط إنتاج أسماك ذات جودة عالية، بل تساهم أيضًا في الحفاظ على المخزون السمكي الطبيعي من خلال التحكم في أعداد الأسماك التي يتم استزراعها كما أن المشروع يراعي تطبيق معايير بيئية صارمة تتوافق مع الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية برشلونة لحماية البيئة البحرية في البحر المتوسط، مما يؤكد على الالتزام بالاستدامة البيئية جنبًا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية.
العائد الاقتصادي:
يمثل مشروع استزراع التونة في جرجوب رافدًا اقتصاديًا هائلاً لمصر، حيث يتوقع أن يحقق عوائد اقتصادية متعددة الأوجه، تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
1. تقليل فاتورة الاستيراد: كانت مصر تستورد نحو 90% من احتياجاتها من التونة المعلبة، بقيمة سنوية تقارب 400 مليون دولار أمريكي ومع بدء تشغيل مشروع جرجوب، يتوقع أن يغطي المشروع 40% من الطلب المحلي في مرحلته الأولى، مما يوفر حوالي 160 مليون دولار سنويًا من العملة الصعبة ومع التوسع المستقبلي للمشروع، يمكن لمصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي الكامل من التونة، مما يوفر مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
2. زيادة الصادرات : يفتح المشروع الباب واسعًا أمام تصدير التونة الزرقاء الطازجة عالية القيمة إلى أسواق الاتحاد الأوروبي واليابان، بقيمة متوقعة تصل إلى 120 مليون دولار سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تصدير التونة الصفراء المعلبة إلى دول أفريقيا والخليج بقيمة 80 مليون دولار، ومنتجات ثانوية مثل زيت التونة ومسحوقها، التي تستخدم في صناعة الأدوية والأعلاف، بقيمة 20 مليون دولار سنويًا
وبذلك، يبلغ إجمالي العائد المتوقع من التصدير وحده 220 مليون دولار سنويًا، مما يعزز بشكل كبير من إيرادات مصر من العملات الأجنبية.
3. تعزيز الاحتياطي النقدي وخلق فرص العمل: من المتوقع أن يحقق المشروع عائد العملة الصعبة تصل إلى 280 مليون دولار سنويًا بحلول عام 2030، وهذا التوفير يساهم بشكل مباشر في تعزيز الاحتياطي النقدي لمصر ودعم استقرار الجنيه المصري.
على الصعيد الاجتماعي : يوفر المشروع 500 فرصة عمل مباشرة في مجالات التشغيل والصيانة، بالإضافة إلى 2000 فرصة عمل غير مباشرة في الصناعات المرتبطة مثل التصنيع والتغليف والنقل، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي ويساهم في خفض معدلات البطالة في المنطقة.
4. التأثير على ميزان المدفوعات : يمثل مشروع جرجوب نقطة تحول استراتيجية في ميزان المدفوعات المصري فبدلاً من أن تكون مصر مستوردًا صافيًا للتونة، ستتحول إلى دولة مصدرة تنافس كبار المنتجين مثل تايلاند والفلبين ومع وصول الإنتاج إلى 25 ألف طن سنويًا يرتفع نصيب مصر من السوق العالمي للتونة الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار، مما يعزز الاحتياطي النقدي ويدعم استقرار الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ويساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي الكلي.
التعاون الدولي لمصر:
الالتزام باتفاقيات ICCAT (اللجنة الدولية للمحافظة على أسماك التونة الأطلسية) لإدارة مصايد التونة المستدامة، مما يؤكد التزام مصر بالمعايير العالمية في الحفاظ على الثروة السمكية كما يسعى المشروع إلى نقل الخبرة المصرية المتراكمة في هذا المجال إلى دول أفريقية مثل جيبوتي وإريتريا.
التحديات والحلول:
على الرغم من الإمكانيات الهائلة، يواجه مشروع استزراع التونة في جرجوب عددًا من التحديات التي تتطلب حلولاً مبتكرة :
• ارتفاع تكلفة الاستثمار: تُعد تكلفة إنشاء قفص واحد (5 ملايين دولار) مرتفعة نسبيًا لمواجهة هذا التحدي، يتم العمل على شراكات مع القطاع الخاص وتقديم منح ضريبية وحوافز لجذب المزيد من الاستثمارات.
• تأثير التغيرات المناخية: يمكن أن تؤثر التغيرات في درجات حرارة المياه والتيارات البحرية على نمو التونةفيتم التصدي لذلك باستخدام تكنولوجيا تعتمد على الأقمار الصناعية لرصد حرارة المياه وتحسين مواقع الأقفاص لضمان الظروف المثلى للنمو.
آفاق التوسع والرؤية المستقبلية: مصر 2030
ضمن رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، يخطط المشروع للتوسع على عدة مستويات:
إنشاء مصانع تعليب متخصصة في مرسى مطروح، مما يوفر 300 مليون دولار إضافية من العملة الصعبة، ويضيف قيمة مضافة للمنتج النهائي.
• البحث العلمي والتطوير: يجري التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية لتطوير سلالات تونة مقاومة للأمراض باستخدام تقنيات جينية آمنة، مما يضمن استدامة الإنتاج ويقلل من المخاطر البيولوجية.
توصيات لتعظيم العائد الاقتصادي
لتحقيق أقصى استفادة من هذا المشروع الواعد، يمكن تقديم التوصيات التالية:
1. إنشاء مركز وطني لأبحاث التونة بمرسى مطروح: يهدف هذا المركز إلى دعم الابتكار والتطوير المستمر في مجال استزراع التونة، وإجراء البحوث اللازمة لتحسين السلالات، وتطوير الأعلاف، ومكافحة الأمراض، وتطبيق أحدث التقنيات.
2. تطوير اتفاقيات تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي: تهدف هذه الاتفاقيات إلى إعفاء الصادرات المصرية من التونة من الرسوم الجمركية، مما يزيد من تنافسيتها في الأسواق الأوروبية ويعزز من حجم الصادرات.
3. ربط المشروع بسياحة الصيد الرياضي: يمكن استغلال وجود التونة في المنطقة لجذب سياحة الصيد الرياضي، مما يوفر مصدرًا إضافيًا للعملة الصعبة وينوع من مصادر الدخل للمنطقة.
في الختام، يمثل مشروع استزراع التونة في جرجوب إنجازًا وطنيًا بكل المقاييس، فهو ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل تحويل مصر من مستورد صافٍ للتونة الي مصدر عالمي، و يعزز المشروع من قدره توفير العملة الصعبة ويضعها في مصاف الدول الرائدة في تصدير المنتجات السمكية عالية القيمة.