logo
#

أحدث الأخبار مع #الوليدبنالمغيرة

رحلات «الوحوش» المُتكبرين
رحلات «الوحوش» المُتكبرين

الدستور

timeمنذ 2 أيام

  • منوعات
  • الدستور

رحلات «الوحوش» المُتكبرين

الطامع العنيد الذى يريد حصد كل خير الدنيا وكبشه فى يديه، مصيره التعب دون تحقيق أى شىء.. قال تعالى: «ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدًا». تشير الآيات الكريمة إلى الجحود والإنكار اللذين تعامل بهما الوليد بن المغيرة مع القرآن الكريم، رغم إدراكه أنه يحمل كلمة السماء، ومع النبى، رغم ثقته فى صدقه وأمانته وعدم افترائه على ربه وخالقه، وكيف كان السر فى ذلك هو طمعه فى أن يختاره الله تعالى لحمل رسالة الإسلام العظيمة. أشار القرآن الكريم إلى العقاب العجيب الذى توعد الله تعالى به أبناء الفصيلة الوليدية من المعاندين المكابرين الذين يريدون الاستحواذ على الدنيا، وذلك فى قوله تعالى: «سأرهقه صعودًا». يذكر «الطبرى» فى تفسيره أن الآية تشير إلى جبل من نار، يكلَّف الكافر أن يصعده، فإذا وضع يده ذابت، فإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله كذلك، ثم يشير إلى الحديث النبوى: عن أبى سعيد الخدرى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِى كَذلكَ مِنْهُ أبَدًا». لا يوجد فى الحياة أصعب من الصعود، ولا أسهل من الهبوط. الصعود يتطلب من الجسم استنفار كل طاقته وأعضائه حتى يتمكن الصاعد من التنقل من موضع إلى موضع أو من سلمة إلى سلمة على الدرج الذى يحاول صعوده حتى يصل إلى مبتغاه، والارتكان على كل طاقته النفسية حتى يستطيع امتصاص التعب الناتج عن الصعود كى يتمكن من المواصلة. فى ضوء ذلك نستطيع أن نفهم قوله تعالى: «سأرهقه صعودًا» فالصعود قرين الإرهاق، وحين يصل الإنسان إلى قمة ما يصعده، إذا به يسقط سريعًا وبمنتهى اليسر والسهولة إلى القاع، ليكون مطلوبًا منه أن يصعد من جديد، وهكذا دواليك. هل تذكر قصة «سيزيف» التى تحكى عن ذلك المتمرد على الموت والمحكوم عليه بأن يحمل صخرة كبيرة يصعد بها إلى قمة جبل ليضعها عليها، ثم يجدها تسقط إلى سفح الجبل من جديد، ليهبط وراءها سريعًا ويحملها من جديد إلى القمة، وهكذا يتكرر الفعل فيما يشبه العَدْو داخل دائرة مفرغة. لقد توعد الله أمثال الوليد بن المغيرة بعقوبة «الصعود المُرهق»، وهى عقوبة تحيق بكل طامع فى الدنيا من أجل كبش الدنيا والاستئثار بكل خير فيها لنفسه، دون أن يستوعب أنها إلى نهاية. أبناء الفصيلة الوليدية يجرون فى حياتهم جرى الوحوش فى البرية ويحصدون المكاسب والمغانم والنجاحات، ويجنون المال والنفوذ والعزوة، ويجنون مع سعيهم الجنونى الإرهاق كل الإرهاق، ويظلون كذلك حتى يسقطوا من التعب. يقول الله تعالى فى سورة «المدثر»: «إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر». تصف الآيات الكريمات الحالة النفسية والعصبية التى أصابت الوليد بن المغيرة حين استمع إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آيات من سورة «غافر»، لقد أدهشه ما يحمله النسج القرآنى من حكمة وبلاغة ومعانٍ جليلة؛ فعاد إلى قومه بغير الوجه الذى ذهب به إلى محمد. كان وجهه ينطق بالتأثر بما سمع، فأخذ يصف القرآن الكريم بعناية وإنصاف قائلًا: «والله لقد سمعت من محمد كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن. إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يُعلى عليه». ارتسمت علامات استفهام عديدة على وجوه كبار مكة أغرقت الوليد فى الحيرة والاضطراب، فسقط فى الحالة النفسية والعصبية التى تصفها الآيات الكريمات. أخذ الوليد يفكر ويقدر الأمر: هل يصادم عقله الذى أدرك عظمة القرآن الكريم وإعجازه السماوى؟ وماذا إذا فعل؟ هل سيعلن إسلامه؟ طرح السؤال على نفسه ثم قال: لا، لا أفعل، نظر إلى قومه من أهل مكة، تجهّم وتقلصت ملامح وجهه، وهم يقولون له: سحرك والله يا ابن المغيرة، فتشبث بالطوق الذى ألقوه له، فأدار ظهره لما أدركه من عظمة القرآن، وتذكر نظرته للنبى صلى الله عليه وسلم، وأخذه الكِبر حين تصور نفسه واحدًا من أتباعه، تشبث بطوق النجاة الذى ألقى له، ووصف القرآن الكريم بالسحر: «إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر». نحن أمام إنسان غلبه الكِبر، وشأن كل إنسان يستسلم لكِبره أن تصيبه تلك الحالة النفسية والعصبية التى أصابت الوليد، فتجده يتفاعل مع الحقائق التى تدهمه فجأة ويريد أن ينكرها أو يجحدها بالكِبر والاستكبار، وتجده ينظر إلى من يردد الحقيقة نظرة تعالٍ فى محاولة للتقليل منه ومن الحق الذى يحمله، ثم يدير ظهره له، ثم يثرثر بأى كلام مدعيًا أن ما يقوله هو الحق والحقيقة، رغم أنه يعلم أنه يهذى. رحلة الوليد بن المغيرة المخزومى فى الحياة هى رحلة كل متكبر، ينكر الحقائق الواضحة البينة، ويجحد نعم الله عليه، ويصده عن الحقيقة إحساسه برفض أن يكون تابعًا لحامل الحقيقة، لأنه يرى نفسه كبيرًا، ويتوجب أن يتصدر أى مشهد، وأن يحوز كل شىء، سواء كان أهلًا لذلك أو غير أهل. وقد انتهت حياة الوليد كما تنتهى حياة كل مغرور، فمات وهو الرجل الذى صمد فى الحياة لما يزيد على ٩٥ سنة ميتة عجيبة حين خدشه سهم كان «يسنّه» رجل من خزاعة، وأخذ هذا الخدش يكبر ويتغلغل فى خلاياه حتى قضى عليه، وسبحان من له الدوام.

الجوع والطمع.. وأبناء «الفصيلة الوليدية»
الجوع والطمع.. وأبناء «الفصيلة الوليدية»

الدستور

time٠٦-٠٧-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الدستور

الجوع والطمع.. وأبناء «الفصيلة الوليدية»

الوليد بن المغيرة نموذج للإنسان الذى دخل الحياة عاريًا صفر اليدين لا يملك من متاعها شيئًا فأعطاه الله تعالى المال والنجاح والشهرة والمكانة بين قومه، ومنحه الذرية و«العزوة» فعاش رأسًا لعائلة كبيرة تتمدد فروعها فى جميع الاتجاهات داخل المجتمع الذى يعيش فيه، ولعلك تتفق معى أن الشبكة العائلية كانت سببًا فى نجاح بشر كثيرين محدودى القيمة والقدرة، وخدمهم فى الحياة أن عمهم هذا وأن خالهم ذاك، أو أنهم أبناء فلان وبنات علان أو علانة وهكذا، إنه نموذج للإنسان الذى أعطاه الله نعمًا لا تحصى، ومع ذلك فهو يطمع فى المزيد، والمزيد هذا ببساطة أن يتأله هذا المغرور على الله، فيظن أن بمقدوره رسم خرائط أقدار البشر! قال تعالى فى سورة «المدثر» وهو يصف هذه الفصيلة من البشر: «ذرنى ومن خلقت وحيدًا وجعلت له مالًا ممدودًا وبنين شهودًا ومهدت له تمهيدًا ثم يطمع أن أزيد». يتوجه الخالق العظيم إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بألا يعبأ بصنف البشر الذين تصفهم الآيات ويترك له أمرهم، وسواء عممت المعنى على هذا الصنف من البشر أو خصصتها على الوليد بن المغيرة، فستجد أنها تصف مشهد دخول الإنسان الحياة عاريًا من كل شىء إلا من رحمة ربه وعظيم عطائه، كذلك كان حال «الوليد» وغيره من البشر، فقد دخل الحياة لا يملك شيئًا، لا مالًا ولا ولدًا، فرزقه الله المال والولد والثروة والنماء. ويكفى أن أقول لك، لكى تتخيل حجم الثروة التى حازها الوليد بن المغيرة، أن قريشًا كانت تجتمع كلها فيتبرع هذا ويدفع ذاك من ماله لكسوة الكعبة، فى حين كان «ابن المغيرة» يكسوها كلها من ماله، دون أن يعضله ذلك، لذلك وصفه المؤرخون بـ«العدل»؛ لأنه كان يعدل قريشًا كلها، بعبارة أخرى كان «الوليد» رجلًا يساوى قبيلة بأكملها. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كان لـ«الوليد» من الأبناء من اشتهر فى مكة ووقف إلى جواره كتفًا بكتف كرمز من رموزها وكقائد من قادتها، يكفى أن نذكر فى هذا السياق ولده خالد بن الوليد، رضى الله عنه، الذى كان أشهر قائد عسكرى فى تاريخ العرب، الرجل الذى وصفه النبى، صلى الله عليه وسلم، بـ«سيف الله المسلول». يقول «القرطبى» فى تفسيره إن الوليد بن المغيرة أنجب ١٣ ابنًا وابنة، كان منهم ٧ ذكور، أسلم منهم ثلاثة: خالد وهشام والوليد بن الوليد، وقد تمتعوا جميعًا بالشهرة والمكانة داخل قريش. الوليد بن المغيرة نموذج على الإنسان الذى أعطاه الله المال الممدود النامى الذى يتضاعف يومًا بعد يوم، ومنحه الأبناء الموهوبين القادرين على مد حبل مكانته وزيادة حجم وضعيته فى الحياة، والذين لم يقلوا عنه شهرة ونفوذًا، ليس ذلك وفقط، بل لقد مهد الله تعالى للوليد سبل العيش وجعل حركته فى الحياة منطلقة بلا عراقيل أو مصاعب. يقول «القرطبى» فى تفسير قوله تعالى: «ومهدت له تمهيدًا»: ومهدت له تمهيدًا أى بسطت له فى العيش بسطًا، حتى أقام ببلدته مطمئنًا مترفهًا يُرجع إلى رأيه. لقد أعطى الله للوليد والنماذج الشبيهة به فى الحياة من كل النعم، لكنه حرمهم نعمة «الرضا» فعاشوا جوعى ظامئين طامعين فى المزيد، رغم ما فى أيديهم. يقول الله تعالى: «ذرنى ومن خلقت وحيدًا وجعلت له مالًا ممدودًا وبنين شهودًا ومهدت له تمهيدًا ثم يطمع أن أزيد». يقول «الطبرى» فى تفسيره للآية الكريمة: وقوله: «ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ» معناه: ثم يأمل ويرجو أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته. وظنى- والله أعلم- أن المعنى غير ذلك، فالمتتبع لسيرة الوليد بن المغيرة مع الإسلام ومع نبى الإسلام يجد أنه كان يدرك أن القرآن الكريم ليس من صنع بشر، ويستوعب جيدًا عظمة الرسالة التى جاء بها الإسلام، وصدق النبى، صلى الله عليه وسلم. لم يكن للوليد مشكلة مع القرآن. وقد حدث واستمع ذات مرة إلى النبى وهو يتلو آيات من سورة «غافر»، فرجع إلى قومه ووصف ما استمع إليه قائلًا: «والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يعلى عليه». كان الوليد بن المغيرة مشدودًا للقرآن مدركًا أن مصدره السماء وليس الأرض، وكان واعيًا بنبل وإنسانية رسالة الإسلام، لكن مشكلته كانت مع النبى، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن محمد من وجهة نظره من رجال الصف الأول داخل أبرز قريتين فى الجزيرة العربية «مكة والطائف»، ولا عظيمًا من عظماء قريش أو ثقيف. وقد كانت العظمة من وجهة النظر الوليدية تتحدد فى أمرين: المال والولد، فالقوة عند أمثاله مصدرها دائمًا مادى، أما القوة الأخلاقية، والصعود بالإنسان من وهدة المادية ليحلق فى آفاق السمو الأخلاقى فلم تكن تعنيه فى شىء، فأمثاله يخلدون إلى الأرض أكثر مما يتوقون إلى السماء. يقول الله تعالى: «وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم». يفسر «الطبرى» هذه الآية الكريمة قائلًا: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش حين سمعوا القرآن: هلا نـزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين: مكة أو الطائف. ويستطرد: فقال بعضهم: هلا نـزل على الوليد بن المُغيرة المخزومى من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفى من أهل الطائف؟. المسألة واضحة كل الوضوح، لقد كان الوليد بن المغيرة يطمع فى النبوة، والمزيد الذى طمع فيه: «ثم يطمع أن أزيد» تمثل فى ميراث النبوة الذى أنعم الله به على محمد.. يقول تعالى: «الله يصطفى من الملائكة رسلًا ومن الناس»، ويقول: «أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين». أبناء «الفصيلة الوليدية» يريدون دائمًا أن يكبشوا فى أيديهم كل شىء، يسلط الله تعالى عليهم أنفسهم فلا ينظرون إلى نعم الله عليهم، بل يركزون دائمًا مع غيرهم وما اختصهم به الله تعالى من رزق؛ فيطمعون فيه ويتمنون أن ينتقل إليهم. أمثال الوليد بن المغيرة يخضعون لما يصوره لهم الشيطان بأنهم جديرون بكل شىء.. وكأن الدنيا خلقت لهم وحدهم.

العجوز الخبيث.. والحكمة المُدَّعاة
العجوز الخبيث.. والحكمة المُدَّعاة

الدستور

time٣٠-٠٦-٢٠٢٥

  • الدستور

العجوز الخبيث.. والحكمة المُدَّعاة

تأسرنى للغاية تلك الآيات من سورة «المدثر»، التى تبدأ من الآية الحادية عشرة التى تقول: «ذرنى ومن خلقت وحيدًا» حتى الآية الثلاثين، التى تقول: «عليها تسعة عشر». إنها الآيات العشرون التى يقول المفسرون إنها نزلت فى الوليد بن المغيرة المخزومى، رغم أن المتأمل لها يدرك مباشرة أن ما جاء فيها من وصف لهذا الرجل ينطبق على الكثير من البشر. أدرك «الطبرى» هذا المعنى فأشار فى تفسيره للآية التى تقول: «ذرنى ومن خلقت وحيدًا» إلى ما قاله «مجاهد» من أنها نزلت فى الوليد بن المغيرة، وكذلك الخلق كلهم. وحقيقة أن المتأمل للآيات الكريمات يدرك منذ الوهلة الأولى أنها تنطبق على أى إنسان، وليس على «الوليد» بصورة خاصة، وإن كانت شخصية ذلك الرجل وسيرتها فى الحياة تقدم نموذجًا فريدًا على شيطان الغرور، حين يلعب بعقل الإنسان ويؤرجحه فى المواقف التى يتوجب عليه الثبات فيها على رأى محدد، فيميل مع هواه أو هوى المجموع الذى يحيا وسطه حيث يميل. لم يكن الوليد بن المغيرة شخصية عادية، بل نجم من نجوم المجتمع المكى، اعتبره أفراد قومه وعشيرته حكيمًا من حكماء العرب، بسبب أقواله المتزنة وأفعاله الرصينة، والتى منها على سبيل المثال أنه حرّم الخمر على نفسه فى الجاهلية، وكان العرب يحتكمون إليه فى خلافاتهم ليقضى بينهم. ويشير «ابن الأثير» فى «الكامل فى التاريخ» إلى أن الوليد بن المغيرة كان يكنى بـ«العدل»؛ لأنه كان عدل قريش كلها حين يدفع أو يتبرع بشىء لصالح المجموع. وتذكر كتب التاريخ أن «الوليد» كان أول من بادر إلى هدم جدار الكعبة حين أراد العرب إعادة بنائها، فقد هاب الجميع أن يبدأوا بالأمر، إلا الوليد قال لهم: أنا أبدأكم به، فأخذ المعول فهدم، فتربص الناس به تلك الليلة وقالوا: ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، فأصبح «الوليد» سالمًا وغدا إلى عمله فهدم والناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس. حين بعث الله محمدًا بالحق نبيًا كان الوليد بن المغيرة قد ناهز الثمانين، كان عمره 82 سنة على وجه التحديد، لأن «ابن الأثير» يشير إلى أن «الوليد» مات فى سن 95 سنة بعد هجرة النبى بـ3 أشهر، ولو أنك طرحت منها السنوات الـ13 التى قضاها النبى فى مكة بعد البعثة، يكون عمر «الوليد» حين ظهر الإسلام 82 سنة، ولا يخفى عليك ما كان يمنحه العمر من هيبة على صاحبه داخل المجتمع المكى، فإذا أضفت إليه مجموعة السمات الفريدة التى تمتع بها «الوليد» فبإمكانك أن تستنتج الموقع المهيب الذى تمتع به بين قومه. هذا النجم المتألق داخل المجتمع المكى كان أول من دعا أهله من قريش إلى توحيد القول فى محمد بوصفه «ساحرًا». يحكى «ابن الأثير» أن «الوليد» قال لقومه: «إن الناس يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلف أقوالكم فيه، فيقول هذا: ساحرٌ، ويقول هذا: كاهنٌ، ويقول هذا: شاعرٌ، ويقول هذا: مجنون، وليس يشبه واحدًا مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه إنه ساحر لأنه يفرق بين المرء وأخيه وزوجته». وتقديرى أن الاقتراح الذى قدمه «الوليد» بتوحيد وصف النبى كـ«ساحر»- معاذ الله- كان الأشد خطرًا على صورته الذهنية، صلى الله عليه وسلم، لدى العرب. فالاقتراح سيقضى على حالة اللخبطة والتضارب التى وقع فيها أهل مكة أمام القبائل العربية التى كانت تفد إليهم أيام الحج وتسأل عن محمد، فتسمع إجابات مختلفة، وتجد من يقول عنه إنه «شاعر»، ومن يقول إنه «كاهن»، ومن يقول إنه «مجنون»، ومن يقول إنه «ساحر»، أما الأخطر فى الاقتراح فيتعلق بالوصف الذى اختاره الوليد- وصف الساحر- والحجة التى استند إليها فى الاختيار، والتى تدل على عمق فهمه للشخصية العربية، كما وصفها القرآن الكريم نفسه. ولو أنك نظرت إلى أول الأوصاف التى خلعها العرب على محمد حين سمعوا القرآن الكريم، والمتمثل فى وصف «الشاعر»، فستجد أن القرآن الكريم أثبت هذه الواقعة فى أكثر من موضع، منها قوله تعالى: «أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون». وواقع الحال أن رمى النبى بالشعر أمام العرب كان من الأمور الساذجة بمكان، لأن العرب كانوا يقدرون الشعر والشعراء، وكان الشاعر يتمتع بمكانة خاصة داخل قبيلته، وبالتالى لم يكن هذا الاتهام ينتقص من النبى أمام عرب الجزيرة العربية، بل يضيف إليه، ويجعله محل تجلة واستماع من جانب من يقتنع بالنظر إليه كشاعر. وقد نفى القرآن الكريم عن محمد وصف الشاعر.. يقول تعالى: «وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون». ولم يكن هناك وصف يفوق وصف الشاعر فى السذاجة من وصف «المجنون» الذى خلعه بعض العرب على النبى. فسيرة محمد قبل البعثة كانت تشهد على حكمته وسمو أخلاقه واتزانه الكبير، كما أن المتأمل لكلام الله يدرك منذ الوهلة الأولى إعجازه العقلانى والبلاغى والأسلوبى وكم الحكمة الذى تنطق به حروف آياته، وبالتالى كان رمى محمد بالجنون من أكثر الأوصاف التى يرفضها أى عقل راشد. قال تعالى: «وقالوا يا أيها الذى نزل عليك الذكر إنك لمجنون». ولا يقل وصف «الكاهن» سذاجة عن وصف «الشاعر»، بالنظر إلى ما تمتع به الكهان من مكانة بين العرب، كانت تهيئ من يعتقد فى النبى هذا الوصف أن يستمع إليه فى أقل تقدير ليقبل أو يرفض الرسالة التى يحملها القرآن الكريم. وقد نفى القرآن عن النبى وصف الكاهن.. يقول تعالى: «ولا بقول كاهن قليلًا ما تذكرون». كان العجوز الخبيث الوليد بن المغيرة أشد العرب دهاءً حين طلب من قريش أن توحد وصفها لمحمد أمام العرب الذين يفدون إلى مكة فى الحج ليصفوه بـ«الساحر» ويبتعدوا عن وصفه بالشعر أو الكهانة أو الجنون، لأن الأوصاف الأخيرة كانت فارغة ومعدومة القيمة فى تشويه الصورة. وتكمن الخطورة فى وصف النبى بـ«الساحر» فى النظرة السلبية التى كان يحملها العرب لكل «ساحر»، وخوفهم الشديد منه، وكراهيتهم الكبيرة لكل من يعمل بالسحر. فالساحر من وجهة نظر العربى «يفرق بين المرء وأخيه والمرء وزوجته». وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى فى قوله تعالى: «فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه». ويستدعى وصف الساحر من الذاكرة العربية أيضًا صورة نبى الله موسى الذى اتهمه معارضوه من المصريين بـ«السحر» أيضًا، بالإضافة إلى ما يثيره فى النفس العربية من أحاسيس بالخوف والكراهية والثقة فى الفشل وعدم النجاح فى التأثير على الناس، وهو أيضًا المعنى الذى أكد عليه القرآن الكريم فى قوله تعالى: «ولا يفلح الساحر حيث أتى». هل رأيت خبثًا ومكرًا وشرًا أكثر من هذا؟

مقامة أفعى الكعبة
مقامة أفعى الكعبة

موقع كتابات

time٢٢-٠٢-٢٠٢٥

  • منوعات
  • موقع كتابات

مقامة أفعى الكعبة

قررت قريش بناء الكعبة التي كانت حرزهم ومنعتهم من الناس وشرفا لهم , لأن السيول كانت تأتي من فوقها من فوق الردم الذي صنعوه , فخربه فخافوا أن يدخلها الماء , وكان رجل يقال له : مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بنيانها , وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا فأعدوا لذلك نفقة وعمالا , ثم غدوا إليها ليهدموها على شفق وحذر أن يمنعهم الله , فكان أول رجل طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة , فزعموا أنهم رأوا حية رأسها كرأس الجدي وبطنها أبيض وظهرها أسود كانت قد أقامت فيها خمسمائة عام , وقد أحاطت بالبيت رأسها عند ذنبها فأشفقوا منها شفقة شديدة , وخشوا أن يكونوا قد وقعوا مما عملوا في هلكة , وكانت الكعبة حرزهم ومنعتهم من الناس , وشرفا لهم فلما سقط في أيديهم والتبس عليهم أمرهم , قام فيهم المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فذكر ما كان من نصحه لهم , وأمره إياهم أن لا يتشاجروا ولا يتحاسدوا في بنائها , وأن يقتسموها أرباعا , وأن لا يدخلوا في بنائها مالا حراما , وذكر أنهم لما عزموا على ذلك ذهبت الحية في السماء وتغيبت عنهم , ورأوا أن ذلك من الله . وكان أبا وهب خال أبي رسول الله , وكان شريفا , أخذ حجرا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها فوثب من يده , حتى رجع إلى موضعه , فقال عند ذلك ‏‏:‏‏ (( يا معشر قريش , لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا , لا تدخلوا فيها مهر بغي , ولا بيع ربا , ولا مظلمة أحد , من الناس )) ‏‏, قال ابن إسحاق في السيرة ‏‏:‏‏ فلما بلغ رسول الله خمسا وثلاثين سنة , اجتمعت قريش لبنيان الكعبة , وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها , وإنما كانت رضما فوق القامة , فأرادوا رفعها وتسقيفها , وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة , وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة , وكان الذي وجد عنده الكنز دويكا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة , قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فقطعت قريش يده ‏‏, وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك ‏‏,‏‏ وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم وتحطمت , فأخذوا خشبها , وأعدوه لتسقيفها , وكان بمكة رجل قبطي نجار , فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحه ‏‏,‏‏ وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم , فتتشرق على جدار الكعبة , وكانت مما يهابون , وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها , وكانوا يهابونها , ‏ فبينا هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة , كما كانت تصنع , بعث الله إليها طائرا فاختطفها , فذهب بها , فقالت قريش ‏‏:‏‏ إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا , عندنا عامل رفيق , وعندنا خشب , وقد كفانا الله الحية ‏‏.‏‏ ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه , فقال الوليد بن المغيرة ‏‏:‏‏ أنا أبدؤكم في هدمها , فأخذ المعول , ثم قام عليها , وهو يقول ‏‏:‏‏ اللهم لم ترع – قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ لم نزغ – اللهم إنا لا نريد إلا الخير ‏‏,‏‏ ثم هدم من ناحية الركنين , فتربص الناس تلك الليلة , وقالوا ‏‏:‏‏ ننظر , فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت , وإن لم يصبه شيء , فقد رضي الله صنعنا , فهدمنا ‏‏, ‏‏فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله , فهدم وهدم الناس معه , حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس , أساس إبراهيم , أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها بعضا ,ثم إن قريشا جزأت الكعبة , فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة , وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم , وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم , ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي , وكان شق الحجر لبني عبدالدار بن قصي , ولبني أسد بن عبدالعزى بن قصي , ولبني عدي بن كعب بن لؤي , وهو الحطيم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية , فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود , فإذا هو ‏‏:‏‏ أنا الله ذو بكة , خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض , وصورت الشمس والقمر , وحففتها بسبعة‏ أملاك حنفاء , لا تزول حتى يزول أخشباها , مبارك لأهلها في الماء واللبن , (( قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أخشباها ‏‏:‏‏ جبلاها )) , وقال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه ‏‏:‏‏ (( مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل , لا يحلها أول من أهلها )) , ‏‏‏‏وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي بأربعين سنة , إن كان ما ذكر حقا , مكتوبا فيه ‏‏:‏‏ (( من يزرع خيرا يحصد غبطة , ومن يزرع شرا يحصد ندامة , ‏‏ تعملون السيئات , وتجزون الحسنات ‏‏, أجل , كما لا يجتنى من الشوك العنب )) ‏‏.‏‏ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ , قَالَ : لَمَّا هَدَمَ الْحَجَّاجُ الْكَعْبَةَ , فَرَّقَ النَّاسُ تُرَابَهَا , فَلَمَّا صَارُوا إِلَى بِنَائِهَا , فَأَرَادُوا أَنْ يَبْنُوهَا خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ حَيَّةٌ , فَمَنَعَتِ النَّاسَ الْبِنَاءَ , حَتَّى هَرَبُوا , فَأَتَوُا الْحَجَّاجَ , فَأَخْبَرُوهُ , فَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَنَعَ بِنَاءَهَا , فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ نَشَدَ النَّاسَ , وَ قَالَ : (( أَنْشُدُ اللَّهَ عَبْداً عِنْدَهُ مِمَّا ابْتُلِينَا بِهِ عِلْمٌ لَمَّا أَخْبَرَنَا بِهِ )) , قَالَ : فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ , فَقَالَ : إِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمٌ فَعِنْدَ رَجُلٍ رَأَيْتُهُ جَاءَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَخَذَ مِقْدَارَهَا ثُمَّ مَضَى , فَقَالَ الْحَجَّاجُ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ , فَقَالَ : مَعْدِنُ ذَلِكَ , فَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , فَأَتَاهُ , فَأَخْبَرَهُ مَا كَانَ مِنْ مَنْعِ اللَّهِ إِيَّاهُ الْبِنَاءَ , فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : (( يَا حَجَّاجُ , عَمَدْتَ إِلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ فَأَلْقَيْتَهُ فِي الطَّرِيقِ , وَ انْتَهَبْتَهُ كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّهُ تُرَاثٌ لَكَ , اصْعَدِ الْمِنْبَرَ وَ انْشُدِ النَّاسَ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً إِلَّا رَدَّهُ )) , قَالَ : فَفَعَلَ , فَأَنْشَدَ النَّاسَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْ‏ءٌ إِلَّا رَدَّهُ , قَالَ : فَرَدُّوهُ , فَلَمَّا رَأَى جَمْعَ التُّرَابِ , أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ , فَوَضَعَ الْأَسَاسَ , وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا , قَالَ : فَتَغَيَّبَتْ عَنْهُمُ الْحَيَّةُ , وَ حَفَرُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْقَوَاعِدِ ,قَالَ لَهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: (( تَنَحَّوْا )) , فَتَنَحَّوْا , فَدَنَا مِنْهَا , فَغَطَّاهَا بِثَوْبِهِ , ثُمَّ بَكَى , ثُمَّ غَطَّاهَا بِالتُّرَابِ بِيَدِ نَفْسِهِ , ثُمَّ دَعَا الْفَعَلَةَ , فَقَالَ : (( ضَعُوا بِنَاءَكُمْ )) , فَوَضَعُوا الْبِنَاءَ , فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ حِيطَانُهَا أَمَرَ بِالتُّرَابِ فَقُلِّبَ فَأُلْقِيَ فِي جَوْفِهِ , فَلِذَلِكَ صَارَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعاً يُصْعَدُ إِلَيْهِ بِالدَّرَجِ

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store