منذ 5 أيام
هل يُفسّر اضطراب الشخصية مشاكلك اليومية؟ دراسة توضح
أوضحت دراسة حديثة أن سمات الشخصية قد تُشكّل الرابط الأساسي بين تجارب الطفولة السلبية والمشكلات التي يواجهها الأفراد في مرحلة البلوغ، مثل صعوبة إدارة الحياة اليومية أو الحفاظ على العلاقات. وتشير النتائج إلى أن أنماط التربية القاسية، كالإهمال أو التحكم الزائد أو الإساءة، قد تترك أثرًا طويل الأمد يظهر في سمات الشخصية، لا سيما ضعف الضمير والانضباط الذاتي.
الدراسة التي أعدّها كل من شارلوت كينراد وويليام هارت وبيتر كاستانيا، ونُشرت تحت عنوان "The Lasting Effects of Bad Parenting: Effects of Dysfunctional Parenting on Functional Impairment Through Antisocial Personality" في مجلة Psychological Reports، أظهرت أن هذه السمات قد تكون السبب في تكرار أنماط الفشل أو التحديات في حياة البالغين الذين نشؤوا في بيئات أسرية مضطربة.
لكن الباحثين أكدوا أن هذه النتائج لا تعني وجود علاقة سببية مؤكدة، إذ تعتمد الدراسة على تذكّر المشاركين لتجارب الطفولة، وهو أمر قد يتأثر بعوامل عديدة مثل تشوّه الذاكرة، كما أن طبيعة الدراسة العرضية لا تتيح تتبّع تطور هذه المشكلات عبر الزمن، ما يدعو إلى إجراء أبحاث طويلة الأمد لفهم هذه العلاقة بشكل أدق.
تضمنت الدراسة عينة من 446 بالغًا من مختلف الولايات الأمريكية، بمتوسط عمر 46 عامًا، حيث أجاب المشاركون عن استبيانات تتعلّق بذكرياتهم حول أساليب تربية الأبوين قبل سن السادسة عشرة، إلى جانب تقييمات نفسية تقيس السمات الشخصية الحالية، ومستوى الأداء في مجالات الحياة اليومية.
هل يُفسّر اضطراب الشخصية مشاكلك اليومية؟ دراسة توضح - shutterstock
ركز الباحثون على ثلاثة أنماط من التربية السلبية: الإهمال العاطفي، والإساءة اللفظية أو الجسدية أو الجنسية، والمراقبة المفرطة. كما قاسوا سمات مثل السايكوباتية (اللامبالاة، الاندفاع، عدم احترام القواعد) والسادية، إلى جانب السمات العامة مثل الضمير الحي والقبول الاجتماعي.
الأمهات هنّ الأكثر تأثيرًا.. لكن الضمير هو المفتاح
أظهرت الدراسة أن الأفراد الذين نشؤوا في بيئات أسرية قاسية، لا سيما من جهة الأم، كانوا أكثر ميلًا لتبنّي سمات شخصية سايكوباتية في مرحلة البلوغ، وهو ما انعكس سلبًا على قدرتهم في العمل، والعلاقات الاجتماعية، وإدارة شؤونهم اليومية.
لكن اللافت أن هذا الرابط تلاشى عندما أخذ الباحثون في الحسبان السمات الشخصية الأوسع، وتحديدًا مستوى الضمير، الذي تبيّن أنه العامل الأكثر تأثيرًا في تفسير العلاقة بين الطفولة السلبية وصعوبات الحياة لاحقًا.
ويُقصد بالضمير (conscientiousness) في علم النفس مجموعة من الصفات مثل القدرة على التنظيم، وضبط النفس، والتخطيط، والاعتماد على النفس. وقد أظهرت نتائج سابقة أن انخفاض هذا المؤشر يرتبط بسلوكيات سلبية مثل الإدمان، البطالة، والتصرفات المندفعة والخطرة.
اقرأ أيضًا: دراسة جديدة تؤكد وجود ذكريات الطفولة المخزنة في الدماغ منذ الصغر
كما بيّنت الدراسة أن هذا التأثير يختلف بين الجنسين؛ إذ ظل الرابط بين التربية القاسية والسايكوباتية واضحًا لدى الرجال فقط، وهو ما ينسجم مع أبحاث سابقة تشير إلى أن الرجال غالبًا ما يستجيبون للبيئات القاسية بسلوكيات خارجية مثل العنف أو الانسحاب العاطفي، بينما تتخذ النساء استجابات مختلفة.
ورغم أن الباحثين قاسوا أساليب الأمهات والآباء على حد سواء، فإن تأثير تربية الأم كان هو الأوضح في النتائج، وهو ما قد يُعزى إلى الدور الأكبر الذي تؤديه الأمهات في التنشئة، أو إلى تحيّزات في استرجاع الذكريات. وقد دعت الدراسة إلى مزيد من الأبحاث التي تأخذ في الاعتبار الديناميكية الأسرية بأكملها.