منذ 5 أيام
تمارين التنفس تخفف التوتر فورًا.. دراسة تؤكد الفعالية النفسية
أظهرت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة Psychological Reports أن مجرد ممارسة تمرين تنفس بطيء لمدة ثلاث دقائق يمكن أن تعزز قدرة الفرد على التحكم في انفعالاته السلبية. ووفقًا لنتائج الدراسة، أفاد المشاركون بأنهم شعروا بارتياح نفسي وانخفاض في مستويات التوتر بعد مشاهدة صور مزعجة فور الانتهاء من التمرين.
ويُعد تنظيم المشاعر عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على الصحة النفسية، في حين يرتبط ضعف هذه القدرة بظهور اضطرابات مثل القلق والاكتئاب. وتشير الدراسات إلى وجود علاقة ثنائية الاتجاه بين التوتر وصعوبة السيطرة على المشاعر؛ إذ يؤدي ارتفاع مستويات التوتر إلى إضعاف القدرة على التنظيم العاطفي، في الوقت ذاته يُفاقم ضعف هذه القدرة من حدة التوتر النفسي.
وأوضح الباحثون أن هذا التأثير يتم عبر مسار بيولوجي يُعرف بمحور "تحت المهاد – الغدة النخامية – الغدة الكظرية"، وهو النظام المركزي لاستجابة الجسم للتوتر. فعند التعرّض للضغط، يُفرز هذا المحور هرمونات مثل الكورتيزول، والتي تعيق بدورها وظائف التفكير العليا، خاصة في القشرة الجبهية للدماغ المسؤولة عن اتخاذ القرار والانضباط الذاتي، مما يُضعف السيطرة العقلانية على المشاعر ويجعل الاستجابة الانفعالية أكثر اندفاعًا.
تنفس بطيء.. تأثير فوري
استنادًا إلى هذه الآلية البيولوجية، رجّح الباحثون أن خفض استجابة الجسم للتوتر من خلال التنفس البطيء قد يُسهِم في تحرير الموارد الذهنية اللازمة لتعزيز القدرة على التحكم الانفعالي. ويُفعَّل هذا النوع من التنفس الجهاز العصبي اللاودي، المسؤول عن تهدئة الجسم، عبر تنشيط العصب المبهم الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم ضربات القلب ووظائف داخلية أخرى.
اقرأ أيضًا: دراسة تكشف فوائد مذهلة للنعناع
وفي إطار الدراسة، أجرى الباحثون تجربة شملت 13 طالبًا جامعيًا يبلغ متوسط أعمارهم نحو 21 عامًا. خضع كل مشارك لجلسَتين منفصلتين بفاصل زمني تراوح بين أسبوع وأسبوعين، وتضمنت كل جلسة مهمة لإعادة التقييم المعرفي للمشاعر من خلال عرض صور سلبية وأخرى محايدة، مصحوبة بتعليمات صوتية تدعو إما إلى "تعزيز" أو "كبح" أو "الحفاظ على" الاستجابة العاطفية.
وكان الفارق الجوهري بين الجلستين هو إدخال تمرين "التنفس الصندوقي" في إحدى الجلسات قبيل بدء عرض الصور. وقد استمر التمرين ثلاث دقائق، تضمن خلالها مراحل محددة: شهيق لمدة أربع ثوانٍ، حبس للنفس ثلاث ثوانٍ، زفير لأربع ثوانٍ، ثم حبس للنفس مرة أخرى ثلاث ثوانٍ، في دورة متكررة.
قياسات علمية دقيقة
عقب عرض كل صورة، طُلب من المشاركين تقييم استجابتهم الشعورية باستخدام مقياس بصري يُعرف باسم Self Assessment Manikin، لقياس مستوى الانزعاج أو الهدوء الذي شعروا به، إلى جانب تقدير مدى نجاحهم في تطبيق تعليمات إعادة التقييم المعرفي للمشاعر.
وكشفت النتائج أن تمرين التنفس بمفرده كان كافيًا لتقليل حدة الانفعالات السلبية الناتجة عن الصور، حتى في الحالات التي لم يُطلب فيها كبح المشاعر؛ إذ صنّف المشاركون الصور على أنها أقل إزعاجًا، وشعروا بهدوء أكبر مقارنةً بالحالة الضابطة.
أما النتيجة الأبرز فكانت في قدرة المشاركين على كبح مشاعرهم السلبية. ففي الجلسة التي لم تتضمن تمرين التنفس، عبّر المشاركون عن ضعف في التحكم بتلك المشاعر. في المقابل، وبعد ممارسة تمرين التنفس، أظهروا نجاحًا متساويًا في أداء المهام الثلاث: تعزيز الاستجابة العاطفية، كبحها، أو الحفاظ عليها، ما يشير إلى تحسّن فوري في قدرتهم على السيطرة الانفعالية وثقتهم في أنفسهم.
وأشارت الدراسة أيضًا إلى فائدة إضافية لدى الأشخاص الذين يُظهرون ميولًا لتجنّب المحفزات السلبية، بناءً على مقياس نظام الكف السلوكي (Behavioral Inhibition System). إذ أصبح هؤلاء أكثر قدرة على التعامل مع الصور المزعجة بعد ممارسة تمرين التنفس، ما يُرجّح أن هذا النوع من التمارين يمنحهم إحساسًا أكبر بالأمان، ويُسهّل عليهم مواجهة مشاعرهم بدلًا من الهروب منها.
ورغم هذه النتائج المبشّرة، لفت الباحثون إلى بعض القيود في الدراسة، أبرزها صِغر حجم العينة التي اقتصرت على 13 مشاركًا فقط. كما أشاروا إلى ما يُعرف بـ"تأثير الأرضية"، وهو أن تمرين التنفس كان فعّالًا لدرجة جعل مستويات التوتر منخفضة للغاية، الأمر الذي صعّب قياس الأثر الإضافي لاستراتيجية إعادة التقييم المعرفي.
وأوصى الباحثون بتكرار التجربة على نطاق أوسع مستقبلًا، باستخدام عينات أكبر ومحفزات انفعالية أقوى، إلى جانب تتبع مؤشرات فسيولوجية مثل تباين معدل نبض القلب، للتأكد من ارتباط هذه النتائج بنشاط الجهاز العصبي اللاودي.
وخلصت الدراسة إلى أن تمارين التنفس البسيطة قد تُعد أداة عملية وفعالة لتحسين السيطرة على الانفعالات، وتعزيز الأداء الذهني حتى في المواقف التي تتسم بالضغط أو التوتر.