منذ 2 أيام
"حاجات من زمن فات" يرصد حكاية أول إعلان تليفزيوني في مصر
يرصد الكاتب زياد فايد في كتابه "كانت أيام.. حاجات من زمن فات"، تحولات المجتمع المصري من زوايا تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تعكس تغيرات عميقة في الوعي والثقافة والسلوك اليومي.
ومن بين أبرز هذه الحكايات، قصة الإعلان التليفزيوني في مصر، والتي يصفها: "كمرآة تكشف كيف انتقلت مصر من زمن "ننوسة" والمنتجات المحلية البسيطة، إلى عالم الإعلان الحديث الذي بات يشارك فيه نجوم الصف الأول، ويؤثر في إيقاع التلفزيون نفسه، بل وحتى في شكل الخطاب السياسي.
ويشير 'زياد' إلى أنه رغم أن البث التلفزيوني في مصر بدأ في منتصف عام 1960، فإن الإعلانات التجارية لم تدخل البيوت المصرية عبر الشاشة الصغيرة إلا في مطلع السبعينيات، وكان أول إعلان تلفزيوني مصري قد ظهر عام 1970، من ابتكار قسم العرائس والكارتون، وكانت بطلته دمية شعبية مصرية تدعى "ننوسة"، من تصميم زينب إسماعيل، شويكار زكريا، ابتسام فرج، وضيائي صالح.
حققت "ننوسة" نجاحا غير مسبوق، وأصبحت من الشخصيات المحببة لدى الجمهور، الذي تقبل منها كل ما كانت تعلن عنه، في تلك الفترة كانت الإعلانات قليلة للغاية، والمنتجات بالكامل محلية.
زمن الانفتاح.. ونهاية عصر "ننوسة"
ويتابع: مع دخول عصر الانفتاح الاقتصادي، اكتسحت الشركات الأجنبية الأسواق المصرية، ومعها إعلاناتها الجاهزة شيئًا فشيئًا، تراجعت "ننوسة" واختفت لصالح عرائس بشرية أكثر حداثة، لكن بلا روح مصرية، غابت اللمسة المحلية، وظهر الكمبيوتر والجرافيك في الواجهة.
لم يكن السبب في تراجع فن الإعلان المحلي ضعف الموهبة، بل غياب الإمكانيات، فلو أتيحت لفناني قسم العرائس والرسوم المتحركة إمكانيات إنتاجية وتقنية مناسبة، لاختلف المشهد كثيرا، لكن بعد ظهور شركات الإعلانات الخاصة، بدأت تمول التلفزيون بالإعلانات الجاهزة، ولم يعد ينتج إعلانا كفن، بل مجرد "مساحة عرض" لما يصنع في الخارج.
الإعلانات الأولى.. ونجومها
من أوائل الإعلانات التي ظهرت في بداية السبعينيات: إعلان "هناء وشيرين" عن غذاء الأطفال "ريري"، ثم إعلان "شوف العقد شوف الشراشيب" عن موكيت كاربت سيتي.
ويلفت إلى أن: كان من أبرز نجوم تلك المرحلة:
البارودي، إبراهيم رجب، سمير حبيب
الشعراء: جمال عبد العزيز، رضا أمين
الملحنون: عبد المنعم الموجي، سيد مكاوي
المخرجون: فهمي عبد الحميد، طارق نور، حسام مهيب الشحري
المطربون: عبد العزيز محمود، سيد الملاح، أحمد عدوية
كما ظهر في تلك الفترة صوتان شابان اكتشفهما طارق نور وطارق الكاشف، وهما: هشام عباس، وعالية، وكانا نجمي إعلانات كاربت سيتي.
أما على مستوى الإعلانات الصوتية، فقد برز أسماء مثل:
سناء منصور، إيناس جوهر، عمر الشريف، محمد شاكر، د. عادل هاشم، والإعلامي أحمد سمير.
الإعلان والاقتصاد.. الأسعار بالأرقام
عام 1973: الإعلان المحلي على القناتين الأولى والثانية بلغ 65 جنيها للدقيقة
عام 1978: الإعلان الأجنبي بلغ 900 جنيه للدقيقة
عام 1992: ومع انطلاق الفضائية المصرية، أصبح الإعلان المحلي بـ 2200 جنيه للدقيقة، بينما بلغ الإعلان الأجنبي ما يعادل 7138 جنيها
عام 1973 وحده، حققت الإعلانات إيرادات بلغت من 912 إلى 607 آلاف جنيه
نجوم الزمن الجميل في الإعلانات
ويرصد الكاتب: "الاستعانة بالفنانين في الإعلان تعود لأكثر من 70 عاما، حين كانت شركات التجميل والصابون تتهافت على نجوم السينما:
أم كلثوم: إعلان صابون نابلسي شاهين
فاتن حمامة: إعلان مسحوق غسيل
فريد الأطرش: إعلان زيت قلي
سميرة أحمد: إعلان عطور
مديحة يسري، ماجدة: إعلان صابون حمام
مريم فخر الدين: إعلان عن الأسبرين
نعيمة عاكف: إعلان "الفيسبا" وسط حدائق القناطر
ومع دخول الكوكاكولا إلى مصر عام 1954، شارك في الحملة: محمد فوزي، مديحة يسري، برلنتي عبد الحميد، كريمان، ثريا حلمي.
ثم جاءت فترة السبعينيات والثمانينيات، لتشهد بروز موديلات إعلانات تحولن لاحقا إلى نجمات، مثل: سحر رامي، ياسمين عبد العزيز، رحاب الجمل، علا رامي، هبة كامل.
أما في العصر الحديث، فقد عاد نجوم الصف الأول إلى الإعلانات:
عمر الشريف، عمرو دياب، يسرا، شريهان، جورج قرداحي، حسين فهمي، فؤاد المهندس، سناء جميل، هشام سليم، حكيم، جميل راتب، أحمد السقا، المنتصر بالله، سعاد نصر، هاني شاكر، عبلة كامل.
ويذكر أن بعض النجوم حصلوا على أجور ضخمة وصلت إلى مليون جنيه في الإعلان الواحد، كما حدث مع عمر الشريف ويسرا.
ومع ذلك، لا تزال بعض النجمات مثل ميرفت أمين، ليلى علوي، إلهام شاهين ترفضن الظهور في الإعلانات، معتبرات أنها "سبوبة" لا تليق بمكانتهن الفنية.
ماذا فعل الإعلان بالتلفزيون؟
ويضيف: تطور الإعلان أثر بوضوح في شكل ومحتوى التلفزيون المصري، فقد ساهم في إطالة ساعات البث، فبعد أن كان البث لعدة ساعات يوميا، أصبح يمتد 24 ساعة.
لكن هذا لم يأت دون ثمن، فقد سحب الإعلان من التلفزيون دوره التثقيفي لصالح الترفيه، وأثر على نشرات الأخبار، التي باتت سريعة وتخضع للإيقاع الإعلاني، حتى في المسلسلات الدرامية، أصبح الحوار والمونتاج يبني على الفواصل التجارية.
حتى الخطاب السياسي لم يسلم من التأثير، فتحول إلى جمل قصيرة صادمة ومباشرة، تشبه أسلوب الإعلانات.
في الستينيات، فكان الإعلان بسيطا ومباشرا، ومع الوقت، تغير التصور عن التلفزيون، وأصبح ينظر إليه كوسيلة ترويج واستعراض، لا كنافذة حقيقية على الواقع.
ويشدد علي: أما في الثمانينيات، ظهرت فلسفة جديدة: "الإبداع في الإعلان يولد الإغراء، والإغراء يخلق المتعة، والمتعة تحرر خيال المشاهد".