logo
#

أحدث الأخبار مع #والحلفالأطلسي

المقاتلة "أف-35" ... رمز التفوق الأميركي
المقاتلة "أف-35" ... رمز التفوق الأميركي

Independent عربية

time٠٢-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

المقاتلة "أف-35" ... رمز التفوق الأميركي

رجحت الصحف رجحان كفة طائرة "أف-35" في الحملة الإسرائيلية على إيران، وكرت سبحة الإعلانات الإيرانية عن إسقاط مقاتلات "أف-35". وفي غياب أرقام رسمية، لاحظ مراقبون أن كلاً من إيران وإسرائيل خاضتا حرباً مختلفة، فالأولى شنت عشرات الغارات الجوية يومياً خلال حرب الـ12 يوماً وكانت قدراتها محكومة بعتادها الجوي العسكري وقدرته على قطع المسافة إلى إيران. والأخيرة أدركت أن إسرائيل عاجزة عن شن الغارات على مدى النهار، وتضطر إلى العودة أدراجها إلى قواعدها للتزود بالوقود مساء، فتشن إيران إذاك هجمات صاروخية. ونشرت "لوموند الفرنسية" تقريراً بقلم أربعة من مراسليها، نيكولا بورسييه وإلزا كونيزا وسيستيل ديكورتييه وآن ماري تناول طائرة "أف-35". والحق أن مقاتلة الشبح الأميركية عصارة أحدث التكنولوجيات، تتولى تجهيز 13 جيشاً أوروبياً، وتمتحن السيادة التي تنشدها الدول الأوروبية منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض. واحتفت النرويج أخيراً بامتلاك أسطول كامل من طائرات "أف-35"، أي 52 طائرة اعتراض، بعد 17 عاماً من الانتظار، ولقاء 8 مليارات دولار من الاستثمارات. ولكن جراء التقارب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدت الخطب المتبادلة جوفاء في هذا اليوم من الربيع، وفي بلد تتهدده عدوانية موسكو العسكرية مباشرة وعاجلاً. وخطب رئيس الأركان النرويجي كيريك كريستوفيرسون، في الحفل، فقال "تسهم 'أف-35' (...) في تقوية ردع الأعداء المحتملين. وقد شاهدنا كيف تقوم طائرات 'أف-35' بدعم عمليات البحرية، والقوات البرية، والحلف الأطلسي على وجه الخصوص". وتنوه الإشادة بالحلف الأطلسي بمشاركة طائرات "أف-35" النرويجية، منذ 2020، في طلعات شركات سلاح الجو الأطلسية التي تتولى حماية فضاء بلدان الشمال من تسلل سلاح الجو الروسي. والحق أن النرويج، شأن الدول الـ12 الأوروبية الأخرى التي اختارت شراء هذا الطراز من الطائرات الحربية في الأعوام الأخيرة، أصابها بالدوار انقلاب موقف واشنطن من موسكو. قيود الارتهان وشراء الـ"أف-35" عقد من العسير التملص من تبعاته وشروطه. وبعض أوساط السياسات الدفاعية تسمي عقد الشراء بعبارة "تينا" التي كانت تستعملها رئيسة وزراء بريطانيا، مرغريت تاتشر (1979-1990)، وهي مؤلف من الحروف الأولى من قولها "ذير آر نو ألتيرنتيف" (لا بديل... من الرأسمالية نظاماً اقتصادياً فاعلاً). وتعد الطائرات الاعتراضية، في جيوش العالم كلها بين أغلى التجهيزات كلفة، وأشدها إلزاماً بشراء تجهيزات أخرى مناسبة واستتماماً لها. وهي تتوسط حزاماً من الصناعات الرقمية المحلقة بها، ومن الوكالات الصناعية المنتشرة في أنحاء العالم. ويجعل منها شكلها الفريد، وأسلحتها المحفوظة في جيوب مندمجة في بنيتها، الطائرة الغربية الوحيدة التي يصدق وصفها بـ"الشبح"، أي بالخفاء على رصد دفاعات العدو الفضائية المضادة. وسمتها الفارقة الأخرى هي تبعيتها لمعطيات تتولى الولايات المتحدة الإشراف عليها. فيقتضي إعداد مهامها من طياريها أن يرسلوا خطط الطيران إلى قواعد البيانات الأميركية. وتتولى مراكز أميركية مؤتمتة السهر على الخوارزميات المحملة وعلى استجابة طلبات بدائل القطع المستهلكة. وجرت العادة على حفظ هذه الأمور، حتى بين الحلفاء، سراً، على خلاف ما يمليه عقد شراء طائرات "أف-35". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويرى كثر في القيد الرقمي هذا أداة تتيح للأميركيين الحيلولة دون تحليق هذه الطائرات. ودأبت شركة لوكهيد مارتين، ومعها خبراء الصناعة الفضائية العسكرية على إنكار وجود مثل هذا القيد. والحق أن طائرات "أف-35" تولي الولايات المتحدة ما يشبه الحق في الرقابة على معطيات تتشاركها واشنطن مع حلفائها، على رغم دعوى هؤلاء في استقلالهم وحرية تصرفهم. وعليه، في غضون أشهر قليلة وعشية قمة حلف الأطلسي السنوية في لاهاي، بين الـ21 والـ24 من يونيو (حزيران) الماضي، أمست طائرة "أف-35" علماً على ارتهان القارة الأوروبية للشقيق الأميركي الكبير، على ما خلص تقرير "لوموند". فهي تجسد حدود استقلال الدفاع الأوروبي، الذي كثيراً ما مدحه إيمانويل ماكرون، بينما تقصر طائرة "رافال" الفرنسية، و"غريبين" السويدية عن مضارعة الطائرة الأميركية ومنافستها على الصعيد التقني، بحسب المتخصصين. ويفاقم تلويح دونالد ترمب بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، ومن الدفاع الأوروبي الجماعي، من مرارة شركائها، ويبلغ اليوم عدد المنتظمين في برنامج "أف-35" بأوروبا، 13 بلداً هي المملكة المتحدة، وإيطاليا، وألمانيا، وهولندا، وبلجيكا، وفنلندا، والنرويج، والدنمارك، وبولندا، ورومانيا، واليونان، وسويسرا، وجمهورية تشيخيا. وهذه سوق كبيرة لشركة لوكهيد مارتين التي تبيع آلاتها إلى إسرائيل، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وأستراليا، والإمارات العربية. تشارك الأكلاف ويعود إطلاق برنامج "أف-35" رسمياً، في أوروبا، إلى عام 2001. وكانت الولايات المتحدة تبحث، منذ أعوام، عن وسيلة تمويل نموذج جديد من الطائرات، يسعها تجهيز ثلاثة فيالق من جيوشها: البحرية الأميركية، والقوات الجوية، ومشاة البحرية (المارينز). وبدت الكلفة ضخمة. وكانت قيمة الفاتورة بلغت، يومذاك، 1500 مليار دولار (1300 مليار يورو) بحسب تقرير مجلس المحاسبة الأميركي في 2024. ومن يومها، لا يتستر المهندسون الأميركيون على أن البرنامج طويل الأمد، من جهة، ولن يسمح الأميركيون للشركاء بنقل تكنولوجيته المعقدة إلا في أضيق الحدود. ولكن الثمرة الموعودة مغرية، وهي صناعة أول طائرة شبح في العام معاً. وطرحت فكرة البرنامج في ظرف موات للولايات المتحدة وحججها. فمنذ 1975، يستعمل "ثاد" من البلدان الأوروبية طائرات معترضة أوروبية أميركية، من طراز "أف-16"، هي هولندا، وبلجيكا، والنرويج، وفنلندا، والدنمارك. وانضمت اليونان إلى النادي، في 1989، وحذت البرتغال حذوها في 1990. وهذه البلدان جميعاً أبدت بالغ ارتياحها إلى هذه الطائرة المتعددة الوظائف التي تصنعها "جنرال ديناميكس". وإلى ذلك كان برنامج "أف-16"، على شاكلة برنامج "أف-35" لاحقاً، ينهض على شبكة وكالات صناعية منتشرة في عدد من البلدان، تلافياً لارتفاع الكلفة الذي يسابق زيادة نسبة التضخم ونسبة النمو، على ما برهن "قانون أوغيستين"، مساعدة وزير الجيش الأميركي في 1984. وكان نورمان أوغيستين هذا، توقع في ضوء مقارنة أثمان الطائرات الحربية المقاتلة منذ 1910، أن تعجز موازنة الدفاع كلها عن شراء أكثر من طائرة واحدة عام 2054. وتجنباً لتعاظم الأكلاف المنتظر والمحتوم هذا، سعى الأوروبيون في التكاتف والشراكة. فانضمت جمهورية ألمانيا الفيدرالية إلى إيطاليا والمملكة المتحدة، وتعاهدت البلدان الثلاثة على صناعة طائرة تورنادو معاً. وفي أوائل أعوام 1980، قررت بون ولندن ومدريد وروما، مجتمعة، إطلاق "اليوروفايتر تايفون". وتولت صناعتها EADS (إيدز)، مجمع شركة "بي أي إي سيستمز" البريطانية، والإيطالية "ليوناردو". واستقلت باريس وستوكهولم ببرنامجهما. وتوسلت السويد بخبرة شركة ساب فصنعت، وحدها، طائرة غريبن. وحرصت فرنسا على استقلال ردعها النووي. وعلى هذا، تولت شركة داسو صناعة طائرة رافال، في 1982. وأعملت واشنطن في صناعة "أف-35" كل رافعات قوتها العظمى السياسية والعسكرية- الصناعية. وفي أعقاب 25 عاماً على انطلاقه، نسج البرنامج شبكة واسعة من الوحدات الملحقة، والعسيرة على التملص من قيود المركز الأميركي وروابطه. ويذكر جان كريستوف نويل، الباحث في المركز الدولي للبحوث الاستراتيجية (JFRI)، بأن طائرة اعتراضية ليست براداً يوصي عليه المشتري ويستبدله، فهي مركب معقد، سياسي وجيوسياسي. والمشتري يقتني معه شراكة استراتيجية إلى 50 عاماً مقبلة، على أقل تقدير، إذا جمعت أعوام التخطيط والتطوير والإنتاج، إلى أعوام الاستعمال قبل إحالتها إلى التقاعد. العزم على الانحناء واليوم، بعدما ثارت المناقشات حول تقارب واشنطن وموسكو في سبيل إنهاء الحرب في أوكرانيا ثم هدأت. وحسب كثير من الحلفاء فإن "أف-35" هي بمثابة شراء تأمين على الحياة من الولايات المتحدة. ووحدها البرتغال، إذا استثنينا كندا وراء الأطلسي، علقت شراكتها في برنامج صناعة "أف-35"، وذلك عشية انتهاء خدمة أسطولها من طائرات "أف-16" وتقاعدها. وأول من قرر، بين الأوروبيين، الانحناء، هم الألمان، وبينما كان فريدريش ميرتس يستعد لتقلد منصب المستشار، رسمياً، غداة انتخابات اتحادية في الـ23 من فبراير (شباط) الماضي، أعلنت وزارة الدفاع موقفها، في منتصف مارس (آذار) الماضي، على لسان الناطق باسمها: الجيش الألماني لا يرغب في الانسحاب من برنامج شراء 35 طائرة "أف-35" وتجديد أسطوله القديم المؤلف من 85 طائرة تورنادو. ففي 2022، غداة غزو أوكرانيا، وخطبة المستشار أولاف شولتز المدوية وكلامه على "الانتقال من عصر إلى عصر"، وما يستتبعه الانتقال هذا من تمويل قطاع الدفاع وتخصيصه بـ100 مليار يورو. وأعلنت برلين نيتها المشاركة في برنامج الطائرة المعترضة الأميركية. وعلى رغم نقاش سياسي حاد، قررت ألمانيا غلق شبكتها العسكرية من دون مشاركة الحليف الأميركي. وصرح وزير دفاعها، بوريس بيستوريوس، في حوار مع مجلة "ديرشبيغل" الأسبوعية، في أبريل (نيسان) الماضي: "لا ينكر أحد أن مثل هذه العقود لا يبت بجرة قلم واحدة. والبدائل التي تملي الانسحاب الآن من البرنامج باهظة الكلفة التي قد تبلغ مليارات الدولارات، وقد تؤدي إلى قطع علاقتنا بالولايات المتحدة، وهي علاقة نرغب في المحافظة عليها". ويبلغ ثمن الطائرات وتكييف الأبنية التحتية 10 مليارات دولار. والسبب في القرار الألماني هو أن الولايات المتحدة لم تجز لغير طائرات "أف-35" حمل القنابل الذرية "ب-61"، المخزنة على الأراضي الألمانية منذ منتصف الأعوام 1950- وهي لا غنى عنها في بسط "المظلة" النووية الأميركية والدرع الأميركية. وفي انتظار تسليم الطائرات الأولى، في 2027، باشرت السلطات المحلية تحديث قاعدة بوشيل، في ريتانيا- بالاتينات، حيث تحفظ القنابل الذرية "ب-61". وهذا قبل السجال الذي أثارته مواقف دونالد ترمب. وأنشئت عنابر جديدة، ورصف مهبط جديد. وخلاصة القول أن لسان حال الأميركيين في شؤون الدفاع "نشارككم ردعنا ولكن على شرط أن تشتروا طائراتنا". علاقات عضوية ومضى التقرير في تناول الدول المشاركة في برنامج "أف-35" ومنها الدنمارك. فعلى رغم أن الرئيس الأميركي بث الاضطراب في صفوف السياسيين الدنماركيين كلهم حين أعلن استعداده لـ"شراء" غرينلاند، راهنت المملكة على مقايضة شرائها طائرات إضافية من عرابها العسكري بتهدئته. ويفترض في التوصية على الطائرات الثماني الإضافية، تعويض تقليص عدد الطائرات الحربية التي ترتب على اقتناء طائرات "أف-35"، وتجهيز سلاح الجو بها. فالكلفة الباهظة- وهي 70 مليون دولار ثمن الطائرة الواحدة، وتبلغ كلفة الطيران ساعة واحدة 33 ألف دولار- تملي تقليص عدد طائرات سلاح الجو. "بعض الناس يحاول الإيحاء بأن في مستطاعنا الانفراد بقراراتنا في هذه الأمور وعلى هوانا، ويسعنا التخلص من الولايات المتحدة. والحق أن الأمر يتخطانا، فنحن أعضاء في حلف الأطلسي، قال وزير الدفاع الدنماركي، تراوز لوند بولسين، في الـ26 من مارس، في الصحيفة الاقتصادية "بورسين". وعلى خلاف الأمر في بلدان الشمال الأوروبي، لم يكن السجال في إيطاليا، حيث يرابط سربان من طائرات "أف-35" إلى جنب أسطول من طائرات "تايفون" و"تورنادو"، حاداً. فإيطاليا، اليوم، هي البلد الأوروبي الأشد ارتهاناً، على صعيد العمالة (اليد العاملة)، لبرنامج "أف-35". وتؤوي مدينة كاميرين في البيبمونت، منذ 2013، أوسع مركز في أوروبا لتجميع قطع طائرة الاعتراض، ولإصلاح أعطابها. والمركز هذا أنشأته مجموعة التسلح الوطنية تورنادو، بالشراكة مع وزارة الدفاع، ويتولى صناعة جناحي نموذج "أف-35"، أكثر صيغ الطراز انتشاراً. ويرسل منتج الموقع إلى مصانع لوكهيد مارتين في تكساس واليابان. ويتبوأ مصنع كاميري في نظر روما مكانة اقتصادية بارزة، فإلى العاملين الـ1200 فيه، تتشارك 30 منشأة أو شركة إيطالية سلسلة توريد القيم. ويقول جان- بيار دارنيس، الباحث المشارك في مؤسسة البحث الاستراتيجي والاختصاصي في قطاع الدفاع الإيطالي، أن روما تحمل ملف "أف-35" على رافعة تجديد الصناعة الإيطالية، وعلى باب تحوز منه هذه الصناعة على التكنولوجيا الجديدة. وينبه باتاكشي، مدير تحرير "لاريفيستا إيتاليانا ديفيسا"، الدورية الأولى في قطاع الدفاع بإيطاليا، إلى أن حكومات اليسار واليمين أجمعت على تأييد برنامج "أف-35". فهو جزء لا يتجزأ من العلاقة الثنائية والقوية بالولايات المتحدة، داخل حلف الأطلسي وخارجه. والرابطة بين سلاح الجو الإيطالي ونظيره الأميركي، عضوية. ويتلقى الطيارون الإيطاليون تدريبهم، تاريخياً، في الأكاديميات الأميركية. سجال قطع الغيار وانتظام بريطانيا في برنامج "أف-35" لم يضعف بدوره على رغم تعرج سياسة إدارة ترمب وخبطها على غير هدى. ومنذ موجة التوصية الأولى، في 2006 وعهد حكومة توني بلير العمالية، على شراء الطائرات الـ40 لحساب سلاح الجو الملكي والبحرية الملكية التي تستخدمها على حاملات طائراتها- لم تحد السياسة البريطانية عن نهجها. وتتمم طائرات "أف-35" هذه أسطولاً مختلطاً من طراز "يوروفايتر تايفون" على وجه الخصوص. ويتوقع أن يزيد عددها تدريجاً بحسب مجلة الدفاع البريطاني الاستراتيجية، في الثاني من يونيو. وإلى الروابط العسكرية والتاريخية التي تشد لندن إلى واشنطن، وخصوصاً في شأن الردع النووي، تلتحق المملكة المتحدة، على شاكلة إيطاليا، بالولايات المتحدة وصناعتها. فبعض قطع غيار "أف-35" الأساسية تصنع في المملكة المتحدة، شأن ذنب الطائرة، وبعض أجزاء من النظام الإلكتروني، والمقاعد المتحركة، ونظم الاعتراض الهجومية، وليزر الاستهداف، وكابلات رمي الأسلحة. وتسهم 100 منشأة بريطانية في صناعة هذه القطع، على رأسها شركة بي إي آي سيستمز العملاقة، اليوم. وتدور السجالات الحادة على مسألة نقل قطع غيار "أف-35" إلى الدولة العبرية. وكانت حكومة كير ستارمر علقت، في سبتمبر (أيلول) 2024، توريد نحو 30 إجازة قطع غيار كانت تل أبيب حازت عليها، لعلم الحكومة البريطانية باحتمال استعمال هذه القطع في ارتكاب جرائم حرب في غزة. لكن هذا التعليق لم يسر على قطع غيار طائرات "أف-35" التي تعود مراقبتها إلى برنامج الولايات المتحدة، على ما قال وزير الدفاع البريطاني، أواخر 2024. واضطرت هولندا وبلجيكا، والبلدان يؤويان قنابل "ب-61" الأميركية، إلى التقيد ببرنامج "أف-35". وشعر البلدان بقساوة الارتهان للولايات المتحدة، في الأشهر الأخيرة. فعلى شاكلة أمستردام، اضطرت بروكسل إلى النزول عن أسطولها من طائرات "أف-16" كله إلى القوات الأوكرانية. واستتبع التأخر في تسليم طائرات "أف-35" إلى بلجيكا تأخير بروكسل تسليم طائراتها "أف-16" إلى قوات كييف. وفي هولندا، استحصلت جمعيات محلية، في فبراير (شباط) 2024، من محكمة هولندية على حكم بتعليق توريد قطع غيار "أف-35" إلى إسرائيل. وتستضيف المملكة في قاعدة جوية بفويندريشت (جنوب غربي البلاد) واحداً من أهم ثلاثة مراكز توزيع قطع غيار الطائرة. طرد تركيا وعلى رغم شراكتها القديمة في البرنامج، خسرت تركيا الـ100 طائرة التي أوصت عليها، وكانت تتوقع تسلمها. وذلك أن واشنطن خشيت انتقال معلومات دقيقة وحساسة إلى موسكو، قد تتيح لها الالتفاف على خفاء أو شبحية الطائرة المقاتلة. وقبل طردها من الشراكة، كانت أنقرة تصنع فوق 900 قطعة من طائرة "أف-35"، بعضها رئيس مثل عناصر من جهاز الهبوط، والخلية المركزية في حجرة القيادة. ومنذ 2020، نقلت صناعة هذه القطع، الواحدة تلو الأخرى وتدريجاً، إلى شركاء آخرين. ومذاك، تحاول أنقرة تعويض خسارتها بواسطة تطوير طائرتها المعترضة الخاصة، "كآن"، التي حلق أول نموذج منها في فبراير 2024، وتسعى تركيا، من ناحية أخرى، إلى اقتناء طائرات "يوروفايتر تايفون". ويقتضي ذلك موافقة بلدان الكونسورتيوم الأربعة، المملكة المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا. وترفض ألمانيا موافقتها إلى اليوم، خشية انحراف النظام التركي إلى التسلط ويعاقب الإجراء الرئيس رجب طيب أردوغان عقاباً قاسياً، وهو الحريص على إثبات قدرته على الهيمنة على شمال سوريا والعراق، وعلى إظهار مستوى تسلح لا يقل عن مستوى تسلح اليونان- التي تستقبل طائراتها "أف-35" الأولى أوائل 2028، وهي على خصومة مع تركيا في المتوسط منذ خلاف البلدين التاريخي على قبرص. وحيال تراكم القيود والمعوقات هذا، يولي عدد من الضالعين في شؤون الدفاع اهتمامهم ببرنامجي تطوير الطائرات الاعتراضية الأوروبية من الجيل السادس وهما: برنامج طائرة القتال الجوي، وتتعهده فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وبرنامج "غلوبال كومبات إير بروغرام"، وتسهم في رعايته المملكة المتحدة، وإيطاليا، واليابان. والبرنامجان مصدر منازعات بين الصناعيين قبل أن يتجاوزوا عتبة الدراسة، ولن يفضيا، في الأحوال كلها، إلى صناعة طائرة فعلية قبل عام 2040، على أقرب تقدير. ونظراً إلى تطورات العلاقات الدولية، عقد رائد الصناعة الفضائية الفرنسي، داسو، العزم على المشاركة في المنافسة على شبحية الطائرات المقاتلة وخفائها، منذ خريف 2024. فصنع "مسيرة قتالية خفية" في مقدورها الطيران في ركاب الصيغة الحديثة من طائرة "رافال"، منذ عام 2023. وكان داسو تخلى عن إنجاز هذا البرنامج لضعف موارده. لكن شرط الخفاء بات، في الأثناء، شرطاً لا غنى عنه في اختراق دفاعات العدو الجوية، وعلى الأخص في ضوء تجهيز جيش روسي في متناوله نظم مضادة لسلاح الجو وللصواريخ هي من بين أحدثها في العالم وأدقها. وقطاع صناعة السلاح في تغير بعد دخول قوى غير تقليدية ليست بدول كبرى في سوق تصنيع الأسلحة وتوريدها، ولعل أبرز مثال على ذلك النهج الأوكراني في تصنيع المسيرات وتوجيه دفتها. ولكن سقوط "أف-35" عن عرشها وصدارتها لا يزال مستبعداً.

موقف الرئاسة الأمريكية 'ترامب 2' من نزاع الصحراء
موقف الرئاسة الأمريكية 'ترامب 2' من نزاع الصحراء

لكم

time٢٤-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • لكم

موقف الرئاسة الأمريكية 'ترامب 2' من نزاع الصحراء

بين ترقب تأييد سيادة المغرب وحذر من مفاجآت طموح الجزائر لا زالت ادارة الرئيس الأمريكي ترامب الثانية صامتة بخصوص موقفها من نزاع الصحراء المغربية، السكوت الذي يفسر أنه استمرار على تأكيد نفس الموقف بتاريخ 10 دجنبر 2020 الذي يعترف بالسيادة المغربية على كل الأقاليم الصحراوية و يجعل مشروع الحكم الذاتي حلا جديا و واقعيا و دو مصداقية في اطار خارطة طريق محددة منطلقاتها و نهاياتها و أطرافها. بيد أن الأطراف تتوجس خيفة من هذا السكوت، سيما إذا استحضرنا نهج الرئيس الأمريكي على لغة الخطاب الجريئة و القوية و المستفزة لتحريك مجموعة من الملفات و القضايا والنوازل دون اعتبار لمصالح وحقوق أطراف القضية و تحفظات حلفائه التقليديين بل تهميشهم و إقصائهم على غرار مبادرات انها الحرب في أوكرانيا . وإذا تمعنا في أولويات التوجه الأمريكي الذي يسعى إلى فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بقطب وحيد و محاولات إضعاف بقية الأقطاب الاقتصادية في أوروبا والصين وغيرها من المجموعات الصاعدة ، و استعراض قدرتها المرعبة في بسط نفوذها و قراراتها حول العالم من خلال محاولة التأثير السريع و التدبير الاحادي في مجموعة من القضايا و الجبهات ،و ترسيخ مفاهيم وحلول غريبة و مواجهة كل الخصوم و المتنافسين بقرارات فوقية على اساس تنفيذ الوعود الانتخابية و ليس على اساس التوافق و الحلول المستدامة . فإن اي مقاربة نسقية وتحليل تفكيكي او قراءة تأويلية يجعل ضبط الموقف و القرار الأمريكي الجديد مستعصيا و صعبا ، بعد أن انقلب على كل القواعد و الموازين وكسر كل الضوابط و القيود والتحفظات و تجاوز كل الحدود والمعايير و التوقعات ؛ فلا حديث لدى الرئيس ترامب سوى عن المصالح و العروض الاقتصادية و المواقع و المجالات الاستراتيجية التي ستجعل من امريكا الكبيرة من جديد: America great 'again . و على إثر ظهور وبروز بعض البوادر والمؤشرات الاقتصادية الدالة التي تستأثر باهتمام وتركيز الرئاسة الأمريكية والمؤثرة ترجيحا في صناعة القرار الأمريكي يحاول أطراف نزاع الصحراء المغربية؛ وخاصة في الجزائر اثارة انتباه و طمع الادارة الترامبية تو ' Trump two عبر التلويح بعروض مغرية تناولت مقدرات الجزائر من الطاقة والمعادن النادرة بدون تحفظ ثمنا لاستمالة واغراء ترامب بالتراجع عن القرار الأمريكي المؤيد لسيادة المغرب على كل الصحراء أو كبح حركة مسيره أو حتى احداث انقلاب في الموقف الأمريكي لصالح الجزائر 'حلم الجزائر'! . وهو العرض المقدم من طرف صبري بوقادوم عبر جريدةUSA TODAY – Business focus بتاريخ 18 فبراير. فالعرض الجزائري بدون سبب وبدون موجب يتجاوز بدهاء مقترن بالغباء مجرد توجيه دعوة بحسن نية و بطريقة أغرب عبر الإعلام إلى الإدارة الأمريكية من أجل الشراكة في عمليات الاستكشاف والتنقيب، بل هو سيناريو محبوك و ببروغاندا مستفزة موجه عنوة وبسوء نية بدافع إلهاء الادارة الأمريكية وتشتيت تركيزها وثنيها عن الاعتماد على دول ومنافذ و ممرات تجارية واقتصادية محددة مسبقا ؛ دول تتمتع وحازت على خبرة وتجربة عالية مشهود لها بالكفاءة والفعالية في الميدان آمنة ومستقرة و مفتوحة على العمق الأفريقي مثل المغرب. القرار بالاعتماد والرهان على المغرب وموريتانيا في شمال أفريقيا الذي اتخذته امريكا بهدف استدراك الوقت لضمان التواجد الأمريكي في أفريقيا الذي تأخرت عنه أمريكا وأوروبا والحلف الأطلسي لصالح أفضلية بفارق كبير لصالح الصين وروسيا. و بالمقابل تعتبر الجزائر بحكم الواقع والمؤشرات كيانا منغلق بدون حظوظ ولا مؤهلات لجلب انتباه الادارة الأمريكية الجديدة، فالحدود الجنوبية الجزائرية موصدة مع كل جيرانها مع مالي والنيجر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا، و تعيش حالة عزلة إقليمية و حصارا و عقوبات اوربية تقودها فرنسا. وتعتمد الإدراة والرئاسة الأمريكية على دول بأنظمة تحظى بمصداقية إقليمية و دولية ، جدية في علاقاتها الدولية و ثابتة في موقفها ومستقلة في قرارها السياسي امام القوى الكبرى المتصارعة و المتناقضة ، و يتمتع المغرب بمؤهلات و مقدرات تجعل منه بيئة جاذبة و حاضنة للاستثمار ؛ كلها مبادئ و قيم و خصال تفتقدها الجزائر وتقصى من الارتكاز الأمريكي لكونها جمعت كل القوى الكبرى تتصارع اقتصاديا وتجاريا في إقليمها، وفقدت الجزائر من حيث تدري او لا تدري سيادتها على قرارها السياسي والاقتصادي ومهددة بمخاطر أمنية حقيقية داهمة وليست فقط احتمالية . ويعترف صبري بوقادوم السفير الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة في استجوابه مع جريدة امريكا توداي بذلك بقوله 'أن التحدي الذي تواجهه الجزائر يكمن في عدم اعترافها كوجهة مفتاح للاستثمار ' وربط ذلك بغياب الامن والاستقرار منذ عشرية الارهاب: One challenge we face is that Algeria is not widely recognized as a key investment destination ، والدليل توفره أيضا تصريحات الرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة لروسيا الذي قال في أمريكا والدولار الأمريكي و النظام الليبرالي 'مالم يقله مالك في الخمر' . و بالمقابل. فان المغرب الواثق من نفسه حافظ على هدوئه الحذر إزاء أي تطور او تغيير او تعديل مفاجئ في الموقف الأمريكي، و يسعى بثبات وواقعية لترسيخ وتثبيت سابق قرار الادارة الأمريكية و استثماره في قدراته المعلومة والمعروفة لدى امريكا في أن المغرب عنصر فعال و ركن حاسم في ضبط وصناعة عوامل التنمية والأمن والاستقرار في المنطقة بامتدادها المغاربي وتردداتها الإيجابية في الساحل و الصحراء، وحجة المغرب في ذلك؛ تقارير الأمين العام للأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن المرتبطة بدراسة الحالة الدورية في الصحراء المغربية. التي تعتبر امريكا حاملة قلمها. و ما فتئ المغرب يقدم نفسه المؤهل الوحيد و الأوحد في المنطقة الذي يساهم في صيانة الأمن و السلم الدوليين، يحارب الارهاب والجريمة المنظمة. و يبرهن بأنه آمن و مستقر ، و بوابة جغرافية متاحة ومضمون ، لديه مدخرات من المعادن النادرة و الثمينة التي تصلح في التكنولوجيا الجديدة للبطاريات و الهواتف و الشاشات ( جبل تروبيك الذي يدخل ضمن المنطقة الاقتصادية للمياه الاقليمية المغربية مع اسبانيا . و منذ سنة 2014 انتهج المغرب سياسات افريقية جديدة منحته امتيازا و أفضلية جعلت منه بوابة اوروبا و امريكا كما الصين و روسيا نحو افريقيا اقتصاديا و لوجيستيا، حيث مكنته من معرفة حقيقية بمراكز و مناطق و ميادين الاستثمار في أفريقيا؛ في الصناعة و التعدين و الأبناك و التأمينات و هي قطاعات ذات أولوية واهتمام لدى الشركات الامريكية. كما أن للمغرب علاقات وطيدة مع كل دول الساحل و جنوب الصحراء و مع كثير من الدول الافريقية. كما يستفيد المغرب كذلك من علاقاته المتميزة مع كل دول الخليج ، وخاصة دول السعودية والإمارات التي اصبحتا ذات ثقل سياسي و ديبلوماسي في التأثير على قرارات و توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة . أكيد أن شهر أبريل المقبل سيكون محل تتبع و اهتمام لأنه سيكشف عن التوجه الأمريكي بين الثبات و الاستمرارية التي يتطلع إليها المغرب، و يعتبر تعيين سفير أمريكي جديد يعرف و يدرك مكانة المغرب في محيطه الاقليمي و الجهوي و علاقاته بأوروبا ، ورقة ومؤشر يدل على قوة الاهتمام الذي يحظى به المغرب لدى الرئيس ترامب . فقد كان سفيرا سابقا لأمريكا باسبانيا وهي دولة عضو فاعل في منتدى الدول اصدقاء الصحراء. كما يعرف حقيقة و عمق و اثار الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء و بجدية و واقعية و مصداقية مشروع الحكم الذاتي . ولا مراء أن إحاطة السيد دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء و التي سيقدمها إلى مجلس الأمن خلال أبريل ستجعله في موقف صعب و ذو حساسية شديدة. فهو يعرف خلفية نوايا امريكا في إلغاء او تخفيض وتقليص دعمها وإنفاقها على للبعثات الأممية والمنظمات الدولية الذي قد يشمل ويطال المينورسو. وهو (أي ديميستورا ) في ورطة حقيقية لأنه في وضع وفي أمس الحاجة إلى استصدار دعم صريح وواضح وجديد من مجلس الأمن بعد ان تسربت اخبار أنه كشف عن مخططاته ومقترحاته بتقسيم الصحراء، و هي توصيات قديمة ترجع لعهد الأمين العام كوفي عنان ومرفوضة بشكل بات ومطلق ولا رجوع فيه من طرف المغرب، و مقترحات تتناقض مع الاعتراف والالتزام الامريكي و الاعتراف الفرنسي و التأييد الاسباني الذين يؤيدون سيادة المغرب و يتناقص أيضا مع تنامي الدعم والحشد والديناميكية الدولية لتأييد مشروع الحكم الذاتي وعلى أرض الواقع بفتح قنصليات في الاقليم كحل و بالجهوية المتقدمة لتطوير الديمقراطية المحلية والتشاركية بالمغرب. ومهما كان ويكون مضمون ما سيحمله تقرير المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة في إحاطته نصف الدورية وتنفيذا لقرار مجلس الأمن عدد 2756 وتاريخ 31 اكتوبر 2024، فإن أي شكل من اشكال الحل يبقى مشروطا بقاعدة التوافق بين الأطراف ، و في إطار الحل النهائي يمنح إشهادا بنهائية النزاع ويبقي الصحراء تحت سيادة المغرب و ليس مجرد حلول بائدة مؤقتة. سيبقى تقرير دي ميستوا حاسما لديميستورا نفسه و يضع ولايته ومهمته و مصداقيته في الميزان و عليه مسارعة الوقت لإعادة ضبط مقترحاته تحت طائلة اعتباره شخصا غير مرغوب فيه من طرف الجميع.

العالم الغربي بعد تخلي دونالد ترامب عنه: من الحرب الاقتصادية والسباق نحو التسلح إلى تشكيل قوة عسكرية دولية موازية
العالم الغربي بعد تخلي دونالد ترامب عنه: من الحرب الاقتصادية والسباق نحو التسلح إلى تشكيل قوة عسكرية دولية موازية

time١٨-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة

العالم الغربي بعد تخلي دونالد ترامب عنه: من الحرب الاقتصادية والسباق نحو التسلح إلى تشكيل قوة عسكرية دولية موازية

والمشهد غير المسبوق في البيت الأبيض أين تم "توبيخ" الرئيس الأوكراني فولوديميرزيلنسكي، تحركت العواصم الأوروبية وعلى رأسها باريس ولندن لدق طبول الخطر وتجميع القوى لضمان الحد الكافي من القوة الرادعة خشية من غياب "المضلة الأمريكية" الحامية تقليديا للبلدان الأوروبية في إطار السياسة الأطلسية. وإن أعلن رسميا الرئيس ماكرون "وضع القوة الفرنسية النووية في خدمة أمن بلدان الإتحاد الأوروبي" مع الاحتفاظ بقرار الردع،فإن جل الدول الأوروبية شعرت بالزلزال الأمني الذي تواجهه بسبب تعويلها شبه الكلي على الأسلحة الأمريكية بنسبة تفوق 70% و بحفاظ واشنطن على قرار استعمال أسلحتها من قبل الدول الأوروبية. وهو ما اعتبرته العواصم الفرنسية تعرية أمنية لقدراتها أمام روسيا الفدرالية التي أصبحت، في انقلاب استراتيجي غير مسبوق، تتمتع بدعم واشنطن المفاجئ والذي لم يدخل في أي حساب من قبل دول الإتحاد الأوروبي. فرنسا في طليعة التحركات لفهم ما يجري اليوم لا بد من التذكير بإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2017 عن "الموت السريري للحلف الأطلسي" ودعوته تشكيل "قوة عسكرية دفاعية مشتركة" الذي واجه آنذاك انتقادات من قبل العواصم الأوروبية. التخلي الأمريكي الحالي واصطفافه وراءمصالح موسكو على حساب أوكرانيا أدخل البلدان الأوروبية في منطق جديد عماده التسلح وتكوين أكبر حلف عسكري واقتصادي ممكن لضمان أمن البلدان المشاركة في غياب "المضلة الأمريكية". المشهد، غير المسبوق، الذي له دلالات واضحة هو ذلك الذي جمع يوم 11 مارس رؤساء أركان الجيش لأكثر من 30 دولة غربية في قصر الإليزيه بباريس تحت رئاسة إيمانويل ماكرون لدراسة وتخطيط الرد المشترك على التحالف الروسي الأمريكي في إدارة "السلم في أوكرانيا" في غياب ممثلين عن أوروبا وأوكرانيا والحلف الأطلسي. العنصر الثاني الذي له أهمية قصوى في تغيير الوضع الأمني في أوروبا تمثل في تصريح فريدريش مارتز المستشار الألماني الجديد (قبل توليه مقاليد السلطة) قبوله بالمظلة النووية الفرنسية. وهي خطوة حاسمة استراتيجيا بالنسبة لبلد لديه تاريخ حافل بالحروب مع فرنسا من بينها الحربين العالميتين. تغيير العقيدة الحربية والأمنية الألمانية له وزن في تغيير موازين القوى داخل وخارج الإتحاد الأوروبي وهي يضع على محك العلاقات مع واشنطن مسألة تواجد الجنود الأمريكيين على التراب الألماني منذ 1945 بدون انقطاع والذي يقدر عددهم بحوالي 60 ألف. هذه الخطوة تجعل من الثنائي الفرنسي الألماني نواة حلف عسكري جديد يلتحق بالقوة البريطانية لتشكيل تحالف استراتيجي من نوع جديد. من ناحية أخرى، ظهر توزيع للأدوار على المستوى السياسي والعسكري، بين باريس ولندن حيث قام الوزير الأول البريطاني كير ستارمير بتنظيم قمة افتراضية شارك فيها 30 مسؤول حكومي ومن بينهم ممثلين عن المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي ومنظمة الحلف الأطلسي. وتدارس القمة الإمكانيات المتاحة لضمان استمرار الأمن في صورة إقرار وقف لإطلاق النار في أوكرانيا والطرق المتاحة الفورية للمساهمة في ذلك منها المادية والتي تتعلق بإرسال جنود على التراب الأوكراني. أما الجانب الفرنسي فقد جمع المسؤولين العسكريين لمجموعة "أ 5" أي البلدان الأوروبية الخمسة (فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى وبولونيا وإيطاليا) لتدارس "تجميع القوى العسكرية" والمشاركة في قوة مشتركة لإرسال الجنود إلى أوكرانيا لضمان سلم دائمة بدون الرجوع إلى الحرب. التوجه نحو اقتصاد حرب منذ اندلاع الأزمة بين أوروبا والولايات المتحدة رجعت عبارة "الدخول في اقتصاد حرب" بعد أن استعملها بدون جدوى الرئيس الفرنسي ماكرون. وأصبح بالكاشف اليوم أن أوروبا تتحرك على مستوى الإتحاد وعلى مستوى الدول في هذا التوجه. وإن يبقى التسلح من مشمولات البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولة فن در لاين أعلنت رسميا عن وضع ميزانية بمقدار 800 مليار يورو للمساهمة في تسليح البلدان الأعضاء. من ناحيتها أعلنت ألمانيا عن رفع نفقاتها العسكرية إلى 400 مليار يورو إلى موفى 2030. فرنسا التي تصنع أسلحتها بنفسها رفعت في ميزانية الجيوش إلى 50 مليار يورو وأعلنت رفعا جديدا إلى 68 مليار لهذه السنة على أن تصل الاستثمارات 100 مليار سنويا في 2030. وهو نفس التوجه الذي دخلت فيه باقي الدول الأوروبية لضمان أمنها. وإذا ما استثنينا الولايات المتحدة وروسيا تبقى فرنسا أهم مصنع يمكن اللجوء إليه. لكن التوجه هو في مرحلة قادمة تشكيل صناعة عسكرية أوروبية ضخمة على أساس ما هو موجود الآن من مصانع وتكنولوجيات حربية. واستدعى الرئيس ماكرون يوم الجمعة 14 مارس، في هذا الإتجاه، المسؤولين الفرنسيين لشركات تصنيع الأسلحة (صفران، داسو للخدمات الجوية، طالس، المجمع البحري و شركة "ك أن دي أس") لتدارس إمكانية رفع نسق الصناعات الحربية الفرنسية وجدولتها لضمان قدرات عالية للتدخل العسكري. ولم يتم الإعلان عن إذا ما تم تداول فكرة تصنيع أسلحة للبلدان الأوروبية الأخرى. ولو أن هذه التحركات تأتي في ظروف طارئة لكنه تنم عن إرادة حقيقية في الدخول في اقتصاد حرب يقضي التفكير في تحويل وجهة بعض المصانع واستغلال مواقع صناعية حربية من أجل توسيع قدرات الصناعات الحربية في فرنسا. استهداف الصناعات الأمريكية ولم تتضح بعد مسألة دخول كل البلدان من عدمه في عمليات تنسيق لتحقيق الضمان الأمني المنشود. لكن بعض البوادر، التي لم تناقش في مختلف القمم الدبلوماسية، أشارت في بعض البلدان إلى تنفيذ فوري لإجراءات تهدف إلى فك الارتباط العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية. البلد الوحيد في أوروبا الذي لا يعتمد على السلاح الأمريكي يبقى فرنسا، التي هي القوة النووية الوحيدة في الإتحاد الأوروبي. يأتي بعدها السويد الذي يصنع طائراته من نوع "صاب"واسبانيا التي تحتضن مصانع "أوروفايتر". لكن باقي البلدان تعتمد على أسلحة أمريكية تتدخل واشنطن في استخدامها وبإمكانها تعطيلها إلكترونيا عن بعد. في هذا الصدد أعلن البرتغال الذي يستعمل طائرات حربية أمريكية منذ 70 سنة عن نيتهإيقاف صفقة شراء 28 طائرة "أف 35" لاستبدال طائرات "أف 16" الأمريكية التي يستعملها والتفكير في استخدام طائرات من صنع أوروبي. كذلك بالنسبة لألمانيا التي أشار مستشارها الجديد إلى نيته التوجه إلى الصناعة الأوروبية وعدم الاعتماد على الولايات المتحددة الأمريكية. نفس الموقف أعلنت عنه الصحف السويسرية عن نية الحكومة الفدرالية التحرر من التبعية الأمريكية. أما كندا فقد أعلن وزيره الأول الجديد مارك كارني أنه أعطى تعليماته لوزير الدفاع لمراجعة العقد الممضي مع شركة "لوكهيد" في شأن شراء 88 طائرة "أف 35" بقيمة 19 مليار دولار أمريكي والتأكد من أنه يخدم مصلحة كندا والبحث عن سبل بديلة. وهو ما يعني إشارة واضحة لواشنطن عن فك الارتباط معها بعد أن هدد دونالد ترامب بضم كندا كولاية رقم 51. كل هذه الخطوات لا تزال في طورها الأول. لكن الوضع الحقيقي هو أن البلدان الأوروبية تستعمل حاليا 150 طائرة "أف 35" وأنها قدمت طلبات في 572 طائرة إضافية. فإن تحققت المقاطعة فذلك سوف يؤثر سلبا على شركة "لوكهيد" ويساعد بفضل الاستثمارات المبرمجة الصناعات الأوروبية. في العموم، تبقى المشاكل قائمة في الإتحاد الأوروبي بسبب رفض المجر وإيطاليا الدخول بوضوح في عمليات "مقاطعة" للولايات المتحدة الأمريكية. فيكتور أوربان في المجر لا يخفي قربه من فلاديمير بوتين واعتماده على السلاح الأمريكي. وهو اليوم في تناغم مع التقارب الأمريكي الروسي. لكنه لا يريد الخروج من الإتحاد الذي يدعم اقتصاد بلاده. من ناحيتها جيورجيا ميلوني لا ترغب في إرسال جنود إلى أوكرانيا ولا فك الارتباط مع واشنطن التي تتمتع بعدد كبير من القواعد العسكرية في إيطاليا. وهي أيديولوجيا قريبة من توجهات دونالد ترامب. لكن مصلحة إيطاليا الاقتصادية والصناعية بالذات هي مع أوروبا. يبقى أمام القادة الأوروبيين أن يجدوا طريقة للخروج من هذا الانشقاق. ويتضح في المشاورات الدبلوماسية أن الموقف البريطاني ساعد أوروبا على توسيع رقعة "الانتفاضة" ضد أمريكا "الترمبية ". من ذلك أن شاركت بلدان مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا وتركيا واليابان في قمة لندن. وهو مؤشر على الخوض في البحث عن بديل للحلف الأطلسي يساعد على بروز قطب جديد، مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد أساسا على القوة الأوروبية ويساعد على بلورة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store