
بلومبيرغ: الإمارات توسع نفوذها في أفريقيا من بوابة الصراعات الأهلية
وذكرت الوكالة أنه في ظل سباق النفوذ الدولي في القارة الإفريقية، تكثف دولة الإمارات تحركاتها السياسية والاقتصادية والإنسانية في دول محيطة بالسودان، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن أدوارها في النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع السوداني المحتدم.
ووفقًا لتقرير الوكالة أقامت الإمارات شبكة لوجستية متقدمة في دول إفريقية مجاورة للسودان، تتضمن مستشفيات ميدانية ومدارج طيران ومشاريع بنية تحتية، في خطوة يرى فيها مراقبون محاولة لترسيخ النفوذ السياسي والعسكري في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في القارة.
نفوذ عسكري مقابل استثمارات
في 23 نوفمبر الماضي، حلّ الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، أحد كبار دبلوماسيي الإمارات، ضيفاً على بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، عارضًا على الرئيس فوستين-أركانج تواديرا اتفاقًا يقوم على السماح للإمارات باستخدام مدارج الطائرات في شرق البلاد مقابل استثمارات إماراتية في مجالات الدفاع والتعدين والزراعة.
بحسب الوكالة فإن هذا العرض، الذي أكده مسؤولون محليون وغربيون، تُوّج باتفاق شراكة اقتصادية وُقّع في مارس الماضي، واعتُبر جزءاً من جهود إماراتية أوسع للتموضع الاستراتيجي في منطقة غنية بالمعادن والزراعة، فضلاً عن تسهيل الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع السودانية.
وتنفي الإمارات رسمياً تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي لأطراف النزاع السوداني، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية: «ترفض الإمارات بشدة المزاعم بأنها تزود أي طرف بالسلاح في النزاع السوداني. هذه الادعاءات لا أساس لها ولا توجد أدلة تدعمها».
لكن تقارير دبلوماسية وإعلامية تؤكد أن الإمارات شيدت شبكة دعم لوجستي لقوات الدعم السريع تشمل مستشفيات ميدانية في تشاد وجنوب السودان، ما يمنحها نقاط إمداد جديدة عبر إفريقيا الوسطى، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع السوداني الذي دخل عامه الثالث مخلفاً عشرات الآلاف من القتلى وقرابة 12 مليون نازح.
دعوى دولية ضد الإمارات
في مايو الماضي، رفضت محكمة العدل الدولية دعوى من الجيش السوداني ضد الإمارات بدعوى عدم الاختصاص، ولم يستأنف الجيش القرار.
ويرى محللون أن علاقات الإمارات بقوات الدعم السريع تنبع من موقفها المعادي للإسلاميين السياسيين الذين يشكلون جزءًا من الجيش السوداني.
وقد فرضت الولايات المتحدة من جهتها عقوبات على كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، متهمة الطرفين بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023.
على صعيد أوسع، تظهر البيانات أن الإمارات أصبحت في السنوات الأخيرة من أبرز المستثمرين في إفريقيا، متفوقة في بعض المجالات على الصين وأوروبا.
فقد ضخت أبوظبي مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة المتجددة، واللوجستيات، والزراعة، والعقارات، في محاولة منها لتقليل اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها.
وقال متحدث باسم الخارجية الإماراتية إن «انخراط الإمارات في إفريقيا ليس تبادلياً فقط، بل موجّه بقيم مشتركة ورؤية للتنمية المستدامة والنمو الشامل»، مؤكداً أن بلاده تتعاون حالياً مع أكثر من 50 دولة إفريقية في مجالات متعددة منها الطاقة المستدامة، الأمن الغذائي، البنية التحتية، التعليم، التحول الرقمي والرعاية الصحية.
أهداف سياسية وأمنية
مع ذلك، يرى محللون أن الطموحات الإماراتية في إفريقيا تتجاوز المكاسب الاقتصادية إلى أهداف سياسية وأمنية، إذ قال كونور فاسي، مستشار لدى شركة J.S. Held في لندن: «قامت الإمارات لعقود بدراسة كيف رسخت الدول الأخرى نفوذها في إفريقيا. والآن بينما تنسحب القوى التقليدية، وجدت الإمارات فرصة كبيرة».
وما يثير قلق منتقدي الإمارات هو ما يصفونه بتوظيف المساعدات الإنسانية والاستثمارات كأداة لكسب النفوذ السياسي أو دعم أطراف في نزاعات محلية.
فقد اتهمت جهات حقوقية الإمارات بمحاولة تلميع صورتها عبر مشاريع إنسانية بينما تقدم دعماً عسكرياً لقوات متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة، مثل قوات الدعم السريع السودانية.
منذ اندلاع الحرب السودانية، قدمت الإمارات نحو 600 مليون دولار كمساعدات للسودان، بينما بلغ إجمالي مساعداتها للبلاد خلال العقد الماضي نحو 3.5 مليار دولار. كما تعهدت في العام 2024 باستثمار 35 مليار دولار في مصر، ما أنقذ الاقتصاد المصري من أزمة نقدية خانقة.
وتمتد تحركات الإمارات إلى دول أخرى، إذ شيدت مستشفيات ميدانية في تشاد وجنوب السودان، وعززت علاقاتها الاقتصادية مع أوغندا وكينيا وإفريقيا الوسطى، ما ساعدها في كسب دعم سياسي لدورها في السودان.
وفي الصومال، توسع الإمارات مطار مدينة بوصاصو الساحلية ليصبح مركزاً لوجستياً مهماً، بينما أظهرت صور الأقمار الصناعية توسعات كبيرة للمطار منذ بداية 2023، في إطار اتفاق مع شركة «موانئ دبي العالمية» لتطوير ميناء بوصاصو أبرم عام 2022.
ويرى محللون مثل كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أن تحركات الإمارات في تشاد وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان وليبيا تؤكد أهمية منطقة القرن الإفريقي لطموحات أبوظبي.
سياسة مزعزعة للاستقرار
لكن قادة إقليميين، مثل رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيله، يصفون هذه السياسة بأنها «مزعزعة للاستقرار الإقليمي»، في ظل استمرار الصراعات التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية للإمارات.
ومع استعادة الجيش السوداني لبعض المناطق مؤخراً، ظهرت مؤشرات على محدودية الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، إلا أن الأخيرة استعادت بدورها السيطرة على مناطق واسعة في كردفان وأجزاء استراتيجية على الحدود مع ليبيا ومصر، ما ينذر باستمرار الصراع وتداعياته الإقليمية.
وبينما تقول الإمارات إنها تتطلع إلى إفريقيا كشريك اقتصادي وتنموي، فإن دورها المتشابك في النزاعات المحلية يضعها في قلب معادلات سياسية معقدة قد يكون لها أثر عميق على استقرار المنطقة ومستقبل القارة بأسرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن الخليجية
منذ 4 أيام
- الوطن الخليجية
بلومبيرغ: الإمارات توسع نفوذها في أفريقيا من بوابة الصراعات الأهلية
قالت وكالة بلومبيرغ الدولية إن دولة الإمارات العربية المتحدة توسع نفوذها في أفريقيا عبر المستشفيات والمدارج واستغلال الصراعات الأهلية كما يجرى في السودان. وذكرت الوكالة أنه في ظل سباق النفوذ الدولي في القارة الإفريقية، تكثف دولة الإمارات تحركاتها السياسية والاقتصادية والإنسانية في دول محيطة بالسودان، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن أدوارها في النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع السوداني المحتدم. ووفقًا لتقرير الوكالة أقامت الإمارات شبكة لوجستية متقدمة في دول إفريقية مجاورة للسودان، تتضمن مستشفيات ميدانية ومدارج طيران ومشاريع بنية تحتية، في خطوة يرى فيها مراقبون محاولة لترسيخ النفوذ السياسي والعسكري في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في القارة. نفوذ عسكري مقابل استثمارات في 23 نوفمبر الماضي، حلّ الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، أحد كبار دبلوماسيي الإمارات، ضيفاً على بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، عارضًا على الرئيس فوستين-أركانج تواديرا اتفاقًا يقوم على السماح للإمارات باستخدام مدارج الطائرات في شرق البلاد مقابل استثمارات إماراتية في مجالات الدفاع والتعدين والزراعة. بحسب الوكالة فإن هذا العرض، الذي أكده مسؤولون محليون وغربيون، تُوّج باتفاق شراكة اقتصادية وُقّع في مارس الماضي، واعتُبر جزءاً من جهود إماراتية أوسع للتموضع الاستراتيجي في منطقة غنية بالمعادن والزراعة، فضلاً عن تسهيل الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع السودانية. وتنفي الإمارات رسمياً تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي لأطراف النزاع السوداني، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية: «ترفض الإمارات بشدة المزاعم بأنها تزود أي طرف بالسلاح في النزاع السوداني. هذه الادعاءات لا أساس لها ولا توجد أدلة تدعمها». لكن تقارير دبلوماسية وإعلامية تؤكد أن الإمارات شيدت شبكة دعم لوجستي لقوات الدعم السريع تشمل مستشفيات ميدانية في تشاد وجنوب السودان، ما يمنحها نقاط إمداد جديدة عبر إفريقيا الوسطى، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع السوداني الذي دخل عامه الثالث مخلفاً عشرات الآلاف من القتلى وقرابة 12 مليون نازح. دعوى دولية ضد الإمارات في مايو الماضي، رفضت محكمة العدل الدولية دعوى من الجيش السوداني ضد الإمارات بدعوى عدم الاختصاص، ولم يستأنف الجيش القرار. ويرى محللون أن علاقات الإمارات بقوات الدعم السريع تنبع من موقفها المعادي للإسلاميين السياسيين الذين يشكلون جزءًا من الجيش السوداني. وقد فرضت الولايات المتحدة من جهتها عقوبات على كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، متهمة الطرفين بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023. على صعيد أوسع، تظهر البيانات أن الإمارات أصبحت في السنوات الأخيرة من أبرز المستثمرين في إفريقيا، متفوقة في بعض المجالات على الصين وأوروبا. فقد ضخت أبوظبي مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة المتجددة، واللوجستيات، والزراعة، والعقارات، في محاولة منها لتقليل اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها. وقال متحدث باسم الخارجية الإماراتية إن «انخراط الإمارات في إفريقيا ليس تبادلياً فقط، بل موجّه بقيم مشتركة ورؤية للتنمية المستدامة والنمو الشامل»، مؤكداً أن بلاده تتعاون حالياً مع أكثر من 50 دولة إفريقية في مجالات متعددة منها الطاقة المستدامة، الأمن الغذائي، البنية التحتية، التعليم، التحول الرقمي والرعاية الصحية. أهداف سياسية وأمنية مع ذلك، يرى محللون أن الطموحات الإماراتية في إفريقيا تتجاوز المكاسب الاقتصادية إلى أهداف سياسية وأمنية، إذ قال كونور فاسي، مستشار لدى شركة J.S. Held في لندن: «قامت الإمارات لعقود بدراسة كيف رسخت الدول الأخرى نفوذها في إفريقيا. والآن بينما تنسحب القوى التقليدية، وجدت الإمارات فرصة كبيرة». وما يثير قلق منتقدي الإمارات هو ما يصفونه بتوظيف المساعدات الإنسانية والاستثمارات كأداة لكسب النفوذ السياسي أو دعم أطراف في نزاعات محلية. فقد اتهمت جهات حقوقية الإمارات بمحاولة تلميع صورتها عبر مشاريع إنسانية بينما تقدم دعماً عسكرياً لقوات متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة، مثل قوات الدعم السريع السودانية. منذ اندلاع الحرب السودانية، قدمت الإمارات نحو 600 مليون دولار كمساعدات للسودان، بينما بلغ إجمالي مساعداتها للبلاد خلال العقد الماضي نحو 3.5 مليار دولار. كما تعهدت في العام 2024 باستثمار 35 مليار دولار في مصر، ما أنقذ الاقتصاد المصري من أزمة نقدية خانقة. وتمتد تحركات الإمارات إلى دول أخرى، إذ شيدت مستشفيات ميدانية في تشاد وجنوب السودان، وعززت علاقاتها الاقتصادية مع أوغندا وكينيا وإفريقيا الوسطى، ما ساعدها في كسب دعم سياسي لدورها في السودان. وفي الصومال، توسع الإمارات مطار مدينة بوصاصو الساحلية ليصبح مركزاً لوجستياً مهماً، بينما أظهرت صور الأقمار الصناعية توسعات كبيرة للمطار منذ بداية 2023، في إطار اتفاق مع شركة «موانئ دبي العالمية» لتطوير ميناء بوصاصو أبرم عام 2022. ويرى محللون مثل كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أن تحركات الإمارات في تشاد وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان وليبيا تؤكد أهمية منطقة القرن الإفريقي لطموحات أبوظبي. سياسة مزعزعة للاستقرار لكن قادة إقليميين، مثل رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيله، يصفون هذه السياسة بأنها «مزعزعة للاستقرار الإقليمي»، في ظل استمرار الصراعات التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية للإمارات. ومع استعادة الجيش السوداني لبعض المناطق مؤخراً، ظهرت مؤشرات على محدودية الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، إلا أن الأخيرة استعادت بدورها السيطرة على مناطق واسعة في كردفان وأجزاء استراتيجية على الحدود مع ليبيا ومصر، ما ينذر باستمرار الصراع وتداعياته الإقليمية. وبينما تقول الإمارات إنها تتطلع إلى إفريقيا كشريك اقتصادي وتنموي، فإن دورها المتشابك في النزاعات المحلية يضعها في قلب معادلات سياسية معقدة قد يكون لها أثر عميق على استقرار المنطقة ومستقبل القارة بأسرها.


الوطن الخليجية
٠٤-٠٧-٢٠٢٥
- الوطن الخليجية
ترامب: سنعرف خلال اليوم ما إذا كانت حماس ستوافق على 'المقترح النهائي' للهدنة
ترامب: سنعرف خلال اليوم ما إذا كانت حماس ستوافق على 'المقترح النهائي' للهدنة ترامب: سنعرف خلال اليوم ما إذا كانت حماس ستوافق على 'المقترح النهائي' للهدنة قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة إن حركة حماس الفلسطينية قد ترد خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة على ما وصفه بـ'المقترح النهائي' لوقف إطلاق النار في غزة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تنتظر موقف الحركة من المبادرة التي تم التوصل إليها بوساطة دولية بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023. وأضاف ترامب في تصريحاته أنه تحدث مع المملكة العربية السعودية بشأن توسيع 'اتفاقيات إبراهيم'، وهي اتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، والتي رعتها إدارته خلال ولايته الرئاسية الأولى، معتبرًا أن هذه المبادرات قد تعود إلى الواجهة في حال تحقق تقدم في ملف وقف إطلاق النار. وكان ترامب قد صرّح في وقت سابق من الأسبوع أن إسرائيل وافقت على شروط اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا مع حماس، تُعطى خلاله الفرصة لمفاوضات أوسع تهدف إلى إنهاء الحرب بشكل دائم. وقال خلال مؤتمر صحفي: 'الكرة الآن في ملعب حماس. إسرائيل أعطت موافقتها. ننتظر رد الطرف الآخر خلال 24 ساعة'. من جهتها، أكدت مصادر قريبة من حركة حماس أن الحركة طالبت بضمانات واضحة بأن يؤدي الاتفاق المقترح إلى وقف دائم للعدوان الإسرائيلي على غزة، وليس مجرد هدنة مؤقتة تُستأنف بعدها العمليات العسكرية. وأشار مسؤولان إسرائيليان إلى أن تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد النقاش داخل الدوائر الأمنية والسياسية، في وقت تشهد فيه غزة تصعيدًا متجددًا، حيث أسفرت الغارات الإسرائيلية يوم الخميس عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع. وكانت الحرب في غزة قد اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، بعد هجوم مفاجئ نفذته حماس داخل الأراضي الإسرائيلية، أدى إلى مقتل 1200 شخص وفقًا للأرقام الرسمية الإسرائيلية، إضافة إلى احتجاز حوالي 250 رهينة. وردًا على ذلك، شنت إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، تسببت – وفقًا لوزارة الصحة في غزة – في مقتل أكثر من 56 ألف فلسطيني حتى الآن، وتهجير جماعي لمئات الآلاف، وأزمة إنسانية غير مسبوقة، دفعت محكمة العدل الدولية إلى فتح تحقيق في احتمال ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب. وكان آخر وقف لإطلاق النار قد انهار في مارس الماضي بعد غارات جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني خلال يوم واحد، ما أنهى هدنة استمرت شهرين. وأثار ذلك انتقادات دولية واسعة، خاصة بعد اقتراح ترامب في وقت سابق من هذا العام أن تُخضع الولايات المتحدة غزة لإدارة مؤقتة، وهو ما اعتُبر 'اقتراحًا للتطهير العرقي' من قبل الأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان والفلسطينيين على حد سواء. وفي سياق موازٍ، أشار ترامب إلى أنه ناقش توسيع 'اتفاقيات إبراهيم' خلال اجتماع عُقد مؤخرًا مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في البيت الأبيض، مؤكدًا أن 'هناك دولًا إضافية مستعدة للانضمام إلى الاتفاقات في حال تحقق الاستقرار في المنطقة'. ونقل موقع 'أكسيوس' أن الأمير خالد أجرى بعد لقائه ترامب اتصالًا مع رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية عبد الرحيم موسوي، في مؤشر على تعقيد المشهد الإقليمي وتشابك المصالح بين الخصوم الإقليميين. ويأتي لقاء ترامب بالمسؤول السعودي قبيل زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، في وقت تزداد فيه الضغوط على إدارة بايدن من أطراف عدة للعب دور أكثر فاعلية في وقف الحرب وإنقاذ المدنيين في غزة.


الوطن الخليجية
٢٦-٠٦-٢٠٢٥
- الوطن الخليجية
بلومبيرغ: المواجهة بين إيران وإسرائيل أحد أقسى الاختبارات لسياسة الحياد الإماراتية
تشهد الإمارات العربية المتحدة اختباراً حقيقياً لنهجها القائم على الحياد والانفتاح الاقتصادي في واحدة من أكثر اللحظات الجيوسياسية حساسية في الشرق الأوسط. فمع اشتداد التوتر بين إيران وإسرائيل، وامتداد المواجهة لتشمل الولايات المتحدة، وُضعت سياسة أبوظبي الخارجية ومكانتها كمركز مالي عالمي تحت المجهر. وأبرزت وكالة بلومبيرغ أنه على مدار العقد الماضي، عرفت الإمارات كيف تحوّل الأزمات الإقليمية والدولية إلى فرص اقتصادية: من جذب الاستثمارات الهاربة من دول الربيع العربي، إلى احتضان رؤوس الأموال الروسية بعد غزو أوكرانيا، وتقديم نفسها كوجهة استقرار خلال الجائحة. لكن تصاعد حدة الصراع بين طهران وتل أبيب — وهجوم إيران على قاعدة أمريكية في قطر المجاورة — مثّل تحدياً مباشراً لهذا النموذج. بين الأمان الظاهري والقلق الكامن في صباح الثلاثاء، وبعد ساعات من إغلاق مؤقت للمجال الجوي الإماراتي، بدت الحياة وكأنها عادت إلى طبيعتها في دبي وأبوظبي. استمرت الاجتماعات في مراكز المال، وتحركت الاستثمارات كما هو مخطط، بحسب تصريحات مسؤولين في صناديق ثروة سيادية. إلا أن هذا الهدوء السطحي يخفي قلقاً واضحاً لدى بعض الفاعلين في السوق من احتمالات تصعيد يصعب التنبؤ بعواقبه. الرئيس التنفيذي لشركة 'كراونوكس' الأمنية في دبي، حسين ناصر الدين، لفت إلى أن الهجوم الإيراني كشف حدود 'الخطوط الحمراء' في المنطقة، مضيفاً أن شركته شهدت ارتفاعاً في طلبات الاستشارات وخطط الطوارئ من الشركات العاملة في الخليج، والتي بدأت تبحث عن سبل لتأمين عملياتها عبر الحدود. الملاذ الآمن لا يزال قائماً… حتى إشعار آخر رغم كل شيء، لم تسجل الإمارات أي موجات لهروب رؤوس الأموال أو توقف عن إبرام الصفقات. وأكد أكثر من 12 مصرفياً ومسؤولاً في صناديق استثمار لـ'بلومبيرغ' أن الأنشطة تسير بشكل طبيعي، في حين واصل سوق الأسهم الإماراتي أداءه الإيجابي. وارتفع المؤشر العام في دبي بنسبة تقارب 3%، في حين أضاف مؤشر أبوظبي أكثر من 1%، متجاوزين تأثيرات الصراع بل ومتفوقين على الأداء العالمي لمؤشر MSCI. وفسرت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، هذا التماسك بالقول: 'مكانة الإمارات كملاذ آمن ستستمر، خاصة مع بقاء الإصلاحات الاقتصادية مقنعة، وغياب مؤشرات على اضطرابات حقيقية'. هشاشة النموذج في ظل صراع شامل لكن على الرغم من التفاؤل المرحلي، فإن هشاشة النموذج الإماراتي تبرز كلما اقترب الصراع من حدودها. فعلى سبيل المثال، أي انسحاب للوافدين — الذين يشكلون الغالبية في دبي — من شأنه أن يزعزع سوق العقارات، أحد أعمدة الاقتصاد المحلي، والذي يشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي للإمارة. وقال مايلز بوش، رئيس شركة 'فينكس هومز'، إن دبي شهدت خلال 48 ساعة من التوتر تراجعاً في إتمام الصفقات العقارية، لكنه أشار إلى عودة الثقة سريعاً. مع ذلك، تبقى هذه المؤشرات مؤشراً على هشاشة قائمة في حال تطورت المواجهة. ورغم استئناف الرحلات الجوية وعودة العمل في مطارات الإمارات، فإن عدداً من شركات الطيران الكبرى ما زال يتجنب دبي، من باب الاحتياط لضمان سلامة الطواقم والمسافرين. وهو ما يهدد قطاع الطيران الذي ساهم في 2023 بنسبة 27% من الناتج المحلي لدبي، بإضافة نحو 40 مليار دولار للاقتصاد المحلي، بحسب شركة 'طيران الإمارات'. سياسات مرنة في وجه اضطرابات صلبة نجحت الإمارات في تعزيز صورتها كوجهة عالمية للمستثمرين والشركات، بفضل التسهيلات الضريبية، وسياسات التأشيرات الليبرالية، والبنية التحتية المتقدمة. لكن هذه السمعة قد تنهار فجأة في حال وصول الصراع إلى مرحلة تتجاوز قواعد الاشتباك التقليدي. وكما أشار أحد مستشاري الإدارة، فإن الضربة 'الأكثر تدميراً' — كاستهداف مركز سكاني — قد تكون كفيلة بتدمير صورة الإمارات كملاذ آمن. في المقابل، يرى بعض الفاعلين في السوق فرصاً محتملة في قلب الأزمة. كين مويلس، المصرفي المعروف في وول ستريت، وصف التوترات بأنها قد تفتح المجال أمام أحد أكبر التحولات الإيجابية في المنطقة، مثل رفع العقوبات عن إيران، والإفراج عن احتياطات نفطية ضخمة، وفتح أسواق جديدة. وقال مويلس: 'الجميع يتحدث عن فشل السلام، لكن ماذا لو دخل 90 مليون إيراني مثقفين ومتحفزين إلى السوق؟' وأكدت بلومبيرغ أن المواجهة بين إيران وإسرائيل لن تكون آخر الأزمات التي تختبر نهج الإمارات في الحياد والانفتاح، لكنها ربما تكون الأصعب حتى الآن، نظراً لطبيعة الأطراف المتورطة، وقرب الحدث جغرافياً، وتشابكه مع مصالح أمريكية مباشرة. وفيما تسعى القيادة الإماراتية إلى إظهار ثبات اقتصادي وأمني، فإن كلفة الانزلاق إلى صراع شامل لن تُقاس بتقلبات سوق الأسهم فقط، بل بإمكانية تفكك النموذج الإماراتي ذاته، القائم على الانفتاح، والمرونة، والحياد المحسوب في بيئة إقليمية مشتعلة. وختمت الوكالة بأنه في الوقت الحالي، تتماسك الإمارات، لكنها تفعل ذلك على حافة بركان.