
متى تتحرر القضية الفلسطينية من قبضة المشاريع الكبرى؟
لم تكن القضية الفلسطينية ومنذ لحظة ولادتها، مجرد صراع شعب على أرضه، بل كانت دوماً ملعباً فسيحاً للمشاريع الكبرى التي وجدت فيها تربة خصبة لتسويق أيديولوجياتها، افتُتحت فصول المأساة الفلسطينية عشية أكبر حدث شهدته المنطقة: «سقوط الدولة العثمانية»، حيث جاء وعد بلفور عام 1917 كجزء لا يتجزأ من مشروع إعادة تشكيل الإقليم، لم يكن الوعد معزولاً، بل تزامن مع اتفاقية سايكس- بيكو، ومع بدء تقسيم التركة العثمانية بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وفي نهاية تلك الحقبة الاستعمارية، صدر قرار التقسيم عام 1947 كتتويج لمشروع دولي كان الفلسطيني أكبر الخاسرين فيه: فقد أرضه دون أن يُسأل عن رأيه، وغُيّب عن مشهد صياغة مصيره.
ثم دخلنا في مرحلة تشكّل الدول القطرية الحديثة، وكانت فلسطين، قضيتها الأولى، فاندفعت هذه الدول، التي لم تكن تمتلك الخبرة الكافية، لاجتثاث المشروع الصهيوني، وكانت النتيجة كارثية في نكبة عام 1948، التي كرّست وجود إسرائيل كقوة عسكرية، وأجهزت على أجزاء إضافية من الأرض الفلسطينية، ومع صعود المشروع القومي العربي، تحوّلت القضية الفلسطينية إلى عنوان مركزي، بل إلى رافعة للمشروع كله، جُندت الجماهير، وأُطلقت الشعارات، وعُلّقت الآمال، لكن المشهد انتهى بهزيمة عام 1967، التي لم تقتصر على خسارة فلسطين، بل طالت أراضي دول عربية أخرى، كانت فلسطين، كالعادة، الخاسر الأكبر، ورغم بعض التقدم في حرب أكتوبر 1973، إلا أن العرب توصلوا سريعاً إلى قناعة مؤلمة: «كلفة الحرب مع إسرائيل باهظة جداً» وهكذا بدأ مسار «السلام الاستراتيجي»، وأخذت اتفاقيات كامب ديفيد شكلها النهائي، وتراجع الحلم القومي خطوة إثر أخرى، في هذه الأثناء، أُتيحت للفلسطينيين فرصة هشة للاستقلال في القرار، فتحركت منظمة التحرير الفلسطينية نحو مسار تفاوضي لم يُجمع عليه الداخل الفلسطيني، لكنه حقق بعض المكاسب الرمزية والمادية، غير أن الحلم ظل معلقاً.
وبينما لم تكن الجراح قد التأمت، صعد مشروع جديد، هذه المرة باسم الإسلام: فكان التيار الجهادي السني الخارج من رحم أفغانستان، ثم المشروع الإسلامي الشيعي الذي بزغ من طهران عام 1979 مع الثورة الخمينية، كلا المشروعين تبنّى فلسطين، لكن ليس كقضية شعب يسعى للتحرر، بل كرمز في معركة كونية ضد «الطاغوت» أو «الاستكبار العالمي»، انتهى المشروع السني إلى تنظيمات كـ»القاعدة» و»داعش»، التي ألحقت ضرراً هائلًا بصورة القضية الفلسطينية، وربطتها بالإرهاب، أما المشروع الشيعي، فقد بلور ما يُعرف بمحور «المقاومة»، والذي استبدل الجيوش النظامية بجماعات مسلحة موازية للدولة، وأطلق عقيدة قتالية تقوم على استنزاف العدو لا من أجل إنجاز سياسي، بل من أجل «محوه»، ولو كان الثمن سحق المجتمعات التي تنطلق منها هذه الحركات، لم تكن إيران لتقبل بهذه القاعدة حين اقترب الخطر منها، وعندما باتت هي المعنية بالخسائر، تغيّرت القواعد، إسرائيل، بدورها، قرأت هذا النمط جيداً، واستثمرته لصالحها، أقنعت سكانها والغرب بأنها مهددة بالإبادة، فانهالت عليها المساعدات والتسليح والدعم السياسي، بينما شعوب محور المقاومة تُسحق اقتصادياً، وتُكمم سياسياً، وتُستنزف في حروب لا ترى لها أفقاً.
وعبر هذه الاستراتيجية، تمكنت إسرائيل من امتصاص صدمة 7 أكتوبر 2023، وصواريخ حزب الله، وضربات الحوثيين، بل وحتى الصواريخ الباليستية الإيرانية، كان الرد الغربي أكبر من الحدث، وكان الاحتضان الدولي لإسرائيل غير مسبوق، لا لأنها «مظلومة» فعلاً، بل لأنها أتقنت تسويق مظلوميتها عبر رواية محكمة: «نحن نحارب للبقاء».
واليوم، ونحن نشهد لحظة تبدو مفصلية، يبدأ حزب الله مفاوضات لتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وتجلس إيران إلى طاولة التفاوض مع واشنطن، وحماس تتباحث مع إسرائيل بشأن الأسرى واليوم التالي لغزة، وفي الخلفية، تستمر فلسطين في النزيف: دماءً وأرضاً وذاكرة.
لكن المأساة لا تنتهي هنا، فثمة من يسعى لاختطافها من جديد، هذه المرة عبر مشروع «اليسار العالمي» الذي يرى في فلسطين «ضحية نموذجية»، يُصفق لها في الساحات الأكاديمية، وتُرفع صورتها في تظاهرات الشباب الغاضب في الغرب، لكنها تظل بالنسبة له مجرد أداة في معركة رمزية ضد الرأسمالية والتاريخ الاستعماري، ولا أحد من هؤلاء مستعد لأن يضع يده في يد الفلسطيني ليبني معه مساراً حقيقياً لإنهاء المأساة والاحتلال، ويتكرر المشهد والاختطاف مستمر، والضحية واحدة «فلسطين».
لقد آن الأوان لإعادة تعريف القضية الفلسطينية كما هي: لا بوصفها شعاراً في خدمة مشروع أياً يكن، بل كصراع شعب حي، على أرض محتلة، من أجل الكرامة والعدالة، ولأجل وطن حُرّ، كل ذلك لا يعني عزلها عن سياقها الإقليمي والدولي، ولكن تحريرها من أن تُستخدم كرمز دعائي، أو كأداة تكتيكية لمشاريع لا تمت لها بصلة.
بالتالي فإن فلسطين لا يجب أن تكون مشروعاً أممياً ولا قومياً ولا دينياً، فلسطين هي فلسطين، وكل محاولة لتجييرها لغير ذلك، هي طعنة أخرى في خاصرتها النازفة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 11 ساعات
- أخبارنا
مبعوث ترامب: الساسة اللبنانيون يلعبون بالزهر ونحن أواجههم بالشطرنج
أخبارنا : شدد المبعوث الأمريكي توم باراك على أن نزع سلاح "حزب الله" مسألة لبنانية، وقال إنه لا أحد سيواصل مفاوضة بيروت للأبد. وفي تصريحات لقناة LBC اللبنانية، قال باراك إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يتمتع بشجاعة وتركيز مذهل لكن ما ليس لديه هو الصبر"، مشيرا إلى أن "حزب الله هو مسألة لبنانية وليست عالمية"، لكنه بين أن الأمريكيين من الناحية السياسية قد صنّفوه منظمة إرهابية، لذلك "إذا عبثوا معنا في أي مكان على المستوى العسكري كما أوضح الرئيس فسوف يواجهون مشكلة معنا". ورأى باراك أن "نزع سلاح حزب الله كان دائما حقيقة بسيطة وواضحة جدا أكد عليها الرئيس ووزير الخارجية باستمرار: بلد واحد شعب واحد جيش واحد"، موضحا أن المقصود ليس فقط سلاح حزب الله بل أيضا سلاح الفلسطينيين والميليشيات المسلحة "وإذا اختارت القيادة السياسية هذا المسار فسنرشد ونساعد". وبين أن السياسيين اللبنانيين يلعبون طاولة الزهر بينما يواجههم هو بالشطرنج، مشيرا إلى أن ردود أفعالهم "مشجعة"، لكنه أضاف "هم يجب أن يقرروا ما هو التزامهم الحقيقي.. نحن نعطيهم فرصة لإثبات ذلك، واحداً تلو الآخر". وأضاف: "الجميع خائف. لا أحد يريد حرباً أهلية. لا أحد يريد الضغط كثيرا.. في لبنان هناك نظام طائفي، يتطلب الإجماع. وكل الحوارات تتم داخل هذا الإطار.. نحن فقط نحترم هذه العملية". وقال: "إذا لم ترغبوا في التغيير إذا كان الناس لا يريدون التغيير فقط أخبرونا، ولن نتدخل". ونفى المبعوث الأمريكي ما حُكي عن جداول زمنية لتسليم السلاح، وقال باراك "أنا لم أقل شيئاً عن طلبنا أو عن رد اللبنانيين من ناحية التوقيت". وقال إن سبب وجوده في لبنان هو "براعة رجل واحد وشجاعته، وهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب". وحول قول كلام أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الرافض لتسليم السلاح، قال باراك إن "عملية التفاوض لبنانية تقليدية، إذ إنها مفاوضات مستمرة حتى يكون الجميع مستعدين فعلًا لإبرام اتفاق حقيقي"، مضيفا "على اللبنانيين وضع إطار زمني.. ونحن كأميركيين، هنا فقط لنسهّل سرعة استغلال هذه الفرصة، لكننا لن نفرض شيئاً". وأشار إلى أنه "سيكون هناك تقدم خلال أسبوعين عند عودته، وإذا حظي هذا التقدم بقبول المكوّنات التي تمثلونها فسيكون ذلك معجزة، وأنا متأكد من ذلك". كما أضاف "أعتقد بأن مكوّنات الحكومة جاهزة، وطبعاً يجب أن يُعرض كل شيء على مجلس الوزراء حين تنضج الأمور. لكنّ الجيش اللبناني هو نقطة الارتكاز". وعن العلاقة بين لبنان وسوريا، عبر باراك عن أمله أن "تسير العلاقات في مسارين متوازيين يلتقيان قريباً". وقال إنه "في الوقت الراهن، نظرة سوريا إلى لبنان، وإلى إسرائيل، والأردن، والعراق، هي جزء من نسيج جديد. وكما تذهب سوريا، يذهب لبنان، لأن لبنان هو الممر بالنسبة إليهم. اللبنانيون والسوريون مرتبطون منذ أيام بلاد الشام"، مضيفاً "العالم يمنح لبنان الفرصة نفسها التي يعطيها لسوريا". وحول ما حكي عن ضم طرابلس أو مناطق في البقاع إلى سوريا، أجاب باراك: "هذا خيال، وهم، كاريكاتور. لم أسمع كلمة واحدة عن موضوع الضم، ولا أي شخص موثوق في دوائر العمل معنا في سوريا تحدث عن ذلك". ووصف باراك ما فعله الجيش اللبناني جنوبي الليطاني منذ توقيع الاتفاق بأنه "مذهل" رغم أنّ الاتفاق لم يؤت ثماره لما يعتبره الطرفان خرقا. المصدر: LBCI


أخبارنا
منذ 11 ساعات
- أخبارنا
د. حازم قشوع يكتب : نظام ضوابط امني وسياسي ؛
أخبارنا : على ايقاع كمائن غزة حيث بيت حانون وصواريخ عسقلان وتدمير الباخره الإسرائيلية ذات الحمولة الكيميائية فى البحر الأحمر، وظهور صواريخ الليزر "الأرض جوية" فى اليمن، ووصول الصواريخ الصينية إلى إيران، ونشر الدفاعات الجويه المصريه الصينيه حديثة التصنيع فى قناة السويس، تأتى قمة نتنياهو والرئيس ترامب في البيت الأبيض لكي تجيب على الاسئلة الخمسة التي تتعلق منها في مسألة المفاوضات مع إيران واذرع المحور، وآخر يقوم على تطبيع العلاقات بين "اسرائيل نتنياهو" و "سوريا الشرع"، اضافة الى انهاء المسألة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، كما في كيفية التعامل مع اليمن بعد فشل عمليه العلم الاسود، اضافة الى مسألة وقف إطلاق النار فى غزة من دون الانسحاب الاسرائيلي من القطاع حيث يتم التفاوض حولها، وهى الموضوعات التى يفاوض عبرها نتنياهو عن الأجندة "الأمنية" بينما يفاوض الرئيس ترامب عن برنامجه "السياسي". وهذا ما جعل من اللقاء يتم من دون هالة بروتوكولية ومن غير منصه إعلاميه دأب الرئيس الأمريكي على بيانها مع ضيوفه فى المكتب البيضاوي لبيان موقفه وبرنامج سياساته، الأمر الذى جعل من السمة الغالبة على اللقاء تأخذ سمة "اجتماع تفاوضي" على مرحلتين حيث يدخل فيها نتنياهو للبيت الأبيض من المدخل الجنوبي في الوجبة الثانية من الاجتماع ويبرز فيها التباين بين وجهتي الرأى الامنيه والسياسيه. وعلى الرغم من تقديم نتنياهو لعربون ولاءه عبر ورقة ترشيح دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، سيما وأنها الجائزة التى تخص اسرائيل ومن يقف مع توجهاتها سلمية، الا ان هذا العربون لم يقدم المفيد الذي تحمله ورقة نوبل باعتبارها جائزه سلمية وليست أمنية، يريد من ورائها نتنياهو من بسط نفوذه على المنطقة بالنيابة عن أمريكا وحده من دون شركاء "سياسيين" بل وعبر شركاء داعمين يقومون على دعم أجندته القاضية بالهيمنة على المنطقة وتصفية قضيتها المركزية التي بات مجرد الحديث حولها يشكل إشكالية على حد وصف نتنياهو واجندته الأمنية. وعلى صعيد متصل يقوم الملك عبدالله ببيان الموقف العربي الفلسطيني والدولي في جملة تعاطي دبلوماسية، يقوم عبرها باللقاء مع عمق الدولة الأمريكي في جناحي المعادلة الجمهورية في واشنطن كما الحزب الديموقراطي الصاعد فى نيويورك ودنفر فى ولاية كولورادو حيث معقل الحزب الديمقراطي وكاليفورنيا، والملك وهو يقوم بهذه الجولة "السياسية" نيابة عن تيار عريض عنوانه دول الناتو إنما تهدف لإنهاء ملفات الشرق الاوسط وقضيته المركزية بطريقة سياسية منسجمة إلى حد كبير مع سياسة البيت الأبيض في بيان السلام. ان الملك عبدالله وهو يحاول تشكيل نظام ضوابط وموازين جديد للمنطقة بين السياسية منها والأمنية، إنما يقوم بهذا الدور الريادي وهو المؤيد بقرارات الشرعية الدولية وسط دعم كبير يتلقاه من عمق الدوله العالمي بطريقة غير مسبوقة، سيما وان هنالك قرارا مركزيا قد اتخذ على حد وصف متابعين بوقف الحلول الأمنية قبل وصول الجميع إلى لقاء الجمعية العمومية في أيلول القادم، وهو الموعد الذي ستصبح فيه فلسطين دوله كامله العضوية، وهذا ما يجعل من إشكالية نتنياهو وبرنامج عمله تزيد إشكالية بالرغم من الحالة الإعلامية التي يغلب على فضاءاتها الأجندة الأمنية خدمةً للملفين الاسرائيلي والايراني مع دخول تركيا في محور الارتكاز في المنطقة. وبهذا تكون الولايات المتحدة تشهد حراكا أمنيا يتم التفاوض حوله في البيت الأبيض، كما تشهد تحركا دبلوماسيا فى بيت قرارها السياسي يقوده الملك عبدالله لاستخلاص معادلة "سياسية أمنية"، وهو الاستخلاص الذى من المهم بلورته بهذه الظرفية كونه منسجم مع رؤية البيت الأبيض والرئيس الأمريكي سياسيا، وهذا ما يجعل من امريكا تشهد تحركا غير مسبوقا امنيا وسياسيا، ويكون البيت الأبيض على موعد مع بيان برنامج عمله وتحديد بوصلة قراره التى ستكون فى الغالب تجاه الحالة السياسية السلمية، حتى يتم تشكيل شراكة أمنية وسياسية تقوم عليها نظام الضوابط والموازين الجديد.


أخبارنا
منذ 16 ساعات
- أخبارنا
حسين الرواشدة : حالة «طوارىء سياسية» لترتيب البيت الداخلي
أخبارنا : بهدوءٍ، وقليلٍ من الكلام، بدأت الدولة الأردنية إعادة ترتيب البيت الداخلي، كل ما جرى منذ بداية هذا العام، على الأقل، كان يصب في هذا الاتجاه، صحيح، الخطاب العام الرسمي ظل يدور في فلك التحديث ومنظوماته الثلاثة، ويعزز قرار الاستدارة للداخل، وينسحب من التصعيد في قضايا خارجية، لكن الصحيح، أيضاً، «القلق» من الاستحقاقات التي تمخضت عن الحرب على غزة وما بعدها ظل بمثابة «الدينامو» الذي حرك عجلة السياسة، ثمة مخاطر قادمة بلا شك، الاستعداد لمواجهتها واجب وطني، والخيار هو «لمّ الشمل» الوطني على وعي محدد، عنوانه حماية المصالح العليا للدولة، والأردن فوق كل اعتبار. لا أدري إذا كانت الرسالة وصلت للمجتمع أم لا، لا أدري، أيضاً، إذا كانت اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، وبلدنا تحديداً، تستدعي مكاشفات أوضح وأعمق، وكذلك استنفاراً عاما تقوده قوة وطنية موثوقة تتحدث باسم الدولة، وتشكل الروافع لمقرراتها وخياراتها، لا أدري، ثالثاً، إذا كانت عملية «الترتيب» التي جرت، سواء على صعيد النقابات والبلديات، المجال السياسي والاقتصادي، الثقافي والديني والاجتماعي، قد اكتملت، أو أنها جاءت ناضجة بما يكفي لإقناع الأردنيين، ما أعرفه، تماماً، إدارات الدولة تعمل بانسجام وتوافق، وثمة إجماع على التعامل مع القادم واستحقاقاته بمنطق إعلان صامت لحالة الطوارئ السياسية. لكي نفهم أكثر، المنطقة أمام مرحلة تشبه، تماماً، ما حدث قبل نحو 109 أعوام، وثيقة سايكس بيكو التي تضمنت 12 بنداً يُعاد إنتاجها هذا الأسبوع في واشنطن، لكن بصورة أخرى، قمة «ترامب? ياهو»? ستكون بمثابة إعلان عن بداية تنفيذ مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، حيث تقسيم مناطق النفوذ، وتغيير الخرائط السياسية، وإجراء الصفقات التجارية، السؤال: أين يقع بلدنا من هذا المخطط، وكيف يمكن أن يتعامل معه، هل المطلوب أن يواجهه أم يتكيف معه، ما الأثمان السياسية التي تترتب على ذلك؟ أكيد، هذه الأسئلة تبدو صعبة، والإجابات عنها ربما أصعب، لكن إذا توافقنا على أن القضية الفلسطينية هي الثابت والمتغير (معاً) وأنها تشكل محور الصراع وتداعياته واستحقاقاته، فإن اعادة ترسيم مواقفنا من هذه القضية يساعدنا في الإجابة عن أسئلة القادم، ثمة ثوابت نتوافق عليها حول هذه القضية : مصالحنا الوطنية العليا، دعم صمود أهلنا هناك، رفض حل القضية الفلسطينية على حساب بلدنا، قرار الفلسطينيين بيدهم، نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية ونعمل في إطارها، ولا نتحمل وحدنا مسؤولية ما حدث أو ما سيحدث، هذه العناوين وغيرها تحتاج إلى حوار وطني أوسع لكي نخرج بمعادلة أردنية واضحة، تُرسّم علاقتنا بالقضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة. بصراحة أكثر، القضية الفلسطينية تواجه خطراً وجودياً، انتهت على ما يبدو كل المقاربات التي طُرحت فيما مضى للحل أو للتسويات والسلام، إسرائيل تريد فلسطين بأقل ما يمكن من فلسطينيين، ومشاريع التهجير جاهزة على ما يبدو، والدول المستقبلة أصبحت معروفة، وكذلك مشاريع التطبيع، الأردن يقف وحيداً في مواجهة هذا المخطط الكبير، ولا يستطيع، وحده، أن يتصدى له، المطلوب أن نفكر، كأردنيين، بمنطق عاقل وهادئ لكي نخرج من هذه المرحلة بأقل الخسائر، والأهم أن ننتزع لنا دوراً يضمن الحفاظ على بلدنا، ويجنبه الانخراط في أي مغامرة.