
حسين الرواشدة : حالة «طوارىء سياسية» لترتيب البيت الداخلي
بهدوءٍ، وقليلٍ من الكلام، بدأت الدولة الأردنية إعادة ترتيب البيت الداخلي، كل ما جرى منذ بداية هذا العام، على الأقل، كان يصب في هذا الاتجاه، صحيح، الخطاب العام الرسمي ظل يدور في فلك التحديث ومنظوماته الثلاثة، ويعزز قرار الاستدارة للداخل، وينسحب من التصعيد في قضايا خارجية، لكن الصحيح، أيضاً، «القلق» من الاستحقاقات التي تمخضت عن الحرب على غزة وما بعدها ظل بمثابة «الدينامو» الذي حرك عجلة السياسة، ثمة مخاطر قادمة بلا شك، الاستعداد لمواجهتها واجب وطني، والخيار هو «لمّ الشمل» الوطني على وعي محدد، عنوانه حماية المصالح العليا للدولة، والأردن فوق كل اعتبار.
لا أدري إذا كانت الرسالة وصلت للمجتمع أم لا، لا أدري، أيضاً، إذا كانت اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، وبلدنا تحديداً، تستدعي مكاشفات أوضح وأعمق، وكذلك استنفاراً عاما تقوده قوة وطنية موثوقة تتحدث باسم الدولة، وتشكل الروافع لمقرراتها وخياراتها، لا أدري، ثالثاً، إذا كانت عملية «الترتيب» التي جرت، سواء على صعيد النقابات والبلديات، المجال السياسي والاقتصادي، الثقافي والديني والاجتماعي، قد اكتملت، أو أنها جاءت ناضجة بما يكفي لإقناع الأردنيين، ما أعرفه، تماماً، إدارات الدولة تعمل بانسجام وتوافق، وثمة إجماع على التعامل مع القادم واستحقاقاته بمنطق إعلان صامت لحالة الطوارئ السياسية.
لكي نفهم أكثر، المنطقة أمام مرحلة تشبه، تماماً، ما حدث قبل نحو 109 أعوام، وثيقة سايكس بيكو التي تضمنت 12 بنداً يُعاد إنتاجها هذا الأسبوع في واشنطن، لكن بصورة أخرى، قمة «ترامب? ياهو»? ستكون بمثابة إعلان عن بداية تنفيذ مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، حيث تقسيم مناطق النفوذ، وتغيير الخرائط السياسية، وإجراء الصفقات التجارية، السؤال: أين يقع بلدنا من هذا المخطط، وكيف يمكن أن يتعامل معه، هل المطلوب أن يواجهه أم يتكيف معه، ما الأثمان السياسية التي تترتب على ذلك؟
أكيد، هذه الأسئلة تبدو صعبة، والإجابات عنها ربما أصعب، لكن إذا توافقنا على أن القضية الفلسطينية هي الثابت والمتغير (معاً) وأنها تشكل محور الصراع وتداعياته واستحقاقاته، فإن اعادة ترسيم مواقفنا من هذه القضية يساعدنا في الإجابة عن أسئلة القادم، ثمة ثوابت نتوافق عليها حول هذه القضية : مصالحنا الوطنية العليا، دعم صمود أهلنا هناك، رفض حل القضية الفلسطينية على حساب بلدنا، قرار الفلسطينيين بيدهم، نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية ونعمل في إطارها، ولا نتحمل وحدنا مسؤولية ما حدث أو ما سيحدث، هذه العناوين وغيرها تحتاج إلى حوار وطني أوسع لكي نخرج بمعادلة أردنية واضحة، تُرسّم علاقتنا بالقضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة.
بصراحة أكثر، القضية الفلسطينية تواجه خطراً وجودياً، انتهت على ما يبدو كل المقاربات التي طُرحت فيما مضى للحل أو للتسويات والسلام، إسرائيل تريد فلسطين بأقل ما يمكن من فلسطينيين، ومشاريع التهجير جاهزة على ما يبدو، والدول المستقبلة أصبحت معروفة، وكذلك مشاريع التطبيع، الأردن يقف وحيداً في مواجهة هذا المخطط الكبير، ولا يستطيع، وحده، أن يتصدى له، المطلوب أن نفكر، كأردنيين، بمنطق عاقل وهادئ لكي نخرج من هذه المرحلة بأقل الخسائر، والأهم أن ننتزع لنا دوراً يضمن الحفاظ على بلدنا، ويجنبه الانخراط في أي مغامرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد اليمني الأول
منذ 21 ساعات
- المشهد اليمني الأول
تساؤلات حول الشرق الأوسط الجديد
جرى الحديث مؤخراً عن 'الشرق الأوسط الجديد' الذي تسعى إدارة ترامب لرسمه في المنطقة، وسط غياب المعرفة عن شكل هذا 'الشرق الأوسط'. لكن الثابت فيه هو أنه سيكون بقيادة إسرائيلية وتبعية للولايات المتحدة الأميركية. مع الإشارة مقدماً إلى أن الكثير من المشاريع الأميركية التي استهدفت المنطقة بقيت حبراً على ورق في كثير من الأحيان، فهي ليست قدراً محتوماً، خاصة إذا ما لقيت رفضاً من شعوب المنطقة. معالم الشرق الأوسط الجديد تُرسم على إيقاع الحرب في غزة، وما يسمّى السلام الإبراهيمي، الذي يبدو أن قطاره سينطلق من جديد ليشمل بعض الدول العربية ذات التأثير في معادلة الصراع العربي الصهيوني. 'السلام مقابل الازدهار'، هي الفكرة التي تحرص أميركا و'إسرائيل' على الترويج لها، لكن الواقع يقول إن الدول العربية التي وقعت اتفاقاً للسلام مع 'إسرائيل' لم تعد تعيش واقعاً اقتصادياً أفضل. ظهرت كلمة 'الشرق الأوسط' لأول مرة في العام 1902، في مقالة نشرها البحار الأميركي ألفريد ماهان، صاحب نظرية القوة البحرية. لا يوجد تحديد دقيق لمصطلح 'الشرق الأوسط'، والدول التي يشملها، وخاصة أن الهدف منه كان دمج 'إسرائيل' مع دول المنطقة العربية، عبر تسميتها دول الشرق الأوسط، كي لا تبدو 'إسرائيل' جسماً غريباً فيه، باعتبارها ليست عربية ولا إسلامية، كما أن مستوطنيها لا يشبهون سكان المنطقة العربية. يعد شيمون بيريز رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الأب الروحي للمصطلح، حيث تحدث عن مشروع 'السوق الشرق أوسطية' في العام 1967، وكان الهدف منه تأسيس شراكة اقتصادية بين 'إسرائيل' والدول العربية على غرار السوق الأوربية المشتركة. بعد معركة طوفان الأقصى بات من الواضح أن المنطقة مقبلة على تغيرات جيو استراتيجية، وأن خرائط جديدة يجري العمل على تنفيذها، وحدود سايكس بيكو التي رسمت معالم الدولة القومية الحديثة لم تعد استمراريتها متاحة. تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، لكن هذه المرة بناء على أسس دينية وإثنية ومذهبية، لحرف الصراع عن حقيقته، وإدخالنا في صراعات طائفية لا تُبقي ولا تذر. لقد استطاعت 'إسرائيل' تكريس فكرة أنها 'دولة خارجة على القانون'، وبالتالي لا مجال لمحاسبتها، وأصبح نتنياهو 'أزعر الشرق الأوسط'الذي يفعل ما يريد، وهو المطلوب للعدالة الدولية والقضاء في 'إسرائيل'. 'مواجهة إيران وتركيا' هي الخطوة المقبلة لـ'إسرائيل'، والمطلوب من العرب أن يكونوا أداتها في تلك المواجهة، عبر قدرتها على إثارة النعرات بين أبناء المنطقة. وخاصة أن تركيا تسير على خطى إيران في دعمها للجماعات الإسلامية، وفقاً للتصورات الإسرائيلية. الدور الوظيفي لهذه الجماعات يمكن الاستثمار به إسرائيلياً، لكن القدرة على احتوائها مستقبلاً أمر غير مؤكد، ويحمل العديد من المخاطر التي يتوجب على 'إسرائيل' أخذها بعين الاعتبار. مؤتمر مدريد للسلام والشرق الأوسط الجديد… انطلاقاً من فكرة أن 'العرب لا يستطيعون هزيمة 'إسرائيل'، و'إسرائيل' لا تستطيع فرض شروط السلام على العرب'، كان لا بد من التوجه إلى السلام لوضع نهاية لهذا الصراع العبثي، كما يروق للغرب تسميته. عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعاد معه الحديث عن الشرق الأوسط الجديد وفقاً للتصورات الإسرائيلية والمدعومة أميركياً، ولا سيما أن الظروف لم تعد في مصلحة العرب الذين ذهبوا إلى المؤتمر من موقع المهزوم لا المنتصر. فالاتحاد السوفياتي كان قد تفكك، وهو الذي كان حليفاً للعرب وداعماً لهم طوال فترة الحرب الباردة، وخاصة خلال حرب تشرين التحريرية، حيث شكل 'الموازن الدولي' للدعم الأميركي المطلق لـ'إسرائيل'. الجيش العراقي كان قد جرى تدميره من قبل التحالف الدولي بعد الغزو العراقي للكويت، ففقد العرب خامس أقوى جيش في العالم في حينه، وهو الذي كان في طليعة الجيوش العربية المستعدة لقتال 'إسرائيل'. كان توقيت المؤتمر بمناسبة مرور 400 عام على طرد العرب من الأندلس، ما أضفى على المكان إحساساً بوقع الهزيمة التي على العرب تقبلها. مفاوضات السلام بين العرب و 'إسرائيل' ركزت على تفتيت المسارات، وضرورة استفراد إسرائيل بكل طرف عربي على حدة، كي يسهل عليها فرض شروطها وإملاءاتها. كانت الولايات المتحدة تتحدث عن 'نهاية التاريخ'، حيث سيطرت القيم الغربية وثقافة العولمة، وباتت أميركا القطب المهيمن على العالم، وأن هذه السيطرة باتت حتمية وخاصة أن التاريخ قد انتهى ولن يعيد نفسه هذه المرة بظهور دولة تنافس الولايات المتحدة في تربعها على عرش العالم. 'إسرائيل' كانت منشغلة في الترويج لفكرة 'الشرق الأوسط الجديد' التي عبّر عنها شيمون بيريز في كتابه الذي عنونه بهذا الاسم، والذي صدر في العام 1993. يطرح بيريز معادلة مفادها (النفط العربي+اليد العاملة العربية= الخبرة الإسرائيلية)، فالصهاينة يمتلكون التفوق الذهني والحضاري الذي يمكنهم من قيادة المنطقة، وفقاً لتصوراته. في تلك الفترة جرى الحديث عن تحويل اسم 'جامعة الدول العربية' إلى 'جامعة الشرق الأوسط' لتكون 'إسرائيل' عضواً فيها، وربما تركيا لاحقاً، ولا سيما أن التنسيق التركي الإسرائيلي كان في أوجه حينذاك. وإرضاءً لتركيا، طرح بيريز فكرة تقوم على ضرورة مقايضة كل برميل ماء تقدمه تركيا للدول العربية ببرميل نفط، فالمياه ثروة تركية كما النفط ثروة عربية. نتج عن هذا المؤتمر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، ووادي عربة عام 1994، لكن الصراع العربي الصهيوني لم ينتهِ، وبقيت القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين، التي لا يمكن لسلطة التفريط بها. هذا الكلام ليس خطاباً أيديولوجياً، بل هو الحقيقة التي يثبتها الواقع الذي نعيشه، والدليل أن السلام لم يتحقق، والدولة الفلسطينية ما زالت حلماً بعيد المنال، أياً كان الطرف المسؤول عن ذلك. كما أن 'إسرائيل' رغم قوتها والدعم الغربي الذي يقف خلفها، لم تعد قادرة على حماية أمنها القومي، وهو ما تجسد في عملية طوفان القصى. الحديث عن مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد، كان أول ما تحدثت به كونداليزا رايس بعد بدء حرب تموز 2006، وها هو اليوم يُطرح من جديد بعد مرور عقدين من الزمن، بمعنى أن ما تريده أميركا و'إسرائيل' ليس قدراً بكل تأكيد. تلاشي 'الصراع العربي الصهيوني' وتحوّله إلى نزاع فلسطيني إسرائيلي هو المكسب الذي حققته 'إسرائيل'، فلم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، بل إن بعض الدول العربية باتت تقف في المكان المعادي لتلك القضية. موت جامعة الدول العربية هو أحد أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، فلا مجال للحديث عن أمن قومي عربي، أو مصير عربي مشترك في ظل هذا المشروع، لذا نرى اليوم كيف باتت الجامعة العربية 'جثة هامدة' لا دور لها ولا فائدة. ترامب والشرق الأوسط الجديد.. الرئيس ترامب شخصية غير توقعية، لا يمكن التنبؤ بسلوكه وردود أفعاله، يحاول الظهور بمظهر 'الرجل المجنون' الذي يمتلك القوة المفرطة، والذي لن يتردد في استخدامها عند الضرورة. رؤية ترامب للشرق الأوسط تقوم على سردية تقديم نفسه كصانع للسلام، ورجل قوي قادر على فعل ما لم يستطع غيره من الرؤساء فعله. نتنياهو الذي يؤمن بالقوة، والمهووس بفكرة 'إسرائيل الكبرى'، يحسن فن التعامل والحديث مع ترامب ودغدغة مشاعره النرجسية، ويختلف معه في أنه أكثر تطرفاً وحسماً إزاء قضايا المنطقة. يسعى ترامب لتحقيق أهدافه بصفاقة مطلقة، من دون الأخذ في الاعتبار بعض الشكليات التي تحكم أصول التعاطي الدبلوماسي بين الدول. وهو ما تسبب في الحرج للكثير من قادة الدول، الذين شعروا بالإذلال والإهانة، لأن استحقارهم جرى في العلن، لا في الاجتماعات المغلقة، كما جرت العادة. الجميع تهيأ لكيفية التعاطي مع ترامب قبل وصوله إلى السلطة، والكل يدرك أن لا مناص من الانحناء للعاصفة، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. 'أميركا أولاً' ليس مجرد شعار طرحه ترامب، بل استراتيجية يعمل على تطبيقها، تعني أن المصالح الأميركية يجب تحقيقها مهما كان الثمن، وبغض النظر عن الوسائل المتبعة، في تجسيد مطلق لأسوأ معاني 'الميكافيلية'. الحديث عن الخلاف بين ترامب ونتنياهو لم يعد ممكناً، وخاصة بعد التدخل الأميركي المباشر في العدوان على إيران، بعد فشل 'إسرائيل' في تحقيق أهدافها، والزيارة الحالية لنتنياهو للبيت الأبيض والتي يحمل فيها ثلاثة ملفات: وقف الحرب في غزة، والسلام مع سوريا وضرورة الضغط على إيران بعد أن اعترف الأميركيون بفشل الضربات الجوية في تدمير مفاعلات طهران النووية. يسعى ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تطبيقاً لاستراتيجيته 'السلام من خلال القوة'، بغض النظر عن شكل هذا السلام، وخاصة أنه لا معنى للحق في قاموسه السياسي، فهو من اعترف بالقدس عاصمة موحدة لـ'إسرائيل' في العام 2017، كما اعترف بضم 'إسرائيل' للجولان السوري المحتل بموجب مرسوم رئاسي وقعه بتاريخ 25 آذار 2019، خلال ولايته الأولى. المهم بالنسبة لترامب أن يجري الإعلان عن شيء يُحسب له، ويشكل قيمة مضافة إلى تاريخه السياسي، ويعزز فرصه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، حتى لو كان ترشيحه من قبل نتنياهو الملطخة يداه بدماء أطفال غزة. فشل ترامب في وضع نهاية للحرب الأكثر دموية في القرن 21 (حرب غزة)، وكل ما هو مطروح هو وقف الحرب من خلال هدنة تستمر لستين يوماً، ثم وضع إطار عام وشامل لوقف الحرب بشكل كامل، على ألّا يكون هناك وجود لحماس بعد الحرب. الحتمية التاريخية تؤكد أن الشعوب لا يمكن أن تُقهر، ولا يوجد احتلال كُتب له الاستمرار عبر التاريخ، وأن الشعب العربي لم يقل كلمته بعد، وأن حركة التاريخ مع العرب، لو أحسنوا استثمارها. مع التأكيد أن المقاومة ليست مجرد فعل آني، بل هي حركة تاريخية متجددة، وحق شعبي لا يمكن لأي سلطة احتكاره، وإلا ستجد نفسها في صف العدو، وهو ما لا تطيقه أي سلطة بكل تاكيد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ شاهر الشاهر


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!
نعم إنه القرن الواحد والعشرين، الذي سماه البعض بقرن الأحلام فربط به مفاهيم التطور والحداثة والبراعة والازدهار والحرية والتقدم والتألق، حتى أصبح مضرباً للمثل ومنارة يهتدى بها وعنواناً ناصعاً للدلالة على التّغير والألق والرقي والإبداع. مقالات ودراسات واجتماعات وقمم، حملت في عناوينها مصطلح القرن الواحد والعشرين للدلالة أيضاً على ما اقتنع به البعض وهو التحول من الحروب إلى الهدوء، ومن التخلف إلى الحضارة، ومن الموت إلى الحياة. قرن أراده البعض أن يشهد ازدهار العولمة، وحوار الحضارات، وتنامي المعرفة، وتوسع المعلوماتية، وبروز الاقتصاد المعرفي، واكتساح الإنترنت، وتميّز عوالم الحوسبة السحبية، والذكاء الاصطناعي، والخلايا الجذعية، وكبريات البيانات، وتصاعدا واضحا لمفاهيم الحريات والقرية الكونية والمواطن المرتبط بكامل منظومة الخدمات المحوسبة، وفي كل القطاعات، تعليما، صحة، تجارة، طاقة، إلخ. هكذا تفاءل العالم في ما أراده وفي ما سعى إليه وخطط له ونظّر لصالحه، ليكون بمثابة الحيز المختلف عن عصور التخلف الفائتة من استعمار وظلم وفقر وجهل وطغيان. رسائل القرن الفاضلة كلها تحطمت أمام سايكس بيكو جديد، يمثله كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلاهما اجتمعا على تقسيم الكعكة وتطبيق متجدد لرؤية سايكس بيكو القديمة، في إحياء لما تم الاتفاق عليه بين 23 نوفمبر 1915 و3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16 مايو 1916، بحيث يتم تقاسم العالم العربي بين فرنسا وبريطانيا، في حكم استعماري طال. اليوم وفي كل يوم من وجود ترامب ونتنياهو في السلطة، يتجدد النهج ذاته في فلسطين والقائم على المفاهيم التالية: 1 ـ ألا رأي للفلسطينيين، فإسرائيل تريد وأمريكا تفعل ما تريدانه هي وإسرائيل. 2 ـ تستباح جغرافيا فلسطين وتجزأ وتوزع وتقسم وتبتر، بينما لا خيار للفلسطيني إلا الرحيل، أو التحول إلى خدم مطيعين لنزوات نتنياهو ورؤيته، في طرد الفلسطينيين وتحويل أرضهم إلى مشروع استثماري، يسرق فيه غازهم وتتحول جغرافيتهم إلى رابط بين الشرق والبحر المتوسط، وبين الهند وإسرائيل ضمن مشروع تجاري ضخم. 3 ـ حرمان الفلسطينيين من دولتهم المستقلة وتقرير مصيرهم واستقلال دولتهم وعودة لاجئيهم. 4 ـ توزيع ما تبقى من دول الشرق الأوسط: إلى دول تسقط في شرك ما يعرف بالتطبيع، أو تستهدف في إطار مواجهة مباشرة، أو تخنق وترّكع مالياً عبر غرقها في ديونها ويحرم اقتصادها من التطور والثبات. ولعل ما جرى خلال لقائي ترامب ونتنياهو الأخير فجر الثامن من يوليو عام 2025، يؤكد هذا النهج! فالرجلان يرفعان ويكسران وينصبان ويجران، ما أرادا من فعل ممهور بتجاوز واضح للمكان وتاريخه وشعبه وضحاياه ونكباتهم ومعاناتهم. فترامب يبحث عن وقف إطلاق النار في غزة للبدء بتهجير الفلسطينيين، مؤكداً لشريكه نتنياهو بأنه قد تلقى تفاعلاً إيجابياً من قادة المنطقة لتنفيذ هذه الرؤية، وليرد عليه نتنياهو بأن لا دولة للفلسطينيين، لأنها حسب زعمه، غير مقبولة من قبل شعبه الذي يرى أن هذه الدولة لن تكون إلا لتدمير إسرائيل! ويصر على أن يحمل هو راية الأمن والسيطرة والإطباق على إرادة الفلسطينيين. نشوة هذا وذاك توّجت بتسليم نتنياهو المطلوب من قبل محكمة الجنايات الدولية لترامب رسالة ترشيح للأخير لجائزة نوبل للسلام، ترشيح من قبل من يقف على مخزون إبادة الفلسطينيين، لمن زوده بالنار والبارود ليفوز بأرقى جوائز البشرية! نعم هذا هو القرن الواحد والعشرين بتجرد وبساطة. يقول أحدهم: «إنَّ المأساة الحقيقيّة ليست القمع والقسوة التي يمارسها الأشرار، بل الصمت الذي يُبديه الأخيار».. فهل يتخلى الأخيار عن صمتهم أم يستمر الحال على حاله؟ ننتظر ونرى..


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
حسين الرواشدة : حالة «طوارىء سياسية» لترتيب البيت الداخلي
أخبارنا : بهدوءٍ، وقليلٍ من الكلام، بدأت الدولة الأردنية إعادة ترتيب البيت الداخلي، كل ما جرى منذ بداية هذا العام، على الأقل، كان يصب في هذا الاتجاه، صحيح، الخطاب العام الرسمي ظل يدور في فلك التحديث ومنظوماته الثلاثة، ويعزز قرار الاستدارة للداخل، وينسحب من التصعيد في قضايا خارجية، لكن الصحيح، أيضاً، «القلق» من الاستحقاقات التي تمخضت عن الحرب على غزة وما بعدها ظل بمثابة «الدينامو» الذي حرك عجلة السياسة، ثمة مخاطر قادمة بلا شك، الاستعداد لمواجهتها واجب وطني، والخيار هو «لمّ الشمل» الوطني على وعي محدد، عنوانه حماية المصالح العليا للدولة، والأردن فوق كل اعتبار. لا أدري إذا كانت الرسالة وصلت للمجتمع أم لا، لا أدري، أيضاً، إذا كانت اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، وبلدنا تحديداً، تستدعي مكاشفات أوضح وأعمق، وكذلك استنفاراً عاما تقوده قوة وطنية موثوقة تتحدث باسم الدولة، وتشكل الروافع لمقرراتها وخياراتها، لا أدري، ثالثاً، إذا كانت عملية «الترتيب» التي جرت، سواء على صعيد النقابات والبلديات، المجال السياسي والاقتصادي، الثقافي والديني والاجتماعي، قد اكتملت، أو أنها جاءت ناضجة بما يكفي لإقناع الأردنيين، ما أعرفه، تماماً، إدارات الدولة تعمل بانسجام وتوافق، وثمة إجماع على التعامل مع القادم واستحقاقاته بمنطق إعلان صامت لحالة الطوارئ السياسية. لكي نفهم أكثر، المنطقة أمام مرحلة تشبه، تماماً، ما حدث قبل نحو 109 أعوام، وثيقة سايكس بيكو التي تضمنت 12 بنداً يُعاد إنتاجها هذا الأسبوع في واشنطن، لكن بصورة أخرى، قمة «ترامب? ياهو»? ستكون بمثابة إعلان عن بداية تنفيذ مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، حيث تقسيم مناطق النفوذ، وتغيير الخرائط السياسية، وإجراء الصفقات التجارية، السؤال: أين يقع بلدنا من هذا المخطط، وكيف يمكن أن يتعامل معه، هل المطلوب أن يواجهه أم يتكيف معه، ما الأثمان السياسية التي تترتب على ذلك؟ أكيد، هذه الأسئلة تبدو صعبة، والإجابات عنها ربما أصعب، لكن إذا توافقنا على أن القضية الفلسطينية هي الثابت والمتغير (معاً) وأنها تشكل محور الصراع وتداعياته واستحقاقاته، فإن اعادة ترسيم مواقفنا من هذه القضية يساعدنا في الإجابة عن أسئلة القادم، ثمة ثوابت نتوافق عليها حول هذه القضية : مصالحنا الوطنية العليا، دعم صمود أهلنا هناك، رفض حل القضية الفلسطينية على حساب بلدنا، قرار الفلسطينيين بيدهم، نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية ونعمل في إطارها، ولا نتحمل وحدنا مسؤولية ما حدث أو ما سيحدث، هذه العناوين وغيرها تحتاج إلى حوار وطني أوسع لكي نخرج بمعادلة أردنية واضحة، تُرسّم علاقتنا بالقضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة. بصراحة أكثر، القضية الفلسطينية تواجه خطراً وجودياً، انتهت على ما يبدو كل المقاربات التي طُرحت فيما مضى للحل أو للتسويات والسلام، إسرائيل تريد فلسطين بأقل ما يمكن من فلسطينيين، ومشاريع التهجير جاهزة على ما يبدو، والدول المستقبلة أصبحت معروفة، وكذلك مشاريع التطبيع، الأردن يقف وحيداً في مواجهة هذا المخطط الكبير، ولا يستطيع، وحده، أن يتصدى له، المطلوب أن نفكر، كأردنيين، بمنطق عاقل وهادئ لكي نخرج من هذه المرحلة بأقل الخسائر، والأهم أن ننتزع لنا دوراً يضمن الحفاظ على بلدنا، ويجنبه الانخراط في أي مغامرة.