logo
كان مفترضاً أن تكون ألف مدينة

كان مفترضاً أن تكون ألف مدينة

العربي الجديدمنذ 3 أيام

كنّا نقرأ في العام 2000 على مقاعد الدراسة في كتاب "عالم جديد" لجيروم بانديه وفيديركو مايور عن برنامج الامم المتحدة الٳنمائي، وعن أن العالم يحتاج إلى ألف مدينة، إلى ألف حكاية، تبدأ من نافذة، لا من مدن ذاهبة من دمارٍ ٳلى آخر، فتقتل الحرب في الشرق الأوسط كل ما تقع عليه تحت وطأة القنابل الٳسرائيلية والأميركية، وفي شروط سلام صارت أصعب بعد المواجهة الٳسرائيلية – الٳيرانية أخيراً، مع حفاظ ٳسرائيل على حالة من عدم الاستقرار، بل الفوضى على حدودها المجاورة والبعيدة، التي لم تكن موضع معاهدات سلام، اعتماداً على القوة فترة طويلة، ما قد يغني عن أي تسويةٍ سلمية.
فكرة أن تجرّ ٳسرائيل العالم ٳلى حربٍ أبدية خاصة بها، لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلّة. هذا ما صنعه بنيامين نتنياهو في غزّة، وما يفعله في الضفة الغربية، بينما يواصل جيشه، علاوة على ذلك قصف لبنان وسورية واليمن وٳيران كما يشاء. وهذا ما حلمت به الأحزاب القومية المتطرّفة والعنصرية، والتي تشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم الأكثر يمينية في تاريخ الدولة اليهودية. وها هو البحر الأبيض المتوسط مسرحاً لتراكم مجموعة كبيرة من الحروب والنزاعات والصراعات الحضارية الراهنة، والمناقشات حول مستقبل السلاح النووي في مآلاته الكارثية.
الناس خائفون، ٳنهم في مرمى النيران، وكل العالم اليوم يخاف من العالم، والشرعية الدولية، والسلطات تتفكّك، وتتحوّل إلى عالم هشّ. كان من المفترض أن تكون المدن أوطاناً للكرامة، مراكز للإبداع، لا مسارح للرعب في ظل سلام عالمي يتدهور، وشرعيّة خانقة واقتصاد منهك في عولمة اقتصادية (مفترض أن تكون عولمة العدالة والقانون والديمقراطية)، ونخبٍ عالمية تعاني فقدان السيطرة على المشهدين، السياسي والاجتماعي.
لا توجد حالياً تدخّلات مدروسة بعناية من الحكومات والخبراء لرسم استراتيجية عالمية لٳنهاء الحروب، سواء في أوكرانيا أو غزّة، أو غيرهما، ووقف ما خلفته من تهجير ونزوح، ورؤية الحدود الحقيقية للقوة العسكرية الأميركية الصلبة في العقود الأخيرة، وما تنوي الدولة اليهودية أن تفعله بقوتها، مدعومة من أميركا ومن الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستخبارات التي أثبتت تفوّقها في لبنان وٳيران.
تكلفة الإفراط في استخدامات القوة باهظة جدّاً، في حين أن حل مشكلتي الجوع والفقر ومواجهة تحدّيات المناخ في العالم، لا تحتاج ٳلى حرب عالمية ثالثة، بل ٳلى ٳرادة سياسية، وكذلك التفكير في ٳعادة ٳحياء المدينة بالحقوق الممنوحة للمجتمعات المدنية وحقوق الٳنسان، وبوجود مساحة عالمية للديمقراطية ومدّها بالاستدامة والاستقرار والتنمية... هذه هي الأولوية، فيما تعكسه سياسات وقف الحرب في المنطقة (مشكورة قيادة دولة قطر) من ٳعادة الٳحساس بالتوازن السياسي في الشرق الأوسط وفي العالم. لكن لا ضمانات مع مجرى الأحداث في لغتها وتقلباتها وتحوّلاتها التي تجعل الناس تبدأ بالمطالبة بمنقذ من أمور متتابعة ومتشابهة على شكل تراجيديا دموية وسط عوالم أفرغت من كل مساءلة. ولم يأت الاقتناع بأن الدولة العبرية في حساباتها السياسية بشأن فلسطين وٳيران ودول الجوار في وضعٍ يسمح لها بٳعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل أعمق ولأفضل حال.
تبدو عائدات السلام العالمي قد اختفت مع ارتفاع الميزانيات العسكرية ٳلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
ظنّ العالم أنه تخلّص من القرن العشرين وجنونه، وأن العالم الجديد سيولد من المدن والنواحي السويولوجيّة والديمغرافيّة والأنثروبولوديّة والعمرانية والتنموية والبيئية بوصفها مراكز للسلام والحرية والعدالة والتضامن ومن تاريخ جديد ديمقراطي، لا من حروب الأنظمة الدينية والقومية المغلقة المرتبطة بها، والتي خلفت تداعيات عرضت ذاكرة المدينة وهويتها لمخاطر حقيقية ضاعفت من حدّتها وجسامتها النزاعات الداخلية التي احتدمت أكثر في البلدان العربية. وبلغت التحولات ذروتها في ما خلفته من دمار وتهجير وأسر ضحية البؤس والفقر والٳحباط والعزلة والٳقصاء وتصاعد الراديكالية والعنف... هي فوضى كبيرة، والموضوعات التي ترتبط فيها لا تعدّ ولا تحصى، وسببها الأساسي الظاهرة الٳسرائيلية المعزولة، وتنفيذها سياسات واسعة النطاق في الاحتلال والتوسع والعنصرية.
افتُتح القرن الواحد والعشرون على مشهد البرجين في نيويورك يسقطان، ومن تحتهما، سقطت ألف مدينة أخرى لم تُبْنَ بعد. من نيويورك إلى بغداد، من الموصل إلى صنعاء والخرطوم وطرابلس الغرب، من غزّة إلى بيروت، ومن دمشق وحمص وحلب إلى طهران وشيراز وأصفهان.. المدن لم تعد مدناً، بل باتت جبهات، مواقع قصف مباشر، أهدافاً دقيقة في بيانات الحرب. وتهدّد الحرب بصورة خطيرة الهياكل الاجتماعية وٳدارتها، وكل ما يرتبط بالتنوع الأحيائي الجوهري بالقيم الٳنسانية وأنماطها، وتحرّم كرامة كل من يقيمون فيها في مدن الشرق الأوسط، (ويبدو هذا في المستقبل مع مدن أخرى قابلة للتجزئة لجهة المخاطر التي تتهدّدها).
صارت المدينة فضيحة عالمية مع الحروب بشكلها المتطرّف من العزل وتهديد الموارد وفي وسائل التدمير والهجرات الاجتماعية والتوترات والنزاعات المرتبطة بفقدان الأمن الغذائي. كم مات في كييف وفي غزّة؟ كم بقي من جروح؟ من يحمل مفاتيح العودة؟ ومن يملك رخصة الهدم وٳعادة الٳعمار؟ ومن يملك بعدها توسيع فرص السلام في عقول الناس بمكاسب حاسمة أكثر بكثير من الحرب على المستقبل؟
المدينة التي كان يُفترض أن تكون حضناً للجميع لم ينجح العالم في حمايتها، ويكشف الوضع السائد عن فشل القوة، وكذلك النظام الاقتصادي الذي يقدم القروض والسلاح معاً. ويبدو العالم في القرن الحادي والعشرين في أقصى التفتت، وأقصى العنف. وتبدو عائدات السلام العالمي قد اختفت مع ارتفاع الميزانيات العسكرية ٳلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
صارت المدينة فضيحة عالمية مع الحروب بشكلها المتطرّف من العزل وتهديد الموارد وفي وسائل التدمير والهجرات الاجتماعية
بعد أحداث 11 سبتمبر (2001)، بدأ ٳرهاب المدن الكبرى. بدأ كل ما يجري كأنه يردُّ على العالم الجديد، لا ليفنّده فقط، بل ليفجّره. والحرب أسوأ الخيارات، وكثيراً ما تكون أسهلها، مع السهولة المسؤولة عن قتل المدنيين، والسهولة المسؤولة للقادة الأيديولوجيين (وحتى الليبراليين) محبّي الحرب بحسابات أنانية قصيرة الأجل. صار يُنظر إلى المدن "أهدافاً" استراتيجية، لتُقصف بوصفها مراكز عسكرية. وكأن المدن، بدل أن تكون منارات الألفية، صارت ساحاتٍ لتصفية الحسابات بين القرنين، العشرين والواحد والعشرين. أراد العالم ألف مدينة، فأعطي ألف جبهة، وها نحن نعيش زمناً لم يعد يفرّق بين المدينة مكاناً للعيش والمدينة مكاناً للموت المتلفز.لا بوصفه صراعاً بين جيوش، بل قصة مدن تُستهدف، تُحاصر، تُهدم، تُخنق.
لم تعد الحرب مجرّد مواجهة عسكرية في ساحات تقليدية، بل أصبحت حرباً على الحياة اليومية، تُشنّ على الكهرباء والماء والمستشفيات (وما أكثرها في غزّة)، على الأطفال والنساء وٳرهاب المدنيين، وعلى البيوت التي كانت مأوى فأصبحت قبوراً، على الطرق التي كانت توصل الناس بعضهم ببعض، فصارت تفصلهم بالموت، فالمدينة لم تعد محايدة، بل تحوّلت إلى جبهة، وربما إلى الضحية الأوضح.
هو كلام هاملت... وليس كلام أي رجلٍ آخرعلى "تروث سوشال". هنا القوة! تغريدةٌ واحدة تُسقط بورصة، أخرى تُحيي صفقة، ثالثة تُعلن حرباً ثم تُلغيها في مشهد سياسي عالمي جديد مركّب، يعيد تشكيل العالم وجغرافيا المنطقة. صورة الخوف الكبير القائم في الشرق الأوسط مع تحدّيات السلام العبري الذي يجري تأسيسه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"ديلي ميل": جد رئيسة الاستخبارات البريطانية الجديدة كان جاسوساً نازياً
"ديلي ميل": جد رئيسة الاستخبارات البريطانية الجديدة كان جاسوساً نازياً

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

"ديلي ميل": جد رئيسة الاستخبارات البريطانية الجديدة كان جاسوساً نازياً

أفادت صحيفة ديلي ميل البريطانية بأنّ جد رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6) المعيّنة حديثاً، كان جاسوساً نازياً من أصل أوكراني فرّ من الجيش الروسي . في منتصف يونيو/حزيران الحالي، عُيّنت بلايز متريويلي (47 عاماً) لتصبح أول امرأة ترأس هذا الجهاز. ولم يُكشف الكثير عن خلفيّتها أو حياتها الشخصية، بينما قضت معظم مسيرتها المهنية بسرية تامّة في أجهزة الاستخبارات. ووفق تحقيق نشرته صحيفة ديلي ميل، أمس الجمعة، وتتبّع أصولها من خلال وثائق مؤرشفة في المملكة المتحدة وألمانيا خصوصاً، فإنّ جدّها كان يدعى قسطنطين دوبروفولسكي وكان جاسوساً نازياً خلال الحرب العالمية الثانية وكان يعمل في أوكرانيا. وبعدما انضمّ إلى الجيش الروسي، أُرسل إلى الجبهة ومن هناك انضمّ إلى معسكر ألمانيا النازية. حول العالم التحديثات الحية أرشيف الاستخبارات البريطانية: أسرار 115 عاماً من العمل السري وأطلق عليه قادة جيش الرايخ الثالث (الفيرماخت)، لقب "الجزّار" أو "العميل رقم 30"، وقد ساهم بشكل ملحوظ "شخصياً" في "إبادة اليهود"، بحسب ما ذكر بنفسه في رسائل متبادلة مع رؤسائه حصلت عليها الصحيفة. وفرّت زوجته إلى المملكة المتحدة خلال الحرب مع ابنها الذي كان يبلغ من العمر شهرَين وبات لاحقاً والد بلايز متريويلي. وفي بريطانيا، تزوّجت زوجته مجدداً في العام 1947، واتخذت اسم زوجها الجديد ديفيد ميتريويلي. من جانبها، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، بأنّ دوبروفولسكي ظهر أيضاً على قائمة المطلوبين لدى جهاز الاستخبارات السوفييتي (كي جي بي) في الستينيات باعتباره عميلاً للاستخبارات الأجنبية و"خائناً للوطن الأم". ولدى الاتصال بوزارة الخارجية البريطانية التي تشرف على جهاز الاستخبارات الخارجية، أشارت الوزارة إلى أنّ غلايز ميتريويلي "لم تعرف أو تقابل جدّها من جهة والدها على الإطلاق". وأضافت أنّ "هناك تضارباً وخلافات بشأن أصول بلايز، ومثل العديد ممن يتحدّرون من أوروبا الشرقية، لا يعرف سوى القليل عنها". وأشارت الوزارة إلى أنّ "هذه الأصول المعقّدة على وجه التحديد هي التي ساهمت في التزامها في منع الصراعات وحماية الشعب البريطاني من التهديدات الحديثة من دول معادية بصفته الرئيسة المقبلة للجهاز". وفي الـ15 من يونيو/حزيران الحالي، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ، أن حكومته عيّنت بلايز متريويلي رئيسة لجهاز الاستخبارات الخارجية ، لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب. وحقق الجهاز شهرة عالمية بفضل شخصية العميل جيمس بوند التي ابتكرها الكاتب إيان فلامينغ في سلسلة روايات جاسوسية تحوّلت لاحقاً إلى أفلام سينمائية. وأفاد بيان لـ"داونينغ ستريت" بأن متريويلي كانت تشغل منصب المديرة العامة للتكنولوجيا والابتكار في الجهاز وتعرف باسم كيو. ووصفها بأنها "ضابطة استخبارات محترفة انضمت إلى الجهاز عام 1999 بعدما درست الأنثروبولوجيا في جامعة كامبريدج، وشغلت مناصب عليا في أم آي 6 وأيضاً في جهاز الاستخبارات الداخلية أم آي 5، وقضت معظم حياتها المهنية في تنفيذ أدوار في الشرق الأوسط وأوروبا". (فرانس برس، العربي الجديد)

فنلندا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام الفردية.. مزيد من عسكرة البلطيق
فنلندا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام الفردية.. مزيد من عسكرة البلطيق

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

فنلندا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام الفردية.. مزيد من عسكرة البلطيق

تتجه فنلندا في سياق تزايد العسكرة الأوروبية ، تحديداً تحت سقف حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي انضمت إليه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، نحو الانسحاب من اتفاقية حظر نشر الألغام المضادة للأفراد، مع المزيد من العسكرة على حدودها مع جارتها روسيا . وخلال الأسابيع الأخيرة بدأت هلسنكي بزيادة انتشارها العسكري على حدودها، بعد أن كانت خلال فترة الحرب الباردة منذ 1949 شبه محايدة بين المعسكرين، الشرقي والغربي. ويبدو أن هذا البلد المنتمي إلى الاتحاد الأوروبي و"الأطلسي"، وهو جزء من مجموعة "دول الشمال" إلى جانب السويد وفنلندا والدنمارك والنرويج وأيسلندا، يحول "الخوف" من الجار الروسي إلى ذريعة لتسويق دخوله حالة سباق تسلح وانتهاج مواقف أكثر تصلباً في علاقاته بموسكو. ويُعتبر انسحاب فنلندا من اتفاقية أوتاوا لحظر انتشار الألغام الأرضية ضد الأفراد (تضم الاتفاقية الموقعة عام1997 نحو 160 دولة) أحد تجليات هذه التطورات، بحجة "الدفاع عن النفس"، بعد أن وافقت أغلبية برلمانية في هلسنكي (157 مقابل معارضة 18)، في 19 يونيو/حزيران الجاري، على الانسحاب من الاتفاقية، على اعتبار أنها خطوة أخرى نحو "حماية الحدود" مع روسيا، الممتدة على طول أكثر من 1300 كم. وخاضت فنلندا خلال عهد الاتحاد السوفييتي السابق حربين مع الجيش الأحمر. الأولى تسمى "حرب الشتاء"، بين نوفمبر/تشرين الثاني 1939 وحتى مارس/آذار 1940، وتكبد فيها السوفييت خسائر كبيرة، وانتهت الحرب بعقد اتفاقية سلام مع هلسنكي. وإبان الحرب العالمية الثانية دخل البلدان في "حرب الاستمرار"، بين 1941 و1944. وتعلم الفنلنديون من الحربين، والحرب الداخلية في عام 1918، الانتقال إلى صيغة "الشعب المسلح" بحيث يعتبر مواطنو البلد جميعاً (نحو 5.5 ملايين نسمة) جزءاً رئيسياً في صد أي غزو خارجي. وأقامت فنلندا طوال عقود الحرب الباردة ملاجئ وأنفاقاً تحمي السكان حتى من القصف النووي. ومن الواضح أن فنلندا، التي تقدمت بطلب مشترك مع جارتها السويد لعضوية الحلف الأطلسي في مايو/أيار 2022، غيرت قراءة علاقاتها بروسيا. وبعد نيل عضويتها في الحلف في إبريل/نيسان 2023 أطلقت روسيا مزيداً من التصريحات الممتعضة والغاضبة من توسع الحلف الغربي نحو حدودها، ما دفع هلسنكي نحو عسكرة حدودية وبحرية أكثر، وتخلت بالتالي عن سياسات استرضاء الكرملين. وجدير بالذكر أن علاقة البلد بموسكو بقيت جيدة في الفترة التي ترأسها مارتي أهتيساري، الحاصل على "نوبل للسلام"، بين 1992 و2000. تقارير دولية التحديثات الحية فنلندا في حلف شمال الأطلسي... تغيير قواعد اللعبة مع روسيا وحتى مع تقرب هلنسكي من الغرب، بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 1995، إلا أنها حافظت على علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن توسع الأطلسي في منطقة بحر البلطيق، مع عضوية دوله السوفييتية السابقة، ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، وتنسيق فنلندا أكثر معها ومع إسكندنافيا، زاد من مخاوف روسيا. واعتبرت موسكو التقارب المتزايد، منذ 2014 (بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية) على مستويات عسكرية ودفاعية، بين هلسنكي و"الأطلسيين" تحدياً حقيقياً في وجه سردية روسيا بشأن خرق الحلف الغربي قضية عدم توسعه شرقاً إلى أبعد من حدود ألمانيا الشرقية، بعد وحدتها مع الغربية في 1991. ودفعت التصريحات الروسية بعد بدء الحرب الأوكرانية، وبعد تحركات عسكرية على طول حدودها مع فنلندا واتخاذ الأخيرة خطوات متشددة بشأن دخول الروس عبر الحدود البرية، على ما يبدو فنلندا إلى مزيد من التنسيق العسكري مع دول الجوار الشمالية ومع واشنطن. وتبنت هلسنكي تدريجياً خطوات دفاعية على الأرض، من بينها تسييج الحدود وتعزيز مراقبتها عسكرياً بمشاركة قوات غربية. وتشهد العلاقات توترات إضافية منذ نهاية العام الماضي، بعد اتهام هلسنكي لموسكو بتعمد تخريب كابلات بحرية في أكثر من مناسبة، والدفع بتحركات بحرية مريبة في المياه التي تربطها بدول البلطيق والسويد. وذلك في مقابل اتهامات روسية لهلسنكي بتسهيل أعمال تخريبية يقوم بها الأوكرانيون في مناطق روسية شمالية. ويُعد انسحابها من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد خطوة إضافية في رفع التوتر، وتشنجاً يتوسع نحو منطقة البلطيق. فدوله المتشاطئة، وبصورة خاصة بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، باتت أيضاً تنشر الألغام المضادة للأفراد، بعد تزايد منسوب التحذير من أن روسيا قد تقدم بعد الحرب في أوكرانيا أو في أثنائها إلى "اختبار" حدود "الأطلسي" الشرقية. وأشار وزير الدفاع الفنلندي، أنتي هاكانين، إلى أن بلاده ستخصص نحو ثلاثة مليارات يورو إضافية للقضايا الدفاعية، وكذلك ستنتج وتخزن الألغام بصورة كبيرة، مشدداً على أن الانسحاب من الاتفاقية ونشر الألغام الفردية بمثابة "خطوات لازمة للحد من خطر تعرض فنلندا للهجوم"، مضيفاً في تصريحات صحافية محلية أنها خطوة أولوية "لحماية البلد من التهديد الروسي". وأشار الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستاب، إلى تهديد روسيا لبلاده، وأنه "في نهاية المطاف لدينا دولة مجاورة عدوانية وإمبريالية، وهي ليست عضواً في اتفاقية أوتاوا وتستخدم بنفسها الألغام الأرضية بلا رحمة"، في سياق الدفاع عن موقف بلده الجديد. أخبار التحديثات الحية فنلندا تبني سياجاً على حدودها مع روسيا بعد الانضمام لـ"الناتو" وفي ضوء تزايد عدد الدول المنسحبة من اتفاقية أوتاوا، المجاورة لروسيا وبيلاروسيا، دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى التشديد على ضرورة امتثال الدول لاتفاقية حظر استخدام الألغام ضد الأفراد. وقال غوتيريس إنه يشعر بقلق بالغ إزاء التصريحات الأخيرة من عدة دول والخطوات التي اتخذتها للانسحاب من الاتفاقية. ورد وزير الدفاع الفنلندي على غوتيريس بالقول إن هدف الانسحاب "حماية المدنيين". وفي نهاية المطاف، تشير مساعي هلسنكي نحو العسكرة، وخصوصاً الخروج من اتفاقية دولية بشأن الألغام ضد الأفراد، إلى زيادة منسوب خوف بعض دول الأطلسي مما يمكن أن تقدم عليه روسيا، وإلى تحول كبير في سياسات البلد المسالم والداعم للاتفاقيات الدولية ولدعوات الحد من سباق التسلح.

الحرب التي انتصر فيها الجميع؟
الحرب التي انتصر فيها الجميع؟

القدس العربي

timeمنذ 12 ساعات

  • القدس العربي

الحرب التي انتصر فيها الجميع؟

شبّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، تأثير قصف قوات بلاده للمواقع النووية الإيرانية بما حصل بعد إلقاء واشنطن للقنبلتين الذريتين في المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي وهو انتهاء الحرب العالمية الثانية. «لقد أنهيا الحرب، وهذه (أي تدمير المفاعلات النووية الإيرانية) أنهت الحرب». أشاد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بدوره، بدور الدولة العبرية في إنهاء البرنامجين النووي والصاروخي الباليستي الإيرانيين مشيدا بـ«انتصار تاريخي ساحق» سيضمن «وجود إسرائيل لأجيال قادمة» و«يؤدي إلى الازدهار والأمن والسلام». أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان فأعلن، في رسالة وجهها إلى الشعب الإيراني، أول أمس، انتهاء الحرب مع إسرائيل بـ«نصر عظيم» للأمة الإيرانية، وذلك بعد «المقاومة البطولية لأمتنا العظيمة التي تكتب التاريخ بعزيمتها». حسب بزشكيان فإن «العدوّ الإرهابي بدأ الحرب لكن نهايتها كتبت بإرادة شعبنا». جاءت تصريحات ترامب بعد نشر وسائل إعلام تسريبات من تقرير استخباراتي لوزارة الدفاع الأمريكية يناقض مزاعم الرئيس الأمريكي المتكرر بأن الضربة الأمريكية «دمّرت» البرنامج النووي الإيراني تماما، مؤكدة أن ما جرى أدى لإعاقة البرنامج لبضعة أشهر، وهو ما عكّر «نشوة النصر» التي كان ترامب يأمل في بثّها خلال اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي، التي جرت أمس. أعلن ترامب، في المؤتمر الصحافي الآنف نفسه عن استئناف المباحثات مع طهران، خلال الأسبوع المقبل، من دون أن يؤكد إمكانية توقيع إيران على اتفاق، وهذه التفاصيل، من التقرير الاستخباراتي، إلى المفاوضات المقبلة، وصولا إلى عدم التأكد من إنجاز اتفاق، إشارات لا تحيل إلى «نصر ساحق»، ولا إلى نهاية الحرب مع الجمهورية الإسلامية على غرار ما حصل في اليابان بعد محو هيروشيما وناغازاكي، ولا حتى لاحتمال حصول اتفاق جديد يحلّ مكان الاتفاق الذي ألغاه هو نفسه عام 2018. عكس مجمل مقالات الصحف العبرية ليوم أمس مناخا مشككا بادعاءات نتنياهو فأشار مقال في «هآرتس» إلى أن نصر نتنياهو «المطلق» في إيران «توقف قبل تصفية النظام». و«منظومة الصواريخ البالستية ما زالت تهدد إسرائيل»، و«قدرتها على المس بالملاحة الدولية في الخليج لم تتآكل». مقال آخر أشار إلى حقيقة فادحة أخرى بقوله إن نتنياهو تبين له أخيرا بأن «النصر المطلق» في غزة، الذي كرّر التنبؤ به منذ بداية الحرب، «لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب»، وأن قتله لعشرات آلاف الغزيين المدنيين بلا أي شفقة لم يساعد في هزيمة «حماس». حديث بزشكيان، من جهته، عن «نصر عظيم» يبدو مبالغا فيه كثيرا، فالأكيد أن أغلب الإيرانيين شعروا بالخسارة الهائلة التي تلقّتها البلاد بفقدانها أكبر قادتها العسكريين وعلمائها النوويين وبالمرارة لاستباحة مجالهم الجويّ وتضرر البنية التحتية الدفاعية عبر تعرّض المطارات والمواقع النووية والصاروخية والمطارات والمرافق للقصف وبتخلّف آلتهم الحربية أمام أعدائهم، ومن ثم بالمشاركة الأمريكية المباشرة في الحرب ضدهم وقصف مفاعلاتهم النووية. يجب القول، رغم كل ما حصل، أن إيران أثبتت قدرتها على خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وامتلاكها أدوات للرد، وتحوّطها من الهجمات الإسرائيلية والأمريكية لإنهاء برنامجها النووي. في تصريح كاشف للرئيس الأمريكي أمس، قال إن إسرائيل وإيران «منهكتان ومتعبتان» من الحرب، مضيفا أنهما «قاتلتا بشدة ووحشية شديدة وعنف بالغ، وكان كلاهما راضيا» عن توقّف الحرب، ومجيء هذا التصريح من ترامب نفسه، الذي شارك إسرائيل في الحرب ضد إيران شديد الدلالة وبعيد عن ادعاءات «النصر» التي رددها الجميع!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store