logo
هل سقطت نظرية «أم القرى» في سوريا الجديدة؟

هل سقطت نظرية «أم القرى» في سوريا الجديدة؟

إيطاليا تلغرافمنذ 13 ساعات
إحسان الفقيه نشر في 13 يوليو 2025 الساعة 22 و 52 دقيقة
إيطاليا تلغراف
إحسان الفقيه
كاتبة أردنية
«في دليل آخر على عبثية التصنيفات الأمريكية، سحبت واشنطن زعيم القاعدة في سوريا من قائمتها الإرهابية». ربما يستنتج القارئ بسهولة أن المقصود بزعيم القاعدة في سوريا هو الرئيس أحمد الشرع، لكن ربما يُفاجأ بأن صاحب هذا التصريح المنشور على منصة أكس، هو محمد جواد ظريف أحد أبرز الشخصيات السياسية في إيران الخمينية، وأهم شخصياتها التفاوضية، كان له دور بارز في وقف الحرب الإيرانية العراقية، وشارك في جميع مفاوضات بلاده منذ الثمانينيات عموما، وأسند إليه الرئيس الأسبق حسن روحاني منصب كبير المفاوضين النوويين، وكان هو من أقنع القيادة الإيرانية، بدعم الولايات المتحدة في حربها ضد طالبان الأفغانية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتولى عدة مناصب مهمة منها وزير الخارجية، ونائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية.
إذن، عندما يصدر مثل هذا التصريح عن شخصية بحجم ظريف، يصف فيه رئيس سوريا المعترف به دوليا والرمز المعبر عنها، بالإرهاب، فإنه يقطع الاحتمال لأن يكون نابعا من وجهة نظر فردية حانقة على الرئيس السوري الحالي، بل جاءت معبرة عن استياء إيراني من سقوط نظام الأسد وتولي خصومه العسكريين إدارة البلاد.
هذا الاستياء ظهر مع بداية سقوط النظام والمتغيرات الجديدة، فقد اتهم المرشد الأعلى خامنئي، أمريكا وإسرائيل وتركيا بالتخطيط لإسقاط الأسد، واعتبر قوى المعارضة السورية تسعى لاحتلال سوريا، ووصف انتصار الثورة بالفوضى، مهددا باستعادة الشباب الغيور للمناطق المحررة، على حد وصفه، ما دعا الخارجية السورية، لتقديم الاحتجاج على ما اعتبرته تدخلا إيرانيا في الشأن السوري. إيران، الحليف الاستراتيجي للنظام البائد، كانت الداعم الأبرز لبشار في حربه ضد الفصائل الثورية، لم يقتصر الدعم على الجانب اللوجستي والمادي، فكتائب الحرس الثوري الإيراني كانت أبرز الكيانات المقاتلة على الأرض في سوريا، إضافة إلى الخبراء العسكريين الذين تدفقوا من إيران لدعم النظام. ومع نجاح الثورة في الإطاحة ببشار ونظامه، خسرت إيران سوريا، أحد أبرز مرتكزات نفوذها في المنطقة، وتقف الآن مترقبة متوجسة في دراسة مستقبل علاقتها بسوريا الجديدة. هذا الإخفاق يستدعي الحديث عن نظرية «أم القرى»، التي أسس لها وشرحها المنظّر الأكاديمي محمد جواد لاريجاني، في كتابه «مقولات في الاستراتيجية الوطنية». هذه النظرية ترتكز على فكرة أن إيران هي أم القرى، وليست مكة، باعتبارها حاملة الإسلام الصحيح، وتنص الوثيقة التي تحمل روح النازية، على وجوب قيادة إيران للعالم الإسلامي عن طريق الولي الفقيه، ووجوب التوسع في الجوار، ويتم تطبيقها، كما أوضح لاريجاني على مفهوم أساسي وهو، قوة العمل والنشاط خارج الحدود.
فكرة الهيمنة حاضرة في الذهنية الإيرانية، منذ ثورة الخميني، الذي شرع على الفور في تصدير الثورة الإيرانية، إلا أن لاريجاني صاغ المشروع الذي عملت عليه طهران، وانطلقت به لتعزيز نفوذها في عدة دول في المنطقة. ففي العراق، تمكنت إيران من بسط نفوذها الذي تقاسمته وأمريكا، بعد أن ساعدت الأخيرة في احتلال العراق باعتراف القادة الإيرانيين أنفسهم. كما تمدد نفوذها من خلال أذرعها في لبنان (حزب الله اللبناني) واليمن (الحوثي)، إضافة إلى الجيوب الموالية لها في عدة دول عربية.
أما سوريا، فكانت حلقة بالغة الأهمية في المشروع الإيراني، الذي يترجم نظرية «أم القرى»، وقد عبّر مهدي طائب رجل الدين الإيراني البارز المرتبط بالحرس الثوري عن هذه الأهمية بقوله: لو خسرنا سوريا فلا يمكن أن نحافظ على طهران».
عملت إيران على الهيمنة الكاملة على سوريا، وكان من نتائج تدخلها في سوريا دعما للأسد، إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا، عن طريق تهجير السكان أصحاب الأرض، وإحلال عناصر إيرانية وأخرى موالية لإيران.
أغدقت إيران على نظام بشار الدعم المادي السخي، رغم مشاكلها الاقتصادية الداخلية، بهدف إبقاء المنطقة العربية مشتعلة، والسيطرة على آلية صنع القرار في دمشق، وحصلت في المقابل على موافقة ببيع ورهن أملاك للدولة السورية مقابل استمرار الدعم. استلهمت إيران في تعاملها مع سوريا خطة مارشال الأمريكية نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، التي قضت بتفعيل وإنعاش اقتصادات أوروبا التي أنهكتها الحرب العالمية الثانية، لتكون سوقا للمنتج الأمريكي، ولإغلاق الطريق على المد الشيوعي في أوروبا. وقد كشفت وثائق رسمية سرية تم العثور عليها في سفارة طهران بدمشق في أواخر 2024 عقب انهيار نظام بشار، أن إيران كادت أن تهيمن على سوريا باستثمارات طويلة الأمد بقيمة 400 مليار دولار، مُدرجة في الوثيقة، التي أعدتها وحدة متخصصة في الدراسات الاقتصادية من الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا، الديون الضخمة المتراكمة على النظام السوري لصالح إيران.
جاء نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد، ليضع العصا في مشروع نظرية «أم القرى»، تزامنا مع تقويض القوة العسكرية لحزب الله بسبب العدوان الإسرائيلي، وإضعاف ما يعرف بمحور المقاومة. وإلى اليوم لم تتضح الصورة الكاملة التي ستكون عليها العلاقات الإيرانية مع النظام الجديد، غير أن الإدارة السورية يبدو أنها لا تمانع في إقامة علاقات مع إيران، في سياق نهجها العام في تصفير النزاعات. إننا إذ نتناول المشروع الإيراني، فلا يصح ترجمته على أنه موقف ذو بُعد طائفي حيال إيران، التي ترعى المنهج الشيعي، فنحن نتناول المشروع باعتباره مشروعا تخريبيا في المنطقة العربية لا علاقة له بالأيديولوجيات، فعندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت لم نضع في الميزان أية أيديولوجيات أو انتماءات، إنما هو العدوان والعدوان وحده، مهما كان صادرا عن أي أحد كائنا من كان.
كما أود التنبيه على الحتمية البغيضة التي يضعها البعض، والوقوع في آفة الإلزام بما لا يلزم، وأعني أولئك الذين يعتبرون التحذير من الخطر الإيراني ضربة للمقاومة في فلسطين، باعتبار أن إيران كانت تمد المقاومة بالدعم، فنحن نقف مع الحق الفلسطيني ومقاومة الاحتلال قلبا وقالبا، لكن ماذا عن هذه الدماء التي سفكتها إيران في الدول العربية؟ وماذا عن مشروعها التخريبي في المنطقة والذي لا يجهله أحد؟ يضاف إلى ذلك، أن الدعم الذي قدمته إيران للمقاومة قبضت ثمنه وهو تجميل وجهها لدى العالم الإسلامي والعربي، لكن أين هو الدعم الآن؟ وهل تحركت إيران يوما من أجل غزة؟ الواقع أثبت أنها لا تتحرك عسكريا إلا إذا تعلق الأمر بحدودها، وها هي في المفاوضات مع ترامب حيال حربها مع إسرائيل، لم تضع غزة التي تُباد في الحسبان، ولم يكن وقف العدوان على غزة على طاولة التفاوض. ونحن قطعا لا نستطيع إلقاء اللوم عليها وحدها، فكل دولة تسعى لمصالحها الخاصة في هذا العصر الذي سقط من قاموس الدول نجدة الملهوف ونصرة المظلوم، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن لا ننظر إلى إيران على أنها دولة مقاومة للاحتلال نصرة للقضية الفلسطينية، وينبغي أن لا نجعل السكوت عن الجرائم الإيرانية معيارا لدعم فلسطين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"تحالف الغدر أم هندسة التواطؤ: نحو تفكيك البنية الاستراتيجية للعلاقة الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية"
"تحالف الغدر أم هندسة التواطؤ: نحو تفكيك البنية الاستراتيجية للعلاقة الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية"

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 11 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

"تحالف الغدر أم هندسة التواطؤ: نحو تفكيك البنية الاستراتيجية للعلاقة الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية"

إيطاليا تلغراف نشر في 14 يوليو 2025 الساعة 12 و 15 دقيقة إيطاليا تلغراف ذ. عبدالله مشنون كاتب صحفي مقيم بايطاليا * قراءة في مضمون كتاب: 'Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States' للمؤلف تريتا بارسي، خبير في العلاقات الإيرانية الأمريكية. ملخّص الكتاب: تتناول هذه القراءة تحليلًا مركبًا للعلاقة الثلاثيّة بين محور: إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، من خلال قراءة نقديّة في مضمون كتاب: 'التحالف الغادر' لصاحبه: (تريتا بارسي)، وهو كتاب أكاديمي يستند إلى وثائق وتسجيلات سريّة؛ يفكك صاحبه من خلاله مستويات الخطاب السائد حول العداء الظاهري بين هذه الأطراف. يكشف هذا المقال عن بنية جد معقدة من التفاهمات غير المعلنة، والمصالح المتقاطعة، والرهانات المشتركة التي توظف الخطاب الإعلامي كأداة للتضليل، وتعيد إنتاج خريطة النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط. كما يناقش المقال سؤال الغدر السياسي، وحدود الأخلاق في بناء التحالفات الدوليّة، ويتبنى منهجًا جدليًا يستفز القارئ للتفكير في منطق 'الصداقة المستحيلة' و'العداوة المدروسة'. * الكلمات المفاتيح: إيران – إسرائيل – الولايات المتحدة – الغدر السياسي – تحالفات خفيّة – تريتا بارسي – الأمن الإقليمي – الشرق الأوسط – الواقعيّة السياسيّة – التفكيك الرمزي. * مقدمة تركيبيّة منهجية: في الحاجة إلى تحليل ما وراء العداء ليس كل ما يبدو عداءً في السياسة الدوليّة هو كذلك في جوهره. من هذا المنطلق، تسعى هذه القراءة إلى مساءلة المفهوم المستقر للعلاقات الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتفكيك الرمزيّة السياسيّة والإعلاميّة التي تصوّر العلاقة بين طهران وتل أبيب كعلاقة صراع مطلق. تستند القراءة إلى تحليل نقدي لكتاب: Treacherous Alliance (2007) لتريتا بارسي، كوثيقة تحليليّة تأسيسيّة تكشف عن البعد الخفي للعلاقات الدوليّة في المنطقة، وذلك عبر منهج مركب يجمع بين التحليل السوسيولوجي للخطاب، والتفكيك الاستراتيجي لسياسات المحور الثلاثي. كما تطرح الدراسة جملة من الأسئلة الجوهريّة حول طبيعة التواطؤ، وحدود الواقعيّة، وإمكانية استبصار المستقبل من خلال ما يُدار في الظل لا في الضوء. * المحور الأول: من الخطاب العدائي إلى الواقع التعاوني: بين الظاهر والمضمر 1. عداء في العلن وتعاون في السر؟ يكشف (تريتا بارسي) أن التفاعل بين إيران وإسرائيل لم يكن في جوهره قائمًا على صراع عقائدي دائم، بل على منطق الندية المتوجّسة، بين دولة صاعدة وأخرى سائدة؛ حيث يتحول العدو إلى شريك حين تستدعي المصلحة ذلك. هذا؛ ويتجلى هذا في الدعم العسكري الإسرائيلي لإيران خلال حربها مع العراق، وفضيحة (إيران- كونترا) (Iran-Contra) التي تورطت فيها إدارة رونالد ريغان في نقل أسلحة لطهران رغم العقوبات الدوليّة. فهل نحن إذًا أمام معادلة صراع؛ أم أمام مناورة إستراتيجيّة تُدار بوجوه متعددة؟ 2. البنية الرمزيّة للعداوة: وظيفة إعلامية أم تكتيك تفاوضي؟ تشير الوقائع إلى أن إطلاق الصواريخ بين حزب الله وإسرائيل، أو بين إيران وتل أبيب، كثيرًا ما يُستخدم كأداة تفاوض لا إعلان حرب. فالضربات غالبًا ما تكون محدودة، وتنتهي باتفاقات ضمنيّة. وهو ما يطرح سؤالًا حول دور العنف الرمزي في إعادة ترتيب شروط اللعبة السياسيّة. * المحور الثاني: منطق الأقليّة وهواجس الهيمنة: حين يتقاطع الصفوي مع الصهيوني 1. تفكيك الهاجس البنيوي: الأقليّة في مواجهة الأغلبية: يتقاسم الكيانان (الإيراني والإسرائيلي) نفس الموقع البنيوي باعتبارهما كيانات دينيّة وطائفيّة تشكّل أقليّة ضمن فضاء سني أوسع. هنا يقرأ بارسي هذا التلاقي بوصفه مشروعًا مشتركًا لإعادة صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط، وتفكيك البنية الثقافيّة والسياسيّة التي تشكلت بعد الفتح الإسلامي. فهل نحن أمام تحالف أقليات لإعادة كتابة التاريخ؟ ومن يملك شرعيّة تصحيح الماضي؟ 2. المشرق السني كعدو مشترك: تتقاطع السياسات الإيرانيّة والإسرائيليّة أحيانًا بتواطؤ أمريكي، في محاصرة القوى السنّية التقليديّة، وتفكيك جيوشها، وتهميش نخبتها السياسيّة. من العراق إلى اليمن، حيث تظهر التدخلات بوصفها جزءًا من هندسة إقليميّة جديدة تتقاطع فيها الطائفية مع الجيوبوليتيك. * المحور الثالث: واقعية بلا أخلاق؟ في الحاجة إلى نظرية للغدر المصلحي 1. الغدر كتقنية لإدارة التحالفات الرمادية: مفهوم الغدر، في المنظور السياسي الواقعي، ليس انحرافًا، بل آلية إدارة وتدبير المواقف المتقلبة؛ حيث تنشأ التحالفات وتتفكك وفق ميزان القوة لا وفق منطق الوفاء. وهو ما يفسر عدم استقرار العلاقة بين أطراف هذا المحور الثلاثي، رغم تبادلهم الأسلحة والدعم والتفاهمات. فهل يمكن صياغة نظريّة جديدة في العلاقات الدوليّة تُؤسس للغدر المصلحي كصيغة تدبيريّة؟ 2. تفكيك مشهد المسرح السياسي: بين الدخان والحقيقة ما يُقدَّم على أنه صراع مصيري؛ لا يعدو أن يكون مجرد إعادة إخراج لمشهد سياسي محسوب، تُضبَط إيقاعاته داخل غرف الاستخبارات أكثر مما تُحسم في الميادين. وهنا تصبح البطولة مجرد خدعة، والمقاومة مجازًا، والخيانة تكتيكًا. * خلاصة تركيبيّة: بين وهم الأخلاق وواقعيّة الخرائط التحالف بين إيران، إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية؛ لا يمكن قراءته من زاوية أخلاقيّة بحتة، بل علينا تفكيكه باعتباره منظومة مصلحيّة تتجدد باستمرار وفق معادلة الخوف والمصلحة والتفوق. تعيد هذه القراءة توجيه البوصلة من خطاب الثنائيّات: عدو // صديق. حق // باطل؛ نحو تحليل ثلاثي هندسي الأبعاد، يفكك النسق ويفضح الرمزيّة، ويفتح أفقًا جديدًا لفهم ما يجري في الشرق الأوسط لا كحروب، بل كصفقات جيوسياسيّة بوجه تآمري ناعم. * المراجع المعتمدة: – Trita Parsi, Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States, Yale University Press, 2007. – Stephen Walt, The Origins of Alliances, Cornell University Press, 1987. – Kenneth N. Waltz, Theory of International Politics, McGraw-Hill, 1979. – Henry Kissinger, World Order, Penguin Books, 2014. – Fawaz A. Gerges, Making the Arab World: Nasser, Qutb, and the Clash That Shaped the Middle East, Princeton University Press, 2018. إيطاليا تلغراف السابق نشرة إنذارية.. موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة

هل سقطت نظرية «أم القرى» في سوريا الجديدة؟
هل سقطت نظرية «أم القرى» في سوريا الجديدة؟

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 13 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

هل سقطت نظرية «أم القرى» في سوريا الجديدة؟

إحسان الفقيه نشر في 13 يوليو 2025 الساعة 22 و 52 دقيقة إيطاليا تلغراف إحسان الفقيه كاتبة أردنية «في دليل آخر على عبثية التصنيفات الأمريكية، سحبت واشنطن زعيم القاعدة في سوريا من قائمتها الإرهابية». ربما يستنتج القارئ بسهولة أن المقصود بزعيم القاعدة في سوريا هو الرئيس أحمد الشرع، لكن ربما يُفاجأ بأن صاحب هذا التصريح المنشور على منصة أكس، هو محمد جواد ظريف أحد أبرز الشخصيات السياسية في إيران الخمينية، وأهم شخصياتها التفاوضية، كان له دور بارز في وقف الحرب الإيرانية العراقية، وشارك في جميع مفاوضات بلاده منذ الثمانينيات عموما، وأسند إليه الرئيس الأسبق حسن روحاني منصب كبير المفاوضين النوويين، وكان هو من أقنع القيادة الإيرانية، بدعم الولايات المتحدة في حربها ضد طالبان الأفغانية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتولى عدة مناصب مهمة منها وزير الخارجية، ونائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية. إذن، عندما يصدر مثل هذا التصريح عن شخصية بحجم ظريف، يصف فيه رئيس سوريا المعترف به دوليا والرمز المعبر عنها، بالإرهاب، فإنه يقطع الاحتمال لأن يكون نابعا من وجهة نظر فردية حانقة على الرئيس السوري الحالي، بل جاءت معبرة عن استياء إيراني من سقوط نظام الأسد وتولي خصومه العسكريين إدارة البلاد. هذا الاستياء ظهر مع بداية سقوط النظام والمتغيرات الجديدة، فقد اتهم المرشد الأعلى خامنئي، أمريكا وإسرائيل وتركيا بالتخطيط لإسقاط الأسد، واعتبر قوى المعارضة السورية تسعى لاحتلال سوريا، ووصف انتصار الثورة بالفوضى، مهددا باستعادة الشباب الغيور للمناطق المحررة، على حد وصفه، ما دعا الخارجية السورية، لتقديم الاحتجاج على ما اعتبرته تدخلا إيرانيا في الشأن السوري. إيران، الحليف الاستراتيجي للنظام البائد، كانت الداعم الأبرز لبشار في حربه ضد الفصائل الثورية، لم يقتصر الدعم على الجانب اللوجستي والمادي، فكتائب الحرس الثوري الإيراني كانت أبرز الكيانات المقاتلة على الأرض في سوريا، إضافة إلى الخبراء العسكريين الذين تدفقوا من إيران لدعم النظام. ومع نجاح الثورة في الإطاحة ببشار ونظامه، خسرت إيران سوريا، أحد أبرز مرتكزات نفوذها في المنطقة، وتقف الآن مترقبة متوجسة في دراسة مستقبل علاقتها بسوريا الجديدة. هذا الإخفاق يستدعي الحديث عن نظرية «أم القرى»، التي أسس لها وشرحها المنظّر الأكاديمي محمد جواد لاريجاني، في كتابه «مقولات في الاستراتيجية الوطنية». هذه النظرية ترتكز على فكرة أن إيران هي أم القرى، وليست مكة، باعتبارها حاملة الإسلام الصحيح، وتنص الوثيقة التي تحمل روح النازية، على وجوب قيادة إيران للعالم الإسلامي عن طريق الولي الفقيه، ووجوب التوسع في الجوار، ويتم تطبيقها، كما أوضح لاريجاني على مفهوم أساسي وهو، قوة العمل والنشاط خارج الحدود. فكرة الهيمنة حاضرة في الذهنية الإيرانية، منذ ثورة الخميني، الذي شرع على الفور في تصدير الثورة الإيرانية، إلا أن لاريجاني صاغ المشروع الذي عملت عليه طهران، وانطلقت به لتعزيز نفوذها في عدة دول في المنطقة. ففي العراق، تمكنت إيران من بسط نفوذها الذي تقاسمته وأمريكا، بعد أن ساعدت الأخيرة في احتلال العراق باعتراف القادة الإيرانيين أنفسهم. كما تمدد نفوذها من خلال أذرعها في لبنان (حزب الله اللبناني) واليمن (الحوثي)، إضافة إلى الجيوب الموالية لها في عدة دول عربية. أما سوريا، فكانت حلقة بالغة الأهمية في المشروع الإيراني، الذي يترجم نظرية «أم القرى»، وقد عبّر مهدي طائب رجل الدين الإيراني البارز المرتبط بالحرس الثوري عن هذه الأهمية بقوله: لو خسرنا سوريا فلا يمكن أن نحافظ على طهران». عملت إيران على الهيمنة الكاملة على سوريا، وكان من نتائج تدخلها في سوريا دعما للأسد، إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا، عن طريق تهجير السكان أصحاب الأرض، وإحلال عناصر إيرانية وأخرى موالية لإيران. أغدقت إيران على نظام بشار الدعم المادي السخي، رغم مشاكلها الاقتصادية الداخلية، بهدف إبقاء المنطقة العربية مشتعلة، والسيطرة على آلية صنع القرار في دمشق، وحصلت في المقابل على موافقة ببيع ورهن أملاك للدولة السورية مقابل استمرار الدعم. استلهمت إيران في تعاملها مع سوريا خطة مارشال الأمريكية نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، التي قضت بتفعيل وإنعاش اقتصادات أوروبا التي أنهكتها الحرب العالمية الثانية، لتكون سوقا للمنتج الأمريكي، ولإغلاق الطريق على المد الشيوعي في أوروبا. وقد كشفت وثائق رسمية سرية تم العثور عليها في سفارة طهران بدمشق في أواخر 2024 عقب انهيار نظام بشار، أن إيران كادت أن تهيمن على سوريا باستثمارات طويلة الأمد بقيمة 400 مليار دولار، مُدرجة في الوثيقة، التي أعدتها وحدة متخصصة في الدراسات الاقتصادية من الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا، الديون الضخمة المتراكمة على النظام السوري لصالح إيران. جاء نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد، ليضع العصا في مشروع نظرية «أم القرى»، تزامنا مع تقويض القوة العسكرية لحزب الله بسبب العدوان الإسرائيلي، وإضعاف ما يعرف بمحور المقاومة. وإلى اليوم لم تتضح الصورة الكاملة التي ستكون عليها العلاقات الإيرانية مع النظام الجديد، غير أن الإدارة السورية يبدو أنها لا تمانع في إقامة علاقات مع إيران، في سياق نهجها العام في تصفير النزاعات. إننا إذ نتناول المشروع الإيراني، فلا يصح ترجمته على أنه موقف ذو بُعد طائفي حيال إيران، التي ترعى المنهج الشيعي، فنحن نتناول المشروع باعتباره مشروعا تخريبيا في المنطقة العربية لا علاقة له بالأيديولوجيات، فعندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت لم نضع في الميزان أية أيديولوجيات أو انتماءات، إنما هو العدوان والعدوان وحده، مهما كان صادرا عن أي أحد كائنا من كان. كما أود التنبيه على الحتمية البغيضة التي يضعها البعض، والوقوع في آفة الإلزام بما لا يلزم، وأعني أولئك الذين يعتبرون التحذير من الخطر الإيراني ضربة للمقاومة في فلسطين، باعتبار أن إيران كانت تمد المقاومة بالدعم، فنحن نقف مع الحق الفلسطيني ومقاومة الاحتلال قلبا وقالبا، لكن ماذا عن هذه الدماء التي سفكتها إيران في الدول العربية؟ وماذا عن مشروعها التخريبي في المنطقة والذي لا يجهله أحد؟ يضاف إلى ذلك، أن الدعم الذي قدمته إيران للمقاومة قبضت ثمنه وهو تجميل وجهها لدى العالم الإسلامي والعربي، لكن أين هو الدعم الآن؟ وهل تحركت إيران يوما من أجل غزة؟ الواقع أثبت أنها لا تتحرك عسكريا إلا إذا تعلق الأمر بحدودها، وها هي في المفاوضات مع ترامب حيال حربها مع إسرائيل، لم تضع غزة التي تُباد في الحسبان، ولم يكن وقف العدوان على غزة على طاولة التفاوض. ونحن قطعا لا نستطيع إلقاء اللوم عليها وحدها، فكل دولة تسعى لمصالحها الخاصة في هذا العصر الذي سقط من قاموس الدول نجدة الملهوف ونصرة المظلوم، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن لا ننظر إلى إيران على أنها دولة مقاومة للاحتلال نصرة للقضية الفلسطينية، وينبغي أن لا نجعل السكوت عن الجرائم الإيرانية معيارا لدعم فلسطين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

واشنطن تصعّد.. لبنان بين ضغوط نزع السلاح وتحدي السيادة
واشنطن تصعّد.. لبنان بين ضغوط نزع السلاح وتحدي السيادة

خبر للأنباء

timeمنذ يوم واحد

  • خبر للأنباء

واشنطن تصعّد.. لبنان بين ضغوط نزع السلاح وتحدي السيادة

وسط تصاعد الضغوط الأميركية والدولية بشأن سلاح "حزب الله"، يتجدد النقاش في لبنان حول مستقبل هذا السلاح ودوره في المعادلة السياسية، وسط تحذيرات من العودة إلى زمن الوصاية السياسية أو الأمنية على البلاد، لكن هذه المرة من بوابة السلاح لا الاحتلال. وجاءت هذه التطورات بعد تقارير تحدثت عن استعدادات أميركية لإعادة صياغة تعاطيها مع الملف اللبناني، مع التركيز على ضرورة احتكار الدولة وحدها للسلاح، باعتبار أن استمرار "حزب الله" كقوة عسكرية موازية للجيش اللبناني يعرقل استقرار الدولة ويقوّض السيادة الوطنية. وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي فيصل عبد الساتر، في مداخلة مع برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، إن "الحديث عن سلاح حزب الله بهذه الطريقة، هو محاولة مكرّرة لإعادة إنتاج مشروع الوصاية على لبنان، ولكن هذه المرة بأدوات داخلية وبغطاء دولي". السلاح وتوازن الردع وأوضح عبد الساتر أن "سلاح المقاومة لم يكن يوما خارجا عن المصلحة الوطنية، بل كان أحد أهم عناصر توازن الردع مع إسرائيل"، مضيفا أن "الولايات المتحدة تسعى إلى خلق دولة ضعيفة تخضع لقراراتها، من خلال الضغط لنزع سلاح المقاومة". وتابع: "الحديث عن السيادة يجب أن يبدأ من تحرير القرار اللبناني من التبعية للخارج، لا من استهداف المقاومة التي حمت لبنان منذ العام 2000 وحتى اليوم". وأكد عبد الساتر أن "من يتحدث عن الدولة عليه أن يسأل أين هي الدولة أولا؟ هل الدولة التي لا تستطيع تشكيل حكومة من دون موافقة السفارات؟ أم الدولة التي تُدار وفق مصالح إقليمية متضاربة؟". واشنطن ونزع السيادة وأشار عبد الساتر إلى أن "الضغوط الأميركية لا تستهدف حزب الله فقط، بل تسعى لتجريد لبنان من أي قدرة على الدفاع عن نفسه"، محذرا من أن "كسر المعادلة القائمة قد يؤدي إلى فراغ أمني وسياسي يُنذر بمخاطر كبرى على الداخل اللبناني". وختم الكاتب و الباحث السياسي فيصل عبد الساتر حديثه بالقول: "لا أحد يريد الحرب، ولكن لا أحد سيقبل بأن يفرَض عليه شكل الدولة وسقف السيادة من الخارج، عبر سيف العقوبات أو عبر خطاب يتنكر لتاريخ المقاومة في حماية لبنان".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store