
المنصات التركية تشتغل غضبا بعد رسم مسيء للنبي محمد
انتقد ناشطون أتراك إساءة إحدى المجلات المحلية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا إن سلوكها لا يمكن تبريره بحرية التعبير، في حين رفض آخرون حبس الصحفيين تحت أي ذريعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي "للاستشراق الهندوسي" الحديث
لطالما ارتبط مصطلح "الاستشراق" في أذهاننا بالهيمنة المعرفية الغربية على الشرق. لكن، ماذا لو كانت أدوات الهيمنة هذه قادرة على التشكل من جديد داخل السياقات المحلية؟ ماذا لو تحولت المعرفة الوطنية نفسها إلى "استشراق داخلي" يُقصي مكونات أصيلة من المجتمع؟ وهذا هو التحدي الفكري الذي يطرحه مفهوم "الاستشراق الهندوسي" وهو المصطلح النقدي الذي صاغه أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا عرفان أحمد. فمن خلال هذا المفهوم، لا يكتفي بتوسيع دائرة نقد إدوارد سعيد، بل يكشف عن بنية معرفية منظمة في الهند تقدم الإسلام والمسلمين كـ"آخر" دخيل، في عملية تشبه إلى حد كبير آليات الاستشراق الكلاسيكي. وفي رحلته الأكاديمية التي امتدت من الهند إلى أوروبا وأستراليا، وصولًا إلى كرسي الأستاذية بجامعة ابن خلدون في إسطنبول، حوّل أحمد تجربته الشخصية كطالب شعر بالاغتراب داخل فصول دراسية مؤممة، إلى مشروع فكري رصين يتحدى المسلّمات. وعلى هامش مشاركته في " المؤتمر الدولي للاستشراق" بالدوحة، حاورت الجزيرة نت الأستاذ الأكاديمي، في حوار يغوص في أعماق نشأة هذا المفهوم، ويستكشف كيفية تفكيك الهيمنة المعرفية بعيدًا عن الشعارات، وبمنهجية نقدية أكثر تأصيلًا وعمقًا، فإلى الحوار: كيف تبلور لديك مفهوم "الاستشراق الهندوسي" وما العوامل الشخصية التي ساهمت في تشكيله؟ إن صياغة المفاهيم وابتكار مصطلحات جديدة يشبه المسار التجريبي لحياة المرء، وهو في الوقت ذاته مسار مفهومي (مفاهيمي). فجزء من السبب الذي دفعني إلى تبني هذا المسار كان نابعا من التجربة الشخصية، وتحديدا من الطريقة التي تلقيت بها تعليمي. فقد نشأت في الهند، والتحقت أولا بمدرسة إسلامية، ثم بمدرسة حكومية، ثم انتقلت إلى الجامعات. وفي الجامعة، التي كانت في دلهي، لم تكن الكتب الدراسية التي تعلمتها، ولا طريقة تناولهم لمسائل الإسلام والمسلمين، مُرضية، بل كانت متحيزة بشكل كبير. وكان هذا أمرا يلاحظه أي شخص يملك قدرا من الوعي، لكن بسبب قوة الهيمنة الوطنية، لم يكن من السهل على أحد أن يفهم حقيقة ما يجري. فالأمر يتطلب جهدا كبيرا ووعيا نقديا متراكما. في الجامعة، التي كانت في دلهي، لم تكن الكتب الدراسية التي تعلمتها، ولا طريقة تناولهم لمسائل الإسلام والمسلمين، مُرضية، بل كانت متحيزة بشكل كبير. وكان هذا أمرا يلاحظه أي شخص يملك قدرا من الوعي، لكن بسبب قوة الهيمنة الوطنية، لم يكن من السهل على أحد أن يفهم حقيقة ما يجري. فالأمر يتطلب جهدا كبيرا ووعيا نقديا متراكما. لقد كانت رحلة طويلة بالنسبة لي، رحلة البحث عن كيفية التعبير عن شعور عدم الرضا الذي لازمني كطالب، سواء في سياق التدريس أو البيئة الأكاديمية عموما. وحين أقول إن المعرفة في الهند مؤممة إلى حد كبير، فأنا لا أتحدث عن تجربة فردية فقط، بل عن حالة عامة. فاستيعاب المعرفة، في مثل هذا السياق، يعني أيضا أن علينا نزع هويتنا الوطنية، لأن المعرفة والقومية كانتا متداخلتين بعمق. لذا استغرق الأمر مني وقتا طويلا لتحليل ما هو سبب هذا الشعور بعدم الرضا، وكيف يتجلى. وبخلاف ذلك، فإنه في الفصل الدراسي -بالمناسبة- لم يكن الأمر مقتصرا على محتوى الكتب الدراسية فحسب، بل يشمل كذلك طبيعة الأسئلة المطروحة، والحوارات التي تدور في الندوات والمؤتمرات، وغير ذلك من الفضاءات الأكاديمية. لذا فإن البيئة الوطنية بمجملها تفرض نمطا معينا من الحوار عليك أن تتأقلم معه. وأعتقد أن المعرفة المناهضة للاستعمار لا تقتصر على التشكيك في هذه المعرفة المؤممة فحسب، بل تمتد لتشمل أيضا البحث عن بديل لها. ولكن الوصول إلى بديل لا يكون ممكنا إلا بعد تشخيص المشكلة الحقيقية، وهذه مهمة شاقة ومعقدة. لذا، يمكنني القول إن رحلتي كانت تجريبية في البداية، لكن الرحلة التجريبية وحدها لا تكفي، إذ يجب تحويل هذه الرحلة التجريبية إلى اختبار مفاهيمي. وعندما يندمج البعد التجريبي مع المفاهيمي نصل إلى عمق أكبر في الفهم. كما قال طلال أسد في وقتٍ ما إن أي أفكار -ساهم بها في مجال الأنثروبولوجيا أو الفلسفة أو مسألة الأخلاق- لها جذورها في الحياة التي عاشها. وهذا صحيح، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن للمرء أن يتوصل إلى مفهوم جديد إلا بعد تجربته، وهذه ليست النقطة المهمة أيضا، لكن الأمر الأساسي الذي يجب مراعاته هو كيفية تحويل تجربتك إلى سؤال مفاهيمي. وهذا ما يتطلب جهدا كبيرا وتأملا عميقا. نشأت في الهند، وانتقلت من المدارس الإسلامية إلى الحكومية، ثم إلى الجامعات. وخلال هذه الرحلة التعليمية، كنت أقرأ في الكتب الدراسية ما يخبرك أن الإسلام دين دخيل، وأنه قوة خارجية دخلت الهند، وأنه غير مرغوب فيه. وكان يفسر دائما على أنه غزو ما الذي دفعك لتطوير مفهوم "الاستشراق الهندوسي" وكيف تكشّف لك بوصفه نظاما معرفيا يتجاوز الصور النمطية والتجارب الفردية؟ أجل، كما ذكرت سابقا، فقد نشأت في الهند، وانتقلت من المدارس الإسلامية إلى الحكومية، ثم إلى الجامعات. وخلال هذه الرحلة التعليمية، كنت أقرأ في الكتب الدراسية ما يخبرك أن الإسلام دين دخيل، وأنه قوة خارجية دخلت الهند، وأنه غير مرغوب فيه. وكان يفسر دائما على أنه غزو، على سبيل المثال. وبمجرد قراءة هذا الكلام، والنظر إلى سياق ما بعد حرب 11 سبتمبر، يمكنك أن ترى أن الأمر لم يكن مقتصرا على الهند فقط، بل كان جزءا من نقاش عالمي حول الإسلام والإرهاب. وعندما ذهبت إلى مدارسهم أو جامعتهم، وتعلمت أشياء من هذا القبيل، كان الأمر كما لو أنني كنت أنا المشكلة. وبالمناسبة، في هذه الجامعات، لا نجد سوى عدد قليل جدا من الطلاب المسلمين، بينما الغالبية العظمى من الطلاب من الهندوس. ثم عليك دراسة "المجتمع الهندي" و"الحضارة الهندية" ويُقال لك إن الإسلام مشكلة، وهي مشكلة سلبية، وإذا كان المدرس هو من يدرس هذه المادة، فإن زملائي ينظرون إلي وكأنني أنا المشكلة. وهذا نوع من "التشييء" وربما تبدو الكلمة قاسية، لكنها الأقرب إلى فكرة نزع الصفة الإنسانية. فأنا أجلس معهم في نفس الفصل، لكن على عكس أصدقائي الهندوس، أشعر وكأنني موضع الاتهام، لأن الإسلام -بحسب هذا الطرح- غريب عن الهند، ووجوده فيها أمر يجب التخلص منه بدلا من الافتخار به. وهذه التجربة دفعتني إلى التفكير في أن المسألة لا تتعلق بكتاب دراسي سيئ، أو بمحاضر متحيز، أو حتى بباحث يقدم طرحا سلبيا هنا أو هناك. فالمشكلة أعمق من ذلك، إنها ليست في الأفراد، بل هي مسألة معرفية. فلماذا يقول الأستاذ الشيء نفسه المذكور في الكتاب؟ ولماذا يأتي باحث من الخارج ليكرر الفكرة ذاتها؟ بل وحتى بعض العلماء الهنود يرددون الطرح نفسه؟ ثم الأجانب كذلك؟ وبدأتُ بدراسة هذا الأمر، ثم أدركتُ أنه ليس مجرد تحيز فردي من قِبل أ، ب، أو ج، أو من قِبل الكتاب المدرسي، بل هناك نظام معرفي منظم ينتج هذه الصورة بشكل متماسك، وليس مجرد مجموعة من الانطباعات أو الصور النمطية. المسألة تتجاوز الصور النمطية، فثمة طريقة تنظم بها المعرفة بحيث تقدم الإسلام والمسلمين كغرباء أو شيء دخيل. توصلت إلى صياغة مفهوم "الاستشراق الهندوسي". وجوهر هذا المفهوم أن المسلمين هم "الآخر" الأساسي في هذا البناء المعرفي. وربما يمكن القول إنهم الآخر الأوضح، لكنهم ليسوا الوحيدين، فهناك أيضا آخرون، كأفراد الطبقات الدنيا وسكان القبائل، ممن يتم تهميشهم أو نزع الشرعية عنهم ضمن هذا الإطار المعرفي وبعد دراسة هذه الظاهرة وتحليل جذورها، فكرتُ أنه علينا تحديد جوهر المفهوم، وتوصلت إلى صياغة مفهوم "الاستشراق الهندوسي". وجوهر هذا المفهوم أن المسلمين هم "الآخر" الأساسي في هذا البناء المعرفي. وربما يمكن القول إنهم الآخر الأوضح، لكنهم ليسوا الوحيدين، فهناك أيضا آخرون، كأفراد الطبقات الدنيا وسكان القبائل، ممن يتم تهميشهم أو نزع الشرعية عنهم ضمن هذا الإطار المعرفي. وهنا، يجب التنبيه إلى أن مفهوم "الاستشراق الهندوسي" لا يقتصر على الإسلام والمسلمين فحسب، كما أنه لا يقتصر على حدود الهند. فالمعرفة عن الهند نفسها مرتبطة بإرث استشراقي غربي طويل، وهي دراسة أُنتجت في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ثم لاحقا في الولايات المتحدة. لذا سترى أن ما يُسمى البعد شبه القاري مرتبط بالتشكيل الغربي للمعرفة. لذا فبهذا المعنى، يسمح "الاستشراق الهندوسي" بدراسة كيفية تطور تشكيل المعرفة. وبالمناسبة، هذا النوع من الاستشراق لم يتطور بالأمس. ولذا، عندما نستخدم مصطلح الاستشراق الجديد، على سبيل المثال، نجد فيه شيئا جديدا، ولكن علينا أيضا أن ندرك أنه لم ينشأ فجأة، ولهذا الأمر جذور تاريخية عميقة. ولعل وصف "الجديد" هنا يشبه ما نراه في عالم الإعلانات، مثلما ترى معجون أسنان بالسوبرماركت التركي مكتوبا عليه "yeni – يني" (أي: جديد) في حين أنه في الحقيقة ليس جديدا تماما. وفكرة الاستشراق الجديد تحمل في طياتها شيئا جديدا، ولكنه ليس مفاجئا. وهناك دائما ما يسبقه. ولذا، هذه إحدى الطرق العديدة لتفسير فكرة الاستشراق الهندوسي. كيف يمكن للجيل الجديد أن يتعامل بشكل نقدي وموضوعي مع المعرفة التي تشكلها أطر مثل الاستشراق الهندوسي، بدلا من الاعتماد على الشعارات المجردة؟ أعتقد، كما تعلمون، أننا بحاجة إلى تجاوز ما يسمى الشعارات. ففي مناخنا اليوم، وفي البيئة الأكاديمية التي نعيش فيها، أصبح من الشائع جدا أن نسمع عبارات مثل "هذه المعرفة أوروبية المركز" أو "نحن بحاجة إلى تجاوز المركزية الأوروبية" أو حتى "علينا التخلص من هذا النمط من المعرفة". ولكن، قبل إطلاق أي من هذه الادعاءات، فإن الشرط الأول -لا سيما من منظور أكاديمي- هو معرفة الموضوع الذي نريد انتقاده تحديدا. لأنه ما لم ندرك على وجه التحديد ما هي المركزية الأوروبية، فلن نتمكن من نقدها فعليا. نصيحتي للشباب: لا تقعوا في فخ هذه الشعارات فحسب، بل اذهبوا وادرسوها، واعرفوها بأدق تفاصيلها. ثم طوروا نقدا، لأنه حينها فقط سيكون نقدكم سليما جدا ويمكن أن يكون بديلا فعالا. وما لم تفحصوا مكوناتها وبنيتها، فإن مجرد القول إن بعض النظريات أو المفاهيم ذات مركزية أوروبية لا يكفي ولهذا أعتقد أن الجيل الأصغر سنا بحاجة إلى تجاوز الشعارات المجردة. فقبل أن تنتقدها، حاول أن تتعمق خطوة بخطوة وتكتشف ماهية المركزية الأوروبية، وكيف تطورت، وما هي الركائز المفاهيمية لها. وبمجرد أن نعرفها من الناحيتين المنهجية والنظرية، وبمجرد أن نتعرف على مكوناتها المختلفة، وبنيتها، وأسلوبها المنطقي في الحجج، حينها فقط سنكون قادرين على تفكيكها. وبمجرد أن ندرك هذه الأسس من الجانبين المنهجي والنظري، ونتعرف على مكوناتها المختلفة، وبنيتها، وأسلوبها المنطقي في بناء الحجج، عندها فقط يمكننا أن نشرع في تفكيكها بوعي. ولذا، نصيحتي للجيل الشاب هي: لا تقعوا في فخ هذه الشعارات فحسب، بل اذهبوا وادرسوها، واعرفوها بأدق تفاصيلها. ثم طوروا نقدا، لأنه حينها فقط سيكون نقدكم سليما جدا ويمكن أن يكون بديلا فعالا. وما لم تفحصوا مكوناتها وبنيتها، فإن مجرد القول إن بعض النظريات أو المفاهيم ذات مركزية أوروبية لا يكفي. حتى لو قلت هذا، فمن واجبك أن تثبت أيضا، ليس فقط ادعاء أنها أوروبية المركز، بل أيضا إثبات كيفية ذلك، ثم تقديم بديل تدريجيا.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
اعتقالات جديدة تطال 3 رؤساء بلديات في تركيا
اعتُقل ثلاثة رؤساء بلديات ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري ، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، صباح السبت، على ما أعلن رئيس بلدية أنقرة، مشيرا إلى أن التوقيفات جرت في إطار تحقيق حول اتهامات بالجريمة المنظمة. وكتب عمدة أنقرة منصور ياواش على منصة إكس "تم اعتقال رؤساء بلدياتنا في أضنة زيدان كرالا وفي أنطاليا محي الدين بوتشيك وفي آديامان عبد الرحمن توتديري". وأفاد رئيس بلدية أنقرة في منشوره بأنه "في نظام حيث يرضخ القانون ويتأرجح وفقا للسياسة، وتُطبق العدالة على مجموعة ويتم تجاهلها لمجموعة أخرى، لا ينبغي أن يتوقع أحد منا أن نثق بسيادة القانون أو نؤمن بالعدالة". وأضاف "لن نرضخ للظلم أو انعدام القانون أو المناورات السياسية"، وفق وصفه. بدوره، قال مكتب المدعي العام في إسطنبول إنه تقرر احتجاز رئيسي بلديتي أضنة وأديامان الكبيرتين في جنوب البلاد بتهم كسب غير مشروع، فضلا عن 8 آخرين. وقالت قناة "إن تي في" التلفزيونية إن رئيس بلدية أنطاليا ونائب رئيس بلدية منطقة بيوك شكمجة في إسطنبول احتجزا أيضا في إطار تحقيق أوسع نطاقا شمل المئات من أعضاء حزب الشعب الجمهوري، منهم 11 من رؤساء البلديات السابقين، منذ أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي. وكانت السلطات التركية شنت حملة ضد المعارضة في مطلع الشهر باعتقال أكثر من 120 من أعضاء بلدية إزمير، معقل حزب الشعب الجمهوري بغرب تركيا، بعد أكثر من 3 أشهر على عملية مماثلة استهدفت بلدية إسطنبول. وينفي حزب الشعب الجمهوري الاتهامات الموجهة ضده بشدة، ويقول إن التحقيق له دوافع سياسية، وهي اتهامات تنفيها الحكومة.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
أيام صعبة تنتظر حزب الشعب الجمهوري في تركيا
لم أكد أشرع في كتابة هذا المقال بشأن النفق المظلم الذي دخله حزب الشعب الجمهوري التركي، حزب المعارضة الرئيسي، بفعل قضايا الفساد التي طالت أسماء بارزة فيه، وفي مقدمتهم رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وعشرات آخرين، إضافة إلى الدعوى المرفوعة من بعض كبار أعضائه لإلغاء مؤتمر الحزب الذي انعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بزعم استخدام المال السياسي للتلاعب في مخرجاته. وفيما أرتب أفكاري، دهمتني أخبار جديدة بحملات توقيف بحق رئيس بلدية إزمير السابق عن حزب الشعب الجمهوري، تونتش سوير، وأكثر من 150 آخرين، بتهم تتعلق بالفساد والتربح غير المشروع. وكما بدأ الخيط الأول في قضايا الفساد المتهم فيها إمام أوغلو بتسريبات من داخل حزب الشعب، بدا الوضع في إزمير مشابهًا، إذ بدأت القصة من بلاغ تقدم به رئيس البلدية الحالي عن حزب الشعب أيضًا، جميل توغاي. أتت هذه الحملة لتعمق جراح الحزب، وتثير علامات استفهام طبيعية بشأن مستقبله، إذ احتفظ الحزب حتى مارس/ آذار الماضي بصدارة استطلاعات الرأي، ما منحه ثقة بالغة في إظهارها، حتى بدا وكأنه تسلم حكم البلاد فعليًا! كما أن مجمل ما يمر به حزب المعارضة الرئيسي يثير تساؤلات بشأن مستقبل الحياة السياسية برمتها، إذ تعد المعارضة الفعالة والقوية ضمانة أساسية لحياة ديمقراطية سليمة، كما سيأتي بيانه. السياسات الخاطئة رغم أن رئيس حزب الشعب، أوزغور أوزيل، أدار أزمة اعتقال إمام أوغلو وآخرين بطريقة احترافية في الأيام الأولى، وذلك وفق تقييمات كثير من الصحفيين والمتابعين داخل تركيا، فإنه سرعان ما انزلق إلى هوة الشعبوية، فلم يفعل ما كان يجب عليه فعله، كما جنح إلى تبني مواقف حدية أدت إلى تعميق أزمة الحزب، ومن أهم هذه الأخطاء: أولًا: غلبة الأيديولوجيا يعود تاريخ حزب الشعب إلى تأسيس الجمهورية التركية نفسها، إذ يُعد مصطفى كمال أتاتورك مؤسسًا للحزب، ورئيسًا له حتى وفاته. ولعب الحزب أدوارًا سياسية مؤثرة (بغض النظر عن تقييم الأداء) منذ عام 1923 وحتى الآن، إذ ظل مهيمنًا على الحياة السياسية حتى عام 1946 عندما تم السماح بالتعددية الحزبية، والتي أفضت إلى تولي الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس، السلطة عام 1950، حيث استمر ممسكًا بزمامها لنحو عقد من الزمان. فشل الحزب على مدار العقود الطويلة التي تلت رحيل أتاتورك، عدا الفترة التي تلت الانقلاب العسكري عام 1960، فقد تباينت أحواله ما بين الغياب التام تقريبًا، أو الحكم التشاركي حتى ولو وصل الأمر إلى التحالف مع ألد الأعداء الأيديولوجيين لتشكيل الحكومة، كما حدث عام 1974 عندما شكل الحزب برئاسة بولنت أجاويد الحكومة رقم 37 بالتشارك مع حزب السلامة الوطني "المحافظ" بزعامة نجم الدين أربكان. أحد الأسباب القوية وراء هذا الفشل، تبني الحزب أيديولوجية لائكية "علمانية" شديدة التطرف والجمود أبعدته كثيرًا عن الشرائح القومية والمحافظة في المجتمع التركي، نتيجة لسياسات الحزب المناهضة لقيم وثقافة المجتمع، وأبرز مثال على ذلك موقفه الذي كان رافضًا لارتداء الحجاب في الجامعات ومؤسسات الدولة الرسمية. حاول رئيس الحزب السابق، كمال كليجدار أوغلو، في خضم الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تجاوز هذه العقبات، بإجراء مصالحة مع الشرائح المحافظة، بتبني سياسات أكثر تصالحية تجاه الدين، حتى إنه لم يتردد في الاعتراف بخطأ السياسات السابقة لحزبه، وقدم اعتذارًا بشأنها. هذه السياسات التي تبناها كليجدار أوغلو، نجحت في إحداث اختراقات في القاعدة التصويتية لحزب العدالة والتنمية، حتى وإن لم تكن مؤثرة، لكنها كسرت جمود الفواصل الحدية بين شرائح المحافظين وبين الحزب. لكن خلفه أوزغور أوزيل فشل في تنمية تلك السياسات، التي كان من الممكن أن توسع هوامش الحزب التصويتية، حيث لوحظ انتقال الاستقطاب الأيديولوجي إلى قاعدة الحزب. ففي التجمع الذي دعا إليه الحزب في الأول من يوليو/ تموز الجاري أمام مبنى بلدية إسطنبول، حرص المتظاهرون على ترديد شعارات تؤكد على أن "تركيا علمانية.. وستظل علمانية". فيما ظهر مقطع مصور لأحد المشاركين يتوعد المحافظين قائلًا: "الذين يريدون تطبيق الشريعة تحت اسم الإسلام، سيتم إعدامكم واحدًا تلو الآخر، سيتم إعدامكم هنا"! هذه اللغة العنيفة كانت بمثابة هدية مجانية للحكومة وأنصارها، الذين أعادوا تذكير الرأي العام بمواقف الحزب السابقة تجاه المحافظين، محذرين في الوقت ذاته من عودته مرة أخرى إلى سدة الحكم. لم يبذل رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، ما يلزم لوقف تصدع الحزب داخليًا، في ظل انقسامه إلى جبهتين واضحتين، الأولى تضم أوزيل وإمام أوغلو وتظل هي الأقوى حتى الآن، والثانية يقف على رأسها رئيس الحزب السابق، كمال كليجدار أوغلو. وذلك على خلفية الدعوى المرفوعة من بعض قيادات الحزب، والتي تطالب بإبطال نتائج مؤتمر الحزب الذي عقد أواخر عام 2023، وأهمها فوز أوزيل برئاسة الحزب، بزعم استخدام المال في شراء أصوات المندوبين. ورغم أن قرار المحكمة الأخير بتأجيل نظر الدعوى إلى سبتمبر/ أيلول المقبل، أضفى حالة من الهدوء المؤقت على المشهد، فإن الجميع يستعد للجولة الفاصلة، في ظل تمترس كل فريق بمواقفه. فداخل الحزب هناك حملة واضحة لشيطنة كليجدار أوغلو واتهامه بالتنسيق مع السلطة الحاكمة للعودة إلى رئاسة الحزب، حتى إن رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، هاجمه بضراوة متهمًا إياه بمحاولة "استعادة المقعد الذي فقده في الانتخابات من خلال انقلاب قانوني". هذه الحملة دفعت كليجدار أوغلو للتأكيد على التزامه بتنفيذ حكم المحكمة، والتأكيد على أن مقر الحزب الرئيسي يكون حيث يكون الرئيس موجودًا، وذلك ردًا على دعوات بمنعه من دخول الحزب! حاول أوزيل الهروب إلى الأمام باتهام السلطة بمحاولة تفجير حزبه من الداخل، ما دفع الرئيس، رجب طيب أردوغان، إلى الرد عليه عبر حسابه في منصة "إكس" بقوله: "إن مناقشات المؤتمر التي يريدون جرنا إليها بإصرار هي مشكلة داخلية في حزب الشعب الجمهوري، فجميع الأطراف في القضية المرفوعة أمام المحكمة هم أعضاء في الحزب". ثالثًا: غياب القيادة المسيطرة من السمات التي تطبع الحياة الحزبية في تركيا، أن غياب شخص المؤسس، يقود إلى تفتت الحزب وانقسامه ومن ثم انتهائه. ولم ينجُ حزب الشعب من ذلك المصير، فرغم بقائه لأكثر من قرن من الزمان، اعتمادًا على كتلة أيديولوجية صلبة، فإن تاريخه مليء بصراعات داخلية عنيفة، أدت إلى ابتعاد شخصيات سياسية وازنة عن الحزب، مثل رئيس الوزراء السابق، بولنت أجاويد، ورئيسه السابق، دينيز بايكال، ومؤخرًا المرشح الرئاسي السابق، محرم إنجه، قبل عودته الأخيرة التي ربما لن تطول! والآن يبدو أن كليجدار أوغلو قد يعاني من المصير ذاته، إلا إذا كان للمحكمة رأي آخر وأعادته مجددًا إلى رئاسة الحزب. هذه الصراعات الداخلية تعود أساسًا إلى غياب القيادة المسيطرة على دفة الأمور، والتي بوسعها أن تضبط التناقضات الداخلية، وتحدث حالة من التوازن بين الأجنحة المختلفة. ورأينا ذلك بوضوح في حزب العدالة والتنمية، حيث لعبت شخصية أردوغان دورًا محوريًا في تماسك الحزب، وبقاء الصراعات الداخلية في حدودها الدنيا، حتى إن الحزب لم يهتز مع انشقاق شخصيات قيادية، مثل أحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، أو انزواء آخرين مثل عبدالله غول، وبولنت آرينتش. رابعًا: التماهي مع إمام أوغلو اندفع أوزغور أوزيل في دعم أكرم إمام أوغلو، رغم توافر الأدلة التي لا تزال تظهر تباعًا للرأي العام، إضافة إلى إقدام أكثر من 30 موقوفًا حتى الآن على اعترافات تفصيلية، والتي قادت إلى اعتقال عشرات آخرين. ورغم ذلك أصر أوزيل على ربط مصير الحزب بمصير إمام أوغلو، دون أن يحاول أخذ خطوات إلى الوراء، يحفظ بها سمعة الحزب وحظوظه في أي انتخابات مقبلة، حال أُدين إمام أوغلو في نهاية المطاف. التداعيات وجود معارضة قوية وفعالة يعد صمام أمان لاستقامة الحياة الحزبية في أي دولة ذات نظام ديمقراطي حقيقي. وهذا ما رأيناه بوضوح عقب خسارة حزب العدالة والتنمية، انتخابات البلدية في مارس/ آذار 2024، إذ اعترف أردوغان بالهزيمة، مؤكدًا وصول رسالة الناخبين التي أودعوها صناديق الاقتراع، ومن ثم كان إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية استعدادًا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة عام 2028. كل هذا كان من الصعب حدوثه لو لم يخسر الحزب الانتخابات البلدية، أو تظهر المؤشرات ارتفاع أسهم حزب الشعب. أيضًا فإن تراجع حزب المعارضة سيترك أثره على مجمل أوضاع اليسار التركي، الذي سيعاني بشدة، خاصة أن حزب الديمقراطية ومشاركة الشعوب (DEM) اليساري الكردي، قد تقوده التطورات الداخلية المواكبة لحل حزب العمال الكردستاني (PKK) وإلقاء سلاحه، إلى مسافة قريبة من السلطة، خاصة في ملف إعداد الدستور الجديد. ما يعني فراغ الساحة أمام تحالف اليمين "القومي والمحافظ" المؤلف من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، لقيادة البلاد لفترة مقبلة. والخلاصة أنه من الواضح أن حزب الشعب الجمهوري تنتظره أيام صعبة، ما لم يبادر إلى إجراء مراجعات حقيقية لمجمل سياساته وتوجهاته، ويعمل على رأب الصدع الداخلي، قبل أن يفيق ذات صباح على حالة من التشظي والتفرق.