logo
النفايات الإلكترونية.. كيف نحولها إلى ثروة مستدامة؟

النفايات الإلكترونية.. كيف نحولها إلى ثروة مستدامة؟

لم يعد خفيًا على أحد أن وتيرة التطور التكنولوجي المتسارعة تخلف وراءها تحديًا بيئيًا واقتصاديًا هائلًا، يتمثل في تزايد كميات النفايات الإلكترونية التي تُعرف اصطلاحًا بـ 'e-waste'. تتحول أجهزتنا القديمة سنويًا إلى 57.4 مليون طن من هذه النفايات، وهو ما يعادل وزن 4700 برج خليفة، وفقًا لأحدث تقرير للأمم المتحدة عام 2024. وهنا يبرز مفهوم تدوير النفايات الإلكترونية كحلٍ محوري لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة.
أضف إلى ذلك تشير التقديرات إلى أن هذه النفايات تحتوي على معادن ثمينة مثل: الذهب، والنحاس، والمعادن النادرة. والتي تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 62 مليار دولار. ومع ذلك ينتهي المطاف بـ 82% من هذه النفايات في مكبات عشوائية أو تحرق. مطلقةً سمومًا خطيرة تهدد صحة الإنسان والبيئة.
لذا يصبح تدوير النفايات الإلكترونية ضرورة حتمية لقلب هذه المعادلة وتحويل التحدي إلى فرصة اقتصادية وبيئية.
ما لا تعرفه عن نفاياتك الإلكترونية
تشكّل النفايات الإلكترونية 'كارثة خفية' نظرًا للمخاطر الصحية والبيئية الجسيمة التي تحملها. وتحتوي العديد من المكونات الإلكترونية، مثل الشاشات والبطاريات، على مواد سامة وقاتلة كالرصاص، والكادميوم، والزئبق. وهي مواد مسرطنة تتسرب بسهولة إلى المياه والتربة. ملوثةً مصادرنا الطبيعية وتشكّل تهديدًا مباشرًا على صحة الإنسان.
علاوة على ذلك يفاقم حرق البلاستيك المحيط بالمكونات الإلكترونية من هذه المخاطر؛ حيث يطلق ديوكسينات أشد سميّة بـ 67000 مرة من السيانيد. وذلك بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
الهدر الاقتصادي الصادم
هذا الهدر البيئي يترافق مع هدر اقتصادي صادم؛ فطن واحد من الهواتف المحمولة -على سبيل المثال- يحتوي على ذهب أكثر بـ 100 مرة من طن واحد من خام الذهب التقليدي، وفقًا لتقرير الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023. وهو ما يؤكد القيمة الهائلة للموارد التي يمكن استردادها من خلال تدوير النفايات الإلكترونية.
كما أن إعادة تدوير مليون هاتف محمول فقط يمكن أن يسهم في استعادة 35,274 كجم من النحاس، و772 كجم من الفضة، و75 كجم من الذهب. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات عابرة، بل دعوة صريحة للعمل نحو استغلال هذه الثروات المدفونة التي تهدر كل يوم.
وفي المقابل يمكن لتحويل هذه النفايات إلى موارد قابلة للاستخدام أن يعزز من الاقتصاد الدائري، ويقلل الاعتماد على التعدين التقليدي الذي يُكلف البيئة خسائر فادحة. ويعد تدوير النفايات الإلكترونية إحدى الركائز الأساسية لهذا الاقتصاد؛ حيث يسهم في إغلاق حلقات الإنتاج والاستهلاك. ويسمح للشركات بإعادة استخدام المواد بدلًا من استنزاف الموارد البكر.
بين التشريع الذكي والتكنولوجيا والوعي
في السياق ذاته لا يمكن مواجهة تحدي النفايات الإلكترونية دون تبني حلول شاملة تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: التشريعات الصارمة، والتكنولوجيا المتطورة، وتمكين المستهلك. وبالطبع فإن هذه التشريعات الصارمة تعد بمثابة الخطوة الأولى نحو تنظيم هذه الصناعة. فالتحول من مفهوم 'المسموح' إلى 'الإلزامي' في تدوير النفايات الإلكترونية أمر حيوي.
وإلى جانب ذلك يسهم توسيع نطاق 'مسؤولية المنتِج الممتدة' (EPR) في تحميل الشركات المصنعة مسؤولية جمع منتجاتها المستهلكة وإعادة تدويرها. وتلزم 78 دولة الآن الشركات بهذه المسؤولية، وفقًا لتحديث اتفاقية بازل لعام 2024.
ويعد الاتحاد الأوروبي نموذجًا رائدًا في هذا المجال؛ حيث يعاد تدوير 55% من النفايات الإلكترونية بفضل نظام EPR الإلزامي. وهو ما يبرز أهمية الإطار القانوني في تحقيق أهداف تدوير النفايات الإلكترونية.
تكنولوجيا التدوير المتطورة
تمثل تكنولوجيا التدوير المتطورة المحور الثاني في هذا الحل الثلاثي؛ حيث تطورت هذه التكنولوجيا من مجرد الكسارات إلى ما يعرف بـ 'التعدين الحضري'. وعادةً ما تستخدم المصانع الآلية الذكية روبوتات مزودة بكاميرات ذكية لتحديد مكان البطاريات بدقة وإزالتها دون تكسير. وذلك ضمن مبادرة StEP التابعة للأمم المتحدة.
وبالتأكيد هذه التقنيات تسهم في استخلاص المعادن بنقاوة تصل إلى 99% باستخدام أجهزة فصل بالاهتزاز والطرد المركزي.
أما التقنيات الخضراء الناشئة فهي تفتح آفاقًا جديدة في تدوير النفايات الإلكترونية. ويتضمن ذلك الاستخلاص البيولوجي الذي يستخدم بكتيريا معينة 'لتآكل' لوحات الدوائر واستخراج الذهب منها، وذلك وفقًا لأبحاث جامعة ييل عام 2023. كذلك تسهم تقنية الانحلال الحراري في تحويل البلاستيك الإلكتروني إلى وقود دون انبعاثات سامة. وهذا يقلل من الأثر البيئي لهذه العملية.
كيف تساهم وأنت في منزلك؟
لا يكتمل الحل دون تمكين المستهلك؛ فهو حلقة وصل أساسية في سلسلة تدوير النفايات الإلكترونية. وفي هذا الإطار يمكن للمستهلكين المساهمة بفعالية من خلال معرفة خريطة النقاط الرسمية لجمع النفايات الإلكترونية في بلدانهم.
وفي المملكة العربية السعودية يتوفر برنامج 'إعادة تدوير' الذي يضم أكثر من 600 نقطة جمع. بينما في الإمارات العربية المتحدة تقدم مراكز 'تدوير' خدماتها في مواقع، مثل: مول الإمارات ومدينة مصدر.
وعلاوة على ذلك تشجع مبادئ 'الصيانة قبل الاستبدال' على تمديد عمر الأجهزة الإلكترونية. وفي سياق ذلك يشير تقرير منظمة 'جرينبيس' لعام 2024 إلى أن تمديد عمر الجهاز سنة واحدة يخفض بصمته الكربونية بنسبة 30%. ويعد التصنيف الذكي للنفايات قبل التخلص منها خطوة مهمة؛ فالهواتف ينبغي أن تسلم لمراكز معتمدة بعد إزالة البطارية. والشاشات ينبغي ألا تكسر وتنقل سليمة لمنشأة متخصصة. والبطاريات لا بد أن توضع في حاويات منفصلة لخطورة تسربها.
لماذا لا تزال نسبة التدوير منخفضة؟
على الرغم من الفرص الهائلة التي يقدمها تدوير النفايات الإلكترونية لا تزال نسبة التدوير منخفضة عالميًا. وتعود هذه المشكلة إلى عدة تحديات كبرى. ويعد تعقيد تصميم الأجهزة أحد أبرز هذه التحديات؛ فاستخدام اللاصقات غير القابلة للإزالة ودمج المكونات يصعب عملية التفكيك. على الرغم من أن شركات مثل: أبل وسامسونج بدأت في تبسيط التصاميم مؤخرًا.
ويضاف إلى ذلك تحدي التمويل؛ حيث تكلف مصانع التدوير المتطورة أكثر من 20 مليون دولار. ما يحد من انتشارها في الدول النامية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة. كما يمثل الوعي المجتمعي عاملًا حاسمًا؛ فـ 65% من المستهلكين لا يعرفون مواقع التدوير الرسمية، وفقًا لاستطلاع الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023. وهو ما يبرز الحاجة الملحة لحملات توعية واسعة النطاق.
اقتصاد دائري ناشئ ولا وقت للانتظار
على الجانب المشرق تشير التوقعات إلى أن السوق العالمية لإعادة التدوير سوف تتجاوز 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير 'جلوبال ماركت إنسايتس'. ما يشكّل فرصة واعدة لاقتصاد دائري ناشئ. فهناك نماذج ملهمة تثبت جدوى تدوير النفايات الإلكترونية، مثل: غانا التي أنشأت أول مصنع إفريقي لاستخلاص الذهب من النفايات الإلكترونية بالتعاون مع الأمم المتحدة. وسنغافورة التي تحول 97% من نفاياتها الإلكترونية إلى مواد خام جديدة.
وفي النهاية لم يعد هناك وقت للانتظار؛ فبحسب تحذير منظمة الصحة العالمية لعام 2024 يتعرض 18 مليون طفل في الدول النامية لسموم النفايات الإلكترونية أثناء تفكيكها يدويًا. ويكمن الحل ليس فقط في التكنولوجيا، بل في إعادة تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا: شراء أقل، وإصلاح أكثر، وتدوير بإتقان. فكل هاتف نعيده ليس مجرد جهاز قديم، بل خطوة نحو إنقاذ إنسان واسترداد كنز، وتحقيق مستقبل أكثر استدامة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المملكة تفوز بجائزة و3 شهادات تميز في منتدى »WSIS«
المملكة تفوز بجائزة و3 شهادات تميز في منتدى »WSIS«

صحيفة مكة

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة مكة

المملكة تفوز بجائزة و3 شهادات تميز في منتدى »WSIS«

فازت المملكة بجائزة و3 شهادات تميز في منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات «WSIS» التي ينظمها الاتحاد الدولي للاتصالات بالشراكة مع عدد من منظمات الأمم المتحدة، المنعقدة أعمالها بمدينة جنيف بسويسرا، وذلك نظير تميز مشاريعها الابتكارية بعد منافستها مشاريع من أكثر من 194 دولة. وحققت المملكة ممثلة بوزارة التعليم الجائزة الكبرى في مجال التعليم الالكتروني، عن منصة «مدرستي»، وهي منصة وطنية لإدارة التعليم الالكتروني في التعليم العام؛ تهدف إلى تمكين التعليم الرقمي بجميع أنماطه، وتعزيز جودة التعليم وإثرائه، حيث تخدم المنصة أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة، ونحو 500 ألف معلم ومعلمة في أنحاء المملكة. كما حققت المملكة 3 شهادات تميز عن مشروع برنامج التمكين التقني للقطاعات غير الربحية المقدم من شركة الاتصالات السعودية (stc) الذي يهدف إلى تمكين القطاع غير الربحي رقميا بحلول مجانية متطورة، لمساعدته في تركيز جهوده على زيادة الأثر بدلا من التحديات التشغيلية، وتوسيع نطاق خدماته لمستفيديها لتحقيق تغيير مستدام، ومشروع الأولمبياد الدولي للذكاء الاصطناعي المقدم من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وهو أولمبياد دولي للذكاء الاصطناعي نظمته SDAIA بالتعاون مع مراكز دولية وبرعاية اليونسكو، شارك فيه 90 طالبا من 25 دولة وفاز 36 منهم بميداليات، بالإضافة إلى مشروع منصة الذكاء الاصطناعي للصحة الحيوانية المقدم من وزارة البيئة والمياه والزراعة، وهي منصة ذكاء اصطناعي تحلل بيانات الأمراض البيطرية في المملكة لتوقع الحالات المستقبلية، مما يساعد الوزارة والعيادات على اتخاذ إجراءات وقائية ورفع وعي المزارعين. ويمثل تحقيق المملكة للجوائز انعكاسا لمستوى التطور الذي تشهده البنية التحتية الرقمية لقطاع الاتصالات والتقنية، وتمكين القدرات والكفاءات الوطنية، بالإضافة إلى مواكبة التطورات العالمية المتسارعة في مختلف المجالات من الخدمات الحكومية، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، وذلك بدعم لا محدود من القيادة الرشيدة.

الذكاء الاصطناعي بين الأغنياء والفقراء
الذكاء الاصطناعي بين الأغنياء والفقراء

سعورس

timeمنذ 3 ساعات

  • سعورس

الذكاء الاصطناعي بين الأغنياء والفقراء

تهيمن الولايات المتحدة والصين، على القطاع الصاعد بسرعة الصاروخ، حيث تُشغّل الشركات الأميركية والصينية أكثر من 90 % من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، بينما تكاد أفريقيا وأميركا الجنوبية تفتقران إلى أي حضور في هذا المجال، وعلى سبيل المثال، تمتلك الهند خمسة مراكز على الأقل، واليابان أربعة، وهذا يعني أن أكثر من 150 دولة لا تمتلك أي مراكز بيانات، وتتفوق المراكز الحالية على سابقاتها، والتي كانت تُشغّل مهامًا بسيطة في الماضي مثل البريد الإلكتروني وبث الفيديو، وفي الوقت الحالي، تكلف هذه المراكز الضخمة والمتعطشة للطاقة والمزودة برقاقات قوية، مليارات الدولارات لبنائها، وهذا يعني أنها ليست متاحة للجميع، حيث تتركز ملكيتها في يد حفنة من عمالقة التكنولوجيا، مما يوسع الفجوة بين الدول القادرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتلك المحرومة منه. تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي الرائدة، مثل روبوتات الدردشة، هيمنة اللغتين الإنجليزية والصينية، وهي لغات الدول التي تسيطر على القوة الحاسوبية، ويمتد هذا التركيز إلى المجالات العلمية، حيث تعتمد الاكتشافات العلمية في مجال تطوير الأدوية وتعديل الجينات على أجهزة كمبيوتر فائقة القوة، وحتى في المجال العسكري، تشق الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي طريقها إلى ساحات الحرب الطاحنة، ونتيجة لذلك، أصبحت مكونات مراكز البيانات، مثل رقائق الحوسبة، عنصراً حاسماً في السياسات الخارجية والتجارية للولايات المتحدة والصين، اللتين تتصارعان على الهيمنة التكنولوجية، في المقابل، تواجه الدول التي تفتقر إلى هذه القدرات قيوداً في البحث العلمي، وتنمية الشركات الناشئة، والاحتفاظ بالمواهب المحلية. للمقارنة، تدير الشركات الأميركية 87 مركز بيانات للذكاء الاصطناعي، أي حوالي ثلثي الإجمالي العالمي، مقارنة ب39 مركزاً للشركات الصينية، و6 للشركات الأوروبية، وتعتمد هذه المراكز بشكل رئيس على رقائق شركة إنفيديا الأميركية، التي استطاعت الشركات الصينية اقتناءها قبل فرض القيود الأميركية، وهناك 100 شركة فقط، مقراتها في واشنطن وبكين، تقف وراء 40 % من الاستثمار العالمي في القطاع، وقد تعهد عمالقة التكنولوجيا الأميركية مثل أمازون، ومايكروسوفت، وجوجل، وميتا، وأوبن إيه آي، بإنفاق 300 مليار دولار هذا العام، على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وهو مبلغ ينافس ميزانية دولة مثل كندا ، بينما تفوق القدرة الحاسوبية لجامعة هارفارد، جميع القدرات المملوكة للقارة الأفريقية، التي تعاني نقصاً هائلاً في الكهرباء الموثوقة.

النفايات الإلكترونية.. كيف نحولها إلى ثروة مستدامة؟
النفايات الإلكترونية.. كيف نحولها إلى ثروة مستدامة؟

مجلة رواد الأعمال

timeمنذ 8 ساعات

  • مجلة رواد الأعمال

النفايات الإلكترونية.. كيف نحولها إلى ثروة مستدامة؟

لم يعد خفيًا على أحد أن وتيرة التطور التكنولوجي المتسارعة تخلف وراءها تحديًا بيئيًا واقتصاديًا هائلًا، يتمثل في تزايد كميات النفايات الإلكترونية التي تُعرف اصطلاحًا بـ 'e-waste'. تتحول أجهزتنا القديمة سنويًا إلى 57.4 مليون طن من هذه النفايات، وهو ما يعادل وزن 4700 برج خليفة، وفقًا لأحدث تقرير للأمم المتحدة عام 2024. وهنا يبرز مفهوم تدوير النفايات الإلكترونية كحلٍ محوري لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة. أضف إلى ذلك تشير التقديرات إلى أن هذه النفايات تحتوي على معادن ثمينة مثل: الذهب، والنحاس، والمعادن النادرة. والتي تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 62 مليار دولار. ومع ذلك ينتهي المطاف بـ 82% من هذه النفايات في مكبات عشوائية أو تحرق. مطلقةً سمومًا خطيرة تهدد صحة الإنسان والبيئة. لذا يصبح تدوير النفايات الإلكترونية ضرورة حتمية لقلب هذه المعادلة وتحويل التحدي إلى فرصة اقتصادية وبيئية. ما لا تعرفه عن نفاياتك الإلكترونية تشكّل النفايات الإلكترونية 'كارثة خفية' نظرًا للمخاطر الصحية والبيئية الجسيمة التي تحملها. وتحتوي العديد من المكونات الإلكترونية، مثل الشاشات والبطاريات، على مواد سامة وقاتلة كالرصاص، والكادميوم، والزئبق. وهي مواد مسرطنة تتسرب بسهولة إلى المياه والتربة. ملوثةً مصادرنا الطبيعية وتشكّل تهديدًا مباشرًا على صحة الإنسان. علاوة على ذلك يفاقم حرق البلاستيك المحيط بالمكونات الإلكترونية من هذه المخاطر؛ حيث يطلق ديوكسينات أشد سميّة بـ 67000 مرة من السيانيد. وذلك بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة. الهدر الاقتصادي الصادم هذا الهدر البيئي يترافق مع هدر اقتصادي صادم؛ فطن واحد من الهواتف المحمولة -على سبيل المثال- يحتوي على ذهب أكثر بـ 100 مرة من طن واحد من خام الذهب التقليدي، وفقًا لتقرير الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023. وهو ما يؤكد القيمة الهائلة للموارد التي يمكن استردادها من خلال تدوير النفايات الإلكترونية. كما أن إعادة تدوير مليون هاتف محمول فقط يمكن أن يسهم في استعادة 35,274 كجم من النحاس، و772 كجم من الفضة، و75 كجم من الذهب. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات عابرة، بل دعوة صريحة للعمل نحو استغلال هذه الثروات المدفونة التي تهدر كل يوم. وفي المقابل يمكن لتحويل هذه النفايات إلى موارد قابلة للاستخدام أن يعزز من الاقتصاد الدائري، ويقلل الاعتماد على التعدين التقليدي الذي يُكلف البيئة خسائر فادحة. ويعد تدوير النفايات الإلكترونية إحدى الركائز الأساسية لهذا الاقتصاد؛ حيث يسهم في إغلاق حلقات الإنتاج والاستهلاك. ويسمح للشركات بإعادة استخدام المواد بدلًا من استنزاف الموارد البكر. بين التشريع الذكي والتكنولوجيا والوعي في السياق ذاته لا يمكن مواجهة تحدي النفايات الإلكترونية دون تبني حلول شاملة تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: التشريعات الصارمة، والتكنولوجيا المتطورة، وتمكين المستهلك. وبالطبع فإن هذه التشريعات الصارمة تعد بمثابة الخطوة الأولى نحو تنظيم هذه الصناعة. فالتحول من مفهوم 'المسموح' إلى 'الإلزامي' في تدوير النفايات الإلكترونية أمر حيوي. وإلى جانب ذلك يسهم توسيع نطاق 'مسؤولية المنتِج الممتدة' (EPR) في تحميل الشركات المصنعة مسؤولية جمع منتجاتها المستهلكة وإعادة تدويرها. وتلزم 78 دولة الآن الشركات بهذه المسؤولية، وفقًا لتحديث اتفاقية بازل لعام 2024. ويعد الاتحاد الأوروبي نموذجًا رائدًا في هذا المجال؛ حيث يعاد تدوير 55% من النفايات الإلكترونية بفضل نظام EPR الإلزامي. وهو ما يبرز أهمية الإطار القانوني في تحقيق أهداف تدوير النفايات الإلكترونية. تكنولوجيا التدوير المتطورة تمثل تكنولوجيا التدوير المتطورة المحور الثاني في هذا الحل الثلاثي؛ حيث تطورت هذه التكنولوجيا من مجرد الكسارات إلى ما يعرف بـ 'التعدين الحضري'. وعادةً ما تستخدم المصانع الآلية الذكية روبوتات مزودة بكاميرات ذكية لتحديد مكان البطاريات بدقة وإزالتها دون تكسير. وذلك ضمن مبادرة StEP التابعة للأمم المتحدة. وبالتأكيد هذه التقنيات تسهم في استخلاص المعادن بنقاوة تصل إلى 99% باستخدام أجهزة فصل بالاهتزاز والطرد المركزي. أما التقنيات الخضراء الناشئة فهي تفتح آفاقًا جديدة في تدوير النفايات الإلكترونية. ويتضمن ذلك الاستخلاص البيولوجي الذي يستخدم بكتيريا معينة 'لتآكل' لوحات الدوائر واستخراج الذهب منها، وذلك وفقًا لأبحاث جامعة ييل عام 2023. كذلك تسهم تقنية الانحلال الحراري في تحويل البلاستيك الإلكتروني إلى وقود دون انبعاثات سامة. وهذا يقلل من الأثر البيئي لهذه العملية. كيف تساهم وأنت في منزلك؟ لا يكتمل الحل دون تمكين المستهلك؛ فهو حلقة وصل أساسية في سلسلة تدوير النفايات الإلكترونية. وفي هذا الإطار يمكن للمستهلكين المساهمة بفعالية من خلال معرفة خريطة النقاط الرسمية لجمع النفايات الإلكترونية في بلدانهم. وفي المملكة العربية السعودية يتوفر برنامج 'إعادة تدوير' الذي يضم أكثر من 600 نقطة جمع. بينما في الإمارات العربية المتحدة تقدم مراكز 'تدوير' خدماتها في مواقع، مثل: مول الإمارات ومدينة مصدر. وعلاوة على ذلك تشجع مبادئ 'الصيانة قبل الاستبدال' على تمديد عمر الأجهزة الإلكترونية. وفي سياق ذلك يشير تقرير منظمة 'جرينبيس' لعام 2024 إلى أن تمديد عمر الجهاز سنة واحدة يخفض بصمته الكربونية بنسبة 30%. ويعد التصنيف الذكي للنفايات قبل التخلص منها خطوة مهمة؛ فالهواتف ينبغي أن تسلم لمراكز معتمدة بعد إزالة البطارية. والشاشات ينبغي ألا تكسر وتنقل سليمة لمنشأة متخصصة. والبطاريات لا بد أن توضع في حاويات منفصلة لخطورة تسربها. لماذا لا تزال نسبة التدوير منخفضة؟ على الرغم من الفرص الهائلة التي يقدمها تدوير النفايات الإلكترونية لا تزال نسبة التدوير منخفضة عالميًا. وتعود هذه المشكلة إلى عدة تحديات كبرى. ويعد تعقيد تصميم الأجهزة أحد أبرز هذه التحديات؛ فاستخدام اللاصقات غير القابلة للإزالة ودمج المكونات يصعب عملية التفكيك. على الرغم من أن شركات مثل: أبل وسامسونج بدأت في تبسيط التصاميم مؤخرًا. ويضاف إلى ذلك تحدي التمويل؛ حيث تكلف مصانع التدوير المتطورة أكثر من 20 مليون دولار. ما يحد من انتشارها في الدول النامية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة. كما يمثل الوعي المجتمعي عاملًا حاسمًا؛ فـ 65% من المستهلكين لا يعرفون مواقع التدوير الرسمية، وفقًا لاستطلاع الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023. وهو ما يبرز الحاجة الملحة لحملات توعية واسعة النطاق. اقتصاد دائري ناشئ ولا وقت للانتظار على الجانب المشرق تشير التوقعات إلى أن السوق العالمية لإعادة التدوير سوف تتجاوز 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير 'جلوبال ماركت إنسايتس'. ما يشكّل فرصة واعدة لاقتصاد دائري ناشئ. فهناك نماذج ملهمة تثبت جدوى تدوير النفايات الإلكترونية، مثل: غانا التي أنشأت أول مصنع إفريقي لاستخلاص الذهب من النفايات الإلكترونية بالتعاون مع الأمم المتحدة. وسنغافورة التي تحول 97% من نفاياتها الإلكترونية إلى مواد خام جديدة. وفي النهاية لم يعد هناك وقت للانتظار؛ فبحسب تحذير منظمة الصحة العالمية لعام 2024 يتعرض 18 مليون طفل في الدول النامية لسموم النفايات الإلكترونية أثناء تفكيكها يدويًا. ويكمن الحل ليس فقط في التكنولوجيا، بل في إعادة تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا: شراء أقل، وإصلاح أكثر، وتدوير بإتقان. فكل هاتف نعيده ليس مجرد جهاز قديم، بل خطوة نحو إنقاذ إنسان واسترداد كنز، وتحقيق مستقبل أكثر استدامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store