
بوتين ربما يهزأ بواشنطن بشأن كييف، لكنَّ ترامب لن يفعل شيئا
عادت أنظار الأوروبيين تتجه من جديد نحو أوكرانيا، التي نطالع عنها مقالاً في عرض الصحف السبت، يسلط الضوء على تأثير تعليق الإمدادات العسكرية الأمريكية المرسلة إليها، كما نستعرض تجربة سيدة قررت الابتعاد عن مواقع التواصل لمدة عام ونصف، وأخيراً مقالاً يصف تشات جي بي تي بأنه "آخر الرومانسيين العظماء".
نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية من الإندبندنت، ومقال بعنوان "بوتين ربما يسخر من ترامب بشأن أوكرانيا، لكن الرئيس الأمريكي لن يفعل شيئاً حيال ذلك"؛ حيث يسلط المقال الضوء على مطالبات قادة الدول الأوروبية للولايات المتحدة بإعادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا قبل فوات الأوان.
في هذا المقال، يلفت سام كيلي، محرر الشؤون العالمية بالإندبندنت، النظر إلى ما يراه القادة الأوروبيون تجاهلاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكون نظيره الروسي "يهزأ" من واشنطن فيما يتعلق بكييف.
وأشار المقال إلى تصريح لوزير خارجية بولندا ينتقد فيه جهود ترامب غير المثمرة لتأمين وقف إطلاق النار، قائلاً: "سيد ترامب، بوتين يهزأ بجهودك السلمية".
وتكمن خطورة اللحظة بعد أن أعلنت أوكرانيا أنها تعرضت لأكبر هجوم جوي ليلي منذ اندلاع الحرب الشاملة، بأسراب من 500 طائرة مُسيرة وصاروخ، بهدف القضاء على دفاعاتها الجوية المنهكة أصلاً.
وقد صعدت موسكو "تدريجياً" جهودها ضد كييف، بحسب المقال، مع تركيز الولايات المتحدة مؤخراً على هجماتها ضد إيران دعماً لإسرائيل؛ مضيفاً أن الرئيس الأوكراني، حذر مذ أسابيع من أن بلاده تواجه نقصاً حاداً في الأسلحة الدفاعية.
ومن هنا، فإن إعلان الولايات المتحدة تعليق الأسلحة الموعودة، كصواريخ باتريوت للدفاع الجوي، "سيُرسّخ حتماً الاعتقاد الراسخ بأن ترامب قد انحاز إلى جانب بوتين، وأن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً حقيقياً في الدفاع عن أوروبا" بحسب كيلي.
وكان المسؤولون في البنتاغون قد أشاروا إلى أن هذا التعليق "توقف مؤقت" كجزء من مراجعة الإمدادات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، "لكن الولايات المتحدة لم تُعلن عن توقف الإمدادات لأي دولة أخرى".
وسلط كيلي الضوء على إسرائيل باعتبارها "أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأمريكية بلا منازع"، والتي شهدت مؤخراً زيادةً في إمدادات القنابل والصواريخ، "حتى في ظل اتهامات الأمم المتحدة لها بالتطهير العرقي، واتهامات المحكمة الجنائية الدولية لرئيس وزرائها بارتكاب جرائم حرب".
وينتقد الكاتب عدم توجيه ترامب أي تهديد بعقوبات على الرئيس الروسي أو محاولة الضغط عليه، على الرغم من أنه عبر عن إحباطه من بوتين، الذي أبدى عدم اهتمامه بوقف إطلاق النار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
بل إن روسيا تواصل "هجومها الشرس"، قائلة إنها بسطت سيطرتها الكاملة على مقاطعة لوهانسك، في الوقت الذي يطالب فيه بوتين بالاحتفاظ بمقاطعات لوهانسك، والقرم، وخيرسون، ودونيتسك، وزابوريجيا على الأقل، كشرط مسبق لأي وقف لإطلاق النار.
في المقابل، تواجه كييف، بحسب كيلي، انقطاع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية خلال الهجمات الروسية المضادة لاستعادة كورسك، كما تواجه تعليق المساعدات العسكرية، وعدم تلقيها أي وعود جديدة بالدعم، ناهيك عن "إجبارها" على إبرام صفقة معادن تُقايض فيها الأسلحة الأمريكية المستقبلية بأرباح التعدين.
وأضاف المقال أن واشنطن تصر على أنه في أي اتفاق سلام طويل الأمد، تُمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، ولن تحصل على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة للدفاع عن حدودها المستقبلية.
ونتيجة لذلك، يحاول أعضاء الناتو الأوروبيون والكنديون "ملء الفراغ الأمريكي المتزايد" فيما يتعلق بالإمدادات العسكرية، في ظل امتناع ترامب عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة الضرورية في وقت هي في أمس الحاجة إليها.
بعد إنستغرام "فقدتُ عالمي بأسره"
Getty Images
وننتقل إلى صحيفة "أوبزيرفر"، ومقال لأوليفيا أوفندن، عن صعوبة الانفصال عن شخصيتها "الافتراضية" على مواقع التواصل بعد طلاقها، حيث لم تكن ترغب في إعلان الأمر أو حتى محو ذكرياتها السابقة.
وبعد انسحابها التدريجي من عالم "إنستغرام"، شعرت أوليفيا بأنها "فقدت عالمها بأسره"، من أصدقاء ومطاعم وأماكن تسوق للملابس، ناهيك عن اختفاء الكثير من أصدقائها القُدامى في الواقع الحقيقي، لا الافتراضي.
وتصف الكاتبة هذه اللحظة بأنها أصعب من محاولة الجسم التأقلم عن تناول السكر أو التبغ، فكانت تشعر بالعزلة وفقدان المتعة بعيداً عن الإنترنت بشكل لم تكن تتخيله من قبل.
وتقول "كان لدي شعور دائم بأنني قد أضعت نفسي أيضاً، كما لو أنني تركت نسختي الكاملة الملونة على الإنترنت".
وتشرح حقيقة الأمر بأن منشوراتها على إنستغرام كانت "وسيلةً لحفظ أفضل لحظات كل عام"، لكنها بعد فترة، أصبحت هذه الصور هي ذكرياتها "الوحيدة" التي خزنها عقلها كبديل لفوضى الحياة الطبيعية، وكان تصفحها يجعلها ترى حياتها "كما أرادتها أن تبدو".
واستعانت الكاتبة بما قالته طبيبة نفسية متخصصة في الإدمان، عن أن وسائل التواصل ما هي إلا "مخدرات رقمية" تشبه إدمان الكحول والمخدرات.
وتستفيض الكاتبة بأن الطبيبة النفسية لاحظت لدى من يقلعون عن وسائل التواصل آثار انسحاب لا تتوقف عند الشعور العاطفي كالقلق والانفعال والأرق والاكتئاب، بل تتخطاها إلى الأعراض الجسدية كالغثيان، والصداع، والتعرق البارد، وانعدام الاستقرار بشكل لاإرادي.
وتشرح الطبيبة أن ذلك يعود إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعرضنا لجرعات مستمرة من الدوبامين؛ بحيث يكون المرء في حاجة مستمرة إلى المزيد من المكافآت وتجربة أي نوع من المتعة.
"ففي سعينا وراء هذه النشوة، اعتدنا رؤية أنفسنا كما قد يرانا الغرباء، وتحليل تجاربنا عن بُعد؛ وتقييم قدرتها على التأثير" بحسب الكاتبة التي ترى أنها بعد 18 شهراً من الانقطاع، لا يزال جزء منها يتطلع إلى صورة لها على مواقع التواصل مع رابط المقالة التي تقرأها الآن.
ومع مرور الوقت، أدركت أوليفيا أنها لم تكن وحيدة لأنها تفتقد تواصل إنستغرام، بل لأن حياتها الواقعية كانت "أكثر قتامة" في ظل انشغال الجميع على الإنترنت.
وتسلط الكاتبة الضوء على ضرورة وجود ما يملأ فراغ حياتنا حال قرارنا الانفصال عن مواقع التواصل، مستعينة برأي كاتب في هذا المضمار، يقول إن "المنصات تلبي حاجة إنسانية عميقة، وإذا أزلناها ولم نُغير شيئاً آخر، فستبقى هذه الاحتياجات دون إشباع"، مضيفاً "علينا أن نعيد البناء من الصفر".
ويرى هذا الكاتب الذي استعانت به أوليفيا أن العزلة التي نشعر بها في غياب العالم الافتراضي، "أساسية" لمنح أدمغتنا استراحة من معالجة المعلومات، ولفهم أنفسنا وما نواجهه في العالم.
أما الكاتبة ذاتها، فقد توصلت أخيراً إلى أن ترك وسائل التواصل الاجتماعي يعني تقبّل الملل وعدم الراحة، وأن ذاتك الحقيقية ليست تلك الموجودة على الإنترنت.
تشات جي بي تي .. آخر الرومانسيين العظماء
Getty Images
ونختتم جولتنا بصحيفة الفاينانشال تايمز، ومقال لجو إليسون، تتحدث فيه عن استخدام "تشات جي بي تي" في كتابة رسائل الانفصال بين الأحباء والأزواج.
وأشارت الكاتبة إلى صديقة لها كانت شاهدة على رسالة يكتبها شخص يجلس بجوارها في مترو الأنفاق، باستخدام روبوت الدردشة، الذي اقترح عليه أن يكتب لحبيبته السابقة بالنص "لقد تعلمت الكثير منك" بدلاً من أن يعبر عن أن وقتهما معاً كان مضيعة للوقت كما هو معتاد في حالات كهذه.
وكانت دهشة صديقة الكاتبة لكون الجالس إلى جوارها كان يبحث مع "تشات جي بي تي" فكرة استخدام نبرة إنسانية "أكثر تعاطفاً"، وقد استجاب الروبوت لطلبه وصقل رسالة نصية ليتمكن من إرسالها إلى حبيبته التي ينفصل عنها.
ويشير المقال إلى أن عدد مستخدمي تشات جي بي تي بحسب الشركة المصنعة يصل إلى 400 مليون مستخدم أسبوعياً، 45 في المئة منهم دون سن الـ 25 عاماً.
وعلى الرغم من تعدد استخدام الروبوت في أمور أخرى كتلخيص أطروحة علمية أو تنظيم اجتماعات أو إخراج نصوص أفلام، إلا أن انبهار الكاتبة ينبع من استخدامه في الأمور العاطفية.
ففي عصر الهاتف المحمول، تحولت رسائل الانفصال التي كانت تحمل الكثير من الشجن والعواطف، إلى رسائل مقتضبة. لكن، مع تشات جي بي تي، ربما ندخل الآن حقبة جديدة من رسائل الانفصال بأسلوب أدبي.
وتقول أوليفيا إن هذه التقنية ربما جاءت "لإنقاذنا، ولإعادة تثقيفنا وإصلاح قلوبنا المتحجرة". فعلى الرغم من أن تلك التقنية ليست مساوية للإبداع البشري الذي يفكر نقدياً ويقدم تفسيرات منطقية، إلا أن معدل الذكاء العاطفي لديها أعلى من "شخص أحمق في مترو الأنفاق يحاول التخلص من شعوره بالذنب".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ 2 ساعات
- عين ليبيا
ترامب يتخطى حاجز 10 مليارات دولار.. العملات الرقمية تصنع إمبراطوريته الجديدة
قدّرت صحيفة نيويورك تايمز ثروة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأكثر من 10 مليارات دولار، مشيرة إلى أن الجزء الأكبر من هذه الثروة يعود إلى استثماراته في العملات الرقمية، وعلى رأسها عملة $TRUMP. وبحسب تحليل أجرته الصحيفة استناداً إلى التقرير المالي الصادر عن ترامب والبيانات العامة المتاحة، فإن عملة $TRUMP، التي أُطلقت قبل تنصيبه رئيساً هذا العام، تُقيّم بنحو 6.9 مليار دولار، رغم أنها غير قابلة للتداول في الأسواق التقليدية. كما تشير التقديرات إلى أن ترامب حقق ما لا يقل عن 320 مليون دولار من رسوم التداول المرتبطة بهذه العملة. إلى جانب ذلك، يمتلك ترامب كمية غير محددة من عملات World Liberty، التي قد تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات، وفقًا للصحيفة. وفيما يتعلق بمصادر الثروة الأخرى، تبلغ قيمة أسهمه في شركة ترامب ميديا المالكة لمنصة 'Truth Social' نحو ملياري دولار، بينما تمثل استثماراته العقارية ما لا يقل عن 1.3 مليار دولار من إجمالي ثروته. هذه الأرقام تضع ترامب بين أغنى الشخصيات السياسية في العالم، وتسلّط الضوء على الدور المتنامي للأصول الرقمية في إعادة تشكيل ملامح الثروات الكبرى.


عين ليبيا
منذ 2 ساعات
- عين ليبيا
وسط تصاعد التوترات العالمية وتهديدات ترامب.. بريكس تبحث مستقبل الجنوب العالمي
اتفق دبلوماسيون من مجموعة 'بريكس' على إعلان مشترك لقادتهم قبل انطلاق القمة المرتقبة الأحد في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، رغم تباينات عميقة بين الدول الأعضاء بشأن توسعة المجموعة، والتحديات الجيوسياسية، والتوجهات الاقتصادية المتضاربة. القمة، التي تعقد تحت شعار 'تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي لحوكمة أكثر شمولًا واستدامة'، تأتي في توقيت حساس دوليًا، وسط تصاعد التوترات التجارية التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ودخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، وتصاعد المواجهة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران. وشهدت التحضيرات للقمة خلافات بين الدول الأعضاء، خصوصًا بشأن توسعة المجموعة التي انضمت إليها مؤخرًا كل من مصر، الإمارات، السعودية، إيران، إثيوبيا، وإندونيسيا. وبينما يرى البعض أن التوسع يعزز نفوذ المجموعة على الساحة العالمية، يرى آخرون أنه قد يعيق اتخاذ قرارات موحدة، في ظل غياب هيكل مؤسسي دائم مثل الأمانة العامة. تفاقمت الخلافات كذلك حول ملفات إقليمية حساسة، منها النزاع الحدودي بين الصين والهند، والتوتر بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، بالإضافة إلى مواقف الدول المختلفة من دعم الغرب لأوكرانيا، وهو ما أعاق التوصل إلى بيان ختامي في اجتماع وزراء الخارجية في أبريل الماضي. وتضع البرازيل، التي تترأس المجموعة هذا العام، أولوياتها في تعزيز التعاون بين دول الجنوب، مع تركيز سياسي على ستة محاور رئيسية: التعاون الصحي العالمي، خاصة في إنتاج اللقاحات ومكافحة الأمراض المدارية؛ التجارة والتمويل، بما يشمل دعم استخدام العملات المحلية وتوسيع منصات الدفع؛ العمل المناخي، عبر إعلان إطار للتمويل المناخي؛ حوكمة الذكاء الاصطناعي، لتسخير هذه التكنولوجيا في التنمية؛ إصلاح نظام الأمن متعدد الأطراف، خاصة دعم البرازيل والهند بمقعد دائم في مجلس الأمن مع إبقاء ممثل إفريقيا قيد التفاوض؛ التطوير المؤسسي للمجموعة. تهديدات ترامب تلقي بظلالها على القمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب صعّد من نبرته تجاه المجموعة بعد أسابيع من توليه ولايته الثانية، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول 'بريكس' إن أقدمت على تدشين عملة موحدة أو دعم أي مشروع لاستبدال الدولار، مؤكدًا أن الولايات المتحدة 'لن تسمح بأي مساس بمكانة الدولار كعملة احتياطية'. في المقابل، نفى بعض الأعضاء وجود نية فورية لإطلاق عملة جديدة، إذ أكدت جنوب إفريقيا في وقت سابق أن هذه الفكرة 'غير دقيقة وعارية من الصحة'. كما واجه المفاوضون صعوبة في التوافق على صيغة بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، والصراع بين إسرائيل وإيران، ما دفع المجموعة إلى تبني لهجة أكثر تشددًا مقارنة ببيانات سابقة، في محاولة لتقديم موقف موحد تجاه التصعيد المتزايد في المنطقة. ويغيب عن القمة كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، والرئيس الصيني شي جين بينغ، لأسباب تتعلق بجدول الأعمال. ويمثلهما وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ورئيس الوزراء الصيني لي تشيانج على التوالي. وتُعقد القمة بمشاركة 20 دولة، منها 10 أعضاء و10 شركاء، بينهم مصر، الإمارات، إيران، إثيوبيا، إندونيسيا، إضافة إلى بيلاروس، كوبا، ماليزيا، فيتنام، وكازاخستان. وتحضر شخصيات بارزة من قادة الدول، من بينهم لولا دا سيلفا، عبد الفتاح السيسي، محمد بن زايد، ناريندرا مودي، ومسعود بيزشكيان. رغم الاتفاق على إعلان مشترك، تبقى تساؤلات كبرى حول قدرة 'بريكس' على التماسك كقوة عالمية بديلة، في ظل الانقسامات الداخلية، وتضارب المصالح، والتحديات الهيكلية. فهل تنجح القمة في إرساء أسس جديدة لعالم متعدد الأقطاب، أم تؤجل الخلافات الكبرى إلى قمة مقبلة؟


عين ليبيا
منذ 5 ساعات
- عين ليبيا
كيف يستخدم ترامب نظرية «الرجل المجنون» في تغيير شكل العالم؟
يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض أسلوبه الفريد على السياسة الدولية، مرتكزاً على ما يُعرف في علم السياسة بـ«نظرية الرجل المجنون»، وهي مقاربة تتسم بعدم القدرة على التنبؤ، يسعى من خلالها الزعيم إلى إقناع خصومه بأنه مستعد لفعل أي شيء، حتى الأكثر تطرفاً، بهدف انتزاع تنازلات منهم. في أحدث تجليات هذه النظرية، أوحى ترامب الشهر الماضي بأنه وافق على هدنة مؤقتة مع إيران، بهدف استئناف المفاوضات، قبل أن يباغت طهران بقصف مواقعها النووية. وعندما سُئل عما إذا كان يخطط للانضمام إلى إسرائيل في حربها ضد إيران، قال ببساطة: «قد أفعل ذلك. وقد لا أفعله. لا أحد يعلم ما سأفعله». ووفق تقرير لـ«بي بي سي»، فإن ما يميز نهج ترامب هو أن الشيء الوحيد المتوقع فيه هو عدم التوقع ذاته. إذ يغيّر رأيه باستمرار، ويناقض نفسه في المواقف، ما يجعل سياسته الخارجية شديدة التمركز حول شخصيته، على غرار ما حدث في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. وفي فترة رئاسته الثانية، استهل ترامب عهده باحتضان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما هاجم حلفاء واشنطن التقليديين. اقترح أن تصبح كندا الولاية الأميركية الحادية والخمسين، ولوّح بإمكانية استخدام القوة لضم جزيرة غرينلاند، كما دعا إلى استعادة السيطرة على قناة بنما. ورغم التزام واشنطن منذ عقود بالدفاع المشترك في إطار المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أثار ترامب الشكوك حول مدى التزامه بتلك المادة. وقال بن والاس، وزير الدفاع البريطاني السابق: «أعتقد أن المادة الخامسة على وشك الانهيار». وقد كشفت تسريبات عن رسائل نصية من داخل البيت الأبيض عن «ثقافة ازدراء» تجاه الحلفاء الأوروبيين. كما صرّح نائبه، جي دي فانس، أن الولايات المتحدة لن تبقى ضامناً لأمن أوروبا، ما دفع مراقبين إلى الحديث عن نهاية 80 عاماً من التضامن عبر الأطلسي. ورغم النقد، أتى أسلوب ترامب بنتائج ملموسة. فقد أعلنت بريطانيا مؤخراً رفع إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما دفع دول الناتو الأخرى إلى السير على النهج نفسه. وحرص قادة الحلف على مجاملة ترامب لضمان استمرار دعمه، كما فعل الأمين العام للناتو مارك روته، الذي قال لترامب خلال قمة لاهاي: «ستحققون شيئاً لم يستطع أي رئيس تحقيقه منذ عقود». وترى جولي نورمان، أستاذة العلوم السياسية في كلية لندن، أن «نهج ترامب القائم على عدم القدرة على التنبؤ، يجعل من الصعب التكهن بخطوته التالية، لكن ذلك هو ما يمنحه قوة تفاوضية أمام الحلفاء». غير أن استراتيجية الإرباك هذه لم تفلح مع الخصوم. فقد أبدى بوتين تجاهلاً لضغوط ترامب، ورفض الاستجابة لدعوات إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبعد مكالمة هاتفية بين الزعيمين، عبّر ترامب عن «خيبة أمله» من موقف نظيره الروسي. أما في إيران، ورغم وعوده بإنهاء تدخلات بلاده في «حروب الشرق الأوسط الدائمة»، اتخذ ترامب قراراً عسكرياً مفاجئاً بضرب منشآت نووية إيرانية، وهو ما وصفته «بي بي سي» بأنه «أكثر قراراته تقلباً» حتى الآن. لكن هذا القرار، وفق وزير الخارجية البريطاني الأسبق ويليام هيغ، قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة تماماً، من خلال دفع إيران إلى تسريع مشروعها النووي. ويتفق معه أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نوتردام، مايكل ديش، الذي قال: «من المرجح جداً الآن أن تتخذ إيران قراراً بالسعي لامتلاك سلاح نووي». ونجحت نظرية «الرجل المجنون» في إرباك الحلفاء ودفعهم إلى إعادة حساباتهم العسكرية والاقتصادية. لكن فاعليتها تبقى موضع شك في التعامل مع الخصوم، الذين يمتلكون هامشاً أكبر من المناورة، ولا ينصاعون بسهولة لمنطق المفاجأة أو التهديد. وبينما يرى بعض مستشاري ترامب أن هذه المقاربة تتيح له استخدام نفوذ أميركا لتحقيق أقصى قدر من المكاسب، يشير الواقع إلى أن هذه النظرية، رغم نجاحها في إحداث تغييرات تكتيكية، لم تُثبت بعد قدرتها على صياغة نظام دولي أكثر استقراراً أو أمناً.