
نفاد الحطب واشتعال أسعاره يزيد معاناة سكان غزة
كانت حياة أبو وردة الصحية صعبة قبل الحرب، إذ يعاني من مشاكل تنفسية تتطلب متابعة طبية سنوية في مستشفى بالخليل جنوبي الضفة الغربية، وهو ما يتعذر إجراؤها حاليا بسبب الحرب.
ويقول أبو وردة، النازح من شمال القطاع إلى غربي مدينة غزة ، "أشعر أن حالتي الصحية تسوء منذ بدأت استخدام الحطب، لكن لا خيار آخر".
ولم يعد الخشب خيارا مجانيا أو سهلا، فقد وصل سعر الكيلو الواحد إلى 7 شواكل (دولارين)، وهو مبلغ يفوق قدرة كثير من العائلات في ظل الحصار والفقر.
ويكمل "اليوم فقط، احتجت إلى حطب بقيمة 20 شيكلا (نحو 6 دولارات) لطهو قليل من المعكرونة".
ويحتاج الشاب الفلسطيني إلى 500 شيكل (147 دولارا) شهريا فقط لشراء الحطب، مضيفا "من يستطيع توفير هذا المبلغ في ظل إغلاق البنوك، وغياب السيولة، وارتفاع العمولة (في السوق السوداء)؟".
وجبات أقل
ولا تتوقف صعوبات استخدام الحطب لدى الشاب عميد الحلو عند سعره المرتفع، بل إن إشعاله أصبح معاناة بحد ذاتها. فالقدّاحة رديئة الصنع، التي كانت تُباع بنصف شيكل، تُباع الآن بـ50 شيكلا (15 دولارا)، وغالبا ما تتلف سريعا.
وفي حال تعطلت بعد أيام قليلة على استخدامها، قد يضطر الحلو إلى استعارتها من الجيران.
وحينما كان سعر الكيلو من الخشب، قبل عدة شهور، 3 شواكل (0.9 دولار)، اعتبره الحلو مرتفعا جدا، ولم يتخيل أن يصل سعره اليوم إلى 7 شواكل (دولارين)، مرشحة للزيادة.
ويضيف "هذه ميزانية يصعب توفيرها في ظل حرب عطّلت العمل، وأغلقت البنوك، ورفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني".
ومع هذا الواقع، لم يعد عدد الوجبات اليومية ثابتا، فقد تكتفي الأسرة بوجبة واحدة، وفي أفضل الأحوال، اثنتين، حسبما يقول، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الكثير من العائلات لا تجد حتى وجبة واحدة تسد رمقها، وتعتمد على ما توزعه التكايا الخيرية، إن توفرت.
أفران بلا حطب
وألجأ قلة الخشب وارتفاع أسعاره أم أيمن، وهي صاحبة فرن طيني تقليدي في غزة، إلى اتخاذ قرارات صعبة، حيث اضطرت إلى رفع الأسعار، دون أن تستبعد أن تغلقه قريبا.
وتقول السيدة الخمسينية "نحن في أزمة حقيقية، والكل يعاني، الحطب أصبح نادرا، وسعره مرتفع جدا، أصبحنا نرفع الأسعار لتغطية التكاليف".
وتضيف "اضطررنا لرفع أجرة (طهي) الخبز، كنا نأخذ شيكلا (0.3 دولار) على كل 5 أرغفة، ثم شيكلا على كل 4، والآن نأخذ شيكلين مقابل كل 7 أرغفة، وهناك أفران غيرنا تأخذ شيكلين مقابل 5 أرغفة".
وحتى هذا المبلغ أصبح غير كافٍ لتغطية التكاليف، فقد أغلقت الكثير من الأفران وتوقفت عن العمل، حسب أم أيمن، التي لا تستبعد أن تحذو حذوهم قريبا.
الحطب ينفد والأسعار ستشتعل
ويقف رزق السرساوي في دكانه الصغير الخاص ببيع الحطب، يراقب أعين الناس وهي تتفقد الأسعار ثم تمضي.
ويقول السرساوي، وهو نازح من حي الشجاعية شرقي غزة إلى حي الرمال (غرب): إن القليل فقط هم من يشترون، فالأسعار ليست في متناول الجميع.
ويقدم البائع أسبابا تبدو منطقية لارتفاع الأسعار، حيث يقول "لم يعد هناك حطب في قطاع غزة".
ويلفت إلى أن القطاع لا يملك غابات، ولا حتى مساحات خضراء تكفي لإمداد السكان باحتياجاتهم اليومية من الأخشاب، وما تبقى من أشجار دمرته الحرب.
ثم يضيف أن أكثر من 75% من مساحة القطاع بات محظورا على السكان، مما يجعل جمع الحطب مخاطرة في حد ذاته.
كما أن الطلب أكبر من العرض، و"الناس تطبخ بالحطب، وليس هناك بديل، فكيف لهم أن يعيشوا؟"، حسب قوله.
وعلى الرغم من السعر الباهظ حاليا، يتوقع السرساوي أن تستمر الأسعار في الارتفاع، "فالحرب لم تنتهِ، والحطب لم يتجدد".
وليس بعيدا عنه، يقف محمود وهدان، بائع آخر اعتاد أن يشتري الخشب من باعة متجولين، ليقدمه بدوره للبيع في بسطته الصغيرة.
ويقول وهدان إن طريق جمع الحطب محفوف بالموت، وكل يوم يقتل الاحتلال ويصيب جامعي الحطب الذين يخاطرون بأنفسهم كي يوفروا لقمة العيش لأطفالهم.
ويضيف إن المنازل المدمرة، بما كانت تحتويه من أثاث، أصبحت هي المصدر الأساسي للحطب الذي يتم جمعه، نظرا لعدم توفر غابات أو أراضٍ زراعية.
جمع برائحة الدم
لم يكن هيثم حسنين يحمل سلاحا، ولا يبحث عن اشتباك، كان يبحث عن خشب حينما أُصيب بشظايا قنبلة إسرائيلية.
لا يذكر حسنين بالضبط تاريخ إصابته، لكنها كانت قبل شهر تقريبا، حينها توجه إلى منزله بحي الزيتون شرق غزة، الذي نزح منه قبل 3 شهور، كي يجلب منه بعض الحطب.
إعلان
وفي طريق عودته، لاحقته طائرة مسيّرة صغيرة، وألقت قنبلة عليه، وأصابته شظاياها واخترقت ظهره وساقيه.
واليوم، وبعد أسابيع من الإصابة، لا يزال هيثم عاجزا عن المشي بطريقة طبيعية، ويحتاج إلى عمليتين جراحيتين، تعجز المستشفيات في غزة عن إجرائها لضعف الإمكانيات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
وباء الحمى الشوكية يضرب أطفال مخيمات غزة الشمالية
تشهد مخيمات النازحين في شمالي قطاع غزة تفشيا خطيرا ومتزايدا لمرض الحمى الشوكية المعدي والقاتل، حيث يتوافد نحو 60 طفلا مصابا يوميا إلى مستشفى الرنتيسي للأطفال طلبا للعلاج العاجل والضروري. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
أكثر من 100 شهيد والاحتلال يغير اسم عدوانه على غزة
ذكرت مصادر طبية في مستشفيات قطاع غزة أن 108 فلسطينيين استشهدوا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على عدة مناطق في القطاع منذ فجر اليوم الأربعاء، بينهم 40 في مدينة غزة، و11 من المجوّعين منتطري المساعدات. كما أفاد مصدر في مستشفى الشفاء باستشهاد 6 فلسطينيين، وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي لخيمة تؤوي نازحين في محيط منطقة الصناعة، غربي مدينة غزة. وفي سياق متصل، حمّل المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع الاحتلال الإسرائيلي، والقائمين على ما تُسمى " مؤسسة غزة الإنسانية"، المسؤولية الكاملة عن جريمة قتل واستهداف المُجوّعين المدنيين الفلسطينيين في القطاع بشكل ممنهج؛ ودعا إلى فتح تحقيق جنائي دولي عاجل في هذه الكارثة الإنسانية التي مضى عليها شهر، وأحدثت كل هذه الانتهاكات الخطيرة والجسيمة. ودعا المكتب إلى وقف التعامل مع هذه المؤسسة فورا، واستبدالها بمنظمات إنسانية محايدة، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا" ومنظمات دولية وأممية، لضمان حماية المدنيين الفلسطينيين. وأشار المكتب الإعلامي الحكومي إلى أنّ مراكز توزيع المساعدات تحولت إلى "مصائد موت جماعي"، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 580 مدنيا فلسطينا، وإصابة أكثر من 4200، وفقدان 39. المستشفيات المأساة المستمرة من جانبه، قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور مروان الهمص للجزيرة إنّ أغلب الإصابات التي تحدث أمام مراكز توزيع المساعدات تكون في الجزء العلوي من الجسد والرأس. وحذّر الهمص من أنّ خروج مجمّع ناصر الطبي عن الخدمة في جنوب القطاع سيؤدي إلى كارثة إنسانية حقيقية. من جهتها، دعت الأونروا إلى تجنب المجاعة في قطاع غزة، واستئناف المساعدات الإنسانية على نطاق واسع دون انقطاع، وبشكل آمن، بموجب آليات الأمم المتحدة، وأضافت الوكالة أن الناس في غزة منهكون، بعد ما يقرب من 660 يوما من الحرب. إعلان وفي ذات الوقت، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في قطاع غزة يواجه خطر التوقف التام بدون الوقود، داعية إلى إدخاله بشكل فوري إلى القطاع. ويبلغ عدد المستشفيات العاملة في غزة 16 مستشفى تعمل جزئيا، بينها 5 حكومية و11 خاصة، من أصل 38 مستشفى، وفق وزارة الصحة في غزة. كما تعمل في القطاع 8 مستشفيات ميدانية تقدّم خدمات طارئة على وقع الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي يفرض الاحتلال حصار خانقا على القطاع، ويغلق المعابر أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى. الليث المشرئب.. ودعوات للتهجير وفي إطار مخطط التهجير الذي دعا له العديد من الساسة الإسرائيليين، قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أنه تم إنشاء مديرية خاصة في وزارة الدفاع (لتنفيذ مخطط التهجير)، قائلا إنه يجب التركيز على إخراج أكبر عدد ممكن من سكان القطاع طوعا، على حد قوله. ودعا كوهين للدفع بقوة نحو تنفيذ خطة تهجير فلسطينيي قطاع غزة، قائلا إنه لا يوجد في المستقبل القريب سيناريو لإعادة إعمار القطاع الذي يواجه حرب إبادة متواصلة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأكد تأييده خطة تهجير الفلسطينيين من غزة، مضيفا "هذه خطة يجب دفعها بكل قوة، لا يوجد سيناريو لإعادة إعمار قطاع غزة في المستقبل القريب". يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه هيئة البث الإسرائيلية، أن جيش الاحتلال أطلق اسما جديدا عدوان على القطاع باسم الليث المشرئب. والإسم الجديد هو تكملة لاسم الحرب الإسرائيلية على إيران، وهو مقتبس من التوراة كعادة اسماء حروب إسرائيل، "شعب مثل الأسد يهبّ ومثل الليث يشرئب". وهذه هي المرة الرابعة التي يغير فيها الاحتلال اسم عدوانه على القطاع الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فيما لم تغير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم المعركة " طوفان الأقصى".


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
كيف أثخنت الحرب مرضى العيون في غزة وأحالت حياتهم جحيما؟
أفرزت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة أشكالا كثيرة من المعاناة اليومية للمواطنين الفلسطينيين، إذ فقد أكثر من 1500 شخص بصرهم خلال الحرب. وتقول السلطات الصحية في غزة إن آلافا آخرين مهددون بفقدان البصر -معظمهم من الأطفال والشباب- بسبب تعرضهم لإصابات مباشرة في العينين بشظايا الانفجارات والأحزمة الناسفة التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي. ولا يتوقف الأمر عند هذا فحسب، إذ يتهدد خطر فقدان البصر أصحاب الأمراض المزمنة التي لم تعالج ولم تخضع للعمليات الجراحية والطبية، بسبب النقص الحاد والشديد في المستلزمات الطبية. وروى فلسطيني كيف أصيبت طفلته الصغيرة في قصف استهدف عائلته منتصف مايو/أيار الماضي في بيت لاهيا شمالي القطاع ، وقال إن مسيّرة إسرائيلية استهدفتهم بصاروخ، إضافة إلى قذائف مدفعية، مما أدى إلى استشهاد زوجته وبناته وآخرين. وأوضح خلال حديثه لفقرة "أصوات من غزة" -التي تبثها الجزيرة- أن طفلته سارة فقدت عينها بسبب القصف، واصفا إصابتها بالمتعبة، متوقعا حياة صعبة وطويلة تنتظرها دون عينها. وقال فلسطيني آخر إن طفله أصيب إصابة خطيرة في عينه، مؤكدا أن علاجه غير معروف، في حين اكتفى الأطباء بإغلاق الجرح مبدئيا. ولم يستبعد أن يفقد الطفل عينه بسبب قلة المستلزمات والأدوية الطبية المطلوبة بسبب الحصار الإسرائيلي، واصفا حالته النفسية بالسيئة جدا. وشكت سيدة فلسطينية من ألم شديد في عينها اليسرى، وعدم توقفها عن البكاء، إذ لا تستطيع الرؤية من خلالها، مشيرة إلى أن الوضع الحالي لا يسمح لها بالسفر للعلاج في الخارج بسبب الحرب وإغلاق المعابر. من جهته، كشف أحد الأطباء في مستشفى العيون، وهو مستشفى تخصصي في طب وجراحة العيون بمدينة غزة، أن أكثر من 40 حالة تصل إلى المستشفى أسبوعيا. وأرجع الطبيب السبب في وصول هذا العدد الكبير من الحالات إلى عدم توفر خدمات العيون طيلة فترة الحرب، وتحييد مستشفى العيون خلال التوغلات الإسرائيلية، وعدم توفر المستهلكات الطبية والجراحية والأدوات والأدوية اللازمة للعلاج. من جهته، وصف فلسطيني إصابة عينه في شهر رمضان الماضي بـ"قصة عذاب"، مؤكدا أنه لا يستطيع الرؤية من خلالها، خاصة في ظل عدم توفر العلاج وتهالك ما تبقى من مستشفيات ومراكز طبية. ومنذ استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة في مارس/آذار الماضي، استُشهد أكثر من 6300 وأصيب 22 ألفا، وبين الشهداء 600 من المجوّعين الذين استُهدفوا في محيط مراكز توزيع المساعدات الخاضعة لإشراف أميركي إسرائيلي.