logo
قراءة تحليلية في الاستثمارات والاقتصاد السوري

قراءة تحليلية في الاستثمارات والاقتصاد السوري

البلاد البحرينيةمنذ يوم واحد
في خطوة إيجابية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يونيو 2025 عن رفع غالبية العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، يأتي هذا التحول في ظل محاولات إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي، وإعطاء فرصة للنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب.
يُمثل هذا القرار منعطفا مهما في السياسة الأميركية الشرق أوسطية، ويفتح الباب أمام تدفقات استثمارية محتملة من الدول العربية والغربية، ما يستدعي قراءة تحليلية دقيقة للفرص والتحديات الاقتصادية المقبلة.
أولا: السياق السياسي لقرار ترامب
أتى قرار ترامب بإنهاء العقوبات استنادا إلى رؤية سياسية ترتكز على البراغماتية الاقتصادية، إذ اعتبر أن العقوبات المفروضة على سوريا قد فشلت في تحقيق نتائج سياسية ملموسة.
وبالنظر إلى المتغيرات الجيوسياسية، رأى ترامب أن الوقت مناسب لإعادة توجيه السياسة الأميركية تجاه سوريا عبر القنوات الاقتصادية؛ بهدف كبح تمدد خصوم الولايات المتحدة وإعادة فتح السوق السورية أمام الشركات الغربية.
كما ترافق القرار مع بوادر سياسية من دمشق، شملت تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة وتقديم تعهدات بإطلاق إصلاحات اقتصادية وهيكلية.
ثانيا: الواقع الاقتصادي السوري حاليا
يعاني الاقتصاد السوري من أزمة خانقة هي الأسوأ منذ عقود، نتيجة الحرب الطويلة والعقوبات الغربية وتدمير البنى التحتية. تشير تقديرات المؤسسات المالية الدولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في العام 2023 تراوح بين 29 و60 مليار دولار، ما يعكس حالة من عدم الاستقرار في التقديرات بسبب ضعف الشفافية. وشهد الاقتصاد السوري انكماشا بلغ نحو -1.5 % في العام 2024، مع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل القدرة الشرائية.
أما على مستوى الأسعار، فقد سجلت البلاد معدلات تضخم تجاوزت 25 % سنويا، وسط تدهور كبير في قيمة الليرة السورية، التي وصلت إلى نحو 15,000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي بحلول منتصف 2025. وترافق هذا الانهيار المالي مع نسب بطالة مرتفعة تجاوزت 15 %، فيما يعيش أكثر من 69 % من السوريين تحت خط الفقر، بينهم نحو 27 % يعانون من فقر مدقع، ما يعكس هشاشة الوضع المعيشي والاقتصادي.
ثالثا: التوقعات الاستثمارية بعد رفع العقوبات
يُتوقع أن يسهم قرار رفع العقوبات في فتح أبواب جديدة أمام الاستثمارات، خصوصا مع إمكان عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، ما يتيح الحصول على تمويل خارجي وتسهيل حركة التحويلات المالية والاستثمارية.
من بين أبرز القطاعات المرشحة للاستثمار هناك مشروعات الطاقة، حيث تخطط الحكومة لتنفيذ مشروعات ضخمة لإنتاج ما يقارب 4000 ميجاواط من الطاقة الغازية و1000 ميجاواط من الطاقة الشمسية، بدعم مباشر من مستثمرين خليجيين وأميركيين.
كما يُتوقع أن تستقطب عمليات إعادة الإعمار استثمارات ضخمة، خصوصا في مجالات الإسكان والنقل والاتصالات والصناعات الزراعية. وتشير تقديرات غير رسمية إلى إمكان دخول ما بين 5 و10 مليارات دولار من الاستثمارات بالعامين المقبلين، خصوصا من دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر، التي بدأت بالفعل بعقد محادثات تمهيدية مع شركاء سوريين. أما الشركات الأميركية، فمن المرجح أن يكون دخولها حذرا ومحدودا، مركّزا على القطاعات الخاصة وتحت ضمانات قانونية صارمة.
رابعا: التحديات التي تواجه الاستثمارات
على الرغم من الإيجابية الظاهرة في قرار رفع العقوبات، إلا أن عقبات عدة ما تزال قائمة أمام المستثمرين. فبعض العقوبات الفردية المتعلقة بشخصيات في النظام السوري ما تزال فعالة، ما يُبقي حالة من الحذر لدى الشركات الدولية. كما يشكل غياب الاستقرار الأمني الكامل تهديدا مباشرا لأي استثمار طويل الأمد، خصوصا في المناطق التي لم تُحسم فيها السيطرة بشكل نهائي.
وإضافة إلى ذلك، ما تزال البيئة القانونية في سوريا تعاني من ضعف واضح، مع غياب نظام قضائي نزيه وشفاف قادر على حماية الاستثمارات الأجنبية. ويبقى قانون قيصر، المعتمد من الكونغرس الأميركي، عقبة إضافية، إذ إنه لم يُلغَ بالكامل رغم الخطوات التي اتخذها ترامب، ما يترك حالة من الغموض القانوني لدى المستثمرين، خصوصا في ما يتعلق بالتعاملات بالدولار الأميركي.
خامسا: السيناريوهات المستقبلية المحتملة
في ظل هذا التحول السياسي، يمكن تصور سيناريوهات عدة لمستقبل الاقتصاد السوري.
في السيناريو المتفائل، قد تؤدي التسهيلات الأميركية إلى تدفق استثمارات عربية واسعة، وتطبيع إقليمي شامل مع سوريا، ودعم أميركي تدريجي يمهد لعودة كبرى الشركات الغربية إلى السوق السورية.
أما في السيناريو الواقعي، فقد تقتصر الاستثمارات على مشروعات البنى التحتية والطاقة، مع اشتراطات سياسية واضحة لتمويل عمليات إعادة الإعمار، فيما تُبقي الولايات المتحدة بعض العقوبات كأداة ضغط مستمرة.
أما السيناريو المتشائم، فيفترض تعثر الحكومة الانتقالية في تنفيذ إصلاحات فعلية، وتأخر الاستثمارات؛ بسبب استمرار الفساد وانعدام الأمن، مع احتمال عودة التوترات الإقليمية والدولية التي تعرقل أي تقدم اقتصادي.
خاتمة
يمثل قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا تحولا استراتيجيا في مسار العلاقات بين واشنطن ودمشق، ويُعد فرصة نادرة لإعادة بناء الاقتصاد السوري المنهك.
إلا أن هذه الفرصة تظل رهينة بمدى جدية الحكومة السورية في تنفيذ إصلاحات جذرية وتهيئة بيئة استثمارية شفافة وآمنة. كما أن مواقف القوى الإقليمية والدولية، لاسيما الكونغرس الأميركي والاتحاد لنهوض اقتصادي شامل، سيكون لها تأثير مباشر على حجم ونوعية الاستثمارات المتدفقة إلى سوريا. في النهاية، فإن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان القرار سيمثل بداية حقيقية قليل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: مقتل 5 جنود في اشتباكات بشمال غزة
الجيش الإسرائيلي: مقتل 5 جنود في اشتباكات بشمال غزة

البلاد البحرينية

timeمنذ 2 ساعات

  • البلاد البحرينية

الجيش الإسرائيلي: مقتل 5 جنود في اشتباكات بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، أن خمسة من عناصره قتلوا في اشتباكات وقعت بشمال قطاع غزة. وأضاف الجيش في بيان أن جنديين آخرين من كتيبة "نتسح يهودا" أصيبا بجروح خطرة خلال الاشتباك نفسه في بيت حانون، دون ذكر المزيد من التفاصيل. ووقع الحادث في وقت متأخر من مساء الاثنين عندما تم تفجير عبوة ناسفة في مدرعة كانت تقل جنودا ثم استهدفوا روبوتا محملا بالذخيرة بقذيفة مضادة للدروع، خلال تجهيزه. كما تم استهداف قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي هرعت لمكان الحادث، فيما سمع سكان مدينة عسقلان دوي "الانفجار الكبير"، وفق ما نقلته المواقع الإسرائيلية، التي قالت إن أحد المصابين ضابط كبير. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية، إن الكمين كان محكما، حيث استهدفت عبوة أولى دبابة، فيما استهدفت عبوة ثانية قوة الإنقاذ، وثالثة استهدفت قوة إنقاذ إضافية، ثم استهدفت عبوة رابعة وإطلاق نار من أسلحة خفيفة كل من أصيبوا في بداية الهجوم. وعلى الصعيد السياسي، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه في البيت الأبيض، مساء الاثنين، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ثقته في أن حركة حماس تريد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وردا على سؤال عما إذا كانت المعارك الدائرة في القطاع بين إسرائيل والحركة الفلسطينية ستؤدي إلى تعطيل المحادثات الجارية بين الطرفين للتوصل إلى هدنة، قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض "إنهم (حماس) يريدون اجتماعا، ويريدون وقف إطلاق النار هذا". وردا على سؤال بشأن السبب الذي حال حتى الآن دون إبرام هذه الهدنة، قال الرئيس الأميركي "لا أعتقد أن هناك عائقا. أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام". وقبل أسبوع، ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن حصيلة الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة اقتربت من 100 ألف، أي ما يعادل 4 في المئة من سكان القطاع، وذلك نتيجة الهجمات الإسرائيلية أو آثار غير مباشرة للعمليات العسكرية منذ 7 أكتوبر 2023.

ترامب يلتقي نتنياهو ويؤكد: "لا عائق أمام التوصل لهدنة في غزة"
ترامب يلتقي نتنياهو ويؤكد: "لا عائق أمام التوصل لهدنة في غزة"

البلاد البحرينية

timeمنذ 2 ساعات

  • البلاد البحرينية

ترامب يلتقي نتنياهو ويؤكد: "لا عائق أمام التوصل لهدنة في غزة"

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين، على مأدبة عشاء خاصة في البيت الأبيض. وقبل بداية المأدبة، أعرب ترامب عن ثقته في أن حركة حماس تريد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. ورداً على سؤال عما إذا كانت المعارك الدائرة في القطاع بين إسرائيل والحركة ستؤدّي إلى تعطيل المحادثات الجارية بين الطرفين للتوصل إلى هدنة، قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض: "إنهم (حماس) يريدون اجتماعاً، ويريدون وقف إطلاق النار هذا". ورداً على سؤال بشأن السبب الذي حال حتى الآن دون إبرام هذه الهدنة، قال الرئيس الأميركي "لا أعتقد أن هناك عائقاً. أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام". من جهته، قال نتنياهو إن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان مع دول أخرى من شأنها أن تمنح الفلسطينيين "مستقبلاً أفضل"، حسب تعبيره، مشيراً إلى إمكان انتقال سكان غزة إلى "دول مجاورة". وأضاف: "إذا أراد الناس البقاء، فبإمكانهم ذلك، ولكن إذا أرادوا المغادرة، فيجب أن يتمكنوا من المغادرة". وأردف رئيس الحكومة الإسرائيلية: "نعمل مع الولايات المتحدة عن كثب لإيجاد دول تسعى لتحقيق ما تقوله دائماً، وهي أنها تريد منح الفلسطينيين مستقبلاً أفضل. أعتقد أننا نقترب من إيجاد دول عدة". في سياق متصل، استبعد نتنياهو مجدداً قيام دولة فلسطينية كاملة، مشدداً على أن إسرائيل ستحتفظ "دوماً" بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة. وتابع: "الآن، سيقول الناس إنها ليست دولة كاملة، إنها ليست دولة، هذا لا يهمّنا". وقال إنه يريد السلام مع الفلسطينيين، لكنه وصف أي دولة مستقلة لهم في المستقبل ستكون "منصة لتدمير إسرائيل"، بحسب تعبيره، منادياً بضرورة بقاء السلطة السيادية الأمنية بيد إسرائيل لهذا السبب. أما ترامب، فعندما سأله الصحافيون عما إذا كان حل الدولتين ممكناً فقال "لا أعرف"، وأحال السؤال إلى نتنياهو. ورد نتنياهو بالقول "أعتقد أن الفلسطينيين يجب أن يحصلوا على جميع الصلاحيات لحكم أنفسهم، ولكن ليس على أي صلاحيات من شأنها تهديدنا. وهذا يعني أن السلطة السيادية، مثل الأمن الشامل، ستبقى دائما في أيدينا". في سياق آخر، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي أنه رشح ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، مقدماً للرئيس الأميركي نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها إلى لجنة الجائزة. وقال إن ترامب "يُرسي السلام في هذه الأثناء، في بلد تلو الآخر، في منطقة تلو الأخرى". وقبل ذلك، عقد نتنياهو اجتماعين مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، والمبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، وفقاً لمكتب رئيس الوزراء. وعقدت المحادثات في "بلير هاوس"، بيت الضيافة الرئاسي القريب من البيت الأبيض. ومن المقرر أن يزور نتنياهو مبنى الكونغرس يوم الثلاثاء للقاء زعماء مجلسي النواب والشيوخ. يأتي هذا فيما أجرى مسؤولون إسرائيليون محادثات غير مباشرة مع حركة حماس في الدوحة بهدف التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى من غزة، ووقف إطلاق النار بوساطة أميركية. وتأتي زيارة نتنياهو في أعقاب إعلان ترامب، الأحد، أن هناك فرصة جيدة للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق هذا الأسبوع. وقبل التوجه إلى واشنطن، عبر نتنياهو عن اعتقاده بأن مناقشاته مع ترامب ستؤدي إلى إحراز تقدم في المحادثات الجارية في قطر بين إسرائيل وحماس. رفع العقوبات عن إيران وهذه ثالث زيارة يقوم بها نتنياهو إلى البيت الأبيض منذ عودة ترامب إلى منصبه في يناير (كانون الثاني)، وتأتي في أعقاب الأمر الذي أصدره ترامب الشهر الماضي بشن غارات جوية أميركية على مواقع إيران النووية لمساندة إسرائيل في هجماتها الجوية. وساعد ترامب لاحقاً في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوماً. في هذا السياق، ذكر ترامب، قبيل مأدبة العشاء، أنه يريد خلال اللقاء مع نتنياهو مناقشة آفاق التوصل إلى "اتفاق دائم" مع إيران. كما كشف أنه يود رفع العقوبات الأميركة الصارمة عن إيران "في الوقت المناسب". وقال: "أود أن أتمكن، في الوقت المناسب، من رفع تلك العقوبات، ومنحهم فرصة لإعادة البناء، لأنني أود أن أرى إيران تبني نفسها من جديد بطريقة سلمية". وأكد الرئيس الأميركي أن إدارته ستجتمع مع إيران، بينما أفاد المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بأن الاجتماع سينعقد خلال الأسبوع المقبل تقريباً.

تحقيق "البلاد": هل حان الوقت للاستيراد من تركيا أو عُمان لتعويض نقص 'الكنكري'؟
تحقيق "البلاد": هل حان الوقت للاستيراد من تركيا أو عُمان لتعويض نقص 'الكنكري'؟

البلاد البحرينية

timeمنذ 9 ساعات

  • البلاد البحرينية

تحقيق "البلاد": هل حان الوقت للاستيراد من تركيا أو عُمان لتعويض نقص 'الكنكري'؟

يشهد قطاع البناء في البحرين نموا ملحوظا يعكس تعافيا اقتصاديا متسارعا، لاسيما مع تسارع النمو ليصل إلى 3.5 % في العام 2025، وفقا لتوقعات شركة Fitch Solutions، ويأتي هذا النمو مدعوما خصوصا بارتفاع الناتج الاقتصادي لصناعة البناء بنسبة 3.5 % بالقيمة الحقيقية في العام 2025، بحسب تقرير حديث لشركة Global Data، معززا باستثمارات مكثفة في مشروعات البناء الصناعية والتجارية ومشروعات الطاقة، إلى جانب زيادة كبيرة في قيمة العطاءات الممنوحة. ويعكس حجم سوق البناء في البحرين زخما، ليصل إلى 3.04 مليار دولار أميركي في العام 2024، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.18 %، وتستشرف التوقعات المستقبلية استمرار هذا النمو ليصل حجم السوق إلى 14.87 مليار دولار بحلول العام 2034، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.3 % في الفترة من 2025 إلى 2034، وفقا لتقرير صادر عن 'Market Research Future'. على صعيد متصل، فإن قيمة العطاءات الممنوحة شهدت قفزة استثنائية بلغت 145.2 % على أساس سنوي في العام 2024، مقارنة بنمو سنوي بلغ 114.1 % في العام 2023، حسب بيانات مجلس المناقصات البحريني. وعلى الرغم من هذا النمو، سجل البنك المركزي البحريني انخفاضا بنسبة 2.3 % في متوسط قيمة القروض المستحقة لقطاع البناء والعقارات في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2024؛ ما يطرح تحديات تمويلية محتملة للقطاع. وعلى رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يواجه قطاع مواد البناء في البحرين عددا من التحديات التي قد تعوق وتيرة نموه وتطوره، لاسيما فيما يتعلق بتقلبات التمويل وارتفاع تكاليف المواد والعمالة. في هذا التحقيق، نسلط الضوء على هذه التحديات عبر شهادات عدد من موردي مواد البناء في السوق البحرينية، الذين يناقشون بدقة العقبات الراهنة ويقدمون رؤى متعمقة بشأن الحلول العملية التي يرونها مناسبة لضمان استدامة القطاع وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني. توقع رئيس جمعية المقاولين البحرينية خلف حجير، أن أزمة مواد البناء، خصوصا نقص الأسمنت، ستؤثر على قطاع المقاولات عموما، وستكون تأثيراته مباشرة على المطورين العقاريين، وشركات المقاولات؛ إذ ستضطر كثير من الشركات لمراجعة خططها الاستثمارية، مرجحا أن يحدث تباطؤ في وتيرة طرح المشروعات الجديدة. ولفت حجير إلى أن غياب المواد الأساسية من شأنه أن يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في تنفيذ المشروعات، الأمر الذي يزيد من التكاليف التشغيلية، بالإضافة إلى مخاطر توقف بعض المشروعات، الذي بدوره سيُؤثر سلبا على القطاع خصوصا في ظل المشروعات التنموية الكبرى. وأشار حجير إلى أهمية المساعي الحكومية التي تنتهجها المملكة لدعم قطاع المقاولات بما يسهم في تنميته وتطويره؛ لذلك من الضروري أن تقوم الجهات المعنية بتقديم كل أشكال الدعم للقطاع لتجنب تدهور الملاءة المالية للمقاولين وحمايتهم من اللجوء إلى الاقتراض البنكي وسط ارتفاع أسعار الفائدة. وفي السياق نفسه، كشف حجير عن أن جمعية المقاولين البحرينية لديها دراسة متكاملة عن أوضاع سوق المقاولات ستقوم بمناقشتها في الفترة المقبلة بالتنسيق مع جميع الأطراف للوصل إلى الحلول التي تحد من تأثيرات التداعيات الراهنة على قطاع المقاولات. أما فيما يتعلق بالاعتماد على المنتجات المستوردة ومدى تأثيرها على الصناعة المحلية وجودة المشروعات، قال 'إن قطاع الصناعة في البحرين يمثل عصب التنمية الاقتصادية باعتباره من أكثر القطاعات تحقيقا لمعدلات نمو مرتفعة، بالإضافة إلى دوره في دعم الناتج المحلي، فهو يسهم بنسبة تزيد على 15 % من الناتج المحلي الإجمالي مدعوما بصناعة الألمنيوم والصناعات التحولية، لذلك فإن الاعتماد الكبير على المنتجات المستوردة قد يؤثر سلبا على الصناعة المحلية عبر تقليل فرص النمو، كما أن جودة بعض المنتجات المستوردة قد تكون غير متطابقة؛ ما قد يؤثر على مستوى المشروعات'، مشيرا إلى أن تحقيق التوازن بين المنتجات المحلية والمستوردة يجب أن يقوم على تعزيز القدرات الصناعية المحلية ودعمها بالتكنولوجيا والتدريب، فضلا عن وضع معايير جودة صارمة للمنتجات المستوردة، بالإضافة إلى تنويع مصادر الاستيراد، وتحفيز الشراكات بين المنتجين المحليين والدوليين؛ ما يساهم في ضمان استمرار وجودة المواد. وأعرب حجير عن تفاؤله بمستقبل سوق البناء في البحرين بالفترة المقبلة، في ظل حرص ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، على دعم القطاع وتلبية تطلعاته. وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن حجم الاستثمارات في قطاع مقاولات ستنمو سنويا بنسبة مبشرة مدعومة بمشروعات تنموية كبرى، إلا أن استمرار أزمة نقص مواد البناء دون حلول فعالة قد يؤدي إلى تباطؤ واضح في سوق البناء، وهذا الوضع قد يؤثر سلبا على نمو القطاع العقاري. وعن أبرز التحديات التي يواجهها المقاولون في تأمين مواد البناء بأسعار وجودة مناسبة، بيّن حجير أن شركات المقاولات تواجه العديد من التحديات في مجال البناء ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، فالسوق مليئة بالتحديات التي يأتي من ضمنها تقلبات أسعار المواد في السوق العالمية، وتأخير عمليات الاستيراد بسبب الإجراءات اللوجستية، فضلا عن الحصول على مواد بأسعار تنافسية دون التنازل عن الجودة، وهو تحدٍ كبير في ظل الأزمات الحالية ويحتاج إلى إيجاد خطط قوية لمواجهة هذه التحديات بكفاءة عبر تعزيز التعاون بين الجهات المعنية، والقطاع الخاص، وجمعية المقاولين البحرينية؛ ما يسهم في تحقيق الأهداف المنشودة للنهوض بقطاع المقاولات في مملكة البحرين. من جانبه، أوضح مدير العمليات بشركة للمقاولات عبدالله الوسطي، أن مواد البناء الأساسية متوفرة حاليا، لكنها كانت تعاني أزمة في الشهور الماضية، مؤكدا أن أزمات مواد البناء تؤثر بلا شك على المدد الزمنية المحددة لتسليم المشروعات، إضافة إلى خسائر مالية ناجمة عن ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في فترات الأزمة. وأشار إلى أن أسباب النقص في مواد البناء غير واضحة، لكنها ترتكز أساسا على اعتماد السوق على المواد القادمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصا مادة 'الكنكري'، إذ كانت هناك مشكلة في ضعف الاستيراد نتيجة لمشروعات قائمة في دولة الإمارات. وبين أن الأزمات التي شهدتها السوق في الأشهر الماضية بسبب 'الكنكري'، وهي مادة أساسية تدخل في العديد من مواد البناء بمراحل مختلفة، أثرت بدورها على الطوب والخرسانة، مشيرا إلى أن الاعتماد على الاستيراد من منطقة رأس الخيمة كان السبب الرئيس. وبين أن استيراد هذه المادة الضرورية من تركيا أو عمان والتوسع في مصادر الاستيراد بدلا من الاعتماد على دولة واحدة قد يكون حلا جيدا لمثل هذه الأزمة التي ليست الأولى من نوعها في السوق، لاسيما أن مادة 'الكنكري' لا يمكن استبدالها ببدائل لأنها تدخل في الخرسانة، وهي أساس البناء سواء في الطوب، أو الأعمدة، والجسور، والأسقف. وشدد على أن تجربتهم الطويلة في القطاع، التي تمتد لـ 25 عاما، جعلتهم يعايشون أزمات عدة في مواد البناء، مثل أزمات الرمل التي كانت بسبب طريقة الاستيراد التي تعتمد غالبا على النقل البحري، إذ تتسبب الأجواء المناخية كالرياح، والعواصف، أو تعطل المراكب، في تأخير وصول المواد، بالإضافة إلى عدم وجود مخزون كافٍ؛ ما يؤثر بشكل مباشر على السوق، كما مروا بأزمات أخرى مثل أزمة 'الكنكري' وأحيانا إيقاف توريد الأسمنت من السعودية، مؤكدا أن أزمات مواد البناء ليست جديدة على السوق أو القطاع. وفيما يخص الحلول، يرى الوسطي أن تنويع مصادر الاستيراد وعدم الاعتماد على دولة واحدة فقط هو الطريق الأمثل لمواجهة هذه الأزمات. في حين أكد المدير التنفيذي لشركة للتجارة والمقاولات مهدي عبدالعزيز، أنهم واجهوا مشكلة شح مواد البناء الرئيسة، مثل الخرسانة الجاهزة؛ ما تسبب في تأخير كبير في تنفيذ المشروعات القائمة. وأوضح أن مشكلة الخرسانة الجاهزة تعود إلى نقص كبير في أحد أهم عناصرها الأساسية، وهي مادة 'الكنكري' التي تُعد المكون الرئيس لصناعة الخرسانة، مؤكدا أنه نتج عن ذلك رفع معظم الموردين الأسعار بنسبة لا تقل عن 20 %، الأمر أدى إلى تأخير في حجوزات المواعيد ليصل إلى شهر ونصف على الأقل، مشيرا في الشأن نفسه إلى أن 'الكنكري' يتم استيراده من الإمارات وسلطنة عمان، وأن النوعين يتمتعان بالجودة نفسها. ويرى صاحب شركة للديكور فؤاد صلاح عبدالوهاب، أن المشكلة الأساسية تكمن في العرض والطلب داخل السوق، خصوصا في مجال البناء؛ ما قد يدفع بعض تجار المواد الخام إلى رفع الأسعار بهدف تعويض المصاريف التشغيلية وتكاليف شراء المنتجات الخام. وأشار إلى أن بعض التجار قد يمتنعون أحيانا عن شراء بعض المواد الخام، الأمر الذي يؤثر سلبا عليهم نتيجة عدم توافر هذه المنتجات؛ ما يضطرهم أحيانا إلى البحث لدى أكثر من موزع بسبب التضارب الكبير في أسعار المواد الخام وعدم استقرارها أو نقص توافرها أثناء تنفيذ الأعمال، مضيفا أنه عند التعاقد مع العميل يتم الاتفاق على سعر معين بناء على أسعار المواد الخام وتكلفة الأيدي العاملة، إلا أنهم كثيرا ما يُفاجؤون أثناء العمل بقيام المورد برفع السعر؛ ما يدفعهم للبحث عن مورد آخر يناسب تكلفة المشروع، أو أنهم يواجهون صعوبة في توافر المنتج، وهو ما يسبب اضطرابا في سير العمل ويؤدي إلى عدم استقرار في الأسعار وتوافر المواد سواء في مواد البناء أو أعمال الديكور. وأوضح أن استقرار السوق يمكن أن يتحقق عبر وجود مشروعات بناء كبيرة ومستمرة، إلى جانب زيادة عدد تجار التجزئة مقارنة بتجار الجملة فقط؛ ما يسهم في زيادة المعروض، وبالتالي تحقيق استقرار في الأسعار وتنوع في المنتجات المتاحة، مبينا أنه عموما لا توجد أزمة فعلية في مواد البناء، وإنما هناك تغيرات في الأسعار من قبل الموزعين تتبع تقلبات السوق، مثل انطلاق مشروعات تنموية، أو استثمارية كبرى، أو في فصل الصيف الذي تؤثر حرارته المرتفعة على حجم المشروعات، وبالتالي على القدرة الشرائية للمواد الخام؛ ما يدفع تاجر الجملة إلى رفع الأسعار لتعويض التكاليف التشغيلية. وفيما يخص الحلول، يرى عبدالوهاب أن المطلوب هو زيادة المشروعات وفتح أسواق جديدة لرفع معدل استهلاك المواد الخام؛ ما يشجع التجار على شراء كميات أكبر، ويعزز المنافسة، خصوصا في ظل ارتفاع رسوم الشحن العالمية والرسوم الجمركية، فضلا عن فتح باب الاستيراد من مصادر خارجية متنوعة لزيادة التنافس في السوق، لكنه أكد أن السبب الرئيس يظل في تعزيز القدرة الاستهلاكية المحلية لرفع الطلب على المواد الخام. نمو مستدام واستثمارات استراتيجية ضخمة من المتوقع أن ينمو الناتج الاقتصادي لصناعة البناء في البحرين بنسبة 3.5 % بالقيمة الحقيقية في العام 2025، مدعومًا بالاستثمارات من القطاعين العام والخاص في مشروعات البناء الصناعية والتجارية، والطاقة، إلى جانب زيادة في قيمة العطاءات الممنوحة، وفقًا لتقرير حديث نشرته شركة Global Data، ليصل حجم السوق المستقبلي إلى 3.17 مليار دولار أميركي في العام 2025، مع معدل نمو سنوي مركب قدره 4.18 % حتى العام 2030، بحسب بيانات 'GO-Glob Mordor Intelligence'. فيما نما إجمالي قيمة العطاءات الممنوحة بنسبة 145.2 % على أساس سنوي في العام 2024، بعد نمو سنوي بلغ 114.1 % في العام 2023، حسبما أفاد مجلس المناقصات في البحرين، بحسب تقارير 'Meed'. المشروعات الكبرى تُعد المشروعات الكبرى قيد التنفيذ محركات رئيسة لهذا النمو، منها مشروع تطوير جزر أمواج وديار المحرق بقيمة 3.4 مليار دينار بحريني (ما يعادل 9 مليارات دولار أميركي)، إلى جانب توسعة مطار البحرين الدولي بتكلفة 2.8 مليار دينار (7.5 مليارات دولار)، ومشروع توسعة مصفاة سترة النفطية بقيمة 2.1 مليار دينار (5.7 مليار دولار). وعلى صعيد الاستثمار الحكومي، خصصت البحرين 11.3 مليار دينار بحريني (30 مليار دولار أميركي) لمشروعات استراتيجية ضمن خطة المشروعات الوطنية حتى العام 2030، ليصل حجم الاستثمار في قطاع البناء إلى 3.04 مليار دولار في العام 2024، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.18 % حتى العام 2029، وفقًا لتقارير 'GO-GlobeMeed'. مساهمة القطاع ووفقًا لموقع Gulf Construction Online، سجل قطاع البناء في البحرين، وتحديدا في الربع الثاني من العام 2023، نموًا طفيفًا في الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ 239.37 مليون دينار، مقارنة بـ 237.34 مليون دينار في الربع الأول من العام نفسه، وذلك بحسب تقرير صادر عن وزارة المالية والاقتصاد الوطني. ويمثل قطاع البناء ما نسبته 6.9 % من إجمالي الناتج المحلي للبحرين في الفترة ذاتها، وفقًا للتقرير، أما قطاع العقارات والأنشطة التجارية، فقد سجل مساهمة بلغت 5.3 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه، فإن قطاع البناء في البحرين يشهد أداءً مستقرًا يعكس دوره الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني، بحسب البيانات الحديثة التي كشفت عن تطورات ملموسة في مساهمته بالناتج المحلي في النصف الأول من العام 2023. قطاع البناء في مملكة البحرين يشهد تحولًا رقميًا ملحوظًا مدعومًا بمبادرات حكومية تهدف إلى إيجاد حلول رقمية تحسن الكفاءة والشفافية، وتسهل الإجراءات، ومن أبرز الحلول الرقمية في هذا القطاع: 'بنايات' تُعد منصة 'بنايات' من أبرز المبادرات الرقمية في البحرين، إذ توفر أكثر من 15 خدمة إلكترونية متعلقة بإصدار رخص البناء. وتساهم هذه المنصة في تقليل المعاملات الورقية والاستغناء عن الحضور الشخصي؛ ما يخفض المدة الزمنية لإنجاز المعاملات بنسبة تصل إلى 90 % لبعض المراحل. كما تتيح المنصة للمستثمرين والمقاولين تتبع حالة طلباتهم بشكل شفاف؛ ما يعزز كفاءة الإجراءات ويقلل من التأخيرات. 'قطاعات' تُعد منصة 'قطاعات' منصة رقمية متخصصة في تجارة مواد البناء عبر الإنترنت. وتتيح هذه المنصة للمقاولين والموردين عرض منتجاتهم والتواصل مع العملاء بشكل إلكتروني؛ ما يسهل عمليات الشراء والتوريد ويقلل من التكاليف المرتبطة بالعمليات التقليدية. وعليه، فإن هذه المبادرات تُظهر التزام البحرين بتطوير قطاع البناء عبر تبني الحلول الرقمية؛ ما يسهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وتعزيز شفافية العمليات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store