الأحدث في Economics


أخبار ليبيا
منذ 15 ساعات
- أعمال
- أخبار ليبيا
'البرغوثي' يكتب: السياسة النقدية في ليبيا.. قراءة في عقل الدولة المتعطلة
كتب أستاذ الاقتصاد السياسي 'محمد البرغوثي' مقالاً بعنوان: السياسة النقدية في ليبيا، قراءة في عقل الدولة المتعطلة السياسة النقدية، في جوهرها، ليست مجرد معادلات لتحريك أسعار الصرف أو السيطرة على التضخم، بل هي انعكاس مباشر لمدى نضج الدولة، وقدرتها على إدارة الثقة، وتوجيه الاقتصاد نحو الاستقرار والانتعاش. في الحالة الليبية، تحمّل مصرف ليبيا المركزي خلال السنوات الماضية مسؤولية ثقيلة، وسط بيئة سياسية مضطربة، وانقسامات مؤسساتية، وضغوط مالية واقتصادية خانقة. وقد استطاع، رغم كل تلك التحديات، أن يحافظ على حد أدنى من الاستقرار النقدي، ويمنع الانهيار الشامل للعملة، وهو ما يُحسب له كمؤسسة حافظت على تماسكها النسبي في لحظة تفكك عام، لكن، هل هذا كافٍ؟ إن أحد أكبر التحديات التي تواجه السياسة النقدية في ليبيا اليوم ليست تقنية بقدر ما هي سياسية وأخلاقية. فالفساد السياسي والمالي عمّق من أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، وخلق بيئة غير مواتية لأي سياسة نقدية رشيدة، حين تتحول الأموال العامة إلى مورد للمحاصصة، ويتحول سعر الصرف إلى أداة لتمويل الفساد لا لتثبيت الاستقرار، فإن السياسة النقدية تفقد أدواتها، مهما كانت كفاءتها. ما يحدث اليوم هو أن الدينار الليبي بات يتداول في واقع مزدوج: واقع رسمي تفرضه الدولة، وواقع موازي يتحكم فيه السوق، وهذا الانفصام ليس إلا نتيجة مباشرة لانفصال الدولة عن دورها الحقيقي في ضبط العلاقة بين القيمة والإنتاج، وبين النقد والاقتصاد. ولن يكون حل الأزمة بمجرد تغيير سعر الصرف، أو إضافة رسوم، أو إصدار أدوات دين عام، بل لا بد من التوجه نحو إصلاح هيكلي أعمق، لا يمكن لعملة أن تستعيد قوتها في ظل اقتصاد ريعي، ولا يمكن لسيولة أن تتوفر في بيئة تخنقها شبكات الفساد، وتعطل أدوات الدولة النقدية والرقابية. ما نحتاجه هو إعادة تعريف السياسة النقدية كسياسة سيادية تشاركية، تُبنى على الشفافية، وتستند إلى اقتصاد حقيقي منتج، لا إلى تدفقات ريعية متقلبة. وما نحتاجه أيضًا هو إرادة سياسية تحمي المؤسسة النقدية من التوظيف السياسي، وتفصلها عن التجاذبات والضغوط. لقد أثبت مصرف ليبيا المركزي، في لحظات حرجة، أنه قادر على الصمود، لكن المرحلة القادمة تتطلب أكثر من الصمود، تتطلب انبعاثًا جديدًا لدور الدولة، في العقل، وفي الهيكل، وفي الإرادة.


اليمن الآن
منذ 17 ساعات
- أعمال
- اليمن الآن
المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية يدعو الحكومة لإصلاح سلم الرواتب ورفعها بنسبة 100% كحد أدنى
صحيفة ١٧ يوليو الإخبارية/ خاص عقد المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اجتماعًا استثنائيًا اليوم الخميس 26 يونيو 2025م، برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، رئيس المجلس، لمناقشة المستجدات المتسارعة على الساحة الوطنية، في ظل ما تشهده البلاد من تدهور اقتصادي مقلق، وانفلات أمني متصاعد، واستمرار ضعف أداء مؤسسات الدولة لواجباتها تجاه المواطنين. و وقف المجلس أمام الانهيار المتسارع للعملة الوطنية، وتدهور قيمتها الشرائية، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق يثقل كاهل المواطن، ويوسع دائرة الفقر والعجز المعيشي، في ظل غياب أي معالجات، الأمر الذي فاقم الأوضاع المعيشية، وأشعل موجة احتجاجات شعبية مشروعة وفي مقدمتها الاحتجاجات النسوية التي تعمّ عدداً من المحافظات المحررة. وأكد المجلس أن هذا الانهيار الاقتصادي هو نتيجة مباشرة لانقلاب ميليشيا الحوثي الارهابية واستهدافها لموانئ تصدير النفط وكذا لغياب السياسات الرشيدة، وتفكك المنظومة المالية، وتسرّب الموارد خارج الأوعية القانونية، ما أدى إلى اختلال ميزان المدفوعات وغياب الثقة بالسلطات النقدية. وحذّر المجلس الاعلى من خطورة استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل يعيد للدولة هيبتها المالية ويخفف من معاناة الناس. وفي هذا الإطار، يدعو المجلس الاعلى للتكتل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لتحمل مسؤولياتهم وسرعة اتخاذ المعالجات الضرورية، من بينها ضمان السيطرة التامة على الموارد وضمان الاستخدام الأمثل للتدفقات النقدية الأجنبية، وتعزيز القوة الشرائية للعملة الوطنية، وضبط السياسة النقدية، إلى جانب إصلاح قطاع الخدمات بشكل عام و قطاعي الكهرباء و المياه بشكل خاص وعاجل، و إيقاف عقود شراء الطاقة، والتوجه نحو شراكات فاعلة مع الأشقاء في السعودية ودول الخليج والدول الصديقة لاستثمار المنح والمشاريع في دعم البنية التحتية الأساسية. كما شدد المجلس على ضرورة إصلاح سلم الرواتب ورفعها بنسبة 100% كحد أدنى، وضمان انتظام صرف مرتبات الموظفين والنازحين، وتوسيع برامج الضمان الاجتماعية، وإعداد موازنة عامة شفافة تُعرض على مجلس النواب ويتم أعتمادها، مع تقديم الحسابات الختامية، وتفعيل الهيئات الرقابية، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإعادة تشكيل هيئة مكافحة الفساد وتمكينها من عملها، وكذلك هيئة الرقابة على المناقصات. وفي السياق ذاته، أدان المجلس جريمة اقتحام مسجد عمر بن الخطاب في المنصورة – عدن، واختطاف إمامه الشيخ محمد الكازمي أثناء صلاة الفجر، معتبراً ذلك انتهاكاً لحرمة بيوت الله وتعدياً على هيبة الدولة، مطالباً بمحاسبة المتورطين ومنع تكرار مثل هذه الحوادث. ويؤكد المجلس أن مواجهة هذه الأزمات المتداخلة لن تكون ممكنة إلا من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية راسخة، وتفعيل سلطاتها، وترسيخ مبدأ الشراكة السياسية، وتكريس قيم المواطنة المتساوية، والفصل بين السلطات، وسيادة القانون. ويدعو المجلس الأعلى للتكتل الوطني مجلس القيادة الرئاسي إلى تحمّل مسؤولياته التاريخية، لإنقاذ الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وضبط الأوضاع الأمنية، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية تحت مظلة الدولة، والانفتاح على الاحزاب و المكونات السياسية، وتوسيع دائرة الشراكة الوطنية للعمل الجاد على إصلاح الأوضاع الراهنة وتجاوز الأزمات، بما يسهم في استعادة الاستقرار وتحقيق تطلعات المواطنين وفي ختام الاجتماع، جدّد المجلس الأعلى للتكتل الوطني تأكيده على مواصلة دوره الوطني، والعمل مع مختلف القوى السياسية والمجتمعية لحماية المكتسبات، واسناد مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لتحقيق هدف استعادة الدولة وانهاء الانقلاب و العمل علي التخفيف من معاناة المواطنين، والدفع نحو بناء دولة مدنية حديثة، عادلة، وقوية، قائمة على القانون، والمؤسسات، والشراكة، والاستقرار. صادر عن المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية الخميس 26 يونيو 2025م


Amman Xchange
منذ 18 ساعات
- أعمال
- Amman Xchange
كيف تخطط الحكومة السورية الجديدة للنهوض بالاقتصاد؟
الغد دمشق - نفذ مصرف سورية المركزي، مؤخرا، أول تحويل دولي مباشر عبر نظام سويفت، ونقلت رويترز أن حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية قد وجه دعوة رسمية للبنوك الأميركية لإعادة العلاقات المصرفية بعد الإطاحة ببشار الأسد. ويأتي هذا التحويل بعد سنوات طويلة من فرض الدول الغربية أحد أكثر أنظمة العقوبات صرامة، نتيجة قمع النظام المخلوع للاحتجاجات العام 2011. ورفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سورية، مما قد يبعث الآمال لدى السوريين بتحسن في الحالة الاقتصادية العامة والأمور المعيشية بعد عقود عاشوها من فساد ممنهج مارسه النظام المخلوع في مؤسسات الدولة وعلى اقتصادها، وبعد حرب طاحنة استنزفت موارد البلاد ونظام سخرها للقمع والدمار. وتعيش البلاد تحديات اقتصادية بارزة تقع أمام طريق التعافي وقرارات الحكومة السورية، وذلك منذ سقوط النظام وتركه إرثا ثقيلا واقتصادا منهكا سيحتاج إلى سنوات من الإصلاح والدعم الدولي الكافي لكي يتم الوصول إلى حالة مستقرة. إضرار النظام المخلوع بالاقتصاد وانتهجت عائلة الأسد، طوال فترة حكمها، أساليب من الفساد وتكريس اقتصاد البلاد بما يخدم مصالحها والمقربين، والاحتكار والمحاصصة، ليكون هذا التعدي أحد أسباب قيام الثورة التي واجهها بالقمع والدمار، مما أوصل الحالة الاقتصادية إلى الحضيض. وأشارت دراسة، نشرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، إلى أن النظام قد لازمته صفة الاشتراكية منذ استحواذ حزب البعث على الحكم، لكن تلك الصفة كانت نظرية فقط واستخدمت بطريقة انتقائية صبت في مصالح النظام، حيث ركز حافظ الأسد على الاشتراكية كشعار أكثر من كونها تطبيقا، وراح ابنه بشار بعدها للسوق الاجتماعية في سبيل منح رجال أعمال محسوبين عليه مزيدا من الصلاحيات والقدرة على العمل بحرية ومراكمة الثروة لصالح وكلائه. وتقول الدراسة، التي أعدها باحثون في مركز جسور للدراسات، إن فترة نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي كانت من أسوأ الفترات في تاريخ سورية المعاصر؛ حيث ارتفع الدين العام للدولة إلى أعلى مستوياته، وخرجت رؤوس أموال كبيرة من سورية، ليتصاعد التضخم وتهبط قيمة الليرة. وكان يوجد بشكل فعلي ملكية من ضمن الملكيات الموزعة خصصت للأسرة الحاكمة، وتتضمن الثروات الطبيعية وشبه الطبيعية، بحسب الدراسة. تلك الملكية كان يتم إخفاء مواردها تماما لصالح آل الأسد والمقربين منهم، بشكل خاص آل مخلوف الذين أعطاهم حق الاستثمار بالاتصالات وحقوقا واسعة في مجالات العقارات والبنوك، إضافة لإدارتهم عددا كبيرا من الثروات. وقد ذكرت دراسة أعدها الباحث محمد صارم في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن الاقتصاد السوري برمته كان محمولا على الفساد؛ طبيعة ونشأة وسلوكا، وكان المحرك الرئيس للعمليات الاقتصادية وسبب علتها، وكان وظيفيا ومتسقا داخليا فيما يتعلق بالغاية النفعية للقوى الفاعلة في مركزي القرارين الاقتصادي والسياسي. ونوهت الدراسة، التي تناولت الفساد الاقتصادي في سورية، إلى أن حرب النظام على المجتمع السوري لم تبدأ العام 2011، وإنما كان قد أعلنها منذ زمن طويل بأشكال مختلفة عبر هيمنة السلطة على الاقتصاد، وتسيد أمراء الفساد، وحرمان المجتمع من عوائد الثروات العامة بما ينذر بالكارثة المتوقعة. كما أشارت إلى أن الاقتصاد السوري مهشم ويحتاج بالضرورة إلى مساعدات خارجية لإعادة الإعمار، وهو شر لا بد منه لاختصار زمن التعافي، لكن المساعدات المشروطة قد تتحول إلى نقيض غايتها، وتشكل عبئا إضافيا، يجب التنبه إليه وعدم الانزلاق في مساراته. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" مطلع العام الحالي، فإن 13 عاما من الحرب جعلت الاقتصاد السوري في حالة خراب، في حين وصلت الخدمات العامة إلى حافة الانهيار، مضيفة أن حالتها اليوم، أسوأ مما كانت عليه قبل سقوط نظام الأسد. وأشارت دراسة أعدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن النظام قد وجه موارد الدولة ومقدراتها لخدمة آلة الحرب؛ حيث أصبحت النفقات العسكرية المكون الأكبر للإنفاق العام الذي كان على حساب الجانب التنموي، ليتحول الاقتصاد إلى "اقتصاد نزاع"، ويؤدي إلى دمار موارد البلاد وتحول مقوماتها الاقتصادية إلى مصادر لاستدامة العنف. وأظهرت الدراسة، التي نشرت في تموز (يوليو) 2020، أن استنزاف الحرب للموارد قد أدى إلى انخفاض إنتاج النفط وهبوط العائدات المرتبطة به، وبالنسبة للإيرادات، فقد انخفضت في الأوعية الضريبية وتراجعت في قطاعات السياحة، ليتم تسجيل خسائر متراكمة في الناتج المحلي الإجمالي السوري. اقتصاد الحرب وفي حديث مع الخبير الاقتصادي خالد التركاوي، يقول "إن أخطر ما قام به النظام هو تسخير موارد الدولة لخدمة الحرب، بمعنى أنه حول الاقتصاد الإنتاجي إلى اقتصاد حرب، يعني بشكل ما ذهبت كل موارد الدولة لخدمة معركة النظام ضد الشعب". وكان النظام قد حول مصانع عدة إلى إنتاج السلاح والبراميل، وفي القطاع الطبي تحولت المستشفيات العامة إلى مستشفيات حربية أو ميدانية للجنود فقط أو بإعطائهم الأولية، وحتى المؤسسات التي ليس لها علاقة بالحرب كان يؤخذ موظفوها إلى الجبهات أو الأعمال الأمنية، بحسب التركاوي. وقد أدت سياسات النظام ضمن الحرب التي مورست على التجار ورجال الأعمال إلى مغادرة الكثير منهم إلى مختلف الدول، وكذلك نقل معاملهم والمصانع والورشات. وبحسب التركاوي، فإنه "قد نقل جزء كبير من رؤوس الأموال لخارج سورية نتيجة فرض النظام المخلوع المحاصصة عليهم فترة الحرب، مما أدى إلى تعطل في الجهاز الإنتاجي ونقص الدخل المحلي، وأولئك التجار الذين قد يصل عددهم إلى عشرات الآلاف والمتوزعون في مختلف البلدان ليس من السهل عودتهم الآن". وقد أشار تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة، لتسببه في انهيار شبه كامل للبنية الاقتصادية بعد السياسات التي نفذها على مدار سنوات طويلة، لا سيما فترة الحرب. وأشارت دراسة أخرى أجراها مركز حرمون للدراسات المعاصرة إلى أن "التحدي الاقتصادي من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة السورية الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحديات التي واجهت الاقتصاد السوري لم تغب عن سياقات تطور الدولة السورية منذ نشأتها". وتتضمن الدراسة أهدافا حتى يتعافى الاقتصاد السوري، وأنه من الضروري استعادة تشغيل مصادر النفط والطاقة واستثمار الموارد الطبيعية، وتطوير القطاع الزراعي باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وترميم رأس المال البشري، من خلال دعم عودة المهجرين داخليا واستقطاب القدرات المهاجرة خارج البلد، والعمل على ترميم رأس المال الاجتماعي وفق إستراتيجيات التعليم والعمل المجتمعي المدني والتشاركية. وتشير الدراسة التي أعدها عبد الناصر الجاسم، إلى ضرورة تهيئة الموارد عبر المباشرة بأعمال البنى التحتية، بالتوازي مع قطاع الاتصالات والطاقة والمياه، حيث تسهم هذه القطاعات في الإسراع بتحقيق الاستقرار وتوطين الموارد البشرية والمالية والمادية. وتشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85 % من قيمته خلال 12 عاما ليصل إلى 9 مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقا للبنك الدولي. التعامل مع القطاع العام ويتمثل التحدي الاقتصادي الأبرز أمام الحكومة الجديدة في كيفية التعامل مع القطاع العام المتضخم، بحسب "واشنطن بوست"، وأن سوء الإدارة والفساد في عهد نظام الأسد قد أدى إلى تضخم في قوائم الرواتب. وأشار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن خبراء اقتصاديين أجمعوا على أن إصلاحا اقتصاديا في سورية لن يتم إلا بدعم خارجي ومساعدات دولية. ويزداد تحدي إنعاش الاقتصاد صعوبة أمام الحكومة، في ظل اقتصادات سياسية متصدعة، ولدها النزاع فيما مضى وترسخت في مناطق جغرافية مختلفة، مما نتج عنه تفاوت في الأنماط الاقتصادية وتقطع لسلاسل القيمة الوطنية، بحسب ورقة بحثية قام بها مركز عمران للدراسات. وسبق أن صرح وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار، بأن بلاده بحاجة إلى ما لا يقل عن تريليون دولار لإعادة بناء اقتصادها، وهو رقم يفوق كثيرا تقديرات البنك الدولي السابقة. وفي فترة مبكرة من توليها إدارة البلاد، كشفت الحكومة عن خطة لتسريح نحو ثلث موظفي القطاع العام، مع خصخصة أكثر من 100 شركة حكومية خاسرة، وإزالة ما يعرف بـ"الموظفين الأشباح" من كشوف الرواتب. وكان الشعار قد أعلن عن خطة تهدف إلى تحفيز القطاع المصرفي واستقطاب الكفاءات السورية من الخارج، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، مع التركيز على مدينة حلب كنقطة انطلاق. وفي سعيها لإلغاء مؤسسات حكومية غير فعالة، قامت الحكومة بحل "مؤسسة التجارة الخارجية" و"مجالس الأعمال السورية" القديمة، لتسهيل التجارة الخارجية وإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية على أسس جديدة. وسبق أن أعلنت الحكومة تبنيها لنهج "اقتصاد السوق التنافسي"، وإصدارها تعريفة جمركية جديدة لحماية الصناعات الوطنية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات السوري، إضافة إلى تبسيطها النظام الضريبي ومنحها عفوا عن العقوبات المالية السابقة، لتشجيع المستثمرين على العودة. وقد حاولت الحكومة الحد من أزمة الكهرباء في البلاد، بحسب تقارير، لكن الحلول المؤقتة التي نفذتها لم تنجح في إنهاء حالة الانقطاع رغم توقيعها اتفاقية الغاز مع قطر، حيث ما تزال العاصمة ومناطق شاسعة في سورية تعاني من الظلام لفترات طويلة من اليوم. وجاء في تقرير لـ"إندبندنت عربية" نشر مؤخرا، أن ملفات الفساد والاحتكار ما تزال تتكشف بشكل مستمر، وذلك رغم مرور أشهر على سقوط النظام، ومع كل يوم جديد تعلن الحكومة السورية الجديدة عن ملف آخر من ملفات الفساد المستشري الذي طال جميع القطاعات في البلاد. ومنذ بداية العام، وقعت الحكومة السورية عددا من الاتفاقيات والعقود، منها اتفاقيات إدارة وتشغيل موانئ ومناطق حرة، ومذكرات تفاهم مع دول إقليمية، واتفاقيات تمويل دولي، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقيات سابقة موروثة من النظام المخلوع. لكن، لم يطرأ استقرار على الليرة السورية منذ سقوط النظام، إضافة لعدم تحسنها وبقاء التضخم، مع ارتفاع عام في الأسعار في عموم البلاد وتصريحات متكررة عن تحديثات في العملة وطباعة نسخ جديدة للأوراق النقدية. كما سبق أن أعلنت الحكومة عن نيتها رفع رواتب شريحة واسعة من موظفي القطاع العام بنسبة تصل إلى 4 أضعاف، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.-(وكالات)


الجزيرة
منذ يوم واحد
- أعمال
- الجزيرة
في أفغانستان ثقة متدنية بالبنوك وسط أزمة اقتصادية مستمرة
كابل- في شوارع كابل وولايات مثل ننغرهار (شرقي أفغانستان)، يعيش الأفغان حالة من القلق المتصاعد تجاه البنوك، إذ تتآكل ثقتهم يوما بعد يوم في ظل أزمة اقتصادية خانقة. فبعد مرور 4 سنوات على عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، لا يزال النظام المصرفي يواجه اختلالات بنيوية، أبرزها نقص السيولة، وقيود السحب، وغياب رؤية اقتصادية واضحة. ووفقا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان بنسبة 26% بين عامي 2021 و2022، بينما لا تزال أصول البنك المركزي الأفغاني البالغة 7 مليارات دولار مجمدة في الخارج. هذا الوضع المتأزم دفع كثيرين إلى العودة إلى الصرافة التقليدية أو الاحتفاظ بالنقد داخل منازلهم رغم ما في ذلك من مخاطر أمنية. وفي ظل هذا المناخ، يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع حكومة طالبان استعادة الثقة في القطاع المصرفي من دون إصلاحات جذرية؟ خوف وتردد في العاصمة كابل، يروي عزيز ملكيار، معلم سابق فقد وظيفته، للجزيرة نت: "لم نعد نثق بالبنوك. في 2021، انتظرنا أياما لسحب مبالغ زهيدة، والآن، مع ارتفاع الأسعار ونقص السيولة، نفضل الاحتفاظ بما لدينا في المنزل". أما في ولاية ننغرهار، فيقول حيدر رجب، وهو صاحب شركة تجارية صغيرة: "المعاملات مع البنوك أصبحت مقتصرة على موظفي الحكومة. أما نحن، فنتعامل عبر الصرافة لأنها أسرع وأضمن". وتشاركهم الرأي ربة منزل في كابل، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، قائلة: "لا أستطيع إيداع أموالي في بنك قد لا يسمح لي بسحبها عند الحاجة". تطمينات وسط تحديات في محاولة لاحتواء الأزمة واستعادة الثقة، أعلن البنك المركزي الأفغاني عن رفع تدريجي لسقوف السحب. وفي تصريح للجزيرة نت، قال رئيس البنك نور أحمد آغا " إن القطاع المصرفي يعمل بشكل طبيعي، وقد رفعنا سقف السحب الأسبوعي إلى 350 ألف أفغاني (5 آلاف دولار)، والمبلغ الشهري إلى مليون أفغاني (15 ألف دولار) لحسابات الأفراد بالعملة المحلية، كما حُدد سقف السحب بالدولار بـ5 آلاف أسبوعيا و15 ألفا شهريا، هذه الإجراءات تهدف إلى ضمان الاستقرار النقدي". غير أن مراقبين يرون أن التحديات تتجاوز هذه التطمينات، إذ لا يزال نقص السيولة فعليا أحد أكبر العقبات، حيث شهدت البنوك تدافعا جماعيا لسحب المدخرات عند سيطرة طالبان في 2021، وهو ما لم تتم معالجته بالكامل حتى اليوم. محاولات لاستعادة الثقة في العاصمة كابل، يواجه بنك "أفغان يونايتد"، أحد أبرز البنوك التجارية في البلاد، واقعا ماليا صعبا في ظل الأزمة الاقتصادية المتواصلة. وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال مسؤول رفيع في البنك -فضّل عدم الكشف عن اسمه- إن "القطاع المصرفي يواجه تحديات كبيرة بسبب انخفاض السيولة وعدم الاستقرار المالي، لكننا نعمل على تعزيز الثقة بين عملائنا من خلال تحسين الخدمات المصرفية وتقديم خيارات مرنة للسحب والإيداع". وأكد أن البنك رفع سقوف السحب تدريجيا، مما أتاح للمواطنين الوصول إلى مبالغ أكبر، كجزء من جهود تسهيل الوصول إلى الأموال. لكنه أقر في الوقت نفسه بأن "السيولة الحقيقية ما زالت مفقودة في العديد من البنوك، ومعظم الأموال التي أودعها المواطنون في السابق تم سحبها بالفعل". وأشار إلى أن البنك يعمل على توفير حلول بديلة، مثل الحسابات الجارية التي تتيح للعملاء مرونة في الوصول إلى أموالهم، كما يسعى إلى التحول إلى نموذج مصرفي متوافق مع الشريعة الإسلامية ضمن إستراتيجية لتعزيز الشفافية واستعادة الثقة. وفي هذا السياق، أكد محمد عظيم، مستشار الشؤون الشرعية في بنك "إسلامي أفغانستان"، في مقابلة مع الجزيرة نت، أن "المصرفية الإسلامية تسير في الاتجاه الصحيح رغم التحديات. نعمل على استبدال الفوائد الربوية بآليات مثل القرض الحسن والمضاربة، لتعزيز الشفافية، لكن نقص السيولة وغياب الثقة يتطلبان وقتا ودعما حكوميا لنجاح الإصلاحات". الشريعة والاقتصاد الحديث ومنذ عودتها إلى الحكم، تسعى حكومة طالبان إلى تحويل النظام المصرفي تدريجيا إلى نموذج إسلامي يتماشى مع الشريعة. وقد أصدر البنك المركزي تعليمات بإلغاء الفوائد الربوية، واستبدالها بآليات شرعية مثل القرض الحسن و المضاربة ، ومنح البنوك التجارية مهلة ثلاث سنوات للتحول الكامل إلى هذا النموذج. ووفقًا لتصريحات رسمية، فإن هذه المهلة بدأت منتصف عام 2022، ما يعني أنها تنتهي في منتصف العام الجاري، وسط تساؤلات حول مدى جاهزية البنوك لتطبيق النظام الجديد بالكامل. كما شكّل البنك لجنة شرعية لمراجعة العقود، وأخرى مكوّنة من 7 أعضاء لإعادة صياغة قانون البنوك الذي يعود إلى 6 عقود مضت. وأكد رئيس البنك المركزي نور أحمد آغا، أن "النظام المصرفي يعمل بشكل طبيعي، وننسق مع هيئات فقهية لضمان التوافق الشرعي". غير أن خبراء اقتصاديين حذروا من أن غياب دستور مدني ونقص الكفاءات المؤهلة في المجالين الشرعي والمصرفي يعيقان توحيد المعايير، مما يزيد من تحفظ المواطنين تجاه البنوك. وفي يونيو/حزيران 2025، جددت الحكومة الأفغانية، عبر تصريحات لوزير الاقتصاد دين محمد حنيف ومسؤولين آخرين، برفع التجميد عن احتياطيات البنك المركزي البالغة 7 مليارات دولار، محذّرة من أن استمرار العقوبات الغربية يُفاقم معدلات الفقر والبطالة. وتحتجز الولايات المتحدة هذه الأموال منذ أغسطس/آب 2021 (عندما سيطرت طالبان على الحكم)، حيث تم نقل جزء منها لاحقًا إلى "صندوق أفغانستان" الذي تديره سويسرا بالتعاون مع واشنطن. أزمة ثقة مستمرة يرى الخبير الاقتصادي الأفغاني بشر دوديال أن الأزمة المصرفية في البلاد تتجاوز مسألة نقص السيولة، وتمثل انعكاسا لتحديات هيكلية عميقة. وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أن "انهيار الثقة بين المواطنين والنظام المصرفي ليس مجرد نتيجة لقيود السحب أو نقص السيولة في 2021، بل هو أزمة شاملة ناتجة عن تجميد أصول البنك المركزي البالغة 7 مليارات دولار بفعل العقوبات الدولية، وهو ما شلّ قدرة البنوك على تلبية احتياجات العملاء، ودفع التجار والأفراد إلى الاعتماد المتزايد على الصرافة التقليدية". وأشار دوديال إلى أن غياب الكوادر المؤهلة في القطاع المصرفي، خاصة بعد هجرة العديد من المصرفيين المهرة عقب عودة طالبان، يعرقل تطبيق إصلاحات طموحة مثل التحول إلى المصرفية الإسلامية، والتي تتطلب كفاءات فنية وشرعية عالية لتصميم منتجات مالية متوافقة مع الشريعة. كما لفت إلى أن الأزمة المصرفية ألقت بظلالها على قطاعات أخرى، أبرزها التجارة والزراعة، حيث يعاني التجار من صعوبة في الحصول على التمويل، مما فاقم معدلات البطالة والفقر، خصوصا في ظل تقارير الأمم المتحدة التي توقعت في 2022 أن 97% من السكان قد يعيشون تحت خط الفقر، وهي النسبة التي لا تزال مرتفعة في 2025. ودعا دوديال إلى حزمة من الإصلاحات العاجلة، تشمل إنشاء صندوق ضمان ودائع لتشجيع المواطنين على الإيداع، وتطوير البنية التحتية الرقمية للمصارف لتسهيل المعاملات، فضلا عن السعي الجاد لرفع العقوبات الدولية. وأوضح أن "من دون إعادة تفعيل البنك المركزي كجهة مستقلة قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وإقامة شراكات دولية، سيظل النظام المصرفي الأفغاني عاجزا عن دعم الاقتصاد الوطني." كما حذّر من أن استمرار العزلة الدولية وعدم الاعتراف بحكومة طالبان قد يطيل أمد الأزمة، ما يهدد بتفاقم الفقر ويعيق التعافي الاقتصادي طويل الأمد. وفي السياق ذاته، أشارت مجلة "إيكونوميست" في تحليل نُشر مؤخرا إلى أن حركة طالبان تقف أمام معضلة حقيقية: إما التمسك برؤية إسلامية صارمة قد تؤدي إلى تفكك القطاع المصرفي، أو تبنّي إصلاحات براغماتية قد تُواجَه برفض داخلي. اختبار الثقة والإصلاح وسط أزمة اقتصادية ممتدة، يجد المواطن الأفغاني نفسه عالقا بين الحاجة الملحة إلى خدمات مصرفية موثوقة والخوف العميق من فقدان مدخراته. ورغم محاولات طالبان والبنوك التجارية إرسال تطمينات وتطوير نظام مصرفي يتماشى مع الشريعة الإسلامية، فإن غياب قوانين واضحة، واستمرار شح السيولة، والعزلة الدولية، كلها عوامل تعيق استعادة الثقة. ويبقى السؤال مطروحا: هل ستتمكن الحكومة الأفغانية من بناء نظام مالي قادر على الموازنة بين الشريعة والاقتصاد الحديث؟ أم أن أزمة الثقة ستبقى الحاجز الأكبر أمام أي تعافٍ اقتصادي مرتقب؟ الإجابة ستظل رهنا بخطوات واقعية تتجاوز التصريحات الرسمية.


البيان
منذ 2 أيام
- أعمال
- البيان
الاختلالات العالمية.. قنبلة موقوتة في صميم الاقتصاد الدولي
مارتن وولف لا أحد يستطيع التنبؤ بمسارات توترات منطقة الشرق الأوسط أو تداعياتها الاقتصادية المحتملة، ولقد كتبت سابقاً مقالاً بعنوان «التداعيات الاقتصادية لحرب إسرائيل – حماس»، وكانت القضية الكبرى آنذاك تتعلق بمخاوف امتداد النيران إلى عمليات إنتاج ونقل النفط في منطقة الخليج. وتكمن أهمية هذه المنطقة في كونها تضم 48% من الاحتياطات النفطية المؤكدة عالمياً، كما أنها أسهمت بإنتاج 33% من إجمالي النفط العالمي خلال عام 2022، كما أن فيها نقطة اختناق للصادرات عند مضيق هرمز. هناك في الوقت نفسه أسئلة أخرى تطرح نفسها أيضاً، وتحديداً فيما يتعلق بتقاطع السياسة التجارية لترامب مع سياسته المالية، فبينما تهدف الأولى إلى تقليص العجز التجاري أو إلغائه تماماً، تسعى الثانية إلى إدارة عجز مالي ضخم، وهما هدفان متناقضان، وبحكم التعريف فإن الدولة تنفق غالباً أكثر مما تكسب، وبما أن الاقتصاد الأمريكي يعمل بالفعل قريباً من طاقته الكاملة - مع معدل بطالة لا يتجاوز 4.2% - فلا توجد طريقة سريعة لزيادة الدخل أكثر من ذلك، لذلك فإن تقليل العجز سيتطلب تخفيضات في الإنفاق الوطني، والطريق الواضح لتحقيق الخفض المستمر للعجز المالي هو عبر رفع الضرائب، وخفض التزامات الإنفاق، وهذا المسار يسمح للاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة - وهو ما سيرحب به ترامب. كما ينبغي إضعاف الدولار، وهو ما يمكن أن يساعد على إنتاج السلع والخدمات بشكل قابل للتداول، فلماذا لا يسلك ترامب هذا المسار إذن، بغض النظر عن شغفه بالضرائب المنخفضة والإنفاق المرتفع؟ الجواب هو أن الأمر لا يقتصر على كونه صعباً سياسياً فحسب، بل إن العواقب قد تكون أشد خطورة، ولفهم ذلك بوضوح يمكن النظر في ميزان المدخرات والاستثمارات القطاعية في الاقتصاد الأمريكي منذ أوائل التسعينيات، ومن المهم هنا أن ندرك أن الأرصدة يجب أن تتعادل وتضيف إلى الصفر، لأن مجموع المدخرات المحلية وصافي المدخرات الأجنبية (أي صافي تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل) يجب أن يساوي إجمالي الاستثمارات المحلية. في المتوسط حقق قطاع الأسر والشركات في الولايات المتحدة فائضاً في المدخرات بنسبة 3.5% و1.6% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، وذلك خلال الفترة من 2008 إلى 2023، بل وحتى في الفترة من 1992 إلى 2007 كانت هذه القطاعات قريبة من التوازن، وبذلك لا يحتاج القطاع الخاص الأمريكي، في صافي حساباته، إلى مدخرات أجنبية، أما المقترض الصافي الأكبر في الاقتصاد الأمريكي فهو الحكومة الفيدرالية. ويشير هذا التحليل إلى أن الفائدة الأساسية، التي تجنيها الولايات المتحدة من تدفقات رأس المال الصافية المستمرة هي قدرتها على تحمل عجز مالي أكبر، ومن ثم توسيع حجم دينها العام، غير أن هذه المعادلة لا تبدو صفقة رابحة. وإذا قررت الحكومة خفض عجزها المالي مع استمرار التدفقات الرأسمالية الخارجية فستكون النتيجة الحتمية دفع القطاع الخاص نحو العجز، إما من خلال تراجع مستويات دخله - ما يعني ركوداً اقتصادياً - وإما عبر طفرة في إنفاقه، ما يؤدي إلى فقاعات في أسعار الأصول، وبشكل عام الميل الكبير والمستمر لتدفقات لرأس المال الأجنبي يكون إلى اقتراض غير مجدٍ أو انكماشات اقتصادية أو كليهما معاً، وهي المشكلة الأكبر. وفي دراسة حديثة نشرتها مؤسسة كارنيجي يسلط الباحثان مايكل بيتيس، وإريكا هوغان، الضوء على جانب سلبي آخر، يتمثل في أن كبح الاستهلاك في الصين ودول أخرى يؤدي إلى فوائض تجارية ضخمة، ما يتسبب بدوره في عجوزات كبيرة لدى شركائها التجاريين، حيث تنتهي الدول التي تعاني من هذه العجوزات التجارية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بقطاعات تصنيعية أصغر مقارنة بتلك التي تتمتع بفوائض تجارية. من جانبه، يطرح الاقتصادي البارز بول كروغمان رؤية مختلفة، مشيراً إلى أن القضاء على العجز التجاري الأمريكي لن يزيد القيمة المضافة للتصنيع الأمريكي سوى بمقدار 2.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن الاختلالات التجارية في حد ذاتها ليست ذات أهمية كبيرة. وتظهر دراسة بيتيس وهوجان أيضاً أن حجم قطاع التصنيع يرتبط بمستوى المدخرات، لكن الفرق بين متوسط حصص التصنيع الصينية والأمريكية في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2012 إلى 2022 بلغ 17 نقطة مئوية (28% في الصين مقابل 11% في الولايات المتحدة)، وهي فجوة تفوق بكثير الاختلاف بين الموازين التجارية للبلدين، ويرجح أن التفسير الأدق لهذه الظاهرة يكمن في تركيبة الطلب نفسها، حيث إن الاستثمارات التي تمولها المدخرات المرتفعة تخلق طلباً أكثر كثافة على السلع المصنعة، ما يفعله المستهلك العادي. باختصار، السبب الرئيسي للقلق بشأن اختلال التجارة العالمية لا يكمن في أثرها على الصناعة التحويلية، وهي مسألة ثانوية لدولة كأمريكا، بل يتعلق بالاستقرار المالي، وهذا ما يفسر ضرورة أن تكون عملية التكيف المالي جهداً تعاونياً عندما يكون المشاركون اقتصادات كبيرة، وذلك لأن الأمريكيين الذين يركزون على العجز المالي وحده يتجاهلون تماماً تأثيره على الطلب العالمي. ومن غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من تقليص عجزها الخارجي بمجرد رفع الرسوم الجمركية، ما لم تجعل تلك الرسوم عند مستويات شديدة الارتفاع تجعل الاستيراد شبه مستحيل. وفي غير هذه الحالة ستؤدي الرسوم في الأغلب لإعادة توزيع هيكل الإنتاج داخلياً، بحيث يتحول جزء منه من السلع المعدّة للتصدير إلى بدائل للسلع المستوردة، دون أن يكون لذلك تأثير ملموس على الميزان التجاري، أما إذا حاولت الولايات المتحدة معالجة عجزها الخارجي من خلال القضاء على العجز في موازنتها الحكومية فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ اقتصادي كبير. إن الولايات المتحدة ليست دولة صغيرة يمكنها تجاهل التداعيات العالمية لسياساتها، فإذا كانت تسعى لتحفيز نقاش عالمي حول الاختلالات من خلال تدخل سياسي فإن الخيار الأنسب لن يكون فرض تعريفات جمركية، بل تطبيق ضريبة على تدفقات رأس المال، وهذا الإجراء على الأقل سيستهدف فائض الإقراض الأجنبي، رغم أن الكيان الذي يحتاج فعلياً إلى تقليص اعتماده على هذا الإقراض هو الحكومة الأمريكية ذاتها. وقد يؤدي هذا، إذا تم إطلاقه، إلى نقاش عالمي من النوع، الذي تناولته دراسة متعمقة، أعدها ريتشارد سامانز لمؤسسة بروكينجز، حيث يقترح أن يركز هذا النقاش على السياسات المالية والنقدية والتنموية والتجارة الدولية، وهو اقتراح منطقي، إلا أنه يفترض نهجاً ذكياً وتعاونياً للسياسة، وهو ما يبدو احتماله ضعيفاً في الظروف الراهنة، والتلويح بالعصا قد يطلق بالفعل نقاشاً عالمياً، لكن ما يهم هو ما يأتي بعد التهديدات.