
التقويم الهجري تقويم قمري بدأ قبل الإسلام بقرنين واعتمده عمر بن الخطاب رسميًا بعد الهجرة بـ17 عامًا
في الوقت الذي أعلنت فيه عدة دول عربية حلول العام الهجري الجديد 1447، يعود الحديث مجددًا عن التقويم الهجري ، الذي يُعد أحد أبرز ملامح الهوية الإسلامية، ليس فقط لارتباطه بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل أيضًا لتاريخه الأقدم الذي سبق الإسلام بما يزيد على قرنين.
يعتمد التقويم الهجري على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، بخلاف التقويم الميلادي الشمسي المبني على حركة الأرض حول الشمس. وبذلك يتغير طول الشهور الهجرية بين 29 و30 يومًا حسب الرؤية الشرعية لهلال كل شهر.
وتُحدد بداية الأشهر الهجرية برؤية الهلال الجديد، سواء بالعين المجردة أو بالأدوات الفلكية، ما يجعل بداية الشهور تختلف أحيانًا من بلد إلى آخر، حسب إمكانية رؤية الهلال. ونتيجة لاعتماد التقويم على القمر، فإن السنة الهجرية تتقدم بمعدل 11 يومًا تقريبًا كل عام مقارنة بالسنة الشمسية، ما يجعل المناسبات الإسلامية تتنقل عبر فصول السنة.
لتقليل الفروق بين الدول الإسلامية في تحديد بدايات الشهور، اقترح عدد من علماء الفلك في مؤتمر "التقويم الفلكي الإسلامي" الثاني، الذي عُقد في عمّان عام 2001، ما يُعرف بـ"التقويم الهجري العالمي".
ويعتمد هذا النظام على تقسيم الكرة الأرضية إلى منطقتين:
المنطقة الشرقية (من خط طول 180 شرقًا إلى 20 غربًا).
المنطقة الغربية (من 20 غربًا وحتى الأمريكيتين).
وفي كل منطقة، يتم اعتماد رؤية الهلال في أي بقعة على اليابسة لتحديد بداية الشهر، بهدف تقليل الفجوة الزمنية بين الدول بحيث لا تزيد عن يوم واحد عالميًا، دون فرض بداية موحدة لكل العالم الإسلامي.
يعود أصل التقويم القمري الذي أصبح لاحقًا "هجريًا" إلى عام 412 ميلادية، عندما اجتمع زعماء القبائل العربية في مكة لتنظيم حياتهم القبلية والتجارية والدينية، بعد أن تسببت الخلافات حول تحديد الأشهر القمرية في فوضى تتعلق بمواسم الحج والتجارة.
شارك في هذا الاجتماع كلاب بن مرة، الجد الخامس للنبي محمد، وتم فيه الاتفاق على تحديد عدد الأشهر (12 شهرًا)، وتثبيت أسمائها التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم، وتحديد الأشهر "الحُرُم" الأربعة (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، رجب) التي يحرم فيها القتال.
الاعتماد الرسمي على التقويم الهجري
رغم أن التقويم الهجري يرتبط بهجرة النبي من مكة إلى المدينة عام 622 ميلادية، إلا أن العمل الرسمي به لم يبدأ إلا بعد 17 عامًا من الهجرة، خلال خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكان الهدف من ذلك وضع تأريخ موحد للدولة الإسلامية المتوسعة، فتم اختيار عام الهجرة كنقطة انطلاق للتقويم، ومن هنا جاءت تسميته بـ"الهجري".
قبل ذلك، كان يُعرف بـ"التقويم العربي"، وكان لكل قبيلة نظامها الخاص، مما تسبب في تداخل كبير بين الأحداث والمواعيد.
قبل الإسلام، كان العرب يضيفون أو يحذفون خمسة أيام من السنة القمرية، ويُطلق على هذه الأيام "النسيء". وكان الغرض منها موازنة السنة القمرية مع الفصول، أو التلاعب بتوقيت الأشهر الحُرُم إذا أرادت قبيلة خوض حرب.
وقد جاء الإسلام ليُحرّم النسيء، لما فيه من تحايل على ثوابت الزمن الديني والروحي، خاصة ما يتعلق بالحج والصيام، قائلاً في القرآن الكريم:
"إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ..." (سورة التوبة: 37).
دلالة أسماء الأشهر
ارتبطت أسماء الأشهر الهجرية بطبيعة الفصول أو عادات العرب:
ربيع الأول وربيع الآخر: سميا خلال فصل الربيع.
جمادى الأولى وجمادى الآخرة: جاءت تسميتهما في الشتاء، حينما "يجمد" الماء.
رمضان: من "الرموض" أي شدة الحر، حيث سُمي في وقت كان فيه الحر شديدًا.
ذو القعدة: لقعود العرب عن القتال فيه.
ذو الحجة: شهر أداء مناسك الحج.
المحرّم: لتحريم القتال فيه.
رجب: من "رجب النصال" أي نزعها من السهام، رمزًا للسلام.
صفر: سمي لأن البيوت كانت "تصفر" أي تُخلى، بسبب انشغال الرجال بالحرب.
شعبان: لتشعب الناس في الأنشطة بعد قعودهم في رجب.
رغم التطور الفلكي، لا تزال بعض الدول الإسلامية تختلف في إعلان بداية الشهور، خصوصًا رمضان وشوال وذي الحجة، لأسباب دينية، فقهية، وسياسية أحيانًا، ما يثير تساؤلات سنوية حول إمكانية توحيد التقويم الهجري عالميًا.
بينما يدعو الفلكيون لاعتماد الحساب العلمي، يتمسك آخرون بضرورة الرؤية الشرعية المباشرة التزامًا بالنصوص الدينية.
يمثل التقويم الهجري سجلًا تاريخيًا حيًّا يعكس تطور المجتمع العربي من الجاهلية إلى الدولة الإسلامية، ويُعد جزءًا أصيلًا من هوية الأمة. ورغم أن جذوره سبقت الإسلام، فإن طابعه الإسلامي وارتباطه بالشعائر والرموز الروحية لا يزالا حيّين في وجدان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ يوم واحد
- خبرني
تهنئة وتبريك
خبرني - انجز الدكتور زياد جلال الحنفي متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه من جمهورية مصر العربية في تخصص "الحلول المؤسسية وتكامل الأنظمة" وبذل الدكتور زياد مجهود كبير خلال السنوات الماضية قبل التفرغ لاعداد رسالة الدكتور ومناقشتها بطريقة علمية حظيت بتقدير من السادة الافاضل لجنة الاشراف والمناقشه على هذه الرسالة العلمية الفريدة من نوعها وقدر اهالي واسرة الدكتور والاصدقاء ما حققه ابنهم واخيهم داعين الله ان ينفع هذا الإنجاز العلمي الرفيع، الوطن والمجتمع، وأن يوفّقه في مسيرته المهنية والأكاديمية. ألف مبروك، ومزيدًا من التألق والتميّز.


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
أسرة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية تهنئ ولي العهد بعيد ميلاده
أخبارنا : ترفع أسرة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ممثلة برئيسها الأستاذ الدكتور خالد السالم وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية والطلبة، إلى مقام صاحب السمو الملكي الأمير الحُسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد المعظم، أسمى آيات التهنئة والتبريك بمناسبة عيد ميلاده الميمون. وفي هذه المناسبة السعيدة نتضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ سموه وأن يمُد في عُمره وأن يُمتعه بموفور الصحة والعافية والعزيمة لمواصلة دوره في خدمة الأردن العزيز، وأن يُديمه سندًا لقائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المُعظم حفظه الله وأعز مُلكه. وبهذه المناسبة، عبّر السالم عن اعتزازه واعتزاز أسرة الجامعة بهذه الذكرى العزيزة، مؤكدًا أن سمو ولي العهد يُجسد نموذجًا مُلهِمًا في القيادة الشابة والطموحة، التي تحمل رؤى عصرية تنسجم مع تطلعات الشباب الأردني وتُسهم في بناء مستقبلٍ مزدهر للمملكة. وأشار إلى أن سموه يُمثل السند الأمين لجلالة الملك عبدالله الثاني في حمل أمانة المسؤولية الوطنية، والمضيّ قدمًا في تنفيذ رؤية التحديث الشامل بمساراتها السياسية والاقتصادية والإدارية، بما يعزز مكانة الأردن إقليميًا ودوليًا. كل عام وسموكم بخير، وأنتم فخر الشباب الأردني وقدوتهم، وسند الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة.

عمون
منذ يوم واحد
- عمون
الدكتور زياد جلال الحنفي .. مبارك الدكتوراه
عمون - هنأ الأهل والأحبة الدكتور زياد جلال الحنفي بمناسبة إنهاء متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه من جمهورية مصر العربية في تخصص "الحلول المؤسسية وتكامل الأنظمة". وبذل الدكتور زياد مجهود كبير خلال السنوات الماضية قبل التفرغ لاعداد رسالة الدكتور ومناقشتها بطريقة علمية حظيت بتقدير من السادة الافاضل لجنة الاشراف والمناقشه على هذه الرسالة العلمية الفريدة من نوعها. وقدر اهالي واسرة الدكتور والاصدقاء ما حققه ابنهم واخيهم داعين الله ان ينفع هذا الإنجاز العلمي الرفيع، الوطن والمجتمع، وأن يوفّقه في مسيرته المهنية والأكاديمية. ألف مبروك، ومزيدًا من التألق والتميّز..