logo
الجميلة والوحش... وإخوة يوسف

الجميلة والوحش... وإخوة يوسف

العربي الجديدمنذ 2 أيام
لو حاولنا رواية ما يحدث في غزّة بعيداً من التحليلَيْن، السياسي والقانوني، سنخلص إلى وحشٍ يقود حرب إبادة ضدّ شعب كامل، بأحدث الأسلحة، ولا يكتفي، بل يستعمل التجويع لإنزال الموت البطيء من خلال فرض حصار مُحكَم، ثمّ يأتي العالم ويتوسّل إليه بأن يسمح بتمرير فتات الطعام إلى ضحاياه، ويقبل شروطه، ويتصرّف وكأنّ هناك قحطاً أو كارثة طبيعيّة في منطقةٍ نائيةٍ يصعب الوصول إليها، فيما نُغفِل القاتل ونطلب رضاه. وأهل غزّة هم أفضل من يكتب روايتهم، ولكنّني أحاول أن أكتب عارَنا ولن أنجح؛ هو عارٌ لن نستطيع غسله، بل نتابع ونشاهد كيف يأتي مزوّد أسلحة الوحش، ويُتحفنا بفيلم نزوله في غزّة على ظهر مقاتلةٍ حربيةٍ يتحقّق من المصيدة التي نصبها سيّده في البيت الأبيض، تحت مسمّى "مراكز إعانة وتوزيع" بكلّ برود، ليطمئننا بأنهم سيزيدون حجم الفتات. لكن ستيف ويتكوف لا يقبل (ولا يريد) أن يضمن توقّف عمليات القنص والقصف أو التجويع. مشهد لا يمكن أن يتخيّله أيّ كاتب فيلم ذعر في هوليوود، مع أنّ المقتلة مصوّرة حركةً وصوتاً، وتصل إلى مختلف أرجاء المعمورة. ويتكوف رسول الموت، الذي يلوم الضحية ويغذّي الوحش لينهش لحم الجميلة غزّة، ويجول في العواصم العربية بحرّية، ونحن مجرّد مشاهدين شلّنا العجز، وشلّ حكوماتنا الخوف على ضياع السلطة. لكن المشهد أقبح من ذلك. قبل ذلك يلتقي المجتمع الدولي والدول الكبرى في نيويورك للاعتراف بـ"دولة فلسطينية"، فيما الشعب الذي تُراد له الدولة يذوي، والوحش يقرض أراضيه في سلسلة من إرهاب الجيش الإسرائيلي في غزّة، وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين.
تلتقي دول في نيويورك للاعتراف بـ"دولة فلسطينية"، فيما الشعب الذي تراد له الدولة يذوي، والوحش الإسرائيلي يقرض أراضيه
طبعاً، راعي الوحش (يزوّده بطعام ويشحذ أظافره وأنيابه) يرفض (ويلعن) إعلان نيويورك، لأن الوحش الإسرائيلي وحده المخوّل بتقرير مصير الشعب الفلسطيني، فهو ملْك له، ينهشه متى يرغب، ويرميه متى يشاء. هي صورة قاتمة، لكن هناك نقطة ضوء، أو نقاط تضيء وتخفت، وسيّد البيت الأبيض يزداد جنوناً في سعيه لطمس أيّ بقعة منها، من تغيّر في الموقف الأوروبي (وإنْ جاء متأخّراً جدّاً) إلى (وهي الأهم) قوة موجة الشعوب التي تنتصر لفلسطين، ولا تكتفي بالتضامن معها فقط. أصبحت فلسطين قضيتها وليست قضيةً بعيدةً لشعب بعيد، بل هي ردّة روح في إنسانيتها وإرادتها التي أغشت بصيرتها أكاذيب الإعلام ولغة القوة.
الموجة الإنسانية التي يتوسّع هديرها هي مصدر الضوء الأقوى، الذي نحاول أن يبقى وينير لنا الطريق، لأن آهات الجوع وصرخات الموت تقبض على نفوسنا، وتحيلها كتلة حزنٍ وإحباطٍ وخوفٍ من استمرار المقتلة، كيف لا والدول الشقيقة والقريبة تتسابق على التطبيع مع الوحش، أي القبول بالوحش، والاعتراف بشرعية زجّه الشعب الفلسطيني في معسكر اعتقال في أرضهم، وتدخل معه لعبة إسقاط رزمات الطعام من الجو بدلاً من فتح بوابات السجن الكبير.
لن أزاود... ولن أدّعي أن أيّ مساعدة تصل إلى غزّة غير مفيدة؛ لكنّ نقاط الموت ينتجها الاستسلام لإملاءات الوحش، ويجعلنا شركاء في الجريمة، مهما كانت نيّاتنا أو أوهامنا، إذ إننا نأخذ الطريق الأسهل، فتبدأ الدول القريبة والشقيقة ببناء أحلامها بمستقبل مزدهر، وتنسى ألّا مستقبل يمرّ فوق أجساد أطفال غزّة.
ما تقدّم ليس إنشاءً، فلستُ بارعة في هذا اللون، ولكنّه حقيقةَ واقعِنا، ولا هروب من ذلك، إلا إذا أصبحنا فاعلين، فحين ينزل مئات الألوف في شوارع عشرات العواصم والمدن الأوروبية واللاتينية، وحتى في قلب أميركا نفسها، وتنشد "ليفا بالستينا" و"دمّي فلسطيني"، تُمنع المظاهرات، ويُمنع رفع علم فلسطين في بعض العواصم العربية، ويكاد يختفي من المهرجانات الغنائية والثقافية، وأصبح هناك ثمن يدفعه الفنان حين يتوشّح بالعلم الفلسطيني أو الحديث عن فلسطين بكلمة، فيما يرفع الفنّانون والجمهور العلم الفلسطيني في مهرجانات الموسيقى والسينما في العالم. تساهم دولنا في خفت الضوء، لخوفها من اشتعال شعلة التغيير، مع أنه ليس هناك معارضة قوية في دولة عربية تحاول الانقلاب عليها (أو تستطيع)، لكنّها ترى شرعيتها من الخارج، وليس من الداخل، فواشنطن أهم من الشعوب بأكملها.
لكنّ الخلل ليس في الدول فقط، يبعث أهل غزّة العزّة رسائل لتحويل أموال يسدّون بها حاجاتهم، بينما تتراكم الثروات في وطنه الأكبر، فيكتشف أهل غزّة أن لا وطن أكبر لهم، وأن "بلاد العُرب...". سيحاسبوننا يوماً، وجميعنا يستحقّ المحاسبة، وبالأخص من يخاف أن يفلت قرشاً من ثروته لشفاء جريح وإنقاذ حياة طفل غزّي، ومن لهث ويلهث ليثبت للعالم أنه حضاري "ويعشق إسرائيل"، بل وضع لائحة من الأعذار والحجج التي تفكّر فيها إسرائيل لتبرير جرائمها ووحشيتها.
تبني الدول القريبة والشقيقة أحلامها بمستقبل مزدهر، وتنسى ألّا مستقبل يمرّ فوق أجساد أطفال غزّة
هناك تغيير في العالم، وهذا المقال ليس دعوةً إلى التشاؤم، بل لمواجهة أنفسنا لئلا نبدّد هذا التحوّل، فالسكون هو استهتار بحياة كلّ فلسطيني، فإذا احتاج بعض الإعلاميين والسياسيين إلى 60 ألف شهيد فلسطيني للاستيقاظ، فإلى كم نحتاج نحن؟
طبعاً يأتيك السؤال ماذا نفعل؟... الخيارات صعبة، ولكن الشرط هو عدم اليأس، وهناك من يفعل كثيراً، فلننضمّ إليهم. أعترف أن ليس لدي الإجابات الأكثر نجاعةً، لكن المشاركة في حركة المقاطعة هي إحدى الإجابات، وإحدى الوسائل المهمة، بل مهمّة جدّاً. المشاركة في بعث التبرّعات، وفي نشر الوعي، فمن أصعب ما نواجهه يومياً هو شباب وشابّات لا يعرفون عن فلسطين شيئاً، ولا عن أوطانهم وقضاياهم العربية، ولا يفهمون ما يجري، ولا يستلهمون شباب العالم الذي أصبح خبيراً ومدافعاً بليغاً عن القضية الفلسطينية.
في المقابل؛ بزغ جيل ناشط لا يقبل الهوان ولا الاستسلام، ويتحدّث بقوة وشجاعة وفهم وعلم. صحيح أن طريقنا طويل، لكن واجبنا بثّ روح الأمل، لأنّ الهزيمة هي فقدان الأمل والثقة بالنفس، وليس لدينا رفاهية الاستسلام إذ يُرسَم مصيرنا. فما تفعله أميركا وإسرائيل واضح، ولا تخفيانه، تقولان لنا إننا منطقة نفوذ إسرائيلية، وليس لنا إلا السكوت على الجريمة، وأن نكون إخوة يوسف، وبذلك يكون خلاصنا الجمعي بخضوعنا وخنوعنا. غير أننا بذلك لا نفعل إلا أن نزيد شهية الوحش، الذي يرى وجوده واستمراره بإلغاء كينونتنا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رئيس مجلس النواب الأميركي يزور مستوطنة أرئيل: الضفة الغربية ملك شرعي لليهود
رئيس مجلس النواب الأميركي يزور مستوطنة أرئيل: الضفة الغربية ملك شرعي لليهود

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

رئيس مجلس النواب الأميركي يزور مستوطنة أرئيل: الضفة الغربية ملك شرعي لليهود

أفادت وسائل إعلام عبرية بأن رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون زار مستوطنة أرئيل في الضفة الغربية المحتلة ، اليوم الاثنين، بموافقة من البيت الأبيض، ليكون بذلك أعلى مسؤول أميركي يزور المستوطنات على الإطلاق. ووصفت صحيفة يسرائيل هيوم الزيارة بأنها "استثنائية"، إذ إنها أول زيارة على الاطلاق لشخصية بهذا المنصب إلى "السامرة"، وهي التسمية الإسرائيلية التي يطلقها الاحتلال على الجزء الشمالي من الضفة الغربية. وثائق شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس واجتمع جونسون في المستوطنة مع مجلس "ييشاع" الاستيطاني، وهو الهيئة الرسمية التي تمثل المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. ووفق الصحيفة العبرية، فإن الزيارة حصلت على موافقة البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، وحوفظ على سرّيتها بسبب الحساسية الأمنية. وشارك في الحدث "التاريخي"، وفق الوصف الإسرائيلي، جميع رؤساء السلطات المحلية الاستيطانية في الضفة، وأيضاً سفير الولايات المتحدة في مايك هاكابي، الذي كان بدوره قد استهل مهامه سفيراً لدى وصوله إلى تل أبيب في حينه بزيارة مناطق استيطانية قريبة من أرئيل. ورحّب رئيس مجلس "ييشاع" الاستيطاني يسرائيل غانتس بجونسون وأثنى على مشاركته في الزيارة، بينما قدّم له رئيس مجلس شومرون الاستيطاني يوسي داغان هدية، وشكر رئيس مستوطنة أرئيل يائير شاتبون هو الآخر المسؤول الأميركي الكبير على قدومه إلى "عاصمة السامرة" على حد تعبيره. ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس مجلس النواب الأميركي يُعتبر الشخصية الرابعة من حيث الأهمية في التسلسل الهرمي السياسي في الولايات المتحدة، بعد الرئيس ونائبه ورئيس مجلس الشيوخ. وتجدر الإشارة إلى أنه في نهاية الولاية الأولى للرئيس ترامب، قام وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو بزيارة المنطقة المُحتلة أيضاً. ونقلت الصحيفة العبرية قول جونسون، خلال الزيارة، إن "جبال يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) هي ملك شرعي للشعب اليهودي"، وانتقاده حلفاء إسرائيل الذين يدعون للاعتراف بدولة فلسطينية. واختتم جونسون تصريحه بالقول إنه "مع بدء الاحتفالات بمرور 250 عاماً على تأسيس الولايات المتحدة، يجب على أميركا أن تستغل هذه الفرصة من أجل تذكير الشعب الأميركي بالجذور اليهودية - المسيحية التي نشأت في أرض إسرائيل". أخبار التحديثات الحية جونسون يرفض مشروع قانون المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل وغض جونسون الطرف بذلك عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق المقدسات المسيحية إلى جانب الإسلامية، والتضييق على المسيحيين والمسلمين حتى في مناسباتهم وأعيادهم، والاعتداءات المتكررة من قبل يهود إسرائيليين على رجال دين مسيحيين في القدس والضفة، والداخل الفلسطيني، فضلاً عن استهداف إسرائيل مواقع مسيحية منها كنائس، في إطار حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة. من جانبه، يرى مجلس "ييشاع"، الذي عمل خلف الكواليس خلال الأشهر الأخيرة لتنظيم الزيارة والدفع بها قدماً، بوصول جونسون خطوة تمنح شرعية للاستيطان الإسرائيلي الذي كان موضع جدل سنوات طويلة. يذكر أن المجلس الاستيطاني نفسه كان وراء قرار الكنيست، قبل نحو أسبوعين، تأييد فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. كما يعتقد المسؤولون في المجلس أن في هذه الزيارة لرئيس مجلس النواب إشارة أميركية تفيد بأن الإدارة الأميركية لا ترفض خطوة السيادة.

ويتكوف يزور موسكو وكييف تعلن مقتل أكثر من مليون جندي روسي منذ بدء الحرب
ويتكوف يزور موسكو وكييف تعلن مقتل أكثر من مليون جندي روسي منذ بدء الحرب

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

ويتكوف يزور موسكو وكييف تعلن مقتل أكثر من مليون جندي روسي منذ بدء الحرب

أعلن الجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب إلى مليون و57 ألفاً و140 فرداً، في حين أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 أن مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف سيزور روسيا الأسبوع المقبل، ويأتي ذلك مع اقتراب انتهاء المهلة التي سبق أن حددها لموسكو لاتخاذ خطوات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما يأتي في ظل تصاعد التوتر مع الكرملين. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1952، أي بعد 7 سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي فقد فيها شقيقه الأكبر وأصيب فيها والده، عمل 16 عامًا في جهاز الاستخبارات الروسي، ثم رئيسًا للوزراء عام 1999، ورئيسًا مؤقتًا في نفس العام، وفاز في الانتخابات الرئاسية: 2000، 2004، 2012، 2018، 2024 قد التقى ويتكوف مرات عدة في موسكو، قبل أن تتوقف بشكل مفاجئ جهود ترامب لإصلاح العلاقات مع الكرملين. وقال ترامب إنه يعتقد أن ويتكوف سيزور روسيا "الأسبوع المقبل، الأربعاء أو الخميس"، وعندما سأله الصحافيون عن الرسالة التي يحملها ويتكوف إلى موسكو وما إذا كان هناك أي شيء يمكن لروسيا أن تفعله لتجنب العقوبات، أجاب الرئيس الأميركي: "نعم، التوصل إلى اتفاق يوقف تعرض الناس للقتل". وسبق لترامب أن هدد بأن العقوبات الجديدة قد تعني فرض "رسوم جمركية ثانوية" تستهدف شركاء روسيا التجاريين المتبقين، مثل الصين والهند. ورغم الضغوط التي تمارسها واشنطن، فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا لا يزال مستمراً. وقال بوتين، الذي رفض باستمرار دعوات وقف إطلاق النار، يوم الجمعة الماضي، إنه يريد السلام لكن مطالبه لإنهاء غزوه لأوكرانيا، المستمر منذ نحو ثلاث سنوات ونصف، "لم تتغير"، وتشمل هذه المطالب تخلي أوكرانيا عن أراضٍ في الشرق، وانهاء طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ويهدّد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا إذا لم يوقف بوتين الحرب على أوكرانيا. ومع استمرار العد التنازلي لانقضاء المهلة التي حددها ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا، البالغة عشرة أيام وتُحسب اعتباراً من تاريخ 29 يوليو/تموز الماضي، لا تبدو روسيا متخوفة من تحقيق سيد البيت الأبيض وعيده بفرض رسوم تصل إلى 100% على مشتري موارد الطاقة الروسية، وفي مقدمتهم الصين والهند اللتان تعتمد عليهما موسكو ملاذاً بديلاً لصادراتها النفطية بعد إغلاق السوق الأوروبية. أخبار التحديثات الحية ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين رداً على تصريحات روسية "استفزازية" مقتل مليون و57 ألف جندي روسي منذ بدء الحرب إلى ذلك، أعلن الجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب على الأراضي الأوكرانية إلى مليون و57 ألفا و140 فردا، من بينهم 1010 قتلوا، أو أصيبوا، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. جاء ذلك وفق بيان نشرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم). وبحسب البيان، دمرت القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب 11069 دبابة، منها دبابة واحدة أمس الأحد، و23079 مركبة قتالية مدرعة، و31053 نظام مدفعية، و1452 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و1203 من أنظمة الدفاع الجوي. وأضاف البيان أنه تم أيضا تدمير 421 طائرة حربية، و340 مروحية، و49451 طائرة مسيرة، و3553 صاروخ كروز، و28 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و57244 من المركبات وخزانات الوقود، و3935 من وحدات المعدات الخاصة. ثلاثة قتلى في أوكرانيا وميدانياً، أعلنت السلطات الأوكرانية عن مقتل ثلاثة أوكرانيين، أمس الأحد، جراء هجوم روسي على بلدة ستيبنوهرسك في منطقة زابوريجيا بجنوب شرق أوكرانيا. وقال حاكم المنطقة إيفان فيدوروف على تطبيق تليغرام إن الأشخاص الثلاثة قُتلوا "في الهجوم الذي شنته روسيا نهاراً على بلدة ستيبنوهرسك. وأسفر الهجوم أيضاً عن تدمير منازل". وجاءت تصريحات فيدوروف وسط تقارير في الأيام الأخيرة عن تحرك عسكري روسي جديد في شرق وجنوب شرقي أوكرانيا. وتركز القوات الروسية حملتها على أجزاء من منطقة دونيتسك، شرق أوكرانيا، لا سيما منطقة بوكروفسك اللوجستية التي تتعرض لهجوم روسي منذ أشهر. وقالت وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس إن قواتها حققت مكسبا كبيرا بالسيطرة على بلدة تشاسيف يار في الشمال الشرقي بعد أشهر من القتال، رغم أن أوكرانيا لم تعترف بذلك. وقالت وزارة الدفاع الروسية، أول أمس السبت، إنها سيطرت على قرية أخرى أقرب إلى بوكروفسك. وقال أوليكساندر سيرسكي، قائد الجيش الأوكراني، في منشور على فيسبوك، السبت، إن القوات الأوكرانية واجهت أعنف المعارك حول بوكروفسك وفي قطاعين آخرين، وأضاف أن القوات الأوكرانية أنشأت "احتياطيات لمكافحة التخريب، مهمتها البحث عن مجموعات الاستطلاع والتخريب المعادية وتدميرها". (فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)

حرب ترامب التجارية: جنون أم استعمار مكنون؟
حرب ترامب التجارية: جنون أم استعمار مكنون؟

العربي الجديد

timeمنذ 11 ساعات

  • العربي الجديد

حرب ترامب التجارية: جنون أم استعمار مكنون؟

في خطوة تختزل ثلاثية العظمة، والجشع، والابتزاز، وقَّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس 31 يوليو/ تموز الماضي، أمراً تنفيذياً يُفعِّل فرض رسوم جمركية جديدة على شريحة واسعة من الشركاء التجاريين للولايات المتّحدة، على أن تدخل حيِّز التنفيذ بدءاً من السابع من أغسطس/ آب الحالي. تمثِّل هذه الخطوة تصعيداً مهماً في أجندته الاقتصادية ضدّ الدول التي لم تسارع بتوقيع صكوك الولاء التجارية. شملت الإجراءات الجديدة فرضَ رسوم بنسبة 39% على واردات سويسرا، و35% على كندا، و30% على جنوب أفريقيا، و25% على الهند، و20% على تايوان، و15% على كلّ من الاتّحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، بينما احتفظت دول كالمملكة المتّحدة بالمستوى السابق البالغ 10%، في حين كانت الرسوم على السلع الأوروبية قبل تولِّي ترامب حكمَ البيت الأبيض لا تتجاوز 4.8% في المتوسِّط. حوَّل الرئيس ترامب الرسوم الجمركية إلى سلاحٍ سياسي بيده، يُخضع به خصومه، ويُجبر الدول من خلاله على الانصياع لتقلُّبات رأيه. ففي منعطفٍ صادم، نفَّذت واشنطن تهديداتها مُبكِّراً يوم الأربعاء 30 يوليو الماضي بفرض رسوم تصل إلى 50% على البرازيل، انتقاماً لمحاكمة حليفه اليميني المتطرِّف الرئيس السابق جايير بولسونارو. حوَّل ترامب الرسوم الجمركية إلى سلاحٍ سياسي بيده، يُخضع به خصومه، ويُجبر الدول من خلاله على الانصياع لتقلُّبات رأيه وتتكرَّر اللعبة مع كندا، التي يختزلها ترامب في كونها مجرَّد "ولاية محتملة" تحت حكم بلاده، فلم يتردَّد في استغلال موقف أوتاوا الداعم لفلسطين ذريعة لنسف أي اتّفاقٍ بين البلدين. حتى الهند، التي لطالما وصفها ترامب بـ"الصديق الجيِّد"، فوجئت بإقرار رسوم بنسبة 25% على خلفية شرائها السلاح والطاقة من روسيا، الأمر الذي يُجسِّد تحوُّل التجارة إلى ميدان انتقام، تُستباح فيه قوانين الاقتصاد تحت وطأة إملاءات السياسة. في انعطافة هزّت موازينَ التجارة العالمية، أشعل الرئيس ترامب فتيل ما سمّاه "التعرفة الجمركية المتبادلة" في "يوم التحرير" في الثاني من إبريل/ نيسان الماضي، مُطلِقاً وابلاً من الرسوم غير المسبوقة على صادرات العديد من الدول إلى أميركا. ولم يكد ينتهي الشهر حتى أمهلَها مهلة تسعينيّة، جمَّد خلالها القرار حتى التاسع من يوليو الماضي، ثمّ مدَّده إلى غاية أغسطس الحالي. وبانقضاء المهلة دون استجابة كاملة لمطالب واشنطن، أقدم ترامب على خطوته الحاسمة، وفعَّل الرسوم الجائرة على الدول المتماطلة، مُتذرّعاً بتقليص العجز التجاري الذي وصفه بالخطر الداهم على الاقتصاد والأمن القومي الأميركي، فيما تُلمِّح تحليلات خلف الجدران السياسية إلى أنّ أحد الأهداف الخفيَّة هو تمويل التخفيضات الضريبية المحليّة. موقف التحديثات الحية مهلة رسوم ترامب بين فوضى التجارة وجنون السياسة في مسعاه لفرض هيمنته التجارية على العالم، نجح الرئيس ترامب جزئياً عبر عقد صفقات ثنائية مع أطرافٍ ك الاتِّحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية، لكن أحلامه الطموحة تحطَّمت على صخرة الواقع، حين فشل في تحقيق وعده الشهير "90 اتِّفاقية خلال 90 يوماً". فبعد مرور 120 يوماً بعد "يوم التحرير"، لم تُبرم إدارته سوى ثمانية اتّفاقات بشكل يتناقض مع أهدافه المُعلنة. وقد تجلّى هذا الإخفاق جلياً مع دولٍ ككندا والبرازيل والمكسيك وتايوان والهند، حيث قابل ترامب تردُّدها بفرض رسوم جمركية صادمة. أمّا على الجانب الصيني، فقد أسدل الطرفان الستار مؤقَّتاً على حربهما التجارية بهدنة هشّة شملت تعليقاً جزئياً للرسوم وتأجيلاً لبعضها، بينما ظلَّت أخرى سارية المفعول. ولم يُخفِ ترامب تردُّده في تمديد هذه الهدنة بعد انتهائها المُقرَّر في 12 أغسطس الحالي، تاركاً باب الاحتمالات مفتوحاً بين تفعيل الرسوم الهائلة أو استئناف المفاوضات. ورغم غياب بكين عن المشهد الأخير، فإنّها تظلّ المتغيِّر الأصعب في معادلة ترامب، الأمر الذي أكَّدته جولات المفاوضات المُكثَّفة خلال الفترة الأخيرة من جنيف في مايو/ أيّار إلى لندن في يونيو/ حزيران الماضيين، وانتهاءً بجولة استوكهولم الأخيرة. لا تقف تداعيات رسوم ترامب عند حدود الحرب التجارية، بل تتحوَّل إلى تسونامي اقتصادي يكتسح آليات التسعير العالمية، ويُغذِّي نيران التضخُّم. فالرسوم الجمركية، في جوهرها لا تقف تداعيات رسوم ترامب عند حدود الحرب التجارية، بل تتحوَّل إلى تسونامي اقتصادي يكتسح آليات التسعير العالمية، ويُغذِّي نيران التضخُّم. فالرسوم الجمركية، في جوهرها، ما هي إلا ضرائب مُقنّعة ترفع تكلفة الواردات، فتنعكس فوراً على المستهلك الأميركي والمنتج الوسيط. والأمر لا يتوقَّف عند هذا الحدّ، فتراخي المنافسة المحلية بفعل الحماية الجمركية يُمكِّن الشركات من رفع الأسعار ويخنق روح الابتكار. كما تُربك العواصف التجارية التخطيط طويل المدى وتُعطِّل الاستثمار العالمي، لتُشعل فتيل تضخّم عابر للقارات يرفع تكاليف الواردات ويُبطئ النمو. تُهدِّد هذه العوامل مجتمعة مستويات المعيشة في أميركا، مُؤكِّدة القاعدة التاريخية "البلد المُشهر للرسوم هو الخاسر الأكبر". والأخطر أنّ تهوُّر هذه السياسات قد يشوِّش بوصلات البنوك المركزية، ويجعلها عاجزة عن التوفيق بين كبح التضخُّم ودعم النمو، الأمر الذي قد يدفع اقتصادات كبرى إلى حافة الركود. من غير المستبعد أن تدفع المنطقة العربية ثمناً غير مباشر لحروب ترامب التجارية التي تُنهك سلاسل التوريد وتُلهب تكاليف النقل، وتفاقم تقلُّب أسعار السلع الأساسية، وتعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي. فبعد أن فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية على دول عربية، تراوحت بين 15% للأردن، و25% لتونس، و30% للجزائر وليبيا، و35% للعراق، و41% لسورية، تواجه الأسواق الناشئة، وعلى رأسها مصر، خطر انكماش تدفُّقات الاستثمارات قصيرة ومتوسّطة الأجل، وهي شريانٌ حيوي لتعزيز احتياطاتها النقدية وتمويل العجز. اقتصاد دولي التحديثات الحية تباين داخل الاتحاد الأوروبي تجاه الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة لا تقتصر هذه التبعات على تقلُّبات الأسعار فحسب، بل تمتدّ لتهديد الاستقرار المالي الإقليمي ككلّ، في مشهدٍ يُحوِّل السياسات التجارية إلى قوّة تدميرية تضعف نسيج الاقتصادات الهشّة. خلاصة القول، تدلّ الرسوم الجمركية، التي باتت سيفاً مسلَّطاً على رقاب حلفاء الولايات المتّحدة ككندا والهند رغم طاولات المفاوضات، على تمسُّك ترامب بالنهج الجديد الذي يحوِّل التجارة إلى سلاح دائم لإملاء شروط الهيمنة. إنّها مراجعة جذرية للنظام العالمي تُصاغ بمفردات المصلحة الأميركية الخالصة، حيث تذوب قواعد الاقتصاد في بوتقة السياسة، فتمزج بين المصلحة الوطنية والرهانات الانتخابية والمشاريع الجيوسياسية. لذلك ينبغي على الدول النامية، ولا سيَّما العربية منها، أن تتجاوز مجرَّد التكيّف مع هذه العاصفة، وتتَّجه نحو تشذيب استراتيجياتها بذكاء ودهاء، من خلال تنويع الشراكات، وتعزيز الإنتاج المحليّ، وصياغة تحالفات إقليمية تفاوضية تصمد أمام الأعاصير القادمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store