
الاقتصاد السوري بعد الأسد.. بين إرث الانهيار وتحديات التحول
وتحاول القيادة الحالية إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري منتقلة من نموذج مركزي بيروقراطي إلى اقتصاد السوق الحر، في محاولة لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، والانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " الاقتصاد السوري.. تحديات التحول نحو نظام السوق ومواجهة إرث النظام السابق" للباحث عبد العظيم المغربل بحثت الواقع الاقتصادي لسوريا في ظل الظروف السياسية الراهنة، وناقشت رؤية الحكم الجديد للبلاد والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى المآلات التي تنتظر دمشق في ظل الظروف الجيوسياسية الإقليمية والدولية المتقلبة.
اقتصاد هش وإرث ثقيل
يعاني الاقتصاد السوري من تشوهات كبيرة في بنيته وقطاعاته، وهي تشكل تحديا للحكومة السورية، من أهمها:
وضع سياسي هش:
ورثت الحكومة السورية نظاما سياسيا منهارا إثر هروب بشار الأسد من البلاد إلى روسيا، إلى جانب وجود مطالبات باللامركزية الإدارية من قبل ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية الموجودة شرق الفرات، وبعض الفصائل الدرزية جنوب البلاد.
وقد أطلقت الإدارة السورية الجديدة مؤتمر الحوار الوطني، ومن أهم التحولات التي تشهدها سوريا في هذه المرحلة اعتماد نموذج السوق المفتوح، حيث يؤدي القطاع الخاص دورا محوريا، وسيؤدي إلى انفتاح سوريا تجاه الدول الإقليمية والعالمية بشكل أكبر ويعزز اندماجها بالاقتصاد العالمي.
وتشير الدراسة إلى أن وضع الاقتصاد السوري حاليا يتميز بـ"الهشاشة البنيوية"، حيث لا تزال آثار الحرب تهيمن على مختلف نواحي الحياة، فقد أدى القتال والدمار إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة هائلة.
وتعاني البلاد من نسب فقر كارثية، إذ يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضاعف الفقر المدقع إلى 66%، في حين تبلغ معدلات البطالة 25%، ويعتمد نحو 75% من المواطنين على المساعدات الإنسانية، كما تراجعت العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، مما أفقدها دورها في التداول المحلي لصالح الدولار.
وركزت القيادة السورية جهودها منذ اليوم الأول نحو الحصول على الشرعية السياسية ورفع العقوبات ودمج سوريا في النظام العالمي وإعادة تفعيل القطاع التجاري، وسينعكس هذا على تحسين المؤشرات الكلية تدريجيا.
تراجع قطاعات الإنتاج الحيوية:
خلال سنوات الحرب تعرضت القطاعات الإنتاجية الرئيسية لتدمير واسع، وأدت إلى تهجير اليد العاملة الخبيرة وتدمير المنشآت الصناعية وحرق الأراضي الزراعية، وتعرضت رؤوس الأموال للضغط والابتزاز وغيرها من الإكراهات.
وبعد سقوط النظام بدأت هذه القطاعات تسعى إلى تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الرئيسية التي تساعدها على الاستمرار فقط.
وعلى صعيد إجراءات الحكومة بدأت العمل على إصلاح القطاع الزراعي والصناعي، وسط رغبة محلية وعربية بضخ استثمارات في هذين القطاعين عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية ومحاولة تأمين الطاقة اللازمة لتشغيل القطاعين.
تشير التقديرات الدولية إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ400 مليار دولار، فالبنى التحتية مثل الكهرباء والماء والطرقات تحتاج لإعادة تهيئة وإصلاح، بل وإنشاء بنى جديدة لها.
ويبدو أن الحكومة السورية تراهن على مزيج من التمويل الخليجي والدولي كخطة مشابهة لمشروع مارشال لإعادة إعمار البلاد، وتركز جهودها على جذب مشاريع استثمارية كبرى.
قطاع تجاري مترهل:
تأثرت خطوط الإمداد والنقل وسلاسل الإمداد والتوريد إلى حد كبير خلال الحرب في سوريا بسبب النشاط العسكري الذي حصل والانقسامات في الجغرافيا العسكرية والسياسية داخل البلاد وغياب القوانين الضابطة والناظمة للعمل التجاري، إلى جانب فرض العقوبات.
وتعمل الحكومة السورية على ضبط الاقتصاد غير الرسمي، سواء على مستوى مكافحة الفساد والتهريب وغيرها.
لا تزال الحياة المعيشية للمواطنين السوريين تعتمد إلى حد كبير على التحويلات الخارجية والمساعدات الإنسانية وبعض الأعمال الحرة في ظل وجود مؤشرات تضخم وبطالة مرتفعة، خاصة أن الإدارة الجديدة أعلنت التحول نحو اقتصاد السوق الحر، في حين كان الاقتصاد إلى عهد قريب جدا يعتمد على الحكومة بشكل مركزي.
وقد جعلت الحكومة الانتقالية من أهم أولوياتها محاربة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس المساءلة والشفافية والتركيز على حماية المواطنين وتعزيز الاستقرار، لكن تحقيق نتائج على صعيد هذه الأولويات فضلا عن أن تنعكس على حياة المواطنين اليومية يحتاج إلى مسار ليس بالقصير.
تراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار خلال سنوات الحرب، وجرى اعتماد الدولار بدلا من الليرة، وذلك نتيجة السياسات النقدية غير العقلانية والتي أدت إلى انتهاء الاحتياطي من العملات الأجنبية وطباعة كميات ضخمة من الليرة السورية، وغياب الثقة بالنظام المصرفي، إلى جانب العقوبات المفروضة على البنوك، خصوصا البنك المركزي.
وعملت الحكومة الجديدة على إعادة تفعيل القطاع المالي والنقدي وضخ الثقة به، فاستأنفت سوق دمشق للأوراق المالية التداول بعد 6 أشهر من التوقف، مما يشير إلى أن الاقتصاد السوري بدأ يتعافى، وأن سوريا تحولت من اقتصاد مركزي يديره القطاع العام واقتصاد الظل إلى اقتصاد قائم على الحرية الاقتصادية.
الآفاق المستقبلية.. فرص مشروطة بنجاح الإصلاح
ترى الدراسة أن الفرصة اليوم متاحة أمام سوريا لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال السنوات العشر المقبلة، شريطة استمرار الإصلاحات واستقرار البيئة السياسية والأمنية، فالنمو المتوقع في القطاعين الزراعي والصناعي قد يسهم في تقليص البطالة وتحقيق الأمن الغذائي، كما أن فتح سلاسل التوريد وخطوط النقل تدريجيا سيعزز التجارة الداخلية والخارجية.
وفي حال استمرت الاستثمارات الخليجية والتركية وتوفرت الشفافية والثقة لدى المانحين فقد تتمكن سوريا من تجاوز "مرحلة الإغاثة" والانتقال إلى مرحلة "التنمية المستدامة".
وتتوقع الحكومة انخفاضا تدريجيا في معدلات التضخم والبطالة خلال 5 سنوات، بالتزامن مع تحسن العملة الوطنية وانخفاض الاعتماد على الدولار.
اختبار كبير
وتخلص الدراسة إلى أن مستقبل الاقتصاد السوري يعتمد أساسا على قدرة الحكومة على خلق بيئة سياسية مستقرة، واستكمال مسار العدالة الانتقالية، وضبط الأمن الداخلي، وبناء مؤسسات كفؤة وشفافة.
وتبقى إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري -كمجتمع منفتح قائم على اقتصاد السوق- مرهونة بجدية الحكم الجديد في محاربة الفساد، وبناء الثقة، والتفاعل النشط مع المجتمع الدولي.
ورغم أن الطريق لا يزال طويلا فإن التحولات الجارية -سياسيا واقتصاديا- تشير إلى لحظة حاسمة في تاريخ سوريا، وفرصة لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، ربما تكون الأعمق منذ الاستقلال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. حماس تتمسك بمطالبها وواشنطن تأمل التوصل لاتفاق خلال أيام
في اليوم الـ642 من حرب الإبادة على غزة، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن غزة لن تستسلم وإن المقاومة هي التي ستفرض الشروط كما فرضت المعادلات.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
عراقجي: مهتمون بالدبلوماسية وكنا على أعتاب إنجاز تاريخي مع ويتكوف
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، اليوم الثلاثاء، إن طهران لا تزال مهتمة بالدبلوماسية، مضيفا أنه و ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب كانا "على أعتاب إنجاز تاريخي" قبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية. وأشاد عراقجي، في مقال نُشر في صحيفة فايننشال تايمز، بجهود ترامب في المفاوضات السابقة، في إشارة جديدة إلى أن المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني قد تستأنف قريبا. وكتب عراقجي يقول: "في 5 اجتماعات فقط على مدى 9 أسابيع، حققت أنا والمبعوث الأميركي أكثر مما حققته خلال 4 سنوات من المفاوضات النووية مع إدارة (جو) بايدن الفاشلة. كنا على أعتاب إنجاز تاريخي". وأضاف وزير الخارجية الإيراني أن الطرفين كانا على بعد 48 ساعة من اجتماع سادس حاسم عندما شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية وبنية تحتية للصواريخ الباليستية في 13 يونيو/حزيران الماضي. وقال عراقجي "لا تزال إيران مهتمة بالدبلوماسية، لكن لدينا أسباب وجيهة للشك في إمكانية إجراء المزيد من الحوار. إذا كانت هناك رغبة في حل هذه المسألة، فعلى الولايات المتحدة أن تُظهر استعدادا حقيقيا لاتفاق عادل". وأضاف أن طهران تلقت رسائل في الأيام القليلة الماضية تشير إلى أن واشنطن ربما تكون مستعدة للعودة للمفاوضات، مؤكدا التزام إيران "ببرنامج نووي سلمي تحت مراقبة الأمم المتحدة باعتبارنا دولة موقعة على معاهدة منع الانتشار النووي". وعن الحرب الإسرائيلية على إيران قال عراقجي "لا ينبغي تفسير التزامنا بالتصرف بمسؤولية لتجنب حرب إقليمية شاملة على أنه ضعف"، وأكد أن " طهران قاومت العدوان بقوة حتى اضطرت إسرائيل إلى الاعتماد على ترامب لإنهاء الحرب التي بدأتها"، مشددا على أن إيران ستهزم أي هجوم عليها في المستقبل. يشار إلى أنه خلال اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء أمس الاثنين، قال ترامب للصحفيين "حددنا موعدا لمحادثات مع إيران، وهم.. يريدون التحدث". وأكد ترامب للصحفيين رغبته في رفع العقوبات عن إيران في وقت ما. وقال "أود أن أتمكن، في الوقت المناسب، من رفع تلك العقوبات". وبعدها قال ويتكوف إن الاجتماع سيُعقد خلال الأسبوع المقبل أو نحو ذلك. استعداد أوروبي وفي الإطار ذاته، أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الثلاثاء عقب محادثة هاتفية مع عراقجي استعداد بروكسل لتسهيل استئناف المفاوضات مع طهران بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. وكتبت كالاس، على منصة "إكس"، أنّه في أعقاب الضربات الإسرائيلية والأميركية على إيران فإنّ "استئناف المفاوضات الرامية لإنهاء البرنامج النووي الإيراني ينبغي أن يتمّ في أقرب وقت ممكن"، وكذلك أيضا "التعاون" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية أن "الاتّحاد الأوروبي مستعد لتسهيل هذا الأمر"، محذرة من أن "أي تهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي لا يساعد في تخفيف التوترات. هذا ما قلته (لعراقجي) اليوم". وفي وقت سابق اليوم، قال مصدر دبلوماسي فرنسي إنه سيتعين على القوى الأوروبية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي يضمن المصالح الأمنية الأوروبية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الحوثيون يبثون مشاهد لإغراق السفينة "ماجيك سيز"
بث الإعلام الحربي التابع لجماعة الحوثي مشاهد استهداف وإغراق السفينة "ماجيك سيز" في البحر الأحمر بعد هجوم نفّذته الجماعة الأحد الماضي. وقد أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم على الناقلة "ماجيك سيز" التي ترفع العلم الليبيري وتديرها شركة يونانية قبالة جنوب غرب اليمن، وقالوا إن السفينة غرقت. وجاء الهجوم بعد توقف دام أشهرا عدة في الهجمات التي ينفذها الحوثيون في اليمن على سفن تجارية يؤكدون أن لها صلة بإسرائيل في الممر المائي الحيوي. وهذه هي المرة الأولى منذ يونيو/حزيران 2024 التي يُقتَل فيها بحارة في هجمات على سفن بالبحر الأحمر، ليرتفع إجمالي قتلى هذه الهجمات إلى ستة. وفي هجوم آخر، قُتل اثنان من أفراد طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" التي ترفع العلم الليبيري في هجوم استهدفها في البحر الأحمر مساء الاثنين. وقال مسؤول في عملية "أسبيدس" التابعة للاتحاد الأوروبي، والمكلفة بالمساعدة في حماية حركة الشحن في البحر الأحمر، إن الهجوم على "إتيرنيتي سي" على بُعد 50 ميلا بحريا إلى الجنوب الغربي من ميناء الحُديدة اليمني هو الثاني على سفينة تجارية في المنطقة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وكانت "إتيرنيتي سي" تُقِل على متنها طاقما يضم 22 فردا، وهم 21 فلبينيا وروسي واحد، قبل تعرضها لهجوم بقوارب مسيّرة وقذائف صاروخية أُطلقت من قوارب سريعة مأهولة.