logo
المعاصي بريد الكفر

المعاصي بريد الكفر

أخبارنامنذ 3 أيام
من جميل كلام السلف عليهم رحمات الله: "المعاصي بريد الكفر".
والحديث هنا عن كل ذنب خلا الشرك، وهم في ذلك لا يقصدون أن ذنبا ما في نفسه كفر، فمن المعلوم عند أهل السنة أن اقترافُ المعاصي بمفرَدِه لا يُخرجُ من دينِ اللهِ، ولا يوقِعُ صاحِبَه في الرِّدَّةِ، يقول الطَّحاوي في عقيدته: "ولا نُكَفِّرُ أحدًا من أهلِ القِبلةِ بذَنبٍ ما لم يَستحِلَّه"، ثم عَقَّب على ذلك بقَولِه: "ولا نقولُ: لا يَضُرُّ مع الإيمانِ ذَنبٌ لِمن عَمِلَه".
وذلك لأنَّ أهلَ السُّنَّةِ يَرَون أنَّ فِعلَ المعاصي ـ ولقاء الله بها من غير توبة ـ مُتوَعَّدٌ عليه بالعذاب والعِقاب الأُخروي، وأنَّها تؤثِّرُ على الإيمانِ مِن حيثُ زيادتُه ونُقصانُه، لا من حيثُ بَقاؤُه وذَهابُه.
ومن المتفق عليه بين أهل الحق كذلك أن الإصرار "وهو البقاء على المعصيةِ مع العِلمِ بها دونَ استغفارٍ أو توبةٍ" لا يدل على الاستحلال، فكم من عاص تغلبه الشهوة، فيستمر على الذنب مع اعتقاده تحريمه، وكراهة قلبه له.. وقد يكون في قلب صاحبه من محبة الله شيء كثير رغم عصيانه؛ كما روى البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ!! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
والإنسان يعلم هذا من نفسه، فقد يبتلى بذنب يقيم عليه، مع اعتقاده تحريمه، ورجائه التخلص منه، وكثرة دعائه لله أن يغفر له ويعفو عنه. وإنما التحذير من الإصرار كونه قد يقود إلى الاستحلال.
وإنما مقصود السلف من قولهم هذا أن المعاصي قد تكون طريقا إلى الكفر، وسببا موصلا إليه، لا أنها في ذاتها كفر، ولهذا قالوا: "المعاصي بريد الكفر، كما أن القبلة بريد الجماع، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت". فيخشى على صاحبها الواقع فيها المُصِر عليها غيرِ التائبِ منها أن يُختَم له بخاتمة السوء والعياذ بالله.
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باب ما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة، لقوله تعالى {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
قال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري: "مراده أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة، يخشى منها أن يُعاقَب صاحبُها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص، وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما يقال إن المعاصي بريد الكفر". [فتح الباري لابن رجب:1/181].
كيف تؤدى المعاصي للكفر
سبب ذلك أن الذنوب يجر بعضها بعضا، ويدعو بعضها إلى بعض، فإن من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها، كما أن من بركة الحسنة الحسنةَ بعدها. فتكثر عليه الذنوب فتهلكه، وقد حذر النبي أمته من ذلك فقال: (إيَّاكم ومحَقَّراتِ الذُّنوبِ؛ فإنَّهنَّ يجتَمِعْنَ على الرَّجُلِ حتى يُهلِكْنَه)[الطبراني والبيهقي].
فإما أن تهلكه كثرتها، فتغلب سيئاته حسناته فيهلك، وإما أن يتدرج به الشيطان من الصغائر إلى الكبائر، ومن الكبائر إلى أكبرها ومنها إلى الكفر. حتى يصدق فيه قول السلف رضوان الله عليهم فيهلك.
ثم إن من عقوبات المعاصي خذلانَ صاحبها، وأن يستزله الشيطان للوقوع في المخالفات، كما في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}[آل عمران:155]، أي إنما وقعوا فيما وقعوا فيه من المخالفة بسبب ذنوب جرهم إليها الشيطان حتى أوقعهم فيها.. وفيه دليل على أن للمعاصي تأثيرا في خذلان العبد أمام نفسه، وأمام عدوه.
والمعاصي قد تؤدي إلى الإعراض عن اتباع الحق والتولي عنه، كما قال الله تبارك وتعالى: {فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}[المائدة:49].
أي إن تولوا عن اتباع الحق، فاعلم أنه عقوبة لبعض ما اقترفوه من الذنوب والمعاصي..
قال بعض أهل العلم: في الآية دليل على أن المعاصي تجر الإنسان إلى الإعراض عن طاعة الله، لأن النفس إذا تعودت المعصية، والاستكبار عن طاعة الله، أدى ذلك إلى أن ترتكب ما هو أكبر.
ثم إن العبد إذا اعتاد المعصية واستمرأ الذنب وأكثر منه ضعف قلبُه شيئا فشيئا، ونقصت معه قوة الإيمان ومحبة الرحمن، فتقل كراهية المعاصي ومنافرة القلب لها.. فينتج عن ذلك الاستهانة بها والتقليل من خطرها، لضعف المحبة وضعف المراقبة وقلة الحياء.
وقد يزداد الأمر فيتشرب قلبه ما أصر عليه من المعصية، فينتقل من مجرد الزلل إلى محبة الذنب والإصرار عليه، ثم الاحتيال للوصول إليه، ثم الألم والحزن على فواته، ثم ينمحي من قلبه الحياء منه فينتقل إلى المجاهرة، وربما إلى الدعوة إليه والتسبُّب في وقوع غيره فيه.. فيؤول أمره إلى أن يَنحَلِّ من قلبه ما يجب عليه من اعتقاد تحريمه، فيستحل الذنب من كثرة إلفه وحبه له. ويجري المخالفة مجرى المباحات دون كراهة لها، أو خوف من عاقبتها، فينتقض إيمانه باطنا. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه.
الران والطبع
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المعاصي قد تكتنف القلب، وتحيط به حتى تغطيه وتملأه بالران، فقال: (إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[صحيح الترمذي].
أي أن الران يغطي قلبه حتى يطفئ نوره، فتعمى البصيرة، فيرى الحق باطلا والباطل حقا، والحسن قبيحا والقبيح حسنا، وهذا مصداق قوله تعالى: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:14].. والآية وإن كانت في حق الكفار، إلا أنه صلى الله عليه وسلم ذكرها تخويفا للمؤمنين وتحذيرا من كثرة الذنوب حتى لا تسود قلوبهم كما اسودت قلوب الكفار.
قال ابن تيمية: "فالاستغراقُ في المعاصي أو الإصرارُ عليها قد يجعَلُها تحيطُ بصاحِبِها وتُنبِتُ النِّفاقَ في قَلْبِه؛ حتى يغطِّيَ قَلْبَه الرَّينُ، ويسُدُّ منه كُلَّ منافذِ الخَيرِ دونَما شعورٍ منه حتى يسقُطَ منه إمَّا عَمَلُ القَلبِ، فينتَكِسُ، ويُبَرِّرُ لصاحِبِه كُلَّ ما يفعَلُه من الشَّرِّ حتى يوقِعَه في استحلالِ المعاصي، وإمَّا يَسقُطُ منه قَولُ القَلبِ فيُنكِرُ بعضَ ما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لتبريرِ مُقتَضَياتِ الهوى والشَّهوةِ".
وليس بعد تغليف القلب بالران إلا انتكاسه والطبع عليه والعياذ بالله.
والخلاصة
هي أن ركوب المخالفات والمنكرات والاعتياد عليها ربما يؤدي في النهاية إلى الانسلاخ من الدين، وهذا لا يحدث في يوم وليلة، وإنما شيئا فشيئا حتى يخرج المرء من الدين بالكلية، كما روى أبو نعيم في الحلية "عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنه قيل له: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينها؟ قال: لا، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه، وإذا نهوا عن شيء ركبوه، حتى انسلخوا من دينهم، كما ينسلخ الرجل من قميصه".
فالحذر الحذر من الذنوب، والمسارعة المسارعة إلى التوبة والإنابة إلى الله فهي سبيل الفلاح والنجاة { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [ النور :31].
عن اسلام.ويب
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الكراب عامل شيشاوة يترأس حفل التميز السنوي لتكريم المتفوقين دراسياً
الكراب عامل شيشاوة يترأس حفل التميز السنوي لتكريم المتفوقين دراسياً

مراكش الآن

timeمنذ يوم واحد

  • مراكش الآن

الكراب عامل شيشاوة يترأس حفل التميز السنوي لتكريم المتفوقين دراسياً

توفيق عطيفي – مراكش الآن ترأس بوعبيد الكراب، عامل إقليم شيشاوة، مساء اليوم الثلاثاء 15 يوليوز، بالقاعة الكبرى لعمالة الإقليم، حفل التميز المنظم بشراكة بين المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشيشاوة، والمجلس الإقليمي لشيشاوة، وعمالة شيشاوة، وذلك تحت شعار: 'نكرم التميز ليظل النجاح أسلوب حياة'. وقد شهد هذا الحفل المتميز حضور عدد وازن من المسؤولين والفاعلين، من ضمنهم محسن البقالي المدير الإقليمي للتعليم، عبد الرحيم بوستوت رئيس المجلس الإقليمي لشيشاوة، عبد الحق المبرع رئيس قسم الشؤون الداخلية، إضافة إلى نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بامنتانوت، وعدد من رؤساء المصالح الخارجية والأمنية. وفي كلمته الافتتاحية بالمناسبة، استحضر محسن البقالي المدير الإقليمي للتعليم دلالات هذا الاحتفال، الذي ينعقد تزامنا مع احتفال الشعب المغربي بالذكرى السادسة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على عرش أسلافه المنعمين. وأبرز أن هذا التقليد السنوي الذي دأبت المديرية على تنظيمه، يأتي في إطار تثمين جهود المتعلمات والمتعلمين الذين أبانوا عن تميزهم خلال الموسم الدراسي 2024-2025، وانخراط مختلف الشركاء في الارتقاء بالمؤشرات التربوية بالإقليم. وأضاف البقالي قائلا:'في هذه اللحظة التي نحتفي فيها بفلذات أكبادنا الذين أبلوا البلاء الحسن، وساهموا في تحقيق نتائج تستحق التنويه.' كما استعرض المسؤول التربوي حصيلة الموسم الدراسي، مبرزا أن النتائج المحصل عليها في جميع الأسلاك التعليمية تدعو للفخر والاعتزاز، حيث بلغت نسبة النجاح في الدورة العادية لامتحانات الباكالوريا 73.12%، لترتفع بعد الدورة الاستدراكية إلى 89.52%، بمجموع 2169 ناجحة وناجحا في مختلف الشعب والمسالك. وعن توزيع الميزات، فقد جاءت على النحو التالي: 77 ميزة حسن جدا، 290 ميزة حسن و 651 ميزة مستحسن. وبخصوص الامتحانات الإشهادية الأخرى، فقد بلغت نسبة النجاح في شهادة السلك الثانوي الإعدادي 51.40%، في حين حققت شهادة الدروس الابتدائية نسبة 94.70%. وأكد البقالي أن هذه الحصيلة الإيجابية ما كانت لتتحقق لولا تضحيات الأطر التربوية والإدارية، ومواكبة المفتشات والمفتشين، وتعاون الأسر وأولياء التلاميذ، مشيدا بالدعم المتواصل لعامل الإقليم، الذي يتابع مختلف أوراش المنظومة التربوية ويوليها العناية اللازمة. وفي ختام كلمته، عبر المدير الإقليمي عن تقديره لمدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، والسلطات المحلية، والجماعات الترابية، والمصالح الخارجية، داعيا إلى مواصلة الجهود من أجل تنزيل أوراش خارطة الطريق 2022-2026 التي تروم تجويد الأداء التربوي، وتحسين المؤشرات، وتحقيق أثر ملموس لدى المتعلمين. وقد تخلل الحفل تكريم المتفوقات والمتفوقين وتوزيع جوائز رمزية وشهادات تقديرية، وسط أجواء احتفالية عكست اعتزاز الأسرة التربوية والشركاء بالنتائج المشرفة التي حققها الإقليم في مختلف المستويات التعليمية.

السمارة: انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم
السمارة: انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم

الألباب

timeمنذ يوم واحد

  • الألباب

السمارة: انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم

الألباب المغربية أشرف عامل إقليم السمارة، الدكتور إبراهيم بوتوميلات، على إعطاء الانطلاقة الرسمية للمرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم 'عطلة للجميع'، خلال حفل تربوي احتضنه مركز الاستقبال والندوات، بحضور ممثلي السلطات المحلية، والمنتخبين، والقطاعات الوزارية، والجمعيات التربوية الشريكة. وتندرج هذه المحطة التربوية في إطار التفعيل الميداني للرعاية السامية التي يخص بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، قضايا الطفولة والشباب، حيث تم اختيار شعار الموسم: 'المخيمات التربوية فضاء للتميز وبناء الأجيال'، بما يعكس البعد القيمي والتكويني لهذا الورش الوطني. وفي كلمته بالمناسبة، أكد عامل الإقليم أن انخراط السمارة في هذا البرنامج الوطني ينبع من وعي جماعي بأهمية التخييم كرافعة لبناء شخصية الطفل وترسيخ القيم الوطنية والانفتاح، مبرزًا أن هذه المرحلة تستهدف 300 طفل وطفلة من مختلف جماعات الإقليم، ضمن موسم صيفي سيشمل ما مجموعه 2400 مستفيد ومستفيدة، من بينهم 600 سيقضون فترات التخييم داخل المخيمات القارة. وأوضح الدكتور بوتوميلات أن هذا الزخم التربوي لم يكن ليتحقق لولا الانخراط المسؤول لمجموعة من الشركاء، في مقدمتهم وزارة الداخلية، مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، المجلس الإقليمي للسمارة، الجماعات الترابية، المكتب الشريف للفوسفاط، ووكالة الجنوب، إلى جانب النيابة الإقليمية للشباب، والجامعة الوطنية للتخييم، والجمعيات والمنظمات المحلية، التي تضطلع بدور محوري في التأطير والمواكبة. كما شدد على ضرورة اعتماد مقاربة الحكامة والتقييم المستمر لضمان جودة البرامج التربوية والخدمات المقدمة، مشيرًا إلى إحداث اللجنة الإقليمية لتتبع مراحل التخييم، واللجنة المختلطة لتدقيق جودة التأطير والاستقبال، حرصًا على تنزيل فعال وشفاف لهذا الورش الوطني. الحفل عرف تقديم عرض مفصل حول المعطيات الإحصائية للبرنامج، بحضور المستفيدين وأسرهم، قبل أن يختتم باستراحة شاي وتوديع الأطفال المنطلقين نحو مراكز الاصطياف بمختلف جهات المملكة، في أجواء يغمرها الاعتزاز والانتماء. ويُعد هذا الموعد التربوي محطة جديدة في مسار تعزيز مكانة الطفولة بإقليم السمارة، وترجمة عملية للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى جعل التخييم فضاءً لصقل القدرات، وتعزيز الانتماء، وبناء أجيال معتزة بهويتها الوطنية.

زمن النص القرآني والخطاب النبوي
زمن النص القرآني والخطاب النبوي

لكم

timeمنذ 2 أيام

  • لكم

زمن النص القرآني والخطاب النبوي

يتأطر زمن النص القرآني، في اتصاله بزمن البعثة النبوية، بين بداية نزول القرآن الكريم، ونهايته بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم). لكن بدايته المحددة بمؤشر زمني محدد ليست لها نهاية لارتباطها بزمن القصة (الخلق/ الخلود). فالرسول جاء ليبلغ آخر رسالة. لذلك نجد كل ما تضمنته قصة الخطاب، وخطاب القصص القرآني مؤطرة ضمنها. وإذا كان خطاب القصص القرآني ينتهي بانتهاء أزمنة الأنبياء والرسل، الذين بعثوا إلى أقوامهم، والذين عرفوا جميعا جزاءهم في الدنيا (الغرق/ خسف الأرض)، فإن مصيرهم وفق زمن القصة، سيكون متوقفا ليس على زمن البعثة النبوية (قريش وأهل الكتاب) بل سيمتد ليشمل كل أفراد البشرية الذين ولدوا بعد وفاة الرسول، وبذلك يلتقي زمن النص في امتداده بزمن القصة والخطاب، حيث يكون الجزاء والعقاب يوم القيامة. إن امتداد زمن النص إلى زمن النهاية (الخلود) الذي لمسناه في زمن القصة، يؤكد من جهة أولى اتصاله بزمن القصة والخطاب معا. ولما كان النص القرآني، من جهة ثانية، تصديقا لكل الكتب والأنبياء والرسل السابقين، ومهيمنا عليها جاء مخاطبا للبشرية جمعاء من خلال ليس فقط ما ورد في النص القرآني من جهة ما تعلق منه بعالم الغيب وعالم الشهادة، ولكن أيضا من خلال حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو يقوم بتبليغ الرسالة الأخيرة في الفترة الزمنية التي بدأت مع الوحي، وانتهت بانتهائه. يسلمنا هذا التحليل إلى اعتبار زمن البعثة النبوية لا يتضمن فقط أداء الرسالة المحددة (تبليغ القرآن الكريم) التي بعثه الله من أجلها، ولكنه كان أيضا تقديما لقصة حياة الرسول مع قومه، إنه وهو يدعو إلى عبادة الله وحده، وتشريع نظام جديد للحياة. كان يحدِّث الناس، ويجيب على الأسئلة، أي أنه كان ينتج خطابا مباشرا (القول). وإلى جانبه كان ينظم الحياة العامة للمسلمين، ويدعوهم للجهاد، ويعلمهم نمطا جديدا في الحياة (الفعل). وقد تولد من قصة الرسول مع قومه خطاب مواز هو الحديث النبوي، الذي تجسد من خلال أقوال الرسول وأفعاله فجاء نصا موازيا للنص القرآني، وترجمة له من خلال ما تعلمه الرسول من النص الذي أنزل عليه. يبدو لنا ذلك بجلاء من خلال نوعين متوازيين ومتكاملين من الخطاب القرآني. يبدو أولهما في مختلف التوجيهات والأوامر العامة (قل، اتلُ…) التي كانت توجه إلى الرسول من لدن ربه ليعلمها للناس، وهو يؤدي دوره كوسيط اختاره الله واصطفاه، كما فعل مع كل الأنبياء والرسل، وعلمه ما لم يكن يعلم. أما الخطاب الثاني فيتمثل في كون الرسول بشرا لا يختلف عن غيره، إلا بما علمه الله إياه، ولذلك فهو عرضة لما يتعرض لأي إنسان من انفعالات وأحاسيس. يبدو لنا ذلك بجلاء من خلال الخطابات التقويمية والتثبيتية التي كانت، من جهة تقص عليه ما وقع للأنبياء والرسل قبله، وما كان بعضهم يأتيه من أفعال تتطلب التقويم والتنبيه، لكي يستفيد منها في تجربته في أداء الرسالة. ومن جهة ثانية إلى عدم الاستسلام لبعض الإكراهات التي تفرض عليه، أو بعض تصرفاته التي تجانب الصواب، أو تدفعه للخضوع لغيره، مما يتنافى مع الدور المنوط به. وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات الدالة على ذلك، وقد نجم عن هذين الخطابين نجاح الرسول في أداء مهمته، بشرا ووسيطا، فصار بذلك نموذجا لمن يضطلع بالمهمة ويؤديها على أحسن وجه وأتمه. نعاين ذلك بجلاء في آخر الآيات التي أنزلت عليه، والتي تبرز تقديم عمله كاملا غير منقوص: «اليوم أكملت لكم دينكم، ورضيت لكم الإسلام دينا»، تعبيرا عن أدائه الرسالة على النحو المطلوب، وأنه قام بدوره أحسن قيام، رغم كل الإكراهات والصعوبات والعراقيل. ولما كانت قصة البعثة النبوية باعتبارها تجربة حياتية للرسول مع قومه، نجد مصداقا لذلك في آخر خطبة للرسول (خطبة الوداع) حيث كان يُشهد المسلمين على ما اضطلع به بسؤاله بين الفينة والأخرى: «هل بلغت؟» وفي كل مرة كانت التأكيدات على ما قام به، فكان يشهد الله على أقوالهم. إن هذا الخطاب النبوي (الحديث) متصلا بعالم الشهادة، أي علاقة الرسول بقومه، لا نجده في أي خطاب بشري كيفما كان جنسه أو نوعه. ولا غرابة في ذلك فهو امتداد للنص القرآني بسبب ارتباطه الشديد به. فالرسول كان يعيش حياتين: حياة الرسول الذي يتلقى الوحي ويبلغه. وحياة الإنسان الذي يقدم النموذج لما يتلقاه من الوحي، مستلهما إياه، ومستفيدا منه في تجربته الحياتية مع نفسه وقومه، فكانت خطاباته وأفعاله جزءا من رسالته وحياته معا. لذلك نجد المسلمين في حياته كانوا يحفظون أقواله، ويتشبثون بأفعاله (صلوا كما رأيتموني أصلي) فيما يتعلق بأمور الدين. وفي بعض القضايا الخاصة بأمور الدنيا يقول لهم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، لذلك كان الحديث النبوي ترجمة وتفسيرا لما جاء به الرسول وهو يؤدي الرسالة. إن قوما يدعون أنهم قرآنيون، لا علاقة لهم بزمن النص القرآني الذي لا يمكن التفاعل معه فهما وتفسيرا وتأويلا، من دون ربطه بأسباب النزول، أو السياق الذي ورد فيه. إن النزول والسياق معا متصلان بزمن قصة البعثة النبوية، وهما يؤكدان معا أن القرآن الكريم لم ينزل في مكان ما، من دون رسول، وطلب من الناس استنساخه والاكتفاء بما فيه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store